فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
60

الزّفان البحريني الرجولي

العدد 60 - لوحة الغلاف
الزّفان البحريني الرجولي
كاتب من البحرين

 

لقد تأكد بأن الرقص لدى الإنسان ظهر قبل الكتابة، واقترن الجسد البشري عن طريق الإيماء والإشارة وتقاطيع الوجه ونظرات العين بالعديد من ألوان التعابير التي رغب في توصيلها إلى الآخر، حتى تطورت عبر الحقب لتتصل بالمشاعر والأحاسيس الذاتية، ثم ليرتبط بعضها فيما بعد بالمعتقد الديني والعُرف الاجتماعي وبأخلاق السلوك البشري الذاتي. ومنذ التجارب الإنسانية الموغلة في القدم طوّع الإنسان حركات أعضاء الجسد لتقترن بالإيقاع وبالنغم ليعبر هـز وتحريك أطراف البدن عن أحاسيس الحزن أو الانتشاء والفرح أو الغضب والتنفيس عن رغائب نفسية مكبوتة.

وقد تعارف الناس على تسمية فن تحريك البدن وهـزه والإيماء بأطرافه المختلفة بالرقص، فلكل جنس من البشر رقصاته المتناغمة مع ظروف المعتقد والمعيشة ونوع الوسط الاجتماعي أو خصوصية ميدان الفرجة. 

لقد ارتبطت كل حركات الجسد الإيمائية لأداء الرقص في أي بقعة من بقاع العالم بالمناخ الجغرافي لذلك المكان، فحرارة الجو أو برودته تحدد سرعة ونوع تحريك جسد المؤدي ومقدار ما يبذل من جهد متواصل حتى قمة التعبير. فالمؤدي بالبلاد الباردة يحتاج فضاءً فسيحاً لتحريك جسد مغطى بلباس يقيه البرد ويسمح له بالقفز والملامسة الجسدية ضمن مجاميع وبالحركة والانتقال بسرعة وخفة من مكان إلى آخر لتسخين الجسد، فيما يحتاج المؤدي في البيئات الحارة ذات الرطوبة العالية كبيئات الخليج العربي إلى فضاء محدود يستوعب حركته الفردية أو الثنائية الهادئة المتئدة التي توصف بالمشي الوئيد، الذي يحرك خلاله يده اليمنى بين فينة وأخرى ويهز كتفيه دون تحريك الردفين، ومن ثم يقفز خلال الأداء قفزتين عاليتين أو ثلاث. 

يطلق محلياً في الخليج على فن الرقص (الزّفان) ومفردها (زفّان) و(زَفَـنَ) فصيحة لغةً، بمعنى رقَـصَ، وهناك نوعان من الزّفان: الرجولي الذي يؤدى برشاقة على إيقاعات فنون البحر كـ«العدساني» و«الحساوي» و«المخولفي» وغيرها، وتختص بأدائه للعموم نخبة موهوبة من شباب في ريعان الصبا من ذوي الأجساد الخيزرانية الممشوقة، كالراقص الذي يقفز عالياً في صورة غلاف هذا العدد، والنوع الثاني من الزّفان: نسائي تؤديه النساء سافرات مع تغطية الوجه بطرف الثوب النسائي الشعبي في الأفراح بالقاعات المغلقة، وذلك على إيقاعات فني «السامري» و«الخماري»، وفي أحيان على إيقاعات فنون «البستة». 

وقد ظهرت في البحرين وبعض دول الخليج العربي أواخر القرن الماضي رقصات من تشبهوا بالنساء وراج نشاطهم في الأعراس وجلسات السمر الخاصة، إلا أن هذه الظاهرة سرعان ما اختفت وتجاهلها الوجدان الشعبي دون أن يعيرها أي اهتمام.

إن المتأمل لحركات فن الزّفان البحريني، أو الخليجي الرجولي بصفة عامة، قد يقرن حركة هـز كتفي الراقص في ارتعاشات رشيقة متتالية، ومن ثم القفز عالياً، بمحاكاة البحارة لحركة السمكة وهي تقفز عاليا طالعة من البحر لوهلة ثم تعود إليه، وحركة تلك السمكة بعد اصطيادها وخروجها من البحر وهي ترتعش بين أعينهم على ظهر السفينة ارتعاشاتها الأخيرة. أو قد يكون لتلك الحركات تفاسير تعبيرية أخرى.

 

أعداد المجلة