فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
67

الغلاف الخلفي: «الحوض الميمي» بين التقارب والتباعد الثقافي

العدد 53 - لوحة الغلاف
الغلاف الخلفي: «الحوض الميمي» بين التقارب والتباعد الثقافي
مملكة البحرين

الرقص، مشتركٌ تتقاطعُ فيه العديد من المجتمعات، ولا يقتصرُ على الإنسان باعتبارهِ كائناً ثقافياً أو «ميمياً»، إنما يتجذرُ عميقاً، في جوهر الإنسان من حيثُ بعده البيولوجي، وهو من هذه الناحية؛ يتشاركهُ مع عددٍ من الكائنات التي تستعينُ بهذا الأداء الحركي لدواعي التزاوج، أو التنبيه، أو كشكلٍ من أشكال التواصل... تماماً، كما استخدم، وما يزال، لدى البشر، وأسلافهم الأوائل، بيد أن (الإنسان العاقل) حظي باللغة التي استعاض بها عن مختلف الأشكال الأدائية، لتبقى هذه الأشكال لدى مختلف الثقافات الإنسانية، محملةً بالدلالات الرمزية، والتي تحولت في نهاية المطاف إلى تراثٍ أو «فُلكلور»، يعودُ الفضل في بقائه إلى «الميمات» التي تناقلتها الأجيال، لتخلق كل جماعةٍ فرادتها.

وهذا ما نعرضُ لهُ في غلافنا الخلفي، إذ تعكسُ الصورة فرقةً تركيةً تؤدي رقصةً شعبية، يبدو أنها رقصة الـ «كرشلمار» التي تعودُ في أصلها لـ (البلقان)، ونزحت مع نزوح النازحين عبر الزمن، لتمتزج مع المزيج الثقافي في (تركيا)، وتصير جزءاً من الـ «فُلكلور» التركي. وسنتطرقُ بإلماحةٍ إلى هذه الانتقالات وتأثيراتها الثقافية، وكيف تصهرُ في بوتقة، يتولدُ عن مزيجها فرادة جديدة، تتناقلها الأجيال.

تؤدى الـ «كرشلمار» في الأفراح والمناسبات الاحتفالية، إذ يرتدي الرجال والنساء، سراويل فضفاضة، وقُمصان تمتاز بأكمامها الواسعة، لتسمح بحركة الذراعين الحرة، ويلفُ حول البطن حزام يختلف من حيثُ الحجم، وتزينُ النساء رؤوسهن بالقماش والحلي.

هذا الزي المتقاربُ مع أزياء البلدان المحيطة بـ (تركيا) شرقاً وغرباً، يدلُ على دور الجغرافيا، وانتقال «الميمات» في خلق ثقافات العالم. فـتركيا دولةٌ «عابرةٌ للقارات»، وهي ميزةٌ من حيثُ «الحوض الميمي» إذا صحت التسمية، على منوال «الحوض الجيني»، ما جعلها مزيجاً غنياً من الثقافات المتعددة.

إن المقاربة بين التطور البيولوجي، والتطور الثقافي، تتمثلُ في الوحدات الأولية لهذين التطورين، فهي في البيولوجيا ممثلةً بـ «الجين»، وفي الثقافية بـ «الميم»؛ وهي وحدة البناء الأولية التي تناقلها الإنسان، لتشكل في مجملها كياناتهُ الثقافية والحضارية. فكما ليس من المستغرب أن نرى تقارباً «مورفولوجياً» بين الشعوب المتقاربة جغرافياً، نظراً لكونها تشتركُ في النهل من أحواض جينية، كذلك تتقاربُ الثقافات، نظراً للأحواض الميمية المتقاربة، فكما نرى في الصورة، من الصعب على غير المتخصص، أن يميز إلى أي البلاد تعود هذه الرقصة من بلدان أوروبا، وخاصة الشرقية؛ تماماً كـ «المورفولوجيا»، إذ من السهل على أي مشاهد أن يميز بين الأوروبي، والتبتي، لكن من الصعب على غير العربي معرفة إلى أي البلاد ينتمي الشخص؛ أهو من سوريا أم البحرين؟ اقتصاراً على الشكل فقط.

هذا التشابه والتباعد، كما نجدهُ في الثقافات، والـ «المورفولوجيا»، نجدهُ كذلك في اللغات، والرقصات... إذ أن التقارب الجغرافي، يولدُ «ميمات» متقاربة، تبتعد بابتعاد الجغرافيا، حتى يتضحُ ملمح افتراقها؛ فلن نجد صعوبةً في تمييز الثقافة التبتية، عن ثقافة «قبيلة المرسي» الأفريقية، فيما من اليسير إيجاد تقارب بين ثقافة «الكيلاش»، التي تقطنُ جبال هندوكش، بثقافة الشعوب الآرية التي تقطنُ هضبة التبت.

أعداد المجلة