فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
67

المتاحف الأهلية في موريتانيا متاحف آدرار ذاكرة التراث الشعبي!

العدد 48 - ثقافة مادية
المتاحف الأهلية في موريتانيا متاحف آدرار ذاكرة التراث الشعبي!
كاتب من المغرب

تلعب المتاحف دورا أساسيا في الحفاظ على التراث، فهي مكان مخصص لجمعه وحفظه وعرضه، سواء كانت متاحف عامة أو خاصة، إذا ما التزمت بالمعايير الدولية المتعارف عليها في حفظ وصيانة الممتلكات الثقافية التي توصي بها اليونسكو ومؤسسة كيتي، تلك المعايير التي تضمن حفظ التراث والآثار والحصول على المعلومات الكافية عن كل قطعة تراثية أو أثرية على حدة بصفة دقيقة ومفصلة1، وسنتعرف في هذه السطور على تاريخ تأسيس المتاحف وتعريفها وأهم وظائفها ؟ ثم كيف نشأت المتاحف الأهلية في آدرار موريتانيا؟ وماهي أبرزها؟ وكيف يمكن أن نجمل أهم التحديات التي تواجهها؟ وما السبيل إلى تجاوزها؟

نبذة عن تاريخ تأسيس المتاحف

تعتبر فكرة تأسيس المتاحف فكرة قديمة قدم البشرية، فالإنسان بطبعه ميال إلى جمع وحفظ كل ما يراه جميلا وهاما بالنسبة له، وتبدأ عملية الجمع تلك منذ مراحل الطفولة الأولى فترى الطفل يجمع بعض الأدوات والأغراض ويحفظها في مكان معين ويرتبها بالطريقة التي يراها مثالية، وعند ما يعبث الغير بتلك الممتلكات نرى كيف يغضب الطفل وتثار حفيظته، وقد لا يضاهي أهمية تلك الأغراض سوى ما يجمعه الكهول ويحبونه حد التقديس على اعتباره جزءا من الماضي الهام.

لكل فرد هوايته في الجمع منذ نعومة أظافره وحتى مراحل العمر المتقدمة، وتختلف الاهتمامات وتتنوع بتعدد الأفراد والمجتمعات والثقافات، وتبقى من أكثر الأغراض والأدوات التي تستهوي الهواة على اختلاف مشاربهم وتنوعها:(النقود، الطوابع، الصور، الساعات...) وفي العادة تتشكل لدي هواة الجمع مجموعات نتيجة ذلك الجهد التراكمي مع مرور الزمن، وتعتبر عنصر غنى وتفاخر وتمايز بين الناس، فنجد بعض المؤرخين يتحدثون عن أناس جمعوا كنوزا جعلتهم مضربا للمثل ككنوز قارون وكاترين ميديتش ونظام حيدر آباد «وقلما نجد في صفحات التاريخ أن إنشاء المتاحف كان بدافع المصلحة العامة وخدمة الجمهور، بل كثيرا ما كان متحفا خاصا يشتمل على مجموعة فردية من المتروكات أو التحف الفنية. وربما كان هذا المتحف عند إنشائه في الماضي، منزلا خاصا متواضعا أو فخما، ثم فتح للجمهور بحكم تاريخه ومحتوياته. وكان المتحف قبل أن يصبح عاما ملكا خاصا لصاحبه سواء كان منزلا أو فيلا أو قصرا أو مسجدا. وربما كان خاصا ببعض الشخصيات أو هيئة أو مؤسسة أو منظمة»2.

ومع مرور الوقت تطورت فكرة الجمع وأصبح أصحاب تلك المجموعات يهتمون بإحصائها ومقارنتها وترتيبها ودراستها. وساروا ينتقون المجموعات النادرة وظهرت عدة أسماء وعائلات مهتمة بهذا المجال، وتشكل مدرسة مانتينيا (1431 - 1056م) الإيطالية التي امتلكت مجموعات خاصة ومتميزة شكلت النواة الأولى للمتاحف، وهو ماجعل البعض يعتبر إيطاليا البلد الأول الذي ظهرت فيه المتاحف في القرن 15م3.

إلا أن المتاحف لم تبرز بصفة فعلية إلا في القرن 18م، حيث بدأت تنجز المؤلفات حول علم المتاحف ويعد أول من ألف في هذا الميدان هو: كاسب .ف.نايكل(CASPAR.F. NEICKEL) حيث ألف سنة 1727 كتاب موزيوغرافيا (MUSEOGRAPHIA) باللغة اللاتينية، «وكانت أفكار الثورة الفرنسية والمنهج العقلاني في ألمانيا واهتمام الدول الاسكندنافية بمتاحف التقاليد الشعبية، ورغبة بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية في الاستفادة من المتاحف في قضايا التربية واعتماد الاتحاد السوفيتي على المتاحف في نشر الثقافة وتعميم المعرفة في أوساط الجماهير. كل ذلك أسهم فعليا في تقدم علم المتاحف وظهوره كعلم له مختصوه وطلابه، وبحوثه ومؤلفاته وتاريخه ونظرياته، ومجلسه الدولي ولجانه»4.

إذا كان علم المتاحف قد شهد تطورا كبيرا نتيجة للاهتمام المتزايد به، فإن المتاحف هي الأخرى قد عرفت في العقود الأخيرة ما يمكن أن نطلق عليه «الثورة المتحفية الحديثة»5، وذلك بسبب تنوع وكثرة المتاحف واتباعها أساليب مبتكرة وحديثة في العرض، حيث أضحت التكنلوجيا من أهم أدواتها وتستخدمها لحفظ البقايا الأثرية وإرضاء الجمهور والمجتمع المعاصر.

تعريف المتحف

يصعب تقديم تعريف جامع للمتحف بسبب تضارب الخلفيات والزوايا التي ينظر منها كل باحث وكذلك بسبب تعدد وتنوع المتاحف: متاحف الفنون الجميلة، متاحف العلوم الطبيعية، متاحف الأركيولوجيا والتاريخ. ومع ذلك يبقى من أهم تعاريف المتحف ما قدمه المجلس الدولي للمتاحف (ICOM) من خلال قانون الإيكوم المعتمد في الاجتماع السادس عشر للمنظمة في هولندا، والذي عدل في الاجتماع الثامن عشر في النرويج سنة 1995م، ومن ثم في الاجتماع العشرين في اسبانيا سنة 2001، والذي يعرف المتحف بأنه7 «مؤسسة دائمة ليس لها هدف ربحي تخدم المجتمع وتطوره، مفتوحة للجمهور وتحتوي على التراث المادي وغير المادي للبشرية وببيئتها فتحفظه وتدرسه وتبثه.لغرض الدراسة والتعليم والتمتع»8.

وقد قسم جورج هنري ريفريه المتاحف إلى أربع مجموعات رئيسية هي9:

1. متاحف الفنون:

- متاحف الفنون التطبيقية.

- متاحف المشاهد المدرسية.

- متاحف الموسيقى والرقص.

- المتاحف الأدبية.

- متاحف التصوير والسينما.

- متاحف العمارة.

2. متاحف علوم الانسان:

- متاحف التاريخ والآثار وعصور ما قبل التاريخ.

- متاحف الاثنولوجيا والأثنوغرافيا والفلكلور.

- المتاحف التعليمية.

- المتاحف الطبية.

3. متاحف العلوم الطبيعية.

4. متاحف العلوم والتقنيات.

وظائف المتحف

للمتحف عدة وظائف تهدف في مجملها إلى حفظ وعرض وتثمين وتقديم الموروث الثقافي إلى الجمهور باعتباره أحسن معبر عن الذاكرة الجمعوية، وتلك الوظائف هي:

1) وظيفة الحفظ

(La fonction de conservation):

يعتبر المتحف المكان المخصص لحفظ التراث بمختـلف انـواعـه، فـفـيه يتــم حـفــظ المـجـمـوعــات الأثـريـة ومختلف أنواع القطع والأدوات التراثية ذات القيمة الهـامـة مـن أجـل صـيانتـهـا أمـام عمليات النـهـب والسـرقـة والتـخـريـب والإهمـال التـي قـد تــطــالــهـا ومــن مخــاطـر العـوامـل الطـبيـعـية مـن جهة أخـــرى.

يجب أن يكون المتحف مجهزا بطريقة خاصة وتتوفر فيه الظروف الملائمة حتى يحفظ مقتنياته من الضياع والتلف، وتتعرض الممتلكات الثقافية لثلاثة مخاطر رئيسية هي:

2) السرقة ( Le vol ):

تستهدف السرقة أنواعا محددة من الممتلكات الثقافية والتي تكون لها قيمة مادية معتبرة كالتحف الفنية (les oeuvres d’art) واللوحات (orfèvreries les) والمجوهرات (bijoux (les.

3) التخريب ( Le vandalisme ):

هو عملية تستهدف بعض الممتلكات الثقافية وحتى المواقع الاثرية من أجل تشويهها أو تخريبها أو تدميرها بفعل عوامل سياسية واجتماعية وأمنية.

4) الإهمال ( La négligence):

قد تتعرض بعض الممتلكات الثقافية للإهمال وهو ما يجعلها أمام الكثير من المخاطر الطبيعية والبشرية!

5) وظيفة العرض

(La fonction d’exposition):

تعرض التحف الفنية والأدوات التراثية في المتحف من أجل تقديمها إلى زوار المتحف بهدف التعريف بها ونقلها إلى الجمهور، فوظيفة العرض هي10: «تقديم التحف الفنية للجمهور والوثائق والأدوات التي تتعلق بموضوع محدد»11.

6) الوظيفة العلمية

(La fonction scientifique):

من وظائف المتحف الإشراف على الدراسات العلمية سواء كانت دراسة الوثائق أو الدراسات الأركيولوجية والتاريخية. ويمكن أن تجرى تلك الدراسات في داخل المتحف من طرف المتخصصين العاملين في المتحف نفسه على بعض الأدوات التراثية من أجل الحصول على بعض النتائج العلمية، كما يمكن أن تجرى في الميدان بإشراف من المتحف ويكون ذلك بهدف الحصول على أدوات ومقتنيات تاريخية تثري المتحف، ويمكن في بعض الحالات أن يجتمع النوعان كما يحدث في الحفريات الأثرية حيث تجرى بحوث ميدانية يتحصل من خلالها على القطع والأدوات الأثرية فتجلب إلى المتحف من أجل تعميق الدراسة ثم ينتهي بها المطاف في رفوف المتحف.

7) الوظيفة الترفيهية

(La fonction d’animation):

يجب على المتحف أن يكون فعالا ونشطا في المحيط الثقافي للمدينة ومنطقة وجوده وذلك من خلال القيام بمختلف الأنشطة الثقافية في جميع المناسبات والمواسم المحلية والوطنية بل حتى الدولية ومن أهم تلك الأنشطة نذكر: العروض المؤقتة، الجولات المصحوبة بمرشدين، الحفلات الثقافية، الندوات، الورشات الثقافية والعلمية...

نشأة المتاحف الخاصة في آدرار

شهدت ولاية آدرار موريتانيا ظاهرة المتاحف الخاصة منذ انطلاق السياحة الصحراوية والثقافية في الولاية، وتجسدت تلك الظاهرة من خلال مبادرات فردية انطلقت في تسعينيات القرن المنصرم، تهدف إلى جمع وحفظ الممتلكات الثقافية والقطع التاريخية12، وبفضل الكثير من الجهد والمثابرة نجح أصحاب تلك المبادرات في حفظ جوانب هامة من التراث المحلي، لتشكل تلك المقتنيات النواة الأولى للمتاحف المحلية الخاصة في ولاية آدرار، والتي سنتناولها بشيء من التفصيل.

عرفت الولاية ظاهرة المتاحف الخاصة مع نمو السياحة بها- ( الفترة ما بين 1996 - 2007)- حيث أصبحت جزءا من المشهد السياحي وقد حاول المكتب الوطني للمتاحف تنظيم مسألة عرضها للقطع الأثرية التي لا يحق لها قانونيا حيازتها، وتم البحث عن صيغة قانونية تسمح بعرض القطع الأثرية في تلك المتاحف بصفة الإعارة وتبقى ملكيتها للدولة الموريتانية.

وتتجلى أهمية المتاحف الخاصة في كونها تعد أهم وسيلة من أجل:

- جمع الآثار والأدوات التقليدية

- حفظ المنقولات الأثرية في آدرار

- عرض مختلف تلك القطع والأدوات الثمينة.

وتحتوي المتاحف الخاصة في الولاية على آلاف القطع الأثرية المختلفة (فؤوس حجرية، الرحى، أدوات تقليدية، مخطوطات) لكن جلها لا يلتزم بالمعايير الدولية لحفظ وجلب المقتنيات الثقافية وبشكل خاص الأثرية منها، مما حد كثيرا من القيمة الأثرية والعلمية لهذه التحف وجعلها أمام إشكالية القيمة الأثرية المحدودة 13!

نماذج من المتاحف الخاصة في آدرار

1) متحف أتويزكت:

يوجد في آدرار العديد من المتاحف الخاصة تحتوي آلاف القطع الأثرية14. ويعد متحف أتويزكت والذي بدأت فكرة تأسيسه منذ سنة 1996م مع الخليل ولد النهاه والقطب ولد أنتهاه من أهمها، وهو متحف أركيولوجي/اثنوغرافي، يحتوي على آلاف القطع الأثرية ( حوالي 0007 قطعة أثرية) موزعة على النحو التالي15:

- 4400 قطعة حجرية من العصر القديم (النيوليتي).

- 500 قطعة من الأدوات المنزلية والحلي والألعاب

- 200 كتاب مخطوط.

- 400 مخطوط / عقود، رسائل، فتاوى، مدائح.

- 350 قطعة من النقود والعلامات العسكرية من العهد الفرنسي.

- 2500 من الطوابع البريدية ونقود موريتانية من الإفرنك إلي الأوقية.

نماذج من الممتلكات الثقافية التي يحتوي عليها المتحف، تبين جوانب في الصور (2 - -3 4 - 5).

قد جمعها أصحابها بفضل سنوات من العمل والجمع المتواصل، لكن عدم التقيد بالمبادئ الأساسية التي توصي بها اليونسكو ومؤسسة كيتي في «استمارة تحديد هوية القطعة» يجعل جل المتاحف الخاصة في آدرار أمام إشكالية القيمة الأثرية المحدودة، ويحد كثيرا من القيمة الأثرية لتلك القطع وتبقى تساؤلات هامة حول القطعة الأثرية بدون أجوبة، ما هو نوع القطعة الأثرية؟ ما هي المواد والتقنيات المستخدمة فيها؟ ما هي مقاييس وعلامات وسمات تلك القطعة؟ ما هو عنوان وموضوع تلك القطعة وإلى أية حقبة زمنية تعود؟!

يتميز متحف أتويزكت بوفرة الأدوات الحجرية التي توجد به، فقد جمعت من مختلف المواقع الأثرية في آدرار، مواقع تحتوي على الكثير من المنقولات الأثرية التي صنعت في فترات مختلفة، فـالإنسان قد استوطن الصحراء منذ حوالي المليون سنة وتشير الآثار التي وجدت إلي ثقافات متعددة كالآشولية16 والمستيرية والعطرية17. تشير الدراسات الأثرية المنجزة في مختلف المواقع الأثرية إلى استخدام الانسان القديم الحجارة في كثير من صناعاته وتنتشر المنقولات الأثرية في مواقع متعددة، فآثار الحجري القديم منتشرة في كل مناطق البلد من الأزرق قرب ازويرات حتى هضاب آفلة وإن كانت تتركز أساسا في منطقة «اتراب الحجرة»18 وفي مناطق خاصة منها كمنطقة الباطن في آدرار19.

إلا أن معظم تلك المواقع الأثرية لم يحظ بدراسات مختصة ومعمقة من أجل التعرف على مخزونها الأثري الهام «فالدراسة لم تشتمل بعد إلا بعض المواقع وبصفة سطحية منها مواقع في شمال آدرار، وإن كانت الأخيرة حظيت باهتمام أكبر أما الآثار في باقي البلد فلا يوجد عنها في الغالب إلا بعض الإشارات ولم تحظ مناطق كثيرة في الشمال والشرق بأكثر من مرور الكرام»20.

وقد استخدم الانسان القديم الحجارة من أجل صناعة جل أدواته فصنع منها أدوات الطحن «الــــرحى» و«الـصـفـية» وأدوات القـطـع كـالفـأس الـحـجـري «أكـويـديـم الـذيـب» وأدوات الـقـنـص «كــــبـوشـريـك». كما استخدم الخزف في فترات لاحقة حوالي 5000ق.م21 وهو ما سمح له بتخزين الماء والحبوب وطبخ الأطعمة، وبذلك حد من ظروف الطبيعة التي تحيط به.

نماذج من الأدوات الأركيولوجية المختلفة، والتي تمثل جوانب هامة لثقافات حقب ما قبل التاريخ، حيث استخدم الانسان القديم الحجارة في صناعة معظم أدواته في الصور (6 - -7 8).

إن هذه الأدوات وغيرها منتشرة في مواقع مختلفة في جميع مناطق الوطن ففي آدرار موقع البيًظ الذي وصفه تيودور مونو بأنه يحتوي على ما يحمل أربع عربات قطار من الآثار 21 والغلاوية، وليست هذه الأدوات إلا نماذج بسيطة علي ما تحتويه الصحراء من كنوز أثرية تحتاج الكثير من البحث والتنقيب.

2) متحف أماطيل:

يقع متحف أماطيل جنوب مدينة أطار على بعد 40 كلم، على طريق الرابط بين أطار والعاصمة انواكشوط، وهو متحف خاص أسسه ابراهيم ولد اخيار على أنقاض معركة أماطيل التي شهدتها المنطقة بين المقاومة الموريتانية وكتيبة فرنسية بقيادة العقيد هنري كورو 1908، وجمع فيه عشرات الأسلحة التقليدية بفضل جهد شخصي، يعكس المتحف جانبا هاما من تاريخ مقاومة الاستعمار الفرنسي في موريتانيا.

حصل المتحف على الترخيص الرسمي بعد حوالي 10 سنوات من العمل الميداني، ويحتوي على أنواع نادرة من الأسلحة التقليدية المعروفة محليا بـ«لخشام» و«الخماسية» اضافة للأسلحة البيضاء كالنصال والخناجر، وعلى أغراض نادرة استخدمت في المعارك التي جرت بين المقاومة الموريتانية والاستعمار الفرنسي، كما توجد به بعض الأدوات والمستلزمات التي فر عنها المستعمر في المعارك المتفرقة التي انهزم فيها، وخصوصا معركة أماطيل22.

مسؤولية المتاحف الأهلية!

تدخلت الدولة الموريتانية بعد تطور ظاهرة المتاحف الأهلية الخاصة، من أجل تنظيم مجال عملها والبحث عن صيغة قانونية يتم بموجبها عرض الممتلكات الثقافية مع مراعات حفظ وسلامة تلك المقتنيات الهامة، ومراعات التزام أصحاب تلك المبادرات بالقوانين الوطنية والدولية التي صادقت عليها الحكومة الموريتانية والتي تشكل الضمان الأساسي لسلامة وديمومة التراث بمختلف أشكاله، وحددت الجهات الوصية بعض الشروط والالتزامات لاقتناء وعرض تلك القطع بصفة الإعارة وتبقى ملكيتها للدولة، ويمكن التعرف على تلك الضوابط من خلال الوثيقة القانونية لترخيص «متحف اتويزكت» والتي تقول:

بموجب المرسوم رقم 175-2007 الصادر عن مجلس الوزراء بتاريخ 06 سبتمبر 2007،و بصلاحيات الوزير الأول ومجلس الوزراء، والمرسوم رقم 097-2009 صادر بتاريخ 11أغسطس2009، الذي يتعلق بتعين أعضاء الحكومة، والمرسوم رقم 058-2010 صادر بتاريخ 06 مايو 2010، المحدد لصلاحيات وزارة الثقافة والشباب والرياضة وتنظيم الإدارة العامة لقطاعاتها.

وبموجب الطلب المقدم من طرف المعني بتاريخ 07/مايو/2009، ونتيجة لدراسة الملف من طرف مديرية التراث والثقافة.

صدر المرسوم التالي:

- المادة الأولى: يرخص للسيد الخليل ولد الداه بافتتاح متحف للتراث الثقافي في آدرار يسمى «متحف اتويزكت».

- المادة الثانية: «متحف اتويزكت» مهمته حماية وتثمين وعرض الممتلكات الثقافية التي تشمل تراث هذه المنطقة، وفقا لأخلاقيات المتاحف.

- المادة الثالثة: المجموعات الأركيولوجية التي في المتحف هي ملك للدولة، ويجب أن تخضع لمراقبة منتظمة من طرف المصالح الفنية للوزارة المكلفة بالثقافة، ولا تعرض في هذا المتحف إلا بصفة الإعارة.

- المادة الرابعة: المسؤول عن المتحف يجب أن يقوم بدون تأخير بجرد شامل للأدوات الأركيولوجية التي بحوزته، كما يجب عليه أن يخضع لرقابة منتظمة من طرف المديرية المكلفة بالتراث والثقافة والمكتب الوطني للمتاحف.

- المادة الخامسة: إذن الاستغلال هذا لا يعطي حق التنقيب الأثري23.

يتضح من خلال المواد القانونية التي تنص عليها وثيقة ترخيص«متحف اتويزكت» حجم المسؤولية الجسيمة الملقاة على كاهل أصحاب المتاحف الأهلية من حماية وعرض وتثمين الممتلكات الثقافية التي بحوزتهم، ممتلكات متعددة وتنقسم في معظمها بين شقين كبيرين أركيولوجي واثنوغرافي تمثل مختلف الثقافات التي شهدتها المنطقة منذ العصور الحجرية وحتى يوم الناس هذا، وتعبر المتاحف الخاصة بما تحتويه من ممتلكات ثقافية عن مدى غنا وثراء الثقافة المحلية، ولكن السؤال المطروح هل يمكن أن تقوم تلك المتاحف بدورها على أكمل وجه في ظل ضعف الإمكانيات المادية ونقص الخبرات البشرية وشح الدعم والرعاية التي تحظى بها تلك المؤسسات الأهلية الفتية؟!

مشاكل المتاحف الخاصة في آدرار

تواجه المتاحف المحلية في آدرار مجموعة من الصعوبات التي تؤثر بصفة كبيرة في تأدية واجبها والقيام برسالتها على أكمل وجه، كما تجعل المقتنيات الثقافية التي تحتضنها تلك المؤسسات أمام الكثير من المخاطر والتحديات التي تحد من قيمتها وقد تعرضها للتلف مع مرور الوقت، ومن أهما تلك:

1. أثناء عملية الجمع: تواجه الآثار المنقولة الكثير من الأخطار أثناء عملية الجمع حيث لا يوجد لدى المتاحف الخاصة خبراء في مجال التراث والآثار، لذا لا تخلو عملية الجمع من نواقص جمة في طريقة اقتناء مختلف الأدوات الأثرية بصورة لا تراعي المعايير العلمية المتعارف عليها دوليا.

2. أثناء عملية الحفظ: لا يتم حفظ الممتلكات الثقافية في وضعها المناسب وذلك بسبب نقص الخبرة وتواضع الامكانيات المتاحة، وهو ما يجعلها عرضة للعوامل المناخية وغيرها من الآفات التي تسبب خطرا عليها، ننوه هنا بالجهود المبذولة من طرف أصحاب تلك المتاحف من أجل حفظ الموروث الثقافي رغم ضعف الإمكانيات.

3. أثناء عملية العرض: تعرض الممتلكات الثقافية في المتاحف الخاصة بصورة شبه بدائية فنقص الوسائل أثر بصورة سلبية (ضيق المكان، الإضاءة الباهتة)، كما أن غياب الخبرة في المجال جعلت عملية عرض تلك القطع تتسم بغياب التناسق المطلوب في مثل تلك الفضاءات الثقافية.

إن عدم تقيد المتاحف الخاصة بالشروط العلمية (استمارة تحديد هوية القطعة) يجعل كل القطع الأثرية التي بحوزتها رغم وفرتها (حوالي 7000 آلاف قطعة في متحف أتويزكت ومئات القطع الأثرية في متحف دار السلاح وحوالي 300 قطعة أثرية في متحف أنتيد) محدودة القيمة العلمية والأثرية، وربما الشيء الإيجابي هو حفظ تلك الآثار من النهب مع أن طبيعة الحفظ والعرض لا تتلاءم مع المعايير الدولية24.

نخلص إلى أن المتاحف الأهلية في آدرار موريتانيا ظهرت منذ تسعينيات القرن الماضي مع بروز السياحية الصحراوية والثقافية في ولاية آدرار، وقد لعبت دورا هاما في حفظ التراث المحلي، وذلك من خلال جمعه بطرق شتى(جمع الآثار المنقولة بصيفة ميدانية، إعارة بعض اللوازم ذات القيمة التاريخية كالمخطوطات والحلي، شراء بعض الأدوات التقليدية من الأهالي)، كما ساهمت في التعريف به من خلال تقديمه للجمهور (المواطنون، السواح)، وقد بدأت تلك المتاحف بفضل جهود فردية لم تكن تحظى بالشرعية القانونية في بداياتها الأولى، وهو ما جعل أصحاب تلك المبادرات يسعون إلى الترخيص الرسمي من طرف الجهات الوصية وبفضل التنسيق بينهم والجهات الرسمية تدخلت الدولة من أجل تنظيم قطاع المتاحف الأهلية ومنحها صفة قانونية حتى تقوم برسالتها بشكل منسجم مع النظم الضابطة للقطاع الثقافي في البلد.

معظم المتاحف الأهلية لم يكن مشكل الترخيص هو العائق الوحيد أمامه من أجل القيام بمهمته النبيلة على أكمل وجه، فقلة الإمكانيات المادية ونقص الخبرات البشرية أثرت بشكل كبير في عمل تلك المؤسسات الثقافية، مؤسسات تحتاج الكثير من الاستثمار المادي والبشري من أجل حفظ التراث المحلي بصفة مقبولة وتحترم المعايير المتعارف عليها دوليا في مجال المتاحف.

ومهما يكن من أمر فإن أصحاب تلك المبادرات الرائدة يستحقون الإشادة والدعم على الجهود الكبيرة التي بذلوها في سبيل حفظ جزء كبير من التراث والثقافة الشعبية الموريتانية التي كانت تهددها الكثير من المخاطر (الطبيعية والبشرية)، وبفضل سنوات من العمل المتواصل والتضحية بالوقت والمال استطاعوا جمع وحفظ أكبر قدر ممكن من التراث المحلي.

الهوامش

1. التدابير القانونية والعملية لمكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية، «دليل اليونسكو»، ص.24 - 27.

2. مصطفى غنيمة، عبد الفتاح، المتاحف والمعارض والقصور، منشورات كلية الآداب جامعة المنوفية، 1990م، ص.12.

3. زهدي، بشير، المتاحف، منشورات وزارة الثقافة في الجمهورية العربية السورية، ط. الأولى، دمشق. 1988، ص.23.

4. م. س. ص. 11.

5. سعيد، الحجي، «متاحف الآثار هويتها، تطورها و واقعها المعاصر» مجلة جامعة دمشق- المجلد 30- العدد- 43، 2014. ص.01.

6. المجلس الدولي للمتاحف (International Council of Muséums ) هو مؤسسة غير حكومية تأسست سنة 1947 ليس لها هدف ربحي تضم 21000 عضو (ما بين مؤسسة و فرد) في 146 دولة.

7. الترجمة جهد شخصي.

8. Extrait des Statuts de l’ICOM, adoptés par le 16e Assemblée générale de l’ICOM (La Haye,Pays-Bas, 5 septembre 1989) et amendés par la 18e Assemblée générale de l’ICOM (Stavanger, Norvège, 7 juillet 1995) puis par le 20e Assemblé générale de l’ICOM (Barcelone, Espagne, 6 juillet 2001).

9. RIVIERE Georges-Henri, 1989, Leçon de Georges Henri Rivière, in La muséologie Selon Georges-Henri Rivière, Textes et témoignages, Dunod, Paris, p.90.

10. الترجمة جهد شخصي.

11. André (G.), Noémie DROUGUET, «La muséologie», histoire, développements et enjeux actuels, ARMAND COLIN, 2é édition, 2006, chapitre 4, «l’exposition : la fonction de présentation», p. 103,104.

12. من أصحاب تلك المبادرات نذكر: الخليل ولد أنتهاه مؤسس متحف أتويزكت وأحمد ولد أخيار مؤسس متحف أماطيل ولمينة منت أمم مؤسسة متحف أنيد وسيد محمد عابدين سيدي في وادان وغيرهم...

13. يتم في الغالب جمع المنقولات الأثرية بفضل جهود شخصية، يقوم بها في العادة أشخاص مهتمون بحفظ الموروث الثقافي وبمبادرات فردية في معظم الأحيان، لكن عملية الجمع تلك قد لا تراعي بضرورة المعايير العلمية المتعارف عليها في جمع وحفظ الممتلكات الثقافية، ويرجع ذلك إلى نقص الخبرات والإمكانيات في هذا المجال.

14. "...مجال الدراسة الأثرية شاسع ومتنوع، فهو يشمل الإنسان بذاته ويتتبع أنشطته، فالهياكل العظمية للبشر التي قد توجد في المقابر أو ضمن طبقات أثرية هي موضوع درس، وكذلك عظام الحيوانات التي يصطادها أو يدجنها أو والأدوات التي يستنبطها ويستعملها بمختلف أصنافها ومصادرها، وكل ما ينتجه بتحويله لمواد أولية مثل الطين والحجارة والصوف والمعادن و الغراسات، إلى الخزف وعملة ولباس ومسكن ومواد استهلاك غذائية وجمالية إلخ...يدخل في مجال علم الآثار." أنظر. محفوظ، فوزي والحرازين، نور الدين، المبتدأ في الآثار، تونس 1996، ص.12. بتصرف.

15. القطب ولد أنتهاه محافظ متحف أتويزكت الأثري، حسب ما ذكر، أشرفت وزارة الثقافة على عملية إحصاء للمقتنيات الثقافية (خاصة الأثرية منها) وذلك من طرف مختص أوفده إلى المتحف.

16. الآشولية تنتمي إلى الطور الأول من الحجري القديم وتتميز بأدوات ذات حدين وسميت هذه الفترة بالآشورية نسبة إلى بلدة سان آشول الفرنسية حيث اكتشفت الأول مرة آثار من الفترة المذكورة. أنظر. ولد ختار، محمد وآخرون، موريتانيا القديمة: مختصر لإسهام الأبحاث الأركيولوجية، نواكشوط 2000، ص.09.

17. نسبة إلي بلدة بئر العطر الجزائرية حيث اكتشفت آثار هذه الفترة المتميزة بأدوات حجرية مذيلة أو ذات ساق. أنظر. ولد ختار، م. س. ص. 04.

18. مصطلح محلي جغرافي يطلق على ثلاث ولايات موريتانية هي: آدرار تكانت ولعصابة، ولايات شكلت منطقة استيطان بشري منذ فترات متقدمة في الزمن ويستل على ذلك من خلال الفن الصخري المنتشر بكثرة في تلك المنطقة.

19. ولد محمد نافع، بوبه، وفيرني، روبير، الأركيولوجيا الموريتانية في متحف انواكشوط، ترجمة ولد محمد نافع، بوبه، ص.04.

20. فيرني، روبير، وآخرون، الأركيولوجيا في إفريقيا الغربية الصحراء والساحل، نواكشوط 2002، ترجمة، ولد محمد نافع، بوبه، ص.23 و24.

21. ولد محمد الهادي، اسلم، موريتانيا عبر العصور، مطبعة الأطلس، ص.102 و103.

22. Théodore (M.), Méharées explorations au vrai Sahara, pp. 108 -120.

23. محافظة المتحف.

24. من وثيقة ترخيص متحف أتويزكت الصادرة عن وزارة الثقافة والصناعة التقليدية بالجمهورية الإسلامية الموريتانية. نص الوثيقة باللغة الفرنسية. الترجمة جهد شخصي.

25. م. س. ص.15 - 27.

المراجع العربية

- إسلم ولد محمد الهادي، موريتانيا عبر العصور، مطبعة الأطلس، بدون تاريخ نشر.

- بوبه ولد محمد نافع وفيرني، روبير، الأركيولوجيا الموريتانية في متحف انواكشوط، منشورات جامعة انواكشوط،2000، ترجمة ولد محمد نافع.

- بشير، زهدي، المتاحف، منشورات وزارة الثقافة في الجمهورية العربية السورية، ط. الأولى، دمشق، 1988.

- فيرني، روبير وآخرون، الأركيولوجيا في إفريقيا الغربية الصحراء والساحل، منشورات جامعة نواكشوط، 2002، ترجمة، ولد محمد نافع، بوبه.

- محمد ولد ختار وآخرون، موريتانيا القديمة: مختصر لإسهام الأبحاث الأركيولوجية، منشورات جامعة نواكشوط، 2000.

- محفوظ، فوزي والحرازي، نور الدين، المبتدأ في الآثار، تونس 1996.

- مصطفى غنيمة، عبد الفتاح، المتاحف والمعارض والقصور، منشورات كلية الآداب جامعة المنوفية، 1990م.

- التدابير القانونية والعملية لمكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية، » دليل اليونسكو«.

- سعيد، الحجي، » متاحف الآثار هويتها، تطورها و واقعها المعاصر« مجلة جامعة دمشق- المجلد 30- العدد- 43، 2014.

- وثيقة ترخيص متحف أتويزكت.

المراجع الفرنسية

- André, Gob, Noémie DROUGUET, «La muséologie », histoire, développements et enjeux actuels, ARMAND COLIN, 2é édition, 2006, chapitre 4, «l’exposition: la fonction de présentation », pp. 103-104.

- RIVIERE Georges-Henri, 1989, Leçon de Georges Henri Rivière, in La muséologie , selon Georges-Henri Rivière, Textes et témoignages, Dunod, Paris, p.90.

- Théodore, Monod, Méharées explorations au vrai Sahara, pp. 108 -120.

- Extrait des Statuts de l’ICOM, adoptés par le 16e Assemblée générale de l’ICOM (La Haye,Pays-Bas, 5 septembre 1989) et amendés par la 18e Assemblée générale de l’ICOM (Stavanger, Norvège, 7 juillet 1995) puis par le 20e Assemblé générale de l’ICOM (Barcelone, Espagne, 6 juillet 2001).

 

الصور

- الصور من الكاتب

أعداد المجلة