فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
63

تعقيباً على مقال «الملابس التقليدية لنساء قبيلة الرشايدة»

العدد 63 - أصداء
تعقيباً على مقال «الملابس التقليدية لنساء قبيلة الرشايدة»
المملكة العربية السعودية

أطلعني بعض المهتمين على ما ورد في مجلتكم الغراء في عددها الثالث من السنة الأولى (أكتوبر ونوفمبر وديسمبر للعام 2008م) على موضوع تحت عنوان (الملابس التقليدية لنساء قبيلة الرشايدة)، في المنطقة الغربية من المملكة العربية السعودية للباحثة الدكتورة ليلى عبدالغفار الفدا، ومع أن الموضوع مرّ عليه زهاء الخمسة عشر عاما إلا أن محتواه مخل إن لم أقل مخجل، فما كتبته الباحثة كان فيه تجن سافر على قبيلة الرشايدة بشكل جلي، فما كتبته يخص قبيلة الصلبة ولا علاقة له بقبيلة الرشايدة في مجمله، ولكنني سأحسن الظن احتراما لقواعد البحث العلمي وتقديرا للمجلة وللباحثة، لكنني لن أكون مجاملا ولا مداهنا إذ أن الرد سيكون علميا صرفا، فالمقدمة المتشنجة التي بدأت فيها بحثها تدل دلالة قاطعة على أن أي شيء يذكر داخل البحث لن يكون أشد افتراءً مما ذكرته، وكنت أتمنى أن لا تتجاوز عنوان البحث وتتجه إلى دهاليز الأنساب حتى لا تقع في مثل ما وقعت فيه، هذا إذ كان بحثها يخص قبيلة الرشايدة فعلا، ومع أن بحثها فيه تجن صريح على عقيدة القبيلة في إيرادها لخزعبلات لا تمت للقبيلة بصلة مثل استخدام الصليب في الملابس ومحاولة الربط بين النسب وتلك الإشارات، إلا أنني استغرب من باحثة أكاديمية وأستاذة جامعية أن تعتمد في بحثها على مراجع لا تصمد أمام النقد العلمي فهي هشة رواية ودراية؛ ومنها كتاب (معجم قبائل الحجاز) لـ عاتق غيث البلادي، وهو الكتاب الذي كتب فيه كاتبه بلا ضمير ولا أمانة خاصة عن قبيلة الرشايدة، والمتتبع لأدق تفاصيل البلادي يعلم لماذا كتب تلك الأمور، وليس هذا مجال نقد لكتاب البلادي لكنها إشارة لا بد منها، ومع أنها نقلت منه لكنها نقلت بشكل انتقائي مما يجعل الشكوك تدور (رغم إحسان الظن) حول تعمدها لتلك الإساءات، إذ ينطبق عليها المثل القائل (حشفٌ وسوء كيل) وسأتناول بعض الملحوظات مع الرد عليها:

- تقول الباحثة: (ومن المعروف أن قبيلة الرشايدة ليس لها ديرة معينة)، العجيب أن الباحثة حكمت في بداية بحثها على أنها تتحدث عن قبيلة غير الرشايدة فهي تقول: ليس لها ديرة معينة! وفي ثنايا بحثها تقول عن الرشايدة: (أن الرشايدة في السودان يسكنون صحراء النوبة! وتنقل عن الشريفي أن الرشايدة في شبه الجزيرة العربية يسكنون الحجاز بدءا من شمال المدينة وحتى الحليفة!)، ورغم قصورها في تحديد ديار الرشايدة في المملكة العربية السعودية إلا أنها ذكرت أن لهم ديارا، ثم تأتي لتورد رأي فؤاد حمزة وهو رأي لو طبقناه على فؤاد حمزة نفسه أو على الباحثة لأصبحا في ذيل القائمة حسب تصنيفه فتقول: (بينما ذكر حمزة أن الرشايدة طبقة بين الصلبة والظفير، وديرتهم في دبدية ومطير والعوازم)، وهنا يتضح أن الصلبة لا علاقة لهم بالرشايدة، وأن الرشايدة لهم ديارهم بالدبدة فماذا تريد هذه الباحثة؟ وما سر تصديرها لبحثها بقول: ليس لهم ديرة معينة؟ وكيف تقول من المعروف أن القبيلة ليس لها ديار معينة؟ فهي تناقض نفسها بنفسها! فهل يعقل أن يمر على باحثة أكاديمية هذا الضعف والوهن في مجال بحثها، وهل يعقل أن تنتقي ما يناسب أفكارها وتهمل ما يعارضها؟ هنا العجب! فهي تتحدث عن الصلبة وتريد تصوير الحال بأنهم هم الرشايدة وهذا خطأ فادح، فالصلبة مع احترامي للجميع قبائلا وعوائلا تحدث عنهم بالتفصيل أوبنهايم في كتابه البدو وهم يتناسبون مع بحث الدكتورة جملة وتفصيلا، فهي تتناول الصلبة وليس قبيلة بني رشيد في بحثها، فكان الأولى بها أن تكتب عنوان بحثها الصحيح ولا تحاول الزج باسم قبيلة الرشايدة في بحثها هذا، فمما أوردته يتضح أنها تتحدث عن الصلبة فهي تقول: (وقد انتشرت في الساحل الغربي من منطقة الحجاز ويسمون بالصلب)، والمنطقة التي حددتها هنا ليس لقبيلة الرشايدة فيها سكن ولا ديار فهي تُسكن من قبائل وعوائل مختلفة فتسكنها قبيلة حرب وجهينة وبلي وبني عطية وغيرهم من القبائل، فذكر الرشايدة هنا هو دس لا يتناسب مع مكانة الباحثة الأكاديمية، فكان حري بها أن تتأكد من معلوماتها قبل نشرها.

- في نقطة أخرى تقول الباحثة نقلا عن كتاب معجم قبائل الحجاز لعاتق غيث البلادي: (وقد وضّح البلادي أن رشيد جد بني رشيد المعروفين بهتيم، وقد كان حذاء خيل أبي زيد .. الخ)، وفي هذه النقطة يتضح بما لا تعلوه شبهه أن الباحثة موجهة ولا تكتب بأمانة علمية، فلو كانت جاهلة بأمور الأنساب وما يعتورها من تشابك وتشابه لقلنا بأنها وقعت جهلا منها، لكنها باختيارها الانتقائي من ذلك المرجع المشبوه يتضح خط سيرها وتعمدها الإساءة لقبيلة الرشايدة، فالبلادي على سخف معلوماته التي تفوح بالعنصرية المقيتة أورد أن الزول أبو راشد ورشيد وعزام، وكل واحد من هؤلاء جد لقبيلة معينة، فلماذا اقتصرت على الرشايدة وتركت تلك القبائل التي حسب مصدرها المتهالك هم أبناء رجل واحد، لذا كان من حق قبيلة بني رشيد أن تتحدث الباحثة في بحثها عن قبيلة الرشايدة حديثا صحيحا وتذكر ديار القبيلة ونسبها الصريح الصحيح من مصادر تتسم بالثقة، بدلا عن تحدثها عن الصلبة ونسبت الرشايدة لهم، فالصلبة مستقلين بذاتهم لهم تقاليدهم وصفاتهم ولا علاقة لهم بالرشايدة.

- من خلال حديثها عن مرور قبيلة الرشايدة في ساحل البحر الأحمر أثناء هجرتهم إلى مصر والسودان وإفريقيا عموما يتضح أنها خلطت واستغلت المعلومة لجعل تلك المنطقة مكان سكنى الرشايدة، وهذا خطأ فالهجرة والمرور بالديار بهذه الطريقة لا تجعل منها ديارا للقبيلة بأي شكل من الأشكال وكان من الواجب عليها التفريق والتحقق في المعلومات بدلا من هذا الخلط البائس، وتقول أن الرشايدة في السودان يدفعون مبلغا ماليا لقبيلة البجة لاستئجار بعض الآبار، وكأنها لا تعلم بأن قبيلة الرشايدة في السودان تمتلك من القوة والعتاد ما جعلها تكوّن جيش الأسود الحرّة وتستقل بحكم ذاتي في شرق السودان وتفرض على الحكومة السودانية تعيين وزراء من القبيلة ومنهم على سبيل المثال لا الحصر الوزير مبروك مبارك الرشيدي وغيره فهل وعت الباحثة هذه المعلومة وغيرها أم أنها لم تبحث عن الحقيقة التي ربما لا تتناسب مع توجهاتها، أو توجهات من أوعز لها بالكتابة.

- في معرض مقدمتها تقول: (وعلى الرغم من اختلاف الكثير من المؤرخين حول أصل هذه القبيلة)، وهنا يتضح أن تركيزها على نشر أن أصل الرشايدة مختلف فيه وهذا كذب صريح، فلو عدنا قليلا لكتب الأنساب لوجدنا أن الاختلاف في ذكر النسب بين نسابة وآخر لا يعني سقوط نسب القبيلة أو العائلة المختلف فيها وهذه قاعدة عامة في النسب، وسأذكر مثالا واضحا للعيان عن ذلك، فأسرة آل سعود العزيزة حكام المملكة العربية السعودية وهي أشهر أسرة بالمنطقة إن لم أقل العالم أرجعوها بعض المؤرخين في كتاباتهم إلى قبيلة عنزة العزيزة، ومن بينهم (سعود بن هذلول: في كتابه نسب ملوك آل سعود)، وهو من أفراد الأسرة، ثم جاء خطاب الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود المنشور في صحيفة الرياض السعودية العدد (14550) (في يوم الجمعة 19 ربيع الآخر 1429ه – 25 إبريل 2008) ليوضح أن أسرة آل سعود أسرة من بني حنيفة بن وائل وأنهم لا علاقة لهم بقبيلة عنزة إلا من ناحية أنهم أبناء عمومة فقط، وهذا دليل على حدوث الاختلاف، كما أن قبيلة حرب لا تزال تتنازع نسبها بين خولان القحطانية والأوس والخزرج وكل فريق يدلي بدلوه ويورد رأيه، فمثل هذه الخلافات تحدث ولكن المعوّل عليه هو ما كتبه ثقات النسابة وما قاله الرجال العارفين كل في تخصصه، وقبيلة بني رشيد ذكرها الكثير من النسابة أنها من قبيلة عبس الغطفانية ومنهم على سبيل المثال لا الحصر: (مجير الدين العليمي: في كتابه: الأنس الجليل) إذ يقول: (أن الرشايدة ينتسبون إلى قبيلة عبس من عرب الحجاز)، وقال (الدكتور أحمد عبدالعزيز المزيني: في كتابه: أنساب الأسر والقبائل في الكويت): (هم بنو رشيد، قبيلة عربية من أشهر القبائل في أنحاء العالم العربي، فهي قبيلة كثيرة البطون، ممتدة الجذور في أعماق الأصالة العربية، تنسب إلى قبيلة عبس وتمتد فروعها إلى غطفان وفزارة ذوات الماضي العريق والتاريخ الطيب والحاضر الجميل، وتقطن شبه الجزيرة العربية وهي المنبع الأصلي لهذه القبيلة، ومنها أعداد تقطن مصر وليبيا والسودان والمغرب والكويت) وغيرهم الكثير، فهل غاب عن الباحثة مثل هذا الأمر أم غيبته عنوة لأمر في نفسها، أما قولها: (إلا أن استخدام هذه القبيلة للصليب في ملابسهم لا يعني انتماءهم لأصل غير عربي)، فالسؤال هل هذه الملابس تخص قبيلة الرشايدة فعلا؟ ومن خلال البحث والتقصي وجدت أن مثل تلك الملابس استخدمت في حقبة معينة من جل النساء في مختلف القبائل والعوائل، وربما اتخذها الصلبة كرمز لهم، لكنها لا تخص الرشايدة فقط، فالصليب المستخدم في النقش هنا هو استخدام عام وليس خاصا، أما كون قبيلة الرشايدة عربية فلا شك في ذلك، وأما محاولة تدنيس عقيدتها بإشارات تافهة مثل استخدام الصليب في الملابس والذي لم يثبت فهذا حقد دفين في النفوس يخرج في بحوث لا تمت للأمانة بصلة، فقبيلة الرشايدة من أكثر القبائل التي حافظت على عقيدتها (ولا نزكي أحدا على الله) حينما كانت تتهاوى صروح بعض القبائل والعوائل في الشركيات التي مرّت بها جزيرة العرب وغيرها، وقد وردت إشارات وروايات تدل على تمسك قبيلة الرشايدة بعقيدتها التي تؤمن بها وتتخذها على الكتاب والسنة، وعن هذا يقول (ابن بسام: في كتابه: عشائر العرب «الدرر المفاخر في أخبار العرب الأواخر») (ذوي رشيد: الذين قامت بتوضيح أفعالهم الأسجاع والأناشيد، الجايدون إذ الجود عُدِم، والصادمون الحرب إذا لم يجد أصلها منصدم شادوا عمادها، وأحيوا من السنة الشهباء جمادها)، ويقول (فلبي: في كتابه أرض مدين): (أن أهل قرية الثمد والتي تقع شمال المدينة على مسافة 150 كم وهم من قبيلة بني رشيد كانوا يتبعون لما سماهم بالوهابيين)، فمثل هذه الإشارات تزعج بعض الباحثين فيحاولون الحط من مكانة القبيلة لكنهم لن ينالوا من خططهم إلا الخيبات.

وخلاصة القول الذي حاولت أن لا أتجاوز حدود البحث العلمي رغم أن النفس فيها ما فيها إلا أنني أقول:

- عنوان البحث كان عن قبيلة الرشايدة ومعظم ما في داخل البحث عن الصلبة، وكان حري بالباحثة عدم الزج باسم الرشايدة هنا لأنها أحرجت نفسها كثيرا في هذا البحث.

- الباحثة أستاذة جامعية وباحثة أكاديمية لها خبرتها التي تمكنها من التمييز بين الصحيح من السقيم لكنها اختارت أن تكون باحثة موجَهَة فلم تتقص أو تبحث عن ما يثري بحثها بل اكتفت بما بين يديها من معلومات، فلو كلفت نفسها قليلا من الجهد وبحثت في شبكة الأنترنت المتوفرة لديها ناهيك عن الكتب والمصادر الرصينة وكذلك سؤال أصحاب الاختصاص لخرجت ببحث قيم.

- بما أن الباحثة من المملكة العربية السعودية وفي جامعة سعودية (جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن) فهي قريبة من المجتمع فكان حريا بها أن تتواصل مع أبناء القبيلة الذين ينتشرون في كافة مساحة السعودية، بدلا من التقوقع وكتابة ما تراه دون مراعاة لصدق المعلومة من عدمها.

- الباحثة تتحدث عن ملابس وأزياء النساء والواضح أن عندها تشويشا غير مبرر، فقبيلة الرشايدة أشهر من نار على علم ولو حاولت الباحثة التواصل مع بعض نساء القبيلة لخرجت في بحث راق، لكنها اختارت طريقا يبسا.

- تناقض المعلومات في البحث سمة بارزة، وهو دليل على أن البحث جمع من أكثر من كاتب وليس من الباحثة فقط، فلو كان البحث لباحث واحد لعرف كل تفاصيله وأبعد كل ما يشوبه لكن البحث أوضح لي أنه ربما تنازعته أكثر من يد، وتعاونت عليه أكثر من عقلية.

- رغم اجتهاد الباحثة في جمع الصور عن الأزياء إلا أن أكثر تلك الأزياء التي أوردتها لا تمثل أزياء قبيلة الرشايدة على وجه الخصوص، فهي تمثل أزياء فترة زمنية معينة تشترك فيها النساء من مختلف الأجناس والأعراق والقبائل والعوائل فحصرها لقبيلة الرشايدة خطأ جسيم وغلطة باحثة لا تغتفر.

ختاما أتمنى من كل باحث يتناول خصوصيات القبائل وقبيلة الرشايدة خاصة أن يتحرى الدقة ويتواصل معي أو مع الثقات من أبناء القبيلة لتسهيل المعوقات وإمداده بالمعلومات الصحيحة والله من وراء القصد؟

أعداد المجلة