سيمون جارجي من العمل الميداني الى البحث النظري الموسيقى الإثنية بين المصطلح والبحث الميداني
العدد 60 - موسيقى وأداء حركي
أصبحت دراسة الموسيقى الإثنية أو موسيقى الشعوب ضمن منظومة العلوم الاجتماعية، وقد أسماها العالم الهولندي للفولكلور ياب كنوست «1891 – 1960» الدراسة المقارنه للموسيقى، ثم أطلق عليها الموسيقى الإثنية عام 1950، وهي حقل معرفي قريب من الدراسة الاجتماعية للموسيقى، ومصدرها الموسيقى والإثنولوجيا، وتتبع مناهجها الوصفية. وقد تستقي مادتها من علم الصوتيات ومن العلوم المعرفية، وتهتم بالموسيقى التراثية الشفهية، كما تهتم بالموسيقى العالمة المنتمية للثقافات الأجنبية بالنسبة للباحث.
وغالبا ما تبنى الدراسة النظرية على البحث الميداني، وقد يعمد بعض الباحثين الى دراسة التسجيلات، الآلات الموسيقية، طرق تدوين نوتات الموروثات الموسيقية أو تلك الناتجة عن البحث العملي الميداني، وتدرس أكاديمياً في كليات العلوم الإنسانية والفنون، وخاصة كليات ومعاهد الموسيقى.
من هذا المنطلق الأكاديمي أنشأ سيمون جارجي دراسته «التقاليد الثقافية لشبه الجزيرة العربية» وهي بحث ميداني ونظري في الموسيقى الشعبية في الخليج العربي، في بيئتيها البحرية والصحراوية، كما درس أغاني النساء،و خص البحرين بالجزء الأكبر من الدراسة، نظراً لموقعها في ريادة الفنون الموسيقية في تلك الفترة. وقد حرصنا على تضمين هذا الملف المخصص للباحث ودراسته جزءا وافراً من الترجمة العربية لهذه الدراسة، ليتمكن القاريء من الإلمام بجهود جارجي البحثية والتي تزامنت مع بحوث ميدانية وأركيولوجية ونظرية أخرى، وكان للفنانين الأحياء حينها، وللشباب المعنيين بالتراث دور بارز في إثرائها.
التقاليد الثقافية لشبه الجزيرة العربية:
التقاليد الشعرية – الموسيقية لشبه الجزيرة العربية ملتقى للعديد من الحضارات، تمخض عنها تراثان: الأول جاء من عمق الصحراء ويمكننا نعته بالبدوي، سواء أكان من إنتاج البدو الرحل أو شبه الحضر أو الحضر، يتمثل في طابع عربي ويتمحور حول شعر يُنشد أو يُغَنى بمصاحبة الربابة. أما التراث الثاني فهو إقليمي، ثمرة للتأثير والتبادل مع الحضارات الموسيقية المجاورة. الإفريقية، الإيرانية والهندية. ويبرز اليوم في تكوين مميز يُسمى الموسيقى التقليدية الخليجية بأشكالها المتعددة. إنها وبكل تأكيد تكوين وليست مجرد مجاورة أو خليط هجين. لأنه وبعيدا عن تنوع التعابير الموسيقية التي ولّدتها الهجرات والغزوات، فإنه وبرغم تداخل وتعايش مختلف الأعراق إلا أن السمة الموحدة للإسلام واللغة العربية سرعان ما منحت مجمل هذه التقاليد أساساَ للوحدة في التنوع، وهي خاصية الحضارات الإنسانية الأكثر غنى. ويبقى التعريب لغوياً وفي كل الأحوال، هو خاصية التلاحم الأكثر ديمومة، لأنه حتى اليوم، مع استمراية وجود تقاليد موسيقية اثنية مثل حلقة الطنبوره (الزار) المنتمي حصرياً للأفارقة السود، أو الغناء والرقصات الجماعيةالهندو- إيرانيه مثل تلك المتمثلة في حلقة الهبان، فإن الجزء الرئيسي من التقاليد الموسيقية الخليجية الأخرى هي ثمرة استيعاب، بل اندماج خاص بالإقليم. كما في موسيقى العرضه أو موسيقى العياله، من أصل بدوي وعربي ببنيتيهما النغمية والغنائية، وبمصاحبة آلات موسيقية تصدر وبشكل جلي إيقاعات أفريقية خالصة، فرقصة الليوه معروفة بأصلها الأفريقي يصحبها غناء بنغم عربي صرف، وبإمكاننا ذكر مزيد من أمثلة التداخل المرتبط بذاته بالتاريخ المديد لهذه الأرض.
ولكن مع السهولة النسبية لتعقب المراحل الكبيرة لتاريخ شبه الجزيرة العربية، فهذا التاريخ لا يقدم لنا سوى معلومات شحيحة تتعلق بولادة وتطور هذه الأنماط الموسيقية. وقد يرى البعض أنه من المناسب ادخالها ضمن التاريخ العام للموسيقى العربية، والذي قيل وكتب عنه الكثير، بينما تنتمي الموسيقى التقليدية لشبه الجزيرة العربية، وبالأخص الخليجية إلى موروث متميز ومتنوع.
يمكننا القول بأنه و فيما يخص تحديداً التعبير الشعبي : إن اللغة الشفهية والعقيدة الحية لعبتا حتى الآن دورا أساسياً إلى عصرنا هذا، ورغم المحاولات المحدودة للاستنساخ والتسجيل الصوتي إلا أن النقل الشفهي استمر في دوره كقناة رئيسية حُفظت عبرها هذه الموسيقى وأعيدَ بناءُها، وإنه لمن المثير تجاهل الوثائق النادرة الخاصة بالعصر الكلاسيكي للموسيقى العربية الإشارة إلى هذا الشرق العربي، والذي تعود ثقافته إلى ماض عريق القدم، ماضي هذا الإقليم، الذي ساده منذ قرون تراث جغرافي – ثقافي صاغ الإنسان والفنان : الصحراء والبحر. فالبدوي شاعر بالوراثة، ويسمو بالشعر إلى مصاف الفن شبه المقدس، بينما حولته هجراته نحو البحر إلى بحار وصياد، قادر على منح الشعر بعداًجديداً مكوناً من صوت وإيقاع ينهل من التراث المحيط به.
تراث بحري وصحراوي وُلد بطقوسه، بغنائه و بإيقاعاته، وهو ما سيُكون على امتداد القرون الموروث الشعري - الموسيقي لهذه الواجهة البحرية لشبه الجزيرة العربية. وفي قلب هذا الموروث يبرز عنصر أساسي : الشاعر، المُنشِد أو المغني. وهو جزء من العبقرية الجماعية الشعبية، وليس مهماً كون المساهمين فيه مشهورين أو مغمورين، لأن الشاعر- المغني ورث هذا التراث عمن سبقه من المعلمين كأمانة مقدسة، ومن المؤكد بأن بإمكانه وبدوره المساهمة بملكاته الإبداعية الذاتية أو بالاقتباس، ولكن بشرط واحد وهو عدم خرق التقليد الشفهي الموروث. وهكذا سيكون مسموحاً له تعديل النماذج الأصلية المكونه لجوهر الغناء التقليدي.
كانت نتيجة ماسبق خلق نوع من المزيج الذي يصل أحياناً الى الالتباس بين أنواع الموسيقى الشعبية بالمعنى الحرفي وتلك المنتمية للموسيقى العربية الكلاسيكية، كما في حالة فن (الصوت) مثلاً، نصف- كلاسيكي ونصف – شعبي.
هذا الارتباط بالتقاليد ولكن بإعادة خلقها، يأخذ معناه كاملاً في الخاصية الجماعية لهذه الموسيقى، وبالتأكيد يبقى المؤدي الشاعر شخصية محورية، ولكن في وسط مجموعته وبرفقتهم : فالأفضلية بتناوب بين الغناء المنفرد (رئيس الجوقة) والجوقة بمجملها، حيث الغناء التجاوبي (Responsorial)، تردد بدون كلل لازمة مكونة من مقطع، من شطر بيت شعر، أو من محاكاة صوتية، أو ببساطة من مقاطع رمزية. ويتخذ الحوار الموسيقي أيضاً شكل جوقتين متناوبتين، كما في (العرضة) و (السامري)، وهكذا تتجلى الموسيقى التقليدية بأشكالها الأكثر حيوية وكأنها بغاية الجدارة كورالية.
وهذه حالة نادرة في الشرق الأوسط، إذا ما استثنينا الموسيقى الدينية، ولدينا مثال ساطع في غناء (النهمه) لدى صيادي اللؤلؤ. ولأنها مرتبطة بلغة حية فهذه الموسيقى أيضاً حية : ذاتها اللغة التي يتحدث بها الشعب بلهجته الخاصة. حتى إن اقترب من اللغة الفصحى، أوربما سحرته إلى حد ما بنظام خطها، إلا أنها ولتبقى لغة شعبية يتحدث بها الناس، ويكون منطلقها الغناء والإيقاع والرقص. كما يمكننا أيضاً ملاحظة عنصر ثابت في هذه الموسيقى العربية المشرقية عامة: البنية المونودية (لحن أحادي المسار) أي (التجانس الصوتي) للحن (Monodique) والهوموفونية (Homophonique). وحتى بما يتجاوز مصاحبة الإيقاع والآلة الموسيقية.
تعدد النغمات هو ما نكتشفه في الموسيقى الخليجية (Polyphonie)، المثال الوحيد المقارب للبوليفوني في الغناء الديني البيزنطي وهي (Ison) سواء على شكل همهمة – مما يُذكِر بالإيزون الصوت النغمة المنخفضة والمسيطرة على النسق بينما تؤدي الأصوات الأخرى اللحن، في المقامات الكسلاسيكية أو كما المكبح النغمي (Pédale Tonique)، وبخاصة عند تزامن موتيف السولو المتقطع، وموتيف الإيقاع المتواصل للجوقة والطبول. هذه الخاصية توجد بشكل أساسي في أغاني غواصي اللؤلؤ مثل لفجري، وفي بعض الزهيريات (المواويل)، ولكن هذا التعدد النغمي البوليفوني يتخد شكلاً فطرياً.
يتعين في الختام ذكر خاصيتين لهذه الموسيقى الشعبية، تتعلقان بالنظامي (Modal) و(Tonal)، والمودال عكس التونال، وهو نظام على السلم الموسيقي يستخدم سلماً موسيقياً غير الماجور والمينور والتونال حيث يُبنى اللحن والتوليف حول درجتين محددتين بدقة على السلم الموسيقي درجة الكبير الماهور أو الماخوري دو ماجور، ودرجة المينور الثانوية على السلم.
فمن جهة وبخلاف ما يُكتب دائماً عنها فإن هذه الموسيقى تتبع نظام مودال مختلف عن المقام في الموسيقى الكلاسيكية العربية، بمعنى أن وحدة الأربع درجات المتتابعة ليست القاعدة (Tétracorde)، فخليته النغمية الوحيدة للمقام، يمكن أن تتمدد أو تنكمش، وهي لا تحتوي غالباً سوى على ثلاث نوتات مترابطة وتصل حتى نوتتين فقط. ومن جهة أخرى نجد هذه البنية المودالية خاصة في الغناء المقطعي الجماعي ذي الإيقاع المتزن (Chants Syllabiques Collectifs).
إن هذه الملاحظات بمثابة مدخل إلى الموسيقى التقليدية التي نعرضها على شكل أنطولوجيا، وهي ملاحظات لا تشكل سوى إضاءة تُعِين على فهم أفضل لمشاكل سماتها، بعيداً عن التعريفات الدوغمائية البعيدة عن روح هذه الموسيقى. لأنها تحتوي على تنوع فريد وتعقيد متفرد، بحيث أن أي تقنين لن يسفر سوى عن مقاربة مكونة من فرضيات علمية تحتمل النسبية، بل تتناقض والممارسات العملية.
ونلفت عناية القارئ، بـأنـاّ وفي النقـل الحـرفي، سنتبع صوتيـاً أداء المغنـين بلهجتهم، وليس كما في اللغة العـربية الكلاسيكية.
الأنطولوجيا الموسيقية لشبه الجزيرة العربية:
شِعر البَدو المُغنى:
إن الموسيقى البدوية لاتنفصل عن مكملها الكلامي: الشعر، حيث أنه هناك علاقة شبه عضوية بين هذا الشعر، والتعبير النغمي عنه، لأن الشعر والإنشاد لهما ذات المعنى،وحتى اليوم نجد هذه العلاقة في اللهجة المحلية للجزيرة العربية، فكلمتا «شعر» و«إنشاد» لهما ذات المعنى، ومن الغريب أن نجد في لهجات شبه الجزيرة العربية اليوم، حيث «نشيدة» تعني «أغنية»، وتعني كذلك قصيدة شعرية في الشمال، و«قصيد» في الجنوب، أي قصيدة في العربية الفصحى.
إن الشعر والإنشاد كان لهما في الأصل وظيفة مقدسة، وهو ما أفادتنا به الحوليات القديمة. مقاطعٌ، كلمات مَسجوعة، أوزان، أصوات مُلَحَنة، كان لها قوة سحرية، تجلت في كلمة «طرب» وتعني الجذل العاطفي، ولكن أيضاَ وفي وقت مبكر جداً، سيحلُ الشعر المُنشَد، بتعابيره المقدسة – السحرية، كبديلِ لوظيفة اجتماعية تَسِمُ مراحل الحياة، ونشاطات المجتمع: الولادة، الختان، الزواج، الوقائع الحربية، تمجيد زعيم.. ونجد هذا الشعر اليوم على شكل شعر شعبي مُغنى، أكثر دنيويةً، في تراث شبه الجزيرة العربية.
أما في العصر الحديث، ومع انفتاح شبه الجزيرة العربية على العالم الخارجي، خاصة ابتداءً من القرن التاسع عشر، سنكتشف بالتوازي مع الشعر الكلاسيكي العظيم، الذي بقي عملياً مجهولاً من قبل غالبية البدو، شكلاً آخر من التعبير الشعري والموسيقي: القصيد، غناء يؤدى بمصاحبة الربابة أو بدونها.
هذا التعبير اللغوي سيحمل اسم الشعر النبطي، ومن الغريب أيضاً أنه وكما يبدو فإن موطنه الأصلي، كما الشعر الكلاسيكي، هضبة نجد في المملكة العربية السعودية، وهي موطن القبائل البدوية الكبيرة.
والشعر النبطي الذي لا شك بحضوره قبل الإسلام (القرن السابع الميلادي)، سيستمر وعبر قرون، في احتلال مكانة مرموقة في شبه الجزيرة العربية. سواء كان ذلك بمصاحبة الربابة، أو منشَداً فقط، وسينجو من التحريم الذي طال الموسيقى والرقص من قبل الإسلام، والذي كان من نتائجه اقتصار ممارستهما حصرياً من قبل العبيد والطبقات الفقيرة، التي لا تشكل جزءاً من أرستوقراطية الصحراء. وحتى في العصر الحديث، حين قامت الحركة السياسية الدينية الوهابية (القرنان التاسع عشر والعشرون) بفرض قيود مشددة على ممارسة الموسيقى، استمر الغناء البدوي في التمتع باعتبار وتبجيل كبيرين لطالما كنهما العرب، عبر الأزمنة للشعرالذي لا ينفصل عن هذا الغناء : فالشعر كالحرب فنٌ نبيل.
وبالشعر النبطي سينتشر الغناء البدوي (القصيدة) بأوزانها المختلفة، بصحبة الربابة أو بدونها، وفي ذات الوقت الغناء ذو الإيقاعات، المكون من ثلاثة أنواع تقليدية رئيسية: الهجيني من نمط الحداء، والذي تعود أصوله إلى غناء رعاة الإبل المسمى «حدو»، العَرضَة (الرزحه في عُمان) غناء الحرب، والسامري وهو تقليدياً غناء عن الحب، حافظ عليه البدو الذين استقروا في الضواحي الخارجية للمدن، وشكلت هذه الفنون دائرة أكثر تطوراً من الغناء ذي اللحن المقطعي حيث تصحبه الموسيقى ويتم الرقص على إيقاعاته، ويهدف إلى الترفيه ويُؤدى في المناسبات والأفراح العامة.
وموضوعات هذه الأشعار والأغاني النبطية، تعيد اليوم إحياء التقاليد القديمة لقبائل البدو، وفي رواياتهم أيام العرب يجسد الشعراء، في الوقت ذاته المدافعون عن القبيلة، واليوم عن الوطن، أو عن الدولة- الأمة، والمُبَجِلون لعظمتها، بمدائحهم للزعيم، وإثارتهم لحماس البلاد بقصائد الفخر. أما أكثر أنواع الشعر المستخدمة خلال المناسبات العامة، فيبقى ذي المواضيع الحربية (الحماس)، ويُسَمى حتى اليوم: حربية، عَرضَه، عياله، رزحه، وذلك حسب الإقليم. هكذا إذاً حَوْل حياة القبيلة، المُنصَبة نموذجاً للمجتمع، والمثالية التي ترمز إليها التقاليد البدوية،نجد اليوم كما بالأمس الأسس ذاتها للوحي الشعري والموسيقي: وبالنسبة للعربي يبقى هذا المثل الأعلى مصدراً لكل الفضائل الأخلاقية، والاجتماعية والحربية، و حين يتحضر، عليه أن يخضع لضرورات وتحولات الحياة الحديثة للمدينة.
الموسيقى المرتبطة بصحراء شبه الجزيرة العربية، والتي تشمل شمالاً الصحراء السورية، تنفرد ببساطة وتقشف بنيتيها الغنائية والإيقاعية، فوحده الشعر الذي يسودها يقدم لنا أدباً لا ينضب.
وعلينا في هذه الأثناء التمييز بين الغناء البدوي حقيقةً، والمرتبط بحياة البدو الرُحَل، حتى وإن استقروا عَرَضاً في المدن، وبين موسيقى ضواحي المدن، حيث ساعد الاستقرار الحضري المتزايد طولاً، على خلق موسيقى « مدينية» نسبة إلى المُدُن، والتي اغتنى مخزونها البدوي بعناصر خارجية إيرانية، أو هندية-أفريقية، أحدثت شيئاً من التطوير في النسق الغنائي والإيقاعات، وبخاصة في الآلات الموسيقية، كما نلاحظ في الأجزاء الأخرى من هذه الأنطولوجيا.
هنا تبقى السيادة للقول الشعري، بنمط غنائي بسيط، أقرب إلى الإنشاد منه إلى الغناء، والآلة الموسيقية الوحيدة المقبولة : الرباب أو الربابة، حتى أنها سُميت « ربابة الشاعر» ، إنها آلة موسيقية ذات وتر واحد، تعمل بالحك،الربابة منتشرة بأشكال ومسميات مختلفة، في بلدان أخرى، خاصة في العالم الإسلامي. وهي عند بدو شبه الجزيرة العربية، ذات صندوق صوتي مستطيل الشكل (الطاره)، منحني الأطراف، مشدود على وجهيه جلد به بعض الثقوب الصغيرة لخدمة السماع، وتنتمي الربابة إلى عائلة الآلات الوترية، ووترها الأوحد مربوطٌ بعنقها بواسطة قطعة خشبية بدائية (الكراب)، ويُفرك الوتر بقوس مصنوع من عصا محنية على شكل قوس، ومشدود عليها شعر حصان، والمساحة النغمية للربابه بشكل عام على فاصلة الخمس درجات على السلم الموسيقي، ويتم العزف عليها بوضعها بشكل مائل على الركبة اليمنى، وتلعب هذه الآلة الموسيقية دورها باستقلال ذاتي، حيث تُثبت درجة النغم، تُقدم الغناء، وتُنفذ الفواصل (نوع من التقاسيم الصغيرة) بين كل بيت شعري أو مقطع، أما في العصر الحديث فقد أصبح التقسيم عزفأً منفرداً حقيقياً للربابة.
في شكله الأكثر نقاءً، يتَبِع الإنشاد غالباً، تقنية أخَنْ ( خروج الصوت من الأنف)، ويبقى على درجة حادة تقريباً، وذلك بحسب الإقليم والشعراء – المغنين، فالجملة الموسيقية تتطابق مع التصاعد، والمقاطع الشعرية الطويلة والقصيرة، وتتحد مع عزف الربابة، بحيث تطابق بدقة التغيرات في مساحة نغمية مُخفَضَة للتسلسل النغمي الرباعي للصوت. وهذا ما يشكل بحد ذاته نظاماً «مودال» على السلم الموسيقي، مغايراً لنظام المقام الكلاسيكي، أما التلوين اللحني فيتجلى فيه بشكل متفرد. وقد يظهر بعض المد النغمي هنا وهناك، في حوار مع الربابة.
إن الموسيقى ذات الماهية البدوية تتمحور حول ثلاثة انواع رئيسية من التعبير:
1. الشعر المُرتَل أو المُنشَد برتابة من قبل الشاعر بدون مصاحبة أية آلات موسيقية. في هذه الحالة، تُميز طرق الأداء المختلفة بعض الأنواع: إما أن الشاعر يغني منفرداً، أو برفقة مغنين آخرين يرددون لازمة من القصيدة، أو محاوراً شاعر آخر (المحاورة).
2. الغناء البدوي المُصاحَب بالربابة.
3. الشعر الموزون المقفى ويؤديه الشاعر منفرداً، أو مع المجموعة على شكل أداء تجاوبي.
4. أما المسميات المُعطاة لهذا النوع أو ذاك، فتبقى غير محددة، فهي تشير أحياناً الى الشكل الشعري (مقال..وغيره من المسميات) أو الموضوع (غزل)، وأحياناً الوزن الشعري أو الإيقاع الموسيقي (صخري، سامري، عَرضَه، حربيه.. وغيرها).
في منطقة الخليج العربي و في المملكة العربية السعودية، يصاحب الغناء الجماعي آلات إيقاعية كالطبل (طويل اسطواني)، بينما في المناطق البدوية الأخرى فيتم ضبط الإيقاع مع حركات الأرجل، أو فقط بحركات اللعب بالسيوف.
التسجيلات:
النماذج الموسيقية البدوية المُقَدَمة هنا، مختارة من تسجيلات ميدانية، جُمعت من عام 1970 إلى 1972 وهي حقبة ذات أهمية خاصة في بلدان الخليج العربي، التي بدأت خلالها انفتاحاً على الاستقلال، وبالنتيجة على العالم الخارجي.أما المختارات، ودون أن تكون شاملة، سعت إلى احترام عدد من التنويعات، في ذات الوقت، بين الشعراء، الأنواع الشعرية والأقطاب الثقافية للفضاء البدوي، الجنوبي والشمالي، يمكننا الأسف على غياب أمثلة من المملكة العربية السعودية، وخاصة من إقليم نجد، والذي كان من الصعب جداً بلوغه للقيام ببحث ميداني، ولكن الترحال القبلي للشاعر، أمَنَ هوية يمكن أن تنطبق على الشعر كما على الغناء وعزف الربابة.
في شهر فبراير عام 1970، وبفضل تعاون المرحوم صالح شهاب، المدير بوزارة الإعلام، تمكنتُ من تسجيل نماذج نادرة جداً من الموسيقى الجماعية، أدتها مجموعتان من بدو صحراء الكويت في الجهراء. وفي ذات الوقت وضع أحمد علي، الباحث في الموسيقى، ومدير مكتبة الفنون الشعبية في الكويت1، بين يديّ بعض التسجيلات، التي تمت في الستينات من «شاعر وربابة» . وكان لزاماً أن يُستأنف هذ الإستكشاف عام 1972 في صحراء أبوظبي، وبالتعاون مع صديقي الباحث الدنماركي المختص في موسيقى الشعوب، بول روفسنغ أولسن، ولتوقفي عن العمل في بداية المهمة بسبب إصابتي في حادث، توجب عليّ ترك صديقي يتابع منفرداً التسجيلات، والتي نجد عدداَ من نماذجها ضمن هذه المختارات. أما الموسيقى البدوية لشمال شبه الجزيرة العربية، لاسيما الصحراء السورية، الغنية جداَ، فإنها تستحق هي أيضاَ أن يكون لها مكان هنا، وهكذا تمكنت من التسجيل في خيمة لشاعرين من إقليم تدمر وبادية الرصافة. ولأن النص الشعري – المرافق لهذه الموسيقى – شديد الإسهاب، فلم يكن بالإمكان سوى إعطاء بعض من مقاطعه، والمترجمة بطريقة عَرَضية.
كل هذا الشعر المُغَنى يشكل جزءاً من موروث الأسلاف، المنقول شفهياَ. ويحتفظ الشاعر بنصيبه من الإبداع، سواء بتأليف قصائد مسهبة، أوبتكييف مواضيع قديمة مع أوضاع معاصرة : فهكذا يؤدي مديح قيل قديماً في زعيم قبيلة ، إلى الفخر اليوم، وبنفس التعابير، بالأعمال الجليلة لزعيم دولة حديثة، كما في أمثلة «مقال».
1. مسحوب:
سُجِلَ في الكويت عام 1970 للشاعر حمود المحيسن، «يا أظنه القلب ينها لك»، وهو شعر مُغَنى من نوع «القصيد» قصيده، يسمى المسحوب في منطقة الخليج العربي، وذلك بلا شك بسبب خاصية التقنية الصوتية، حيث يتم المد في نهاية كل بيت شعري، حتى آخر النَفَس، وذلك مع المحافظة على درجة وسط السلم الموسيقي المُستَخدَم، وهي هنا «لا»: ( دو سي ب / لا صول / فا)، ويرتبط بموضوع الغزل بشكل عام، وهو غناء عن الصداقة والحب.
2. صخري أو (صخريه):
سُجل في الكويت عام 1970 للمؤلف والملحن: محمد بن لعبون (1790 – 1830) «سقى صوب الحيا مزن تهاما على قبر بتلعات الحجازي»2 وهو نوع من الشعر النبطي ينتمي إلى فئة السامري، والصخري يعني الوزن الشعري المكون من أحد عشر مقطعاً، ويتميز بأن كل مجموعة أبيات زوجية أو منفردة لها قافية خاصة بها، وتوجد على امتداد القصيدة، أما النغمة الموسيقية فتكون غالباً على الإيقاع ثلاثي الفواصل.
3. قصيد أو (هلالي):
سُجِلَت في الكويت عام 1970 ، للشاعر عبدالله فضاله «استجاب القلب»، وهي قصيدة بإيقاع حر، تعطي مثلاً مهماً (حتى وإن لم يتطابق تاريخيا) حيث استُبدلت الربابة بآلة الكمان، ولكن تقنية العزف، ووضع الآلة العمودي على الركبة أثناء العزف، مكَن للصوت بأن يكون أقرب إلى صوت الربابة منه إلى الكمان. وبقيت النغمة الموسيقية وفية لخصائص الغناء البدوي، رغم إضافة المزيد من الزخارف الصوتية، والوقفات الموسيقية القصيرة جداً (تكاد تكون نادرة لدى البدو).
4. عزف منفرد على الربابة:
سُجِلت في طريف – الإمارات العربية المتحدة عام 1972 لعازف الربابة: جابر بن حمد بن حسين. إن التقاليد البدوية لا تعرف العزف المنفرد والمستقل على الآلات الموسيقية، فالربابة لم ينظر إليها سوى كملحق للشعر أو الغناء، وعلى أكثر تقدير، صالح لملء الفراغات التي يفرضها الارتجال. ولكن التطور الحديث قاد عازفي الربابة، وخاصة أكثرهم مهارة، إلى منح الربابة شكلاً من الإستقلال الذاتي، عن طريق ما يشبه التقسيم، والذي يستحق الاهتمام، علماً بأن للربابة تقنيتها، حيث تبدو جلية بعض أنساق الزخرفة، مثل الأشكال المتكررة للأصوات الحادة.
الشاعر جابر بن حسين مغنٍ بالأساس، وأيضاً عازفٌ ماهر على الربابة كما في هذا العزف المنفرد. أما الجملة الغنائية فتلتف بسلاسة حول خمس نوتات على السلم الموسيقي « مي ري دو / دو سي ب » في خط متكرر محفوف بزخارف لحنية، كما في القصيدة النوته المركزية هنا هي « دو » المتمددة في إطالة منتحبة.
5. مقال:
سُجِلت في طريف – الإمارات العربية المتحدة عام 1972 للشاعر جابر بن حمد بن حسين «الله يعيد العيد بالأفراح والهنا على حبيب الشعب حامي حدودها»، إن هذا التسجيل كما سابقه، وكما الخمسة التاليين، تم في إقليم بالغ الأهمية: طريف، تجمع سكاني للبدو في جنوب غرب العاصمة أبوظبي، في الإمارات العربية المتحدة، وشكلت هذه الأراضي منذ أزمنة سحيقة، مرابع لمخيمات عدد من القبائل البدوية من جنوب شرق شبه الجزيرة العربية، ومن هذه القبائل يتم اختيار الشعراء وعازفي الربابة : وكل واحد منهم نوعاً ما، هو الناطق باسم قبيلته، يدافع عن شرفها، ويُمجد بمدائحه فضائلها، والمغني الجوال جابر بن حمد بن حسين من قبيلة المزاريع، وأصلها من وسط شبه الجزيرة العربية، الشعراء الآخرون الذين نسمعهم هنا،هم أيضاً من صحراء طريف، ولكنهم ينتمون إلى قبائل أخرى.
ويغني الشاعر هنا مقال (المقالة حرفياً هي الخطاب الشعري)، كما تُسمى في الإمارات العربية المتحدة وعمان، والتي هي في الواقع قصيدة مديح، غرض مشهور جدا في الشعر العربي الكلاسيكي. والمناسبة هنا هي العيد الوطني، حيث يقدم شعراء من مختلف القبائل تهانيهم وولائهم لرئيس الدولة الشيخ زايد آل نهيان، من قبيلة بني ياس.
القصيدة تمجد بتعابير مبالغة الفضائل الحربية لرئيس الدولة وابنه ولي العهد. الجملة النغمية تتبع الوحدة الإيقاعية لكل بيت، بحيث يشكلان معاً كلاً منسجماً، يتكرر في كل بيتين، مع قافية أحادية : أودها.
6. منكوس:
سُجلت في طريف – الإمارات العربية المتحدة، عام 1972 للشاعر جابر بن حمد بن حسين، يُقَدم استهلالا قصيرا على الربابة الشاعر، أما القصيدة فهي من الشعر المُغَنى، وتسمى منكوس (وبالمعنى الحرفي الناقص)3 وخاصيتها هي القافية المتماثلة، والتي تتكرر مع نهاية كل شطر.
أما الجملة النغمية والربابة فتتبعان العروض الكمي للقصيدة، ومد النغم الذي يجر المقطع الأخير منها بأسلوب المسحوب المُحبب لدى جابر.
7. غزل:
سُجِلَ في طريف – الإمارات العربية المتحدة، عام 1972 للشاعر أحمد الكندي، «البارحه جفني من النوم عداف»، على نمط الأنشودة يغني هنا أحمد الكندي «غزل» ، وينتمي الشاعر إلى قبيلة كندة الشهيرة، وموطنها جنوب شبه الجزيرة العربية، وإليها ينتمي الشاعر الكبير إمرىء القيس، من عصرما قبل الإسلامي.
ويعود مصدر « غزل» إلى شعر الحب، وإلى أهم أجناس الشعر العربي الكلاسيكي، وتعبير « غزل» يشير في هذا الجزء من شبه الجزيرة العربية، إلى شكل خاص بوزن عروضي كمي طويل، وهو هنا مُغنى بجملة نغمية بسيطة، وغير مصحوب بالربابة.
8. نحوي:
تم التسجيل في طريف – الإمارات العربية المتحدة، عام 1972 للشعراء: محمد سعيد القصيلي، حمد المدحوس، وعلي محمد القصيلي، وهم من قبيلة المناصير.
أوصيتك أنا عارف بدروب الخطا
ولا تخدع الغافل بدون جوال
لا تارد العد الطويل بلاده
ولا تركب الصعدا بدون حبال
هذا الغناء التجاوبي يُسمى «نحوي» ، وهو في الواقع قصيدة أقرب إلى اللغة الأدبية، ويكرر كل شاعر كما اللازمة البيت الذي غناه من سبقه، أما موضوع القصيدة فيشكل سلسلة من الحِكَم الرزينة، وتختصر الأبيات التالية خلاصة الحِكَم:
احذر افعال الأشرار والزم أفعال الخير
عالم البشر لا يساوي إلا بناس طيبين
9. صخري:
سُجل في طريف – الإمارات العربية المتحدة، عام 1972 للشاعر: محمد سعيد القصيلي، «ياقول موال يذكر هواها» تتجرأ قصيدة الحب هذه بالإفصاح عن موضوعها: إمرأة، بينما غالباً ما يواري الشعر البدوي حب المرأة خلف الرموز و الاستعارات المجازية العامة: «ياقول موال يذكر هواها».
10. صخري:
تم التسجيل في طريف – الإمارات العربية المتحدة عام 1972 للشاعر: محمد سعيد القصيلي، «يا إلهي من قلب تاه زايد غرامه»، هذا الصخري الذي ينتمي إلى النوع الشائع من السامري، يختلف عن القصيدة بغناء موزون ثلاثي الجملة الموسيقية،على وزن ذي مقاطع، يمجد موضوع الحب.
11. فريسني:
تم التسجيل في الجهراء – الكويت عام 1970 لفرقة الجهراء، «عارضتني وانا ماشي فايتن بالطريج»، غناء موزون عن حب الحرب، وهو نوع فني لم يعد موجوداً بهذا الشكل سوى في صحراء الكويت. فعلى إيقاع ثنائي الجملة الموسيقية، المجموعة الغنائية الأولى يقودها الزعيم، المجموعة الثانية تردد لعدة مرات نفس البيت من القصيدة، حتى تنتقل المجموعة الأولى إلى بيت جديد منها، ويرافق التصفيق هذا الغناء.
12. فريسني:
تم التسجيل في الجهراء – الكويت عام 1970، لفرقة الجهراء، «ونا البارحه ساهرن ويا ونيني»، هذا النوع الآخر من غناء حب الحرب، تنويع على الأول، حيث المقطع الشعري يحوي قافيتين ونيني – أعيا، إنها إذن رباعية تتضمن عشرة مقاطع صوتية في كل بيت، كل واحد منها يعاد تكراره خمس أو ست مرات، أما الإيقاع فيتم ضبطه بالتصفيق أو بضربات الأرجل على الأرض.
13. عرضه:
تم التسجيل في الجهراء – الكويت عام 1970 لفرقة الجهراء «عديت بالمستجلي من نايفات العداما»، العرضة غناء حربي، كل الرحالة والمستكشفين الغربيين، وكذلك الكتاب العرب اعتبروا العرضه رقصة العرب الحربية بامتياز، وهذا النوع من الموسيقى البدوية الأكثر انتشاراً في مجمل شبه الجزيرة العربية تعود جذوره إلى هضبة نجد، مهد الشعر العريق. وتسمية الرقصة بالحربية، هو بلاشك ما توحي به الحركات والأسلحة المستخدمة فيها، حيث الراقصون يلوحون عالياً بالسيوف والدروع، وأحياناً بالبنادق التي يقلدون بها حركات الحرب، وتنقسم مجموعة الراقصين إلى صفين، للدلالة على المنتصرين والمهزومين،ويحاكي كل صف منهم بالتناوب الاستسلام أوالانتصار، وعلى ما يبدو، فإن ذلك يتعلق في الحقيقة بما وصلنا من أغاني الحرب العائدة لعالم البدو في مجمله. وليست الأحداث الحربية بالضرورة، هي ماتشير إليه المواضيع الشعرية، ولكن غالباً ما تكون اليوم مواضيع الحب وذلك تشبهاً بأشعار الفروسية الحربية في العصر الكلاسيكي، حيث حب المحبوبة يثير شجاعة المقاتلين.
أما الإيقاع، فيميل إلى البطء، وهو ثلاثي الجملة الموسيقية المُدغمة، مع تغيير النبرة من القوية إلى الخفيضة، مما يضبط التمايل المتزن للمغنين، ومن الغريب بأن التطور جعل تقريباً ، من هذا الغناء الحربي غناءً دينياً، تتداخل فيه مواضيع الدعاء بمواضيع الحب والحرب، في تجلٍ موجز:
عديـت بالمستجـلـي مـن نايفـات العدامـا
يـاخوي وآعبــرة لـي منهـا عيـونـي سقامـا
أبكي ولا أحـدن فطن لـي راعـي الهوى مـايلامـا
عـيال مفـرج هـل لـي دخيلهـم مــا يضامــا
رصاصهـم مستجلـي يكسر صليب العظامـا
14. قصيدة:
تم التسجيل في تدمر – سوريا عام 1971 للشاعر عوض المثيري المعروف بأبي عدنان، من قبيلة بني خالد، «خطاري: لو دق صدري قلت عامِر سبيلي»، تم التسجيل في مضارب بدو إقليم تدمر، الموقع الأثري في الصحراء السورية، هذه القصيدة غناء طويل لقصيدة عروضية، فبعد مدخل قصير للربابة، ينشد الشاعر على طبقة صوتية حادة، قصيدة قريبة في نغمتها الغنائية من الإنشاد الرتيب للنوع الغنائي المعروف «العتابا»، ذي الشعبية الكبيرة بين بدو شمال الجزيرة العربية، ويجري الغناء على جنس رباعي4 نازل: صول ب فا مي ب ري ، مع دخول مفاجيء وقصير على درجة دو، وإطالة على المقطع الأخير من الأبيات. أما الموضوع فهو تمجيد الضيافة في الخيمة، والتي يُرمَز إليها بطقس ذبح الخروف، أو في غياب ذلك بالقهوة.
15. سامرية:
تم التسجيل في تدمر – سوريا عام 1971 للشاعر عوض المثيري المعروف بأبي عدنان، «يا غـزالٍ نطحنـي مـا لزينه»، السامرية أو السامري هنا كما في النماذج الأخرى، غناء عن الحب بإيقاع موزون، وهو هنا مكسور نسبياً، مع نسق ثلاثي الجملة الموسيقية، يتبعه نسق ثنائي، ولكن دون ثبات تام، حسب الشعر الذي تستجيب له الموسيقى. في هذه القصيدة ترمز غزالة الصحراء للمرأة المحبوبة، وهي الصورة المفضلة لدى جميع الشعراء الكلاسيكيين والشعبيين.
يا غـزالٍ نطحنـي مـا لزينه تهايـا
واحـلالاة يـا لامـاه والعمـر فانـي
تورد العابد الزاهد حياض المنايا
يا صلاة النبي ياهرجته باللساني
لانطحنـي تضحك لـي بغـر الثنـايـا
لاخذاني بزلاتـي وهـو مـا عطانـي
يوم شفت النهود وشفت حمر الشفايـا
قلت يا صديقي الحقني ترى الموت جاني
لاتسـر الجنـود ولا تسـر الحمايـا
سيتي واحسناتي عنـد ذا المودماني
إن قتلني بزانه من عـروض الفدايـا
وإن حيينا على الدنيـا ترانـا اخَـواني
ابوجديل أشقر يوصل لحـد الشطايـا
كن خده قمر خمسة عشـر لشعباني
16. قصيدة:
تم التسجيل في الرصافة – سوريا عام 1971 للشاعر حمد الشمري،« إليكم إليكم إليكم يا بني أمي إليكم»، إن مضارب البدو حول الرصافة هي لقبيلة شمر، إحدى القبائل الكبيرة شمالي شبه الجزيرة العربية، تُصَنَف بين قبائل مُلاك الإبل (أي أرستوقراطية الصحراء)، وهي منذ القدم تُوَلد الشعراء الموهوبين.
التسجيل المقدم هنا، بعكس المُسجل في إقليم تدمر، حيث كان الشاعر ينتمي إلى عائلة شيخ القبيلة، تم في خيمة بدوٍ فقراء، رغم انتمائهم المرموق.
القصيدة التي يغنيها حمد الشمري مختلفة، من حيث تقنية الأداء الصوتي، وكذلك النمط النغمي، عن تلك المؤداة من قبل أبي عدنان، ولكن الشكل ينتمي أيضاً إلى نوع « العتابا»، وللربابة دور ثانوي جداً، فهي تكتفي بالمحافظة على درجة نغمة الأداء « تونه» . تتغنى القصيدة بالصداقة ولوعة فراق الأحبة، وهذا الاشتياق هو دائم الحضور في حياة الترحل لهؤلاء البدو. ونضيف إلى أن نهاية كل بيت، تبدو أنها تشكل هناعملية تنشيط للذاكرة على الارتجال.
« إليكم إليكم إليكم يا بني أمي إليكم»
الهوامش
1. في عام 1970، كان المرحوم صالح شهاب مديراً لدائرة السياحة في وزارة الإرشاد والأنباء (الإعلام) الكويتية. وكان أحمد محمد علي مديراً "لمكتبة التراث الموسيقي" التي جرى تطويرها عام 1970 في عهد المرحوم احمد مشاري العدواني امين عام المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في ذلك الوقت، واحتوت المكتبة الموسيقية آنذاك على اكثر من الفين وخمسمائة شريط تسجيل واكثر من الف كتاب متخصص في الموسيقى العربية عموما والتراث الكويتي خصوصا، بالاضــــافة الى مجـــموعة كبـــيرة من اجهزة النقل والمونتاج وآلات موسيقية نادرة. (عن جريدة القبس الكويتية 15 سبتمبر2004) – المترجم
2. في النص الأصلي : سقى غيث الحيا مزنٍ تهاما على قبرٍ بتلعات الحجاز (المترجم)
3. المنكوس: ترجع تسميته بهذا الاسم "المنكوس" إلى طريقة أدائه في الغناء، إذ يبدأ المغني بطبقة صوت مرتفعة تنخفض شيئاً فشيئاً مع الشطر الأول من صدر البيت الشعري لتبلغ أوجها في نهاية هذا الشطر، ثم تعود وتنتكس "تنخفض" بشكل متدرج في الشطر الثاني من البيت، و"المنكوس" أحد بحور الشعر النبطي الطويلة، التي تطرب سامعها وتشده إليها من خلال تفعيلة العروض المتميزة عن غيره من بحور الشعر الأخرى، وتفعيلة المنكوس هي من البحر الطويل (فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن) مع الالتزام بالقافية في صدر بيت الشعر وعجزه، ويقال إن تسمية "المنكوس" ترجع إلى حركة طائر الورقاء "أم سالم"، التي يستدل البدو منه على قدوم فصل الصيف، إذ إنّ صوت هذا الطائر وتغريده يزدادان كلما ارتقى إلى الأعلى، ثم لا يلبث صوته الشجي الشفيف أن ينخفض، كلما انتكس هابطاً نحو الأرض، كما يطلق على المنكوس اسم طارق أو لحن المنكوس، لأن المؤدي يطرق بصوته مسامع الآخرين أثناء الأداء الفني. ( جريدة الاتحاد – أبوظبي – 2 يناير 2019 ) " المترجم " : هذا المعنى لا يتطابق مع تفسير الباحث لمعنى "منكوس " .
4. سيمون جارجي بالتعاون مع ماري- جورج كوساد – جارجي
الصور:
1. https://www.amar-foundation.org/simon-jargy/
2. https://sqawoa.com/wp-content/uploads/2021/11/inbound7072710361697071517.jpg
3. http://watanmedia.seyasi.com/resources/media/images/2013/6/290173_o.png
4. https://i1.sndcdn.com/artworks-000255357143-1hgy97-t500x500.jpg
5. https://www.alittihad.ae/article/17073/2020/%D8%A3%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%86%D8%AF%D9%8A-%D8%B4%D8%A7%D8%B9%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%A8%D8%A7%D8%A8%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A8%D8%A7%D8%A8%D8%A9