الغلاف الخلفي - ما الذي يدعونا للرقص؟
العدد 56 - لوحة الغلاف
إذا ما تأمّلنا طفلاً في مرحلة الطفولة الأولى، سندهش منه وهو يهزُ جسده، ويتمايل على إيقاع الأصوات المتناغمة من حوله. وقد يُراودنا سؤالٌ يتعلق بما إذا كان إرقاص الجسد، خصيصةُ طبيعية (إرثُ جيني وعواملُ بيولوجية)، أم فعلٌ مكتسب؟ وهذا السؤال بطبيعته، يجرنا إلى جدلية الطبيعة والتنشئة، ولكن بعيداً عن الخوض في هذه الجدلية، فإن الرقص بوصفه مشتركٌ إنساني، لدى مختلف الشعوب والثقافات، وفي مختلف الأزمنة، يثير العديد من التساؤلات، خاصةً وأنه فعل بالغ التعقيد، يندر وجوده في المملكة الحيوانية، وإن صح بأن عدداً من الكائنات تمارس الرقص لأغراض التزاوج أو الاستعراض متعدد الأهداف، إلا أن الرقص المتناغم مع الإيقاعات الخارجية (الموسيقى أو الأصوات المختلفة)، والمنسجم معها، نادر بندرة خصيصة اللغة لدى الإنسان -كما تذهب بعض الآراء العلمية- فالعمليات المفضية إلى فعل الرقص، عملياتٌ بالغة التعقيد على المستوى العصبي والتشريحي، ولانتصاب الإنسان دورٌ محوريٌ مرجح في هذه الفرادة.
ولأن الرقص يندرجُ ضمن الأفعال السلوكية، فإنهُ لا ينفصل عن مجموعة المشكلات التي تعانيها دراسة التطورات الثقافية والسلوكية للإنسان؛ إذ أنها لا تتأحفر، وبالتالي لا تترك سجلاً يمكّن الباحثين من قراءة التطورات والأصول قراءة واضحةً، بيد أن الدراسات، ترجحُ أو تفترض عدداً من الفرضيات للوصول إلى استنتاجات، وفي حال الرقص، تبرزُ وجهتا نظر في سياق تعليل الرقص لدى الإنسان، الأولى ترى بأن الرقص، عارضٌ جانبي للانتخاب الطبيعي، وقد ساعد هذا العارض في إبقاء أسلافنا بشكلٍ أو بآخر، فيما ترجح وجهة النظر الأخرى، احتمالية أن يكون الرقص «تطور بوصفه سمة تكيفية ربما تكون قد أسهمت في تقوية الروابط الاجتماعية بين البشر بطريقة حسنت من القدرة على البقاء» [ساينتفك أمريكان العربية]، وتختلف وجهة النظر هذه عن الأخرى، في كون الرقص، ليس مجرد عارض تطوري.
وفي هذا العدد، اخترنا لغلافنا الخلفي، صورة لراقصين، يرقصان الـ (Chico)، التي تُرقص على إيقاع بعض أنواع الموسيقى المنصهرة في بوتقة أمريكا اللاتينية. وصورة هذين الراقصين، تعودُ لفرقة برازيلية تحمل اسم «رانشو دا سواد» Rancho da Saudade. والرقصة في أصلها مزيج من الرقصات الفلكلورية في ولاية «ريو غراندي دو سول»، واستوحاها المهتمون بالرقص الفلكلوري لتخرج هذه الرقصة التي ولدت قبل خمسة عقود.
تمتاز رقصة الـ (Chico) بكونها رقصةً جماعية، ولابد من الإشارة هنا، إلى أن تنسيق الرقص جماعيً وضبط حركة الجسد وفقاً للشريك أو المجموعة، هي خصيصة أخرى للإنسان، وفق ما استنتج العلماء حتى الآن، فليس من كائنٍ يرقص بتنسيق حركته وفق إيقاعٍ خارجي، ليوفق بينها وبين حركة جسده أولاً، وحركته وحركة المقابل له ثانياً. وعلى الرغم من أن الطيور المهاجرة وبعض الأسماك تفعل شيئاً مقارباً في أسرابها، إلا أنهُ شيء مختلف عن تناسق مجموعة الراقصين.