فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
62

اَلْأَمْثَال اَلشَّعْبِيَّةِ حكمة الأجداد وثقافة المجتمعات

العدد 62 - أدب شعبي
اَلْأَمْثَال اَلشَّعْبِيَّةِ  حكمة الأجداد وثقافة المجتمعات
كاتب من مصر
تمهيد :
ياما في الجِراب يا حَاوي .. بُكره نُعقد على الحِيطة ونِسمع الزِيطَة .. رَبّي يا خَايبة للغَايبة .. إمشي في جنازة ولا تمشي في جَوازة.. اللي بِيزمر مَيخبيش دقنه، كل هذه العِبارات المملوءة بموسيقى الكلام ونغم العِبارات وعُمق المعاني والدلالات، هي عِبارة عن أمثال شعبية باللغة العامية المصرية، نستخدمها في حياتنا ومُمارساتنا الطبيعية أثناء اليوم، فكثيرًا ما نجد أنفسنا ونحن نتجاذب أطراف الحديث نَضرب بالأمثال الشعبية التي تُعبّر عن موضوع ما، ويبدو أننا نُريد أن نؤكد على المعنى بأن نستشهد بهذه العِبارات التُراثية التي ورثناها عن الأباء والأجداد. و ضَرب المثل مِنْ أكثرِ أساليب التعبير الشعبيةِ انتشارًا وشيوعًا، ولا تخلو منها أيَّةُ ثقافة، إذْ نجدها تعكسُ مشاعرَ وعادات وثقافة الشعوبِ على اختلافِ طبقاتِها وانتمائِها، وتُجسدُ أفكارَها وتصوراتِها وعاداتِها وتقاليدِها ومعتقداتِها ومعظمِ مظاهرِ حياتِها في صورةٍ مرئية حيَّة أقرب ما تكون إلى النص الأدبي المُنمق، وفي دلالةٍ إنسانيةٍ شاملة، فهي بذلك تُعتبرعُصارَةُ حِكْمَةِ الشُّعوبِ وذاكرَتِها الشعبية. وتَتَّسِمُ الأمثالُ الشعبية بسرعةِ انتشارِها وتداوُلِها بين الناس ومِنْ جيلٍ إلى جيل، وانتقالِها أيضًا من لغةٍ إلى أخرى عبرَ الأزمنةِ والأمْكِنةِ المختلفة، بالإضافةِ إلى إيجازِ نصِّها وجمالِ لفظِها وكثافةِ معانيها. وقد وردت كلمة أو مُصطلح «المثل» في القرآن الكريم من خلال لفظ «المَثَل» في أكثر من موضع ، يقول الله عز وجل في الآية 21 من سورة الحشر : {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} أي وتلك الأمثال نضربها، ونوضحها للناس؛ لعلهم يتفكرون في قدرة الله وعظمته. وفي الآية حث على تدبر القرآن، وتفهم معانيه، والعمل به.
 
فاقتران الأمثال بلفظ الضرب، دليل على أنّه جمع مَثَل. إلاّ أنّ المهم هو دراسة معنى «الضَرب» في هذا المورد ونظائره، فكثيراً ما يقارن لفظ المثل لفظ الضرب، يقول سبحانه وتعالى في سورة إبراهيم الآية 24 : {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا} ويقول سبحانه وتعالى في سورة الزمر الآيه 27: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}. 
 
والمعنى المُراد من جملة ضَرب الأمثال هو التمثيل أو التشبية أو الاستشهاد، ويقول الله عز وجل في سورة يس الآيه 13: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ} إنّ الضرب هنا بمعنى الوصف والبيان. ولقد حَظِيَتْ الأمثال الشعبيةُ باهتمامِ العَرَبِ والغَرْبِ على حدٍ سواء، ولعلَّ عنايةَ الأدباءِ العربِ بهذا النوعِ التعبيريِّ كانَ لها طابعٌ مميزٌ، نظراً للأهميةِ التي يكتسِبُها المثل الشعبي في الثقافةِ الشعبية العربية بشكل خاص، فنجدُ ابنَ الأثير1 يشيرُ إلى أهميتِها وهوَ يحيطُ المتصديَ لدراسةِ الأمثالِ علماً أنَّ «الحاجةَ إليها شديدةٌ، وذلك أنَّ العربَ لمْ تَصُغِ الأمثالَ إلَّا لأسبابٍ أوجبَتْها وحوادثَ اقتَضَتْها، فصارَ المثلُ المضروبُ لأمرٍ مِنْ الأمورِ عندَهم كالعلامةِ التي يُعرَفُ بها الشيء»2. وهُناك فرق كبير بين المثل والقول المأثور، وأيضًا بين المثل الشعبي والحِكمة، فغالبًا ما يكون الغرض الرئيس من المثل هو الاحتجاج أو الاعتراض بشكل أدبي شعبي، ولكن الحِكمة هدفها هو التنبيه أو الوعظ، فالمثل الشعبي هو خلاصة الحقيقة الناجمة عن التجربة الحياتية، تِلك  التجربة الحياتية التي نعتبرها أعمق أنواع المعرفة، أما الحِكمة فهي نصيحة أخلاقية دون تجريب واقعي ومن الأمثلة على الحِكم قول سيدنا الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه : «أغنى الغنى العقل وأفقر الفقر الحمق».
 
 إذن، نستطيع الآن القول بأن المثل الشعبي هو تعبير عَفوي، يُعبِّر عن نِتاج تجربة إنسانية ذاتية طويلة أدت إلى عِبرة أو حكمة ما، وهو أشبه ما يكون بالرواية الشعبية التي تحكي لنا قِصة مُوجزة تُساهم في تكوين ثقافة المجتمع وتكوين ملامح الفِكر الجمعي لدى الشعوب، ولذلك نجد أن المثل الشعبي جزء أصيل من ملامح المجتمع كباقي عناصر ومكونات المجتمع المتعارف عليها من عادات وتقاليد وقيم أخلاقية وما إلى ذلك من مكونات، فالعادات هي مجموعة أمور اعتدنا على القيام بها منذ الصِغر، أما التقاليد فهي موروثات ثقافية ورثناها عن الآباء والأجداد تؤثر في نشأة الإنسان، كركائز أساسية في حياته، والأمثال الشعبية هي التي تؤرخ هذه الحياة بكافة تفاصيلها، لذلك يُعتبر المثل الشعبي قِصة حياة كاملة ترويها لنا الأجيال، فهو حِكمة قام بغرسها أجدادنا في أعماقنا الوجدانية، حتى وإن اختلفت اللهجات المنطوق بها المثل، لكن يظل المعنى والمغزى واحدًا تردده الألسن وتقتنع به العقول.
 
 ومن مثل شعبي لحكمة أخلاقية لا تخلو من بلاغة التشبيه والاستعارات والكلام المسجع للوصول إلى المعنى المقصود بأقل عدد مُمكن من الكلمات، لذا تُعتبر الأمثال الشعبية لونًا أدبيًا طريفًا من حيث المعنى وعظيمًا من حيث الفائدة – فهي تُلخص لنا التجارب الإنسانية بشكل موجز وبسيط ومؤثر.
 
 والمثل الشعبي كما يراه الفارابي 3 : «هو ما ترضاه العامة والخاصة في لفظه ومعناه حتى ابتذلوه فيما بينهم واقتنعوا به في السراء والضراء، ووصلوا به إلى المطالب القِصية، وهو أبلغ الحِكمة لأن الناس لا يجتمعون على ناقص، ولذا فالمثل قيمة خُلقية مُصطلح على قبولها في شعبها، وهو يمر قبل اعتماده وشيوعه في غُربال معايير هذا الشعب، وينم صراحة أو ضمنًا عن هذه المعايير على كل صعيد وفي كل حال يتعاقب عليها الإنسان في حياته».
 
 وبشكل عام تمتاز الأمثال الشعبية بعموميتها بقدر ما تحتفظ بخصوصيتها في اللغة واستخدام اللهجة وارتباطها بالبيئة المُحيطة والمجتمع، فنجد أن المثل الشعبي مُرتبط بالهوى والحدث والوعظ وطبيعة علاقة الناس وتعاملاتهم ومشاعرهم الإنسانية. فهو – أي المثل الشعبي – نِتاج كل ذلك، مما يعكس لنا الثقافة الشعبية للمجتمع، ونجد أيضًا أن المعنى والغاية يتفقان في كل الأمثال الشعبية على مستوى العالم وإن اختلفت كلماتها أو تعددت شخوصها أو حتى تباينت طرق إلقائها أو اختلفت اللهجة المنطوق بها، إلا أن المثل الشعبي يبقى ابن بيئته ولغته وحدثه على مر الزمان.
 
 هذا ما يجعلنا نقول إن الأمثال الشعبية هي أقوال مأثورة وعُصارة حِكمة الشعوب التي نستقي منها خِبرات حياتية ومهارات شخصية تُعد مُؤشرًا هامًا في تنمية المهارات الذاتية ودليلاً أو مرجعًا نهتدي به في كثير من المواقف، والتي تأتي دائمًا في جُمل محكومة البناء وبمُصطلحات بليغة وشائعة الاستعمال حتى يكون وقعها على الأذن مألوفًا ومحبوبًا، وغالبًا ما تُلخِّص لنا قِصة بها أحداث وتفاصيل وحَبكة درامية مُعينة، وهُنا في هذه الدراسة « الأمثال الشعبية - حكمة الأجداد وثقافة المجتمعات » سنُلقي الضوء على بعض أهم الأمثال الشعبية ونروي أصل وحِكاية كل مثل شعبي من هذه الأمثال لنُحلق جميعًا في فضاء هذا الطرح بين جمال الموروث الشعبي وبلاغة الكلمات.
 
خصائص الأمثال الشعبية:
تتكون من عِبارات مُستقلة :
 
 عادة ما تتكون الأمثال الشعبية من عِبارات مُختصرة، وتتكون من مقطعين أو ثلاثة، وتكون دائمًا مُعبرة عن ارتباط فِكرة مُعينة بعواقب تِلك الفِكرة، مثل:
 
القِرش الأبيض ينفع في اليوم الإسود
أطبُخي يا جارية .. كلِّف يا ســـــيدي
 
تتكون من لُغة بسيطة :
 عادة ما تتكون الأمثال الشعبية من لغة بسيطة للغاية، مع وجود مُصطلحات شائعة الاستخدام، وذات قافية موسيقية، مثل:
 
من جَــاور السـعيد يسـعد
يا نحلة لا تُقرصيني، ولا عاوز عسل منك
إبن بطني .. يفهم رطني
اللي ييجي في الريش .. بقشيش
الباب المفتوح .. مفضوح
 
تُعبر عن واقع المجتمع والفترة الزمنية :
 لا بُدَّ أن تعكس الأمثال الشعبية الفترة الزمنية الوقع بها المثل، مثل :
 
يا وراث مين يورثك
 
 فقد كان هذا المثل الشعبي مُرتبطًا بفترة انتشار وباء الكوليرا في مصرعام 1947م، وكان هذا الوباء يحصد الآلاف من الأرواح بشكل يومي، لدرجة أن عائلات بأكلمها راحت ضحية هذا المرض، مما يؤدي إلى عدم وجود أي وريث لهذه العائلة.
 
بُكرة يِهل رجب، ونشوف العجب
 
 كما أن المثل الشعبي هو نِتاج خِبرة أو مِعيار تعليمي أو سلوكي أيضًا، مثل:
 
إعمل الخير، وإرميه البحر
 
 فالمثل هُنا يدعو إلى قيمة أخلاقية مُرتبطة بالتعاملات الحياتية.
 
ذات مَلمح عامي وشعبي:
 
حيث أنها كلمات شعبية بلُغة الشعب الدارجة.
 
مجهولة المصدر:
 حيث لم يتم تأليفها من قِبل مؤلف أو قاص أو كاتب، ولكنها جزء من التراث الثقافي للمجتمع توارثة الأجيال دون معرفة من القائل الأول لهذه الأمثال.
 
سهلة الحِفظ والاسترجاع:
 بما أنها تستخدم القافية الموسيقية والكلمات العامية الشائعة، وأيضًا تستخدم المقارنات أو التوريه، فمن الطبيعي حفظها بسهولة داخل وجدان المُتلقي وأيضًا تكوين صورة ذهنية بصرية مُلائمة للمثل الشعبي داخل كل شخص حسب تجربته الشخصية المتوازية مع المثل، مثل:
 
يا جَبل ما يهزك رِيح
الباب اللي يجيلك منه الرِيح .. سِده واستريح
رِجعت ريمة .. لعادتها القديمة
تروح فين يا صعلوك وسط الملوك
جِه يكحلها .. عَماها
الانتصار لقيم الخير والحق والجمال:
 برغم أن المثل الشعبي هو في الواقع يُعبر عن تجربة ذاتية ربما تكون حقيقية، إلاّ أنه يُعطي للمُتلقي إحساسًا بالنصر وامتلاك الحقيقة حتى لو بشكل تصوري.
طَمعنّجي بنى بيت .. فَلسنّجي سِكن فيه
 ولعل أهم ما يُميز الأمثال الشعبية بصفة عامة في مصر، كونها تبحث وتُبحر في القيم المجتمعية الإيجابية، وتستقبح الرذائل، ودائمًا ما تعنى بالفضائل، ربما هذا كله يرجع إلى تكوين الشخصية المصرية ذات الروافد المُتعددة في تكوينها الثقافي والإنساني من تراكم حضاري من عصور سالفة بدءًا من عصور مصر القديمة ومرورًا بالعصر القِبطي ووصولاً بالفتح الإسلامي، هذا ما ترك أثرًا كبيرًا في الفِكر والوعي ونمط الحياة مما جعل المواطن المصري صاحب رؤية فلسفية تميل إلى الروح الفكاهية.
 
1. هي حِسبة بِرما !!
يعود أصل هذا المثل إلى إحدى القرى المصرية التابعة لمركز طنطا، وهي قرية اسمها «بِرما» التي تبعد عن طنطا حوالي 12 كيلو متر، حيث اصطدم أحد الأشخاص بسيدة كانت تحمل حينها قفصًا مُحمّلاً بالبيض، فأراد هذا الشخص أن يعوض السيدة عما فقدته من بيض إثر اصطدامه بها، فقال لها : كم بيضة بالقفص ؟ فقالت له : لو أحصيتم البيض بالثلاثة لتبقى بيضة، وبالأربعة تبقى بيضة، وبالخمسة تبقى بيضة، وبالستة تبقى بيضة، ولو أحصيتموه بالسبعة فلا يتبقى شيئًا، وبعد حسابات عديدة وكثيرة عرف منها أن القفص كان به 301 بيضة ! ومن هُنا جاء المثل الشعبي « هي حسبة بِرما ؟» عندما يأتي موقفًا مُشابهًا وبه عمليات حسابية مُعقدة.
 
2. على راسه بطحة يِحسس عليها!!
 يعود هذا المثل إلى إحدى القرى القديمة  في مصر، والتى سُرقت فيها دجاجة كانت ملكًا لرجل فقير، فذهب الرجل إلى عُمدة القرية وأخبره ما حدث وشكا له، فقام عُمدة  القرية بجمع الأهالى وأخبرهم بأن دجاجة هذا الرجل الفقير قد سُرقت، وإنه يعرف السارق وعليه أن يعيدها قبل أن يفضح أمره، بدأ الكلام يدور بين أهل القرية ويسبّون السارق بأفظع الشتائم، و شاركهم فى ذلك السارق نفسه، فسأل أحد الموجودين عُمدة القرية «هل تعرف السارق بالفعل ؟»  فقال «نعم»، ثم سأله مُجددًا «هل هو موجود بيننا؟»، فقال «نعم»، فسأله الرجل «هل تراه الآن؟» فقال شيخ القرية «نعم»، فطلب منه الرجل أن يعطى لهم صِفة له، فقال لهم «على رأسه ريشة» فى إشارة منه إلى إنه عندما أخذ الدجاجة عَلقت برأسه ريشة، فقام السارق دون أن يشعر بتحسس رأسه فعرفه الجميع وانكشف أمره، فخرج القول « اللى على رأسه ريشة»، ثم تطور تدريجيًا ومن جيل إلى جيل بعدما تداوله الناس حتى أصبح : «اللى على راسه بطحة يِحسس عليها».
 
3. مالك شايل طاجن سِتك ليه!!
 ويرجع هذا المثل إلى الزمن القديم في قرى ونجوع مصر، فيقال أن الجدات حينئذٍ كن لا يعجبهن أي شيء رغم ما بُذل به من مجهود ،فكانت من عادات البيوت المصرية قديماً أن يطبخوا أشهى المأكولات فى الطواجن الفخارية، وكما اعتاد أهل مصر قديمًا أن تقف الفتاة أو السيدة طوال اليوم للانتهاء من إعداد طاجن شهي تحمله على رأسها وتذهب به إلى جدتها تقديراً لمكانتها فى العائلة. ولكن كعادة الجدات اللائى لا يعجبهن شىء ويمارسن النقد على كل ما يقوم به الأجيال الصغيرة كان لا يعجبهن ما تقدمه لهن الفتاة فى الطاجن فيعلقن على الطاجن باستياء وعدم استحسان، فجاءت مقولة: « مالك شايل طاجن سِتك كده ليه !؟ ».
 
4. آخرة خِدمة الغُز عَلقة
 يُعبر هذا المثل الشعبي عن سو الخُلق وقِلة الأصل ونُكران الجميل، وقصته تعود إلى وقت الاحتلال، وكلمة «الغُز» تحورت من كلمة «الغُزاة» وهي بمعنى الزحف للقتال ومحاربة الناس في ديارهم وأرضهم، على أية حال، كان المصريون يتعرضون للنهب والسرقة من قِبل الغزاة، فكانوا يدمرون القرى ويجردونها من خيراتها، هذا بالإضافة إلى مُعاملاتهم السيئة للشعب المصري، وإجبارهم على العمل بالقهر والقوة بدون أي أجر ، وبعد أن ينهبوا الخيرات يهمّون بالرحيل بعد أن يهدوا جموع الشعب عَلقة موت، حتى قيل وقتها : أخرة خِدمة الغُز عَلقة !
 
5. ياما جاب الغراب لأمه
 مثل شعبي يردده المصريون بسخرية حين يفاجئهم شخص ما بشئ لا يرغبون به أو لا ينال إعجابهم، 
ومثل «ياما جاب الغراب لأمه» له قصة تُفسر ذلك المثل، فكشفت الدراسات المُتخصصة فى سلوك الغربان أنهم يلتفتون إلى الأشياء التى لها بريق فى الشمس، وأن الغربان بهم صِفة وهى الاحتفاظ بالأشياء فى مخزن سري خاص بهم، كثغرة فى شجرة أو فى داخل الحائط، وعند الوصول لتلك المخازن السرية والبحث عما فيها، وجد أمورًا لا قيمة لها، مثل قطعة من المعادن، أو جزء من مرآة مكسورة، أو حتى يد فنجان من الخزف، فهذه هي الأشياء التي تلمع في أشعة الشمس وتجذب نظر الغراب، ومن هذه الفلسفة جاءت جملة: ياما جاب الغراب لأمه، تعبيرًا عن أي شخص يأتي بشيء لا قيمة له.
 
6. يِخلق مِن الشَبه أربعين
 مثل يخلق من الشبه أربعين هو مثل شعبي من أصل فارسي، ويعد من الأمثال الشعبية التي يستخدمها الناس غالبًا، ليعبّروا عن التعجب حين رؤيتهم لشخصين أو أكثر بينهم تشابه كبير دون وجود أي صِلة قرابة بينهم، ومع ذلك فقد تكون الأفكار والميول الثقافية، والاتجاهات الفكرية مختلفة لكل منهم، وقد يكون الشبه في السلوك أو أسلوب الحياة مثلاً وليس فقط في الملامح الشكلية، فكثيرًا ما نرى أشخاصًا يشبهون شخصيات مشهورة كرؤساء دول مثلاً، أو فنانين أو شخصيات عامة أو لاعبي كرة القدم المشهورين، وعند البحث في رقم إنّ (أربعين) الواردة في المثل فارسي؛ والمقصود بها هنا كثرة العدد، وليس المقصود منها عدد معين، حيث إنّ الخالق عز وجل يستطيع أن يخلق أكثر من أربعين شخصًا بنفس الملامح، لذلك فإن القصد من الكلمة هو المُبالغة في العدد، وقد أتى في نفس السياق بعض الأمثال الشعبية التي استخدمت رقم (40) منها: (الجار حتى البيت الأربعين)، و(عيار الشبع في الطعام 40 لُقمة).
 
7. إحنا دافنينه سَوا
 يعود استخدام المثل الشعبي «إحنا دافنينه سوا» للتعبير عن أن بواطن الأمور تختلف عن ظواهرها في أحيانٍ كثيرة، ويستخدم هذا المثل الشعبي عند وجود سر بين اثنين ولا يعرفه أحد غيرهم، حتى لا  يتظاهر أحداهما بالذكاء على الآخر. ويرجع أصل ذلك المثل لقصة إثنين من التُجار ومعهما حمار، وكان التاجران يقتنيان هذا الحمار، لكونه هو الوسيلة الوحيدة لبيع تجارتهما ورفيق رحلتهما وأطلقوا عليه اسم «أبو الصبر» لتحملة مشقة السفر معهم. وفى يوم من الأيام أثناء سفرهم مات الحمار المُلقب بـ «أبو الصبر»، وحزن عليه التاجران حزنًا شديدًا، وقررا دفنه، وكان أحدهما يبكى ليل نهار عليه، وتعاطفت الناس من حولهم ، خاصة بكلامهم عنه وعن تحمله وصبره، حتى اعتقد غالبية الناس أنهم يتحدثون عن شيخ صالح جليل، هذا ما جعل التاجرين يفكران في استغلال الموقف لصالحهما، فوضعا خيمة كبيرة على مكان دفن الحمار، وظن الناس أنه مقام للشيخ «أبو الصبر» فانهالت التبرعات والنفحات حتى أصبح «أبو الصبر» أحد مشاهير القرية، فهو الشيخ الولي الذي يلجأ إليه عامة الناس لقضاء حوائجهم، يتبرّكون به ويدفعون أموالهم تقربًا له، وفي أحد الأيام اختلفا الصديقان، حتى نسي واحد منهما وأقسم بالشيخ «أبو الصبر» وقال لصديقه : أقسم لك بالشيخ أبو الصبر أنك ستصاب بلعنته ! فضحك الآخر وقال : « ده إحنا دافنينه سوا».
 
8. عامل نفسه من بَنها
 مدينة بنها هي عاصمة مُحافظة القليوبية بمصر،وتبعد حوالي 45 كم إلى شمال القاهرة عند رأس الدلتا، وقد بدأت قِصة المثل الشعبي المصري «عامل نفسه من بنها» من خِلال قطار الوجه البحري الذي يجب أن يمر على بنها، وهي أول محطة يتوقف فيها القطار بعد القاهرة، مهما كانت وجهته أو محطته الأخيرة، فكان الركاب الذين ينزلون محطة بنها لا يدفعون ثمن التذكرة لأنهم يركبون محطة واحدة فقط، فلجأ باقي الركاب لهذه الحيلة وبدأوا يزعمون أنهم من «بنها» لكي يتهربوا من دفع ثمن التذكرة للكمسري، لذا تأتي عبارة « عامل نفسه من بنها» عندما يتهرب أحد الأشخاص من تحمل مسؤولية مُعينة أو التهرب من دفع مبلغ مستحق من المال.
 
9. إمسك الخشب
 يعود أصل المثل الشعبي «إمسك الخشب» إلى أنه كان مُجرد عادة في عهد الإمبراطور «قسطنطين»، حيث كان المؤمنون بالمسيحية يسيرون في مواكب عامة ويلمسون الصليب الخشبي من أجل التبرك به والشفاء، بشرط أن يتم لمسه ثلاثة مرات متتالية، وبعد تداول هذه الحركة في القسطنطينية، تحول الأمر وأصبح عادة بين المصريين، فيقومون بلمس أي شيء من الخشب للتبرك به ومنع الأذى والحسد والضرر، وبات الجميع بلمس أي شيء خشبي كالطاولة أو الكرسي مرددين «امسك الخشب» عندما يشعرون بأن أحد الأشخاص الجالسين معهم ربما يضرهم بنظرة حسد ليبقى المثل حتى يومنا هذا مُعبرًا عن دفع ومنع الحسد.
 
10. مسمار جُحا
 تعود قِصة هذا المثل الشعبي إلى واقعة خيالية من الحكي والتراث الشعبي، والقصة مرتبطة بالواقعة التي فعلها جحا عندما قام أحد الأشخاص بشراء بيته، حيث عرض جحا بيته للبيع وعندما حصل على مشترٍ اشترط عليه أن يترك وراءه مسمارًا في الحائط ليكون ذكرى من جحا في منزله، ووافق الرجل على هذا الشرط، وبعد أن باع جُحا منزله بدأ يتردد على صاحب المنزل الجديد بشكل يومي ومستمر وفي أي وقت .. مساءً وصباحًا وذلك بحجة رؤيته لمسماره الذي جعله للذكرى، وكان جحا يتحين أن تكون وقت الزيارة في موعد الغداء والعشاء، فيجلس يأكل مع صاحب البيت الجديد، واستمر جُحا على هذا الحال لفترة طويلة من الوقت حتى سئم الرجل جدًا مما يفعله جُحا، مما جعله يهرب من البيت تاركًا مُقتنياته ومُتعلقاته قائلاً : « باع لي البيت وترك به مُسمار جُحا».
 
11. عصفور في اليد خير من عشرة على الشجرة
 تقول القصة الخاصة بالمثل الشعبي «عصفور في اليد خير من عشرة على الشجرة» أنّ شخصًا كان يحملُ بيدهِ عصفورًا ويسير في الغابة، فإذ بمجموعة كبيرة من العصافير تقف على غصن شجرة، فطمع الرجل بذلك العدد الكبير من العصافير وأدى به هذا الطمع أن يلقي بالعصفور الذي بيده، 
وبعد أنّ رمى بالعصفور الذي يحمله ركض باتجاه شجرة العصافير؛ ظنًّا منه بأنّه سيحصل على كل هذه العصافير بمجرد أن يصل إليها، ولم يخطر على باله أنّ العصافير لن تنتظره حتّى يصطادها، وحتمًا ستطير هربًا منه، وفعلًا حدث ذلك وطارت العصافير وبقي الرجل حزينًا وحيدًا نادمًا على طمعه الذي جعله يخسر كلّ شيء، ومن هذه القصة جاء المثل الشهير «عصفور في اليد خير من عشرة على الشجرة»، ويستخدم عامة الناس هذا المثل الشعبي في حياتهم للتعبير عن الطمع، حيث أصبح بعض الأشخاص يطمعون بالحصول على كلّ شيء بلا تعب، أو لربّما تهون عليهم التضحية بما لديهم من النعم طامعين بالحصول على ما بين يدي الناس فيفقد ما يملكه دون أن يحصل على أي مكتسبات جديدة.
 
12. ابن الوز عوّام
  يتردد المثل الشعبي « ابن الوز عوّام» عند الحديث عن صِفة أو موهبة أو سلوك معين يتوارثه الشخص عن والده أو والدته، وقصة المثل ترجع إلى أنه كان هناك رجل يهوى تربية الإوز، وكان يُفضّل واحدة منها، وفي يوم وضعت الإوزة بيضتين ثم ماتت بعدها مباشرة، حزن صاحب الإوزة عليها وأخذ الرجل بيضتي الإوزة، ووضعهما مع بيض الدجاجة لكي تفقس معًا، وتهتم بهما الدجاجة كأنهما أولادها، وبالفعل عاشت الإوزتان مع الدجاج، وفي يوم من الأيام كانت تعلم الدجاجة أبناءها العوم، واقتربت الدجاجة مع أبنائها من فصيلة الدجاج ناحية حوض الماء، فقفزت الإوزتان إلى المياه وأخذتا بالعوم دون أي تدريب مُسبق، فقال  صاحب الدجاجة « صحيح ابن الوز عوّام» وبات يتردد هذا المثل الشعبي حتى يومنا هذا.
 
13. جت الحزينة تِفرح ملقتش إلها مَطرح
 يرجع أصل هذا المثل الشعبي إلى قديم الزمان، حيث كانت هناك عائلة كبيرة، تعيش داخل قرية فقيرة للغاية ، وكانت تعرف باسم «عائلة تِفرح» وكانت هذه العائلة تشتهر بكرمها وحسن ضَيافتها وأخلاقها الطيبة، وكانت لهذه العائلة فتاة فائقة الجمال ورقيقة القلب تسمى «الحزينة».
 
 وفي يوم من الأيام، قرر تاجر يدعي «مطرح» أن يستريح في هذه القرية بعد رحلة سفر شاقة السفر، وذلك لمدة يوم واحد، فقام أهل القرية بترشيح عائلة «تِفرح» لكي يمكث لديهم هذا التاجر، نظرًا لكبر منزلهم واتساعه من جهة، وحسن ضيافتهم من جهة أخرى.
 
 وبالفعل ذهب التاجر إلى عائلة «تِفرح»، وعندما شاهد ابنتهم «الحزينة» أعجب بها، وقرر أن يزوجها لإبنه «إلها»، وبالفعل تمت الخطبة سريعًا، ولكن اكتشف الشاب «إلها» أن خطيبته «الحزينة» بها عيب شديد، وهو أنها في غاية العصبية، فنشبت بينهما مُشاجرة شديدة جدًا، وفي نهاية الأمر اعتذرت «الحزينة» لخطيبها.
 
 ولكن خطيبها «إلها» لم يقبل هذا الاعتذار، وقرر أن ينتقم منها، وبعد أن ارتدت العروسة «الحزينة» ملابس الزفاف، وجلست تنتظره هي والمعازيم من أهل القرية، إلا أنه لم يأت، وعندما أدرك الجميع بأن العريس «إلها» لن يأتي، أخذوا المعازيم يرددون مقولة «جت الحزينة تفرح ملقتش إلها مطرح»، ومنذ ذلك الحين، وأصبح الكثيرون يرددون هذا المثل، عندما يتعرض شخص لسوء الحظ أو المواقف المُحرجة.
 
14. خلي البساط أحمدي
 يُعتبر هذا المثل الشعبي دعوة للبساطة في التعاملات والتواضع ويرجع أصل هذا المثل إلى الشيخ الصوفي «السيد احمد البدوى» الذى كان له بُساط صغير على قدر جلوسه فقط، و لكنه لكرامة «الشيخ» يسع كل من يجلس عليه، ولو كانوا مائة شخص ! و قيل أيضًا عنه أنه كان يخصص يوما من كل سنة يجتمع الناس فيه ويفرش لهم بساطا كبيرًا ليجلسوا عليه ليتبادلوا الطعام والشراب سويًا في مناخ لطيف ودود. لذا، شاع  بين الناس بعد ذلك المثل الشعبي «خلى البساط أحمدي» كناية عن البساطة في التعاملات أثناء الجلوس والبعد عن الرسميات. 
 
15. جحا أولى بلحم توره
 يقال أن قِصة هذا المثل الشعبي، هي أن جحا اشترى غطاءً دافئاً لسريره، وذات ليلة دخل على بيتهم أحد اللصوص وسرق هذا الغطاء، فحزن جحا كثيراً وراح يبحث عن الغطاء في كل مكان زمناً طويلاً، ولكن بدون فائدة، فاهتدى إلى وسيلة ذكية يجد من خلالها غطاء سريره.
 
وكان عند جحا ثور هرم، فخرج إلى السوق ونادى بالناس بأنهم مدعوون عنده لتناول لحم الثور المطبوخ، وجاء أهل المنطقة جميعهم، وطلب منهم أن يصطفوا عند الباب قبل الدخول، وتركهم أمام باب المنزل فترة من الوقت، وكان الطقس بارداً جداً، ولذلك، لبسوا أثقل ما عندهم من ملابس وأغطية لاتقاء شر البرد.
 
مرّ جحا بهم جميعاً واحداً واحداً، وهو يتحسس ملابسهم وأغطيتهم ومعه صحن مملوء باللحم، وكان يعتذر للرجل العجوز بأن لحم الثور سيضره ويعتذر للمريض بأن هذا اللحم يزيده مرضاً، وطلب من الشباب الاصطفاف في مكان خاص، وتفقدهم، حتى وصل إلى أحدهم وكان يرتدي غطاء سرير جحا المسروق، فصاح جحا بالناس بأنه وجد غطاء سريره، وأشار إلى اللص، فهرب الرجل حتى لا يُقبض عليه ويُعاقب، وطلب جحا من الناس الانصراف من بيته، وكان يحمل الصحن بين يديه، ولم يُعطهم منه ولا قطعة واحدة، فسألوه الناس عن لحم الثور، فقال جحا حينها «جحا أولى بلحم ثوره» ومن ذلك اليوم أصبح المثل يضرب بين الناس للدلالة على أن الشخص أولى من غيره بما يملك من مال أو طعام أو ما شابه.
 
16. أول ما شَطح نَطح
 يعود أصل هذا المثل الشعبي إلى أهالي إحدى القرى بالصعيد، حينما اجتمعوا يتساءلون عن «براز الجاموس»: الذي ينبت منه، حينها اتفقوا على أن أصله هو الجبن، وعليه دفن أحدهم قطعة منه في الأرض، وعاد إليها بعد أيام لينظر ما أنبتت، فعثر بحجر آلمه فظنه قرن العجل الذي نبت عن الجبن وقال مُتعجبًا: «أول ما شَطح نَطح» ومن هذا الوقت أصبحت هذه المقولة تتداول عندما يفعل أحد الأشخاص فعلاً جريئًا أو غير متوقع.
 
17. بركة يا جامع
 يعود أصل المثل الشعبي «بركة يا جامع» إلى رجل كان يُفضِّل الصلاة في بيته هاجرًا المسجد، وهو ما لاحظه الناس حوله، وعلى أساس ذلك أخذت الناس  تلومه على مقاطعته بيت الله، وفي يوم من الأيام قرر الرجل الذهاب إلى المسجد فوجده مغلقًا، فأخذ يردد « بركة يا جامع .. هذه البركة أشكر الله عليها، تبرئني من وصمة التقصير وتدفع عني الملام، وقد بلغت بها ما أطلب»، ومن هنا بات الناس يرددون المثل الشعبي « بركة يا جامع» حتى يومنا هذا تعبيرًا منهم عن أنهم أدوا ما عليهم دون تقصير وأن أي تقصير في أي شيء فهو ناتج عن أسباب أخرى لا تتعلق بهم.
 
18. دخول الحمام مِش زي خروجه
 يعود هذ المثل الشعبي إلى العصر العُثماني، عندما قرر أحد الأشخاص فتح حمام تركي جديد. إذ إنه قديماً كان يُعتبر الحمام التركي طقساً من طقوس تنظيف الجسد، وبقي حتى يومنا هذا، وهو مستمر في اكتساب شعبية تتزايد مع مرور الزمن في تركيا وخارجها أيضاً. وبالعودة إلى أصل هذا المثل الشعبي المشهور، يُقال أن هناك رجلاً عثمانياً افتتح حماماً تركياً قديماً، ووضع لافتة كُتب عليها «دخول الحمام مجاناً»، وهذا ما جذب الناس لتجربة الحمام. وعندما دخل الزبائن إلى الحمام، كان الرجل صاحب المكان يحتجز ملابسهم، وحين يقرر الزبائن الخروج من الحمام، يرفض صاحب الحمام تسليم الملابس لهم، إلا بعد دفع ثمن استخدام الحمام. هنا فوجئ الزبائن بتغيير الكلام، وواجهوه بما كتب في اللافتة المعلقة على بالباب، فأجاب عليهم قائلاً : «دخول الحمام مِش زي خروجه» أنا كتبت دخول الحمام فقط مجانًا ولكن ليس الاستحمام !. وأصبح هذا الرد مثلاً شعبياً يردده عامة الناس في العديد من المواقف.
 
19. رِجعت رِيمة لعادتها القديمة
 عادة ما يُستخدم المثل الشعبي «رِجعت رِيمة لعادتها القديمة» للتعبير عن رجوع أحد الأشخاص لعادة أو طبع أو صِفة معينة فيه، أو تغير في أحواله مثلاً، فإذا لاحظ الناس أن شخصًا ما قد قام بتكرار ذات التصرف الخاطىء كما كان يفعل سابقًا، يقولون : « أهو رِجعت رَيمة لعادتها القديمة» ، ويرجع أصل هذا المثل الشعبي إلى إمرأة تُدعى ريمة كانت متزوجة من رجل شديد الكرم ومحبوب من الجميع، دائم الجود بالخير على كل من حوله وكان يدعى «حاتم الطائي»، وكانت ريمة على عكس زوجها فقد كانت بخيلة للغاية بين جيرانها، حتى صارت مثالاً للبخل والشح، وكان يعرف عن ريمة قِلة السمن في طعامها، إذ أنها تستخدم أصغر ملعقة لديها عند وضع السمن، وكان جميع من في المنزل يشتكي من مذاق الطعام بسبب قلة محتوياتها الضرورية، لذا أراد زوجها أن يُعلمها الكرم ويساعدها على التخلص من صِفة البخل، فروى لها قصة قديمة عن اعتقاد يقول إن المرأة التي تزيد ملعقة من السمن أثناء الطهي يزيد الله يومًا في عمرها مع كل ملعقة، والمرأة التي تقلل السمن ينتقص الله يومًا من عمرها عن كل نقص. وبما أنها سيدة بسيطة جداً فقد صدقت هذه المقولة، وبدأت بالفعل في زيادة السمن في الطعام طمعًا في زيادة عمرها كما أخبرها زوجها، وذات يوم توفي ابنها الوحيد وكانت تحبه بشدة، فحزنت عليه حزنا شديد لدرجة أنها تمنت الموت حتى تلحق به.
 وحتى تُحقق تِلك الرغبة « رجعت ريمة لعادتها القديمة» وبدأت في تقليل السمن مرة أخرى حتى ينقص عمرها وتلحق بابنها.
 
20. جِه يكحلها عماها
 يرجع أصل المثل الشعبي جِه يكحلها عماها إلى رجل كان يشك في حب زوجته له لأنها لا تتحدث أو تضحك معه وتتجاهله كثيرًا، فذهب لسيدة عجوز ليخبرها عن أمره وعن حالته السيئة مع زوجته. وجاءت نصيحة السيدة العجوز غريبة للغاية، حيث قالت له قم بوضع أفعى مُغلق فمها بإحكام على صدرك وأنت نائم، وبالفعل قام بتنفيذ ما نصحته به، حتى تفاجأ بصراخ زوجته وبكائها عليه وهى تحاول إيقاظه بعدما ظنت إنه فارق الحياة، فتأكد من حبها له ونهض سريعًا ليخبرها إنه لم يمت، فلما علمت الزوجة بالأمر غضبت كثيرًا وأقسمت إنها لن تعود إليه وتركته، ومن هنا أطلق المثل «جه يكحلها عماها».
 
خاتمة :
 لقد حظي الأدب الشعبي المصري في الآونة الأخيرة باهتمام كبير من قِبل الباحثين والدارسين المختصين في مجال الدراسات الثقافية اللامادية، باعتباره موروثًا ثقافيًا لا يمكن الاستغناء عنه وعن كل مظاهره التعبيرية – فهو – مرآة تعكس حياة الناس بكل طبقاتهم وفئاتهم، والأمثال الشعبية باعتبارها نوعًا من الأدب الشعبي الذي يمتاز بالتعددية والتنوع من حيث أشكاله الأدبية التعبيرية الشعبية كالقِصة والحكاية والنُكتة وأيضًا الخُرافات والأساطير، فهي – أي الأمثال الشعبية – مُركبًا خِصبًا من الثقافة الروحية الوجدانية للشعوب، التي تؤدي إلى كشف تراكيب تَلك الشعوب واستكشاف كل المظاهر والدلالات المُتعلقة بالمجتمع بتناقضاته وتعقيداته المختلفة، فهي تُمثل الذاكرة الحية للمجتمع، أو بالأحرى هي « الذاكرة الحكواتية».
والأمثال الشعبية كالجواهر، تزداد قيمتها بقدمها، إذ أنها ببساطتها وسرعة نطقنا لها في حال احتياجنا لها كوسيلة تنفيس، نجدها ترتبط بالإنسان أينما كان، فالمثل الشعبي الذي يُقال في مصر نجد ما يُماثله في اطراف أوروبا.
 
والأمثال الشعبية في سِجل الأدب الشعبي لها تاريخ طويل وعريق باعتبارها من أقدم وسائل التعبير الأدبي. وأيضًا يجعلها ضِمن موضوعات الأنثروبولوجيا الثقافية، وهو ما اصطلح على تسميته بـ « الخطاب الفِكري»، وهو مدخل مهم جدًا يضع دراسة أصل الأمثال الشعبية وقيمتها الثقافية والمجتمعية ضِمن مجال «أنثروبولوجيا الأدب»، وهو ميدان واسع نستطيع من خلاله دِراسة الإبداعات الشفاهية المأثورة وقراءة خصائص المجتمع من خلاله، كما أن استخدام الأمثال الشعبية أصبح واقعًا في التعاملات اليومية، فنجد للأمثال الشعبية مصداقيتها الخاصة، حيث أصبح بمجرد قول المثل ينتهي فورًا أي جدال قائم، فهو اليقين التام، وخلاصة حكمة الأجداد ومفتاح النجاة من الحيرة في أمر ما.
كما أن المثل الشعبي يُعد أداة هامة في التنشئة الاجتماعية وعملية غرس القيم والمفاهيم، إذ أنها تُلقن المجتمع ما يجب فعله وما لا يجب فعله.

 

الهوامش:

1.    عز الدين أبي الحسن الجزري الموصلي المعروف بـابن الأثير الجزري، من أبرز المؤرخين المسلمين، عاصر دولة صلاح الدين الأيوبي، ورصد أحداثها ويعد كتابه الكامل في التاريخ مرجعا لتلك الفترة من التاريخ الإسلامي.

2.    ابن الأثير، ضياء الدين (1959)، المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، تقديم وتعليق أحمد الحوفي وبدوي طبانة، الجزء الأول، دار نهضة مصر للطبع والنشر، القاهرة، ص 54

3.    الفارابي وعُرِف بأبي نصر واسمه الأساسي محمد، وُلد عام 260 هـ، في فاراب في إقليم تركستان وتُوفي عام 339 هـ. لُقب باسم الفارابي نسبةً للمدينة التي ولد فيها وهي فاراب. يعُتبر الفارابي فيلسوفاَ ومن أهم الشخصيات الإسلامية التي أتقنت العلوم بصورة كبيرة مثل الطب والفيزياء والفلسفة والموسيقى وغيرها.

 

 

المراجع:

1.    نايف النوايسة، حكاية مثل شعبي، دار يافا للنشر والتوزيع، الأردن، 2020م.

2.    محمد أمين عبد الصمد، القيم في الأمثال الشعبية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة ، مصر ، 2014م.

3.    https://www.elmogaz.com/

4.    https://www.youm7.com/

5.    https://www.elbalad.news/

6.    https://e3arabi.com/

7.    https://www.qaliubiya.com/

8.    https://m.akhbarelyom.com/

9.    https://abunawaf.com/

10.    https://sotor.com/

11.    https://www.baladnaelyoum.com/

12.    https://alghad.com/

13.    https://www.annahar.com/

14.    https://www.eshofel3alm.com/

 

 

الصور :

1.    الصور من الكاتب.

2.    https://i.pinimg.com/originals/1d/a6/d6/1da6d61345f3027a919651ee3b26612d.jpg

 

أعداد المجلة