رياضة الطفل التراثية تحدثنا عن ثقافة المجتمع (الطفل التونسي كمثال)
العدد 25 - عادات وتقاليد
كان للتطور التاريخي للبلاد التونسية أثر بالغ في تأسيس ثقافة متنوعة على امتداد آلاف السنين، من العصر البونيقي إلى الروماني و البيزنطي ثم الإسلامي العربي. حقا إن روح العراقة التي اتسم بها تاريخ البلاد التونسية حمل سمات عديد الحضارات، من الشرق ومن الغرب. فكانت تونس، هذه الرقعة الجغرافية الصغيرة من إفريقيا، المطلة على البحر الأبيض المتوسط، فضاء لملتقى الثقافات مما أسهم بارتباط المجتمع التونسي الحالي بثقافة عربية إسلامية متفتحة على بقية ثقافات البلدان العالمية الأخرى وبالخصوص الأوروبية نظرا لتواجدها على البحر الأبيض المتوسط.
إن ما يشهده العالم اليوم من هيمنة وسيطرة ثقافية للأنموذج الغربي، أوكما عبر عنه المثقف المغربي عبد السعيد الشرقاوي بقوله “إننا وبقية الشعوب نسير إلى نقطة التقاء واحدة ألا وهي أمركة الثقافة”، والتي بدورها تنظر إلى ثقافة عالمية واحدة تقوم برسم مبادئها وخصائصها في نطاق ما يسمى «بالعولمة الثقافية» .
إن المحافظة على الموروث الثقافي الشعبي عامة أصبح اليوم رهانا على مختلف المجتمعات، إذ أن الموروث الثقافي يحدد هوية أفراد المجتمع ويعكس حضارتهم. ومن هذا المنطلق يتكون للفرد نوع من العلاقة المتجددة، الحية والنشيطة، مع التراث، تقوم على ربط الصلة بين الإنسان وتراثه، وترفض القطيعة معه «ليندمج التراث في الذات» حسب المنظور الجابري: « اندماج الذات في التراث شيء، واندماج التراث في الذات شيء آخر... إن القطيعة التي ندعوإليها ليست القطيعة مع التراث بل مع نوع من العلاقة مع التراث، القطيعة التي تحولنا من “كائنات تراثية’’ إلى كائنات لها تراث، أي إلى شخصيات يشكل التراث أحد مقوماتها، المقوم الجامع بينها في شخصية أعم، هي شخصية الأمة صاحبة التراث»(1).
من وجهة نظرنا، تتجاوز الألعاب والرياضات الشعبية، كونها ممارسة فردية أوجماعية اعتباطية، كما يعتقد العامة من المجتمع التونسي، لتمثل ظاهرة اجتماعية في حد ذاتها. فقد تناول عديد الباحثين الألعاب الرياضية والأنشطة الترفيهية التقليدية بالدرس والتدقيق، واتفقوا على استنتاج يقر بوجود علاقة متينة بين الألعاب الرياضية والثقافة، ذلك أن التراث اللعبي ارتبط منذ القدم بحياة المجتمعات، بنشاطات الإنسان وممارساته اليومية، بطقوسه وعاداته. كما ثبت بالتجربة أن اللعب يمثل منظومة اجتماعية تختلف باختلاف المجتمعات. واختلاف المجتمعات ناتج، إن صح التعبير، عن اختلاف الخصوصيات الثقافية بين المجتمعات. فكل نظام اجتماعي يفرز، بالضرورة، نظامه اللعبي الشعبي الترفيهي المنفرد بذاته، يستمد قواعده، بالأساس، من تركيبة وعادات وتقاليد الممارسين للأنشطة اللعبية الشعبية.
2 - تعريف ثقافة الألعاب الشعبية (التقليدية):
إن التحديد المفاهيمي لمصطلح الثقافة يعد اللبنة الأولى لتقصي الدلالة أوالدلالات المندرجة ضمن هذا الضرب فالثقافة كما يشاع بشكل عام «إنما هي مجموع المعلومات والمعارف والممارسات والقيم الخاصة بشعب ما والتي يعيش بمقتضاها وهي التي تميزه عن غيره من الشعوب لأنها تعبير صادق عن شخصية وملامح هذه الشخصية وطريقتها الخاصة في الحياة». ولعل هذا التحديد المفهومي للثقافة من شأنه أن يدعونا إلى التساؤل عن موقع اللعب ومنزلته في النماذج الثقافية والحضارية، بمعنى هل اللعب شكل من أشكال التعبير الثقافي؟ بحيث كما ينموالنبات الواحد في الأراضي المؤهلة جغرافيا ومناخيا تظهر كذلك في الظروف المتصارعة ثقافيا وحضاريا نماذج متماثلة من الألعاب. يمكن أن نعتبر مدى صحة هذه الفرضية انطلاقا من نظرية «يونغ» القائلة بأن الثقافة الإنسانية تعد قاسما مشتركا بين جميع الشعوب دون أن يطمس ذلك الخصائص النوعية التي تتسم بها ثقافة كل شعب وحضارة كل أمة .
ويبدوأن وجود التجانس بين الثقافات تقوم على مبدإ التأثر والتأثير وهذا المبدأ الذي وضعه الباحث الألماني « هانز ناومن» يعد في تصورنا شرطا ضروريا إلا أنه غير كاف ذلك أن الدلالة الثقافية للعب ينبغي أن تلتمس في حقلين دلاليين متوا شجين ومنفصلين في آن معا ونعني بذلك وحدانية التعبير الشعبي من ناحية وتماثل مستوى المعرفة بين الثقافات من ناحية أخرى.
تنفرد كل ثقافة ومجتمع بمجموعة من الألعاب الضاربة في الزمن والعريقة والتي تناقلتها الشعوب والأجيال عبر العصور وهذه الألعاب يطلق عليها اسم الألعاب الشعبية أوما يدعى بالغرب: الألعاب التقليدية. وعبر هذه الألعاب تنقل عدّة خصائص ثقافية وحضارية مراعية بذلك التقاليد والعادات ولقد عرف أحمد أبوسعد الألعاب الشعبية كالتالي : « إنّ هذه الألعاب جميعها ما تنفرد به منها، وما هوقدر مشترك مع سوانا هي بلغتها وبالمصطلحات الخاصة بها والأهازيج التي كان يناشدها اللاعبون وهم يمارسوها، مصبوغة بصبغتها وملونة بألوان بيئتنا الاجتماعية والجغرافية، وهي من بعد صدى انفعالات شعبنا اللبناني ومعرض ملذاته وفرحه وانعكاس لصور حياته»(2).
مفهوم « التقليدي» كما جاء عن بعض الدارسين في التراث الشعبي : « نمط سلوكي يتميز عن العادة لأن المجتمع يقبله عموما دون دوافع أخرى عدا التمسك بسنن الأسلاف»
أما مفهوم الشعبي يصوره حامد حريز في حديثه عن العادات والتقاليد الشعبية: « فكلمة شعبي تقابلها كلمة الرسمي تدعوللتمسك بالشكل والاحترام الشديد للقوالب والمنهج. وكذلك نجد أن كلمة شعبي ترتكز على فكرة الجماعية في مقابلة النزعة الفردية. فمن أهم خصائص العادات الشعبية أنها سلوك اجتماعي تأصل بين الجماعة بحكم الرواج والشيوع والتداول. وصار وفقا لذلك جزءا من تراثها.»(3) بينما يعتبرها طاهر لبيب صفة حديثة الاستعمال في الإنتاج العربي حيث يقول « صفة الشعبي حديثة الاستعمال في الإنتاج العربي لا أثر لها فيما نعلم في الكتابة العربية حتى القرن الخامس على الأقل، وأغلب الظن أن النسبة إلى الشعب لا تتجاوز كتابات ما بعد النهضة»(4).
من هذه المنطلقات، ينظر إلى الألعاب الشعبيّة كمرآة صادقة للحياة اليوميّة، البسيطة والمعقدة فمن خلالها يتم نقل نماذج الحياة في البيئة بطابعها وتقاليدها ونظامها. فمن خلال انتقالها عبر الأجيال يتم نقل النماذج الحضاريّة والأنماط المعيشيّة.
فلكل مجتمع وحضارة خصائصها وطابعها التي تنعكس من خلال ألعاب الأطفال.
وتحتل الألعاب الشعبية مكانة مرموقة في نفوس اللاعبين خاصة أولئك الذين يعيشون في الأرياف والقرى باعتبارها من أهم الوسائل الترفيهية لديهم، إن لم نقل الوحيدة خاصّة وأنها ألعاب تمارس برغبة وتتميز بروح اللعب المتضمن للفرحة والبهجة والسرور، تحقق النشاط واليقظة والانشراح لها طابع خاص، مشوقة، تجذب اللاعبين إلى ممارستها، سهلة في متناولهم بسيطة بعيدة عن التكلف لا تحتاج إلى استعداد خاص، معروفة لها طابعها المحلي
وتلقى الألعاب الشعبية إقبالا كبيرا نظرا لما تتميز به من سهولة وبساطة من أدائها فهي لا تخضع لقوانين محددة معقدة ولقد أشار إلى ذلك علي يحي المنصوري إذ يعتبرها «مبسطة لا تخضع لقوانين دولية متعارف عليها ولا تحكمها قواعد معقدة فهما وأداء ويمكن للممارسين أنفسهم إدارتــــها وتنظيمها»(5).
3 – خصائص الألعاب الشعبية
لقد أشارت المراجع البيداغوجية إلى مجموعة من الخصائص التي تختص بها الألعاب الشعبية دون غيرها من الألعاب والرياضات التنافسية المعاصرة والتي تتمثل في السمات التالية :
- لا تحتاج لمعدّات خاصة أوأدوات رياضية معقدة كما أنها لا تحتاج لملاعب خاصة.
- لها طابع محبب يجلب اللاعبين لما تهدف إليه من استعراض المهارة والقوّة وسرعة البديهة.
- لا تحتاج لنوع خاص أومهارات زائدة بل هي التي تربي المهارات.
- بسيطة في فهمها وأدائها تحكمها قوانين سهلة.
- تعمل على تمرين وتنمية سرعة الخاطر وحضور البديهة.
- مشوقة تدعوللإقبال عليها.
- مناسبة للبيئة الريفية ولعادات أهلها وتقاليدهم لأنها نابعة منهم.
- قليلة التكاليف بل إن بعضها لا يكلف شيئا وهذه حقيقة اقتصادية هامّة.
كما تعتبر الألعاب الشعبية من أهم الوسائل الترفيهية خاصة في المناطق الريفية. لذلك تحتل مكانة مرموقة في نفوس لاعبها وهي من الأنشطة المحبذة والمفضلة لدى أغلب الشرائح الاجتماعية بمختلف الأعمار والأجناس.
ومن زاوية أخرى حدد روجي كايوا(6) الشروط والمهارات الواجب توفرها لدى ممارسي الألعاب والرياضات الشعبية كأن يكون الفرد حرا مستقرا وغير ملتزم وأن يكون غير منتج وغير محكوم بقواعد معلومة سلفا. وأن الطابع الحر الذي يميز الألعاب الشعبيّة، هومن أبرز خصائصها على اعتبار أنها نشاط حر، وما يقود اللاعب هوميله الطبيعي للعب ففي الألعاب الشعبية لا يمكن أن نتحدث عن اللعب الإجباري، لأن في الإلزام إلغاء لأهم ميزة لهذه الألعاب. فاللاعب يختار بكل حرية اللعبة التي يريد الاشتراك فيها. وكذلك يختار الدور الذي يتماشى مع قدراته البدنية واستعداداته النفسية لذلك نجده يلعب بكل تلقائيــــــة وعفوية.
ونظرا لهذه الخصائص المميزة للألعاب الشعبية فإنها قادرة على استقطاب أكبر عدد ممكن من اللاعبين لأنها مناسبة للجميع لا يقتصر أداؤها على طبقة دون أخرى ويمكن أن يمارســـها الكـــــبار والصغــــــار والفقراء والأغنياء، فهي تتميز بقلّة تكاليفها وبساطة أدواتها. إذ يمكن أن تستقطب وتستنبط مما هو موجود من الطبيعة وهوما يجعلها من أهم الألعاب التي تمارس باستعمال أبسط الأدوات.
فهي، بالإضافة إلى كونها وعاء طريفا، يحفظ وينحت وينقل الثقافة، على حد تعبير نجلاء نصير بشور(7) ، يعتبرها رجال التربية وسيطا بيداغوجيا ييسر للطفل تطوير شخصيته وقدراته من خلال أسلوب التعلم الذاتي كما يبينه المخطط 1 :
انطلاقا من هذه الخصائص، كالحرية والتلقائية والبساطة لكونها ترفيهية بالأساس فهي غير مرتبطة بالاهتمامات الماديّة لأن الهدف الأساس من اللعب هوتحقيق السعادة وإدخال البهجة على اللاعبين فهي بعيدة كل البعد عن العنف والصراعات- وانطلاقا من هذه الخصائص تكتسب الألعاب الشعبية أهمــــــــية ومكانة ضمن تصنيفات الثقافة الشعبية.
4 – تصنيف الألعاب الرياضية
من بين النماذج البحثية التي استطاعت أن تشرح لنا الفرق بين الرياضة المؤسساتية والرياضة التراثية الشعبية، نذكر بإصنافية الباحث الفرنسي بيار برلب(8)Pierre Parlebas، صاحب المقاربة العلمية « علم الفعل الحركي” المطبق في ميدان الأنشطة البدنية والرياضية، والذي اعتمد في تصنيفه على مؤشرين أساسيين تتوقف عليهما بقية التصنيفات الفرعية للألعاب الرياضية، وهما على التوالي ( الألعاب النفسية الحركية والألعاب الجماعية الحركية ) كما نوضحه في المخطط التالي 2:
5 – العلاقة بين الثقافة والألعاب الرياضية التراثية
إن شكل “الترابط بين اللعب والثقافة” يتطلب مزيد البحث والملاحظة والتدقيق في سلوك الإنسان أثناء اللعب وكذلك داخل المجتمع الذي ينتمي إليه. وقد أدى هذا التقارب بين الثقافة واللعب بالباحثين إلى طرح افتراضات وتساؤلات عديدة، منها على سبيل الذكر لا الحصر: الألعاب والرياضات التقليدية إنتاج اجتماعي لبيئة معينة، حيث أضاف (هويزنق)(9) Huizinga ، في كتابه Homo-ludens( l’homme qui joue)1938 : الإنسان الذي يمارس اللعب، إلى القيمة التربوية والقيمة الترويحية التي يحققها اللعب، قيمة أخرى عبر عنها بالوظيفة الثقافية والحضارية وليس البيولوجية. وذهب في ذلك إلى حد اعتبار اللعب أقدم من الثقافة، حيث اعتبر النشاط اللعبي مولدا أساسيا للثقافة لأن الثقافة في نظره تنبثق من اللعب.
لكن (روجر كايوا)(10)Roger Caillois (1958) عكس في كتابه « Les jeux et les hommes أطروحة (هويزنق) ليقول بأن اللعب من إنتاج المجتمع الذي يمارسه. وهووسيط لترسيخ القيم الإجتماعية. وقد سعى (كايوا) في هذا الصدد، الدفاع عن فكرة تأسيس علم اجتماع انطلاقا من الألعاب. وفي سنة 1978 حاول (جان لويس كلف)Jean-Louis Calvet(11) في كتابه المعروف باسم ( ألعاب المجتمعات ) «Les jeux de sociétés » تجسيم أطروحة كايوا بأمثلة متنوعة ومتعددة عبر العالم ليوضح للقراء مدى ارتباط اللعب بالسلوك الإنساني حيث توصل إلى كون ألعاب المجتمعات عبارة عن مخابر للتفاعلات الاجتماعية وعن طريقها يمكن التعرف على أنماط السلوكيات للممارسين لهذه الألعاب. فأثناء اللعب تحصل عملية التواصل الجسدي واللفظي بين اللاعبين، ومن خلالها يمكن الكشف عن بعض الخصائص الثقافية لمن يمارسها.
إذن، كيف لنا أن نقرأ المنطق الداخلي لرياضة الطفل التراثية ؟
هل لنا من القدرة العلمية لفهم المنطق الداخلي للألعاب والرياضات التقليدية بالرجوع إلى المنطق الاجتماعي الذي تشكلت داخله ؟
أي نظام يميز الألعاب والرياضات التقليدية، بوصفها مرآة عاكسة لثقافة المجتمع ؟
للإجابة عن هذه الأسئلة الاستراتيجية كان لزاما علينا الإجابة عن أسئلة فرعية، تيسر لنا إدراك مضمون العلاقات التفاعلية بين السلوك الحركي اللعبي والسلوك الاجتماعي ضمن الحياة اليومية لمجتمع البحث :
- كيف يتشكل المنطق الداخلي للألعاب والرياضات الشعبية ؟
- هل هناك اختلاف بين قواعد لعب الفتيان والفتيات أوبين قوانين لعب أهل الجنوب والشمال أوبين الكبار والصغار في السن ؟
- ما هي أنواع تفاعلات الأطفال خلال اللعب وكيف تتجسم بينهم ؟
- هل يستعين الأطفال بأدوات معينة لتحقيق التواصل ؟
- هل لعامل الزمن والخصائص الجغرافية تأثير على تحديد قواعد اللعب ؟
- هل تلعب العادات والتقاليد الاجتماعية وظيفة في رسم قواعد الألعاب الممارسة ؟
- على أي شيء يرتكز الاختلاف الثقافي بين الإناث والذكور؟
- هل يشمل الاختلاف في نمط التفاعل الحركي بين الجنسين، أم يقتصر على أدوات اللعب أوهندسة الفضاء الترفيهي، أم يبرز في الزمن المخصص للعب ؟
- هل يشمل الاختلاف الثقافي بين الجنسين مجال آداب التواصل بينهما ؟
علينا أن نبرز في هذا العمل كيف لرياضة الطفل التراثية، أن تقوم مقام الأداة العلمية لتعكس لنا بعض السمات الثقافية والاجتماعية للتونسيين ؟
إن دراسة مثل هذه الإشكالية تكتسي أهمية بالغة، إذ من شأنها أن تزيل الالتباس عن مفهوم رياضة الطفل الشعبية، وما تخفيه من قيم حضارية، كموروث ثقافي للمجتمع.
6 – وظيفة الألعاب الرياضية في التراث الشعبي :
لقد كانت خصائص كل من المجتمع الإغريقي والروماني لها كبير الأثر على نوعية الألعاب المنظمة خلال الاحتفالات الدينية، والانتصارات الحربية للإغريق والرومان. وبالفعل، وعلى إثر دراسة جامعية، أنجزناها لنيل شهادة الدكتوراه(12)، حول الألعاب الرياضية للأطفال والكهول المعروضة على اللوحات الفسيفسائية الرومانية بتونس، تبين لنا أن أغلب المشاهد الرياضية التي جسمها الفنانون الرومان على اللوحات الفسيفسائية بين القرن الثاني والسادس بعد الميلاد هي مشاهد حية تبرز الواقع الاجتماعي لمقاطعة إفريقيا في هذه الفترة الزمنية من تاريخ الإمبراطورية الرومانية. لقد حاول الفسيفسائيون إعطاء صورة لنمط الرياضة الدموية والحربية السائدة بمختلف الجهات الشرقية من شمال إفريقيا، فأغلب مشاهد صيد الحيوانات المفترسة وألعاب المصارعة بجميع أنواعها، التي كانت تنظم لتحضرها جماهير غفيرة داخل المسارح الرومانية، مرتبطة بمظاهر العنف والقتل والحرب، معبرة عن صورة اجتماعية تطوق إلى تعميق الروح القتالية لدى الشعب، وبث الرعب والفزع في نفوس الشعوب المقابلة، نظرا لأن المجتمع الروماني على استعداد متواصل إلى الغزووالاحتلال. كما ساعد هذا التوجه، نحوحضارة العنف، في تعزيز المكانة السياسية والحربية لساسة هذا العصر.
وعلى إثر دراسة أعددناها للتعرف على المكانة الاجتماعية للألعاب التراثية خلال فترة الاستعمار الفرنسي للبلاد التونسية (1881–1956)(13)، تبين لنا قيمة صمود المجتمع التونسي أمام المستعمر قصد المحافظة على ألعابه الشعبية الترفيهية. فقد سعى الحاكم العسكري الفرنسي إلى طمس هويتنا من خلال منع أفراد المجتمع من ممارسة العديد من الألعاب الاحتفالية (مثل لعبة العكفة ولعبة اللطيخ ولعبة القراش ولعبة الزقارة وألعاب الفروسية كالمشاف والمداوري)، حيث كان المحتل الفرنسي يعتقد أن هذه الممارسات تعمل على شحذ العزائم لدى الشباب. وأنها تمثل الوسيلة الفعالة من وسائل التعبئة الجماهيرية وخاصة لتجمع الشباب وتبرزهم كقاعدة فتية متكتلة سريعة التأثر للاندماج في المقاومة الشعبية في ذلك الوقت.
هكذا، وتباعا لما تم التعرض إليه باختصار حول العلاقة الترابطية بين اللعب والنسيج الثقافي للممارسين، يتضح مند القدم، لم تكن الممارسات اللعبية مجرد ممارسة عبثية وعرضية، وإنما هوتعبير عن عدة رموز ومعان، تتصل بطبيعة العلاقات بين الممارسين والبيئة الاجتماعية التي نشؤوا داخلها. كما نستخلص بصفة عامة، أن اللعبة الرياضية الشعبية تضيف في حقيقة الأمر إلى القيمة الترويحية والقيمة التربوية والصحية والنفسية والعلاجية، قيمة ثقافية وحضارية، يمكن أن تفتح أمام الباحثين مسارات جديدة في مجال الدراسات السوسيولوجية والأنتروبولوجية للأنشطة البدنية والفكرية الترويحية للجميع.
7 – الألعاب التراثية مرآة عاكسة لثقافة الطفل
طوال أكثر من ثلاثين سنة قضيناها في دراسة مضمون المنطق الداخلي للألعاب والرياضات الشعبية للطفل التونسي بالعديد من المناطق الجغرافية من البلاد التونسية. واليوم نقدم نتائج الدراسات التي أجريناها لكل من مجتمع أرخبيل «قرقنة»(14)، وقرية «الجرسين»(15) بالبلاد التونسية، والتي من خلالها سوف نتمكن من التعرف على بنيتها الداخلية من حيث نوعية الألعاب الممارسة وهوية المشاركين في اللعب من الجنسين، ونمط التحكيم المستعمل، وأوقات ممارسة اللعب، وطبيعة شبكات التفاعل الحركي بين الممارسين للألعاب والرياضات الشعبية. ونتعرف كذلك على آليات التواصل باستعمال نظام التضاد أونظام التعاون، وشدة الاحتكاك الجسدي والعنف المسلط عليه. كما ييسر لنا البحث التعرف على مدى تواصل القيم الاجتماعية بين الممارسين من الأطفال كإدراك طبيعة الفصل بين الجنسين، وكذلك قضية التحول الاجتماعي وآداب المراهنة في اللعب ونظرة المجتمع حول الطموح إلى الأفضل السائد بين الأطفال.
وبصورة أشمل، نتعرض في الفقرات الموالية عن الرموز والسمات الثقافية والاجتماعية التي حدثتنا عنها الألعاب والرياضات الشعبية للعينتين، على غرار : مدى تحرر المجتمع من القيم الدينية والثقافية التقليدية من جهة ومدى تمسك مجتمع جزر «قرقنة» وقرية «الجرسين» بإرثهم الثقافي من جهة ثانية.
8 – نوعية الألعاب الممارسة :
إلى ماذا تشير النتائج الموجودة في الرسم البياني عدد 3 المتعلق بأنواع الألعاب الممارسة بجزيرة قرقنة؟ ماذا نستنتج من وراء تصنيفها؟
تبرز النتائج التي يوضحها الرسم البياني 3 ما يلي :
1 - أن أكثر من نصف مدونة الألعاب هي من صنف الألعاب الجماعية الحركية بنسبة %57. وهذه النسبة تشير إلى أن مجتمع أطفال «قرقنة» يميل إلى الألعاب التي تتسم بالتواصل والتفاعلات الحركية بين اللاعبين، على غرار ما يحدث يوميا لدى السكان الذين يتشبثون بالتواصل والتعاون قصد المحافظة على وحدة النسب والتغلب على صعوبات الحياة بالجزيرة.
2 – أن 43% من ألعاب الأطفال تمارس بدون تفاعل حركي مما يشير إلى أن الأطفال يمارسون العديد من الألعاب الفردية التي تعتمد على القدرات البدنية والفكرية للفرد الواحد. وقد يلعب هدا النوع من النشاط اللعبي التقليدي بشكل إلى تطوير المهارات وإعطاء المزيد من الثقة بالنفس وتوظيفها مستقبلا أثناء العمل الفلاحي البري والبحري الذي يتطلب الكثير من الجهد.
9 - قواعد اللعب :
تشير نتائج المسح الميداني أن 79% من ألعاب الأطفال تعتمد على القوانين دون أن تلتزم بالحدود الزمنية، وأن 31% من هذه الألعاب تخلومن القوانين المضبوطة. ويمكن القول إذن إن ألعاب الأطفال التراثية «بقرقنة» لا تمنح أي اعتبار للساعة الآلية.
ومن زاوية اجتماعية أخرى تبرز لعبة «لندرو» المصنفة كلعبة درامية مقننة، والتي تمارس داخل مياه البحر العميقة، كيف يتدرب أطفال الأرخبيل على الصيد بالكركارة بطرق غير شرعية، من خلال مغالطة حراس الشواطئ، ومراوغة أساليب الحراسة، انطلاقا من تقليد نماذج سلوكيات بعض أوليائهم من الصيادين. فاللعبة المذكورة هنا ترسم لنا صورة حية واقعية لما يجري في الحياة اليومية لمجتمع الجزيرة.
10 - المشاركون في اللعب
تمثل نسبة مشاركة الكهول في الألعاب 14 % من مجموع الألعاب الرياضية التراثية بأرخبيل «قرقنة». وتمثل الألعاب التي يشارك فيها كل من الأطفال والكهول 40%، بينما تمثل الألعاب الخاصة بالأطفال 46%. ماذا نستنتج من وراء هذه النسب؟
- ليس للمراهقين بأرخبيل قرقنة ألعاب خاصة بهم. فهم يشاركون في اللعب مع الكهول بنسبة 7 %، أومع الأطفال الأصغر منهم سنا بنسبة 16 % أومع الاثنين بنسبة 17 %. هنا، يمتثل الطفل والمراهق والكهل لنفس قواعد اللعبة. إذن، تكشف لنا الألعاب عن أحد مظاهر الحياة اليومية الحقيقية لمجتمع الأرخبيل، والمتمثلة في الاندماج الجماعي بين مختلف الشرائح العمرية للسكان وبصفة أهم قيمة التواصل بين الأجيال كما يوضحه الرسم البياني 4 :
11– أوقات اللعب :
تشير النتائج التي تحصلنا عليها من خلال تحليل المنطق الداخلي للألعاب والرياضات التقليدية للطفل أن مؤشر أوقات ممارسة اللعب لا يخضع إلى رزنامة زمنية مقننة. بل إن رزنامة الألعاب الشعبية التراثية تخضع إلى منظومة زمنية تتأثر بعديد العوامل منها الاجتماعية والدينية والبيئية والمناخية تحدد لهم اليوم والساعة وفضاء اللعب، نعرضها كالتالي :
- الأحداث الاجتماعية، كأفراح الزواج، والاحتفالات الوطنية، والمهرجانات الثقافية والتنشيطية الرسمية (مهرجان عروس البحر ومهرجان القرنيط بأرخبيل قرقنة). والخروج إلى الغابة للعمل الفلاحي بنوعيه البري والبحري (باللغة الشعبية «السرحة» في الغابة والبحر). واللعب أثناء العطل الرسمية الوطنية، وقبل أوبعد الدخول إلى المدرسة الإبتدائية أوالثانوية.
- أحداث دينية، كشهر رمضان المعظم (قبل آذان الإفطار وبعده) أوالأعياد الدينية (عيد الفطر وعيد الإضحى، وغيرها من المناسبات ذات الطابع الديني مثل عاشوراء)
- التغيرات البيئية، وهي تتمثل في حركة تغير مناخ الفصول الأربعة، وما يتبعها من تحولات بيئية وفلكية، كحركة مد وجزر للبحر وتغير شدة حرارة الشمس والجفاف نظرا لانقطاع نزول الأمطار بالأرخبيل، أوبعد نزولها.
ما يمكن استنتاجه، بعد تنزيل المنطق الداخلي للألعاب المدروسة ضمن المنطق الداخلي للمجتمع «القرقني» الذي ترعرعت داخله، أن رزنامة أوقات الألعاب الشعبية لأطفال أرخبيل «قرقنة»، تتسم بالحركة وغير ثابتة وهي بالإضافة إلى ذلك لا تتطابق مع خصوصيات الرزنامة الزمنية الآلية للبطولات الرياضية التنافسية العصرية. مما يدل على أن الألعاب هي ممارسات مناسباتية مرتبطة بأحداث متعددة ومتنوعة. كما حدثتنا ألعاب أطفال الأرخبيل القرقني أنه لا توجد لدى هذه الشريحة من المجتمع «القرقني» حدود تفصلها بين كل من المظاهر الطقوسية في الحياة اليومية والإحساس بالحاجة إلى اللعب والترفيه الاجتماعي.
12 - التــحكـــــيم في اللعب
بينت نتائج البحث حسب الرسم البياني5 أن سكان أرخبيل «قرقنة» يستعملون نظامين أساسيين من التحكيم خلال اللعب وهي على التوالي :
– ألعاب يسيرها حكم واحد، يتسم بكبر السن أوصفة النزاهة أوقوة الجسد، شريطة أن لا ينتمي إلى أي فريق، ويجمع المشاركون أنه يتمتع بالقدرة على التسيير.
– ألعاب تتسم بالتحكيم والتقييم الذاتي. وهي صفة مشتركة بين مختلف الشرائح العمرية. ويعتمد خلالها الممارسون على إمكانياتهم الذاتية لتركيز نظام اللعب، وتفسير وتأويل وتطبيق قواعده بصورة يتفق عليها جميع المشاركين.
3 – كلما تقدم اللاعبون في السن، ضعفت نسبة استعمال التحكيم الذاتي، وضعفت إمكانية اللجوء إلى الحوار بين اللاعبين.
– تمكن اللاعبون عن طريق اللعب، من إعادة إنتاج سمة ثقافية حقيقية في مجال التحكيم بين الأفراد. ففي الحياة اليومية للمجتمع القرقني مثلا، نلاحظ أثر انعدام فرص الصلح بالحسنى. فعادة ما يلتجئ الكهول إلى المحاكم والقضاء لفصل النزاعات التي تحصل بينهم حول ملكية الأرض أوالبحر أوقضايا اجتماعية مختلفة.
ويمكن القول من خلال النتائج التي يبرزها الرسم البياني 3 المتعلق بالتحكيم، أن الرياضة التراثية للطفل التونسي مكنتنا من الإطلاع على جوانب ثقافية متنوعة تخص الحياة اليومية للمجتمع «القرقني».
13 - مؤشر التفاعل الحركي بين الممارسين
على ماذا تحدثنا الألعاب والرياضات الشعبية بالنسبة للتواصل الحركي بين الممارسين؟
إنّ التفاعل عنصر أساسي لدراسة الجماعة الصغيرة. فمن خلاله نتبين مدى حيوية هذه الجماعة أوجمودها، كما تبرز لنا صورة مصغرة عن أشكال التواصل بين أعضائها. ويتيح هذا المفهوم فرصة التعرّف على إيجابية بعض الأعضاء في خلق ديناميكية داخل الجماعة وكذلك سلبيّة البعض الآخر.
«التفاعل هو قبل كل شيء تبادل بين أعضاء الجماعة أو بين عضو وباقي الجماعة»(16). ويتّخذ كورت لوين Kurt lewine التفاعل بين الأفراد داخل الجماعة كشرط أساسي للحديث عن الجماعة الأولية الصغيرة وهويري :«أنّ التشابه بين الأعضاء قد يكون صالحا وإذا كان التشابه المقصود هوتشابه الاتجاهات أوالهدف وقد يوجد هذا التشابه مرتبطا بالتفاعل المتبادل بين الأشخاص المشتركين أوقد لا يكون سببا له»(17).
فالجماعة الأولية تعني إجمالا عددا من الأشخاص متواجدين في مكان محدد يشاركون ويتساءلون ويتفاعلون وجها لوجه لبلوغ هدف مشترك بينهم. لذلك، يطلق على مجموع الخطابات المتبادلة بين الأعضاء تفاعلا. فالردّ (أ) مثلا من موقعه كباثّ ينتج أفعالا تثير الفرد (ب) من موقعه كمتقبل لإنتاج ردود أفعال يتلقاها الفرد (أ) بدوره. «ويقع التفاعل عندما يؤثر طرف فاعل، وليكن (أ)، على طرف منفعل، وليكن (ب)، والعكس». فيتحوّل الطرف المنفعل في عمليّة التفاعل إلى منبه فاعل، والطرف الفاعل إلى منفعل ويسمح هذا التفاعل داخل المجموعة بالتعرّف على آراء أفرادها، وتحقيق تفاعلها.
إنّ السمة البارزة في الجماعة الأولية تتمثل في تفاعل أفرادها وجها لوجه. وهي من أهم عوامل ومؤشرات نمّوونضج الجماعة. فلا يمكن الحديث عن تفاعل عناصر الجماعة بما أن كل سلوك قائم بين الأعضاء، لفظي كان أوغير لفظي، يقوم على التفاعل الذي يتم بالتنافر أوالتعاطف في علاقات الأفراد بعضهم ببعض. ويمكن اعتبار اللعب الدرامي بمقتضى ذلك مجالا واسعا للتفاعل. فهونشاط دراميّ يحرّك في الشخص اللاعب الطاقة الكامنة للتعبير عن جملة أحاسيسه وانفعالاته، والتي لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن يعبّر عنها إلا بوجود الآخر فردا كان أو مجموعة بإثارته لفعل ذلك. ولعلّ تماهي الشخص مع الشخصية التي يتقمصها أثناء اللعب يمكنه من التعبير عمّا يخالجه، فيعكس ذلك تفاعله من خلال مشاركة الأعضاء في إنجاز العمل أوالنشاط المقترح.
إن دراسة المنطق الداخلي لرياضة الطفل التراثية بأرخبيل «قرقنة» قد مكنتنا من التعرف على نمطين إثنين من التفاعلات السلوكية الجسدية بين الأطفال : (تفاعل حركي بواسطة الأدوات، وتفاعل حركي عن طريق الاحتكاك الجسدي).
وقد أبرز الرسم البياني 6 المتعلق بمتغير التفاعل بين الأفراد أن عدد الألعاب التي تتسم بقيمة التعاون أكثر بقليل من الألعاب التي تتسم بقيمة التضاد، حيث سجلت المجموعة الأولى حول صفة التعاون 92 لعبة، والمجموعة الثانية حول صفة التضاد 81 لعبة.
كما بين الرسم 4 أن نسبة الألعاب ذات الطابع التعاوني عن طريق الاحتكاك الجسدي تمثل 38 وهي أكبر من نسبة الألعاب التي تتسم بالتضاد عن طريق الاحتكاك الجسدي 19 %.
هذا، وقد سجلت ألعاب التعاون باستعمال الأدوات نسبة متقدمة 47 % على ألعاب التضاد بالأدوات 38 %:
وفي دراستنا لمؤشر التفاعل من خلال صنف الألعاب الدرامية التراثية لأطفال قرية «الجرسين»، ببوابة الصحراء لمدينة قبلي من جنوب الجمهورية التونسية، والذين تراوحت أعمارهم بين 6 و12 سنة، تبين لنا من خلال الجدول 1 والرسم البياني الموالي عدد 7 أن الألعاب الدرامية داخل الموروث الشعبي، ساهمت في إبراز آليات تجسيم ديناميكية الجماعة، وذلك انطلاقا من السلوكيات الآتي ذكرها :
الجدول 1: تجليات اختلاف مؤشر التفاعل حسب جملة من السلوكيات
التفاعل | ||||
يتعاون % | يتبادل الأدوار % | لا يتعاون % | يشاغب % | |
«الصيد واللبة» | 83.33 | 35.33 | 16.66 | 16.66 |
«أمي عيشة» | 77.77 | 55.55 | 22.22 | 71.42 |
«العروسة» | 80 | 80 | 20 | 20 |
«جلاد وسلطان» | 50 | 60 | 75 | 50 |
السداية | 83.33 | 50 | 16.66 | 33.33 |
دويرات | 50 | 100 | 50 | 50 |
سيدي السلطان | 60 | 60 | 40 | 20 |
المرا وأولادها | 75 | 50 | 25 | 50 |
حوايج داري | 66.66 | 100 | 33.33 | 66.66 |
عروسة العودان | 60 | 80 | 40 | 40 |
قصر شكون | 60 | 60 | 40 | 40 |
القائد والجنود | 66.66 | 33.33 | 16.66 | 16.66 |
بدل يا قائد | 50 | 83.33 | 50 | 50 |
الحمامة وفراخها | 25 | 50 | 75 | 25 |
فارس مغوار | 75 | 100 | 25 | 50 |
الصياد والأرانب | 87.5 | 75 | 12.5 | 62.5 |
غميّض غزال | 57.14 | 85.71 | 42.85 | 66.66 |
الحانوت | 66.66 | 66.66 | 33.33 | 33.33 |
سرسوت نمال | 71.42 | 71.42 | 42.87 | 28.57 |
الجنادة / العراسة | 70 | 50 | 30 | 60 |
المعدل | 66.6 | 67.31 | 35.35 | 42.53 |
وحتّى يتسنى لنا الحديث عن التفاعل وإبراز مدى مساهمته في تحقيق ديناميكية الجماعة، كان لا بدّ من الأخذ بعين الاعتبار جملة من ردود الأفعال التي تصدر عن أفراد الجماعة خلال ممارستهم للعب. من هنا تتضح لنا بوادر البحث التي سنقوم بها انطلاقا من التطرّق لعنصر التفاعل، الذي يفترض حضور جملة من السلوكيات والمواقف تنطلق من مجموعة الأطفال، ويتمّ رصدها وملاحظتها خلال مباشرتهم للعب الدرامي.
ومن خلال الجدول 1 والرسم البياني عدد،7 نلاحظ درجة التعاون التي تحضر بنسبة 66.6 %. وهي درجة إيجابية تعكس عملية الأخذ والعطاء بين مجموعة الأطفال، وسعيها إلى التعاون حتى يتحقق التفاعل بينهم كهدف أساسي المراد منه الوصول إليه عبر الممارسة الفعلية لمختلف الأنشطة المقترحة. إلى جانب ذلك نجد في ذلك، صدى لدى الأطفال عند تبادل الأفكار والآراء، فيتعلمون من بعضهم البعض، ويكتسب كل فرد منهم من الآخر المعلومات والأفكار، وأحيانا يصحّحون لبعضهم البعض. فعلى سبيل المثال، عندما يخطئ الطفل في تقليد أحد الحيوانات، أوتجسيد موقف معين، يقوم طفل آخر بتصحيح خطئه هذا.
وهكذا، تمكن الأطفال من التعلم عبر بعضهم البعض، حتى إنّه في كثير من الأحيان يتعاون الأفراد في القيام بأدوار مهمّة تعكس قدرة استيعابهم لمعايير السلوك الاجتماعي. فالدور يمثّل في هذه الحالة حلقة وسيطة بين الطفل وقواعد السلوك، والتي يستند مضمونها في اللعب لا فقط على علاقات الطفل بالمحيطين به، بقدر ما يستند أيضا إلى العلاقات المتبادلة بين هؤلاء الأشخاص. وتكمن وراء هذه العلاقات معايير معيّنة يبدأ الطفل في إدراكها من خلال لعبه مع الآخر يمارسها ويعيشها لتصبح جزءا من ذاته.
وفي لعبة «الصياد والأرانب» بالجرسين ، يتعاون الأفراد بعضهم مع بعض، ويتضامنون في سبيل تحقيق الانتصار على الطرف الآخر. وهذا التفاعل بين الطرفين يشكل معايير هامة ترتكز حول قيمة الشرف والتعاون والشجاعة. وقد بلغ عدد تكرار هذه القيمة 7 مرات، أي بنسبة 87.5 %، وتجسدها الصورة التالية:
في هذه اللعبة (الصياد والأرانب)، نجد الطفل مدفوعا إلى الانتماء الجماعي وإلى الوحدة والتكتّل مع الآخرين، حتّى يتسنى له الفوز على الصيّاد الذي يحاول في كل مرة أن يلمس أحد الأطفال (الأرانب) بالكرة التي يحملها، بينما يحاول الأطفال من جهتهم الإطاحة به من خلال تعاونهم الجماعي، والدفاع عن بعضهم البعض، خاصّة لمن تظهر عليه علامات الضعف والتراجع في بذل المجهود. وحين يتمكّن الصيّاد من أحدهم، تنقلب الأدوار، فيصبح الصيّاد أرنبا، والأرنب المهزوم الذي وقع ضربه بالكرة صيّادا. وهذا، من شأنه أن يدعم أهمية هذا الصنف من الألعاب كفرصة تمكّن الطفل من التفاعل والتقارب مع الآخر وبين شرائح اجتماعية مختلفة تضمن التواصل الاجتماعي القائم على التضامن وروح التآزر.
أما إذا نزّلت لعبة « الصيّاد والأرانب» في إطار الموروث الشعبي، فإنها تكشف لنا عن أهمية الصيد كممارسة معروفة ومتداولة في هذه البيئة، حيث تمثّل وسيلة ارتزاق مارسها الإنسان منذ أقدم العصور لتوفير مصدر عيشه، ثم أصبحت شيئا فشيئا أداة ترفيه تحاول إخراج الإنسان من رتابة الحياة اليوميّة.
إنّ هذا النشاط يعبّر في جانب منه عن التعاون الجماعي الذي يعكس فاعلية التفاعل الحتميّة في تحقيق ديناميكية جماعية مؤثّرة داخل الإطار الذي تنتمي إليه.
ومن الألعاب الأخرى التي تمثّل صورة حيّة لقيمة التعاون هي لعبة « السّداية» بقرية الجرسين، وعدد تكراراتها5 أي بنسبة 83.33 %. وهي نسبة هامّة تمكّن الطفل من تعلّم السلوك الاجتماعي المقبول من خلال اتصالاته وروابطه بالآخرين. وفي هذه اللعبة تحاكي الفتيات لعبة «المنسج»، حيث يقمن بصنع آلة نسيج « سدايّة « ثم يجلبن خيوطا من الصوف الملوّن، يحاولن نسج شيء ما قد شاهدن أمهاتهن تصنعنه. وهكذا، يتجلى التفاوت بين الفتيات سواء في تبادل الأدوات، أوفي مسامرة بعضهنّ البعض، فتتعالى الأصوات ويتواصل الحديث بينهنّ ساعات طوال، وهنّ يرفهن عن أنفسهنّ من خلال إضافة أجواء تبعث على الارتياح، وتشجع على التعبير بكل أريحية عما يخالجهنّ من آراء وانطباعات مختلفة.
إنّ اللعب هنا نشاط تلقائي، وحقيقة يعيشها الطفل بمزجه بين الخيال والواقع، وتقليده للآخرين وتجسيد مواقفهم، فتظل آثار خبراته في اللعب حية ومتواصلة أكثر من آثار الحياة الواقعية التي لم يستطع بعد أن يدخلها ويستوعبها لصعوبة ظواهرها وعلاقاتها. ثم إن اللعب وبالإضافة إلى ما تقدّمه من معطيات حول الحياة التي تعيشها الفتاة في البيئة الشعبية، فإنها تمكن الفتاة من التدرب على حذق مبادئ «السداية» الأساسية، ومعرفة مكوناتها وكيفية التعامل معها. ففيها يعيش الطفل خبرة نمّوه، ومنها يحمل ركائز الإبداع وتبادل الأدوار.
إنّ مشاركة الآخرين ومقاسمة خبرات اللعب الدرامي وأدواره والتزاماته دليل قاطع على أهمية التعاون الذي من شأنه أن يدرّب الطفل على مهارات الأخذ والعطاء ويكسبه مكانة مقبولة وسط جماعة رفاقه.
ولعل جملة الإحصائيات الكمية التي تم التطرق إليها تؤكد الحضور الإيجابي لقيمة التعاون في مجمل الألعاب التي تمّ تجميعها وتدوينها في عدد من المذكرات الفنية. إن هذه القيمة تتجلى بصفة أشد ووضوح أكثر ارتفاعا من خلال جملة هذه الألعاب (الصياد والأرانب، السدّاية، العروسة، التي وقع تحليلها وفق درجة التعاون وقد بلغت 83.61 %. وانطلاقا من هذا النموذج، يمكن تعميم هذه النتائج التي تمّ التوصّل إليها على كافة الألعاب الدرامية الشعبية الأخرى كمقياس دالّ على ارتفاع قيمة التعاون فيها. وهذا ما سيدعّمه الرسم البياني7.
بعد هذا الاستنطاق للمعطيات الموجودة في شبكة الملاحظة، تبين لنا أن التفاعل حاصل فعلا. وقد كان هذا التفاعل بنسب متفاوتة عبر تعدد الألعاب واختلاف الأنماط السلوكية التي تمتّ ملاحظتها وتحليلها خلال ممارسة اللعب، وكشفت عن وجود مستويين اثنين من التفاعل وهوما يبرزه الجدول 2 .
يمكن من خلال الجدول 2 استنتاج أنّ جلّ صنف الألعاب الدرامية الشعبية هي في أغلبها ألعاب جماعية حركية تقوم على نمطين من التفاعل يتوزعان بشكل متفاوت، حيث يمثل التفاعل الاجتماعي الحركي من صنف التعاون نسبة مرتفعة تقدر بـ 66.95 % وهوما يتجلى من خلال فعلي «يتعاون ويتبادل الأدوار»، مقابل 38.94 % بالنسبة إلى التفاعل الاجتماعي من صنف التضاد. وهويتمثّل في ألا تعاون وظاهرة الشغب التي يحدثها أفراد الجماعة الصغرى فيما بينهم. ولعل في تنوع التفاعل من صنف التعاون-التضاد خير دليل على حيوية المجموعة وديناميكيتها المتواصلة، حتى بعد الانتهاء من ممارسة الألعاب. وهوما من شأنه أن يؤكّد على أن شخصية الطفل تتكوّن وتتشكّل من هذا التفاعل الذي يساهم في تحقيق ديناميكية الجماعة. فكل السمات والقدرات والأنماط السلوكية تتشكل من الأنشطة التي يندمج فيها الطفل وهويتأثّر بجماعة رفاقه ويكون تفاعله معهم قويا يتراوح بين التعاون والتصادم، فيشعر الطفل بعضويته داخل المجموعة وبأهمية تأثيره فيها، ويصبح قادرا على التواجد في أي مكان وذلك حسب الأنشطة المتنوعة والأدوار المتعددة التي يقوم بها.
ويتعلم الطفل المهارات اللازمة لشؤون حياته، ويحسن التصرف في المواقف التي يمكن أن تعترضه خلال تفاعله مع مؤثرات محيطه ومجتمعه. ويستقي من ذلك جملة من المعايير الخلقية والقيم ثم يتبناها ويتصرف وفق ما تمليه عليه هذه القواعد. كما يتعوّد على ضبط انفعالاته والتحكم في نفسه، خاصة وأنّه يعيش في مجموعة لها قواعد لا بد أن يسير وفقها حتى تتسع دائرة علاقاته وتجعله فردا مقبولا وفاعلا في إطار جماعته.
وماذا عن الخشونة والعنف كمظهر ثقافي، يشير إلى نمط من التفاعل الحركي خلال اللعب؟
من خلال الاستنتاجات التي وضحت على الرسم البياني 9 المتعلق باستعمال العنف والخشونة في اللعب، يمكن الجزم بأن المنطق الداخلي للألعاب الرياضية التراثية للطفل «القرقني» كشفت لنا عن مجموعة من العادات والتقاليد الإيجابية والسلبية لمجتمع الجزيرة. ونحن نرى بأن هذه الألعاب عبارة عن صورة مصغرة عكست لنا بعض الأحداث والفعاليات الاجتماعية لسكان الأرخبيل على غرار قيمة التواصل بين الجنسين في اللعب. فكيف هوالحال عن مؤشر آداب فصل الذكر عن الأنثى ؟
14 - آداب فصل الذكر عن الأنثى
لم يشر الدين الإسلامي إلى وجوب الاختلاط بين الذكور والإناث من البشر، بل جاء في العديد من مواقفه محجرا للتواصل بينهما خارج حدود أفراد العائلة. فمنع المرأة من الخروج دون استئذان زوجها وحدد آداب لباسها ومشيها على الأرض وحركة بصرها لتبقي زينتها مستورة، مثلما صور القرآن ذلك في سورة النور «وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها»(18).
في هذا السياق ، تمكن ابن حزم، بفضل خبرته في العشق، من تحليل ما جاء في هذه الآية من أبعاد نفسية وجنسية وتواصلية بين المرأة والرجل، فقد قال “ فلولا علم الله عز وجل برقة أغماضهن في السعي لإيصال حبهن إلى القلوب، ولطف كيدهن في التحيل لاستجلاب الهوى، لما كشف الله عن هذا المعنى البعيد الغامض الذي ليس وراءه مرمى، وهذا حد التعرض فكيف بها دونه”(19).
وفي ما يتعلق بمشاركة الإناث في الألعاب الشعبية، يمكن القول إنها محدودة لاعتبارات دينية وأخلاقية. فبالإضافة إلى الضغوطات التي حددها الدين الإسلامي لستر عورتها وغض النظر والاحتشام، جاءت قضية المحافظة على بكارتها عائقا آخر للحركية الجسدية الأنثوية، حيث يمنعها هذا المبدأ الأخلاقي والطقوسي من ممارسة عدة تقنيات جسدية غير محجرة على الذكور.
أما أبوحامد الغزالي فقد تحرى من الاختلاط رغم مظاهر البراءة وحسن المعاملة وتحلي الإناث والذكور بآداب التواصل الحركي واللفظي، متوقعا – من خلال سلوكيات المداعبة والمزاج والملاعبة “حدوث الأذى”(20).
على امتداد محاولاتنا المتواصلة للاطلاع على التراث العربي الإسلامي، لم نعثر في هذا التراث على أي معلومة تبرز أهمية تدريب الإناث على المهارات الحركية والألعاب الرياضية. وهوما يفسر الحدود الدينية التي ضبطت النشاط الجسدي للمرأة خارج البيت، باستثناء سن طفولة الفتاة(21).
أما في ما يتعلق بالعلاقة التواصلية بين الجنسين خلال اللعب، فإننا لم نلاحظ طوال أنساق الألعاب مؤشرا من مؤشرات الفصل بينهما، بل كانت ألعاب الإناث بكل من “قرقنة” و“الجرسين” عبارة عن حقل عملي للتدرب على الروح الجماعية والتعاون. وهوما ساعد – حسب تقديرنا – على عدم حصول نتائج سلبية، على غرار النتائج التي يخلفها التطرف في قضية الفصل بين الجنسين، خاصة السلوكات المنحرفة للذكور من الشباب والرجال تجاه الغلمان الذين لم يدركوا الرجولة بعد.
وعلى إثر الملاحظات الميدانية المكثفة بجزر «قرقنة» حول قضية الاختلاط بين الجنسين أثناء اللعب، اتضح لنا أنه لتفادي التحام مساحات كبيرة من أجسام الذكور مع أعضاء الإناث استنبط الممارسون نظاما معينا في اللعب، يتمثل في توزيع بعض الأدوار المحددة على الإناث دون الذكور أوالعكس(22). كما ساهمت الأمهات في لعبة «قبقاب رمان» في مساعدة الأطفال من الجنسين على تنظيم صفوفهم في كيفية الاصطفاف والجلوس على الأرض، مفضلة بذلك أن تجلس الفتيات خلف القائدة في مقدمة المجموعة الواحدة وراء الأخرى بالتربع، ثم يجلس الذكور الواحد وراء الآخر بفتح الأرجل خلف بقية الفتيات مشكلين جميعا قاطرة واحدة. بهذا التدخل ساهمت الأمهات في ترسيخ كيفية اللعب الجماعي بين الإناث والذكور، دون الفصل بينهما فصلا قطعيا يمنعهم من التواصل والتعبير بصورة تلقائية. وبذلك، وضعت الأمهات الحدود المثلى للاختلاط بين الجنسين في هذه اللعبة بالذات.
ولتجاوز قضية «البكارة» لدى الإناث، تمكنت الممارسات في لعبة «حليلة عظام» من تكييف سلوكهن الحركي دون الإخلال بقواعد اللعب. ففي هذه اللعبة مثلا، لا يمكن للفتاة في «قرقنة» الارتكاز على رجل واحدة ورفع الثانية عاليا بجانب الجدار مثل الذكور لسببين اثنين: عدم الكشف عن عورتها والخوف من افتقاد بكارتها. لذلك، فهي تخير وضع يدها على الجدار عوضا عن الرجل. وفي هذا السياق، وتدعيما لما استنتجناه حول البكارة، تستعمل الفتاة القرقنية تقنية مغايرة لطريقة الذكور في ركوب الدواب. فهي تركب الحمير بجعل الرجلين مضمومتين في جانب واحد. بينما يركب الذكور بفتح الرجلين. كما لاحظنا هذا التكيف الحركي أثناء لعبة «قبقاب رمان»، حيث جلست الإناث بضم الأرجل لبعضها والارتكاز عليها أوالتربع حسب السنة النبوية.
بالإضافة إلى ذلك، تتعرض الفتاة العربية المسلمة بأرخبيل قرقنة إلى قيود اجتماعية أخرى تمنعها من التعبير التلقائي، والتجاوب مع قوانين الألعاب والمشاركة الجسدية بشكل أوسع. فهي مراقبة بشكل فعلي من قبل كامل أفراد العائلة، بل من المجتمع «القرقني» بشكل أوسع، خوفا عليها من الوقوع في الخطيئة، وجلب العار إليهم كما يقول المثل العامي التونسي «العار أطول من الأعمار».
15 - الطموح إلى الأفضل
بالتوازي مع تمسك الفتاة «القرقنية» بالقيم الأخلاقية والاجتماعية السائدة بين أفراد الأرخبيل تحدثنا الألعاب التراثية عن مدى التحول الاجتماعي والطموح إلى الأفضل الذي تسعى إليه فتيات «قرقنة»، فقد تمكنا، من خلال ملاحظة سلوكهن خلال اللعب، من إدراك رغبة هذه الشريحة من المجتمع في تغيير واقعها، وتحسين ظروف عيشها باستمرار. لقد مكنتنا لعبة « النط بالحبل » مثلا من الاطلاع على طموحات الأطفال من الفتيات والفتيان لبناء أسرة تتمتع بظروف سكن لائقة، ودخل عائلي يمكنها من اكتساب سيارة وتلفزة وثلاجة، مع تجاوز صعوبات الحياة التي صاحبت أولياءهم بالأرخبيل من قبل فترة الاستعمار وبعد الاستقلال بعدة سنوات. ومن خلال هذه اللعبة، وغيرها من الألعاب، تم التعرف على رغبة جيل المستقبل من الإناث، والمتمثلة في الابتعاد عن خدمة الأرض وكل أعمال الفلاحة وما يتبعها من تقاليد وتقنيات أسلوب الاكتفاء الذاتي العائلي التقليدي السائد بين السكان.
بالإضافة إلى ذلك، تبدوالفلاحة البحرية مهددة بالتقلص، لأن الفتيات عبرن، خلال اللعب، عن رغبتهن في التزوج بأصحاب الرواتب القارة والمضمونة، في مرتبة أولى، مثل الطبيب والمهندس ومدير المؤسسة، وفي مرتبة ثانية بأصحاب الأجر اليومي كالبحار والبناء والعامل البسيط وذلك مسايرة لتطور العصر.
وقد برزت سمة التحول الاجتماعي عندما عبرت الفتاة بالصوت والحركة خلال لعبة النط بالحبل عن مشاركتها في اختيار الزوج وتحديد مواصفاته ( من اسم الخطيب، طول قامته، لون عينيه، وحتى عدد شعر رأسه)، وكذلك رغبتها في تحديد النسل لإنجاب أقل ما يمكن من الأطفال (بين 3 و4 أفراد ) تماشيا مع التوجه الجديد لتحقيق سعادة الأسرة وحياة أفضل، مبتعدة بذلك تدريجيا عن نظام الأسرة التقليدية كثيرة العدد.
16 - آداب المراهنة في اللعب:
يعتبر الدين الإسلامي كلا من الخمر والقمار رجسا من أعمال الشياطين لأنها تؤدي إلى الشرور والفساد حيث قرن تحريمها بتحريم عبادة الأوثان في قوله تعالى # يا ايها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر (القمار) والأنصاب (الأصنام) والأزلام(23) رجس من عمل الشياطين فاجتنبوه(24) لعلكم تفلحون. إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون(25).
رغم تحجير الدين الإسلامي لمثل هذه السلوكات، لم يبال البعض من مجتمع الأرخبيل القرقني بهدا المنع فظهرت حياتهم اليومية مليئة بألعاب القمار الشعبية ومن بينها نجد لعبة الطرش ولعبة الحفرة ولعبة كيكس ولعبة دق شبر ولعبة نقد بلح مع العلم أن كبار السن يراهنون بالقطع النقدية التونسية المستعملة الحاليا، بينما يعوضها الأطفال من الذكور بأدوات مشابهة في الشكل لكنها بأقل قيمة مادية مثل النقود التونسية القديمة التي أستعملت في عهد البايات والحماية الفرنسية مثل قطعة نقدية بقيمة 5 فرنكات(26) و(الصوردي المنقوب) أوأغطية معدنية لقوارير المشروبات الغازية.
تختم هده الألعاب في أغلب المناسبات بشجار بين المنهزمين والمنتصرين ويتطور الشجار في الكثير من الأحيان إلى عنف لفظي وجسدي بتبادل اللكمات والضرب الموجع .
17 - الخاتمة:
على ضوء الأمثلة التي تعرضنا إليها سابقا، يمكن القول إن الألعاب التراثية لمجتمع الأرخبيل ومجتمع قرية «الجرسين»، باعتبارهما مجتمعين ريفيين محدودي الدخل، بالمقارنة مع ما لاحظناه بين مجتمع الأغنياء والمثقفين في المدن التونسية، هي بمثابة الوسيط، النشط والمتجدد، لنقل بعض مكونات الثقافة الشعبية.
إن الألعاب والرياضات التقليدية لدى الطفل التونسي من وجهة سسيولوجية، هي إنتاج ثقافي يهدف إلى إعداد الطفل للتأقلم مع خصوصيات الحياة بالبيئة الاجتماعية للأرخبيل. وقد نقلت لنا الألعاب الرياضية التراثية بكل من «قرقنة» و»الجرسين» على سبيل المثال صورا حقيقية للتوجه التربوي في زمن تاريخي وفضاء جغرافي محدد لطبيعة التواصل التي يسهر المجتمع على تجسيمه بين الإناث والذكور. وبذلك، تأخذ اللعبة وظيفة تعليمية لإيناس الجنسين على أسلوب الاختلاط، طبقا للقيم والعادات السائدة بين المجتمع.
كما صورت لنا الأمثلة المذكورة سابقا نسق التحولات الاجتماعية، الذي تميز تارة بالمحافظة على القيم وممارسة المبادئ الأخلاقية الدينية والاجتماعية بشكلها الظاهري والخفي، وطورا ثانيا، بتجاوز المجتمع لهذه الحدود من زاوية فكرة التحرر من العادات والتقاليد لمسايرة المعايير الأخلاقية الجديدة التي اقتحمت أنسجتنا الثقافية بأساليب متعددة.
إن جميع الأمثلة التي تم التعرض إليها في هذه الورقة توضح مدى الترابط الوثيق بين الممارسة اللعبية والمعطيات الثقافية والحضارية للمجتمع، حيث تكون الألعاب بمثابة المرآة العاكسة لثقافة أفراد الشعب. وهوما يجعل دراسته ممكنة ومتأكدة من خلال ألعابه. ونكون بهذا قادرين على تشكيل مساحات كبيرة من الصورة الأقرب إلى حقيقة الحياة اليومية للمجتمع،
هكذا اكتشفنا من خلال تحليلنا للمنطق الداخلي للألعاب الشعبية التراثية في علاقتها بالمنطق الاجتماعي أنها تمثل رؤية شعبية خاصة للكون سمتها النوعية ورغم أنها موروثة وبيد أنها تفتقد في التأصيل النظري لكونها تلقائية وبسيطة، إن من حيث أدواتها وإن من حيث قوانينها – فهي لا تستعيد التراث إستعادة آلية وإنما تظهر مكوناته في جميع المواقع بتحقيقها حاجات أساسية يحتاجها الإنسان في حياته اليومية المعاصرة. فهي من هذه الزاوية ليست تكرارا للعنصر الثقافي التراثي وإنما إعادة إنتاج له وفق مقتضيات التحديث والحداثة ، ذلك أن الشعب لا ينسج التراث وإنما يبدع جديدا لا يقطع صلته بالتراث، لا سيما وأن الإبداع الثقافي الفردي متأصل في كل ثقافة جماعية. بما يحيلنا إلى التساؤل التالي : هل يمكن القول إن الألعاب الرياضية التراثية تنتج المجتمعات، أم أن فقط، المجتمعات هي التي تنتج الألعاب؟
الهوامش
1 - محمد عابد الجابري، نحن و التراث، قراءات في تراثنا الفلسفي الطبعة الخامسة، المركز الثقافي العربي، 1986، ص. 21.
2 - أحمد أبوسعد، معجم الألعاب الشعبية اللبنانية، المؤسسة الجامعية للنشر والتوزيع، لبنان، 1983، ص6.
3 - د. سيد حامد حريز «تصنيف العادات والتقاليد الشعبية» المأثورات الشعبية. السنة الثالثة ، العدد 12 سنة 1988 ص 42.
4 - طاهر لبيب، « ثلاثة فرضيات حول الثقافة الشعبية في المجتمع العربي «، في الثقافة الشعبية، منشورات المعهد العالي للتنشيط الثقافي. تونس 1987، س7.
5 - علي يحي المنصوري، الألعاب والرياضات الشعبية في الجزيرة العربية، المأثورات الشعبية، السنة الثالثة ، العدد 2، أفريل 1987.
6 - Voir : Caillois Roger;- Les jeux et les hommes, Gallimard, Paris, 1958. (373p.)
7 - نجلاء نصير بشور، «ألعاب الأطفال وسائط لنقل الثقافة أم التغريب « المستقبل العربي، السنة 12، العدد 125، 1989، س140.
8 - PARLEBAS Pierre - Contribution à un lexique commenté en science de l’action motrice -, Editions INSEP, Paris 1987, (322 p.).
9 - هويزنق جهان، الإنسان اللاعب : محاولة حول الوظيفة الاجتماعية للعب، قليمار، باريس 1951.
JOHAN Huizinga, Homo ludens, Essai sur la fonction sociale du jeu, Ed, Gallimard, Paris 1951.
10 - أنظر; المرجع السابق
Caillois Roger Les jeux et les hommes, Gallimard, Paris, 1958.
11 - أنظر
Jean-Louis Calvet ; - Les jeux de la société, Editions Payot, Paris, 1978 .
12 - د. عزالدين بوزيد ، تحليل الألعاب الرياضية للأطفال والكهول لفترتين من تاريخ تونس : الفترة الرومانية والعصر الحالي، أطروحة الدكتوراه، جامعة الصربون، الجزء الأول والجزء الثاني، باريس 5، 2000، ص. 483.
13 - انظر كتاب
BOUZID Ezzeddine, - Histoire des activités physiques et sportives en Europe et en Tunisie, SADIM , Tunis 2008.
14 - يبعد أرخبيل «قرقنة» قرابة 18 ميلا بحريا عن مدينة صفاقس من جهة البحر، ويتحدث أهالي «قرقنة» اللغة العربية ويعتقدون الدين الإسلامي فقط.
15 - تتواجد قرية الجرسين بولاية قبلي وهي من المناطق الصحراوية للجنوب التونسي ويعتمد دخل سكانها على الفلاحة، وبالتحديد الفلاحة الواحية، نظرا لما يتميز به نخيلها من إنتاج التمور الرفيعة القيمة الغذائية.
16 - جمال الدين أسريري، المدرس والتلاميذ أية علاقة؟ دراسة تحليلية للعلاقات التربوية من خلال دينامية جماعة القسم، دار الخطابي للطباعة والنشر، الطبعة الثالثة 1991. ص 131.
17 - مليكة لويس كامل، سيكولوجية الجماعة والقيادة، الجزء الأول، الهيأة المصرية العامة للكتابة، الباب الثالث، القاهرة، 1989، 121 .
18 - سورة النور ، القرآن الكريم، آية 31.
19 - ابن حزم : طوق الحمامة، ص. 272، عن عبد الوهاب بوحديبة : الإسلام والجنس، ترجمة هالة العروي، مطبعة أطلس، القاهرة، 1987.
20 - عن أحمد خواجة : الآداب التعاملية في فكر الإمام الغزالي، الطبعة الأولى م. ج. الدراسات والنشر والتوزيع 1986، ص.ص 58-59.
21 - ثبت عن السيدة عائشة أنها قالت: سابقني رسول الله صلى الله عليه وسلم) فسبقته ثم سابقني فسبقني فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هذه بتلك‘ عن الشيخ أحمد محي الدين العجوز : مناهج الشريعة الإسلامية، الجزء الأول، مؤسسة المعارف، بيروث، بدون تحديد السنة.
22 - تجسمت هذه السلوكات خلال ممارسة ألعاب«قفز عوم وشاش على خيل والألعاب التي تمارس في البحر» كما لاحظنا تراجع اندفاع الذكور نحوالكرة أمام الإناث في لعبة كرة القدم على شواطئ البرانقة بعمادة الرملة من جزر أرخبيل «قرقنة».
23 - الأزلام : قطع رقيقة من الخشب بهيئة السهام كانوا يستقيسمون بها في الجاهلية لأجل التفاؤل أوالتشاؤم.
24 - انظر ما جاء في الهامش الرابع من كتاب (روح الدين الإسلامي) تأليف عفيف عبد الفتاح طيارة، الطبعة الثالثة والعشرين، دار العلم للملايين ، بيروت 1963، ص229.
25 - المائدة، الآية 90 - 91.
26 - الفرنك : هي العملة التي كانت تستعمل بالبلاد التونسية قبل الاستقلال (1956 ) وقبل صدور عملة الدينار الحالية
البيبليوغرافيا العربية :
- أبوسعد (أحمد)، معجم الألعاب الشعبية اللبنانية، المؤسسة الجامعية للنشر والتوزيع، لبنان، 1983.
- أسريري (جمال الدين)، المدارس والتلاميذ أيّة علاقة، دراسة تحليلية للعلاقات التربوية من خلال دينامية جماعة القسم، دار الخطابي للطباعة والنشر، الطبعة الثالثة، 1991.
- ابن حزم : طوق الحمامة، ص. 272، عن عبد الوهاب بوحديبة : الإسلام والجنس، ترجمة هالة العروي، مطبعة أطلس، القاهرة، 1987.
- ابن منظور (جمال الدين)، لسان العرب، المجلد الثالث، بيروت دار ابن منظور.
- بدوي )عبد الرحمان(، مناهج البحث العلمي، الكويت وكالة المطبوعات، 1977.
- بن ابراهيم (نوال)، دينامية التلقي لدى المخرج والممثل، مجلة الفكر الكويت، جانفي 1997.
- بوزيد (عز الدين)، والقرمازي )محمد (، بيداغوجيا اللعب، كراسات الطفولة التونسية العدد 8 و9، تونس، سبتمبر 2002،
- بوزيد (عز الدين)، ألعاب من الذاكرة التونسية، سوجيك، تونس، 2000 .
- الجموسي (الأسعد)، من أجل تعريف اللعب الدرامي والتعبير الدرامي، دراسات مسرحية، المعهد الأعلى للفن المسرحي، أعمال ندوة مسرح الطفل، نابل، ديسمبر 1986.
- الخويلدي (أمين أنور)، الرياضة والمجتمع، المجلس الوطني للثقافة والفنون، الكويت، كانون الأول، 1996.
- خواجة (أحمد): الآداب التعاملية في فكر الإمام الغزالي، الطبعة الأولى م. ج. الدراسات والنشر والتوزيع 1986.
- دسوقي (كمال)، النموالتربوي للطفل والمراهق، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت، 1979.
- د. حريز سيد (حامد) «تصنيف العادات والتقاليد الشعبية» المأثورات الشعبية. السنة الثالثة، العدد 12 سنة 1988.
- شبشوب (أحمد)، علوم التربية، مطبعة الوفاق، قربة، 1986.
- شرابي (هشام)، مقدمات لدراسة المجتمع العربي، دار الطبعة للطباعة والنشر، الطبعة الرابعة، بيروت، 1991 .
- صفوت (مختار رفيق)، أبناؤنا وصحتهم النفسية، دار العلم والثقافة، القاهرة، 2001.
- عبد الباقي (سلوى)، اللعب بين النظرية والتطبيق، مكتبة الصفحات الذهنية للنشر والتوزيع بالرياض، الطبعة الأولى، 1990.
- عبد الحميد (العناني حنان)، الدراما والمسرح في تعليم الطفل، دار الفكر للنشر والتوزيع، عمان الأردن، الطبعة 2، 1991.
- عبد الخالق (وفاء محمد كمال)، النشاط اللعبي محدد لنموشخصية طفل ما قبل المدرسة، مجلة “علم النفس” القاهرة، 1990.
- عويس (خير الدين)، اللعب وطفل ما قبل المدرسة، دار الفكر العربية، الطبعة الأولى، 1997.
- عثمان (الكعاك)، الأطفال بتونس وألعابهم، مجلة المرأة،عدد 13 (من ص16 إلى 20)- تونس
- اللبابيدي (عفاف وخلالية عبد الكريم، سيكولوجية اللعب، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الثالثة، 1997.
- محمد عابد (الجابري)، نحن والتراث، قراءة في تراثنا الفلسفي، الطبعة الخامسة، المركز الثقافي العربي، 1986.
- محمود (الذوادي)، التخلف الثقافي النفسي كمفهوم بحث في مجتمعات الوطن العربي والعالم الثالث، عن مجموعة من المؤلفين، نحوعلم اجتماع عربي، سلسلة المستقبل العربي (7)، بيروت 1989.
- محمد الحسن (أحسان)، الأسس العلمية لمناهج البحث الإجتماعي، بيروت، دار الطبعة للطبعة والنشر، الطبعة 2، 1986.
- ملص محمد (بسام)، النشاط التمثيلي لدى الطفل، الموسوعة الصغيرة 644، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، السنة غير محددة.
- مليكة لويس (كمال)، سيكولوجية الجماعات والقيادة، الجزء الأول، الهيئة المصرية العامة للكتابة، الباب الثالث، القاهرة، 1989.
- نجاحي محمد (العزيز)، البحوث والرسائل الجامعية قواعد وتقنيات، منشورات المعهد الأعلى للتنشيط الثقافي، 1990.
- السنوسي قيني (عائشة)، اللعب وأهمية في بناء شخصية الطفل، الثقافة العربية، الصادرة عن اللجنة الشعبية العامة للثقافة الجماهيرية العربية الليبية العدد 11 و12، ديسمبر 1991.
- المقدمي (توفيق)، «اللعب»، مداخلة في يوم بيداغوجي، مصلحة الشباب، دائرة الإرشاد والتفقد، دار الشباب الكاف،1977.
- نجلاء نصير (بشور)، «ألعاب الأطفال وسائط لنقل الثقافة أم التغريب « المستقبل العربي، السنة 12، العدد 125، 1989.
- لبيب ( طاهر)، « ثلاثة فرضيات حول الثقافة الشعبية في المجتمع العربي «، في الثقافة الشعبية، منشورات المعهد العالي للتنشيط الثقافي. تونس 1987.
- وثيقة جماعية من إعداد الإطارات التربوية لمؤسسات الطفولة، اللعب نشاط أساسي في مرحلة الطفولة، مواقف وأداء بيداغوجي، عدد3، 1990.
- د. وفاء كامل (عبد الخالق)، « النشاطج اللعبي محدد لنموشخصية طفل ما قبل المدرسة « مجلة علم النفس عدد 16، القاهرة، أكتوبر – نوفمبر – ديسمبر 1990.
- رجاء مصطفى (راشد)، الألعاب واللعب الشعبية في مصر، المأثورات الشعبية،، العدد التاسع 1990.
- سورة النور، آية 31.
- المنصوري يحي (علي)، الألعاب والرياضات الشعبية في الجزيرة العربية، المأثورات الشعبية، السنة الثالثة، العدد 2، أفريل 1987.
البيبليوغرافيا الفرنسية :
- Anzieu et Martin, la dynamique des groupes restreints, PUE, Paris, 1994.
- BOUZID Ezzeddine - Les jeux populaires des Iles Kerkennah -, D E A, Institut Supérieur de Sports et d’Education Physique de Sfax en collaboration avec la Faculté des sciences humaines de Sfax 1992, (156 p.).
- BOUZID Ezzeddine - Les jeux à travers la mémoire tunisienne -, Editions. S.O.G.I C, Sfax 1995, en langue arabe, (98 p.).
- BOUZID Ezzeddine, - Analyse des jeux sportifs d’enfants et d’adultes de deux périodes de l’histoire de Tunisie, thèse de Doctorat, Sorbonne Paris V, 2000.
- BOUZID Ezzeddine, - Histoire des activités physiques et sportives en Europe et en Tunisie, SADIM , Tunis 2008.
- CALVET Louis-Jean - Les jeux de la société -, Editions Payot, Paris 1978, ( 227 p.).
- CHARLES-PICARD Gilbert – ‘’L’âge d’or de la mosaïque romaine en Afrique du Nord « -, in : Dossier de l’archéologie, n° 31 novembre-décembre, Editions Soumillon, Bruxelle 1978.
- CHEBEL Malek - L’imaginaire arabo-islamique -, Editions P.U.F., Paris 1993.
- Corpus des mosaïques de Tunisie - Utique -, Volume I, fascicule 3, Editions Institut National d’Archéologie et d’art I.N.A.A., Tunis 1976.
- Dabesse Maurice, Miolaret Gaston, traité des sciences pédagogiques, T6, Paris, PUF, 1994.
- périodes de l’histoire de Tunisie, thèse de Doctorat, Sorbonne Paris V, 2000.
- Jean-Louis Calvet - Les jeux de société, Gallimard, Paris, 1978.
- JOHAN Huizinga - Homo Ludens, Essai sur la fonction du jeu, Gallimard, Paris 1951.
- LOUIS André - Les Îles Kerkennah : Etude d’Ethnographie Tunisienne et de Géographie, Institut de Belles Lettres Arabes, Tunis 1961.
- Maisonneuve Jean, La dynamique des groupes, PUF, Paris, 1973.
- MAUSS Marcel - Manuel d’ethnographie -, Editions Payot, Paris 1967, (369 p.).
- MAUSS Marcel - Sociologie et anthropologie -, Editions PUF, Paris 1991.
- MAUSS Marcel - «Les techniques du corps» -, In : Sociologie et anthropologie, pp. 363-386Editions P U F, Paris 1966.
- MEHL Jean-Michel - « Jeux, sports et divertissements au Moyen Age et à la Renaissance : rapport introductif», pp. 5-22, Editions CTHS, Paris 1993, (298 p.).
- MBODJ Gora - Place des activités ludomotrices de tradition dans l’éducation des conduites motrices à l’école élémentaire sénégalaise -, Thèse pour le Doctorat de IIIème cycle, Université Toulouse Le Mirail, 1981
- PARLEBAS Pierre - Activité physique et éducation motrice -, Dossier n°4, Editions I.N.S.E.P, 3ème Edition, Paris 1990, (175 p.).
- PARLEBAS Pierre - Contribution à un lexique commenté en science de l’action motrice -, Editions INSEP, Paris 1987, (322 p.).
- PARLEBAS Pierre - ‘»Le différenciateur sémantique» -, In : L’enquête en sciences sociales : Méthodes et techniques, pp. 7-29, Editions U.F.R. des Sciences Sociales, Paris V, 1993-1994.
- PARLEBAS Pierre - Eléments de sociologie du sport -, Editions P.U.F, Paris 1986, (277 p.).
- PARLEBAS Pierre - «L’espace sociomoteur» -, In : Revue E.P.S., Editions I.N.S.E.P., n°126, Paris, janvier 1974.
- PARLEBAS Pierre - Jeux, sports et sociétés, lexique de praxéologie motrice -, Editions INSEP, Paris 1999, (472 p.).
- PARLEBAS Pierre - Jeux d’enfants et culture ludique à la Renaissance -, non publié, Paris 1992.
- PARLEBAS Pierre - « Jeux d’enfants d’après Jacques Stella et culture ludique au XVIIème siècle « -, In : A quoi joue-t-on?, Pratiques et usages des jeux et jouets à travers les âges. Actes du festival d’histoire de Montbrison, 26 septembre au 4 octobre 1998.. pp. 321-354, Montbrison, novembre 1999.
- PARLEBAS Pierre - Psychologie sociale et théorie des jeux : étude de certains jeux sportifs, Thèse pour le doctorat d’état ès-lettres et sciences humaines, sous la direction de Monsieur le professeur Roger Daval, Université de Paris V, 1983.
- PARLEBAS Pierre - «Une éducation des conduites de décision» -, In : Revue E.P.S., n° : 103, mai 1970.
- PARLEBAS Pierre – « Le sport fait social» -, In : La recherche n° 25, pp. 858-869. juillet-août 1992.
- Roger Muchelli, la dynamique des groupes, ESF, Aubenas, Paris, 1980.
Starmant Yves, Les petits groupes, participation et communication, PUF de Montréal, les éditions, 1989.
ZANNED Traki - Symboliques corporelles et espace musulman -, Tunis Editions CERES, Tunis 1984, (156 p.)..