فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
63

مئوية أول كتاب عربي في علم الفولكلور كتاب العربية في السودان (1923م - 2023م)

العدد 63 - أدب شعبي
مئوية أول كتاب عربي في علم الفولكلور كتاب العربية في السودان (1923م - 2023م)
كاتب من السودان

 

شغل الأوساط الثقافية والأكاديمية والإعلامية في السودان بسبب الثورة المستمرة منذ عام 2018م – وحتى الآن –  حدث ثقافي هام لا يهم السودان وحده، ولكنه يهم كل المشتغلين بأمر الثقافة العربية، وخاصة أولئك الباحثين والدارسين والمهتمين بالثقافة الشعبية.

والحدث الثقافي الهام الذي نشير اليه في هذه الدراسة هو – مرور مائة عام على صدور كتاب العربية في السودان لمؤلفه الشيخ عبدالله عبدالرحمن الأمين الضرير (1890م - 1964م)، وقد صدر في طبعته الأولى عام 1923م وقد تولت أمر طباعته مصلحة المعارف في الخرطوم، وقد وقعت طبعتا الكتاب الثانية والثالثة  (صدرت الثانية عن وزارة التربية والتعليم السودانية عام 1967- ط – دار الكتاب اللبناني – بيروت والطبعة الثالثة صدرت ضمن منشورات الخرطوم عاصمة الثقافة العربية 2005م) اذ تمت الإشارة إلى أن مجلة الهلال القاهرية قد أشارت في عام 1922 إلى هذا الكتاب، وهذا أمر لا يعقل إذ أن الطبعة الأولى قد صدرت في عام 1923م كما أشرنا. وقد لاحظت ذلك مذ قراءتي للطبعة الثانية أواخر ستينيات القرن الماضي، وأنا طالب في المرحلة الثانوية .

وبالعودة إلى أرشيف مجلة الهلال في عشرينات القرن العشرين الميلادي يتضح لنا أن الإشارة إلى كتاب العربية في السودان قد وردت في عدد يوليو 1924م – العدد العاشر في السنة الثانية والثلاثين للمجلة التي صدر عددها الأول في 1892م .

تقول مجلة الهلال «وضع هذا الكتاب الشيخ عبدالله عبدالرحمن الأمين الضرير وهو جزآن يقعان في 180 صفحة يتناول الأول منها البحث في لهجات أهل السودان وعاداتهم وردها إلى أصلها العربي، والثاني تناول تتمة أبحاث الجزء الأول ونماذج من القصائد التي وضعها شعراء السودان العاميون، فالبحث والغاية كلاهما شريف يتطلب العناية وقد عني المؤلف أحياناً عناية فائقة وبحث فيها على النحو الذي يسير فيه الباحثون في علم العامة folklore بمعنى التراث المحلي في أوروبا. والبحث جديد في العربية وحق للمؤلف أن يفتخر بأنه قد فتح باباً لأدباء الشرق في سورية ومصر نرجو أن يلجوه ويعرفوا قيمته فإن أقوال العامة وأمثالها وأشعارها كنز للمؤرخ يستقصي منه تاريخ الأمة وأصل الشعوب التي تتآلف معها)1، وهذه شهادةعلى ريادة هذا الكتاب في علم الفولكلور في الوطن العربي.. وهذه مناسبة للفت الانتباه إلى هذا الكتاب الرائد، والذي صدرت طبعته الأولى من مصلحة المعارف السودانية 1923، وقد سعى في أمر الطباعة الباحث س. هليلسون أستاذ التاريخ بكلية غردون التذكارية بالخرطوم. وهذا الباحث الانجليزي كان شديد الاهتمام وكثير النظر في الثقافة الشعبية في السودان. وقد صدرت له عدة كتب منها – المفردات – الانجليزية العربية – كراسة هيليلسون – نصوص بعامية السودان العربية2.

كما كتب عن كتاب الطبقات لمحمد النور بن ضيف الله الجعلي وأشعار الشكرية في حولية السودان في رسائل ومدونات3.

وبسبب من اهتمام الادارة الاستعمارية البريطانية بدراسة المجتمعات التي قامت باحتلال دولها، كان المستر هيليلسون في طليعة المهتمين بدراسة الثقافة الشعبية السودانية، وقد فطنت الادارة البريطانية لقدراته في البحث والدراسة والترجمة، وألحقته بعد ذلك بقلم المخابرات... وهو الذي قام بترجمة قصيدة الشيخ مدثر علي البوشي (أرى ما أرى) – التي ألقاها في الاحتفال بالمولد النبوي عام 1923. وفي تقريره عن هذه القصيدة أنها نبوءة بثورة، وبالفعل قامت ثورة اللواء الأبيض في العام التالي (1924). وهذا يدل على أن تعاونه مع المخابرات سابق لانتقاله للعمل فيها بصفة رسمية كما أشار الأستاذ جعفر النصيري. 

في خاتمة كتاب العربية في السودان يقول مؤلفه  (وكان الفراغ من تصحيحه صباح الأحد 12 رمضان المبارك سنة 1341ه يوافق 28 أبريل عام 1923م، ورحم الله كل من أسدل الستر على سيئة بدت له في هذا الكتاب أو تجاوز عن هفوة سبقني إليها القلم فإن الإنسان محل العجز والنقصان، والتآليف مشوار كثير العثار، ولا يزال الرجل في فسحة من عقله حتى يقول شعراً أو يؤلف كتاباً غير أن العاقل من لم تثنه تلك الاعتبارات عن أداء واجب يراه أو فعل خير يتوخاه)4.

ويتضح من تقديم هيليلسوف لكتاب العربية في السودان إدراكه لقيمة وأهمية الكتاب وريادته في مجاله... «يسرني أن أقدم للجمهور كتاب العربية في السودان تأليف الشيخ عبدالله عبدالرحمن الأمين الضرير أحد خريجي كلية غردون، وبما أن الكتاب في أيدي القراء الكرام ويقف كل من يطالعه على فضائله وفوائده فقد استغنى عن عبارات المدح والإطراء التي اعتادها مقرظو الكتب غير أني أغتنم هذه الفرصة لأهنئ المؤلف على اختياره للبحث موضوعاً كثيراً ما أسفت على إهمال أدباء هذه الأمة أمره ألا وهو موضوع اللغة المتداولة على ألسنتهم وعادات عامة قومهم فقد دل علم تاريخ اللغات الذي نشأ في أوروبا في القرن التاسع عشر على أن هناك قانوناً طبيعياً يقضي على اللغات بعدم الاستمرار على حالها، وبرهن بأنه لابد لها من التطورات والتقلبات بمرور الأزمان وتغير الأحوال.

فليس اذاً من الصواب أن ننظر إلى اللغات العامية بعين الازدراء موقع الغلط ومظهر الجهل يشمئز منها الذوق السليم بل يجب أن نعتبرها بنات شرعيات لأم شريفة فلا  شك إذاً في أنها تستحق أن تكون موضوع بحث الأدباء وتنقيب النجباء.

ويظهر جلياً من كتاب العربية في السودان أن لدرس العامية فائدة عظمى في حل ما يقع في الأشعار القديمة من المشاكل والغوامض كما أن معرفة العادات المألوفة عند أهل السودان الآن تساعدنا على البحث التاريخي في الأخلاق والعادات وإن صح أن يقال إن الرجل خالد في ذريته فأخلاق الأمم وعاداتها خالدة فيمن يخلفها من الشعوب والممالك. والأمة التي ترغب في التقدم وتسعى إلى الرقي في معارج التمدن يجب عليها أولاً أن تعرف نفسها، وأحسن ما يدل على أخلاق قوم ومزاجهم العقلي إنما هو اللغة والعادات والأمثال وغير ذلك من الآداب التقليدية، ولهذه الأسباب أرحب بكتاب العربية في السودان وأتمنى أن يحوز القبول عند أهل هذه البلاد، وحبذا لو اقتفى أثر المؤلف غيره من الأدباء لكي يتسع المجال في مثل هذه المباحث)5.

 

 

التعريف بالمؤلف :

ولد الشيخ عبدالله عبدالرحمن الأمين الضرير في عام 1890م وتوفى عام 1964م. وقد تناول أعماله عدد من النقاد والدارسين منهم د. عبدالمجيد عابدين ود. عبده بدوي ونشرت قصائده في عدد من الصحف والمجلات في السودان ومصر. وينتسب الشيخ عبدالله إلى أسرة الضرير، وهي أسرة حتى يومنا هذا يبرز منها العلماء والفقهاء والساسة، وجده الشيخ الأمين الضرير هو مميز علماء السودان في العهد التركي / المصري (1821 - 1885) وقد نشر الشيخ الأمين قصائده في الوقائع المصرية وفي الجوائب التي فاز بإحدى جوائزها. وكان لهذا الشيخ موقف معارض للمهدية، كاد أن يدفع حياته ثمناً لهذا الموقف عند فتح الإمام محمد أحمد المهدي للخرطوم لولا أن سارع ابنه علي وهو أحد أمراء المهدية لبسط حمايته على أبيه الذي لم يلبث أن توفى في عام 1885م .

بدأ الشيخ عبدالله عبدالرحمن نظم الشعر وهو طالب في كلية غردون التي تخرج فيها من قسم العرفاء الذي كان يقوم بإعداد المعلمين .. وعمل بالتدريس في المدارس الأولية والوسطى وكلية غردون. وفي مصر نشرت له عدد من القصائد في مجلة الرسالة والبلاغ وعدد من الصحف المصرية التي احتفت بقصائده في المناسبات السياسية والدينية خاصة فيما يتعلق بقضايا الوطن العربي والعالم الاسلامي. 

وللشيخ عبدالله عبدالرحمن الأمين الضرير ديوانان مطبوعان الأول الفجر الصادق وهو معروف عند دارسي الأدب السوداني في النصف الأول من القرن العشرين الميلادي. والثاني ديوان العروبة وقد عني المسؤولون عن الثقافة في مصر بطباعته ونشره لتضمينه قصائد في الدعوة إلى الوحدة العربية، والإشادة بالرئيس جمال عبدالناصر في معاركه ضد الاستعمار أثناء وبعد أزمة السويس - ما عرف بالعدوان الثلاثي على مصر  (انجلترا وفرنسا واسرائيل) وبرز في ديوان العروبة تجاوبه مع توجهات الدولة المصرية آنذاك.

عبدالله عبدالرحمن أيضاً هو الشقيق الأكبر للشيخ علي عبدالرحمن الأمين الضرير، وكلاهما من مؤسسي حزب الأشقاء في السودان (1944)، وقد لعب حزب الأشقاء دوراً رئيسياً في الحركة الاتحادية المنادية بوحدة وادي النيل (مصر والسودان) وكلاهما من المؤمنين بالوحدة العربية وبارتباط السودان المصيري بالوطن العربي وبالثقافة العربية. وللشيخ علي إسهامه في لفت الانتباه إلى أهمية كتاب الطبقات لمحمد النور بن ضيف الله، وهو مرجع أساسي في التوثيق للحياة السودانية منذ القرن الخامس عشر حتى بدايات القرن التاسع عشر الميلادي.

ويعد كتاب العربية في السودان من بواكير الوعي بارتباط السودان بالعروبة، وهذا ما دفع الأستاذ يحيى الفضلي وزير التربية والتعليم إلى إعادة طباعة الكتاب عام 1967م وقال في مقدمته للطبعة الثانية (هذا الكتاب وضعه أستاذنا الكبير المغفور له الشيخ عبدالله عبدالرحمن شاعر العروبة عام 1922 ولم يكن الوعي العربي قد بلغ هذه المرحلة التي بلغها الآن. فهو إذن كتاب جاء قبل أوانه، ولهذا رأيت أن أعيد طبعه على نفقة وزارة التربية والتعليم كدليل على عراقة السودان في عروبته ولإيمانه بها، ونحن نعرضه على الشعب العربي في كل قطر وشيجة من وشائج الدم واللسان بيننا)6.

ولم يجد الكتاب اهتماماً كافياً من بعض الباحثين رغم أن مسألة الهوية تشغل حيزاً كبيراً في ساحة الصراع السوداني سياسياً وثقافياً، وليس أدل على حقيقة هذا الصراع داخل الساحة السودانية ما فطنت إليه السلطة الاستعمارية البريطانية حينما سنت في عام 1922 قانون المناطق المقفولة وهي مناطق أراد لها الاستعمار ألا تتفاعل مع مؤثرات الثقافة العربية، وأن تصبح لاحقاً بؤرة للصراعات والنزاعات والحروب الأهلية ضد السلطة الوطنية بعد الاستقلال، وكثر الحديث عن تهميش هذه المناطق وهذا أمر أراده الاستعمار وخطط له بمكر وذكاء خبيث، وساهمت سياسات الأنظمة الدكتاتورية العسكرية في تعميق الهوة بين الوسط والشمال والمناطق الأخرى وساهمت النخب في هذه المناطق في إذكاء روح العنصرية وتحقيق بعض المكاسب لهذه النخب التي ظل بعضها يتاجر بقضايا المهمشين، وجاء انفصال الجنوب في 2011 ثمرة لما غرسه الاستعمار البريطاني وأدواته ممثلة في الكنائس والمبشرين الذين أخذوا على عاتقهم تغذية روح الحقد والكراهية بين أبناء الوطن الواحد، ومن ضمن بنود قانون المناطق المقفولة منع المتكلمين باللغة العربية من دخول هذه المناطق، بل وصل الأمر بالمفتشين وهم حكام انجليز أن قام بعضهم بإحراق الملابس العربية، وعادوا بالجنوبيين إلى العري !! وفاقم هذه الأزمة بعد الاستقلال السياسات الخرقاء للأنظمة القمعية السودانية، وإهمالها للتنمية، وقيام المتمردين بإحراق المزارع والمنشآت الصناعية والمدارس ونسف الجسور .. الخ .

فنظام 17 نوفمبر 1958م قام بمحاولة تعريب وأسلمة الجنوب بالقوة والحل العسكري، وتضرر الأهالي العزل من النزاع المسلح بين القوات المسلحة والمتمردين الجنوبيين الذين ظلوا دائماً فئة معزولة، ولكن سياسات الأرض المحروقة، والعنف الذي لا يستثني أحداً ولّد إحساساً بالمرارة، ثم جاءت سياسات الإنقاذ التي حاولت أن تحولها إلى حرب دينية وجهاد فما أفلحت، وقامت – مكرهة أو مختارة بفصل الجنوب السوداني عن الوطن. ورغم الانفصال فإن ملايين الجنوبيين لا زالوا موجودين في السودان الذي انفصلوا عنه. وحمل أبناء المناطق المهمشة السلاح في وجه سلطة الإنقاذ في جنوب كردفان ودارفور وجنوب النيل الأزرق .

وكتاب العربية في السودان يقرأ منذ وقت مبكر كوجهة نظر سودانية في مجال الهوية، والإخلاص للانتماء العربي، ومنذ وقت بعيد كان السودان حاضراً في ثورة عرابي وفي ثورة عمر المختار في ليبيا وفي الثورة الجزائرية وفي معارك فلسطين 1948 وفي الحروب العربية الإسرائيلية وفي الحرب العراقية الإيرانية.

 

 

دخول العرب السودان :

يبدأ الباحث الشيخ عبدالله عبدالرحمن الأمين كتابه بالفصل الأول عن دخول العرب السودان ويقول  (لم تزل بلاد البجة وهي الإقليم الواقع بين البحر الأحمر والنيل والممتد جنوباً إلى بلاد الحبشة وقاعدة سواكن في غزوات مع فراعنة مصر والرومان لما بأرضهما من معادن الذهب والزمرد، وكانت ذات ملك مستقل، ثم دخلها الإسلام في إمارة عبدالله بن سعد بن أبي السرح في النصف الأول من القرن الهجري. وسكن جماعة من المسلمين معدن الذهب وبلاد العلاقي وعيذاب وسكن في تلك الديار خلق من ربيعة ابن نزار بن معد بن عدنان فاشتدت شوكتهم وتزوجوا في البجا فقويت البجا بمن صاهرهم من ربيعة وقويت ربيعة بالبجة على من ناوأها وجاورها من قحطان وغيرهم ممن سكن تلك الديار)7.

ويعود الشيخ عبدالله عبدالرحمن إلى كتابات المسعودي والمقريزي التي تناولت علاقات البجا بالدولة الاسلامية وممثليها في مصر، أو البلاط العباسي في بغداد مع اشارة لتحديد اقليم البجا من منتهى حد أسوان في مصر إلى حد ما بين دهلك وباضع. مما يعني أن إقليم البجا كانت له امتداداته حتى داخل الحدود الارترية , وفي هذه الاستشهادات نرى أن الشيخ عبدالله عبدالرحمن كان من أوائل السودانيين الذين امتلكوا ناصية البحث العلمي في هذه الدراسة الرائدة لا في السودان وحده، ولكن على مستوى الوطن العربي. وهي دراسة غير مسبوقة وضع بها هذا الرائد أساساً لدراسات فولكلورية ستتوالى، بعد أن ولج هذه المجال أكاديميون تخصصوا في هذا المجال في الغرب، وفي شرق أوروبا، وفي جامعة الخرطوم التي ضمت ضمن مؤسساتها معهد الدراسات الأسيوية والأفريقية الذي احتضن العديد من الدارسين والباحثين في علم الفولكلور. وكانت نواة المعهد وحدة أبحاث السودان في جامعة الخرطوم .

والجدير بالذكر أن الشيخ عبدالله عبدالرحمن كان من خريجي كلية غردون – وهي تعادل المدارس الثانوية، وكانت أعلى مراتب التعليم في السودان، ولكن ذلك الجيل الرائد وفي ظل الاستعمار البريطاني استطاع أن يسد النقص في التحصيل المعرفي بجد واجتهاد في ظل ظروف شديدة القسوة، وبعضهم حقق إنجازات علمية وعملية في مجالات العلم والمعرفة المختلفة فاقت كل تصور .

في العادات :

جاء في الفصل الثاني من كتاب العربية في السودان أن  (من عادات السودان الشائعة وشم اللثة والشفة السفلى عند النساء، وهي عادة عامة في جميع قبائلهم ما عدا الكبابيش والكواهلة والشنابلة عرب كردفان، وقد تغالي بعض القبائل في هذه العادة فتوشم مع اللثة الشفتين معاً كالحمدة وجهينة بمديرية دار الفونج والضباينة على نهر أتبرة وللبقارة في هذا الوشم القدح المعلى وهذه العادة عربية أكثر من ذكرها الشعراء .

قال النابغة الذبياني:

تجلو بقادمتي حمامة أيكة 

برداً أسف لثاته بالأثمد

القادمة ريشة في مقدمة الجناح لونها يضرب إلى السواد يقول تجلو هذه المرأة بشفتين خضراوين كقادمتي حمامة أيكة عن أسنان كالبرد قد أسفت لثاتها بالكحل. وقال طرفة 

سقته إياة الشمس إلا لثاته

أسفّ ولم تكدم عليه بإثمد

ومن ثم امتدحت العرب اللمى واللعس وهما السمرة والسواد في الشفتين وعدّوه من شارات الجمال ووجوه الحسن .

ومنها أن نساءهم ينتفن شعر جباههن بالخيوط والرماد وهي عادة عربية يقال احتفت المرأة إذا أمرت من يحف شعر وجهها بخيطين وقال الشاعر يصف امرأة أخبرت بقدوم زوجها من سفر :

فلمّا مضى شهر وعشر لعيرها

وقالوا تجيء الآن قد حان حينها

أمرّت من الكتّان خيطا وأرسلت

جريّا إلى أخرى قريبا تعينها

فما زال يجري السّلك في حرّ وجهها

وجبهتها حتّى ثنته قرونها

الجري الرسول وقرونها ذوائبها8.

ومن العادات العربية الأخرى التي أشار اليها الشيخ عبدالله عبدالرحمن (أنهم يعلقون على اللسيع حلي النساء يمنعونه النوم أياماً لأنه اذا نام يسري فيه السم فيزيد في ألمه. وكانت العرب تفعل ذلك .

قال النابغة :

فبت كأني ساورتني ضئيلة 

من الرقش في أنيابها السم ناقع

يسهد من ليل التمام سليمها 

لحلي النساء في يديه قعاقع

وكانوا يوقدون عنده ناراً تعرف بنار السليم) 9.

ومن عادات العرب التي انتقلت معهم إلى السودان خاصة في البادية (أنهم يجعلون على وجه الصبي سواداً من الكحل إلى أن يبلغ الأربعين يوماً من عمره لئلا تصيبه العين)، وهي ما تسميها العرب بالتدسيم ففي حديث عثمان رضي الله عنه أنه ينظر إلى غلام مليح فقال دسّموا نونته. والنونة (حفرة الذقن). 

ومن العادات العربية عند السودانيين أنهم اذا سافروا في البرية فخافوا الأسد أوقدوا ناراً لأن الأسد لا يقرب النار وكذلك تفعل العرب وتسمي تلك النار «نار الأسد» قال المرحوم الشيخ حمزة فتح الله وهي نار يوقدونها اذا خافوه وهو إذا رأى النار استهالها فشغلته عن السابلة .

ومنها أن المصحر إذا أجنه الليل، ولم يهتد إلى جواء أو حلة ينبح نباح الكلاب ونبيحة كلاب الحلة أو الجواء فيستدل بصوتها ويهتدي وهي عادة عربية. وقالت ليلى الأخيلية 

فيا ثوب للمولى ويا ثوب للندى 

ويا ثوب للمستنبح المتنور 

المستنبح الذي ينبح فتجيبه الكلاب10.

ومن يقرأ كتاب العربية في السودان تصيبه الدهشة من المعرفة الواسعة للشيخ عبدالله عبدالرحمن الأمين الضرير بالتراث العربي، واستشهاداته بالشعر العربي في عصوره المختلفة خاصة الشعر الجاهلي، وإلمامه بعادات وتقاليد وأخبار العرب ووقائعهم في جاهليتهم وإسلامهم. وقد حشد في هذا الكتاب طائفة من الوقائع والأحداث والنوادر والحكايات والأمثال جاءت كلها في سياقها، ولضرورات البحث العلمي التي التزم بها في تأليف هذا الكتاب الرائد في مجال الفولكلور .

ومن العادات العربية التي انتقلت إلى السودان زغردة النساء في الأفراح (من زغرودة الإبل بالدال وهي صوت تردده في جوفها)، وأصل هذه العادة ما جاء في شرح القاموس أن آدم وحواء لما أهبطا من الجنة أنزل كل منهما في موضع فلما اجتمعا بعرفة ولولت حواء من شدة الفرح والسرور فاعتادتها النساء عند ذلك.

ومنها أنهم يتخذون أطباقهم من النبات كسعف النخيل وأعواد البر (والأطباق في السودان نوعان نوع مستدير وهو عام في جميع أنحائه والنوع الآخر مخروطي الشكل وهو شائع في الجزيرة والخرطوم وما قرب منهما وكانت العرب تتخذ أطباقها من نبات يسمى النمص بالتحريك كما في القاموس)11.

ولم يترك صاحب كتاب العربية في السودان أمراً من أمور الثقافة الشعبية في السودان إلا وأرجعه إلى أصله العربي، ونحن هنا لا ننقل كل ما جاء في هذا الكتاب، ولكن نأخذ بعض النماذج التي تنبئ عن ريادة الكتاب في دراسة الفولكلور. ومن هذه النماذج اعتقاد السودانيين كأسلافهم العرب (بالمدارك الغيبية كالكهانة والعرافة والعيافة والقيافة والتفاؤل والتشاؤم والطرق بالحصى مما هو مأثور معروف عن العرب فمن ذلك قيافة الأثر التي بلغوا فيها الغاية القصوى وعليها الاعتماد في تحقيق السرقات وإثبات الجرائم وبكل مركز اليوم من مراكز السودان «قائف للأثر» يسمى القصاص فمن القافة المشهورين في الزمن القديم «ود نعيمة» من أهالي رفاعة كان في كل يوم يمشي حوالي رفاعة ويخبر بأنه دخل البلدة أحد الغرباء فيوجد كذلك ولمهارته خافته جميع القبائل المجاورة لرفاعة ونذروا دمه حتى كان إذا أراد الخروج ليقتفي أثراً يخرج في حرس عظيم من أولاد أبي سن زعماء الشكرية، ومما يحكى عنه أن دجاجة ابتلعت خرزات فاقتفى الأثر وأشار إلى أثر الدجاجة وقال إن صاحبة هذا الأثر ابتلعته وأخرجها من بين الدجاج وقال اذبحوها فذبحت فوجدت الخرزات كما قال وكان ود نعيمة في عهد حكومة الترك للسودان) 12.

وقد حكمت أسرة محمد علي باشا السودان في القرن التاسع عشر نيابة عن الخلافة العثمانية في الفترة 1821م – 1885م وانتهى حكمها بقيام الثورة المهدية. وقد أورد المؤلف أخبار بعض قصاصي الأثر من السودانيين، وأورد خبر أبناء نزار الذين كانوا في طريقهم للأفعى الجرهمي لاقتسام الميراث (ورأوا في طريقهم كلأ قد رعي فقال مضر أن البعير أعور وقال ربيعة أنه أزور وقال إياد أنه أبتر قال أنمار هو شرود قال صاحب البعير نعم هذه والله صفة بعيري فدلوني عليه قالوا والله ما رأيناه قال هذا والله الكذب وتعلق بهم وقال كيف أصدقكم وأنتم تصفون بعيري بصفته فساروا حتى قدموا نجران ولما نزلوا نادى صاحب البعير هؤلاء أخذوا جملي ووصفوا لي صفته فاختصموا إلى الأفعى وهو حكيم العرب فقال الأفعى كيف وصفتموه ولم تروه قال مضر رأيته رعى جانباً وترك جانباً فعلمت أنه أعور. قال ربيعة رأيت إحدى يديه ثابتة الأثر والأخرى فاسدته فعلمت أنه أزور لأنه أفسده لشدة وطئه لازوراره وقال إياد عرفت أنه أبتر باجتماع بعره ولو كان ذيالا لمصع به .. وقال أنمار عرفت أنه شرود لأنه كان يرعى في المكان الملتف نبته ثم يجوزه إلى مكان أرق منه وأخبث نبتاً فعلمت أنه شرود. فقال للرجل ليسوا بأصحاب بعيرك فاطلبه)13.

ومن المعارف التي جلبها السودانيون من أسلافهم العرب كما يقول الشيخ عبدالله عبدالرحمن  علمهم بالأنواء استدلالاً منهم بالرياح وأشكال السحب ومن قواعدهم التجريبية:

1.    إذا سمع للريح صوت من بعيد ولم يكن بالجو من سحاب فالمطر على مسيرة ضحوة .

2.     إذا كان الجو صحواً ثم هبت ريح من الجهة الغربية ليلا فإن هذا الريح يلقح السحاب والمطر إما أن ينزل في تلك الليلة أو ضحى الغد .

3.    إذا كان السحاب في الشمال الشرقي وليس من جهة الغرب سحاب فالمطر ينزل لا محالة .

4.    إذا غم السماء بقطع من السحاب بعد الظهر فلا مطر .

5.    إذا أقبل السحاب من ههنا وههنا حتى سد الأفق أثناء نزول المطر فإن المطر يكون عاماً14.

ويورد صاحب كتاب العربية في السودان حكاية عن رجل اسمه محمد علي أزرق من أهالي  أبي شام من ضواحي رفاعة بلغ من أمره أنه يشيم البرق ويخبر قومه بأن المطر يصلهم في وقت كذا فيكون الأمر كما قال. وكثيراً ما يعين المنطقة التي بها المطر من الأرض اذا رأى برقاً بل يوضح الكمية من الماء في تلك المنطقة فيقول من محلة كذا لكذا عميق ومن مكان كذا لكذا متوسط وفي مكان كذا ضحل.

ويورد الشيخ عبدالله عبدالرحمن له حكاية تشبه ما رواه صاحب كتاب الأغاني عن رجل كفيف وابنته في التنبؤ بالمطر ومعرفة مقداره والفرق بينهما أن السوداني مبصر ومن ورد ذكره في الأغاني كفيف.

 

 

في الملابس :

وخصص الشيخ عبدالله عبدالرحمن الفصل الثالث من كتابه العربية في السودان – الجزء الاول للملابس التي يرتديها السودانيون مركزاً على ملابس النساء (من ملابس النساء في السودان «الرهط» وهو نقية من جلد أحمر مشقق سيوراً)  (وهو عام في جميع السودان عدا البقارة كالمسيرية والهبانية والتعايشة والرزيقات فإنهم يستغنون عنه «بالتنورة» ويتأنق السودانيون في الرهط فيجعلون سيوره دقيقة جداً كخيوط الحرير ويرصعونه بالخرز المختلف الألوان وكانت العرب تلبس الرهط كالسودان غير أنه تحسن اليوم أكثر مما كان عند العرب ويسمونه الرهط كالسودان بالهاء الساكنة والمتحركة، قال في لسان العرب وكانوا في الجاهلية يطوفون عراة، النساء في أرهاط، ابن الاعرابي الرهط جلد يشقق سيوراً عرض السير أربعة أصابع أو شبر تلبسه الجارية الصغيرة قبل أن تدرك وتلبسه أيضاً وهي حائض. قال وهي نجدية والجمع رهاط. قال الهذلي 

يضرب في الجماجم ذي فروغ 

وطعن مثل تعطيط الرهاط)15.

ويلفت النظر في كتاب العربية في السودان وفرة ما اطلع عليه الشيخ عبدالله عبدالرحمن من كتب التراث العربي ومخزونه الوافر من الشعر العربي قديمه وجديده واطلاعه الواسع على الشعر الشعبي السوداني في بيئاته المختلفة. وإلى جانب نشأته في أسرة الأمين الضرير مميز علماء السودان، فان وجوده في أم درمان التي كانت عاصمة الدولة المهدية، وجزءاً من العاصمة المثلثة في عهد الحكم الثنائي (1898-1956) وقد ضمت كل قبائل السودان بالإضافة إلى ذلك عمله بالتدريس وتنقله بين سواكن أقصى شرق السودان والأبيض في غربه، وحنتوب ومدني في وسطه  قريباً من شعر البطانة  ومعرفته بشعراء الشال كود الفراش وغيره من الشعراء على امتداد الجغرافية السودانية .

ومن أزياء النساء في السودان القرباب (وهو قطعة من الثياب قدر السراويل وهي التي تسميها العرب  (النطاق) جاء في القاموس شقة تلبسها المرأة وتشد وسطها الأعلى على الأسفل إلى الأرض والأسفل ينجر على الأرض... وانتطقت لبستها ثم قال «وذات النطاقين» أسماء بنت أبي بكر لأنها شقت نطاقها ليلة خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغار فجعلت واحدة لسفرة رسول الله صلى الله عليه وسلم والأخرى عصاماً لقربته . وفي السودان نوع من الثياب ينتطق به خاصة كالفرك المحلاوية نسبة إلى المحلة بمصر وكالبرصة وهي من الخزالمخطط قال إبراهيم الفراش 

ترفع في البرص منها الثياب حرجان 

حققنا القمر يخفي النجم إن بان

يقول إن هذه الحسناء تخطر في البرص وأترابها يحسدنها على حسنها  إذا بدت كالنجوم يبهرها القمر بأنواره)16.

ويصل في نهاية عرضه لأمر الملابس إلى أن العرب تسمي النطاق أيضاً إزاراً قالت خرنق :

لا يبعدن قومي الذين هم 

سم العداة وآفة الجزر

النازلين بكل معترك 

والطيبين معاقد الأزر

في الحلي:

يقول الشيخ عبدالله عبدالرحمن (من حلي النساء في السودان الأسورة والحجول والخروص ولا خفاء أنها من حلي العرب وبهذه الأسماء، بل قد ثبت أن العرب كانت تتخذ أسورتها من العاج كما تتخذه السودان اليوم – قال ذو الرمة:

كأن البري والعاج عيجت متونه 

على عشر نهي به السيل أبطح)17.

ويقول الشيخ أيضاً أن القرط موجود في السودان والفدوة والكسكسي وهما ما يلبس في أعلى الأذن، ويتناول الزمام والرشمة فالأول حلقة من الذهب تعلق على الأنف والرشمة عبارة عن سلسلة دقيقة من الذهب يقلد أحد طرفيها الزمام والطرف الآخر يشد على شعر الرأس أمام الأذن وقد تكون الرشمة ثلاث سلاسل تناط بأطرافها هنات من الذهب تذبذب تسمى البرق تشبيهاً لها ببرق السحاب للمعانها، وتبلغ زنة الزمام الجيد ورشمته أوقية ونصف وكانت العرب تلبس الزمام والرشمة ويسمى الأول البرة والثانية الأقليد والقلاد ويسمى في تقديم أوصاف حلي نساء السودان وردها إلى جذورها العربية.

 

 

في الأساليب والتراكيب:

وكان هذا عنوان الفصل الخامس من الجزء الأول من كتاب العربية في السودان، وتناول في هذا القسم اللهجات المختلفة في اللغة السودانية العامية وردها إلى أصولها في كلام العرب، وقد ساعده تنقله في أنحاء السودان على معرفة اللهجات المختلفة (فمن ذلك أن أهالي كردفان يبدلون الحاء هاءاً وهي لغة بني سعد بن زيد مناة من تميم ولغة لخم وعليها قول رؤبة – لله در الفانيات المده – يريد المدح وقوله يراد أصلاء الجبين الأجله – يريد الأجلح – وإن كانت هذه الطريقة في الكلام قد اختفت خاصة في كردفان – ويورد شواهد أخرى منها إبدال العين نوناً وهو لسان سعد بن بكر وهذيل والأزد وقيس والأنصار يجعلون العين الساكنة نوناً اذا جاورت الطاء وقد تكلم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن مال الله مسؤول ومنطي أي معطي ولا مانع لما أنطيت)18.

ويقدم صاحب كتاب العربية في السودان نماذج من أقوال بعض عرب السودان ويورد ما يقابلها سواء من القرآن الكريم أو من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم أو من الشعر العربي القديم  (ومنها أنهم يلحقون بالفعل علامة الجمع اذا كان الفاعل جمعاً فيقولون  (قالوا الناس) وهي لغة عربية وردت في القرآن الكريم  فقال تعالى  (وأسرّوا النجوى الذين ظلموا) وفي الحديث يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار. وفي شعر العرب 

تلومونني في الدين قومي وانما 

                       ديوني في أشياء تكسبهم حمدا)19 

ويورد الشيخ عبد الله عبدالرحمن الكثير من الشواهد على أن عربية أهل السودان لها مصادرها في لغة العرب ولعل هذا مما نبه إليه العلامة عبدالله الطيب صاحب المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها وغيره من المؤلفات إلى القول بأن عامية أهل السودان هي الأقرب إلى اللغة العربية الفصحى، ولعل هذا الفصل من الكتاب  بمثابة مقدمة للجزء الثاني من الكتاب وهو الجزء الأكبر في الطبعة الثالثة  (منشورات الخرطوم عاصمة الثقافة العربية) اذ يبدأ في صفحة 59 وينتهي في صفحة 284 .

 

 

في الأمثال:

يقول الشيخ عبدالله عبدالرحمن (نأتي في هذا الفصل بالأمثال السودانية المتحدة مع الأمثال العربية لفظاً ومعنى أو السودانية التي اعتورها شيء من التغيير للمقارنة بينهما مع شرح الغامض من لفظه وبيان مضربه إن كان خفياً)20.

ولابد هنا في قراءتنا لمنجز الشيخ عبدالله عبدالرحمن أن أقدم شهادة البروفيسور عمر شاع الدين حول منجز صاحب العربية في السودان في تناوله للأمثال السودانية  (ولابد هنا من إشارة مادحة لجهود الشيخ عبدالله عبدالرحمن في كتابه العربية في السودان فقد سعى في حصافة لجمع وشرح بعض الأمثال ومقارنتها بالصيغة الفصحى، وهو بهذا يقرب الشقة ما بين الفصيح والعامي، وكان هذا المسعى من حميد غايات الشيخ الجليل)21.

ويعتبر هذا الفصل في دراسة الأمثال السودانية عملاً رائداً خاصة أن الشيخ عبدالله عبدالرحمن يقع في دائرة من أشار اليهم البروفيسور شاع الدين  (وقد وجدنا أكثر المشتغلين بالدراسات العامية بل بالحياة العربية الشعبية هم من رجال اللغة الأقحاح الذين لا يداخلهم الكيد)22 في إشارة منه لمحاولات بعض المستشرقين إحلال العاميات محل الفصحى. ويورد الشيخ عبدالله عبدالرحمن عدداً كبيراً من الأمثال السودانية وما يقابلها من أمثال العرب. ويبدأها بالكلب يريد خانقه، العربي (أحب أهل الكلب إليه خانقه). رقيق وزادوه موية، العربي «ثاطة مدت بماء الثاطة الحمأة وإذا أصابها الماء ازدادت رطوبة وفساداً». أربحاء وعقاب شهر (يتشاءمون بالأربعاء التي تكون آخر الشهر فلا يبتدئون فيها عملاً ولا يسافرون، سرى إليهم ذلك من أسلافهم العرب فمن أمثالهم أثقل من أربعاء لا تدور والأربعاء التي لا تدور هي آخر الشهر)23.

 ويورد أمثلة أخرى منها «كلام القصير ما بتسمع ومقابله العربي لا يطاع لقصير أمر».  قاله قصير اللخمي لجذيمة بن مالك الأبرشي ملك العراق حين نهاه عن الزباء وقد دعته ليتزوج بها فعصاه جذيمة وتوجه اليها فأخذت بثأر أبيها منه وقتلته فضرب بقوله هذا المثل ونماذج هذه الأمثال كثيرة.

 

 

في الألعاب :

وخصص الشيخ عبدالله عبدالرحمن الفصل السابع في الجزء الأول من كتابه ألعاب الأطفال والصبية .. وبدأها باللعبة السودانية المعروفة «شليل» ويشكل اللعب مادة هامة جداً في التنشئة الاجتماعية على مختلف مستوياتها، وهو قبل كل شيء انعكاس للموروث الثقافي لكل مجتمع يتشكل نتيجة تراكمات ثقافية تكرس قيم المجتمع وعاداته، فاللعب تعبير عن الحياة الاجتماعية وتاريخ المجتمع وثقافته والألعاب هي وسيلة لنقل هذه الثقافة إلى جيل الغد»24.

وفي كتاب العربية في السودان صيغة تم تعديلها في الأجيال اللاحقة على الأقل في جيلنا الذي نشأ في خمسينات القرن العشرين الميلادي فأبو الشليل وينه – خطفو الدودو – أبو الشليل وين راح – خطفو التمساح – أصبحت شليل وينه – وهي أخف في النطق ويورد الكاتب نماذج من ألعاب الأطفال والصبية مع مقابلتها بأصولها في الحياة الشعبية العربية كما وردت في كتب التراث .

 

 

في الخرافات :

عرض الشيخ عبدالله عبدالرحمن في الفصل الثامن الخرافات المتداولة ومنها في طفولة أجيال من السودانيين «أن الوليد اذا أثغر يرمي بسنه في عين الشمس ويقول ياعين الشمس خذي سن الحمار واعطيني سن الغزال ويزعمون أنه بذلك تنبت أسنانه حسنة بيضاء وهذه خرافة عربية»25.

 ومنها أنهم يعتقدون أن في الإعصار شيطاناً كما يعتقد العرب الذين يسمون هذا الشيطان زوبعة وأبا زوبعة وأم زوبعة والسودان تسمي الإعصار زوبعة 26.

 ويتناول هذا الفصل عدداً من الخرافات السودانية التي لها أصول في التراث العربي ..  وفي هذا العرض للكتاب نسجل ريادته في علم الفولكلور في الوطن العربي، وأهميته للباحثين والدارسين .. وللأسف فقد ضاع جزء مكمل لهذا الكتاب بعد أن سعى به أحد أقاربه إلى رئاسة الجمهورية  (الفريق حسان عبدالرحمن) لطبعه ونشره ولم يظهر له أثر حتى الآن. 

 

 

الهوامش:

1.    العربية في السودان – الشيخ عبدالله عبدالرحمن الأمين الضرير – منشورات الخرطوم عاصمة الثقافة العربية 2005م – ص 238/ 284 نقلاً عن مجلة الهلال القاهرية .

2.    كراسة هيليلسون – نصوص بعامية السودان العربية – اعداد عثمان جعفر النصيري – مركز عبدالكريم ميرغني الثقافي بأمدرمان الطبعة الأولى 2018 ، وقد أشار النصيري الى أن جامعة كيمبردج طبعت الكراسة عام 1935م 

3.    المرجع السابق ص 14

4.    العربية في السودان – مرجع سابق ص 274 

5.    المرجع السابق ص 277/ 278

6.    المرجع السابق ص 4

7.    المرجع السابق ص 8

8.    المرجع السابق ص 13/14

9.    المرجع السابق ص 19

10.    المرجع السابق ص 15

11.    المرجع السابق ص 15/16

12.    المرجع السابق ص 19

13.    المرجع السابق ص 20/21

14.    المرجع السابق ص 21

15.    المرجع السابق ص 24

16.    المرجع السابق ص 25/26

17.    المرجع السابق ص 27

18.    المرجع السابق ص 23

19.    المرجع السابق ص 33

20.    العربية في السودان ص 37

21.    دراسات في الأمثال والتعابير الشعبية السودانية – د. عمر شاع الدين مركز محمد عمر بشير للدراسات السودانية  جامعة امدرمان الأهلية 2010 ص 10

22.    المرجع السابق ص 8

23.    العربية في السودان مرجع سابق ص 37

24.    مجلة الثقافة الشعبية – البحرين العدد 51 ص 142 السنة الثالثة عشرة خريف 2020 – أ . ايكوفان شفيق  الجزائر 

25.    العربية في السودان مرجع سابق ص 51 

26.    المرجع السابق ص 52

 

 

الصور :

من الكاتب.

 

أعداد المجلة