فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
59

أساليب القسم في الدارجة المغربية، دراسة وظيفية

العدد 59 - عادات وتقاليد
أساليب القسم في الدارجة المغربية، دراسة وظيفية
كاتب من المغرب

 

تقديم:

يحتاج المغاربة، كغيرهم من المجتمعات، إلى الاستعانة بالقسم للتأثير على السامع بصدق القول أو التأكيد على فعل الشيء أو الرغبة فيه. وإن كانت هذه العادة متداولة شفهيا بشكل كبير بين سكان أقصى شمال إفريقيا إلى درجة اعتبار كل من يُقسِم كثيرا كاذبا؛ حيث شاع بين العامة استعمال «لي كيحلف بزاف كيكذب بزاف». وفي دراستنا هذه سنميل إلى ذكر مجموعة من الأساليب التي يستعملها المغاربة على اختلاف فئاتهم الاجتماعية، وتمثلاتهم الذهنية.

وتهدف هذه الدراسة إلى فحص الاستخدامات اللغوية الخاصة بأساليب القسم ووصفها في الدارجة المغربية، ولتلبية الغرض من هذا العمل، تم جمع متن خلال ما يزيد عن أربعة أشهر تخللتها مقابلات وجها لوجه ومتابعة لصفحات مواقع التواصل الاجتماعي والاعتماد على أسئلة مباشرة لعينة مختارة من المبحوثين تنوع فيها السن والجنس والمستوى الثقافي والاجتماعي. دون أن ننسى مبدأ المعايشة التي يتيح للباحث تسجيل أغلب الصيغ الشائعة المتداولة بين المغاربة في مختلف الوضعيات. ولأن استخدام القسم شائع بين المغاربة فقد اخترنا هذا الأسلوب لدراسة وظيفية معمقة. وتبقى طبيعة العمل استكشافية مبنية على وصف وتحليل المتن المحصل عليه، إضافة إلى الاعتماد على تقنية الملاحظة المباشرة لتحليل أساليب القسم في المتن قيد التحقيق. أما نتائج البحث فأظهرت أن للقسم أغراضا متعددة، من بينها: التعبير عن القبول، والاعتذار، والمجاملة، والتهديد..

وارتباطا بالدراسات السابقة؛ فإذا كان أسلوب القسم من المواضيع المُستهلكة في العربية الفصحى، فالظاهرة لا تجد نفس الاهتمام من طرف الباحثين والدارسين في اللهجات العربية، والدليل على ذلك ندرة هذه الأعمال التي توصلنا إلى بعض منها أبرزها:

    -    دراسة غابرييل روزنباو Gabriel Rosenbaum1 المعنونة بـ «Oaths in modern spoken egyptian Judeo-Arabic with a comparison to oaths taken by christians and Muslims»، والتي يهدف من خلالها إلى وصف صيغ اليمين التي استخدمها اليهود في مصر، مقارنة بالصيغ التي يستخدمها المسلمون والمسيحيون الأقباط خاصة. ليخلص إلى ارتباط جميع صيغ اليمين اليهودية العربية بالدين والتقاليد اليهودية، كما أنها تُستخدم بين اليهود فقط، وتُستعمل فيها الكلمات أو الأسماء العبرية، وبالتالي فهي غير معروفة وغير مفهومة من قبل غير اليهود. أما بخصوص المسيحيين (معظمهم أقباط) فإنهم يعارضون أداء اليمين، إلا أنهم يعتمدونها في حياتهم اليومية، وترتبط جميع صيغ اليمين التي تعتمد على المفردات العربية بالدين على عكس الصيغ العبرية. بينما تخلص الدراسة إلى أن المسلمين يُسمح لهم بالقسم بالله فقط، وهذا ما يقومون به على الدوام، وإن كان الكثير منهم يعتقد أن هذا غير مرغوب فيه ومن الأفضل عدم الحلف على الإطلاق.

    -    دراسة عاصم الخوالدة2 الموسومة بـ: «uses of the discourse marker Wallahi in Jordanian spoken Arabic: a pragma-discourse perspective» حيث تهدف دراسته إلى وصف استخدامات العلامة الخطابية (وَاللَّهِ) في العربية المنطوقة بالأردن بناء على مجموعة من البيانات التواصلية التي تحدث بشكل طبيعي بين المتكلمين، وتشير النتائج المتوصل إليها أن (وَاللَّهِ) متعددة الوظائف، وقد توصل الباحث في دراسته إلى عشر وظائف مختلفة للكلمة، كما وجد أيضا أن الكلمة تأتي غالبا في بداية الكلام أكثر من وسطه أو نهايته.

    -    دراسة «الأساليب الإنشائية غير الطلبية في اللهجة اليمانية الشمالية وصلتها بالعربية الفصحى» وهي للباحثين إبراهيم عبود ياسين وأمير رفيق عولة3؛ وتناول البحث الأساليب الإنشائية غير الطلبية بحسب ما يُستخدم في اللهجة اليمانية الشمالية، ومدى صلتها بالعربية الفصحى أو بعدها عنها، حيث تم تخصيص محور لأسلوب القَسَمِ في اللهجة اليمانية أكد فيه الباحثان على مطابقته لأسلوب القسم في الفصحى، ويستعمل اليمنيون من أدواته (الواو، والباء)، ومن الأفعال (أقسم، وأحلف) فقط وبنفس التركيب الذي في الفصحى من حيث الحذف والذكر لحروف القسم وأفعاله، كما أن هناك ألفاظا مخصوصة يستعملها اليمانيون لتأدية القسم منها: «بحجر الله تسلم لي حقي» و«مسؤول بالله تبوك» و«العيش والملح»4 و«ليكون سمّي وآخر زادي» و«مخوتك»5.

تعريف القسم:

القسم من: أقسمَ إقساما ومقسِما: حلف، ويقال: أقسم بالله حلف به فهو مقسم6. القسم، بالتحريك: اليمين، وكذلك المُقْسَمُ، وهو المصدر مثل المُخرَج، والجمع أقسَام. وقد أقسم بالله واستقسمه به وقاسمه: حلف له. وتقاسم القوم: تحالفوا. وأقسمت: حلفت7.

ويمكن أن نضيف أيضا أن القسم: طريق من طرق توكيد الكلام وإبراز معانيه ومقاصده على النحو الذي يريده المتكلم، إذ يؤتى به لدفع إنكار المنكرين، أو إزالة شك الشاكين، وهو من المؤكدات التي تمكن الشيء في نفس السامع وتقويه، ولتطمئن إلى الخبر8.

وفي هذا يقول ابن سيده: «اعلم أن القسم هو يمين يقسم بها الحالف ليؤكد بها شيئا يخبر عنه من إيجاب أو جحد، وهو جملة يؤكد بها جملة أخرى، فالجملة المؤكَّدة هي المقسم عليه، والجملة المؤكِّدة هي القسم، والاسم الذي يدخل عليه حرف القسم هو المقسم به. والمقسم به اسم الله عز وجل، وكذلك كل اسم ذكر في قسم لتعظيم المقسم به فهو المُقسَم به»9.

كما أن القسم هو استعانة الحالف بقوة أعظم من قوته، تدفع المخاطب إلى تصديق الكلام، فقبل القسم كان أمر الحالف إلى نفسه، إن صدق أو كذب، أما بعد أن حلف فقد صار أمره إلى الله، إن حلف صادقا غَنِم، وإن حلف كاذبا غَرِم، ومن هنا يثق المخاطب في الكلام المحلوف عليه.

والمقسم به لا يكون إلا عظيما، فالناس لا يقسمون إلا بما له مكانة عظيمة في حياتهم، وإن كان الأصل عند المسلمين أن يكون بالله سبحانه وتعالى فحسب، وقد ورد القسم في لغة التنزيل كثيرا؛ يقول الله تعالى: ﴿تالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين﴾ (الأنبياء، 75)، ومن القسم بغير الله قسم السحرة الذين تصدوا لموسى عليه السلام فأقسموا بفرعون إذ كان يحتل في نفوسهم مكانة الإله والقدسية، وفي هذا جاء قوله تعالى: ﴿فألقوا حبالهم وعصيِّهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون﴾ ( الشعراء، 44).

ونقرأ في معجم oxford ما مفاده أن القسم هو دعاء أو دعوة شعائرية إلى الله أو إلى من يحظى بالتعظيم والتقدير والمهابة، شاهدا على حقيقة الكلام أو التعبير، أو الطابع الملزم لوعد أو تعهد، الذي نحتاج معه إلى أفعال القسم لدعم هذا الوعد أو التعهد، أو إلى ألفاظ وكلمات خاصة نوظفها للغرض ذاته10. 

والقسم في التركيب جملة يؤتى بها لتوكيد جملة أخرى، وإزالة الشك عن معناها، أو يؤتى بها لتحريك النفس، وإثارة الشعور، وفي هذا نقرأ في شرح المفصل أن القسم «جملة فعلية أو اسمية تؤكد بها جملة موجبة أو منفية»11، ويُستعمل القسم لإنشاء التوكيد في الكلام الخبري نحو: «والله ما أنكرت فضل متفضل عليّ» أو في الكلام الطلبي. أما الكلام الذي يتضمن قسما فيكون مركبا من جملتين؛ هما جملة القسم وجملة المقسم عليه، وهذا ما يمثله البيت الشعري الآتي12:

بعينَيكِ يا سَلمَى ارْحمي ذا صبابة

أبَى غيرَ ما يُرضيك في السِّر والجهر

فالظاهر أن الشاعر أقسم في هذا البيت بعيني حبيبته سلمى، بينما جملة المقسم عليه هي (ارحمي ذا صبابة).

أدوات القسم في الفصحى:

ارتأينا الخوض في أدوات القسم في اللغة العربية الفصحى حتى نقف على أبرز ما حافظت عليه الدارجة المغربية من هذه الأدوات سواء كانت حروفا أم أفعالا أم غير ذلك مما تعلق بالتركيب من حيث الذكر أو الحذف لحروف القسم وأفعاله، لنرى كذلك ما اختص به المغاربة دون غيرهم في التعبير عن أسلوب القسم.

وأدوات القسم في الفصحى هي : (الباء، والواو، والتاء، واللام، ومن).

1.    الباء: وهي أصل حروف القسم لاقترانها بالمقسم به ظاهرا أو مضمرا، وفي هذا قولنا: « بالله لأقومنّ بواجبي، وبه لأجتهدن في ذلك»؛ فلو كان الحرف غير الباء لما دخل على مضمر. أما أكثر الأفعال استعمالا مع الباء هي ( حلف، وأقسم، وشهد، وسأل)، وقد ينوب المصدر أو الاسم عن الفعل كما في « قسما بالله لأقومن بواجبي»، و«يمينا بالله لأخدمن وطني»، ويجوز حذف الباء في القسم نحو « الله لأفعلن»13.

2.    الواو: استعمال الواو في القسم أكثر شيوعا من الباء، ولواو القسم في الفصحى ثلاثة أحكام هي:

    -     حذف فعل القسم معها؛ فلا يجوز أن تقول «أقسم والله».

    -     لا تستعمل في قسم الطلب فلا يقال: «والله أمهلني قليلا».

    -     لا تدخل على ضمير فلا يجوز قول «وك» أو «وه» بينما يجوز قول «بك» و«به».

3.    التاء: لا تدخل إلا على اسم الله عز وجل، ولا يذكر معها فعل القسم، وهي من حروف القسم الأصلية وتستعمل في موقعها الملائم لها.

4.    اللام: من معانيها القسم؛ وتختص بالجلالة نحو «لله لا يؤخر الأجل»، ومن ورودها في الشعر قول ذي الأصبع العدواني14: 

لاَهِ ابنُ عمِّك لا أفْضَلتَ في حَسَب

عنِّي، ولا أنْتَ ديَّاني فَتَخزُونِي.

فالملاحظ أن الشاعر حذف لام الجر واللام التي بعدها، وحذف المضاف وناب عنه المضاف إليه؛ والأصل « لله در ابن عمك».

5.    مِنْ: وهي مختصة بلفظ ( ربّي) فلا يقسم بها مع غيره، والعرب تقول « مِنْ ربّي لأفعلن كذا»

ومن أفعال القسم نذكر ما يلي:

6.    أُقسِمُ: وهو من أكثر الأفعال شيوعا واستعمالا في القسم، وقد ورد كثيرا في القرآن الكريم، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ فلاَ أُقسِمُ بالشّفقِ﴾ (الانشقاق، 16). ومنه في الشعر قول جميل بثينة15:

وأقْسمُ لا أنْساكِ ما ذرَّ شَارقٌ

ومَا هَبَّ آلٌ في مَلمَّعة قفْرِ

7.    حلَفَ: من الأفعال الشائع استعمالها كثيرا في أسلوب القسم، وقد ورد أيضا في القرآن الكريم، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون﴾ (التوبة، 95). ومن وروده في الشعر قول الخنساء16:

حلَفتَ على أهلِ اللّواء ليوضَعَنْ

فَمَا أحْنَثَتْكَ الخيلُ حتّى أبَرّتِ

8.    آلـى: من أفعال القسم التي وردت في القرآن الكريم: ﴿ لِلَّذينَ يُولونَ من نِسائِهم تَرَبُّصُ أربَعَة أشْهُرٍ﴾ (البقرة، 226)، ومن وروده في الشعر ما قاله جميل بثينة17:

آلَيْتُ لا اصْطَفي بالحُبِّ غَيركُم

حتَّى أُغيَّب تحْتَ الرَّمسِ بالقَاعِ

صيغ القسم المستعملة من طرف المغاربة:

1)    أداء القسم في التقاليد المغربية:

تبعا للديانة الإسلامية، خاصة ما جاء في الأحاديث النبوية، على المسلم أن يقسم بالله فقط، ولا يسمح له بأداء القسم بغيره، ويعتبر ذلك شركا. فالمسلمون يعتبرون أنه من الأفضل عدم القسم، وإن كان ذلك لا يُحترم في المحادثات العامة، حيث يؤدون اليمين ولكن ليس بالاعتماد على الله أو أسمائه الحسنى فقط، ولكن بالرسول والقرآن وبعض الأسماء أو الأشياء المقدسة أو الرموز الدينية وغيرها.

والمغاربة من بين الشعوب التي تستخدم القسم بشكل متكرر، وكما هو معتاد في العديد من المجتمعات العربية؛ فإن صيغ القسم الأكثر شيوعا تعتمد بالأساس على اسم الله، والرسول، والقرآن الكريم، والأشياء التي تحظى بالتعظيم والتقدير والمهابة.

ولاشك أن العديد من الألفاظ والكلمات والصيغ المستعملة في القسم عند المغاربة وردت في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، وفي التقاليد الإسلامية، وإن كان تجنب القسم هو الاعتقاد الشائع بين المتكلمين؛ فهناك حالات مذكورة في القرآن، وفي الأحاديث النبوية، وحتى في القوانين الوضعية، حيث يجب على الشخص أن يؤدي اليمين، وإن كان ذلك إجباريا في بعض الحالات والمؤسسات كالمحاكم مثلا. وبصرف النظر عن هذه الحالات فالمتفق عليه ضرورة تجنب اليمين حسب ما شاع بين المغاربة قول: ( لي حلف بزاف كذاب)، أو بناء على الآية الكريمة: ﴿ وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ﴾ (القلم: 10 – 12). وإن كان الاعتقاد بضرورة تجنب القسم لا يقتصر على المسلمين فقط، بل كذلك الحال في الثقافة اليهودية؛ وهذا ما أشار إليه غبريال روزنبوم في مقارنته لأساليب القسم بين يهود مصر وتلك المتدوالة عند المسلمين والمسيحيين المصريين18.

وباستحضار اليمين التي تجب بالحنث فيها الكفارة نورد قول الجصاص الحنفي في كتابه أحكام القرآن: «والأيْمَانُ على ضَربَيْن ماض ومستقبل، والماضي ينقسم قسمين لغو وغَمُوس ولا كفارة في واحد منهما، والمستقبل ضرب واحد وهو اليمين المعقودة وفيها الكفارة إذا حَنِثَ»19، بينما يرى الشافعي أن الكفارة في الغموس واجبة، ووجوبها مقترن بعقدها20. واستدل الحنفية والمالكية على أنه لا كفارة في اليمين الغموس بقوله تعالى إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة؛ فذكر الوعيد فيها ولم يذكر الكفارة فلو أوجبنا فيها الكفارة كان زيادة في النص وذلك غير جائز إلا بنص مثله21. واستدلوا أيضا بقوله تعالى: ﴿وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ ﴾ (المائدة: 89)، وعقد اليمين ما التزم فعلا مستقبلا يتردد بين حِنث وبِرّ، فخرجت اليمين الغموس من الأيمان المعقودة فلم يلزم بها كفّارة، ثم ختم عز وجل الآية بقوله ﴿ وَاحْفَظُوا أيْمَانَكُمْ ﴾ يعني في المستقبل، من الحِنث22.

والأكيد أن الموقف تجاه الوعود يشبه الموقف من اتخاذ أغلظ الإيمان، بالرغم أن وفقا للقانون والتقاليد الإسلامية، هناك حالات يستوجب فيها أداء اليمين والشهادة المبنية على القسم، من ذلك ما جاء في قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ﴾ (النور : 6 – 10). ومعنى الكلام: والذين يرمون أزواجهم، ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربعُ شهادات بالله إنه من الصادقين، تقوم مقام الشهداء الأربعة في دفع الحد عنه، فترك ذكر تقوم مقام الشهداء الأربعة، اكتفاء بمعرفة السامعين بما ذكر في الكلام، فصار مرافع الشهادة ما وصفت. ويعني بقوله: «فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله» فحلف أحدهم أربع أيمان بالله من قول القائل: أشهد بالله إنه من الصادقين فيما رمى زوجته به من الفاحشة. «والخامسة»، يقول: والشهادة الخامسة «أنَّ لعنة الله عليه»، يقول: أن لعنة الله له واجبة عليه وحالة إن كان فيما رماها به من الفاحشة من الكاذبين23.

وأثناء محادثاتي مع مجموعة من المبحوثين والرواة المغاربة ( على اختلاف الجنس والسن : تلاميذ – طلبة – تجار..)، فكثير منهم يتبع المواقف السائدة في المجتمع المغربي المتأثرة بخلفيات ومرجعيات متعددة أبرزها الدين الإسلامي. وإن كان منهم من يعترف بأن القسم أو أداء اليمين من الأمور المشينة التي قد يتعود عليها لسان الفرد وإن كان لا يقصد القيام بذلك، كما ينصح أغلبهم بعدم القسم أو تأدية اليمين خاصة أنه ( لي حنت خاصو يصوم) أو أداء كفارة اليمين؛ وهذا الاعتقاد مبني على النص القرآني، قال تعالى: ﴿ لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ ( المائدة 89).

ومع ذلك، وعلى الرغم من أن العديد من المبحوثين كانوا يعارضون القسم وأداء اليمين، إلا أن الواقع يشير على أن هذا السلوك شائع جدا وعلى نطاق واسع بين مختلف الشرائح الاجتماعية المغربية.

وكما ذُكر سلفا، فتجنب أداء القسم أو اليمين ضرورة يحرص عليها المتكلم، ومن ذلك استعمالهم لعبارات من قبيل: ( بالعمى) والتي تستعمل دائما في النفي، ومثال ذلك: بالعمى ما شفتو، أو (عليك لمان) أو (صافي كون هاني را حنا دوزنا الكلمة) أو (صلي على النبي) أو (أرى داك اليد)، كما يمكن أن يستعين المتكلم بتعبيرات ك ( ما تسالني حلوف) أو (بالحلوف) الذي نرى أنها تحيل على القسم أكثر من تجنبه حيث تقوم مقامه وتؤدي وظيفته، خاصة أن الصيغة يستعملها الشخص الذي يقدم وعدا، أو يحتاج إلى إثبات وتأكيد كلامه، لكنه يحاجج بأنه لا يحتاج لأداء القسم أو اليمين للوفاء بهذا الوعد أو لتصديق ما قال أو ما سيقوم به. بخاصة أن الاعتقاد السائد بين المغاربة هو أن كل من لم يفِ بوعده أو نذره فعليه (كفارة اليمين).

وللانتقال إلى المحور الموالي نستحضر أدوات القسم المستعملة في الفصحى، وأكثرها تداولا (الواو – والتاء – ثم الباء)، أما في الدارجة المغربية فأكثر هذه الأدوات شيوعا «الواو»، وتبقى الصيغة الأكثر انتشارا في القسم هي (والله)، ثم الاستعانة بالرسول صلى الله عليه وسلم الذي عادة ما يتم ذكر لقبه (النبي) أو (سيدنا)، أو الاعتماد على كتاب الله القرآن الكريم. وفيما يلي بعض الصيغ الأكثر شيوعا على لسان المغاربة، وإن كانت هناك بعض الصيغ الأخرى المختلفة أو التي قد تتشابه مع ما سنذكره في القادم من فقرات.

2)     صيغ القسم في الدارجة المغربية:

    القسم بالله:

من بين الأدوات التي يستعان بها على نطاق واسع في الكلام اليومي/ المحادثات العامة عبارة (والله)، ومرد ذلك هو الخلفية الدينية الإسلامية التي يتأثر بها معظم المغاربة والمنتشرة بين جميع المسلمين للتعبير عن التزامهم بما يقولون، إضافة على إحالة المتكلم على إيمانه بالله. وتعتبر (والله) من صيغ القسم الأكثر شيوعا في المغرب إلى جانب صيغ أخرى كـ: (أقسم بالله) وغيرها من الألفاظ المستقاة من الحقل الديني دلالة على تأثير الإسلام على الثقافة العربية عموما والمغربية على وجه التحديد. 

وتتعدد صيغ القسم التي توظف اسم الله أو أحد أسمائه الحسنى أو كل ما يحيل على الله عز وجل؛ ومن ذلك: والله القسم، أو يمكن إضافة بعض أسماء الله الحسنى للعبارة من قبيل: والله المعبود، أو والله العظيم، أو والله العلي العظيم؛ والتي يمكن أن تأتي مع جملة القسم أو الاكتفاء بها لتأكيد ما سبق قوله. والأكيد أن الشكل النحوي لـ(والله) نجدها تتكون من الواو المعروف في الفصحى بواو القسم إضافة إلى المقسم به / لفظ الجلالة (الله)، وهذا ما تشترك فيه أغلب اللهجات العربية، غير أننا نجد عند المغاربة اعتمادهم، إضافة إلى واو القسم، على المونيم (حق)، لتكون الصيغة كما يلي: (وحق + المقسم به)؛ ومن ذلك، ارتباطا بالقسم بالله: وحق الله، وحق مولانا، وحق سيدي ربي، وحق ربي المعبود، وحق من بعت محمد، أو وحق الله لي حسن مني ومنك وغير ذلك من العبارات التي تحيل على أن المغاربة ينفردون باستعمال هذه الصيغة دون غيرهم من العرب.

وقد يذكر المغاربة المقسم به أو يحذفونه مع ذكر قرينة تحيل عليه في السياق، ومن ذلك «وعهد الله»، أو «ولي لقانا اليوم» أو «ولي لقانا على هاد النعمة» وهاتان الصيغتان يمكن استعمالهما من طرف الأشخاص الذين التقوا صدفة من غير ميعاد خاصة بعد طول فراق، أو عدم اللقاء لمدة طويلة. كما يمكن الحديث عن « على قولة الله أكبر» حيث تُستعمل هذه الصيغة عند سماع الآذان؛ فيتوسل بها المتكلم للتأكيد على صحة ما يقول؛ ومن ذلك: «على قولة الله أكبر غدا غادي نجيب ليك داك الشي».

كما يمكن أن يلحق فعل القسم اسم الجلالة، حيث يستعمل المغاربة عبارة (أقسم بالله)، أو كما أُشيرَ إلى ذلك؛ يمكن إضافة اسم من أسماء الله الحسنى: «أقسم بالله العظيم»، أو «أقسم بالله العلي العظيم»، ثم نجد كذلك عبارة (قَسِّمت فمي بالله)، أو يستعان بالمصدر النائب عن الفاعل في قولهم ( قسما بالله).

وسواء وردت أفعال القسم أو الأدوات فقط؛ فبعض المتكلمين قد يضيفون عبارة «باش كيحلفوا المسلمين» أو «باش كيحلفوا الرجال»، ومن ذلك: «والله العظيم باش كيحلفوا المسلمين» أو «أقسم بالله باش كيحلفوا الرجال»، وكل هذا من أجل إضفاء طابع الجدية في أداء القسم والتأكيد عليه أو على الأغراض البلاغية الاستلزامية التي قد يخرج إليها القسم.

ومن بين أدوات القسم النادرة الاستعمال في اللهجات العربية حرف الباء، إلا أن هناك صيغا يعتمدها المغاربة بالاعتماد على باء القسم، ومن ذلك (بالله العلي العظيم) و(بربي)، و(بربي المعبود) و(برب الكعبة)، أو (بلي شانو عظيم).

وارتباطا بالأساليب الإنشائية؛ فالمعلوم أنها قد تخرج إلى أغراض بلاغية استلزامية يقتضيها السياق، وهذا ما لاحظه الباحث عند المبحوثين من خلال المتن المدروس، فالمغاربة يستعملون أسلوب القسم أو (والله) للتعبير عن أغراض متعددة في سياقات مختلفة وليس فقط للقسم أو أداء اليمين. وسنذكر بعض الوظائف المختلفة ل (والله) حيت نفترض أنها تؤدي أغراض بلاغية استلزامية إلى جانب تعبيرها عن القسم؛ ومن ذلك ما يلي:

1.     التهديد:

وذلك حين يتعهد المتكلم القيام بأشياء غير مرغوب فيها؛ بخاصة إذا امتنع المستمع عن ما يطلبه منه المتحدث أو قام بما ينهاه عنه، ومن بين استعمالات القسم للدلالة على التهديد: «والله إلى بقات فيك» وتعتبر من أشهر الصيغ دلالة على التهديد، إضافة إلى «والله ثم والله» التي يمكن أن ترد في جملة من قبيل: «والله ثم والله إلى ما درتيش عقلك حتى نتفاهم معاك»، كما نجد «قسما بالله العظيم» المماثلة لصيغة أخرى أقوى دلالة وهي: «قسما عظما» والتي تخرج عادة عن غرضها الحقيقي المتمثل في القسم إلى غرض بلاغي استلزامي يفيد التهديد ومثالا على ذلك «قسما عظما إلى درتي هادي حتى نضربك».

2.     التعبير عن القبول:

من بين الأغراض البلاغية الشائعة ل(والله) في المتن المدروس هو التعبير عن القبول خاصة ذاك المرتبط بتلقي دعوة، ومن ذلك قول المتكلم: «والله حتى ندوزو عندكم للعشاء» أو «فرصة سعيدة هادي والله».

3.    الرغبة في تخفيف الطلب أو السؤال:

قد يحتاج المتكلم الاعتماد على التخفيف من الطلب الموجه إلى المرسل إليه، خاصة إذا كان العمل الذي سيقوم به المتلقي لصالح المتكلم أو على نفقة المتلقي، ولتفادي أي شعور بالإجبار أو الفرض، يستعين المتكلم بــ(والله) في الدارجة المغربية لتقديم الطلب ومن ذلك: «والله كون غي شدينا طاكسي» أو «والله كون غي مشيتي شوية بكري» أو «والله غي دير لي فجهدك».

4.    تقديم الاعتذار:

الأكيد أن الاعتذار ضروري لبقاء العلاقات الاجتماعية وإصلاحها للحفاظ عليها، وفي هذه الحالة يكون أمام المتكلم الخيارات الآتية: إما الاعتذار، أو إنكار المسؤولية عن ما وقع أو سيقع، أو التقليل من حدة خطورة ما وقع أو سيقع، وللتعبير عن ذلك قد يوظف المتكلم «والله» في السياق؛ فنسمع مثلا: « والله ما قصدت»، أو «والله ما سحاب لي»، إضافة إلى «والله حتى نسيت»، وكذلك «والله ما نعاود»، أو «والله ما شفتك».

5.    استعمال والله للمجاملة:

من المعروف أن المجاملة عبارة عن خطاب تعبيري يعبر فيه المتحدثون عن مواقفهم الإيجابية تجاه الآخرين، وفي هذا الصدد يعبر المغاربة، في بعض الأحيان، عن المجاملة بالاستعانة بــ«والله» التي لا يكون الغرض منها أداء القسم أو اليمين كما في الأمثلة الآتية: «والله حتى جات معاك الجلابة» أو «والله ما خليتي لي ما نقول» و«والله ما عندي ما نسالك».

6.    الموعظة:

وهي كما يعرفها البيضاوي: الخطابات المقنعة، والعِبر النافعة، فالأولى لدعوة خواص الأمة الطالبين للحقائق، والثانية لدعوة عوامهم24. ولهذا الغرض يستعين المغاربة بأمثلة من قبيل «بالله عليك» أو ما شابه «دخلنا عليك بالله واش ما بغيتيش تحشم»، بخاصة أن إرشاد الناس يكون على قدر عقولهم ومستوياتهم بالكلمات الواضحة البينة والعبر النافعة المقنعة. فالموعظة كما يراها ابن القيم: الأمر والنهي المقرونان بالترغيب والترهيب25. 

وتتعدد الأغراض البلاغية لاستعمال «والله» في الدارجة المغربية، حيث نجد التعبير عن حسن التعامل والضيافة من خلال المثال الآتي: «والله حتى تزيدك هادي» وفي ذلك إشارة إلى قطع الحلوى أو اللحم أو الدجاج رغبة في الإلحاح على تناول الضيف المزيد من الطعام المقدم إليه. 

ونلحظ اعتماد المغاربة صيغة (والله إلى) والتي تتحول في أحيان كثيرة إلى (والله+ يلا) لتصبح (واللهيلا)، وقد يستعمل المغاربة الأفعال الدالة على القسم من دون ذكر المقسم به، أو تفاديا للحلف وأداء اليمين؛ ومن بين هذه الصيغ «نحلف بحلوفي» والتي وردت في الأغنية الشهيرة «أ مول كوتشي» بعبارة «حالف بحلوفي حتى نعذبو كي ما عذبني». وكما وردت صيغة (والله) في العديد من الأغاني المغربية على اختلافها أنواعها؛ ومن ذلك: «والله إلا مطورين» (أغنية حضي راسك للسلاوي) و«إي والله إلى كليان» (أغنية الطنجية للشيخ مويزو).

     القسم بالدين:

لا يعتمد المغاربة في أداء القسم على صيغة «والله» وحدها، ولكن هناك عبارات تقوم مقامها ويشيع استخدامها بين المتكلمين؛ ومن ذلك الاعتماد على كل ما له علاقة بالدين الإسلامي ومناسكه وعباداته. ومن هذه الصيغ: «ديني حرام علي» أو «صلاتي حرام علي» أو «صيامي حرام علي»؛ ويحمل هذا القسم دلالات قوية لأنه ينطوي على ترك العقيدة أو الصلاة أو الصيام إلا إذا اتسم الحلف بروح الفكاهة والدعابة لتجنب المتكلم التعبير عن التخلي عن كل ما له علاقة بدينه؛ حيث في الغالب استعمال هذه العبارات يحيل على أن المتكلم يقول الحقيقة بكل تأكيد. كما يستعمل المتكلم «وحق دين النَّبي» والتي تُسمع في شمال المغرب عند جبالة «وحق الدِّين دْ النّْبِي» حيث نحويا تحيل «دْ» على الإضافة أو الملكية، والتي تطابقها «ديال» المستعملة كثيرا من لدن المغاربة، وفي هذا نجد لويس مرسييه في دراسته (Influence des langues Berbères et Espagnoles sur le dialecte Arabe Marocaine) يتساءل عن أصل الكلمة قائلا: «ربما يمكن أن تكون حروف الجر المستعملة في المغرب للتعبير عن الملكية أو الإضافة أصلها (de) أو (del) القشتالية»26.

ويعتبر الرسول صلى الله عليه وسلم من الرموز الدينية التي يستعين بها المغاربة لأداء القسم، ومن ذلك قولهم: «وحق سيدنا محمد» و«وحق سيدنا محمد الحبيب» أو بالاعتماد على باء القسم عوض الواو كما في المثال: «بجاه النبي المصطفى». فكما سبقت الإشارة إلى ذلك يستقي المغاربة أسلوب القسم الأكثر شيوعا بينهم من الخلفية الدينية التي تتجسد بالأساس في القرآن الكريم وشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم ومكة المكرمة والمساجد أو حتى المناسبات الدينية؛ وهذا ما يجعل المتكلم ينوع من صيغ القسم حسب المتغير اللغوي الاجتماعي الذي تؤثر فيه عوامل اجتماعية مختلفة على رأسها السن والنوع والعاملان السوسيو اقتصادي والسوسيو ثقافي، لذلك فتغير صيغ أداء اليمين من تغير هذه العوامل، فالمتكلم قد يقسم بالكعبة أو بالقبلة؛ ومن ذلك «وحق الكعبة» التي تماثل «وحق داك المقام» أو «وحق بيت الله» أو «وحق لالة بيت الله» والمقصود ببيت الله إما الكعبة المكرمة أو المساجد، كما ترد عبارة «وحق هاد القبلة» أيضا على لسان المغاربة.

3)    القسم بالقرآن الكريم:

غالبا ما يتم أداء القسم باستعمال القرآن من دون لمسه أو الإشارة إليه؛ بخاصة إذا لم يكن موجودا وقت القسم، أما إذا أُدِّي القسم بالقرآن الكريم وفي نفس الوقت الإمساك به أو وضع اليد عليه فذاك يجعل القسم أقوى وأبلغ. ومن بين العبارات الشائعة الاستعمال بين المغاربة « وحق القرآن» و «وحق القرآن الكريم» أو «وحق المصحف» إضافة إلى «وحق ستين حزب» أو «وحق كتاب الله»، كما يُستعمل اسم الإشارة إذا كان المتكلم يمس القرآن الكريم أو يشير إليه؛ وفي هذا نسمع «وحق هاد المصحف»، و«وحق هاد الستين حزب». وبالرغم من أن المنصوح به دينيا اعتماد لفظ الله في القسم دون غيره، إلا أن استعمال المغاربة للقرآن الكريم في أداء اليمين قد يكون مرده قسم الله تعالى في كتابه المبين بالقرآن الكريم؛ ومن ذلك: ﴿ وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ﴾ (يس: 4)، ﴿ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ﴾ (ص: 1، 2)، ﴿ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ﴾ (ق: 1 )، ﴿ حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ﴾ (الزخرف: 1، 2)، ﴿ حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ﴾ (الدخان: 1، 2).

4)    القسم بأعضاء الجسم:

«وحق هاد العشرة» هي عبارة تقال عند تشابك الأيدي (على طريقة العهد)، لتسمع بعد ذلك «وحق هاد العهد»، وفي الغالب ما تأتي بعد طلب المتكلم يد المخاطب: «أرى ديك اليد»، فيشبك يده مع يد المستمع ويؤدي القسم بعد ذلك اعتمادا على صيغة «وحق هاد العشرة» أو «وحق هاد العهد». وقد يكتفي المتكلم بيده فقط فتأتي العبارة على هذا النحو: «وحق هاد الخمسة».

5)     القسم بالرموز المقدسة والطعام وغيره:

يستعين المغاربة لأداء القسم بالعديد من الأشياء المقدسة ثقافيا في المتخيل الاجتماعي، وكما هو الحال بالنسبة للقرآن الكريم، فيمكن للمتكلم أن يقسم بهذه الأشياء دون مسها أو الإشارة إليها، أما وحضورها فذاك يضفي طابع قوة القسم وانطباع الثقة لدى المتلقي. والأكيد في حالة وضع اليد أو حمل هذا الشيء أو مجرد الإشارة إليه يرد اسم الإشارة (هاد) في العبارة. ومن بين هذه الأمثلة المتداولة على لسان المغاربة: «وحق هاد النعمة» أو «وحق هاد الطعام» والتي يمكن أن تأتي بصيغة مماثلة «وحق الطعام لي مشاركين». كما يمكن الاستغناء عن المونيم (حق) والاكتفاء فقط بواو القسم والمقسم به، ومن ذلك: «والطعام لي مشاركين» أو «والملحة لي مشاركين» أو التي يمكن أن تأتي على شكل «والملحة لي بيناتنا»، بل قد يتعدى الأمرُ الطعامَ إلى الدم فيقسم المتكلم بالصيغة الآتية: «والدم لي مشاركين». 

6)    القسم بشخصيات مقدسة:

بالإضافة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، هناك العديد من الشخصيات المقدسة في المتخيل الجمعي للمغاربة؛ وعليه فالكثير من المتكلمين يعتمدون على أسمائهم لأداء القسم، أو في بعض الأحيان بمقامهم؛ والذي في الغالب يكون ضريحا. واعتبارا لانتشار العديد من الأضرحة والشرفاء في مدن المغرب فالأكيد ستختلف صيغ القسم بالاعتماد على أضرحة كل منطقة؛ وتأتي في الغالب صيغة القسم على شاكلة (وحق + اسم الولي أو الضريح)، وإن كان هذا يتنافى مع الشريعة الإسلامية التي تبيح القسم فقط بالله عز وجل.

7)     الدعاء على النفس:

من أغرب الصيغ المعتمدة عند المغاربة الدعاء على النفس؛ والتي يرى المبحوثون أنها تخلق الشك والريبة في نفس المستمع، بخاصة أن كل من يستعملها لا يكترث لعاقبة أداء اليمين بقدر ما يهمه إقناع المستمع، ولهذا الغرض يتفنن المغاربة في ابتكار صيغ جديدة للقسم يكون لها وقع قوي في نفوس المتلقين؛ ومن هذه التشكيلات الأمراض التي يدعو بها المتكلم كي تصيبه ويعذبه بها الله إن كان كاذبا أو ما شابه، فنسمع المتكلم يقول: «الله يعطيه + المرض أو العقاب + حتى..»، أو «الله يرزيه فصحتو حتى..» أو «لهلا يوصلو للعشية حتى..» أو «الله يجعل داك الطعام يحتلو فالركابي حتى..». فالغرض من هذه الصيغ وغيرها كسب ثقة المستمع من خلال طابع الإلحاح الذي يرافق أداء القسم واليمين.

خاتمة:

يبقى الغرض من هذه الورقة دراسة أساليب القسم في الدارجة المغربية بالوصف والتحليل من خلال متن مجموع عبر مبحوثين تم انتقاؤهم. على اختلاف جنسهم وسنهم ومستواهم الثقافي. وتتنوع صيغ القسم حسب رغبة المتكلم والقصد من التعبير، كما لاحظنا تعدد أغراض استعمالا (والله): ومن بينها (التهديد – التعبير عن القبول – الرغبة في تخفيف الطلب أو السؤال – تقدم الاعتذار – المجاملة - الموعظة).

والأكيد أن المغاربة يعتقدون أن أداء القسم أمر غير مرغوب فيه، ومن الأفضل تجنبه، إلا أن المتتبع لكلام المغاربة يجد أن أساليب القسم تتعدد ويختلف استعمالها في المحادثات العامة. والملاحظ كذلك ارتباط صيغ القسم بالدين الإسلامي، وفي كثير من الأحيان الحفاظ على خصائص العربية الفصحى من قبيل استعمال أداوت القسم} سواء الحروف (الواو) و(الباء) أم الأفعال: أقسم.

وبالرغم من أن أداء القسم يجب أن يكون بالله فقط أو أحد أسمائه الحسنى أو صفاته، فالمغاربة، كما رأينا يستعملون صيغا عديدة للتعبير عن القسم بالرغم من اعتبار ذلك شركا، كما أن هذه الصيغ تنتشر كثيرا بين صفوف غير المتعلمين وذوي الدخل المحدود أو الأميين.

ومن كل هذا توصي الدراسة بالمزيد من البحوث والدراسات في أساليب القسم في الدارجة المغربية باستخدام بيانات أكبر ومتن أوسع يمكن معه الوقوف على صيغ أخرى، وأغراض بلاغية مختلفة عما ورد في هذا العمل، ناهيك عن الاعتماد على اللسانيات المقارنة من خلال مقارنة صيغ القسم في الدارجة المغربية مع باقي اللهجات العربية التي من دون شك ستعرفنا على ما اتفق عليه العرب لهجيا للتعبير عن القسم وما اختلفوا فيه. 

 

 

 الهوامش 

1.      Gabriel M. Rosenbaum, oaths in modern spoken egyptian judio-arabic with a comparison to oaths taken by christians and muslims, Folia Orientalia, Vol. 49, 2012.

2.      Asim AL-Khawaldeh, uses of the discourse marker wallahi in jordanian spoken Arabic : A pragma-discourse perspective, international journal of humanities and social science, vol 8, N° 6, june 2018.

3.    إبراهيم عبود ياسين وأمير رفيق عولة، الأساليب الإنشائية غير الطلبية في اللهجة اليمانية الشمالية وصلتها بالعربية الفصحى، مجلة كلية الإلهيات في جامعة بينكول، العدد 9، 2007.

4.    لا يقتصر استعمال هذا الأسلوب للدلالة على القسم عند اليمانيين فقط، بل نجده عند المغاربة أيضا كما سيتبين في محاور هذا البحث.

5.    يقسم المتلكم بالأخُوّة؛ وهو استعمال شائع بين المغاربة أيضا وليس حكرا على اليمانيين كما جاء عند الباحثين.

6.     إبراهيم أنس وآخرون، معجم الوسيط، مكتبة الشروق الدولية، القاهرة، ط 4، 2004، باب القاف  

7.     ابن منظور أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم، لسان العرب، تحقيق عامر أحمد حيدر، دار صادر، بيروت، ط 3، 1993، باب القسم.  

8.    سعد الدين إبراهيم المصطفى، القسم عند النحاة: تعريفه مكوناته فائدته أدواته. منشور على الرابط : https://www.alukah.net/literature_language/0/80841/ (تاريخ الاطلاع 10 – 4 – 2020)

9.    أبو الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي، المخصص، ط 1، ج 4، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ص 71.  

10.      The Oxford English dictionary, Oxford : The Clarendon press, 1933, vol. 7, O :7

11.     ابن يعيش، شرح المفصل، دار المطابع المنبرية، مصر، دار صالح، بدون تاريخ، 9/90.  

12.     ينظر حنا حداد، معجم شواهد النحو الشعرية، دار العلوم للطباعة والنشر، ط 1، الرياض، 1984، شاهد رقم 1242.  

13.    سيبويه أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر، الكتاب، تحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط 2، 1977، ص 497.

14.    ينظر: حنا حداد، معجم شواهد النحو الشعرية، شاهد رقم 2994.  

15.     جميل بثينة، ديوان جميل بثينة، جمع وتحقيق حسين نصار، ط 2، القاهرة، 1967، ص 58.  

16.     الخنساء، ديوان الخنساء، دار الأندلس للطباعة والنشر، بيروت، ط 6، 1969، ص 15.  

17.     ديوان جميل بثينة، ص 75.  

18.      Gabriel M. Rosenbaum, op. cit p. 450.

19.     الجصاص أحمد بن علي أبو بكر الرازي الحنفي، أحكام القرآن، تحقيق محمد صادق القمحاوي، دار إحياء التراث، بيروت، 1405 هـ، ص 111.

20.     للمزيد ينظر: الماوردي أبو الحسن علي البصري البغدادي، الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي وهو شرح مختصر المزني، تحقيق: الشيخ علي محمد معوض وآخرون، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1999، ص 267.

21.     االجصاص، المرجع سابق، ص 111.  

22.     الماوردي، المرجع سابق، ص 267.  

23.     تفسير الطبري من كتابه جامع البيان عن تأويل آي القرآن، تحقيق بشار عواد معروف وعصام فارس الحرستاني،المجلد 5، الطبعة الأولى، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1994، ص 398.

24.     عبد الله بن أبي القاسم البيضاوي الشيرازي الشافعي، تفسير البيضاوي، دار الفكر، بيروت، ج 3، ص 426.  

25.     ابن القيم، التفسير القيم للأمام ابن القيم، جمع محمد أويس الندوي، تحقيق محمد حامد الفقي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1978، ص 344.  

26.      Louis Marcier, Influence des langues Berbére et Espagnole sur le dialecte Arabe Marocaine, Archives Marocaines, Vol VI, Paris, 1980, p 429.

المصادر والمراجع

    -    تفسير الطبري من كتابه جامع البيان عن تأويل آي القرآن، تحقيق بشار عواد معروف وعصام فارس الحرستاني، المجلد 5، الطبعة الأولى مؤسسة الرسالة، بيروت، 1994، ص 398.

    -    الماوردي أبو الحسن علي البصري البغدادي، الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي وهو شرح مختصر المزني، تحقيق: الشيخ علي محمد معوض وآخرون، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1999.

    -    الجصاص أحمد بن علي أبو بكر الرازي الحنفي، أحكام القرآن، تحقيق محمد صادق القمحاوي، دار إحياء التراث، بيروت، 1405 هـ.

    -    ابن القيم، التفسير القيم للأمام ابن القيم، جمع محمد أويس الندوي، تحقيق محمد حامد الفقي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1978.

    -    إبراهيم أنس وآخرون، معجم الوسيط، مكتبة الشروق الدولية، القاهرة، ط 4، 2004. 

    -    إبراهيم عبود ياسين وأمير رفيق عولة، الأساليب الإنشائية غير الطلبية في اللهجة اليمانية الشمالية وصلتها بالعربية الفصحى، مجلة كلية الإلهيات في جامعة بينكول، العدد 9، 2007.

    -    جميل بثينة، ديوان جميل بثينة، جمع وتحقيق حسين نصار، ط 2، القاهرة، 1967.

    -    أبو الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي، المخصص، ط 1، ج 4، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

    -     حنا حداد، معجم شواهد النحو الشعرية، دار العلوم للطباعة والنشر، ط 1، الرياض، 1984. 

    -    الخنساء، ديوان الخنساء، دار الأندلس للطباعة والنشر، بيروت، ط 6، 1969.

    -    سعد الدين إبراهيم المصطفى، القسم عند النحاة: تعريفه مكوناته فائدته أدواته. منشور على الرابط : https://www.alukah.net/literature_language/0/80841/ (تاريخ الاطلاع 10 – 4 – 2020)

    -     سيبويه أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر، الكتاب، تحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط 2، 1977.

    -    عبد الله بن أبي القاسم البيضاوي الشيرازي الشافعي، تفسير البيضاوي، دار الفكر، بيروت، ج 3، ص 426.

    -     ابن منظور أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم، لسان العرب، تحقيق عامر أحمد حيدر، دار صادر، بيروت، ط 3، 1993.

    -    ابن يعيش، شرح المفصل، دار المطابع المنبرية، مصر، دار صالح، بدون تاريخ، 9/90. 

    -    

    -    Asim AL-Khawaldeh, uses of the discourse marker wallahi in jordanian spoken Arabic : A pragmadiscourse perspective, international journal of humanities and social science, vol 8, N° 6, june 2018.

    -    Gabriel M. Rosenbaum, oaths in modern spoken egyptian judio-arabic with a comparison to oaths taken by christians and muslims, Folia Orientalia, Vol. 49, 2012.

    -    Louis Marcier, Influence des langues Berbére et Espagnole sur le dialecte Arabe Marocaine, Archives Marocaines, Vol VI, Paris, 1980.

    -    The Oxford English dictionary, Oxford : The Clarendon press, 1933, vol. 7.

    -     

الصور:

1.    http://www.aquarelle-maroc.com/images/phocagallery/DESSINS-AQUARELLES/thumbs/phoca_thumb_l__SEMGHIR.jpg

2.    https://www.flickr.com/photos/joyoflife/390892410/in/set-72157626421436275

 

أعداد المجلة