فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
67

من مدوّني الشعر النبطي محمـّـد بـُـوْدَيْ

العدد 54 - أدب شعبي
من مدوّني الشعر النبطي محمـّـد بـُـوْدَيْ
مملكة البحرين

هو الأديب الكويتي الشاعر الباحث الجامع المدوّن، محمد بن حمد بن محمد بن عبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز بن جاسم بن أحمد بن ناصر بن عبد اللطيف بن عبد الله بن عبد اللطيف آل بودَي، رحمه الله.

آل بـودي:

أسرة عربية عريقة تعود جذورها إلى فرع (الجبور) من قبيلة (بني خالد)، من ذرية عبد الله بن ناصر بن منصور بودَي، الذي كان يسكن في (العيينة) بنجد، ثم ارتحلوا إلى الساحل الشرقي من الجزيرة العربية، فقسم نزل بالإحساء، وقسم توجه إلى الكويت في بداية نشأتها.

وآل بودي أسرة تعاطت التعليم الديني والنشاط التجاري، وقد جاء في صفحة 53 من كتاب (الإكليل) سلسلة تراجم كويتية، ما يلي:

« عرفت عائلة بودي النشاط التجاري منذ القدم ورفدت المجتمع بتجارب إنسانية مثمرة، وبرز منهم فعاليات تجارية، أسهمت في بناء الوطن والنهوض بمرافقه وخدماته».

ومن هذه الأسرة اشتهرت الكثير من الأسماء المعروفة في شتى المجالات والنشاطات التجارية والاجتماعية، وقد ورد ذكر بعضهم وما قدموه لوطنهم في العديد من المصادر المطبوعة التي أبرزت عطاءهم وخلدته للأجيال القادمة. أما أديبنا محمد بن حمد بودي فقد انفرد بهواية حفظ من خلالها الكثير من نتاج وعطاء شعراء الكويت والخليج والجزيرة العربية.

وقد عاشت الأسرة في نطاق مدينة الكويت القديمة ضمن حيّ خاص بها يطلق عليه مسمى (فريج بودَي).

والـــده:

هو السيد حمد بن محمد بودي، الذي توفي بالكويت في 10 رجب 1335هـ.

والدتـــه:

- هي السيدة مريم حمد عبد الرحمن بودي، صاحبة مدرسة لتعليم الأولاد القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم، حيث ذكرها الدكتور عبد المحسن الخرافي في كتابه (مربون من بلدي) بقوله:

افتتحت في بيتها مدرسة لتعليم الفتيات، واشتهرت المربية الفاضلة بحزمها وعدم تساهلها مع من لا يلتزمن بحفظ ما كلفن من آيات القرآن الكريم وسوره.

- وجاء في (قاموس تراجم الشخصيات الكويتية في قرنين ونصف) صفحة 380:

1. المطوعة مريم حمد عبد الرحمن بودي.

2. مطوّعة وصاحبة مدرسة.

3. ولدت بفريج بودي بمنطقة الوسط بالكويت نحو عام 1282هـ 1865م.

4. تلقت تعليمها على يد والدها الملا حمد بن عبد الرحمن آل بودي حيث تعهدها منذ طفولتها حتى أتمت الدراسة ما أهلها لمعاونته في التدريس.

5. افتتحت في بيتها مدرسة لتعليم الفتيات، وكان منهجها في التعليم هو المنهج الشائع في كتاتيب عصرها حيث تعليم القراءة والكتابة وقراءة القرآن وحفظ بعضه ودراسة جانب من الفقه.

6. درس على يدها كثيرات من بنات الكويت في ذلك الوقت، وخصوصاً بنات فريج الشيوخ، وفريج بودي وآل عبد الرزاق، والسلطان، والجوعان.

7. كانت الدراسة بكتّابها صباحاً حتى الظهر. وكانت تتقاضى من كل طالبة أربع بيزات كل خميس إذا كانت الطالبة من عائلة ثرية، وبيزتين إذا كانت من عائلة فقيرة، وكانت تعفي غير القادرات من دفع أي رسوم.

8. علّمت إحدى تلميذاتها النجيبات وهي موزه آل عبد الله، وكلفتها بمعاونتها في تحفيظ الفتيات.

9. اشتهرت بحزمها وعدم تساهلها مع من لا يلتزمن بحفظ ما كلفن به من آيات القرآن الكريم وسوره.

10. توفيت عام 1365هـ 1945م.

وفي نفس المصدر حديث عن والدها (حمد عبد الرحمن بودي) في صفحة 76، وأنه ولد بفريج بودي في الكويت عام 1234هـ 1820م. وأنه افتتح مدرسته في ديوانية آل بودي. كما عاصر إجتياح مرض الطاعون للكويت عام 1246هـ 1831م، حيث فقد كل أهله ولم يبق سوى أخيه محمد، وكان هو في نحو الثانية عشرة من عمره، ومع ألم اليتم وفقد الأهل واصل تعليمه حلقة بعد حلقة، ونجاحاَ تلو نجاح، وبارك الله له ولأخيه، ومنهم آل بودي الموجودين اليوم بالكويت.

وقد توفي حمد عام 1325هـ 1907م.

كما وردت سيرته مستفيضة في صفحة 94 من كتاب (علماء الكويت وأعلامها خلال ثلاثة قرون) لعدنان بن سالم بن محمد الرومي.

ســـيرته:

- ولد محمد بن حمد بودي في عام 1321هـ 1904م في منزل والده الكائن بفريج بودي بمدينة الكويت.

- نشأ وترعرع في بيئة علمية.

- درس القرآن الكريم في صباه لدى إحدى الكتاتيب، ثم التحق بالمدرسة المباركية التي تأسست عام 1911م.

- درس اللغة الإنجليزية على يد مدرس خاص فأتقن القراءة والكتابة والمحادثة.

- امتلك ثقافة واسعة اكتسبها من قراءاته المختلفة في كتب الأدب والثقافة والتاريخ والشعر، وشتى اتجاهات الثقافة.

في المجال الأسري:

- تزوج محمد بودي ابنة خاله عبد الوهاب بودي وذلك في عام 1342هـ ومكثت بعصمته أكثر من سبع سنوات، ولكنها لم تنجب فانفصلا عام 1350هـ.

- وفي ذي الحجة 1352هـ تزوج من السيدة نورة عبد الرحمن إبراهيم الجسار فأنجبت له الأبناء، وكان أولهم (حمد)، وقد توفي صغيراً عام 1354هـ، أما هي فقد عاشت بعد وفاة زوجها، وانتقلت إلى رحمة الله في 23 يونيه 1971م.

- أنجب ثمانية من الأبناء هم: عبد اللطيف، حمد، عبد الله، فيصل، جاسم، أحمد، عبد المحسن، علي، إضافة إلى ابنتين هما فاطمة ومريم.

- ترك محمد بودي مذكرات شخصية رصد فيها تواريخ ميلاد أبنائه وزوجاته ووفيات آل بودي وتواريخها. كما دوّن أسماء الأحياء من أسرة آل بودي في منطقة الإحساء بتلك الفترة.

- كما وثـّق مواريث أسرته وتفاصيل أملاكهم، عدا مذكرات البيع والشراء ورواتب الخدم ومصاريف المنزل وتكاليف البناء.

- كما وثق إدخال الكهرباء إلى منزله في سنة 1939م.

- ومن مذكراته نعرف أن جده لوالده (محمد بن حمد بودي) ولد في 1273هـ وانتقل إلى رحمة الله في 1323هـ، أي أنه كان في الخمسين من عمره عند وفاته.

- أما عن أبنائه وتواريخ ميلادهم، فقد اختطفت المنون أول أبنائه ويدعى (حمد) وذلك في عام 1354هـ ، وقد توفي صغيراً.

- رزقه الله ثمانية أبناء، وهم حسب تواريخ ميلادهم:

عبد اللطيف ولد في 22 ربيع الأول 1355هـ.

حمد ولد في 24 ربيع الأول 1358هـ.

عبد الله ولد في أول محرم 1360هـ.

فيصل ولد في 24 ذو الحجة 1361هـ.

جاسم ولد في 12 ربيع الأول 1364هـ.

أحمد ولد في 21 جمادى الثانية 1365هـ.

عبد المحسن ولد في 25 جمادى الثانية 1367هـ.

علي ولد في 10 ربيع الثاني 1369هـ.

وابنتان هما: فاطمة ومريم.

في المجال الوظيفي:

افتتح أول مستوصف صحي خاص في الكويت، وكان يوزع الدواء مجاناً للمحتاجين.

في عام 1937م افتتح صيدلية تعتبر من أوائل الصيدليات في الكويت، وكان يجلب الأدوية من الخارج، مثل بغداد ومصر وكذلك لندن.

كانت تربطه صداقة حميمة مع الشيخ صباح الناصر المبارك والشيخ عبد الله السالم الصباح، حاكم الكويت الحادي عشر بعد ذلك، فكان الشيخ عبد الله يزوره دائماً في الصيدلية، وقد ألح عليه وأقنعه بالعمل في وزارة الصحة، فباع الصيدلية وعمل في مستوصف صحي مع الطبيب السوري د. يحيى الحديدي، ومعهما شخص آخر يقوم بضرب الإبر، وكان ذلك في رمضان 1358هـ، براتب قدرة خمسون روبية. ومعلوم أن المستوصف السوري هو أول مستوصف في الكويت.

في حقبة الأربعينيات كان الشيخ عبد الله السالم الصباح مسئول مالية الكويت، فأقنعه بالعمل في إدارة المالية، فالتحق بها بوظيفة أمين صندوق حتى عام 1962م حيث تقاعد.

مأساته:

من المآسي التي أثرت في نفسيته وتسببت في كآبته وانعزاله عن الناس في أخريات عمره، بالإضافة إلى اعتلال صحته وتدهورها حتى انقضاء أجله، أنه سافر مع أسرته إلى لبنان في شهر يوليه عام 1956م، لقضاء إجازة صيفية هناك، وكان قد وافق على عرض الحكومة لإزالة منزله القديم الكائن في محلة بودي (ساحة العبد الرزاق الآن) في وسط المنطقة التجارية حالياً بمدينة الكويت. وفي أثناء غياب الأسرة في سفرها بلبنان، قامت الحكومة بهدم المنازل، فنقل عفش المنزل ومحتوياته وما فيه من كتب ومخطوطات، في شاحنات من الكويت إلى منزل العائلة الصيفي في الرميثية ريثما يعود أصحاب المنزل من السفر.

ويقول السيد عبد اللطيف محمد بودي أن العمال الذين قاموا بنقل الحاجيات لم يحرصوا على الكتب والمخطوطات، فكانت تتطاير من الشاحنات بفعل الهواء وتتناثر من الرميثية إلى الكويت، ففقد مالكها الأديب محمد بودي الكثير من تلك المخطوطات والكتب والأوراق التي كان يقتنيها ويحرص عليها وأمضى عمره في جمعها وأنفق أمواله عليها.

ولا ريب أنه بعد عودته من السفر أصيب بالحزن لفقد هذه الثروة الغالية على نفسه، وتأثرت نفسيته جراء هذا الإهمال من عمال النقل، ولازمه هذا التأثر لأن أغلب ما فقد لا يمكن تعويضه أو الحصول على بدائل عنه.

وبعد ذلك انعزل عن الناس وصار لا يغادر منزله، ولم يعد ذلك الشخص الذي تحركه هوايته فيخرج من منزله للحصول على ما يضيف شيئاً ما إلى مقتنياته وهوايته.

وفاته:

أصيب محمد بودي في السنوات الأخيرة من عمره بمرض الدرن الرئوي، وكان ذلك في عام 1956م، وانتقل إلى رحمة الله في الكويت، مساء الخميس ليلة الجمعة 23 رمضان 1383هـ الموافق 6 فبراير 1964م، بسبب هبوط في القلب والتنفس.

مكتبتـــــه:

كان محمد بودي شغوفاً جداً بالقراءة، وراح يقتني أمهات الكتب والدوريات والمجلات الثقافية، حتى أصبحت لديه مكتبة كبيرة متنوعة، وبعد وفاته فُقد أغلب محتويات مكتبته، كما هو الحال مع مخطوطاته، وما تبقى منها يدلّ على تنوع قراءاته.

يقول ابنه عبد اللطيف أن والده كان لا يكتفي بشراء الكتب من السوق المحلية، بل يقتنيها من أي مكان يسافر إليه، كما كان يراسل المكتبات والمطابع الشهيرة في العالم العربي، للحصول على ما يهمه من عناوين، ومن هذه المكتبات (مكتبة عيسى البابي الحلبي) بحي الأزهر بالقاهرة، حيث يتزود منهم بكثير من إصداراتهم.

ومما تبقى من مكتبته نشير إلى بعض العناوين التي تفصح لنا عن قراءاته وتنوعها، وتؤكد أن ثقافته عامة وشمولية.

المجلات والدوريات:

- مجلة المقتطف.

- مجلة اللطائف المصورة.

- مجلة المصوّر.

- سلسلة كتب (إقرأ).

التاريخ:

- ملوك العرب وأمرائهم المعاصرين.

- تاريخ نجد.

- تاريخ البحرين.

- تاريخ الكويت.

- نزهة المجالس.

- تاريخ الطبري.

- نزهة الأنام في محاسن الشام.

الروايات:

- سمير الليالي.

- روايات روسية.

- جميل وجميلة.

أنساب:

- سبائك الذهب في قبائل العرب.

الأدب:

- حياة الحيوان.

السياحة والرحلات:

- أمريكا في نظر شرقي.

بالإضافة إلى مؤلفات د. طه حسين، وكتاب الحكمة، وأطلس حافظ، وشموس الأنوار، وكل هذه الكتب والمجلات طبعاتها قديمة.

كان حريصاً على اقتناء شتى المواضيع والمعارف لتضمها رفوف مكتبته، فقد كان يمتلك الكثير من المخطوطات القديمة، ومما بقي منها مخطوط مؤرخ في عام 961هـ، وكذلك مطبوعات قديمة تعود تواريخ طباعتها إلى القرن التاسع عشر الميلادي، وكتب في علم الفلك عن الربع المجيّب، طباعة مكة المكرمة، وأمهات الكتب الدينية، وكذلك أمهات الكتب التاريخية، أما الدواوين الشعرية فهي أبرز ما ضمته مكتبته.

ومن عاداته التي دأب عليها مع التي يقتنيها، أن يدوّن فيها نبذة عن المؤلف، فمثلاً كتب على (ديوان الزهاوي) الصادر عام 1934م، ذكر تاريخ ميلاده، وأنه توفي عام 1936م.

بودي الورّاق الجامع والمدوّن:

- إهتم بالشعر الشعبي متمثلاً في الشعر النبطي والمواويل، وجمع منها مخطوطات كثيرة أغلبها بخط يده، وكان له نشاط بالبحث الميداني.

- اجتهد في الحصول على قصائد الشعراء بالاتصال المباشر معهم، أو بالتبادل مع جامعي القصائد أمثاله في المنطقة، مثل الشاعر عبد الرحمن الربيعي من عنيزة، ومحمد العسافي من الزبير، وحمد البسام من البحرين، وغيرهم من حفاظ الشعر.

- كان مصدراً رئيسياً للشعر في الكويت، يستقي منه الباحثون والكتاب والشعراء، ومنهم الشيخ يوسف بن عيسى القناعي والباحث الشاعر عبد الله بن عبد العزيز الدويش، وعبد الله الخالد الحاتم.

- ومن تراثه نهل بعد ذلك الدكتور عبد العزيز بن لعبون حين عمل على (ديوان محمد بن لعبون)، والباحث الكويتي الأستاذ إبراهيم الخالدي في كتابه (ديوان عبد الله بن ربيعة).

- قال الدكتور عبد العزيز بن عبد الله اللعبون في كتابه ( الشاعر محمد بن لعبون) عن (مخطوطة بودي):

- وهذه المخطوطة نسخت بخط جميل واضح وتقع في عدد من الكراسات وبدون عنوان، وهي المصدر الرئيسي لما نشره الأديب عبد الله بن خالد الحاتم في مؤلفه (خيار ما يلتقط من الشعر النبط) وذلك بدعم وتوجيه من الشيخ عبد الله السالم الصباح أمير الكويت وقتذاك، ويذكر أن بودي قد استعان في جمعه لشعر ابن لعبون بالشيخ محمد العسافي والشيخ ابن شهوان من أدباء الزبير وعلمائها».

- يعتبر محمد بودي أكثر نظرائه وعياً في التعامل مع مجموعاته من قصائد الشعراء بتوزيعها وترتيبها وفهرستها.

- كان شاعراً ينظم القصيدة النبطية، وقد تبادل الشعر مع بعض الشعراء، ولكنه لم يجمع قصائده في ديوان خاص.

- هو الوحيد بين أقرانه الذي إهتم بجمع الزهيريات والمواويل من أفواه الرواة وبشتى السبل.

- كان يمتاز بوضوح خطه مما يسهل قراءة مجموعاته، ويمتاز بسرعة كتابته اليدوية مع أن نقل الأشعار وكتابتها يحتاج إلى التأني والحرص لتجنب الوقوع في الأخطاء.

- وبما أنه كان يجيد الطباعة على الآلة الكاتبة، فإنه يقوم أحياناً بطباعة قصائده على تلك الآلة.

- كان يكتب بعض الدراسات والبحوث والمواضيع الأدبية، ولكنها لم يجمعها في كتاب أو مخطوط، ومما كتبه بحث عن الشاعر الكبير محمد بن لعبون.

- كما كان سخيّاً كريماً، وقد مدحه بعض الشعراء طلباً للرفد.

- كانت لديه مكتبة ضخمة متنوعة الثقافات وشتى المعارف.

- قال عنه الشاعر الكويتي الأستاذ / عبد الرزاق محمد صالح العدساني بأنه كان رحمه الله أديباً ذا اطلاع واسع ويهوى العلم والثقافة والأدب.

- وفي لقاء أجريته عام 1990م مع الشاعر الكويتي عبد الله عبد العزيز الدويش الذي توفي عام 1992م، ونشرته في صفحة (التراث) بجريدة (الأيام) البحرينية، سألته عما إذا كان هناك من يقوم بجمع الشعر النبطي في دولة الكويت؟ فقال: نعم، هناك محمد حمد البودي، لديه مخطوطة جمع فيها قصائد قديمة ولكن مع الأسف هذه المخطوطة ضاعت بعد أن أخذ منها الشيخ يوسف بن عيسى القناعي، ووضعها في كتابه «صفحات من تاريخ الكويت» وبعد ذلك فقدت المخطوطات.

- الغريب في هذا القول أن كتاب الشيخ يوسف القناعي يصنف على أنه تاريخي وليس شعريا، وإن استشهد المؤلف ببعض المعلومات الشعرية، وهذا يثير التساؤل عن مخطوطة بودي التي استعان بها الشيخ القناعي، هل هي شعرية أم تاريخية؟ ولا يستبعد ذلك، إذ أن بودي لديه خاصية التدوين التاريخي لبعض الأحداث الإجتماعية والملاحظات التي قد تفيد من يرغب بالكتابة عن تاريخ الكويت.

- ومما يتميز به محمد بودي عن غيره من أمثاله جمّاع الشعر النبطي، أنه كان يحرص على تدوين سنوات الوفاة للشعراء الشعبيين، ومن تواريخ الوفيات تلك:

راشد الخلاوي 1010هـ

ابن عبد الرحيم راعي أشيقر 1015هـ

حميدان الشويعر 1088هـ

عامر السمّين، من أهل ملهم 1079هـ

رميزان بن غشام 1070هـ

جبر بن سيار 1085هـ

الجدر الخالدي 1185هـ

قرينيس، من الهزازنة 1186هـ

عبد العزيز بن كثير 1188هـ

أحمد بو عنقا 1219هـ

محسن الهزاني 1220هـ

رجم الـدو 1239هـ

الشريف راجح 1239هـ

مشعان بن هذال 1240هـ

مهنا بو عنقا 1245هـ

العبيدي، راعي الزلفي 1245هـ

مشاري السعدون 1249هـ

فهد الصبيحي، في بريدة 1255هـ

عبد الله بن ربيعة 1260هـ

عبد العزيز بن جاسر بن ماضي 1267هـ

الشريف سلطان بن شرف 1274هـ

رشيد العلي بن العلا، في الزلفي 1275هـ

تركي بن حميد 1287هـ

عبد الله بن تركي السديري 1292هـ

عبد الله بن جابر، عنيزة 1292هـ

محمد الصالح القاضي 1293هـ

صالح آل حمود الحسني 1291هـ

بديوي العتيبي، مكة المكرمة 1296هـ

سليم بن عبد الحي، الحسا 1317هـ

ولأنه يتبادل جمع القصائد مع غيره من الوراقين والمهتمين بجمع القصائد النبطية، فيرسل لهم بعض مخطوطاته لينسخوها ثم يعيدوها، ويستقبل منهم المخطوطات لينسخها ويعيدها إليهم، لأن تكنولوجيا آلات النسخ والتصوير لم تكن قد ظهرت بعد، فقد عثر أحد الباحثين المهتمين على مخطوط شعري في مكتبة الشيخ محمد العسافي، فاعتقد أنه من جمع الشيخ العسافي، وعمل على تحقيقه وطباعته وإصداره، ظناً منه أنه للعسافي، فأصدره باسمه، بينما هو في الحقيقة من تدوين وجمع محمد بن حمد بودي، كما هو واضح من خطه ومن نوعية القصائد المدونة في هذه المخطوطة.

وإني أجزم بهذه المعلومة لأني أعرف خط الأديب محمد بودي، وكذلك أعرف خط الشيخ محمد العسافي، حيث أنه تحت يدي نسخاً مصورة من بعض تدويناتهم. كذلك فإن بودي يهتم بجمع قصائد الشعراء الكويتيين والنجديين أكثر من غيرهم، وهذا ما ورد في هذا المخطوط، بينما العسافي يهتم بجمع شعراء الزبير أكثر من غيرهم.

يقول محقق المخطوطة في صفحة 14 ضمن مقدمته للديوان المطبوع:

«وقد أشرت إلى طريقة عملي فيها في التمهيد، كما ضمّنته وصفاً للمخطوطة ودراسة لها وتعريفاً بصاحبها !! وترجيحاً لمؤلفها»!!

لقد توصل محقق المخطوطة إلى الحقيقة، ولكنه لم يستطع تجاوز المعلومة الخاطئة عن ناسخ المخطوطة، بل نسبها إلى من وجدت المخطوطة في مكتبته، ولو كان جاهلاً بصاحب المخطوطة الأصلي لكان له عذر في ذلك، ولكن بمعرفته لصاحبها الأصلي وجب عليه أن يعيد الحق إلى نصابه، ويصرح بأن محمد بودي هو جامع هذه المخطوطة وجميع ما فيها من قصائد، ومن الواجب أن ينسب الكتاب لمحمد بودي وليس للعسافي.

بودي يتحدث عن نفسه حينما كان في مكة المكرمة بخط يده في نفس المخطوطة موضع الجدل

قال الباحث قاسم الرويس في صفحة 30 من كتابه لدى مناقشته لنسبة المخطوطة:

«والحقيقة أن كل هذه الاحتمالات قابلة للنقاش، لو لم نجد في ثنايا المخطوطة إشارات أخرى ترجح نسبتها إلى مؤلف آخر، فقد جاء في صفحة 84 (الأصح 116) ما نصه:

«مفلح بن ادبيس في محمد الحمد البودي سنة 1350 قالها حيث كنت في مكة يطلب منا بشت جديد لأن بشته فقد منه وقد أعطيناه ما طلب وقصيدته بداوية مثلثة». وفي الصفحة التالية يصرح فيقول:«من هنا تكتسب هذه المخطوطة أهمية خاصة، لكونها من مخطوطات محمد الحمد البودي النادرة».

الملفت للنظر أن محقق المخطوط الأستاذ قاسم الرويس ذكر ما يلي:

(ولكني بعد دراستي للمخطوطة اتضح أن مؤلفها كتبها قاصداً إرسالها إلى شخص معين كان بينه وبينه مراسلات ومناقشات حول بعض القصائد والشعراء، فقام بتزويده بالمعلومات التي طلبها وزاد عليها، الأمر الذي جعلني أرجح أنها مرسلة للشيخ العسافي وليست من تأليفه، وعلى ضوء ما ثبت عندي من الشواهد والدلائل رجحت نسبتها إلى مؤلف آخر تربطه علاقة أدبية بالعسافي وهو ما سأتطرق إليه في مقال آخر).

وقال أيضاً:

(تتسم المخطوطة بشمولها الجغرافي حيث تورد قصائد لشعراء من نجد والأحساء وقطر والكويت والزبير مما يعطي انطباعاً عن أهميتها، وإن كان تركيزها على شعراء القرن الرابع عشر. وقد أورد المؤلف لمحسن الهزاني عشر قصائد كأكبر عدد يرد لشاعر واحد يليه الفرج(عبد الله الفرج الكويتي) والعيار (كويتي) بأربع قصائد ثم ابن حثلين والعبيدية بثلاث قصائد (كويتية)، ويأتي بقية الشعراء على قصيدة وقصيدتين. كما يوجد في المخطوطة إحدى عشرة قصيدة مجهولة الشعراء. والمؤلف يكتب بلهجة أهل الخليج العربي).

لقد صدق المحقق في حدسه، لكنه حيّرته المعلومات المدونة عن نسبة المخطوط في المكتبة، وضل طريقه، لأنه لم يجد ما يقوي القرائن التي وصل إليها، والمتمعن فيما قاله المحقق قاسم الرويس يجد أن الحقيقة ما ذكرناه.

إنني أشير إلى هذه المعلومات لأنها حق أدبي للمرحوم الأديب الكويتي محمد حمد بودي، الذي تفرقت مخطوطاته أيادي سبأ، وقد رأيت بأم عيني بعض مخطوطاته لدى أشخاص لا تمتّ بصلة القرابة للأديب محمد بودي، ويبدو أنها مما استلف منه ولم يعد إليه، أو مما فقد أثناء عملية نقلها من المنزل القديم إلى المنزل الجديد، وهي الحادثة التي كانت سبباً رئيسياً في كآبة الأديب محمد بودي وكانت بداية النهاية بالنسبة له، رحمه الله.

إن الحديث عن الراحل محمد بن حمد بودي يطول ويتشعب، وذلك لكثرة جهوده في مجال تراث الشعر النبطي، وسعيه للحفاظ عليه، وكتابته الكثير من المخطوطات بخط يده دون كلل أو ملل، وتواصله مع العديد من الشعراء ومن حفاظ الشعر النبطي وجامعيه ومدوّنيه، وتكبده عناء السفر أو الوصول إلى أشخاص معينين للحصول منهم على قصيدة نادرة أو معلومة مفيدة أو ورقة قديمة، ليقتنيها وكأنما يقتني كنزاً، وليحفظها ويدونها في مخطوطاته وكأنما يخشى عليها من الضياع مرة أخرى.

إن ما تبقى من تراثه يعد كنزاً من كنوز الشعر النبطي، ومصدراً هاماً ومعيناً لكل الباحثين والدارسين في هذا المجال، فكيف بنا إذا عثرنا على جميع ما دوّنه من مخطوطات وأوراق وما سواها من مقتنياته؟

رحم الله الجامع المدوّن الشاعر المثقف المجتهد الأديب الباحث محمد بن حمد بودي وأسكنه فسيح جناته.

بعض المصادر التي كتبت عنه وأسرته:

- تاريخ نزوح العائلات الكويتية العريقة إلى الكويت .. ، فوزية صالح الرومي.

- شخصيات من الكويت، طلال سعد الرميضي.

- مخطوطة العسافي: ديوان شعر نبطي، دراسة وتحقيق: قاسم بن خلف الرويس.

- الإكليـــل.

- مربون من بلدي.

- قاموس تراجم الشخصيات الكويتية خلال قرنين ونصف.

- علماء الكويت وأعلامها خلال ثلاثة قرون، عدنان سالم الرومي.

- محسنون من بلدي.

- مجلة ( المها) صفحة 48 – العدد السابع، مارس 2005م.

- موقع ملتقى القبائل العربية بالانترنت.

- موقع تاريخ الكويت بالانترنت.

أعداد المجلة