الثقافة الشعبية المصرية اتجاهات نظرية ودراسات ميدانية
العدد 25 - جديد النشر
نقدم في هذا العدد أول ملف حول الدراسات الشعبية التي نُشرت في مصر، والحق فإن النشاط العلمي والأكاديمي المنشور شديد الثراء والتنوع في هذه الآونة الحرجة من عمر الوطن، وقد آثرنا أن نعرض أحدث الإصدارات خلال العامين الماضيين. ومن ثم فقد توفرت بين أيدينا عشرات الدراسات حرصنا على انتخاب أحدثها، وتنوعها أيضاً، وربما نفكر في إعداد ملف آخر. غير أننا لاحظنا اتجاه العديد من الدراسات إلى فكرة تجميع الأبحاث السابقة في كتاب مستقل، وهو ما يتيح قراءة فكر وجهد مؤلف بعينه، والوقوف على اتجاهاته النظرية والتطبيقية، فضلاً عن التعرف على العديد من القضايا في شتى موضوعات الفولكلور من عادات ومعتقدات وأدب وفنون وثقافة مادية..إلخ.
كما لاحظنا اتجاها آخر يتمثل في عمليات جمع وتوثيق النصوص الشعبية كالحكايات والأغاني وغيرها، وهو اتجاه غاية في الأهمية أيضاً إذ يتيح للباحثين في المجال الوقوف على المادة الميدانية التي طالما يتعثر الحصول عليها في الأرشيفات المتخصصة. ويلحظ القارئ أيضاً اهتمام معظم الدراسات بقضية الأداء في الثقافة الشعبية وتعدد مفاهيمه ونماذجه الميدانية. فضلاً عن التوسع في استخدام مصطلح «الثقافة الشعبية» في العديد من الدراسات.
وفي إطار التنوع في هذا الملف قدمنا لبعض الدراسات المترجمة، وأطروحة للدكتوراة، فضلاً عن عرض لما تضمنته مجلة الفنون الشعبية المصرية التي اقتربت من عددها المائة. غير أنني وجدتني أمام عمل شديد الأهمية في المرحلة الراهنة نستهل به هذا الملف وهو «موسوعة التراث الشعبي العربي».
موسوعة التراث الشعبي العربي
حظيت مصر بعدة تجارب رائدة في مجال العمل الموسوعي الفولكلوري، نذكر منها: تجربة أحمد أمين عام 1953 الذي وضع معجمه الشهير «قاموس العادات والتقاليد والتعابير المصرية»، وبعد هذا التاريخ بثلاثين عاماً- 1983 - نشر عبد الحميد يونس «معجم الفولكلور»، كما صدر معجم الفولكلور والأساطير لشوقي عبد الحكيم في العام نفسه، ثم ترجم محمد الجوهري وحسن الشامي قاموس إيكه هولتكرانس تحت عنوان «قاموس مصطلحات الإثنولوجيا والفولكلور». غير أن هذه التجارب- على أهميتها- ظلت محصورة في اتجاهين: اتجاه التعريف بالثقافة المصرية المحلية، واتجاه التعريف ببعض الثقافات العالمية.. ولم نجد بينها ما يهتم بالشأن العربي، والوقوف على تنويعاته ومصادره. ومن هنا جاءت أهمية هذه الموسوعة التي نعرض لها اليوم، وهي «موسوعة التراث الشعبي العربي» التي صدرت عن الهيئة العامة لقصور الثقافة ضمن سلسلة الدراسات الشعبية عام 2012 في ستة مجلدات، والتي عكف على تحريرها محمد الجوهري. ونود أن نؤكد على أن الموسوعة قد اعتمدت على العديد من الأعمال الموسوعية السابقة عليها كأحد المصادر المرجعية، وهو ما يؤكد فكرة التواصل المعرفي والبناء على جهود من سبق العمل لهم في المجال بل والاعتراف بدورهم.
أما محمد الجوهري صاحب التجارب الرائدة في العمل الجماعي مع تلامذته، فإن له تاريخا مشرفا في مجال العمل الموسوعي سواء في الفولكلور أو علم الاجتماع وبخاصة في ترجمة الأعمال الموسوعية؛ كموسوعة علم الاجتماع، وموسوعة علم الإنسان، وقاموس الفولكلور والإثنولوجيا.. وغيرها. وقد استطاع الجوهري تكوين فريق عمل من أكثر من عشرين باحث من مختلف التخصصات والجامعات المصرية (المعهد العالي للفنون الشعبية بأكاديمية الفنون- كلية البنات بجامعة عين شمس- كلية الآداب بجامعة القاهرة- كلية الآداب وكلية التربية الفنية بجامعة حلوان) لإعداد هذه الموسوعة. وقد صُنفت الموسوعة إلى ستة أقسام رئيسية حمل كل قسم منها مجلدا مستقلا مرتبا بذاته من الألف إلى الياء على النحو التالي.
- القسم الأول: علم الفولكلور: المفاهيم والنظريات
- القسم الثاني: العادات والتقاليد الشعبية
- القسم الثالث: الفنون الشعبية
- القسم الرابع: الأدب الشعبي
- القسم الخامس: المعتقدات والمعارف الشعبية
- القسم السادس: الثقافة المادية
ويشير الجوهري في المقدمة إلى أنه بصدد استكمال هذا العمل بنشر القسمين السابع والثامن الذين يضمان دليل العمل الميداني لجامعي التراث الشعبي.. ومواد الموسوعة تتفاوت من حيث الحجم، ولكنها تجتهد جميعاَ أن تحيل قارئ كل مادة إلي المزيد من المراجع. وكما تتفاوت المواد في الحجم، كذلك تتفاوت في مدى تغطيتها للبلاد العربية المختلفة. فهناك بلاد عربية حظيت بتغطية أكثر من سواها كمصر، والعراق، ولبنان، وسوريا، وفلسطين، وبعض بلاد الخليج..إلخ. ولا يرجع تفاوت التغطية إلا إلي عامل واحد ووحيد هو حجم المادة الفولكلورية المنشورة عن كل بلد، وليس إلي اعتبار آخر. ويضيف الجوهري: والمأمول- يضيف الجوهري- أن يعمل نشر هذه الموسوعة على حفز زملائنا من المشتغلين بدراسات الفولكلور في شتى أنحاء العالم العربي إلي تدارك هذا النقص في التغطية، واستكمال الثغرات إما بالكتابة إلينا، أو بنشر أعمال على غرار هذه الموسوعة تغطي الأفق المحلي في كل بلد، أو الأفق العربي الواسع.
وفي المجلد الأول (علم الفولكور: المفاهيم والنظريات)، سنجد اهتماماً بالتعريف بالنظريات والمناهج العربية والعالمية كأدلة الجمع الميداني ونظريات الصيغ الشفاهية والثقافة الشعبية والبنائية والأنثروبولوجية وغيرها، كما اهتم هذا القسم بتوثيق بعض مؤسسات الفولكلور كالمتاحف والمراكز والجامعات. أما المجلد الثاني (العادات والتقاليد الشعبية) فقد تناول كل مايخص دورة الحياة من ميلاد وزواج ووفاة، والاحتفالات الشعبية وعادات الطعام والقضاء العرفي. على حين تناول المجلد الثالث (الفنون الشعبية) موضوعات الموسيقى والغناء والرقص والمسرح وفنون التشكيل الشعبي. أما المجلد الرابع (الأدب الشعبي( فقد خٌصص لموضوعات السير الشعبية والحكايات والألغاز والأمثال وفنون الشعر الشعبي والفكاهة..إلخ. وخُصص القسم الخامس (المعتقدات والمعارف الشعبية) لكل ما يتعلق بالمعارف والمعتقدات حول الإنسان والحيوان والنبات والطب الشعبي والكائنات الخرافية والسحر والأولياء والأماكن والألوان..إلخ. أما القسم الأخير (الثقافة المادية) فتناول كل ما يتعلق بالحرف التقليدية والأدوات والمتاحف والتراث الشعبي الريفي.
وقد اهتمت الموسوعة في كل قسم بالتعريف بالأعلام العرب المهتمين بالتراث الشعبي فيه مثل عبد الحميد يونس، وصفوت كمال، وعلي عبدالله خليفة، واسماعيل الفحيل، وعبد الكريم الحشاش، وعصام حوراني،..إلخ، إلى جانب أعلام الفولكلور والأنثروبولوجيا الذين اهتموا بالثقافة العربية أمثال برتشر وإدوارد لين وغيرهما. وقد اهتمت الموسوعة في نهاية كل مادة بتسجيل اسم صاحبها أو مصدرها. وعلى هذا النحو تتنوع موضوعات الموسوعة فنجد موضوع مثل (الكشك) وهي أكلة من البرغل واللبن، تتناولها الموسوعة في أكثر من بيئة عربية كمصر ولبنان، كما توجد بعض المواد التي تخص بلد بعينها كالمسخن وهي من الأكلات الشعبية الفلسطينية، و(الزبون) وهو ثوب للنساء والرجال منتشر بشبه الجزيرة العربية والعراق، طويل للقدمين، وله أكمام طويلة ومشقوقة..إلخ. وقد يتم تناول المادة الواحدة في فقرة أو صفحة أو عدة صفحات، حيث تعاملت الموسوعة بمنهج علمي منذ البداية بتقسيم موادها لمواد قصيرة ومتوسطة وطويلة الحجم.
أوراق ثانية في الثقافة الشعبية
كتاب لعبد الحميد حواس، صدر عام 2013 عن المركز المصري للثقافة والفنون بالقاهرة. وهو الجزء الثاني من كتابه «أوراق في الثقافة الشعبية» الذي صدر عام 2002 عن مركز البحوث العربية والأفريقية بالقاهرة، والمجلس الأفريقي لتنمية البحوث الاجتماعية بداكار. والكتاب يحوي مجموعة متنوعة من الدراسات في الثقافة الشعبية والتي نشرها المؤلف في المؤتمرات والمحافل الدولية، والدوريات العربية المتخصصة كالثقافة الشعبية البحرينية، والمأثورات الشعبية القطرية، والفنون الشعبية المصرية، ومجلة القاهرة، ومجلة ألف التي تصدر عن الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وجريدة الحياة، وأخبار الأدب .. فضلاً عن مقدمات بعض الدراسات المتخصصة.
والكتاب على هذا النحو تضمن مقدمة و28 دراسة متنوعة معظمها قائمة على البحث الميداني والتحليل المنهجي، منها دراسته المعنونة: «الراس والكراس: قول آخر في الشفاهية والكتابية»، و»أنواع الحكي وطرق الأداء» التي يدعو فيها للأخذ بمبدأ الأداء واعتباره المرجع المفهومي الذي يُوَجه المنهجية أكثر انضباطاً وتحدداً عند مقاربة مكونات الثقافة الشعبية. والمنهج نفسه طبقه المؤلف على فن السيرة في دراسته المعنونة «تفنين الماضي وإنشاء السير الشعبية: مقاربة أدائية». ولم يترك حديثه عن السيرة الشعبية وفن الأداء قبل أن يتناول شاعر الهلالية والمشكلة الهومرية إذ يرى أن المشكلة الهومرية تعد أحد الدوافع التي أسهمت في تنمية «نظرية الأداء». أما دراسته حول الصيغ التمثيلية في الأعراس الشعبية فقد كشف خلالها عن أبرز الملامح التي تحدد قسمات الأداء التمثيلي الشعبي من خلال العديد من الشواهد الميدانية التي قام بجمعها في عدة بيئات تقليدية، تتبع فيها مجموعة من الظواهر المصاحبة لاحتفالية العرس ومواكبه وتقليد «العراسة» الذي ارتبط بمجتمعي الفيوم والواحات، وجلوة العروس، منتهياً بتحديد منهجي لمفهوم الأداء التمثيلي الشعبي. واختتم دراساته الميدانية بمقالين، الأولى حول الألعاب الشعبية بعنوان «لا حد بين اللعب والجد» يدعو فيها لتوثيق الألعاب الشعبية العربية وإتاحتها، والمقال الثاني حول «شم النسيم: الاحتفالية الجامعة» متناولاً مراحل الاحتفالية والممارسات المرتبطة بها وبعدها التاريخي.
كما اشتمل الكتاب دراسات نقدية في مجال الرواية العربية على نحو ما نجده في دراسته المعنونة «تباريح حزينة (عن الذاكرة والفجيعة)، والتي يتتبع فيها شخصية حزينة في رواية الطاهر عبدالله الطوق والأسورة، ليكشف لنا تنويعات من التصورات الشعبية حول الحزن والفجيعة في الحكايات الشعبية، وأغاني الشكوى والحسرة والرثاء، وموال أدهم الشرقاوي، والمواقف المأساوية في السيرة الشعبية كمصرع عنتر بن شداد، وعامر الخفاجي، وخليفة الزناتي، مشيراً إلى أن الثقافة الشعبية تطلق صوتاً جمعياً ينفث قدراً من تباريح حزينة، وقد نوع هذا الصوت من مساحاته وطبقاته وألوانه وعَدد أساليبه وتجاربه ساعياً إلى التعبير عن شمول تجارب الجماعة، عساها تفيد منها في إقامة حياة أقل حزناً وأوفر بهجة. وفي إطار الرواية والثقافة الشعبية أيضاً يتوقف «حواس» عند بعض إسهام الروائيات في الثقافة الشعبية وتوطين النوع الروائي، كإسهامات زينب فواز التي زادت روايتها «حسن العواقب» استراتيجية جديدة في صياغة العمل الروائي مرتكزة على جماليات السيرة الشعبية ووسائلها البلاغية. ثم يتأمل جهود الروائيات الجدد كسلوى بكر وعزة هيكل. وهذا الاهتمام بالروائيات جعلنا نتتبع رصد المؤلف لدور المرأة في التراث الشعبي، إذ نجد للمرأة مساحة مهمة في هذا الكتاب على نحو ما تعكسه دراسته حول الإبداع النسوي في الثقافة الشعبية، أما دراسته المعنونة «سيدة المأثور الشعبي» فقد تناول فيها شخصيات مثل الأميرة ذات الهمة في السيرة التي تحمل إسمها، والأميرة غمرة في سيرة عنترة، والجازية الهلالية، ورحمة في قصة أيوب، وفاطمة بنت بري.
ووسط غمار الرؤى النقدية والمنهجية للثقافة الشعبية يتوقف المؤلف في دراستين متواليتين عند واحدة من القضايا التي شغلت الوسط الفولكلوري منذ مطلع العقد الأول من العام الحالي، وهي التراث المادي واللامادي، الدراسة الأولى بعنوان «حماية التراث الثقافي غير المادي في الوطن العربي من منظور عربي»، والثانية بعنوان «المادي وغير المادي في الثقافة الشعبية» كشف خلالهما النقاب عن العديد من الإشكاليات الخاصة بالمصطلح، والاتجاهات العالمية والدور العربي، واتفاقية 2003 لصون التراث الثقافي غير المادي. أما مقدمات الكتب التي تضمنها الكتاب فقد كانت من نصيب كتاب «سيد المَغنى» لمحمد عمران، حول «الموال: أداء غنائي». والمقدمة التي حملت عنوان «آلات الموسيقى الشعبية: المفاهيم وضوابط الجمع الميداني» لكتاب «أطلس الآلات الموسيقية الشعبية»، ومقدمته لكتاب «الفولكلور في الأرشيف» لمؤلفه الذي تُرجم عام 2008. وقد حظي الكتاب أيضاً ببعض القضايا المنهجية والتاريخية والسياسية في علاقتها بالثقافة الشعبية على نحو ما نجده في دراساته حول الحداثة والثقافة الشعبية، وانتثار المأثور الشعبي، والسينما المصرية والثقافة الشعبية، والتحولات الثقافية في الريف المصري، وللمأثور الشعبي رأي في الإصلاح الديموقراطي. كما اهتم عبد الحميد حواس في كتابه بالتعريف ببعض الأعلام الذين كان لهم دور في الثقافة المصرية عامة والشعبية خاصة، فكتب حول «فاروق خورشيد التراثي والشعبي والروائي»، والحضور المتجدد لزكريا الحجاوي، وبهجة القول عند الأديب محمد مستجاب، ووعي التحرير وتحرير الوعي عند عبدالله النديم، ومحمد جلال عبد الحميد الأنثروبولوجي الرائد. واختُتم الكتاب بترجمة بعض فصول كتاب «مورفولوجية الحدوتة» لفلاديمير بروب.
دراسات في الأدب الشعبي
وفي إطار جديد النشر في مجال الأدب الشعبي، صدر عام 2013 كتاب «دراسات في الأدب الشعبي» لإبراهيم عبد الحافظ عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، ضمن سلسلة الدراسات الشعبية رقم (156)، والكتاب يقع في 543ص، ويتضمن خلاصة فكر المؤلف في مجال الأدب الشعبي خلال العشرين عاماً السابقة والتي نُشرت في الدوريات العربية في مصر ولبنان والجزائر والبحرين، كما شارك ببعض منها في المؤتمرات والملتقيات الدولية.
وقد آثر المؤلف أن يصنف دراساته في قسمين رئيسيين، الأول تناول فيه القضايا النظرية التي أُثيرت حول الأدب الشعبي وحدود ميدانه، والتعريف بأجناسه وأنواعه. كما تناول فيه بعض أنواع هذا الأدب بالدرس اعتماداً على المصادر المدونة أو ما سطره السابقون في كتبهم. وفي هذا الإطار تُطالعنا ست دراسات متخصصة، الأولى حول «مفهوم الأدب الشعبي وحدود ميدانه»، والذي استعرض فيه مفهوم الأدب الشعبي وتصنيفاته ومعايير تحديده وخصائصه من خلال اتجاهات العديد من الأساتذة الذين تناولوا هذا الموضوع. أما البحث الثاني فقد حمل عنوان «الشعر الشَّفاهي»، والذي ناقش فيه مجموعة من القضايا كالتأليف والتناقل، وأساليب وسياقات تقديم الشعر الشفاهي ووظائفه، مشيراً إلى أن هذا النوع الأدبي يمكن أن يُعامل بجدية كأحد أشكال الاتصال المستقرة والمستمرة حتى الآن. أما الدراسة الثالثة فقد استعرض فيها المؤلف «دراسات السيرة الهلالية في مصر في القرن العشرين» كاشفاً عن الرواد الذين تناولوا السيرة في مصر أمثال: عبد الحميد يونس، وأحمد رشدي صالح، وفهمي عبد الحميد. ثم مرحلة الدراسات الفنية والبنيوية للسيرة، كدراسات فاروق خورشيد، ومحمود ذهني، ورجب النجار. ثم مرحلة الاهتمام بأداء السيرة كما تعكسها دراسات عبد الحميد حواس، ومحمد عمران، وعبد الرحمن الأبنودي، وأحمد شمس الدين الحجاجي. كما تناول المؤلف الدراسات الأجنبية للسيرة الذين لقوا الدعم الكامل من الباحثين المصريين ومركز الفنون الشعبية بالقاهرة. وفي إطار الاتجاه النظري بالدراسات التي ضمها الكتاب نجد دراسة للمؤلف بعنوان «مناهج دراسة الحكاية الشعبيَّة»، والتي ناقش فيها موضوع المقارنة كأساس لدراسة الحكاية الشعبية، وربط الحكايات الشفاهية بالحكايات التراثية، ثم استعرض مناهج دراسة الحكاية وجهود بعض الدارسين في هذا المجال كنبيلة ابراهيم، وصفوت كمال. ومنهج فرز العناصر ومقارنة النصوص والاهتمام بالأداء، واتجاهات تفسير الحكاية الشعبية. وينهي المؤلف هذا القسم من الكتاب بدراستين حول الأمثال الشعبية، الأولى بعنوان «الأمثال الشعبيَّة المرتبطة بالحرف التقليدية»، والثانية «التشبيه بالطير في الأمثال الشعبيَّة المصرية».
أما القسم الثاني من الكتاب فقد خصصه المؤلف للدراسات الميدانية التي أجراها في بعض المناطق المصرية التي لم تحظ فنونها الأدبية بالعناية الكافية من قبل الدارسين، على الرغم من أنها المناطق الأكثر جدارة بالاهتمام على حد قوله. وأولى الدراسات في هذا القسم تضمن موضوع «الصياغة الشعبيَّة للقصص الديني المنظوم: قراءة في قصتين نموذجاً» والقصتان هما قصة سارة والخليل، وقصة السيد البدوي وخضرة الشريفة. وتحاول الدراسة البحث حول عناصر التشابه والاختلاف بين النصوص الشعبية والمصادر التراثية في القصتين. أما الدراسة الثانية في هذا القسم فهي ترجمة لمقالة عالم الفولكلور الأمريكي آلبرت لورد Albert Lord بعنوان The influence of a fixed text والتي ترجمها المؤلف إلى «تأثير النصّ الثابت»، عرض فيها لبعض خصائص وسمات النصوص الغنائية الشعبية فترة إبداعها، وعلاقة النص الشفاهي بالنص المدون. أما الدراسة الثالثة في هذا القسم فهي معالجة ميدانية لموضوع السيرة الذي تناوله نظرياً في القسم الأول، وخصص له عنوان «قصص السيرة الهلالية بين الرواية التقليدية والمستحدثة في دلتا مصر»، والحق فإن التناول الذي قدمه ابراهيم عبد الحافظ هنا يستحق الانتباه، إذ يحاول اختبار قضية الفروق بين الرواية التقليدية لقصص السيرة الهلالية المتمثلة في رواية الشعراء الأميين أو شعراء الرباب من ناحية، والرواية المستحدثة متمثلة في رواية الشعراء المتعلمين أو شعراء الفرق الموسيقية من ناحية أخرى. أما الدراسة الميدانية الرابعة فكانت حول «أغاني السامر السيناوي في عصر العولمة» والتي استعرض فيها المؤلف الأنماط الشعرية التي تؤدى في السامر، والسامر بوصفه نصاً ثقافياً، كما تناول أغاني السامر من منظور سيميوطيقي، وتحول الإطار الاجتماعي والثقافي للسامر، وتأثير العولمة على فن الأداء مشيراً إلى قضية ارتحال النصوص والتي أصبحت تتم بواسطة الميديا الحديثة. والدراسة الخامسة في هذا القسم الميداني كانت من نصيب واحة سيوة وحملت عنوان «الفضلة الشِّفاهيَّة في عالم الكتابية: دراسة للحكاية الشعبيَّة بواحة سيوة»، وفي هذه الدراسة يتساءل المؤلف: ماذا يحدث للنص الشفاهي عندما تتغير سياقات أدائه وتتعدل مواقف تلقيه ونوعية الجمهور؟، وماذا يحدث للحكاية الشعبية كنص شفاهي عندما يُعاد إنتاجها أو تُستلهم من قبل كاتب أو مؤلف كتابي؟. ويحاول المؤلف في هذه الدراسة رصد تحول نصوص الحكايات السيوية من خلال تحليل السرد الشفاهي التقليدي لدى أحد الرواة، ومقارنته بأسلوب السرد الكتابي لدى إحدى الكاتبات التي قامت باستلهام حكايات من سيوة في نص حكائي جديد. أما الدراسة السادسة والأخيرة بالكتاب فقد تناولت موضوع « إعادة إنتاج المأثورات الأدبية الشعبيَّة»، وهي قضية- حسبما أشار المؤلف- شغلت الباحثين حديثاً وبخاصة رصد التغيرات التي تطرأ على النصوص الشعبية. ومن ثم تناول المؤلف عدة قضايا ميدانية وتحليلية منها التنويعات النصية، وإعادة إنتاج النصوص الموزونة، والمؤلفون المحترفون، والاستعارة، والاستلهام. وبهذه الدراسة تختتم فصول هذا العمل المهم الذي يُعد خلاصة جهد المؤلف في مجال بحث الأدب الشعبي نظرياُ وميدانياً.
الأدب الشعبي في واحة سيوة
خلال عام 2013 ظهر كتاب آخر في الأدب الشعبي حمل عنوان «الأدب الشعبي في واحة سيوة: الأغاني- الأمثال- الحكايات» لمصطفى جاد، والكتاب يعد ثمرة أولى لبناء القدرات العلمية والفنية لأبناء واحة سيوة في أول تجربة لحفظ تراثهم بأنفسهم. وتقع واحة سيوه بالصحراء الغربية المصرية، إذ تبعد 306 كم عن ساحل البحر المتوسط إلى الجنوب الغربي من مرسى مطروح التي تتبع محافظة مطروح إدارياً. ويقطن سيوة ما يقارب من 30000 نسمة. وتتمتع ببعد تاريخي أثري لعل أشهره آثار معبد أمون الذي زاره الإسكندر الأكبر عام 333 قبل الميلاد. ويأتي هذا العمل ضمن المشروع الدولي “سيوة – طنجة.. تراث من أجل حياة أفضل” الذي موله الاتحاد الأوروبي في إطار برنامج “التراث الأوروبي المتوسطي 4”، بالاشتراك مع منظمة كوسبي الثقافية الإيطالية، وجمعية “سيوة لتنمية المجتمع وحماية البيئة” بسيوة، وجمعية «البوغاز» بمدينة طنجة بالمغرب، ومركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي التابع لمكتبة الأسكندرية. ويهدف هذا المشروع إلى تعزيز المعرفة والفهم الأفضل للأصول الثقافية المحلية.. وخلق أدوات إدارة فعالة لضمان استدامة التراث المادي وغير المادي في مدينة طنجة وواحة سيوة. إذ تتفق المدينتان في التراث الأمازيغي المشترك، وتشكل عادات أهل سيوة وتقاليدهم مزيجاً بين الثقافتين المصرية والأمازيغية، ومن ثم فإن المشروع يقوم على الحفاظ على هذا التراث من التشويه أو الاندثار.
وكان لمركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي دور رئيسي في تدريب أبناء سيوة على مناهج جمع التراث الشعبي السيوي بمجالاته المتعددة، كما قام المركز أيضاً بتدريبهم على تقنيات الجمع الميداني المرتبطة بالتصوير الفوتوغرافي والفيديو والتسجيل الصوتي، وأثمرت التجربة عن إنشاء مركز متخصص لجمع وتوثيق التراث السيوي، يقوم بإدارته أبناء سيوة. ويشمل قاعدة بيانات تحت اسم «مكنز الفولكلور السيوي»
وفي هذا الإطار خرج هذا الكتاب إلى الوجود، حيث ساهم مصطفى جاد بجهد رئيسي في تدريب الشباب السيوي على عمليات الجمع والتوثيق، وقد تمت عدة لقاءات مع أبناء الواحة لاختيار مجموعة النصوص التي يمكن نشرها، وقد اتفقت مجموعات العمل على إبراز الحكايات الشعبية والأغاني والأمثال التي تعكس بصفة خاصة ثقافة الواحة. ومن ثم اشتمل الكتاب على عشر حكايات، وعشر أغاني، ومجموعة من الأمثال. وتعكس الحكايات التي تم جمعها خصوصية المنطقة في افتتاح الحكاية التي تبدأ بعبارة: «تيخرخارين تيبربارين تقطوشين جلباب نجبناخ إجت الناخ إجت أتش الناخ».. وهي افتتاحية مخصصة للحكاية السيوية لم يستطع السيويون أن يجدوا مقابلا عربيا دقيقا لها، وهي على غرار الافتتاحيات المعروفة في الحكايات الشعبية «كان يا ما كان.. ياسعد يا كرام.. وما يحلى الكلام... إلا بذكر النبي (صلعم)..». وقد حفلت الحكايات السيوية الموجودة بالكتاب بعشرات العناصر العالمية التي يمكننا تتبعها في تصنيف تومسون العالمي، إذ نجد عناصر من حكاية «سندريلا» في حكاية «البقرة الخضرا»، حيث يعثر ابن السلطان على خلخال يلمع في الماء فيأمر بالبحث عن الفتاة التي يأتي الخلخال على مقاسها ليتزوجها. كما نجد عناصر أخرى مرتبطة بصورة زوجة الأب، فضلاً عن العناصر الخاصة بالكائنات الخرافية، حيث تبرز الغولة في مقدمة الكائنات الخرافية المرتبطة بالحكايات، بل إن هناك عدة حكايات بطلتها الغولة أو الغول. كما نلمح أيضاً ارتباط مجموعة الحكايات بعناصر حيوانية، مثل «العنزة وصغارها»، و»البقرة الخضرة»، و»الخنفسة والفأر»، و»الديك»..إلخ.
أما الأغاني الشعبية السيوية بالكتاب فهي تشكل نموذجا إبداعيا متفردا في التراث الشعبي السيوي، إذ تساير العديد من الممارسات التقليدية بالواحة، كما تحمل أيضاً بعض القيم التربوية للمجتمع السيوي، ولنتأمل هذا المطلع من إغنية حول الأم:
أين تجد أم لك بعــد أن تــرحـــــــل
لا توجد أمهات تُشترى في الأسواق
هذه المعاني تشعرنا كما لو اننا أمام نصوص مترجمة من روائع الأدب العالمي.. وفي أغنية أخرى تسمى أغنية «الكانون» نجد إعلاء لقيمة الممارسات الشعبية المرتبطة بالطعام التقليدي، فتخبرنا الأغنية في مطلعها أن الطعام الذي يُطهى على «الموقد المصنوع من الطين»- الكانون- هو الأكثر صحة وهو الذي يغنيك عن تعاطي أي دواء، كما أنه يجعل الطعام شهياً حلو المذاق.
وتُبرز الأمثال الشعبية بعض القيم العليا للإنسان والتي قد لا نجد لها مقابلا في مجتمعات أخرى، كأن نقول «المروءة نور للقبر» وهو مثل يقال عندما تُطلب خدمة من شخص ما ويكون هذا الشخص متردداً في تنفيذ الطلب، فيقال هذا المثل للحث على المروءة. كما تبرز أمثال أخرى ذات تأثير عربي قديم إذ نجد المثل الشعبي «لايحك ظهرك غير يدك»، وهو نفسه المثل العربي القديم «ما حك جلدك مثل ظفرك»، وتشير المادة الميدانية إلى أن هذا المثل يُضرب عندما يؤدي شخص خدمة لك دون إتقان. كما نجد بين الأمثال السيوية نماذج لها مقابل بالأمثال الشعبية المتداولة في باقي المناطق الثقافية المصرية، على نحو ما نجده في المثل القائل «من يوقد ناراً هو أول من يشعر بحرارتها»، وهو المقابل لمعنى المثل الشعبي «ما يحسش بالنار إلا اللي كابشها». وإذا كان المؤلف قد تدخل بمقدمة علمية والضبط المنهجي للنصوص وتوثيقها، فإن البطل الحقيقي هم أبناء سيوة وشيوخها، الذين نجحوا في أول تجربة ميدانية لهم لجمع تراثهم وحفظه وتوثيقه بأنفسهم. وهو الهدف الرئيسي من خروج هذا العمل للنور.
كتاب الحواديت
تلقيت قبل دقائق من إعداد المقال، هذا العمل الموسوعي المبهر للباحث الشاب أحمد توفيق، والذي حمل عنوان: «كتاب الحواديت: موسوعة حكايات الطفل في مصر»، في أربعة مجلدات كبرى صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب هذا العام 2014. والكتاب تجربة جادة في جمع وتوثيق الحكايات الشعبية المصرية وتقديمها للقارئ العام للاستمتاع بقراءتها من ناحية، وللباحثين في مجال الأدب الشعبي من ناحية أخرى. وقد تضمنت الموسوعة 570 حكاية من مختلف أنحاء مصر (القاهرة، والجيزة، والفيوم، والمنيا، وأسيوط، وسوهاج، وقنا، وأسوان، والبحر الأحمر، وسيناء، والوادي الجديد، ومدن القناة، والدلتا: الدقهلية، والقليوبية، وكفر الشيخ، والغربية.)، وإن حظيت محافظة أسيوط بالنسبة الكبرى من الجمع والتوثيق. وهذه الحكايات متعددة المصادر، حيث جمع المؤلف منها 324 حكاية (57 % من مجمل الحكايات)، على حين استعان بـ 168 حكاية (29 % من مجمل الحكايات) جمعها باحثون من أصدقائه، وباقي الحكايات وعددها 78 حكاية (14 % من مجمل الحكايات) قام المؤلف بإعدادها من الكتب والدوريات والأطروحات الجامعية.
وقد تضمن الجزء الأول من هذا العمل مجموعة حكايات الحيوانات والطيور والأسماك (72 حكاية منها حكايات: البقرة الصفراء، والبلبل السياح، وبيضة الثعبان)، وحكايات العبر والمواعظ (51 حكاية منها حكايات: الأخ الكريم، بياعة الحليب، عروسة من العرب)، وحكايات الجميلات والشطار (27 حكاية منها حكايات: الأميرة والسبع رجال، ست الحسن والجمال، سندريلا). أما الجزء الثاني فقد تضمن حكايات العجائب والغرائب والمغامرات والنوادر (38 حكاية منها حكايات: جحا والسكينة السحرية، الجيب السحري، عرايس النيل)، وهي حكايات يحكيها الذكور من الكبار والصغار نهاراً أثناء العمل في فلاحة الأرض الزراعية وأثناء جني القطن والحصاد، أو في ليالي اللعب والسمر، وقد تحكيها النساء والبنات. ثم حكايات المواويل والأدوار والحكم والأمثال والمقولات السائرة (54 حكاية منها حكايات: بحر بُغداد، دافنينوا سوا، العاشق المسكين)، وهي حكايات يحكيها الرجال والنساء للتعليق على مواقف حياتية معينة، أو للتعبير عن حالات البهجة والفرح، أو الحزن والألم. وحكايات الملائكة والجن (35 حكاية منها حكايات: جنية البحر، رهان سقيفة بنيامين، غواية القمر). وحكايات المردة والغيلان (28 حكاية منها حكايات: ذات الرداء الأحمر، الغول والسبع بنات، النداهة)، وحكايات تؤكد على صفات الذكاء وحسن الفطن والعفة وحيل ومكائد النساء وشرورها (30 حكاية منها حكايات: الأمير اللي اتعلم صنعة، البطة الذكية، السمك في القمح). والجزء الثالث من الموسوعة تضمن حكايات الألغاز والفوازير والمعاضلات(29 حكاية منها حكايات: الجواب، الفارس النبيه، الملك والصياد). وحكايات الرصد والأثر والأماكن والأحلام والأنساب والحرف والمهن والأطعمة ومسميات الأشياء(31 حكاية منها حكايات: أم علي، الجمالية، شيخ الفخرانية، مكان المقام). ثم حكايات الفدائيين والسير والبطولات والقدرات والخوارق(12 حكاية منها حكايات: سيدة البحار، عزيز الدين، عيال طولها مترين) ، ثم حكايات الأنبياء والأولياء وآل البيت والقديسين والحكايات التي تؤكد على مفاهيم دينية وأخلاقية(53 حكاية منها حكايات: أكوام الذهب، القديسة دميانة، سيدنا موسى والخضر) ، ثم مجموعة حكايات مصرية قديمة(18 حكاية منها حكايات: الأخوين، إيزيس، وإله الشمس رع، عشتارت).
أما الجزء الرابع والأخير فقد تضمن حكايات أطفال المدارس وهي المجموعة الأكبر من الحكايات(91 حكاية منها حكايات: علي بابا والأربعين حرامي، فرسة الشاطر حسن، مصباح علاء الدين) وأهم ما يميز هذا القسم- على حد قول المؤلف- أن الأطفال هم الرواة والمتلقون وكثيراً ما يضيفون إلى الراوي أو الرواية بمداخلاتهم وملاحظاتهم. وتنتهي الموسوعة بملحق لصور الرواة والإخباريين، وأطفال ورش الحكايات التي أشرف عليها المؤلف، وأصحاب المهن والحرف، ومشاهد عامة لأماكن الجمع والجمهور. ثم كشافات الموسوعة التي يمكن من خلالها الوصول لمحتوى الحكايات وربما عناصرها، حيث اشتملت على سبع وثلاثين كشافاً، منها كشافات للأغاني، والألعاب، والأمثال، والأرقام، والأوقات، والأمراض، والمحاصيل الزراعية...إلخ.
وقد قدم المؤلف بحثاً مطولاً في مقدمة الموسوعة استعرض خلاله العديد من القضايا المهمة المرتبطة بالحكايات كالأماكن التي تدور حولها الحكايات، واللهجات وتنوعها، والمصادر الأسطورية، ومراحل تطور الحكاية. كما استعرض الروابط بين الحكاية المصرية والقصص العالمية المشهورة، وتأثير الحكاية المصرية في حكايات الأقطار المجاورة مشيراً إلى العناصر المشتركة بين الثقافة المصرية والثقافات العربية والتي أثرت في نمط الحكي، والجهود التي بُذلت في تصنيف الحكاية. ومع كل حكاية يوثق أحمد توفيق للكلمات المستغلقة على القارئ، وإن كنا نتمنى- استكمالاً لهذا العمل المهم- لو سُجل على أغلفة المجلدات الأربعة عناوين فرعية تبين نوعية الحكايات التي يتضمنها كل مجلد. ولا يتسع المقام هنا لمناقشة التصنيفات التي أوردها المؤلف للحكايات، رغم تحفظنا على بعضها، مثل تصنيفه لما أطلق عليه «حكايات المواويل»، غير أننا في النهاية أمام عمل يدل على صبر وأناة للمؤلف يستحق عليه كل التحية والتقدير.
الغناء الفولكلوري
وفي إطار بحث الأغنية الشعبية من منظور موسيقي يطالعنا كتاب محمد عمران الذي صدرت طبعته الأولى عن المركز المصري للثقافة والفنون عام 2012 بعنوان « الغناء الفولكلوري ومواضعَات الثقافة». والكتاب يقع في 155 صفحة استهلها المؤلف بمقدمة شرح فيها المفاهيم الخاصة بالدراسة، فالغناء الفولكلوري كما يقصده هو- في جانب من جوانبه- الغناء الذي ينتمي من حيث الإنتاج والاستهلاك إلى العامة من الناس في مجتمع الثقافة الشعبية، وتوافر له رصيد من الألحان والإيقاعات وطُرق في الأداء والأساليب، غني، ومتنوع، وراح يغطي كل مناشط الحياة من مناسبات وأحداث اجتماعية مختلفة.. أما المواضعات الثقافية– وفق مقصد المؤلف- فهي ما توافق عليه الناس بشأن وضعية الغناء في حياتهم، وباتت عُرفاً أو في منزلته، يحرصون على احترامها ولا يخلون من التزاماتهم تجاهها.
وعلى هذا النحو قسم عمران كتابه إلى قسمين رئيسيين الأول تناول فيه موضوع «الإنْشاء والتَّشَكُل في الغِنَاء الفولكْلوري»، متناولاً الأداء الجماعي للغناء الفولكلوري وفنيته، والآلية المتبعة في الإنشاء الغنائي وتشكل موضوعاته.. وخلال استعراض المؤلف لنصوص من الأغاني الشعبية يخلص إلى أن إنشاء هذه النصوص يعكس بلا شك المنحى المتطور للأفكار الموسيقية وخاصة تلك المبنية على صيغة السؤال والجواب، أو الصيغ الأقل تركيباً (من صيغة السؤال والجواب) كالردود الجماعية التي تُكرر اللحن ذاته دون تغيير ملحوظ. أما النماذج الغنائية التي استعان بها المؤلف فقد ضمها في جانبين، الأول: «الغناء النسائي المنزلي» وخاصة الذي يبرز الدور المهم الذي لعبته المرأة- ولا تزال- في مجال الغناء الفولكلوري الذي يجري معظمه في دائرة المنزل، ومنها: أغاني التهنين، والعديد، وأغاني العرس. أما الجانب الثاني فهو «أغاني العمل» والتي تظهر الدور المهم الذي لعبه الرجل، خاصة في مجال إثراء المحفوظ الغنائي الفولكلوري الذي كان يجري في دائرة العمل، كأغاني العمل على الشادوف، أو النورج، أو المحراث، أو أغاني الصيادين، أو نداءات الباعة. وقد اهتم المؤلف برصد مظاهر التغير في أداء تلك الأغاني، كما اهتم بالتدوين الموسيقي لبعض النصوص. وأرفق هذا الفصل بملحق لبعض الصور التي توضح مجالات العمل والمواقف الاجتماعية التي تتخللها بعض العمليات الغنائية في مجتمع الثقافة الشَّعبية. أما القسم الثاني من الكتاب فقد تناول فيه المؤلف البِنْية والدَّلالَة للنَّص الشِّعري والنص الموسيقي في الغناء الفولكْلوري. وفي هذا القسم يطرح المؤلف مجموعة من التساؤلات المحورية: ما المعايير التي يستند إليها الناس في تحديد مَاهية الغناء (الفولكْلوري ) الدائر في مجتمعهم. وكيف يُعَالَج الشِّعْر بالموسيقى مكوِّنًا «الغناء»، ولماذا؟ ومن منهما يحافظ علي الآخر، أيْ ماهو الدور الذي يلعبه الشِّعْر في الغناء، قياسًا إلي الدور الذي تلعبه الألحان المصاحبة لهذا الشِّعْر. ومن منهما يحتل مكانة الصدارة في العمليَّات الغنائية ولاسيما من حيث الوظائف والغايات؟.
ويتابع المؤلف تحليلاته من خلال أداءات المواوي الذي كان يؤدي المدائح، ومواوي السيرة الهلالية، وأداء الأدباتي الهزلي الساخر. كما يتوقف عند بعض العمليات الغنائية التي بدا فيها أن الشعر يتخذ مكان الصدارة عن النص الموسيقي كأغاني تهنين الأطفال ومجالس العزاء، كما توقف عند بعض الأداءات التي يتوازى فيها وبالتساوي عنصرا الشعر والألحان. غير أنه يلفت نظرنا إلى نقطة مهمة في تقاليد التلقي، فثمة حالات مميزة يحكمها- ما يمكن تسميته- عامل «التَّهَيُّؤ المُسبَق»، تتمثل في مجالس الأذكار (عند الرجال) وفي حضرات الزار (عند النساء) حيث لايكترث المشاركون – عادة – بمتابعة تفاصيل المعاني والصور التي يقدمها النص الشِّعْري (المُغَنَّي) ذلك أن التَّهَيُّؤ المُسبَق هذا، من شَأنه دَفْعهم إلي الاندماج، وربما «التَّوحد» مع موضوع الأداء، ومع كل ماينطوي عليه من رموز ودلالات وكذلك التَّوحد والاندماج مع الحالة الصَّوْتية التي صيغت (في هذه الممارسات صياغة خاصة) لتَدْفَع بالمشاركين إلي بلوغ مرادهم الذي أتوا من أجله.
يبقى الإشارة إلى أن المؤلف اعتمد في النصوص التي تناولها على التسجيلات الميدانية التي قام بجمعها ميدانياً خلال عقدي السبعينات والثمانينات من القرن الفائت، ومنها مجموعاته الخاصة، ومنها ما هو موثق بمركز دراسات الفنون الشعبية بالقاهرة.
الأغنية الشعبية والثقافة المصرية
وفي مجال جمع ودراسة الأغنية الشعبية المصرية أيضاً صدر كتاب «الأغنية الشعبية والثقافة المصرية» لمحمد غنيم وسوزان السعيد، عن المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية عام 2013 في جزئين. وتعود أهمية هذا العمل لكونه محاولة أمينة لجمع وتوثيق نصوص الأغنية الشعبية المصرية، وتقديمها للبحث والدراسة. إذا أن الحاجة لمثل هذه النصوص غاية في الأهمية للكشف عن العديد من الظواهر الشعبية ليس في مجال الأدب الشعبي والموسيقى فقط بل أيضاً في مجال العادات والتقاليد والمعتقدات الشعبية. وقد تناول الجزء الأول من الكتاب الاتجاهات المنهجية في دراسة الثقافة الشعبية، وخصائص الأغنية الشعبية ودورها في الحياة الحديثة. ويشير المؤلفان إلى أنه قد تم اختيار منطقة الدقهلية وقرى المنصورة كنموذج محلي يعبر عن ثقافة الفلاحين والعمال في المجتمع المصري، والدراسة لا تضع في الاعتبار التميز الإقليمي بسبب انتشار هذه الأغاني في سائر أنحاء القطر المصري. ومن ثم يهدف الكتاب إلى تسليط الضوء على استخدام الأغاني الشعبية في الحياة اليومية، ومواقف الحياة المختلفة، وأثناء الأداء الدرامي، ووضع هذه الأغاني في سياقها الاجتماعي والتاريخي.
والنمط الثقافي الذي يناقشه المؤلفان هو الغناء الشعبي الذي يؤديه الهواة، والذي يحدث غالباً في المستويات الاقتصادية المنخفضة في المجتمعات المحلية التي تعتمد على التقنيات البسيطة والأدوات المتاحة. وهذه الأغاني تعتمد على وقت الحدث وغير مرتبطة باحتياجات السوق، وهذا يجعل لتلك الأغاني قوة كامنة وتأثيراً معقداً لأنها ترتبط بالسياق الاجتماعي والحدث (زواج- أعياد- ألعاب...إلخ)، وتتميز بالصراحة وتستخدم اللهجة العامية، وتقدم صورة عن الحياة اليومية للجماعة. وعلى هذا النحو تفترض الدراسة أن التغيرات الأساسية التي حدثت في نصوص بعض الأغاني كانت ناتجة عن اختلاف اللهجة بسبب اختفاء بعض الموضوعات، الذي يعود إلى اختلاف تاريخ الجمع واختلاف العصر، وثورة الاتصالات، وتطور التكنولوجيا التي أدت إلى سهولة الاتصال بين مختلف المناطق حتى النائية منها. وأدى هذا إلى استخدام بعض الجمل الموسيقية والأغاني الإذاعية. ويضيف المؤلفان أنه رغم انتشار التعليم والجامعات والطباعة، فإن الأغاني الشعبية ظلت لها أهميتها الحيوية كوسيلة من وسائل الاتصال بين الناس، مثل الأغاني التي تؤديها النساء في مناسبات الزواج والميلاد، أو أغاني الأطفال اثناء ألعابهم، أو أغاني العمل التي يغنيها كل من الرجال والنساء، وأغاني الحج والمناسبات الدينية.
والدراسة تقدم لنا تحليلاً قائماً على رصد التغيرات التي طرأت على تلك النصوص من خلال مقارنتها بنصوص الأغاني التي نُشرت في بداية القرن العشرين وعقدي الستينات والسبعينات فضلاً عن رصد بعض النماذج التي توضح التغير بين الأغاني في سياقها الشعبي، والأغاني نفسها في سياقها المنتشر بالإذاعة والتليفزيون. وقد خصص المؤلفان الجزء الثاني من الكتاب لنصوص الأغاني التي تم جمعها ميدانياً، والتي صُنفت إلى خمسة أقسام، تناول الأول: أغاني الحب، وتناول الثاني: أغاني الخطبة- المهر- النقطة- النفقة- الشبكة- الحنة- الزينة- العفش. أما القسم الثالث فقد تناول: أغاني الزواج- الزفة- الدخلة- العلاقة مع الأهل. وتناول القسم الرابع: أغاني الأطفال- أغاني الحمل- السبوع- أغاني ألعاب الأطفال. أما القسم الأخير فقد خصصه المؤلفان للأغاني التي تعكس قيم العمل، وأغاني أهل البيت، وقصة ميلاد الرسول، والتعلق بالأضرحة.
نظرات في الثقافة الشعبية
وخلال عام 2013 أيضاً صدر كتاب «نظرات في الثقافة الشعبية» لعطارد شكري عن الإصدارات الخاصة بالهيئة العامة لقصور الثقافة رقم (125). والكتاب يقع في159صفحة من الحجم المتوسط. بدأ بتقديم لحسن عطية حمل عنوان شعبي «استفتاحك ياكريم» قدم فيها للمؤلف واتجاهته البحثية في هذا الكتاب. ثم مقدمة المؤلف التي حملت عنوان «استفتاح» يشرح فيه الدافع لوضع هذا الكتاب مستعرضاً فصوله، ومتناولاً تأثير التطور التكنولوجي الحادث في العالم وعلاقته بالثورة المصرية. وقد ناقش المؤلف في الفصل الأول المعنون «الثقافة الشعبية» تحديد ماهية مصطلح «فولكلور» وموضوعات التخصص الفولكلوري، وكذا موضوع «الفنون الشعبية» التي تعد أحد عناصر الثقافة الشعبية. كما عكف على مناقشة بعض القضايا الأخرى كنشأة الفنون في إطارها الحضاري القديم، وعلاقة الفن بالأداء، ومفهوم الجمال في المنتج النفعي.. وقد ناقش المؤلف رؤيته لرسومات الحج، والوشم، والعرائس، والموالد، والزار..إلخ. وفي إطار بحثه في موضوع «الميلودراما الشعبية المصرية المعاصرة» يؤكد المؤلف على أن جماهيرية الفنون الشعبية المصرية ترجع إلى طابعها الثقافي الإسلامي.. وأن صمود الفنان الشعبي أمام غزارة الإنتاج الفني الميلودرامي في مصر الحديثة، أحد أهم أسباب توقف المؤلف أمام الطبيعة الأدائية التمثيلية للقصص الميلودرامي الشعبي، والذي يؤكد على وحدة المجتمع المصري وانسجامه ثقافياً. وعلى هذا النحو يتناول المؤلف جماهيرية الفنون الشعبية المصرية، والمسرح المكشوف، والمسرح الشعبي التقليدي مستعيناً بعدة نصوص ميدانية، ومنتهياً بتعريفه للمسرح الفولكلوري، والمسرح الشعبي، والدراما الشعبية التي يرى أنها الأشكال الأدبية التمثيلية الشعبية التي تنتمي لثقافات شعوب وقبائل الأمم الحضارية.
وفي موضوع عنونه المؤلف بـ «الفولكلور في حياة الناس» أكد فيه على خصوصية الهوية الثقافية المصرية من خلال استعراضه لبعض الممارسات الحياتية اليومية ذات الجذور الإسلامية أو المصرية القديمة. مناقشاً مفهوم الفولكلور والحضارة، ومصر وحضارتها النيلية والهوية الثقافية. وقد سجل عطارد شكري بعض الممارسات الحياتية كالأعياد المصرية، وليلة السبوع، والمنزل التقليدي، وعادات الطعام..إلخ. واختُتم الكتاب بفصل خصصه المؤلف لموضوع «الفولكلور والعولمة» قائلاً : «وإيماناً منا أن التحديث يبدأ بالاعتراف بعالمية المنهج الثقافي الإسلامي.. وأن مصر جزء لايتجزأ من العالم، يجيء الفصل الرابع من هذا الكتاب تحت عنوان « الفولكلور والعولمة «.فقد أصبحنا في بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.. ومازلنا غير مدركين الفرق بين الخضوع إلي القانون الإلهي.. والخضوع للقانون المدني... وبمعني آخر، غير مدركين لأهمية التمييز بين فلسفة الحكم باسم «الدين الإلهي السماوي» وعالميته من جهة.. ومبدأ الحكم باسم الدين الطبيعي أو المدني أو الوضعي الإنساني من جهة أخرى... وأن «العولمة» منذ عهد الحداثة.. وإلي ما بعد الحداثة.. مثلها مثل أي تيار فلسفي إنساني آخر.. هي مبدأ فلسفي غير سماوي.. وضعه إنسان فرد.. وحكم العالم شعوباً وقبائل.. أفراداً وجماعات.. وفرضته قوى موحدة.. ذات بأس وقوة.. أعطتها الحق في فرض إرادتها علي الضعيف. ويضيف المؤلف قوله: «وتجيء دراستنا لطبيعة ممارستنا الحياتية المصرية المادية واللامادية ..كمحاولة جادة منا للتأكيد علي الخصوصية الثقافية للشعب المصري. وتبعيتها لثقافة الأمة الإسلامية ... إذ ربما ننجح كمصريين في إعادة تحديث مصر- الأرض ومن عليها – وفق منهج ثقافي واضح الملامح...»
دراسات في المعتقد الشعبي
خلال عام 2013 صدر أيضاً كتاب يندرج تحت سلسلة الأبحاث المجمعة وهو «دراسات في المعتقد الشعبي» لمؤلفه عبد الحكيم خليل سيد أحمد، عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، سلسلة الدراسات الشعبية رقم (153) والكتاب يقع في 304 صفحة. ويتضمن خمسة أبحاث ميدانية نُشر بعضها للمؤلف، وبعضها ثمرة دراساته لأطروحتي الماجستير والدكتوراة. ونبدأها بدراسته حول «المعتقدات الشعبيَّة المرتبطة بميلاد الأطفال»، الذي بحث فيه العديد من الممارسات المرتبطة بالطفل كالمعتقدات المرتبطة بالإنجاب، ومرحلة ماقبل ميلاد الطفل، ومنها الممارسات التي تقوم بها الزوجة طلباً للإنجاب، والوقاية من العقم، والتهيئة للحمل. ثم ينتقل المؤلف لرصد الممارسات المرتبطة بفترة الحمل والاستعداد لاستقبال المولود الجديد، ثم يتتبع المعتقدات المتعلقة بمرحلة الولادة، وما بعدها، ودور الداية أو المولدة، ودور الأم الذي يتبعه العديد من الممارسات المرتبطة بالطفل. أما الدراسة الثانية فقد خصصها المؤلف لبحث موضوع العلاج بالقرآن بين الدين والموروث الشعبي. حيث يعلن المؤلف أنه من الموضوعات التي قلت فيه الدراسات الشعبيَّة بصورة لافتة علي المستوى الأكاديمي لما يحوطه من محاذير عديدة. وقد طبق موضوعه ميدانياً على قرية حفنا وهي إحدى قرى مركز بلبيس بمحافظة الشرقية. وقد استعرض المؤلف مفهوم العلاج بالقرآن والممارسات العلاجية المرتبطة به، متناولاً الممارسين المعالجين بهذه الطريقة. كما تناول طرق العلاج بالقرآن ومنها استخراج السحر وإبطاله، والعُقَد، والتمائم، والأبخرة والأدخنة، والرقية الشرعية، واستعمال العلاجات الطبيعية، وجلسات العلاج. وقد حرص المؤلف على توثيق ثلاث حالات مرضية رصدها ميدانياً.
ويستكمل عبد الحكيم خليل المنهج نفسه ليقدم لنا دراسة ميدانية بعنوان «الرقوة الشعبيَّة في المعتقد الشعبي»، وهي إحدى الممارسات الشعبية في إطار العلاج، ويرصد فيها بعض نصوص الرقى مبرزاً العناصر الاعتقادية داخل النص، ومشيراً للنصوص ذات الدلالة الدينية، كما يتناول الممارسات ذات الدلالة السحرية وعناصرها كالعين، والرصاص، والماء، والألفاظ ذات الدلالة الوقائية. كما يخصص جانباً من بحثه لدراسة شخصية الراقي والأدوات التي يستخدمها كالخرزة الزرقاء، والبخور، والملح، وأخذ العهد على عين الحسود. أما الدراستان الرابعة والخامسة فقد جاءتا- كما أشار المؤلف- ثمار ما أنتجته رسالتا الماجستير والدكتوراة التي تقدم بها في موضوع الطرق الصوفيَّة وأوليائها إلي المعهد العالي للفنون الشعبيَّة؛ لتكون الأولي بعنوان أولياء الله الصالحين بين الوافد والموروث في المجتمع المصري». وهي تغطي بعض الأولياء في مجتمع محافظة الشرقيَّة كنموذج لمحافظات مصر، لكي تدلنا علي بعض المعتقدات المرتبطة بالأولياء الذين لاتخلو قرية مصريَّة تقريبًا من وجود ضريح لأحد هؤلاء الأولياء فيها، عارضًا مدي تأثر المجتمع المصري في علاقته بأوليائه بين التأثير والتأثر أو بين الوافد والموروث. وقد اتخذ من شخصية الولي الأمير عبدالله أبو طوالة نموذجاً ميدانياً كدراسة حالة. بينما تأتي الدراسة الثانية في هذا الجزء من الكتاب بعنوان «التسامح الصوفي وتقبل الآخر في المعتقد الشعبي المصري: الطريقة الحامديَّة الشاذليَّة نموذجاً»، وهو موضوع يحاول فيه المؤلف اكتشاف التسامح في إحدي الطرق الصوفيَّة التي نشأت حديثًا إذ تمثل إحدى فروع الطريقة الشاذليَّة. وقد استعرض مفهوم التسامح، وتقبل الآخر، مشيراً إلى أن التسامح هو أساس الصوفية، متتبعاً المفهوم في الطريقة الحامدية الشاذليَّة، كما ناقش دور المرأة الصوفية في نشر قيم التسامح وقبول الآخر، والصوفية بين لغة الحوار وثقافة الاعتدال. ويعلق المؤلف على هذا البحث بقوله: ما أحوج المجتمع المصري إلي التسامح وتقبل الآخر في هذه المرحلة الدقيقة التي انتشر فيها العنف بأشكاله المختلفة في المجتمع المصري.
دراسة مترجمة حول البحث الميداني
وفي إطار الجهود المصرية في ترجمة الدراسات العالمية الحديثة، نقدم هنا دراسة مهمة بعنوان «البحوث الكيفية في العلوم الاجتماعية» لشارلين هس، وبيبر باترشيا ليفي ، ترجمة هناء الجوهري. والكتاب في نصه الأصلي نشر عام 2006 بدار Sage Publication, Inc وهي الدار المالكة للحقوق والناشر الأصلي للكتاب في الولايات المتحدة الأمريكية ولندن ونيودلهي بالتعاون مع مؤسسة فورد. أما النص المترجم فقد صدر عن المركز القومي للترجمة بالقاهرة عام 2011، ضمن المشروع القومي للترجمة(سلسلة العلوم الاجتماعية للباحثين العدد1783). والكتاب من الحجم المتوسط ويقع في 632 صفحة. والكتاب في تصورنا يعد وثيقة ثرية وحديثة للباحثين الميدانيين والأكاديميين في علم الفولكلور. ويشير محمد الجوهري الذي قدم الكتاب وراجعه إلى أن هذا الكتاب يمثل أشمل وأوفى نص عربي يتناول البحوث الكيفية والعلوم الاجتماعية بطرائقها المختلفة، المألوف منها: كالملاحظة، والمقابلة، والبحث الإثنوجرافي، وتحليل المضمون، وجماعات المناقشة المركزة. كما يولي اهتماماً خاصاً لطرق البحث الكيفي المستحدثة: كالتاريخ الشفاهي، وطرق البحث غير التداخلية، كتلك التي تجري على المادة الغزيرة المتجددة المتاحة في مواقع الإنترنيت وقاعات المناقشة والفيسبوك واليوتيوب. نحن إذاً أمام اتجاه جديد في منهج البحث العلمي الاجتماعي والذي تدخل الدراسات الفولكلورية ضمن أولوياته.
ويبدأ الكتاب بمقدمة اشتملت على ملاحظات على الجانب التعليمي للكتاب، والذي يناقش بعض التساؤلات المرتبطة بعملية البحث الاجتماعي، قبل أن ندخل في أقسام الكتاب التي بدأها المؤلفان بشرح لنموذج البحث الكيفي، من خلال تقديم نظرة عامة وكلية لبراعة البحث الكيفي، وعملية البحث، وأخلاقيات البحث. والبحث الكيفي- كما تشير الدراسة- عبارة عن مجال فسيح رائع يقوم على تداخل فروع العلم، وهو مجال غني بالمنظورات الفكرية إلى بناء المعرفة، كما أنه يستمد قوته من استعماله لعدد كبير من الطرق والأساليب المتاحة لتوليد المعرفة. وتوفر الممارسة الكيفية للمشتغلين بالبحث طائفة من الإمكانيات الإبستومولوجية (أي المتعلقة بنظرية المعرفة)، والفكرية والمنهجية. أما القسم الثاني من الكتاب فقد تناول موضوع طرق جمع البيانات من خلال بحث المقابلة المتعمقة، والتاريخ الشفاهي وهي طريقة مساعدة للمقابلة القائمة علي السيرة الذاتية. وفي هذا الفصل يعرض الكتاب لهذا المنهج المهم واختلافه عن المقابلة المتعمقة، كما يعرض لأساليب السرد والحكي، وقضايا الصوت والتفسير والتمثيل في التاريخ الشفاهي، وأرشفة مواده. ويوضح المؤلفان أنه من المفيد التمييز بين «التراث الشفاهي» oral tradition، و»التاريخ الشفاهي» Oral history، وذلك باعتبار أن التراث الشفاهي هو المظلة الشاملة التي تندرج تحتها طريقة التاريخ الشفاهي. ويخلص هذا المبحث إلى أن التاريخ الشفاهي عملية ذات طابع تعاوني مبني على المشاركة يتوجب التفكير فيها بصورة كلية. فيجب بذل انتباه خاص للعلاقة القائمة بين الباحث والراوي، كما ينبغي اتباع الإرشادات الواجبة اثناء الحوار الذي يستهدف بناء الألفة، والتي يتعين مراجعتها طوال مراحل المشروع. ويحتاج الباحث إلى أن يدخل في حسابه مصفوفة التاريخ الشفاهي: والمكونة من التفاعل بين طريقة البحث وأدائه، والاعتبارات الأخلاقية والجوانب السياسية.
ويستكمل المؤلفان هذا القسم بتناول قضايا منهجية جديدة منها: مقابلات جماعات المناقشة المركزة، ومنهج البحث الإثنوجرافي حيث يقدم الإثنوجرافيون صوراً تفصيلية لما في ثقافة ما، أو ثقافة فرعية ما، أو جماعة ما، من ممارسات وعادات الحياة اليومية. وكثيراً ما يقومون- أثناء ذلك- بجمع المنتجات والمصنوعات اليدوية وغيرها من المواد الثقافية. ويختتم هذا الباب بفصلين حول تحليل المضمون وطرق البحث غير التدخلية، ثم البحث القائم علي طرق مختلطة. أما القسم الثالث والأخير من الكتاب فقد تناول التحليل والعرض من خلال فصلين: الأول ناقش موضوع تحليل وتفسير البيانات الكيفية، والثاني ناقش موضوع الرابطة البحثية: التركيز المستمر وبناء المعرفة. يبقى الإشارة إلى أن الكتاب حافل في نهاية كل فصل بعشرات الأسئلة للمناقشة ومواقع مختارة على شبكة الإنترنيت ذات علاقة بكل فصل، وثبت بمراجع متخصصة وحديثة، ونصوص لكبار العلماء تحت عنوان «خلف الكواليس». ونماذج ميدانية موثقة وشروحات في الهوامش ورسومات توضيحية صُممت بعناية من قبل خبراء في تكنولوجيا المعلومات. ولست في حاجة إلى أنني لم أستطع أن أفي هذا العمل حقه من العرض في هذا الحيز، وتبقى التحية الخالصة لهناء الجوهري أستاذ علم الاجتماع والخبيرة الدولية في التنمية الاجتماعية لتصديها لترجمة هذا العمل الرائع الذي يحتاجه المجال في المرحلة الراهنة.
أطروحة جامعية حول تقنيات التصوير الميداني
نوقشت خلال عام 2013 أطروحة جامعية حول موضوع «رصد التنوع الثقافى فى احتفالات الصيادين باستخدام تقنيات التصوير الحديثة» للباحثة ولاء محمد محمود المدرس بالمعهد العالي للفنون الشعبية بأكاديمية الفنون. وأشرف على الرسالة الأساتذة سوزان السعيد، ومصطفى جاد، ووائل صابر، وناقشها علياء شكري، ومحمد عسر. وتدخل الأطروحة ضمن الدراسات البينية التي تستعين بأكثر من مجال، ونقصد هنا علم الفولكلور وعلم الصورة أو تقنيات التصوير. إذ تبحث الدارسة في مدى توظيف تلك التقنيات في العمل الفولكلوري الميداني. فالتصوير سواء الفوتوغرافي أو الفيديو لم يعد توظيفه في العمل الميداني مجرد آلة يُضغط عليها فقط، بل إن هناك العديد من التقنيات والفنون المصاحبة، وخاصة إذ ما تعلق الأمر بتوثيق ظاهرة فولكلورية، وهو ما حاولت الباحثة معالجته في هذه الأطروحة المهمة والأولى من نوعها في حدود علمنا.
والأطروحة دراسة ميدانية في منطقتي المكس بالاسكندرية والبرلس بكفر الشيخ. واستهلت الباحثة دراستها بمقدمة عرضت فيها للإطار النظرى والمنهجى، مستعرضة مشكلة البحث وأهدافه وأهميته، كما سجلت تساؤلات الدراسة وأهدافها ومنها محاولة التوصل الى لغة سينمائية خاصة ومختلفة حول الظاهرة الفولكلورية، من خلال التطبيق على حرفة الصيد، والتعرف على القيم الجمالية البصرية المتوافرة فى موضوعات الفولكلور والتركيز عليها بالكادرات المعبرة. وكذا التقنيات الحديثة التى يجب أن توظف بشكل جيد للحصول على صورة متميزة من حيث الجودة؛ للتعبير عن الشكل الفني المناسب لموضوعات الفولكلور، وأخيراً الحصول على منهجية وتكنيك خاص بتصوير أفلام وثائقية مفيدة ومعبرة حول الظواهر الفولكلورية؛ بهدف توثيق التراث الشعبي بمنهج علمي.
وبدأت أولى فصول الرسالة ببحث مجتمع الدراسة الذي تناول الطبيعه الجغرافية والتاريخية لمجتمع الدراسة، والبيئة المحيطة بهذا المجتمع، والجوانب الاقتصادية والاجتماعية، والتركيبة السكانية. أما الفصل الثاني فقد خصصته ولاء محمد لبحث رحلة الصيد في المكس بالأسكندرية من خلال كل ما يرتبط برحلة الصيد في البحر من استعدادات خاصة بهذه الرحلة مروراً بالممارسات الخاصة باحتفالات الصيادين وانتهاءً بالعودة، وغيرها من الجوانب المختلفة التي تتعلق بهذه الرحلة. والأمر نفسه بالنسبة لرحلة الصيد في بحيرة البرلس بكفر الشيخ، حيث عرضت لرحلة الصيد في المياه العذبة من استعدادات خاصة بهذه الرحلة مروراً بالممارسات المرتبطة باحتفالات الصيادين وانتهاءً بالعودة وغيرها من الجوانب المختلفة التي تتعلق بهذه الرحلة في بحيرة البرلس. وقد ناقشت الباحثة موضوع التنوع الثقافي في احتفالات الصيادين ومفهوم التنوع الثقافي وايجابياته وسلبياته، وأهم مظاهر التنوع الثقافى لدى صيادي البحر والبحيرة. ثم انتقلت لبحث اللغة البصرية في الظاهرة الفولكلورية، من خلال دراسة الفيلم كأداة منهجية بحثية في التعبير عن الظاهرة الفولكلورية موضوع البحث، ووظائف الصورة في العمل الميداني، والصورة كوسيلة اتصال جماهيرى وكيفية إدراكها. كما بحثت ولاء محمد موضوع الظواهر الفولكلورية كما يعكسها الفيلم التسجيلى متناولة مفهوم الفيلم التسجيلي وأهميته ومراحل انتاجه وأنواعه وأهم العاملين به، وأهم الأفلام التسجيلية التي اتخذت من المأثورات الشعبية موضوعاتها. أما الفصل الأخير من الأطروحة فقد خصصته الباحثة لتقنيات التصوير الحديثة، حيث تناولت عرضاً لأهم أنواع المعدات والأجهزة من كاميرات وأجهزة إضاءة وعدسات وغيرها، كما قدمت فيه تجربة تطبيقية للفيلم التسجيلي الذي أعدته حول حياة الصيادين سواء في المياه المالحة (بحر الأسكندرية)، أو المياة العذبة (بحيرة البرلس). وقد صاحبت الباحثة الصيادين في رحلتهم لصيد السمك، حيث رصدت العديد من العناصر الثقافية التي كشفت التنوع الثقافي بين المنطقتين سواء في العادات والتقاليد أو المعتقدات أو المأثورات القولية.
عدد جديد من مجلة الفنون الشعبية
صدر العدد الأخير من مجلة الفنون الشعبية المصرية، والذي تضمن العددين 94،95 أبريل 2013، وقد خُصص هذا العدد لموضوع الحكاية الشعبية وتنويعاتها من خلال عدة دراسات وترجمات ونصوص وعروض للكتب. غير أن العدد بدأ بتنويه من أسرة التحرير تنعى فيه عالم الأنثروبولوجيا الراحل أحمد أبو زيد، مشيرة إلى أن الوطن العربي قد فقد مؤخراً رائداً من رواد العلوم الإنسانية عامة والأنثروبولوجيا خاصة، هو الدكتور «أحمد أبوزيد» الذي اتخذ لسنوات طويلة من أرض مصر ميداناً للبحث بريفها وصعيدها وصحراواتها، فعايش مجتمعاتها وخَبِر عاداتها وتقاليدها، فكان أن خلف وراءه إرثاً علمياً وخبرة رائقة «أمانة» نعده بحملها لإكمال ما بدأه والسعي جاهدين لإيصالها إلى أجيال لم يحالفها حظ لقاء الأستاذ والتعلم على يديه، رحمه الله. وباب جديد النشر بدوره ينعى لمصر والأمة العربية هذا العلم الذي أثرى الحياة العربية بعلمه الغزير.
وعودة لملف المجلة الذي حوى عدة موضوعات حول الحكاية الشعبية كما أشرنا، بدأت بدراسة لمارجريت آن مايلز بعنوان «من تنويعات سندريلا» قام بترجمتها وليد سليمٍ تناقش عدة روايات لحكاية سندريلا، من خلال «نظرية الطقس». ثم دراسة لمحمد حسين هلال تناول فيها الأداء في الحكاية الشعبية» من خلال عدة نصوص ميدانية ناقش خلالها الأداء والإبداع وعناصر الأداء وأوضاعه، والمؤدون، وطرائق الرواة وأساليبهم وعلاقتهم بالمتلقين. أما خالد ابو الليل فقد ناقش موضوع «تصنيف الحكاية الشعبية المصرية» والذي استعرض فيه بعض التجارب العالمية والمحلية كتومسون وبروب وتصنيف نبيلة ابراهيم، مقدماً مقترحاً لتصنيف الحكايات المصرية ونماذج ميدانية للتطبيق. وقد أفردت المجلة في هذا الملف لثلاث شهادات حول الحكاية تميزت كل منها باتجاه علمي مختلف. الشهادة الأولى لهالة صفوت كمال التي قدمت شهادة بعنوان «قالت الراوية»، مستعرضة تجربتها في تناول الحكاية الشعبية من منظور نسوي في إطار مجموعة بحث «المرأة والذاكرة». والثانية لأحمد إسماعيل الذي سجل شهادته حول حكاية «الشاطر حسن» من خلال تجربة مسرحة الحكاية. والثالثة لهالة نمر التي تناولت شهادتها موضوع «الحكواتي»، حيث استعرضت تجارب العديد من الحكواتية العرب الذين التقت بهم ضمن مهرجان «حكايا» الذي عُقد بالأردن خريف 2012.
أما النصوص الميدانية للحكايات فقد حظيت بتنوع أيضاً في هذا الملف، حيث قدم إبراهيم عبد الحافظ مجموعة من «حواديت الدلتا»، وقدمت أسماء عبد الرحمن مجموعة حول حواديت «الشطَّار»، على حين قدم طلعت عبد العزيز أبو العزم مجموعة من حواديت «المعلَّم أبو الجدايل»، واختتم توفيق علي منصور هذا الجزء بحدوتة «إمرأة الأب الشريرة وشجرة العرعر». واختُتم العدد بعرض لدراستين حول الحكايات الشعبية الأولى أطروحة ماجستير لنشوي شعلان بعنوان «الحدوتة وسيلة اتصال: نحو أفق جديد»، قام بعرضها صبري عبد الحفيظ. والثانية بعنوان «حكايات عن الحريم العالي» لنهلة عبد الله إمام، وهو عرض لكتاب «حريم محمد علي باشا: رسائل من القاهرة(1842-1846)» لصوفيا لين بول، والذي ترجمته عزة كرارة في طبعته الثالثة عام 2008.