الطرب الينبعاوي النشأة والآلات والعناصر
العدد 63 - موسيقى وأداء حركي
مدخل:
تخيّرت الدراسة موضوع الطرب الينبعاوي، وتكمن أهمية الدراسة انتماء هذا الفن إلى التراث الشعبي؛ الذي يُميّز مجتمعا من المجتمعات، ويكشف جزءا من ثقافته، وعليه تهدف الدراسة إلى الكشف عن هذا الفن من خلال بيان النشأة، والوقوف على مكونات هذا الفنّ الطربي، وهي أهداف تسعى إلى الإجابة عن عدة تساؤلات، هي:
- أين نشأ هذا النوع من الغناء؟
- ما هي عناصر هذا النوع الغنائي؟
- ما هي الآلات المُستخدمة في هذا الفنّ؟
- من أشهر الشخصيات في هذا الفن؟
وعليه تتبنّى الدراسة المنهج الوصفي؛ سعيا منها إلى الوقوف على هذا النوع الطربي، ومن هذا المنطلق تمّ تقسيم الدراسة إلى مقدمة، وتمهيد، وثلاثة محاور، أوّلها: يتطرّق للآلات المُستخدمة في هذا النوع من الغناء، وثانيها: يقف على عناصر هذا الفن، مع نماذج للمواويل، والأدوار، وثالث المحاور: يتعرّض لأهل هذا اللون الطربي، وأماكن انتشاره.
لا شكّ في أنّ التراث الشعبي جزءٌ من ثقافة المجتمع أو ثقافة أمّة من الأمم، فالتراث الشعبي نتاج مُعبّرٌ عن شعور وعواطف وحاجات، فينتشر بين الناس، وينتقل من جيل إلى آخر1 «فيختص بـالمنجز الثقافي العام، ويشمل العادات، والتقاليد، والحكايات، والأمثال، والرقص، والغناء، فيتجلّى في هذا المنجز ملامح الفكر والثقافة؛ ممّا يكشف عن متطلبات الأفراد أو يُعبّر عن مشاعرهم»2، فـ«التّراث ليس حركة جامدة، ولكنّه حياة متجدّدة»3 ومن هذا التراث ما يُعرف بالفلكلور، وهو: «العلم الذي يتناول ذلك الجانب من الحضارة المكون من الميثولوجيا(الخرافات الأولية) والأساطير، والحكايات، والألغاز، والأغاني، والأمثال، والتمثيليات، والألعاب، والرقصات، والمعتقدات الشعبية»4، فالفلكلور جزء من التراث، والطرب الينبعاوي يُمثّل ثقافة معينة، فالطرب في اللغة يحمل المعاني التالية5:
- الفَرَح والـحُزْنُ.
- خفة تَعْتَري عند شدَّة الفَرَح أَو الـحُزن والهمّ.
- حلول الفَرَح وذهابُ الـحُزن.
- الحركة.
- الشَّوقُ.
- طَرَّب: تَغَنَّى.
- طَرَّب فلانٌ في غِنائِه تَطْريبا: إِذا رَجَّع صوتَه وزيَّنَه.
- التَّطْريب في الصوت: مَدُّه وتَحْسينُه.
يتبيّن أنّ مفردة الطرب؛ تتعلّق بالمشاعر المتناغمة مع الصوت المُنغّم، والتصاق هذه المفردة بـ«الينبعاوي»؛ تُحيل إلى مدينة يَنْبُعُ «بالفتح ثم السكون، والباء الموحدة مضمومة، وعين مهملة، بلفظ ينبع الماء، قال عرّام بن الأصبغ السلمي: هي عن يمين رضوى لمن كان منحدرا من المدينة إلى البحر على ليلة من رضوى من المدينة، وهي لبني حسن بن عليّ، وكان يسكنها الأنصار وجهينة وليث، وفيها عيون عذاب غزيرة، وهي قرية غنّاء، وقال غيره: ينبع حصن به نخيل وماء وزرع وبها وقوف لعليّ بن أبي طالب، رضي الله عنه، يتولاها ولده، وقال ابن دريد :ينبع بين مكة والمدينة، وقال غيره: ينبع من أرض تهامة غزاها النبي، صلى الله عليه وسلم، فلم يلق كيدا، وهي قريبة من طريق الحاج الشامي، أخذ اسمه من الفعل المضارع لكثرة ينابيعها، وقال الشريف بن سلمة بن عياش الينبعي: عددت بها مائة وسبعين عينا، وعن جعفر ابن محمد قال: أقطع النبي، صلّى الله عليه وسلّم، عليّا، رضي الله عنه، أربع أرضين: الفقيران وبئر قيس والشجرة وأقطع عمر ينبع وأضاف إليها غيرها»6، ومدينة ينبع الآن هي محافظة تابعة لمنطقة المدينة المنورة، وتقع على الشاطئ الشرقي للبحر الأحمر، وهي ثاني أكبر مدينة على البحر الأحمر بعد جدة، وتنقسم إلى ثلاثة أقسام، هي:
- ينبع البحر: تقع على ساحل البحر الأحمر، وهي المركز الإداري لمحافظة ينبع تبعد حوالي 200 كم غرب المدينة المنورة، و300 كم شمال مدينة جدة.
- ينبع النخل: تشتهر بكثرة النخيل، فهي عبارة عن مجموعة كبيرة من القرى تحيط بها من جهاتها الأربعة المياه الجارية7
- ينبع الصناعية: تقع على ساحل البحر الأحمر، وتعد ثاني أكبر مجمع صناعي في السعودية، وقاعدة من قواعد التصنيع الثقيل فيها، تأسست في عهد الملك خالد بن عبد العزيز عام 1979م.
فهذا اللون الطربي يلتصق بهذه المدينة-تحديدًا-ينبع البحر؛ لذا يُطلق عليه اسم «الطرب الينبعاوي»، وهذه التسمية لم تسلم من الاختلاف، فالمتعصبون للطرب الينبعاوي لا ينفكون عن تأكيد هويته وفرادته المتأتية من انتمائه لهذه المدينة؛ فيستندون إلى أسماء عائلات تخصصت في هذا اللون الغنائي، مثل: عائلة الرويسي، وعائلة بطيش وغيرهم؛ ممن نذورا أنفسهم، وباتوا يُؤلّفون الكلمات الشعرية، والألحان في آن واحد8.
من خلال المعايشة لاحظ الباحث التقارب بين الطرب الينبعاوي - تحديدا المعتمد على آلة السمسية-مع الطرب-مثلًا-في مدينة العقبة الأردنية، وفي مجموعة من المدن المصرية، منها: العريش، والإسماعلية، وبورسعيد، وعليه يتبيّن أنّ هذا اللون الغنائي؛ يميل إلى المدن الحاضنة له، لكنّ النشأة مهمة في هذا الجانب ؛ كي تتجلّى هذه الأمور مع قناعة الباحث بأن الفن الطربي؛ يكتسب بعض الخصائص الدالة على انتمائه الجغرافي من عدم نفي أصالة الفنّ، وجذوره، فالجدل مازال قائما حول أصله، فتسمع فيه «القدود الحلبية»، منها: «يا مسافر على بر الشام/ خدلي معاك لحبيبي سلام»، وتتجلّى فيه الكلمات المصرية «لما قابلني وسلم على ولدي يا ولدي وسلم علي»9 فـ«طراوة الكلمة المصرية»؛ الحاضرة في الطرب الينبعاوي، الأمر الذي أرجعه الشاعر ناجي بطيش إلى «التمازج الثقافي، وصلة النسب، كان لها دور مهم، في انتشار بعض الأغنيات المصرية»10.
فتنقل البحارة بين المدن الساحلية له دور في نقل هذا اللون الغنائي مع تعديل بعض الكلمات، لتتوافق مع الواقع الاجتماعي في هذه المدينة11. فالموسيقى تتجاوز الحدود؛ لتؤثر وتتأثر، فتصبح النشأة معضلة؛ يصعب تحديدها بشكل دقيق، والتنقل عبر البحر وسيلة لهذا التعاطي الثقافي، فالبحارة يرفهون عن نفسهم بالغناء والموسيقى، وهذا الترفيه يتحوّل إلى وسيلة تشجيع بوساطة إبعاد الملل، وبثّ الحماس12، فظهرت عدة ألوان منها هذا اللون الغنائي، وهو «فن جاء نتيجة عن امتزاج الإيقاعات الخليجية بالأغاني المصرية والشامية عن طريق رحلات البحر الأحمر، وتظهر فيه أيضا السمسمية وشكل التخت القديم بصحبة الآلات الإيقاعية الخليجية»13.
فهذا الغناء الساحلي الملتصق باسم المدينة، هو غناء ساحلي شعبي يشتهر بأداء ألوانه على آلة السمسميَّة، فيُشابه اللون المصري، مع امتلاك الموّال الينبعاوي خصائص مختلفة عن الموّال المصري، والموّال الحجازي، مع توفّر بعض الأغاني المصرية في الطرب الينبعاوي14، ومع هذا التشابه إلّا أن أهل هذا الفنّ يرفضون تجيير هذا النوع الطربي إلى الغناء المصري، فهذا اللون (الطرب الينبعاوي) يكتفي بالحضور في الأعراس والمناسبات السعيدة؛ لذا يرتبط بالإيقاع والرتم السريع، ناهيك عن إضافة ألوان طربية أخرى تكسر هذا الإيقاع15، وعلى ضوء ذلك يرى الباحث أنّ الطرب الينبعاوي:
- نشأ في مدينة ينبع وهي مدينة ساحلية تضمُّ مجتمعًا ينتمون إلى المكان سواء أكانوا من أهل المدينة أم من مصر ممن قدموا وسكنوا في هذه المدينة، وهذه النشأة تكشف أنّ علاقة بين هذا النوع الطربي مع الفنون الشبيهة له على امتداد الساحل-تحديدًا-المدن المصرية، ومدينة العقبة.
- اعتمد في العديد من المواويل على الأغاني والمواويل المصرية، ممّا يُعزّز الصلة بين هذا الطرب مع الطرب المصري.
- يرتبط بشكل ما بالطرب المصري، لكنّه يمتلك الخصائص؛ التي تمنحه العلاقة المكانية مع مدينة ينبع.
المحور الأوّل-الآلات الموسيقية المُصاحبة لهذا اللون الطربي:
يُمثّل هذا اللون الغنائي شكلًا من أشكال الثقافة الشعبية، إذ ينطوي على ثقافة تُصوّر التقاليد والعادات والتعامل مع الحياة، وقبل تحديد الآلات المُصاحبة لهذا الفنّ، لابدّ من التنويه على أنّ هذا الطرب ينقسم إلى قسمين، هما:
1) الطرب الينبعاوي والسمسمية:
تُعدّ آلة السمسمية جزءا من الطرب الينبعاوي، بل هي العماد لهذا الطرب في نشأته الأولى، ونقطة الالتقاء بين هذا اللون الطربي مع مثيله في مصر (بورسعيد-الإسماعلية...)، وفي مدينة العقبة الأردنية، وتُصاحب هذه الجلسات الغنائية آلات موسيقية، هي:
السمسمية:
آلة موسيقية شعبية تتكون من خمسة أوتار، وتتبع السلم الخماسي مثل: الربابة والطنبورة والأرغول، وتضمّ عدة أجزاء، هي: (الفرمان والحمَّال والسنَّاد والشمسية والقرص وصندوق الصوت والحوايات والأوتار والفرس)16، وهي تقارب الطنبورة في تركيبها17، لاقت رواجًا في عدة مناطق مصرية، مثل: مدن قناة السويس وسيناء18، وأصل هذه الآلة يعود إلى آلة الكِنارة الفرعونية19، وهي بدورها تعود من خلال التسمية إلى الاسم البابلي (كناروم)، وتُعرَف في اللّغات الأوروبيّة باسم (لاير)، إلّا أنّ أقدم ظهور لها في العالم عند السّومريين في العراق -تقريبًا-عام 2700 ق.م. ومنها انتقلت إلى الأقطار الأخرى20، وهناك مراجع-وفق رأي منى شعراني-تذكر «أنّ تلك الآلة ظهرت بظهور الدّولة الوسطى في مصر، وشوهدت صورُها حوالي سنة 2000 ق.م في نقوش مدافن بني حسين»21، ومازالت هذه الآلة الموسيقية محتفظة بشكلها وأوتارها الخمسة في وادي النيل، وهي شائعة الاستعمال في أعالي الصّعيد المصري بخاصّة بلاد النّوبة22، ويبرع في العزف على آلة السمسمية الكثير ممن يؤدّون المواويل.
المرواس:
تعتبر آلـــة الـــمرواس مـــن أشـــهر أدوات الإيقـــاع في الخليج العربي، وهذه الألة الإيقاعية «صغـــيرة الحجـــم تتكـــون مـــن أســـطوانة خشـــبية مجوفـــة قطرهـــا 15 ســـم وطولهـــا 15 ســـم، تــــشد عليهـــا مـــن الناحيتين قطعتـــان جلديتـــان يطلـق عليهمـــا الرقمة، ويتـــم شـــدهما علـــى جانـــبي الأسطوانة الخشـــبية بواســـطة خيـــوط سميكة»23.
الدربكة (الدربوكة):
آلة إيقاعية تُصدر أصواتا إيقاعية، وبنغمات مختلفة بوساطة الضرب باليدين أو بالعصا، ولهذه الآلة أشكال ومقاسات (صغير-متوسط-كبير)، وهي ذات غشاء مصوت على شكل مزهرية أو قدح، وهذه الآلة تحضر مع الطرب القائم على السمسمية وأيضا مع الطرب القائم على القانون.
2) الطرب الينبعاوي والقانون:
كان الطرب الينبعاوي قائما على (السمسمية والمرواس) ثمّ طاله التجديد من خلال إدخال آلة القانون، فبدأت تظهر أسماء ترتبط بالأغنية الينبعاوية، وتتقن العزف على هذه الآلة منهم: حميدي بلال، وإبراهيم بطيش، وحسين الخطيب وعواد أبو زكي24، ودخول هذه الآلة غيّب السمسمية عن الجلسات الغنائية؛ التي يكون القانون فيها، ناهيك أنّ هذه الجلسات باتت تتسع لعدد من الآلات الموسيقية، وهي:
القانون:
انتقلت هذه المفردة من الإغريقية إلى اللغة العربية25، فالكلمتان ترمزان إلى النمط المحدد، فهما أنموذجا للآلات الوترية، والعلاقة بين أطوال الأوتار، والعلاقة النغمية26، إلّا أنّه ثمة فرق بين كلمة (القانون) في اللغة العربية، وكلمة (Canon) في الإغريقية، فالإغريق أطلقوا هذا الاسم على آلة موسيقية تختلف عن الآلة الموسيقية عند العرب، فالقانون عند الإغريق هو آلة موسيقية ذات وتر واحد؛ تُعرف بالمونوكورد(Monochord) أو الصونومتر، فتستخدمان لقياس الأصوات، في حين يُطلق العرب هذا الاسم على الآلة المعروفة في الوسط الموسيقي، وهناك من يرى بأنّ مفردة (Kanoun) معربة عن الفارسية (Canon)، وتعني أصل الشيء وقياسه27، وفي جانب نشأة هذه الآلة، فيعود أصل «آلة القانون إلي آلة الصنج المصري القديم (الجنك)، والمتوفرة في نقوش الأسرة الرابعة منذ أكثر من خمسين قرنا تعزف أوتارها مطلقة، ومن ثم آلة الأشور التي ظهرت بعد ذلك بحوالي ألف عام في نقوش مدينة بابل وآشو»28، فهذه الألة الموسيقية من «جنس المعازف ذات الأوتار المطلقة»29، وتعتبر آلة القانون من الآلات البارزة في التخت العربي30، وفي فرقة الموسيقى العربية، وعازف القانون يكون-غالبا-قائدا للفرقة؛ لأنّ أهمية الأداء تكمن في الجمع بين الطابع اللحني والإيقاعي31 ممّا يجعلها تتميز بالمساحة الصوتية الواسعة؛ لأن حجم صندوقها كبير32، ومن عازفي القانون-على سبيل المثال-بندر الجهني، وأحمد المحياوي.
العود:
يعتبر العود من الآلات الوترية المعروفة منذ القدم، فهي من أقدم الآلات الموسيقية التي صنعها الإنسان، وفيها ثراء نغمي، كما أنّها تطابق الأصوات البشرية33، وهي آلة شرقية، وجزء مهم من التخت الموسيقي الشرقي، والعود في المعجم تعني «كل خشبة دَقَّتْ؛ وقيل: العُودُ خَشَبَةُ كلّ شجرةٍ، دقّ أَو غَلُظ، وقيل: هو ما جرى فيه الماء من الشجر وهو يكون للرطْب واليابس، والجمع أَعوادٌ وعِيدان»34، فهذه الآلة الموسيقية وترية تحتوي على خمسة أوتار ثنائية، وقد يضيف العازف وترا سادسًا، وهي مجوفة ومصنوعة من الخشب35، ولـ(زرياب)36 دور في تحسين صناعة آلة العود؛ إذ أضاف الوتر الخامس بين الأوتار الأربعة، وصبغ هذا الوتر باللون الأحمر؛ ليرمز إلى النفس البشرية37، ناهيك عن أنّه أوّل من وظف الريشة المصنّعة من قوادم النسر في العزف38، إضافة إلى تغيير وجه العود من الجلد إلى الخشب 39.
الكمان:
آلة وترية يصدر صوتها من خلال سحب القوس على أوتارها، وهي من أقرب الآلات الموسيقية للصوت البشري؛ تحمل وتوضع تحت الذقن، وهي من أهم الآلات40، والكمان يتكون من عدة أجزاء؛ هي: (الصندوق، والعنق، والفرس، والكعب أو الزر، والمشط، والأوتار، والذاقنة، وعمود الصوت، والداقوس، الدعامات، وماكنة الضبط الدقيق)، ويصاحبها القوس الذي يُصدر هذا الصوت، وللقوس تأثير كبير، ففي أدائه تأثير مهم على المستمع؛ لأنّه الروح المحركة للعناصر الأخرى41
الرق:
من الآلات المصرية «ذات رق جلدي واحد مرن وقد تصنع الآلة من البلاستيك حديثا، ويشد على إطار من الخشب الدائري الشكل، وقد تستخدم خيوط قوية تمر من ثقوب في الإطار الخشبي لزيادة قوة الشد، ويتراوح قطره عادة بين 23-25سم ومركب في الإطار كذلك أربعة أو خمسة أزواج من الصاجات أو الصنوح النحاسية الصغيرة المستديرة حرة الحركة حيث ينقر عليها العازف بالأصابع لإصدار الزخارف وتلوينات عزف وضبط الإيقاع»42، وتحضر هذه الآلة مع الطرب القائم على السمسمية.
المحور الثاني- عناصر هذا الفن:
الطرب الينبعاوي سواء أكان يعتمد على السمسمية أم على القانون، ففي كلا الحالتين يضمُّ مكونات ثابتة تظهر في الطرب، ويمكن تحديدها على النحو الآتي:
1) الموال:
المّوّال «فن جديد من الفنون الشعريّة المستحدثة التي ظهرت بين الطبقات الشعبيّة في بلاد المشرق الإسلاميّ في إطار التجديد والتطوير في نظام القصيدة العربيّة الموروثة من حيث وحدة قافيتها، طلبًا للسهولة والسيرورة بين عامّة الناس تأليفا وغناءً وسماعًا، ويغنّى الموّال عادة في صحبة ناي أو ربابة43، والموّال بدوره ينقسم إلى:
- الموّال الرباعي أو البغدادي: يتكوّن من أربعة أشطر متحدة القافية44
- الموّال الخماسي (الأعرج): يتكوّن من خمسة أشطر تختلف قافية الشطر الرابع45.
- الموّال المرصع: يتألف من ستة أشطر تتحد القافية فيه باستثناء الشطر الخامس.
- الموّال السباعي (النعماني): يتألف من سبعة أشطر، الثلاثة أشطر الأولى قافيتها واحدة، والثلاثة الأخرى من قافية متحدة فيما بينها ومختلفة الأولى، والشطر السابع ما يتفق في قافيته من الأشطر الأولى46.
تمتاز المواويل بنغمات الحزن والأداء الباكي، فهي نتاج الحياة العامة، ومعبرة عن الأفراد، وفي ثناياها تجارب، وحكم47، والموّال في الطرب الينبعاوي يعتمد على المواويل الرباعية، التي تتكون من أربعة أشطر ذات قافية واحدة، يتنوع الموّال في هذا اللون الطربي من ناحية مصدر الموّال؛ أي على ما هو مؤلّف أم مستعار من الآخرين، ويمكن بيان مصادره على النحو الآتي:
الأغنية الشعبية:
هي المواويل التي تمت استعارتها من الأغاني الشعبية، وهي مواويل أو جزء من أغنية لفنان آخر، ومن أمثلته:
أطاوع في هواك قلبي
وأنسى الكل علشانك
وأذوق المر في حبي
بكأس صدك وهجرانك48
وهي من قصيدة «يا ظالمني» للشاعر أحمد رامي49، لحّنها رياض السنباطي50، وغنتها الفنانة أم كلثوم51 في عام 1954م، وهذا الموّال تم أداؤه بطريقة مختلفة عن لحن الأغنية، إذ لم تكن هذه الأبيات في الأغنية على نمط المواويل.
ومن المواويل التي تغنّى بها أهل الطرب، البيتان التاليان:
لو كان بُكايا على خلي يجبهولي
لكُنت ابكي وأجِّر ناس يبكولي
من بعد ما كنت على فرش الهنا وكل الناس يرعولي
اصبحت اقول للتبع يا عم ارعولي
فمطلع الموال مستعار من قصيدة مغناة موسومة بـ«سهرانه عيوني»؛ تغنّى بها الفنان محمد فوزي52، مع تعديل بعض الكلمات؛ كي تتوافق مع لهجة أهل ينبع
1) القصائد الفصحى المُغناة:
هي المواويل التي حضرت في القصائد الفصحى المغناة سواء أكان أداؤها على شكل موّال أم شكل غنائي مختلف، ومن الأمثلة على هذا النوع:
بلغوها إذا أتيتم حماها
أنني مت في الغرام فداها
واذكروني لها بكل جميل
فعساها تبكي علي عساها
واصحبوها لتربتي، فعظامي
تشتهي أن تدوسها قدماها
وهي قصيدة للشاعر بشارة الخوري53، وهذه الأبيات تغنّى بها غير فنان، ناهيك عن ظهورها في الجلسات الطربية (الينبعاوية).
ومن الأمثلة-أيضا-أبيات شعرية من قصيدة مترجمة للشاعر إبراهيم حسني ميرزا، وهي قصيدة مغناة؛ غنتها أم كلثوم عام 1924م، ومن ألحان أحمد صبري النجريدي54، وغيرها من المغنين:
كم بعثنا مع النسيم سلاما
للحبيب الجميل حيث أقاما
وسمعنا الطيور في الروض تشدو
فنقلنا عن الطيور كلاما
نحن قوم مخلدون
وإن كنا خلقنا لكي نموت غراما55
والموّال لم يلتزم بالكلمات كما هي، بل تمّ تغيير بعض كلماته، فـجملة «وإن كنا خلقنا لكي نموت غراما»، تبدلت إلى «وما خُلقنا لكي نعيش غراما»
ومن الأمثلة-أيضًا-موال أبياته من قصيدة للشاعر أحمد شوقي:
بي مثل ما بك يا قمرية الوادي
ناديت ليلى فقومي في الدجى نادي
و(بعد) الشجو أسجاعا مفصلة
أو ردّدي من وراء الأيك إنشادي
تذكري منظر الوادي ومجلسنا
على الغدير كعصفورين في الوادي56
3) موّال مؤلّف:
هي المواويل التي تمّ تأليفها من قبل مؤدّي الموّال أو من شخص آخر ينتمي للوسط الفنّي-تحديدًا-يكون الموّال المُؤلَّف نتاجًا عن البيئة في المجتمع (ينبع)، ومن الأمثلة على هذه المواويل:
(1)
ياغاوي فن وطرب اسمع طرب منا
سيكا وبياتي ونوى والكل عارفينا
لاتحسبم كل من غنى وطرب صار منا
احنى البكى وسهر الليالي هو اللي علمنا
(2)
حس السلاسل مع الحباس بيقلقني
ونجمة الصبح لاطلعت تشوقني
أمانه عليك ياحباس فك القيد واطلقني
خلني أودع محبي وبعد الوداع اشنقني
ومن المواويل تراثية الموّال الآتي:
جرحي القديم الأولاني أنا كنت راضيبو
جدد عليه الجديد زادت لهاليبو
يا بدر حل اللثام اللي إنت حالي به
أكل البلح حلو لكن النخل عالي به57
هناك من يربط الموال بالمضمون، فيظهر الموّال الأحمر المرتبط بغدر الحبيب، والحسرة على ضياع القيم، والموّال الأخضر المتعلّق بالمودة والحب، والموّال الأبيض الدال على المحاسن والأخلاق الرفيعة، والموّال القصصي وهو نوع من المواويل الطويلة58، فمن أمثلة الموّال الأحمر؛ المُعبّر عن الثورة المتأججة وألوان القهر59، الموال الآتي:
(1)
ياكم باعدل الصبر بيدي حتى ملت أكتافي
وملت الطرق مني والمشي وأنا حافي
لوكان قاضي الغرام يحكم بالإنصافي
ما كان أقدم الكاس بيدي وغيري يشربو صافي
(2)
أيام زهر الليالي كان عيشي طاب
وكان لي أهل تعرفني وكان لي أحباب
لما غصون الزهر مالت عني قليل
البعض كف القدم والبعض صك الباب
وأمّا الموّال الأخضر فمن أمثلته:
(1)
يا حلو يالي جمالك كل يوم بيزيد
وأصبحت مغنى غرامك وأنت عني بعيد
أنا لما أشوفك أغض النظر والقلب نار تزيد
يا حلو جددلي الوصال دا يوم وصالك عيد
(2)
سَكِـرَ الصَّبُّ مِنْ لَماكَ فَغَنَّى
ودَعـاهُ الغَـرامُ شَـوقًا فَحنَّا
أنا يا مالكي بِحُكمِكَ راضٍ
فاحتَكِمْ في المُعَنَّى
مــا سَـكِـرْنا مِنَ المُـدامِ ولكـنْ،
خَمْـــرُ جَـفْـنَيْكَ أَسْكَرَتْ فَسَكِـرْنا
في حين يبرز الموّال التالي-على سبيل المثال-مثالًا للموّال الأبيض:
(1)
مني السلام للحضور واللي غاب نندهله
سلام لأهل الغرام وكلكم أهله
ياللي تحبو السمر إنتو السمر وأهله
يامعدن الطيب لقياكم دوا للروح
إنتو الهوى والوفا و الطرب وأهله
(2)
ألقي سلامي على أحبابي وكل حبيب
سلام للي حضر وسلام للي يغيب
ليله وفيها الهنا والأنس والتطريب
اللي يحب الوفا حاضر لنا ما يغيب
والكل يعمل بأصله ومن يغيب يغيب
أغنية أمُّ كلثوم «على بلد المحبوب». | أغنية صالح عبد الحي «جددي يا نفس». | أغنية «آه يا حلو يا مسليني». |
أغنية محمد عبد الوهاب «مين عذبك». | أغنية «يا نحيف القوام». | أغنية «عم يا جمال». |
أغنية «يا قمري البان». | أغنية «عطشان يا صبايا». | أغنية « يا أم العباية». |
الجدول رقم (1) بعض الأدوار المعتمدة على الأغاني المشهورة
2) الدور:
عبارة عن أداء جماعي يشارك فيه مؤدو الموال، ويأتي بعد نهاية الموال، وتبدأ الآلات في مواكبة هذا الدور، فتسمع في الدور أغان مشهورة وموشحات، مثل60:
ومن الأمثلة على هذه الأدوار:
دور هلت ليالي حلوة»61، وهو جزء من قصيدة للشاعر بيرم التونسي62؛ قام بغنائها الفنان فريد الأطرش 63.
هلت ليالي حلوه وهنيه ليالي رايحه وليالي جايه
فيها التجلي دايم تملي ونورها ساطع من العلالي هلت ليالي
هلت ليالي حلوه وهنيه ليالي رايحه وليالي جايه
ليالي حلوه نشتاق إليها وفيها ليله الله عليها
القدر فيها الله أكبر اوعدنا بيها الله أكبر
ويارب توبه في العمر نوبه وتكون قريبه تسعد آمالي
في كل لحظه اقول ياربي إنت اللي اسمك يسر قلبي
على جمالك الله أكبر علي جلالك الله أكبر
كل التمني لو ترضي عني واعيش مهني ولا أبالي
دور «آه يا حلو»64 وهذا الدور من الأغاني التي تغنّى بها صباح فخري65:
آه يا حلو يا مسليني ياللي بنار الهجر كاويني
املا المدام يا جميل واسقيني ياعيني
من كثر شوقي عليك ما بنام66
دور «العزول فايق ورايق»67، وهذه القصيدة من كلمات حسن صبحي68، وألحان زكريا أحمد69، وغناء أم كلثوم، ومنها:
العزول فايق ورايق
عمره ما داق الغرام
قلبه ما بيرحمش عاشق
بس شاطر في الملام
قلبي لو مال يوم لغيرك
يبقى عن جسمي غريب
وأنت لو تسأل ضميرك
ما تلاقيش غيرك حبيب
فالتراث بشتى أشكاله حاضر في الطرب الينبعاوي، فالدور يكشف عن تقاطع مع التراث؛ المنتمي لأقطار مختلفة، وثقافات متنوعة.
3) التبحيرة:
تعني التبحير والغناء من نفس المقام، فالتبحيرة تمّ إدخالها على الأغنية الينبعاوية، فباتت تُصاحب الموال70؛ ومنها:
تبحيرة «طلعوني القصر»، و«يا نايحة عالقبور»، و«أحبابنا وادعونا»، وهي على النحو الآتي:
الأولى |
طلعوني القصر بمطالع وأعز الأحباب شي نازل وشي طالع راحوا وجابوا الطبيب شفتوا من باب الزقاق طالع كشف على الجرح وغطاه وجا طالع قال ابكوا عليه رفقتو الفين ما عندي له دوا طالع اذا سألوك العوازل قلهم طيب وبخير بكره على اكتاف الرجال طالع |
الثانية |
يا نايحه عالقبور بالدمع ايه قصدك قصدك رجوع ميتك ولكن لم تبلغي قصدك انت ليك خل ميت وانا ليا خل هاجرني كفي الملامات ياعين وجدي زاد على وجدك |
الثالثة |
أحبابنا وادعونا واشبعوا منا بكره نشد الرحيل وتخلى دياركم منا بحق العيش والملح والرفق اللي عليه كنا لا تفرشوا للعوازل مطرح ما عليه كنا |
الجدول رقم (2) أنموذج من التبحيرات
فهذه التبحيرات قام بأدائها ثلاثة أشخاص بشكل متتابع، هم: فارس الشهري، وعبد الحكيم الرويسي، وعبد المحسن الرويسي71.
تبحيرة «أحبابنا وادعونا لركبهم راحوا» لعبد الحكيم الرويسي72؛ التي تلت دور «يا نحيل القوام» 73
المحور الثالث-أهل هذا اللون الطربي والفرق الغنائية وأماكن انتشاره:
أوّلًا-أهل هذا الفنّ:
تميّز الطرب الينبعاوي بسمة قلّما تكون في الفنون الأخرى، وهي ظهور عائلات تخصصت في هذا اللون الغنائي، وأشهر عائلتين برعت في هذا الفنّ، هما:
عائلة الرويسي: هي من العوائل التي تسكن في مدينة ينبع، ومن هذه العائلة ظهر عدة أفراد؛ يُقدّمون هذا اللون الطربي، فارتبط الطرب الينبعاوي بشكل كبير مع هذه العائلة؛ حتى أصبح ذكر الطرب الينبعاوي بين المهتمين أو العارفين بهذا اللون الغنائي؛ يحيل إلى هذه العائلة، ومنهم-على سبيل المثال-الشخصيات الآتية:
عائلة بطيش: وهي من العوائل التي لها باع طويل في هذا الفنّ، ومن رموز هذا الطرب عواد إبراهيم بطيش المشهور بـ(أبو زكي)؛ مؤسس فرقة (أبو زكي)، ومن الشخصيات التي تنتمي لهذه العائلة: عواد بطيش أبو زكي – حمدي بطيش- وليد بطيش - إبراهيم زكي بطيش.
وتميّز هذه العائلات في الطرب الينبعاوي لم يمنع من ظهور شخصيات برعت في هذا الفن، ومنهم-على سبيل المثال-الأسماء الآتية: أبو كراع - الوجيه - عواد أبوهلال - عبدالله الهومي - بندر الجهني - تميم الأحمدي.
ثانيًا- الفرق الغنائية وأماكن انتشار هذا اللون الطربي:
عناية أهل ينبع بهذا اللون؛ أسهمت في ترك أثر بيّن في الآخرين، فبات الطرب الينبعاوي لا يتخلّى عن اسمه، وإن كان في مدن أخرى، فلم يعد هذا اللون حِكرًا على أهل ينبع؛ إذ انتشر في المدن المجاورة، وكان انتشاره بداية من خلال إقامة الحفلات في هذه المدن، ثمّ تبنّى عشّاق هذا اللون الطربي من المدن الأخرى تكوين المجموعات والفرق؛ التي تقوم بأداء هذا اللون الطربي، ومازال يُعرف بالطرب الينبعاوي سواء أكان أفراده لا ينتمون إلى مدينة ينبع أم كانت إقامة هذا اللون في مدن أخرى، ومن المدن التي انتشر فيها هذا اللون الطربي: المدينة المنورة، وجدة، وأملج، ورابغ، وغيرها من المدن، مع ظهور تسمية «الطرب البحري» في المدينة المنورة-على سبيل المثال-وهو يحيل إلى فنّ ينتمي إلى مكان على الساحل، وكما هو معلوم أنّ المدينة المنورة لا تقع على الساحل، وأقرب مدينة لها؛ تتميّز بهذا اللون الطربي هي ينبع؛ المدينة التي احتضنت هذا اللون، وعلى ضوء ذلك لم تكن التسمية ذات أثر في إغفال اللون الطربي المرتبط بينبع، وهذه العناية أسهمت في ظهور فرق منظمة اهتمّت بهذا اللون الطربي، ومنها:
فرقة أبو هلال للفنون الشعبية:
يقود هذه الفرقة حسين عبد المطلوب عبدالعال المشهور بـ(أبو هلال)؛ وهو من مواليد حي البغدادية بجدة، بدأ تكوين الفرقة من شباب الحارة، إذ كانوا يستمعون لأشرطة فرقة أبو زكي، ومنهم: رويسي، وعواد سالم، وهؤلاء ممن أثروا الفن الينبعاوي، وكان اجتماع هذه الفرقة في بداياتها في مكان اسمه(حوش بلال)، كما كانوا يشاركون باسم المدرسة في المناسبات والمسابقات، إضافة إلى المشاركة باسم نادي الاتحاد، في مسابقة الفنون الشعبية المُقامة في الرياض، ثمّ بدأت فكرة تكوين الفرقة بشكل رسمي من خلال توفير مقر للفرقة، وكانت أغاني الفرقة تعتمد على أغاني فرقة أبو زكي، مع بعض الإضافات، فبدأت المشاركة في الأعياد والحفلات الخاصة والمناسبات الحكومية، ناهيك عن تمثيل المملكة العربية السعودية خارجيًا، ومنها: المشاركة في مهرجان قرطاج الدولي في تونس، والحصول على المركز الثالث من بين 24 دولة بقيادة طارق عبدالحكيم74.
فرقة أبو سراج:
قائد الفرقة هو عمر العطاس المُكنّى بـ(أبو سراج)، وهذه الفرقة كانت بداياتها في عام 1403هـ، فتكوّنت من محبّي هذا النوع من الفنّ الشعبي، وكان عددهم لا يتجاوز 12 عضوا في بداية التأسيس، ثمّ تمّ تصنيفها في عام 1405هـ، فوصل عدد أفرادها إلى 25 عضوا، تزيد أعدادهم في المناسبات الرسمية إلى 65 عضوا بين عضو رسمي ومتعاون75.
وهذه الفرق أسهمت في شهرة «بعض الأغنيات: التي يتم تداولها بشكل كبير في الحفلات، دون غيرها من الأدوار الينبعاوية، بسبب تسجيلها من قبل فرق فنية مثل فرقة أبو سراج وأبو هلال»76، إلّا أن العديد من علامات الاستفهام تُوجّه من قبل قامات تنتمي إلى هذا اللون الطربي إلى (أبو سراج)، وتكمن في أنّ ما يُقدّمه ليس طربا ينبعاويًا، وهذا لا يقلل من الدور التي قامت به الفرق في انتشار هذا اللون الغنائي77.
الخاتمة:
تعرضت الدراسة إلى فنّ غنائي شعبي؛ يتمثّل في «الطرب الينبعاوي»، فتوصلت هذه إلى عدة نتائج؛ يمكن بيانها على النحو الآتي:
- لا يمكن الجزم بانتماء هذا اللون الطربي لأهل ينبع؛ إلّا أنّ «الطرب الينبعاوي» بما يضمُّه من أغان تراثية تنتمي إلى عدة أقطار عربية، ومواويل من قصائد مغناة، وغير ذلك؛ يؤكّد على هُويّة طربية لا تنفك عن أهل ينبع، وممّا يُعزّز هذا الرأي أنّ مفردة «الطرب» تلتصق بالمكان (ينبع)، وإن تم تقديمه في مدن أخرى، فالتسمية تكشف انتماء هذا اللون، مع الإشارة إلى أنّ الألوان الشبيهة بهذا اللون-تحديدًا-المعتمد على آلة السمسمية؛ يُطلق عليها مُسمّى «الطرب البحري» في عدة أماكن، وعليه يمكن القول بأنّ الطرب الينبعاوي بالشكل المعروف هو لون غنائي يمتلك هُوية «ينبعاوية».
- هذا اللون الطربي بدأ بآلة السمسمية ثمّ ظهرت بصحبته آلة المرواس، وآلة الدربكة، وآلة الرق، لكن السمسمية قد تؤدي الدور بشكل مفرد دون غيرها من الآلات، وبعد ذلك ظهر نوع آخر من هذا اللون الطربي، وهو الطرب المعتمد على آلة القانون، وتصاحب هذه الآلة؛ عدة آلات، هي: العود، والكمان، والدربكة، والرق، و المرواس.
- آلة السمسمية تمنح الجلسات الطربية حِراكًا أكثر، في حين آلة القانون أقل منها، لا سيما إن جاءت آلة الكمان مصاحبة لها، ولا يعني ذلك أنّ الغناء أقل قيمة وفنية، بل هي سمات تتركها الآلات المصاحبة على هذه الجلسات.
- الموال ركيزة أساسية في هذا اللون الغنائي، كما أنّ الموّال الرباعي هو السمة البارزة في هذا الطرب، وأداؤه جاء على مقامات متنوعة، منها: الصبا، والسيكا، والبيات.
- الطرب الينبعاوي يُقدّم تراثا؛ يستمدُّ-بشكل كبير-مواويله وأدواره من أقطار مختلفة.
- يرتبط هذا اللون بالحفلات الغنائية المقامة في المناسبات (حفلات الأفراح، وغيرها)، وتُقام-أيضًا-بوساطة الدعوات الموجّهة من الأصدقاء، فتتم إقامة الجلسة الغنائية بشكل ودّي.
- يبدأ هذا اللون الطربي بالموّال المُصاحب للعزف، ثم يحضر الدور؛ الذي قد تتخلله تبحيرة، وهذا الأمر ليس شرطًا في الطرب، فالتنوع بين هذه العناصر أمرٌ وارد.
- عائلتا بطيش والرويسي من العوائل؛ التي أسهمت في هذا اللون الغنائي، مع عدم إغفال للجهود الفردية لعدة شخصيات، منها: أبو كراع.
- الفرق الغنائية التي تبنّت هذا اللون مثل: فرقتي (أبو هلال، وأبو سراج)؛ لا يمكن إنكار دورها في انتشار هذا اللون الطربي، رغم الانتقادات الموجهة من أهل الطرب الينبعاوي لهذه الفرق.
أمّا التوصيات التي خرجت بها الدراسة، فهي على النحو الآتي:
- ضرورة تأصيل هذا اللون الطربي تاريخيًا.
- جمع المواويل، وتصنيفها بين المؤلَّف، والمستعار.