الأدب الشعبي: إشكالية المفهوم وتمثّلاته
العدد 54 - آفاق
ما الأدب؟
ما زال مفهوم الأدب الشعبي ملتبساً في الكثير من الدراسات التي تناولته في البحث والتطبيق، فهذا المفهوم يخضع لمتغيّرات عدّة بحسب زمن تناوله والثقافة التي تنتجه، وسبب هذا الالتباس اقتران (أدب) بـ(شعبي)، فلكل مفهوم من هذين المفهومين سياق خاص به، ومن ثمَّ لاقترانهما نتج هذا الالتباس.
فمفهوم (أدب)، على الرغم من وضوحه، إلا أن أغلب الباحثين يختلفون في تعريفه، وبحسب ابن منظور، فإن «الأدب: الذي يتأدب به الأديب من الناس؛ سمي أدباً لأنه يأدب الناس إلى المحامد، وينهاهم عن المقابح. وأصل الأدب الدعاءُ، ومنه قيل للصنيع يُدعى إليه الناس: مدعاة ومأدبة»1. غير أن الأدب اصطلاحاً يذهب بعيداً عن كلام ابن منظور، إذ يوضّح الدكتور محمد التونجي أن للأدب معنيين: «معنىً مادي من: أدب مأدبة، بمعنى أولم وليمةً. ومعنىً روحي تطوّر مع الزمن»2. ومع تطوّر كلمة (أدب) منذ العصر الجاهلي التي كانت تعني الخلق النبيل الكريم، وما ورد في المأثور (كاد الأدب أن يكون ثلثي الدين)، حتى شاعت كلمة أدب وتعددت مشتقاتها3، وصولاً إلى القرن الأول للهجرة، فاستعملت في معنيين متمايزين:
1. المعنى الخلقي التهذيبي: وهو تمرين النفس على الفضائل.
2. المعنى التعليمي: وهو استند إلى رواية الشعر والنثر، وما يتصل بهما من أنساب وأخبار، وأمثال ومعارف. باستثناء العلوم الدينية والدنيوية والفلسفية4.
تطوّر مصطلح الأدب مع تطوّر المعارف الأخرى، لا سيّما مع القرن الخامس الهجري الذي شاعت فيه الآداب والترجمات، أصبح الأدب يدل على معانٍ عدّة، منها ما هو خاص، وهو الشعر والنثر وما يتصل بهما من تجارب. ومعنىً عام، وهو الذي يتناول المعارف الإنسانية والآثار العلمية وأنواع الفنون، ومن ثمَّ إلى ما يستعين به المرء على فهم الأدب ونقده وإنشائه، وصولاً إلى أدب النفس: الذي يتناول كل أسلوب منمق في علم أو عمل أو حرفة5. أما الأدب في مفهومه المعاصر، بحسب الدكتور التونجي، فهو «فكرة وأسلوب، مضمون وشكل.. هو فكرة من واقع المجتمع أو من أحلامه، وهو أسلوب فيه براعة، وجاذبية/ ورشاقة، وموسيقى، يتكوّن من ذلك كله أدب أمة وأدب شعب. وإذا قلنا: أدب العرب، وأدب الهنود، وأدب الانكليز تجمّع لدينا مفهوم دقيق واحد، هو مجمل الآثار الكتابية التي يقدّمها أديب هذه الأمة، معبّراً بها عن طموحها، وأحلامها، وآمالها»6.
وفي بحثه عن مفهوم الأدب لدى العرب، وكيف قرأ المستشرقون هذا المفهوم في التراث العربي، يرى الدكتور محمد خير شيخ موسى، أن «معظم الدارسين لا يجدون بداً من الاعتراف بصعوبة تعريف هذه الظاهرة تعريفاً محدداً دقيقاً، يحيط بمجمل خصائصها الفنية وأبعادها، فذهب أوغست بوك إلى القول إنه: (يمكن إطلاق لفظ الأدب بأوسع معانيه على كل ما صاغه الإنسان في قالب لغوي ليوصله إلى الذاكرة) وأنكر بروكلمان هذا التعميم الواسع واتجه إلى تضييق دائرة الأدب وحصرها في الشعر فقال: (إن الذي يعد أدباً عند شعوب الثقافة الحديثة هو ثمار الشعر بأوسع معانيه دون أن يتفق هذا المفهوم مع آداب الشعوب حقاً)، مما حدا بلانسون إلى البحث عن طريق آخر لتعريف الأدب تعريفاً يشمل سائر نصوصه الشعرية والنثرية وآثاره فقال: (إن الأدب هو كل المؤلفات التي تكتب لكافة المثقفين لتثير لديهم بفضل خصائص صياغتها صوراً خيالية، أو انفعالات شعورية، أو إحساسات فنية)، فلم ينج هذا التعريف أيضاً من شيء من التوسع، إذ يرى غرنباوم أن (كلمة أدب ينبغي ألا تتجاوز مفهوم فن الأدب الصرف، ولا تشمل إلا آثاره الأدبية التي أنشأها أصحابها وهم يهدفون إلى خلق أثر فني وجمالي)»7. هذه الاختلافات التي حصرها المستشرقون في حدود الأدب وليس في الأدب نفسه، لا تعطي تعريفاً واضحاً لمفهوم (أدب)، وينقل أوستن وارين ورينيه ويليك رأياً مفاده بأن هناك من يعرف الأدب بأنه «كل شيء قيد الطبع»8، وبهذا الحد يخرج أي إبداع خارج التدوين والطباعة، مثل «الأدب الشفاهي»، لكنهما يعودان لينقلا احتجاج إدوين غرينلو على هذا الرأي بقوله «(كل ما يمت إلى تاريخ الحضارة بصلة لا يخرج عن مجالنا)، فنحن (لا نحد أنفسنا بالآداب أو بالسجلاّت المطبوعة أو المخطوطة في سعينا لفهم حقبة أو حضارة)، و(علينا أن ننظر إلى عملنا على ضوء إمكان إسهامه في تاريخ الحضارة). بحسب نظرية غرينلو وممارسة عدد من الباحثين، لم تعد الدراسة الأدبية مقصورة على ما يمت بصلة إلى تاريخ الحضارة وإنما تتطابق معه فعلاً»9. ومن ثم يذهب المؤلفان إلى حصر الأدب بالكتب العظيمة؛ على حدَّ قولهما، لئلا يذهب الطلاب إلى دراسة المجموعات وغرائب التاريخ، لكنهما فيما بعد يفضّلان قصر مصطلح (الأدب) على فن الأدب، أي على الأدب الابتداعي. فمن وجهة نظرهما «ثمة صعوبات معينة في استخدام الاصطلاح على هذا النحو، غير أن البدائل الممكنة في الانكليزية، مثل (القصص) أو (الشعر) مقصورة سلفاً على معانٍ ضيقة، أما البدائل الأخرى مثل (الأدب الابتداعي) أو (الآداب) فهي قبيحة ومضللة. ومن بين الاعتراضات على مصطلح (الأدب) Literature أنه يوحي- في اشتقاقه بالإنكليزية- بالاقتصار على الكلمة المكتوبة أو المطبوعة، لأن من الواضح أن أي مفهوم متماسك لابد أن يتضمن (الأدب الشفهي). ومن هذه الناحية تتفوق كلمتا Wortkunst الألمانية وSlovesnost الروسية على مثيلتهما الإنكليزية»10. ويخلص الكاتبان إلى أن «اللغة مادة الأدب مثلما أن الحجر والبرونز مادة النحت، والألوان مادة الرسم، والأصوات مادة الموسيقى. غير أن على المرء أن يتحقّق من أن اللغة ليست مجرّد مادة هامدة كالحجر وإنما هي ذاتها من إبداع الإنسان، ولذلك فهي مشحونة بالتراث الثقافي لكل مجموعة لغوية»11. بربط الكاتبين الأدب باللغة انتقل المفهوم إلى حيّز أوسع، شمل كل الفنون اللغوية، ومن ضمنها (الأدب الشعبي) الذي يعتمد على الشفاهية، قبل أن يُدوّن ليكون أدباً مكتوباً.
من جانب آخر، يشير تودوروف إلى أنه «لا يتوفر لدينا هنا معيار داخلي يتيح لنا تحديد كل عمل فني (أو أدبي)، بل التأكيد على ما ينبغي على جزء من الفن (الجزء الأفضل) أن يقوم به»12، والمعيار الذي يتحدّث عنه تودوروف هنا هو المعيار الوظيفي للأدب، الذي يرى أن أي معيار يمكن الحديث عنه يبعدنا عن فحص ماهية الأدب ومفهومه، ويعيدنا إلى المفاهيم الاجتماعية التي لا شأن لها بالتعريفات، بقدر تأثير هذا الفن أو ذاك بالمجتمع. لكنه يعود للبحث عن تعريف للأدب، معتمداً على خاصيتين: «فالفن نوعياً (محاكاة) تختلف باختلاف المادة المستخدمة. فالأدب محاكاة بالكلام مثلما التصوير محاكاة بالصورة. لكنه تخصيصاً ليس أيما محاكاة، لأننا لا نحاكي الواقع ضرورةً، بل نحاكي كذلك كائنات وأفعالاً ليس لها وجود. إن الأدب تخيّل»13، طارحاً بذلك تعريفاً آخر للأدب، وهو مفهوم (الجميل) الذي تبلّور نهاية القرن الثامن عشر «ضمن تأكيد للطابع اللازم للمؤلف، لا للطابع الأداتي»14. وتعريف تودوروف هذا يذهب مع رأي وارين وويليك، مبتعداً بذلك عن وظيفة الأدب، «ذلك أن التشديد على أي وظيفة كانت (مرجعية أو معبرة أو براغماتية) يمضي بنا خارج حدود الأدب، إلى حيث تتبدّى قيمة النص في ذاته»15.
مقابل ذلك، ينتقل تودوروف إلى مفهوم آخر، وهو (الخطاب) الذي يدرس عن طريقه (اللغة) لينتج بعد ذلك مفهوماً مقابلاً للأدب وهو (اللاأدب)، وبهذا يمكن الحديث عن مفهومين للاستخدام اللغوي، أحدهما (جمالي) والآخر (يومي)، «وسواء كلمونا عن كتابة وصفية (فراي)، أو عن استخدام دارج (ويليك) أو على لغة يومية، عملية أو عادية، نجدنا نلتمس وحدة تبدو لنا مريبة إلى الحد الأقصى لمجرد أن نسائلها بدورها. فيبدو جلياً أن هذا المفهوم- الذي يتضمن المحادثة العادية والمزاج سواء بسواء، واللغة الخاصة بالإدارة والقانون كما لغة الصحفي ورجل السياسة، والكتابات العلمية كما المؤلفات الفلسفية أو الدينية- ليس بمفهوم. فنحن لا نعرف معرفة دقيقة عدد أنماط الخطابات، لكننا نتفق بكل يسر على القول إن هنالك أكثر من واحد»16.
وعلى الرغم من الفروقات التي أعطاها تودوروف بين ما هو أدبي وما هو غير أدبي، غير أن تعريفه لمفهوم الأدب بقي ملتبساً، سبب ذلك أن أي تعريف للأدب يخضع للمعاير المنهجية التي يعتمدها الناقد، وهو ما يؤكده تودوروف نفسه، لكن مكاريك تستخلص مفهوم تودوروف للأدب بقولها «إن ما تقدّمه الحجج المؤيدة للمفهوم التخييلي للأدب من ادعاء وصف الأدب لأعمالٍ مكوّنة من تشكيلة من الثقافات والطبقات، من الحكاية الشعبية Fabliau إلى القص الشعبي إلى الأسطورة، على الرغم من أنها تستبعد حتماً الأعمال التعليمية، والأنواع الأدبية التي ليس لها خصائص محاكاتية واضحة مثل شعر الحب أو المقال، من هنا تشترط هذه الحجج أن التخييل بمثابة سمة عامة للأعمال الأدبية، وإن لم تكن بالضرورة سمة جوهرية لتحديدها»17. ولفهم ما طرحته مكاريك حول مفهوم تودوروف للأدب، فإنها مهّدت لذلك ابتداءً من الأصل اللاتيني لكلمة أدب، التي كانت «تشير في الأصل إما إلى القدرة على التأليف بين الحروف أو، بصورة أكثر عمومية، إلى سمة المقروئية لنص ما على نطاق واسع. ويقوّي هذا المعنى الأخير الاستعمالات العامية للمصطلح: ففي بداية التاريخ الأوروبي الحديث كان الأدب يشير إلى معرفة واسعة ضمن مجال فسيح من التعلّم الرفيع، في حين كانت الكلمتان المشتقتان القريبتان، كلمة المتعلّم Literate، وفيما بعد كلمة الأدبي Literary، كلتاهما تحيلان إلى الظرف الذي تكون فيه القراءة لنص ما قراءة جيدة»18، غير أن ما طرحته مكاريك ابتعد عن مفهوم الأدب، واقترب من القراءة أكثر، وهو ما تؤكده فيما بعد بقولها: «تفترض المفاهيم الحديثة للأدب هذا الانتقال المعياري من الإبداع إلى القراءة بالطريقة التي تردف نظريات المحاكاة القديمة أو النظريات التداولية النفعية للشعر من خلال التركيز على قيمة الحقيقة أو الوظيفة الاجتماعية لنص معين بدرجة أقل من التركيز على النص معزولاً، أو على طريقة فهم القارئ له. لقد فُهم الأدب، مثله مثل الشعر من قبل، على أنه إما فن تخييلي أو فن لفظي، أو كلاهما معاً»19. وللوقوف على ما تطرحه مكاريك أكثر، ننقل قولها الذي يبيّن «أن الأدب بمفهومه الراهن استعمال حديث نسبياً، فإن العديد من النقّاد، ومنهم الماركسيون، وعلماء اجتماع الأدب، والماديون الثقافيون، يؤكدون أن المفهوم يكسب معناه فحسب في سياق الممارسات النقدية والتعليمية الحديثة. ويذهب هؤلاء النقاد إلى أن تعريف الأدب وتعريف قيمته إنما يتحدّدان مبدئياً وفقاً لما يصيب الاهتمامات المعرفية للمؤسسات العلمية والثقافية من تغيير، وهي اهتمامات معنية بصورة رئيسة بتلقّي النصوص الأدبية وبقائها وإعادة إنتاجها الثقافي»20. هذه السياقات هي التي تمنح مفهوم الأدب تعريفه وفهمه بحسب الثقافة التي تنتجه، ومن ثمَّ، ليس من السهولة إعطاء تعريف جامع مانع للأدب يشمل الثقافات المختلفة، وفي أزمنة مختلفة أيضاً.
وإذا كان مفهوم الأدب يُحدد بحسب الثقافة، فإن اقترانه بمفاهيم أخرى يعطيه معنى آخر، مثلما هو الأمر مع مفهوم الأدب الشعبي.
الأدب الشعبي:
كما اختلف النقّاد في تحديد مفهوم الأدب، فقد كان مفهوم (الشعبي) مبعث اختلاف أيضاً، فقد أعطى رايموند ويليامز أربعة معانٍ مختلفة له هي: «(محبوبة جداً من قبل العديد من الأشخاص)، و(أنواع دونية من العمل)، و(أعمال تم إطلاقها عن قصد لكسب ود الشعب)، و(الثقافة المصنوعة فعلاً من قبل الناس لأنفسهم)»21، هذا التوصيف الذي أطلقه ويليامز على الشعبي قصد به كل ما ينتجه الشعب، إن كان أدباً أو فناً أو كلاماً عاماً لا ينتمي للأدب أو الفن، هذا الالتباس وعدم تحديد المفهوم والمصطلح كان حاضراً مع محمد الجوهري الذي أشار إلى أن هناك تسميات متعددة لهذا الميدان، و«اختلف الباحثون في تحديد موضوعاته التفصيلية التي تندرج تحته. واستغرق ذلك جدلاً طويلاً ليس هذا مجال الخوض فيه. ولكننا يمكن أن نقول إنه يسمى أحياناً الأدب الشعبي- كما فعلنا هنا- أو الأدب الشفاهي Oral Literature، أو الفن اللفظي Verbal Art أو الأدب التعبيري Expressive Literature». لكننا إذا أردنا أن نفهم مصطلح الأدب الشعبي، فيحدده عبد الحميد يونس بقوله: «هو القول الذي يعبر به الشعب عن مشاعره وأحاسيسه أفراداً وجماعات. فهو من الشعب وإلى الشعب. يتطور بتطوره، وهو غذاؤه الوجداني الذي يلائمه كل الملاءمة وليس ينفعه غيره. وهو يمتاز من سواه بسمات نجدها في سائر أنواعه وأقسامه التي تتناقلها الأجيال»23. تعريف يونس للأدب الشعبي، لم يكن نهائياً، فهو في هذا التعريف لم يعطِ حدوداً واضحة لهذا الأدب، بل كان كلامه عاماً. غير أنه في كتبه التي جاءت بعد ذلك تعمّق في تفاصيل هذا المصطلح، ففي كتابه معجم الفولكلور، أشار إلى أن الأدب الشعبي «مصطلح جديد يدل على التعبير الفني المتوسّل بالكلمة، وما يصاحبها من حركة وإشارة وإيقاع؛ تحقيقاً لوجدان جماعة في بيئة جغرافية معيّنة أو مرحلة محدّدة من التاريخ»24. مضيفاً أن مدلول هذا الاصطلاح اختلف باختلاف المدارس الفولكلورية والأدبية، «فقد كان يعني في الدول اللاتينية كل ما يعنيه مصطلح أصبح مرادفاً للفولكلور، ثم حدّد مجال الأدب الشعبي بعد أن أصبح الفولكلور25 علماً قائماً برأسه، له مناهجه ومجالات بحثه. والأدب الشعبي جزء كبير من المأثورات الشعبية، وهو ليس الأدب العامي. ويتّسم بكل ما تتسم به المأثورات الشعبية من العراقة والتلقائية الظاهرة، وغلبة العرف، ووجود المضامين الثقافية، إلى جانب المرونة في التطوّر والجهل بمؤلف النص في معظم الأحيان»26. وفي طرحه هذا أعطى أكثر من سمة لهذا الأدب، فهو يختلف عن الأدب العامي من جهة، ويحتوي على مضامين ثقافية جُبلت عليها الجماعة التي تنتجه، ويتّسم بالمرونة، أي أنه ليس نصّاً جامداً، بل يحتمل الحذف والإضافة، فضلاً عن أنه في الأغلب مجهول المؤلف.
المحددّات التي بيّنها يونس هي المحدّدات التي رسمها أغلب دارسي الأدب الشعبي فيما بعد، وهو ما سيُفصّل في الفقرات الآتية.
العامي والشعبي:
ما زال بعض النقّاد العرب يسمّون أي أدب كُتب أو قيل باللغة العامية27 أدباً شعبياً، وفي الوقت نفسه يرون أن الأدب الشعبي هو بالضرورة مكتوب باللغة العامية، غير أن هذا موضع خلاف حتى بين دارسي الأدب الشعبي أنفسهم، وهو ما يؤكده أحد رواد الأدب الشعبي أحمد رشدي صالح، ففي كتابه الذي صدرت طبعته الأولى في العام 1954 بعنوان (الأدب الشعبي) يقدّم ثلاثة تحديدات حول هذا الموضوع، الأول: «ما يزال تحديد الأدب الشعبي أمراً يختلف عليه النقاد ودارسو الأدب، بيد أننا نجد تحديدات ثلاثة تهمنا: فنقاد الأدب المتأثرون بآراء الفولكلوريين من أمثال بول سبيو يرون أن الأدب الشعبي لأية أمة هو أدب عاميتها التقليدي، الشفاهي، مجهول المؤلف، المتوارث جيلاً بعد جيل ومؤدى هذا الرأي إسقاط أدب العامية الحديث الذي أذاعته المطبعة ووسائل النشر الحديثة الأخرى من مسرح وإذاعة وسينما، لأنه يتوافر فيه ركنا تجهيل المؤلف والتوارث التقليدي»28. في حين يعتمد أصحاب الرأي الثاني «وسيلة أداء التجربة الفنية (اللغة) ميزاناً للحد، وهم في ذلك مثل أصحاب النظرة السابقة، ولكنهم يذهبون إلى أوسع مما يذهب إليه السابقون، فيرون أن الأدب الشعبي هو أدب العامية، سواءً كان شفاهياً أو مكتوباً أو مطبوعاً. وسواءً كان مجهول المؤلف أو معروفه، متوارثاً عن السلف السابق أو أنشأه معاصرون ومعلومون لنا»29. هذان الرأيان لا يفرّقان بين الأدب الشعبي بوصفه نتاج تقاليد المجتمع الثقافية، وبين ما يكتب أو ينشر أو يؤدى باللغة العامية، وعلى الرغم من أن صالح يطرح هذين الرأيين، إلا أنه لم يولهما أهمية في طرحه للأدب الشعبي، لهذا يقدّم الرأي الثالث الذي «يعتمد محتوى الأدب لا شكله أي موضوع التجربة الفنية فيه لا اللغة التي يستخدمها أصحابه، فهو عند أصحاب هذا الرأي ذلك الأدب المعبر عن ذاتية الشعب، المستهدف تقدّمه الحضاري، الراسم لمصالحه يستوي فيه أدب الفصحى وأدب العامية، وأدب الرواية الشفاهية وأدب المطبعة، والأثر المجهول المؤلف، والأثر المعروف المؤلف»30، لكن صالح؛ مع هذا، يقسّم الأدب الشعبي إلى أدبين، الأول تقليدي يعتمد على اللغة العامية، والثاني حديث، لا تتوافر فيه أركان مجهولية المؤلف أو الشفاهية أو التوارث أو اللغة31. هذان التقسيمان يرجعان بصالح إلى الرأي الأول الذي كان رافضاً له، فحديثه عن الأدب الشعبي الحديث يحيله؛ بالضرورة، إلى كل أدب يُكتب بالعامية اليوم، إن كان أغنية أو حكاية أو عموداً صحفياً أو حديثاً إذاعياً. غير أنه في الوقت نفسه يناقش الطروحات الأخرى التي تؤكد على أنه ليكون الأدب شعبياً هناك محددات يجب أن تتوافر فيه، منها مجهولية المؤلف والتوارث والشفاهية على سبيل المثال32.
في مقابل ذلك، تبيّن الدكتورة نبيلة إبراهيم حدود مصطلح (شعبي) وتميّزه عن غير الشعبي، فمن وجهة نظرها، «معنى شعبيته أنه ينتمي إلى الشعب وحده بما له من تراث وتقاليد وعادات. هذا الشعب الذي يتكوّن من أفراد تربط بينهم ربطاً قوياً صفة الجماعية يستقبل تراثه بما فيه من عادات وتقاليد وأغنيات ورقصات وقصص، فيتسلمه كتلة واحدة، ويحافظ عليه، ويعمل على إضافة الجديد إليه مما قد يكون له صدى للأحداث المعاصرة. وقد يكون لهذا التراث الشعبي أصله الفردي كما قد يكون له أصله الجماعي منذ البداية، ولكن هذا الأصل قد تتعلق به الجماعات، ونتيجة لذلك يصبح شعبياً، وما يلبث اسم المؤلف الأصلي أن يذوي ويصبح المحرك الأول لهذا التأليف هو الشعب»33. ما يلفت الانتباه في كلام إبراهيم، نقطتان، الأولى إن النص يسمى شعبياً حين يتسلمه الشعب كتلة واحدة، ومن ثم يضيف عليه الجديد. النقطة الثانية يتّفق عليها دارسو الأدب الشعبي، وهي أن النص الشعبي نصٌّ قابل للحذف والإضافة في كل زمان ومكان، وهو ما نراه في الحكايات الشعبية التي تروى في أكثر من مكان وثقافة، لكن هناك تغيّرات في النص الواحد تتبع البيئة والثقافة والتقاليد الاجتماعية لكل مكان أو بلد، لكنها لم توضّح كيف أن الشعب يتلقّى النص الشعبي كتلة واحدة.
وتضيف إبراهيم إلى شرحها كيفية تحوّل النص إلى شعبي، أنه «منذ اللحظة التي يتسلّم الشعب فيها هذا النتاج يصبح له طابع الشعبية على الرغم من أصله الفردي. ومما يضفي على هذا النوع من النتاج مزيداً من صفة الشعبية أن تداوله على مر العصور يتم عن طريق ذاكرة الإنسان والكلمة المنطوقة أكثر من تداوله عن طريق الكلمات المكتوبة. وقد يظهر هذا النتاج الشعبي في صورة أدبية كالقصص، أو يظهر في صيغة لغوية كالأمثال والألغاز أو في صورة عملية كالسحر والتنبؤ، أو قد يأخذ شكلاً حركياً كالرقص»34. وهنا تعود إبراهيم مرّة أخرى لتوضح قصدها بأن الشعب يتسلّم النص الشعبي (كتلة واحدة)، معتمدة على الأصل الفردي للنص، حتى وإن ضاع اسم مؤلفه بمرور الزمن، لكنها في هذا التوضيح أهملت نصوصاً كثيرة في الأدب الشعبي، مثل قصص الأنبياء التي أعيد إنتاجها من قبل الرواة حتى تناقل الشعب النص الشعبي وأهمل النص الأصلي، والأحداث التي مرّت بها جماعات كثيرة صبغت حكاياتها بشكل مختلف وتناقلها الشعب، مثل بني هلال، فهذه الجماعة لم تؤلف حكايتها، بل تم تداولها قروناً طويلة، ومن ثم أضيفت حكايات جانبية على النص الأصلي من قبل الرواة. ومن ثمَّ إذا كانت هذه النصوص (الحكاية الشعبية، السير الشعبية، الحكم، الأمثال، الأسمار) وصلت للشعب كتلة واحدة، فكيف وصل السحر والتنبؤ الذي يأخذ صوراً عدّة مع كل مرحلة زمنية جديدة؟ التبس لدى إبراهيم مفهومان، أحدهما جزء من الآخر، بين الفولكلور الذي يضم الأدب الشعبي جزءاً منه، وبين الأدب الشعبي الذي يمثّل نوعاً من أنواع الفولكلور العديدة.
من جانب آخر، يرسم عبد الحميد يونس حدّاً فاصلاً بين الأدب العامي والأدب الشعبي، في مرحلة متقدّمة من نتاجه النقدي، ففي كتابه (الأدب الشعبي) يشير إلى أن «الأدب العامي تبدعه قرائح معينة ويتّسم تبعاً لذلك بطابع الشخصية الفردية، والأدب الشعبي الذي يزول فيه الحاجز بين الإبداع والتلقي وتضيع فيه شخصية الفرد في شخصية الجماعة أو الشعب، والفيصل في التمييز هو الوجدان الجمعي والوجدان الفردي، ما يصدر عن الأول هو الأدب الشعبي، وما يصدر عن الثاني هو الأدب الرسمي أو الفصيح إلى جانب ما يقرره الباحثون من مقومات تبرز شعبية الأدب كصدوره تلقائياً مع عراقته ومع ما يتضمنه من عناصر الثقافة، بالمفهوم المتسع لهذا المصطلح»35. يخرج يونس في نصّه هذا عن مفهوم الأدب العامي الذي يُكتب باللغة العامية إلى الأدب الذي يكتبه الفرد، فيدمج في هذا بين نوعين من الأدب، الأدب الفردي الذي يُكتب باللغة العامية، والأدب الفردي الذي يُكتب باللغة الفصحى، وفي الوقت نفسه يقسّم الأدب إلى أدبين: عامي وشعبي، وبذلك يلغي وجود العامية في الأدب الشعبي؛ أو في جزء منه. إلا أنه يضع حدّاً مهماً في الفصل بين الأدب الشعبي والأدب الفردي، وهو الوجدان الجمعي والفردي، مضيفاً لهذا الحد عراقة النص وعناصره الثقافية الخاصة.
في حين ينفي الدكتور فاروق خورشيد أهمية اللغة في تحديد هوية الأدب الشعبي، مؤكداً أن اللغة ليست مقياساً، فمن وجهة نظره، «لا يهم هنا نوع اللغة المستعملة، هل هي اللغة الفصحى الراقية من حيث التقاليد والألفاظ والأساليب، أم هي اللغة العامية الأقرب إلى محاكاة الواقع في صدقه الخلقي، وصدقه الفني على السواء؛ فاللغة هنا ليست مقياساً؛ لأننا نتحدّث عن أدب شعبي. ومعنى هذا أنه يُكتب بلغة الشعب المتداولة، فإن كان الشعب هنا قبيلة منعزلة سادت لغتها، وإن كان الشعب وطناً يتكوّن من عدة قبائل سادت اللغة العامة التي تتفاهم بها هذه القبائل في ترابطها كوطن، فإن اتسعت كلمة الشعب لتطلق على عدّة أوطان في تجمّعٍ شعبي يمكن أن يطلق عليه لفظ القومي، سادت أيضاً اللغة العامة التي تتفاهم بها جماهير الشعب في داخل هذا الإطار القومي. وهكذا تصبح اللغة نفسها شاهداً على التفاعل الدرامي بين مكونات الشعب الذي ينتج هذا الأدب؛ ذلك أننا سنلاحظ أن هذا الأدب في أغلب الأحيان يخلق لنفسه لغة خاصة به، تتكوّن من لغة المحكيات الضيّقة، ممتزجة بلغة المحليات الأكثر رواجاً ورحابة واتساعاً، متفاعلة مع اللغة العامة التي تسود الوطن، أو تسود التجمّع القومي كلّه؛ بحيث تصبح لغة مفهومة من كل أصحاب الرقعة المكانية التي يشغلها الوطن أو التجمّع القومي»36. وتأتي أهمية رأي خورشيد هذا، أنه وسّع من محدودية الرقعة الجغرافية ومحلية لغة الأدب الشعبي، فهذا الأدب غالباً ما يًكتب بلغة مفهومة لدى الجميع، وهذا هو السبب الرئيس في انتشاره خارج البقعة الجغرافية التي نشأ وتم تداوله فيها، حتى نجد أن الكثير من الحكايات الشعبية تتشابه لدى مختلف الشعوب، لكن كل شعب من هذه الشعوب يضيف عليها ثقافته الخاصة، وملامح من بيئته التي تروي فيها هذه الحكايات.
وعلى الرغم من الخلط بين الأدب العامي والأدب الشعبي، غير أن دارسي الأدب الشعبي يؤكدون أن من أهم خصائص هذا الأدب هو صدوره عن الوجدان الجمعي، وهذا الوجدان؛ يعني بالضرورة، مجهولية المؤلف، فإذا كان الأدب الشعبي معروف المؤلف خرج من كونه شعبياً إلى فرديته، غير معنيين بلغة النص، بل بتداوله وما يطرأ عليه من الحذف والإضافة اللذين يعدّان سمة من سمات الأدب الشعبي مقابل الأدب العامي المدوّن من جهة، والرسمي من جهة أخرى.
الرسمي والشعبي:
بتقسيم عبد الحميد يونس الأدبين إلى عامي وشعبي، وربط بعض نصوص الأدب العامي من جهة أخرى بالأدب الرسمي، أدخلنا في تقسيم آخر، وهو الأدب الرسمي والأدب الشعبي، واضعاً حدوداً جديدة تفصل بين هذين الأدبين. فقسّم الأدب الرسمي إلى نوعين اثنين: الشعر والنثر. غير أن هذا التقسم «لا ينطبق تمام الانطباق على الأدب الشعبي العربي بصورة عامة والأدب الشعبي المصري بصورة خاصة، ذلك لأن الشعر والنثر يتداخلان في جميع أنواعه تقريباً سواء كبرت هذه الأنواع فشملت الملاحم التي تتعدد حلقاتها أو صغرت حتى أوجزت في صيغة مثل شعبي. يضاف إلى ذلك أن أكثر النثر في الأدب الشعبي تبرز فيه موسيقى الألفاظ والعبارات والفقرات بما يزخر به من الفواصل والتقسيمات إلى جانب الجناس والسجع»37. الحد الذي افترضه يونس في الفصل بين الأدب الرسمي والأدب الشعبي لا يتمكّن من الصمود أمام أنواع أدبية برزت في العصور الوسطى في الأدب العربي، وهي العصور التي ظهرت فيها أنواع جديدة من الأدب، وهذه الأنواع انتشرت في الوقت الذي انتشرت فيه السير الشعبية عموماً، وهي على الرغم من كونها نثراً، إلا أن موسيقى اللفظ كانت بارزة فيها، فضلاً عن السجع والجناس أيضاً، فما الذي يدعونا لعد هذه الأنواع أدباً رسمياً في الوقت الذي نسمي السير الشعبية أدباً شعبياً للأسباب التي ذكرها يونس؟ إلا أنه يعود مجدداً ويضيف خصيصة أخرى تميّز الأدب الشعبي عن الرسمي أو الفصيح، «هي علاقته الوثيقة بوسائل التعبير الأخرى غير الكلمة، مثل الحركة والإشارة والإيقاع وتشكيل المادة، فإن أكثر نصوص الأدب الشعبي جزء لا يتجزأ من عقائد ومراسم وتقاليد»38. هذه العقائد والمراسيم تأتي بعد شرطين أساسيين وضعهما يونس «أولهما أن يكون الأصل فيه، رواية شفوية وثانيهما: أن يعبّر عن شخصية الجماعة لا الفرد، وهذان الشرطان، يجعلان من الصعب، أن تنسب آثار الأدب الشعبي، إلى قائل بعينه، ولو وجد، لكان ذلك على سبيل الشهرة أو الانتحال، كالخلاف الذي لا يزال يشتجر حول (هوميروس)»39. وإذا حقّقنا في كلام يونس وتحديداته السابقة، يُلاحظ أن الشرطين الأخيرين اللذين وضعهما، هما الشرطان المركزيان في تحديد الأدب الشعبي من غيره من أنواع الأدب الأخرى.
وهو ما تؤكده فيما بعد الدكتورة نبيلة إبراهيم التي تبيّن أن هناك اختلافاً واضحاً بين الأدب الفردي والأدب الشعبي، فـ«الإنسان الفرد الذي يحرص على أن يدوّن اسمه في تاريخ الأدب، يتحتم أن يكون أدبه محلياً لذاتيته ولروح عصره. فإذا فشل في تحقيق ذلك، فإن هذا الأدب لا يعيش مع الأجيال.. أما الأدب الشعبي فهو ينبع من الوعي واللاشعور الجمعي. وإذا كانت هناك مظاهر لهذا اللاشعور الجمعي مثل الأحلام ذات الطابع غير الفردي، التي يمكن أن يراها الإنسان في كل زمان ومكان، فلماذا لا تكون هناك مظاهر أخرى له تفرض نفسها في شكل تعبير أدبي؟ إن نشاط اللاشعور الجمعي كبير للغاية، وعنه تصدر الأفعال والتعبيرات الواعية التي لا يمكن إدراك مغزاها إلا إذا بحثنا عن جذور نفسية, فالطقوس والسحر وميلاد الطفل البطل، وكثير من خيالات الحكايات الخرافية، كل هذا لا يحتاج إلى شرح فولكلوري فحسب، وإنما يحتاج إلى الكشف عن جذوره التي تنبع منها، أي إلى الكشف عن تلك الاهتمامات الروحية التي دفعته إلى الظهور. فالأسطورة الكونية وأساطير الأخيار والأشرار والحكاية الخرافية والحكاية الشعبية واللغز والمثل الشعبي والنكتة، والأغنية الشعبية، كلها أنواع أدبية شعبية. ولكنه ولا شك أشكال يختلف بعضها عن البعض الآخر اختلافاً جوهرياً، وإن كانت صفة الشعبية تجمع بينها. ويرجع سبب الاختلاف إلى أن كلاً منها ينبع من مجال محدد من مجالات الاهتمام الروحي الشعبي. وهذا المجال هو الذي يحدّد شكل كل نوع ووسيلة التعبير فيه»40. وهنا تؤكّد إبراهيم على الوعي الجمعي وكيفية تقديمه للنص، غير أنها قدّمت ملاحظتين مهمتين على مستوى النص الفردي والنص الشعبي، الأولى أن الفردي ينبع من محليّته وذاتية عصره، وهو ما يميز الفردي بحسب وجهة نظرها. على الجانب الآخر تشير إلى أن الأدب الشعبي ينبع من الوعي واللاشعور الجمعي، وهي بهذا تجمع بين الوعي واللاشعور، فإذا كان الشعب واعياً بنصّه، فكيف ينبع هذا النص من اللاشعور في الوقت نفسه؟ الوعي بالنص الشعبي يعني الشعور بأهميته وطريقة تقديمه، والعكس صحيح أيضاً، هو أن اللاشعور بالنص الشعبي يبعده عن الوعي، ويرجعه إلى البيئة الثقافية التي شكّلته وأعادت إنتاجه مع كل مرحلة زمنية.
كما أشارت إبراهيم إلى مسألة غاية في الأهمية، وهي اختلاف أنواع الأدب الشعبي التي ينبع كل نوع منها في مجال محدد. وفي ثنايا كتابها، تفترض إبراهيم أسباب نشوء عدد من أنواع الأدب الشعبي، لكنها في الوقت نفسه لم تعر اهتماماً لما أوردته في المقدمة عن اختلاف هذه الأنواع بحسب التقبّل الشعبي له، وما يمكن إجماله من هذا الرأي أن الاهتمام الشعبي لنوع ما يعطيه الفرصة ليعيش زمناً أطول من نوع آخر، هذا من جانب، ومن جانب آخر، إن المجتمعات تنتج أنواعاً أدبية بحسب ما تحتاج للتعبير عن مفاهيمها وثقافتها ووعيها في مرحلة زمنية ما.
في الوقت نفسه، حاول عبد الحميد يونس إعطاء تفسير أفضل لرأي نبيلة إبراهيم- وهي التي تتلمذت على يديه- مبيناً أن «الشعب في تعبيره التلقائي الذي يبقى بوجدانه الجمعي، يصطنع وسائل التعبير بلا تكلّف وبلا تمييز، ومن هنا اقترنت الموسيقى بالرقص، ومن هنا أيضاً اتخذ الأداء الشعبي في الأدب المظهر التمثيلي وأن يكون مظهراً بسيطاً ساذجاً، كما أن هناك من الأدوات التي تدخل في باب تشكيل المادة ما يرتبط بفن الأداء، وهي أدوات تتوسل بالرمز التصويري أو التجسيمي، توصلها بالتمثيل المباشر»41. وهنا يدخل يونس في الحديث عن خصائص الأدب الشعبي، ومميزاته، والطرائق التي يعبر من خلالها عن ماهيته.
خصائص الأدب الشعبي
لكل نوع أدبي خصائصه، فالأنواع «ليست سوى صيغ فنية عامة لها مميزاتها وقوانينها الخاصة. وهي تحتوي على فصول أو مجموعات ينتظم خلالها الإنتاج الفكري على ما فيها من اختلاف وتعقيد. من ذلك ما نراه عند الشعراء فمنهم من يؤلف ملحمة ومنهم من يؤلف أود- Ode، ومنهم من يؤلف مأساة، ومنهم من يؤلف ديواناً في الشعر التعليمي»42، فإذا كان كل نوع أدبي له خصائص في طريقة الكتابة وشكلها، فالأدب الشعبي يعتمد على خصائص تميّزه من غيره من الأنواع الأدبية، خصائص بعضها شكلي، وبعضها غير شكلي يعتمد طرائق القراءة والأداء والتلقي، غير أن هذه الخصائص الشكلية وغير الشكلية تتداخل مع بعض لتنتج النص الشعبي.
فالأدب الشعبي يعتمد «على الأداء، فيجد الدارس نصوصه تقوم بالنبر والخطابية وتلوين الصوت. ولما كان انتقاله في الغالب الأعم يتكئ على الحافظة، فقد نتج عن ذلك جمود قوالب بعينها، وصيغ بذاتها، كما نتج الاعتماد على الفواصل والسجعات والمقابلات وسائر المحسنات اللفظية والمعنوية، لا لأنها زخرف بياني يبرر براعة المنشئ أو المنشد فحسب، ولكن لأنها من الوسائل التي تعين دائماً على الحفظ والتذكر أيضاً، وهذه الخصيصة تغلب على أنواع الأدب الشعبي سواء طالت حتى استغرق أداؤها الليالي الطوال أو قصرت حتى تركزت في عبارة واحدة أو عبارتين. إنها موجودة في السير الشعبية التي تتألف من حلقات متعددة وجودها في المثل السائر إبرازاً لحكمة أو تبريراً لموقف. وهناك ملاحظة ثانية تستحق التنويه، وهي إن الأدب الشعبي، وإن كان ملحوناً في معظمه، إلا بحكم ما أسلفت الإشارة إليه من تذوق جميع الطبقات له، يصطنع المعرب والملحون معاً، فنحن نجد التوسل بالفصيح في بعض أشكاله وأنواعه، ونجد العامية والبدوية في أنواع أخرى، ونجد نصوصاً تقف في منزلة بين المنزلتين، وتتوسل بعبارات متفاصحة، بل لعلها أن تكون أقرب إلى الفصيح منها إلى الملحون. ولعل السيرة الشعبية في تداولها بين بيئات شتى وطبقات مختلفة أصدق شاهد على ما نقول»43. يلخّص عبد الحميد يونس في كتابه الأدب الشعبي أهم خصائص هذا الأدب، وهو اعتماده على النبر والإيقاع، وتداخل الأجناس الأدبية، والجناس، والزخارف اللفظية الأخرى، ويرجع سبب اعتماد الأدب الشعبي عموماً، والسيرة الشعبية على وجه الخصوص، على النبر والقافية والتكرار لأنها من خصائص الشفاهية التي تعد من أهم سماته، فالراوي يبتكر طرائقه الخاصة لحفظ السيرة، معتمداً على التكرار والنبر وإعادة إنتاج النثر شعراً، ليسهل له ذلك حفظ السيرة وإعادة روايتها.
وفي دراسته عن التراث الشعبي، يتحدّث يونس عن ظاهرتين بارزتين في الأدب الشعبي: «الأولى: إن اقتصار الإبداع على الكلمة لا محل له في الأدب الشعبي، فالجماعة بتقاليدها وأعرافها واختلاف وظائفها جعلت الكلمة تقترن بمختلف أسباب الاتصال بين الناس، وتعتمد على الحركة والإيقاع والموسيقى وتشكيل المادة. أما الظاهرة الأخرى فهي تداخل الأنواع والأجناس الأدبية بحكم التطور الموصول للتراث بالأدب الشعبي. وقد يضطر الدارس إلى الخروج على التقسيم المتعارف عليه بين الشعر والنثر الفني، وذلك لأنهما يلتقيان في أكثر الأنواع والنصوص الأدبية. ولما كان الأدب الشعبي يتجاوز مجرد التعبير إلى النفع العام فقد امتزج الواقع فيه بالخيال، وهو (.....) يحتفظ بكثير من المعتقدات الثانوية، ويؤثر في الغالب الأعم المبالغة والتهويل لصدوره عن الوجدان الجمعي. ومن الإجحاف الحكم على شعب من الشعوب بأن آدابه تمثل تماماً شخصيته في العصر والجيل، لأن فيها بقايا تشبه الأعضاء الأثرية، ولأن من وظائفها التبرير لموقف فرد أو لحظة»44.
نقف في نص عبد الحميد يونس هذا على أكثر من خمس خصائص تفرّد بها الأدب الشعبي، يمكن تلخصيها بـ :
1. عدم اقتصارها على الكلمة، فإذا أخذنا السيرة الشعبية على سبيل المثال، نجد أن راوي السيرة من النادر أن يكون بمفرده، بل يشكّل فرقة كاملة فيها بعض العازفين والمردّدين45. فإذا كان راوياً مفرداً، فمن النادر أن تكون روايته للسيرة بالكلمة فحسب، إنما يكون أغلب الرواة من عازفي الربابة أو أية آلة موسيقية أخرى، خصوصاً الوترية منها46.
2. تتداخل الأجناس والأنواع الأدبية في النص الشعبي، وفي التحديد في السيرة الشعبية، التي يمكن أن تجمع الشعر والنثر معاً، فضلاً عن الأنواع النثرية العديدة، وهو ما يمكن أن نطلق عليه نصاً جامعاً47.
3. يختلط في الأدب الشعبي الواقع بالخيال، فالحكاية الشعبية والسيرة الشعبية تبنى على نصٍّ مرجعي، لكن الراوي الشعبي يضيف إلى هذا النص من خياله وثقافته وبيئته ما يغير مسار النص حتى يتشكّل نصّ جديد ومغاير للنص المرجعي. مثل ما يحدث حين يستلهم شخصية مرجعية في السيرة الشعبية، لكن حياتها تبتعد كثيراً عن الروايات التي سُردت في الكتب التاريخية والنصوص العربية القديمة، وهو ما سنأتي عليه في فصل السيرة والتاريخ.
4. هذه الإضافات التي تطرأ على النص من قبل الراوي، أو عدد الرواة المتتالين على النص الشعبي، غالباً ما تتسم بالمبالغة والتهويل، فيرسم بطولات خيالية وخرافية للبطل الشعبي، ويجعل ولادته خارقة، ويمتلك شجاعة لا يقهرها أحد، ويواجه مصاعب لن ينجيه منها إلا شخصيات عجائبية كالجن والأدوات السحرية التي سخّرها له أنبياء منذ مئات السنين.
5. ويختم يونس كلامه عن بعض خصائص الأدب الشعبي، بأن هذا الأدب لا ينشأ دفعةً واحدة، بل يتشكّل عبر الزمن من بقايا حكايات الجماعات الشعبية، حتى يصل إلى المرحلة الأخيرة التي يروى فيها.
وتركز الدكتورة نبيلة إبراهيم على الخصيصة الأخيرة التي حدّدها يونس مبينة أنه «ليس من سبيل سوى أن نفترض أن النص الشعبي لا ينشأ مكتملاً دفعة واحدة، بل يتعرض لعملية تمحيص دقيقة، بحيث لا يخرج إلى الجماعة إلا وهو مستوفٍ لكل شروط النص الفني، وكأنه كائن حي لا يظهر للناس إلا في كامل هيئته، وعندئذٍ يعلن عن نفسه ليلتف الناس حوله»48.
يختلف رأي إبراهيم هذا عن أغلب آراء دارسي الأدب الشعبي، في كون النص الشعبي، حكاية أو سيرة شعبية، يتشكّل عبر مراحل زمنية حتى يصل مرحلة يعاد فيه إنتاجه بشكل مكتمل، لكنه في الوقت نفسه نص قابل للحذف والزيادة، أي بمعنى أنه لا يوجد نص شعبي مكتمل بشكله النهائي حتى يصل إلى مرحلة التدوين، وهذه هي المرحلة الأخيرة له التي لن تحدث إلا بعد قرون طويلة من التداول، غير أنها ترى أن هذا النص لا يخرج للجماعة الشعبية إلا بعد اكتماله.
فيما يحدّد فاروق خورشيد خصائص مركزية في الأدب الشعبي، موضحاً أن «أي أدب لكي يدخل تحت مصطلح الأدب الشعبي يجب- أولاً- أن يحقق وجوده لأكثر من جيل، ولأكثر من مكان، ويجب- ثانياً- أن يعكس موقفاً جمعياً لا موقفاً فردياً، وينبغي- ثالثاً- أن يكون تداوله طليقاً، بمعنى أن كل متداول له يعيد تكوينه عند إعادة تقديمه بحيث يضيف إليه هموم عصره، وطموحات أبناء هذا العصر، وهذا لا يتحقق للنص الشعبي إلا إذا كان قابلاً لاحتواء هذا التراكم الفولكلوري، وقادراً على امتصاص الجيد، ومزجه بالقديم ليتجدد دائماً من عصر إلى عصر، وليعبّر من جديد عن كل عصر جديد، وليحتوي في أعماقه على المدلول الثقافي والفني المستمر والمتطور والدائم لروح الشعب وآلامه وطموحاته؛ فالمحتوى الشعبي الدائم العطاء والمستمر والمتجدّد- شرط أساسي لشعبية العمل ودخوله منطقة الأدب الشعبي، ولا عبرة باللغة في ذلك»49. فإذا كان الأدب الشعبي أدباً طليقاً، وكل متداول له يعيد تكوينه، فهذا يتنافى مع رأي نبيلة إبراهيم في أن النص الشعبي لا يخرج للوجود إلا بعد اكتماله، لأن النص هنا ليس إلا إطاراً لحكايات ستروى بأزمنة مختلفة، وبأماكن يختلف فيها كل ما أعيدت روايته، وهذا ما يبقي النص الشعبي حياً، متجدّداً كل ما روي مع تقادم الزمن.
في حين تستخلص الدكتورة أمينة فزاري ست خصائص للأدب الشعبي، وهي:
1. الشفوية في مقابل التدوين والكتابة.
2. الجماعية أو الشعبية في مقابل الفردية أو الذاتية.
3. العفوية والتلقائية في مقابل التصنع والتكلف.
4. الشيوع الشعبي والذيوع الجماهيري في مقابل «الرسمية» والنخبوية.
5. الثقافة الشعبية في مقابل الرقي الفكري والثقافي. (الطابع الرسمي).
6. اللغة الدارجة واللهجة المحلية في مقابل الفصيحة50.
وإذا رجعنا لأهم خصائص هذا الأدب من خلال الدراسات السابقة، يمكن أن نتفق مع فزاري في النقاط الأربع الأولى التي أوردتها، لكن النقطتين الأخيرتين قابلتان للنقاش، فالثقافة الشعبية ليست ثقافة متدنية لتكون في مواجهة الرقي الفكري والثقافي اللذين تتسم بهما الثقافة الرسمية- حسب توصيف فزاري-، فهي ثقافة لها كيانها الخاص الذي من الصعب أن نصف الكيان الآخر (الرسمي) بأنه أرقى منها فكرياً وثقافياً. أما حصر الأدب الشعبي باللهجة المحلية فهو موضع جدال، بل إن الكثير من دارسي الأدب الشعبي يرفضون تحديده باللهجات المحلية أو العامية، مؤكدين أن اللغة الفصحى ليست حكراً على الثقافة الرسمية.
وتعود فزاري مرّة أخرى لتحدد إحدى عشرة نقطة تميّز الأدب الشعبي عن غيره من الفنون الأدبية، هذه النقاط تكمن في:
1. لغته هي اللهجة المشتركة بين جميع أفراد الشعب، وهي تلك المتحررة من قيود الإعراب والمعجم.
2. الجهل بالمؤلف في أغلب الأحيان، فالمبدع الأصلي يذوب في الجماعة التي ينتمي إليها.
3. التداول الشفاهي.
4. التوارث عبر الأجيال.
5. معرض، عبر التاريخ، للزيادة والنقصان.
6. المرونة: فهو قابل للتغيير حسب المواقف والظروف.
7. أدواته التعبيرية: يعبر بالكلمة والإيقاع والحركة والإشارة.
8. امتزاج الواقع فيه بالخيال.
9. تشخيص الأشياء المادية وتجسيد القيم المعنوية والأشياء اللامعقولة.
10. غلبة الطابع التوجيهي التعليمي.
11. جمهوره العريض والأوسع51.
خلاصات فزاري بناءً على الدراسات السابقة، تلخّص أهم خصائص الأدب الشعبي، وهي ما أفرزته من بعض الدراسات التي بحثت في هذا الأدب. وإذا تأمّلنا هذه النقاط، نلاحظ أنها التفتت إلى الخصيصة السادسة التي ذكرتها سابقاً [اللغة الدارجة واللهجة المحلية مقابل الفصيحة]، بقولها (لغته هي اللهجة المشتركة بين جميع أفراد الشعب) فقد تكون هذه اللهجة فصيحة أو متفاصحة، وليست بالضرورة تكون لهجتهم عامية، وضعتها في نقاطها السابقة مقابل الفصيحة. وقد نتفق مع النقاط الأخرى التي أشار لها دارسو الأدب الشعبي، ما عدا قولها [غلبة الطابع التوجيهي والتعليمي]، فإذا قارنا الحكايات الشعبية عبر المراحل الزمنية المختلفة، لم يكن الطابع التعليمي والتوجيهي هو الغالب، حتى وإن وجد، فضلاً عن أن السيرة الشعبية؛ على سبيل المثال، ليس فيها طابع توجيهي أو تعليمي، إنما كانت تهدف إلى إعادة إنتاج الوقائع التاريخية برؤى جديدة. وهذا ما نجده مثلاً في سيرة عنترة بن شداد التي وُجد لها ثلاثة متون يختلف أحدها عن الآخر في المقدمات والحذوفات والإضافات بحسب البيئة التي دوّنت بها، وهي الحجازية والشامية والعراقية، فضلاً عن السيرة الهلالية التي رويت في مناطق كثيرة من العالم العربي، مثل مصر [بمدنها المختلفة] وتونس وبعض الدول الأفريقية الأخرى.
التأليف الشعبي:
يشير أغلب دراسي الأدب الشعبي، إلى أن انتشار الأدب الشعبي، وفي الأخص السيرة الشعبية، كان له دوافع رئيسة تتلخص في مواجهة الأجنبي الدخيل على الأراضي العربية، والبحث عن نموذج للبطل المخلص الذي تمثّلوه في عنترة بين شداد وسيف بن ذي يزن ومن ثمَّ ذات الهمة والهلاليين والظاهر بيبرس وحمزة العرب وفيروز شاه وغيرهم من الأبطال المعروفين في التاريخ العربي.
من هذا المبدأ اشتغل الرواة في المقاهي والأماكن الشعبية على سرد قصصهم، حتى أن المتلقي الشعبي بدأ يغيّر من صورة البطل والمواقف التي يمر فيها والنهايات المحتملة له، بالصورة التي يريدها، ومن ثمَّ كانت هذه المواقف تتغيّر بين مكان تروى فيه السيرة وآخر، وبين زمن وآخر أيضاً.
غير أن التساؤل الذي أثير لدى دارسي الأدب الشعبي مبكّراً: من مؤلف هذه النصوص؟ وهي إشكالية ما زالت قائمة حتى اليوم، وهو ما أثارته الدكتورة نبيلة إبراهيم بقولها: «هناك مشكلة أخرى تثار عند دراسة الأدب الشعبي خلال مشكلة دوافعه الشعبية، تلك هي مشكلة تأليف هذا الأدب. فمنذا الذي يؤلّف هذه الأنواع الأدبية بأشكالها المحددة؟ أهو الشعب كله أم فرد بعينه؟ وهل من المعقول أن الشعب كله يمكن أن يجتمع ليؤلف أسطورة أو حكاية خرافية أو شعبية على سبيل المثال؟ أو هل يمكنه مجتمعاً أن يؤلف النكتة بشكلها الموجز المليء بالغزي [كذا] والسخرية؟ إن هذا لا يمكن أن يحدث بطبيعة الحال. ولم يبقَ سوى أن نفترض الأصل الفردي للإنتاج الأدبي الشعبي. وهذا الفرد الخلاّق لا يعيش حياة ذاتية بعيدة عن المجموع، وإنما يعيش حياة شعبية صرفاً. وهو بما له من نشاط إبداعي خلاّق، يخلق الكلمة المعبرة التي سرعان ما تلقى هوى بين أفراد الشعب جميعه، إذ تكمن فيها روحه وتجاربه ومشكلاته»52. يحيلنا نص إبراهيم هذا على رأيها السابق الذي أكدّت فيه أن النص الشعبي لا يظهر للوجود إلا بعد اكتماله، وهو يخالف آراء أغلب دارسي الأدب الشعبي، غير أنها في هذا الرأي تؤكّد ضرورة وجود المؤلف الفرد الذي يؤخذ نصّه فيما بعد ويتم تداوله حتى يصبح لا وجود لمؤلفه فيما بعد. وإذا أخذنا بهذا الرأي، فإننا نأخذ بتوجيه الأدب الشعبي من قبل أفراد وليس من قبل بيئة اجتماعية وثقافية لها تقاليدها وسياقاتها التي تعيد من خلالها إنتاج أي نص.
من جهة أخرى، فلهذا الرأي جانب كبير من الصحة في الوقت نفسه، فإذا كانت نواة النص تُنتج من قبل فرد ضمن جماعة ما، فإن هذه الجماعة تتلاقف هذه النواة وتؤسس عليها ما نسميه فيما بعد نصّاً شعبياً، غير أن هذه النواة ليست أكثر من فكرة مطروحة في البيئة الثقافية نفسها التي ألّف فيها النص الشعبي، ومن ثمَ يبقى عمل الرواة في إعادة إنتاج هذا النص والإضافة له، والحذف منه، حتى تبدأ الجماعة الشعبية نفسها في تلقّيه وإعادة إنتاجه.
وإذا كانت إبراهيم تصر على فردية تأليف النص الشعبي في بداياته، فهي في الوقت نفسه تشير إلى إعادة استلهام المرجعيات الثقافية من البيئة الشعبية نفسها، «هكذا يفعل الأدب الشعبي، إنه يحوّل الفوضى إلى نظام وكل نوع من أنواع الإنتاج الأدبي الشعبي، مثل الحكاية الخرافية والأسطورة الكونية وأساطير الأخيار والأشرار إلى غير ذلك، إنما يهدف إلى تفسير جانب من جوانب الحياة، ولهذا فإنها تعدّ جميعاً من صنع العقلية المفسّرة القادرة على استغلال اللغة في وظيفتيها كلتيهما، وهما الخلق والتفسير. على أن تفسير عملية إبداع الأدب الشعبي على هذا النحو يعد في الحقيقة نظرياً إلى حدٍّ كبير. حقاً أن الناس يختلفون في مستويات تفكيرهما [كذا] على نحو ما تختلف وظائفهم في الحياة، وحقاً أن التأليف الأدبي يحتاج إلى تلك الفئة التي لا تكون قادرة على التشكيل فحسب، بل على ربط هذا التشكيل بإدراك حقيقة ما، ولكن إذا كان الأمر كذلك، فإن تأليف الأدب الشعبي يصبح عندئذٍ نتاج فئة معينة وموجهاً لفئة معينة. وبهذا نكون غير بعيدين عن الإبداع الأدبي الفردي الذي ينحصر في فئة معينة يكون من بينهما المبدع، كما يكون من بينهما المستقبل. ولكن حيث أن الأدب الشعبي لا يمكن أن يكون شعبياً إلا إذا استقبلته الجماعة الشعبية بأسرها ورددته، فلا بد أن يكون التعبير الأدبي الشعبي، مهما يكن مصدره، معدّاً في شكل يستهوي الجماعة بحيث تستقبله فور وصوله لها، وكأنه جزء من حياتها القديمة ومن رصيد ثقافتها القديمة. كما أن هذا المؤلف الفرد، إن وجد، لا يستطيع أن يدعي ملكيته لهذا التأليف، حيث أن ما توصل إليه من تشكيل أدبي إنما يتألف في الحقيقة من عناصر مفردة هي في الأصل ميراث قديم للشعب»53. وبحسب ما تراه إبراهيم فإن هذا الفرد (المؤلف) نتاج بيئته الثقافية التي أنتج من خلالها نصّه الفردي، ليوجّه إلى الجماعة الشعبية التي تعيد إنتاجه على أنه من نتاجها. وفي كتاب آخر، تبرز إبراهيم علاقة أخرى بين فردية تأليف النص الشعبي ومجهولية المؤلف، مبينةً أن «أول ما يثار بصدد هذه القضية، قضية مجهولية المؤلف، وارتباطها كلية بعملية انتشار النص وذيوعه عن طريق الشفاهية. فالنص المجهول المؤلف يعد ملكية عامة للشعب، فإذا راقه، لأنه يؤدي وظيفة ما في حياته، حرص على ترديده، ومع الترديد المستمر يكون النص عرضة للتغيير الذي يتدخل فيه بشكل أو بآخر الرواة المبدعون الذين يعدون بمثابة أجهزة استقبال حساسة لمتغيرات العصر واحتياجات الجمهور النفسية والاجتماعية، وما تتطلبه هذه المتغيرات وتلك الاحتياجات من تشكيلات جديدة، ووسائل فنية جديدة»54. وهذا ما يعدّ خصيصة رئيسة في خصائص الأدب الشعبي، وهي مجهولية المؤلف، حتى وإن كان التأليف الأول لفرد مبدع، فإن دخول هذا النص ضمن ثقافة المجتمع، وتبنّي المجتمع له، سينسى حينها اسم المؤلف، لأن الجماعة الشعبية ستعيد إنتاج النص وتقدّمه محملاً بثقافتها والتحوّلات التي طرأت عليها.
من جانبه، يكشف الدكتور عبد الحميد أن «الآداب الشعبية ثمرة مؤلفين مبدعين ذابت شخصياتهم الفردية في شخصية الشعب أو الجماعة، إما تثبيتاً لقيمة إنسانية أعلى، وإما تعبيراً عن موقف شعبي عام. وقد يتردد اسم هذا المؤلف أو ذاك لأثر شعبي، ولكن الجماعة تعنى بالنص، وتتشبث به أكثر من عنايتها بالمؤلف وحرصها على تذكره»55. ورأي يونس هذا تلخيص لفكرة التأليف في الأدب الشعبي، فلا وجود لمرجعية محددة لأي نص شعبي، لأن هذا النص قابل للتجدد والإضافات المستمرة، و»قد اقتضت هذه الخاصية، أعني خاصية التجدد الدائم وقبول الإضافة المستمرة، أن يتوه منا اسم المبدع الأصلي للعمل الشعبي؛ لأن العمل الذي بدأه هو قد قطع صلته بذاته والتعبير عنها؛ ليتّسع للتعبير عن ذات الشعب نفسه، ولأن هذا العمل قد أضافت إليه ذوات أخرى، وعصور أخرى، وطاقات إبداعية أخرى- ما جعل نسبته إليه لا تمثل حقيقة الانتماء الفني في شيء، وأيضاً لأن العمل حتى لو بدأ غنائياً قد تحوّل على يد الإبداع الشعبي الجمعي إلى إبداع درامي، يفقد غنائيته كلما بَعُد عن صاحبه، ويتحوّل مثل كرة الثلج التي تكبر كلما تحرّكت بما يضاف إليها من ذوب الوجود الذي تتحرّك متدحرجة فيه ومن خلاله- يتحوّل إلى كرة ضخمة تضمُّ في بؤرتها البذرة الأولى للمبدع الفردي الأول؛ ولكنها قد تدثّرت بكل التراكمات الفولكلورية التي أضافها إليها التناقل الحي والمستمر والدائم»56. وعلى الرغم من حداثة رأي الدكتور فاروق خورشيد عن آليات تأليف الأدب الشعبي، إلا أنه يتّفق مع سابقيه، من أمثال نبيلة إبراهيم وعبد الحميد يونس، وهذا الاتفاق جاء حتى بعد أن أعلن في بعض نصوص السيرة الشعبية عن عائدية هذه السيرة إلى مؤلف بعينه، مثل سيرة عنترة بن شداد التي يذكر الراوي أنها من تأليف الأصمعي أو غيره، ومع هذا التحديد، يشكك دارسو الأدب الشعبي بصحة إسناد السيرة لهذا المؤلف أو ذاك57.
وبالموازنة بين النص الأدبي الشعبي والفردي، تشير نبيلة إبراهيم إلى أن النص الأدبي الشعبي يقف «مواجهاً في خصوصيته النص الأدبي الفردي، فالنص الفردي يتمتّع بالثبات لأنه يكتب ويظل حبيس الورق، ومن ثم لن يكون عرضة للتغيير، ولابد أن يتعامل معه القارئ على هذا الأساس. ولكن القارئ حر في أن يفهمه كيفما شاء، ولهذا تتعدد القراءات مع ثبات متن النص. أما النص الشعبي فهو أولاً مجهول النشأة، كما أنه لم ينشأ فجأة منفصلاً عما قبله من النصوص والمعارف الشعبية، على الرغم من اختلافاتها الشكلية، شديدة الصلة بعضها ببعض، فقد يكمل بعضها بعضاً في سياق الفكر الكلي المنتظم، وقد فسّر بعضها بعضاً، كان يكشف عن أصول اللغة الإشارية الممتدة في أعماق التاريخ»58. وضعت إبراهيم حداً فاصلاً بين الشعبي والفردي وهو التدوين، أو الكتابة الأولى التي تجعل النص حبيس الورق- على حدِّ قولها-، في حين يبقى النص الأدبي الشعبي طيّعاً ومرناً في يد الرواة، ومن يتداوله من الشعب، قابلاً للحذف والإضافة. كما تضيف إبراهيم اختلافاً آخر بين النصين، وهو «أن العلاقة غير المباشرة بين النص الفردي والقارئ تقابلها علاقة مباشرة، بل علاقة مواجهة، بين مؤدي النص والمستمع إليه. وكل مؤدٍ يعلم أنه يؤدي رواية أخرى لنص قيل من قبل، كما أنه يعلم أنه لا يملك حق التسلط لفرض روايته، ولهذا فإن المستمع الذي يمكن أن يكون راوية عن بُعد، حر في أن يغير هذا النص كذلك. على أن هذه الرغبة في تغيير النص لا تتولد لديه إلا نتيجة لتفاعله مع الرواية التي استمع إليها. وكل هذا يؤكد أن النص الشعبي حركة مستمرة مع حركة الحياة، فكل ما يطرأ على الحياة الاجتماعية من تغيير، وكل ما يستوعبه الشعب من أفكار إزاء هذا التغيير، لابد أن يجد صداه في حركة النص»59. فإذا كان الاختلاف الرئيس بين النصين الأدبيين يكمن بحسب ما بيّنته الدكتورة نبيلة إبراهيم، في أن الفردي مكتوب والشعبي شفاهي، وهذا ليس اختلافاً جذرياً، بدلالة أن هناك نصوصاً سردية قديمة مكتوبة تحوّلت فيما بعد إلى نصوص شعبية، فإن الاختلاف الأهم بينهما هو مدى مطاوعة النص على التحوّل والتغيّر بين جماعة شعبية وأخرى، وبين زمن وأخر لدى الجماعة الشعبية نفسها. وهذا هو أهم خصيصة من خصائص الأدب الشعبي عموماً، فعلى الرغم من الاختلاف بين دارسي هذا الادب في لغته؛ بين العامية والفصيحة، ومعرفة المؤلف أو مجهوليته، وتوارث هذا النص جيلاً بعد جيل، لكن الدارسين يتّفقون على أن أهم خصيصة في هذا النص تكمن في مرونته، ومطاوعته للتغير والإضافة والحذف مع كل رواية جديدة له.
الهوامش
1. لسان العرب، ابن منظور، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2014، مادة: أدب.
2. المعجم المفصل في الأدب، إعداد: الدكتور محمد التونجي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، 1999، ص46.
3. ينظر: المصدر نفسه، ص46.
4. م. ن، ص46.
5. ينظر: م. ن، ص47.
6. م. ن، ص48.
7. نظرية الأنواع الأدبية في النقد الأدبي، الدكتور محمد خير شيخ موسى، دار الترجمة، الكويت، ط1، 1995، ص13.
8. نظرية الأدب، أوستن وارين ورينيه ويليك، ترجمة: محيي الدين صبحي، مراجعة: الدكتور حسام الخطيب، المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، 1972، ص19.
9. م. ن، ص19.
10. م. ن، ص22.
11. م. ن، ص22.
12. مفهوم الأدب ودراسات أخرى، سفيتان تودوروف، ترجمة: عبود كاسوحة، منشورات وزارة الثقافة، دمشق، 2002، ص7.
13. م. ن، ص8.
14. م. ن، ص10.
15. م. ن، ص14.
16. م. ن، ص17.
17. موسوعة النظرية الأدبية المعاصرة، (3) مفاهيم، إيرينار ر. مكاريك، ترجمة حسن البنا عز الدين، المركز القومي للترجمة، القاهرة، 2017، ص250- 251.
18. م. ن، ص248- 249.
19. موسوعة النظرية الأدبية، م. س، ص250.
20. م. ن، ص252.
21. النظرية الثقافية والثقافة الشعبية، جون ستوري، ترجمة: د. صالح خليل أبو أصبع ود. فاروق منصور، هيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة- مشروع "كلمة"، ط1، 2014، ص21.
22. علم الفولكلور، الدكتور محمد الجوهري، دار المعارف، القاهرة، ج1، ط2، 1981، ص115.
23. الهلالية في التاريخ والأدب الشعبي، عبد الحميد يونس، أطروحة دكتوراه 1957، الأعمال الكاملة، ج3، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2010، ص101.
24. معجم الفولكلور، الدكتور عبد الحميد يونس، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2009 (1983)، ص39.
25. "يطلق على التراث الروحي للشعب (خاصة التراث الشفاهي)، كما يطلق على العلم الذي يدرس هذا التراث"، ينظر: علم الفولكلور، محمد الجوهري، م. س، ص58.
- "اقترح تومز [وليم جون تومز] هذا الاصطلاح ليدل على دراسة العادات المأثورة والمعتقدات، وكذلك ما كان معروفاً حتى ذلك الوقت- بشكل غامض- بالآثار الشعبية القديمة"، ينظر: الفولكلور ما هو..؟، فوزي العنتيل، الهيئة العامة لقصور الثقافة، مكتبة الدراسات الثقافية 38، القاهرة، 1999، ص15. ويفرّق الدكتور فاروق خورشيد بين الفولكلور والأدب الشعبي بقوله: "إذا كانت التلقائية والعفوية هما السمة الرئيسية في الفولكلور- فإن العمد والتنظيم هما السمة الرئيسية في الأدب الشعبي؛ فبإضافة كلمة أدب إلى مصطلح شعبي تعني الدخول بالشعبيات المتوارثة إلى مرحلة الشكل الفني والمضمون الدرامي لهذا الموروث الشعبي المتوارث.. وعلى هذا فيمكننا أن نستخرج مقولة هامة من هذا كله، وهي أن كل أدب شعبي فولكلور، وليس كل فولكلور أدباً شعبياً؛ فتعبير الفولكلور هو الأشمل والأعم، ويمكن إطلاقه على العطاء القولي الفولكلوري على العموم بما في ذلك الأدب الشعبي، في حين أن تعبير الأدب الشعبي لا يمكن إطلاقه إلا على هذا العطاء القولي الذي يعبّر عن تجربة إنسانية جمعية، ويلتزم بالشكل الذي يفرضه هو نفسه كتنظيم ثابت ومنتظم من ناحية العطاء الفني، ومن ناحية القالب الإبداعي، ومن ناحية التنظيم الأسلوبي أيضاً". أدب السيرة الشعبية، فاروق خورشيد، الشركة المصرية العالمية للنشر- لونجمان، القاهرة، ط1، 1994، ص19- 20.
26. معجم الفولكلور، م. س، ص39.
27. يورد أحمد صادق الجمّال، أسباباً كثيرة لنشوء اللغة العامية، من أهمها اختلاط المجتمع بعناصر اجنبية تتغلغل ثقافتها في المجتمع، فنصبح أمام لغة جديدة هي اللغة العامية الخاصة، أو" هي (اللغة المشتركة نفسها في مظهر محلي) وقد اختلف الباحثون في فهم مدلول هذه اللغة العامية الخاصة، هل يطلقون عليها اسم اللغة الشعبية أو اللغة العامية. هذه اللغة لا شك أنها العامية التي نشأت نتيجة للظروف الاقتصادية وقد رأى (يوهان فك) أن نشاط التجارة في القرنين الثامن والتاسع الهجري (قد هيأت الأسباب الضرورية لنشاط الحياة العقلية وسعد على إنشاء نهضة أدبية في مصر وسوريا تميزت- من الوجهة اللغوية- بظهور التعبيرات المحلية) وكذلك هيأت الظروف الاجتماعية لنشأة اللغة العامية بما للعوامل الاجتماعية من أثر على توجيه العقول وتغيير السلوك، كما أن السياسة قد أثرت في نشأة هذه اللغة، فقد سببت لها فرصة احتكاكها بلغات أجنبية، مما أدى إلى تداخلها فيها. وهكذا تنشأ اللغة العامية، وينشأ معها الأدب العامي الذي يعبر عن أدق خلجات النفس التي تأثرت بالخبرات، والتي ساعدتها لغة طيعة هي اللغة العامية لترسم صورة المجتمع الذي تحيا فيه، وهذا ما نراه في اللغة العامية في مصر زمن المماليك الذي جاء أدبها العامي تنفيساً وتصويراً للحياة المصرية الاجتماعية والثقافية والسياسية.
- والأدب العامي يعتمد على مادته المفصحة التي (إعرابها لحن وفصاحتها لكْن وقوة لفظها وهن) ومن ذلك نلاحظ الأدب العامي يشترط فيه أن يكون لفظه ملحوناً عاطلاً من الإعراب بعيداً كل البعد عن التزام الفصحى التي هي أساس الأدب الرسمي، وإلا لما وجد الفرق بين الأدبين العامي والفصيح، وذلك في لفظ سهل قريب إلى النفس منبعث من الوجدان الفطري الذي لا يميل إلى التعقيد".
- - الأدب العامي في مصر.. في العصر المملوكي، أحمد صادق الجمّال، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مكتبة الأسرة، 2013، ص71- 72.
28. الأدب الشعبي، أحمد رشدي صالح، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، ط2، 1955 (ط1 1954)، ص9.
29. م. ن، ص. ن.
30. م. ن، ص9-10.
31. ينظر: م. ن، ص10.
32. ينظر: م. ن، ص10- 17.
33. سيرة الأميرة ذات الهمة- دراسة مقارنة، الدكتورة نبيلة إبراهيم، دار النهضة العربية، بيروت، (1960) د.ت، ص14.
34. م. ن، ص14-15.
35. الأدب الشعبي، عبد الحميد يونس [1960]، الأعمال الكاملة، ج1، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2007، ص317.
36. أدب السيرة الشعبية، فاروق خورشيد، الشركة المصرية العالمية للنشر- لونجمان، القاهرة، ط1، 1994، ص20- 21.
37. الأدب الشعبي، م. س، ص317- 218.
38. م. ن، ص319.
39. م. ن، ص467.
40. أشكال التعبير في الأدب الشعبي، دكتور نبيلة إبراهيم، دار المعارف، القاهرة، ط3، د.ت [1977]، ص3- 4.
41. الأدب الشعبي، م. س، ص319.
42. نظرية الأنواع الأدبية، م. فينسنت، ترجمة: الدكتور حسن عون، مطبعة رويال، الإسكندرية، مصر، د.ط، د.ت، ص22.
43. الأدب الشعبي، م. س، ص321- 322.
44. التراث الشعبي، عبد الحميد يونس [1979]، الأعمال الكاملة، ج1، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2007، ص586.
45. ينظر: موسوعة السرد العربي، عبد الله إبراهيم، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2008 [1994]، مج1، ص252.
46. ينظر: الهلالية في التاريخ والأدب الشعبي، عبد الحميد يونس، رسالة ماجستير 1946، الأعمال الكاملة، ج3، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2010، ص258.
- و: الأدب الملحمي في التراث الشعبي العربي، محمد رجب النجار، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2006، ص202.
47. ينظر: تمثلات العجيب في السيرة الشعبية العربية، صفاء ذياب، دار صفحات- دمشق، دار ميزوبوتاميا- العراق، دار وراقون- العراق، ط1، 2015، ص14.
48. المقومات الجمالية للتعبير الشعبي، د. نبيلة إبراهيم، الهيئة العامة لقصور الثقافة، مكتبة الدراسات الشعبية6، يونيو 1996، [......]، ص71- 72.
49. أدب السيرة الشعبية، م. س ص22.
50. مناهج دراسات الأدب الشعبي، د. أمينة فزاري، دار الكتاب الحديث، القاهرة، 2011، ص43.
51. ينظر: مناهج دراسات الأدب الشعبي، م. س، ص43- 44.
52. أشكال التعبير في الأدب الشعبي، م. س، ص4.
53. م. ن، ص8.
54. المقومات الجمالية للتعبير الشعبي، م. س، ص68.
55. التراث الشعبي، م. س، ص585.
56. أدب السيرة الشعبية، م. س، ص22- 23.
57. ينظر: سيرة عنترة (ملحمة شعبية عربية)، عبد الحميد يونس، الأعمال الكاملة، ج1، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2010.، ص125 وما بعدها.
58. المقومات الجمالية للتعبير الشعبي، د. نبيلة إبراهيم، الهيئة العامة لقصور الثقافة، مكتبة الدراسات الشعبية 6، يونيو 1996، [......]، ص68- 69.
59. م. ن، ص69.
60.
الصور
1. https://i.pinimg.com/564x/59/95/4d/59954de43a68fb59663e7e48ec42d449.jpg
2. https://i.pinimg.com/564x/0d/b9/b5/0db9b54d2706f1c502cbbc5bd5e31910.jpg
3. https://i.pinimg.com/564x/92/68/d2/9268d20ced6c079ff73fda288a5ab2ab.jpg
4. https://i.pinimg.com/564x/3b/7e/f0/3b7ef0ebaa5463e8ce1340f02ca37913.jpg
5. https://i.pinimg.com/564x/47/be/c9/47bec9fdd3373a023651b4e02af1ecce.jpg