المرجحانة ..
العدد 11 - لوحة الغلاف
الأرجوحة، المرجيحة، الدورفة أو المرجحانة وغير هذه من الأسماء التي تطلق على هذه اللعبة المسلية البسيطة والزهيدة التكاليف قديما، إذا ما قيست بكلفتها في زماننا، فقد كانت الأرجوحة مجرد حبل متين يُـربط بإحكام بين نخلتين أو أي عمودين متقابلين بحيث يشكل منتصف ارتخائه القريب من الأرض مكانا لجلوس من يريد التأرجح جيئة وذهابا إلى الأمام وإلى الخلف إما بقوة دفعه الذاتية أو بمساعدة آخر يدفعه من الخلف إلى الأمام في كل مرة.
هذه اللعبة كانت متاحة للجميع ومن مختلف المستويات الاجتماعية دون تفريق، يلعبها الصبيان وتلعبها الصبايا من مختلف الأعمار، ولأن نصبها كان أمرا سهلا ومتاحا في أي مكان بفناء السكن، ببيوت الجيران وفي البساتين وأحيانا في ساحات الأحياء إن تهيأ المكان المناسب، فالأمر لا يعدو أن يتوافر حبل وقائمتان وثلة من ناشطين راغبين في التمرجح.
ارتبطت الأرجوحة في الوجدان الشعبي بالطفولة والصبا، لتعبر عن البراءة والحلم والانتشاء بالنسيم النقي وهو يلتقي الوجوه بقوة، وعن قدرة الجسم الطري على التحليق والاستجابة لمقتضيات الحركة الخاطفة جيئة وذهابا في فضاء جميل، إلا أن الأمر في زماننا قد اختلف كثيرا، إذ طالت الأرجوحة يد التحوير والتغيير وتدخلت الصناعات الحديثة في تطوير الفكرة ة وتحديثها، وفي تنويع خاماتها، وتحديد مستويات استخداماتها، فمن ذاك الحبل البسيط إلى أراجيح بكراس وأرائك وثيرة محمولة بسلاسل القصدير على قوائم من المعدن مظللة بأقمشة مطرزة، وإلى أشكال جاذبة لحيوانات وطيور تهتز أو تدور . . تعلو . . تهبط . . وتدار آليا ليستقر مستخدموها عليها متلقين ما تفعل بهم دون حراك.
انتقلت الأرجوحة في الأغلب الأعم من لعبة يصنعها الصبي بنفسه ليحركها ويحرك بها جسمه . . يمتلكها ويتحكم في أوقات استخدامها، إلى لعبة فخمة وثيرة تنتجها المصانع الكبرى، لتكون إما غالية الثمن لا يقدر على امتلاكها كل الناس أو هي لعبة يمتلكها مجمع استثماري للألعاب ويشيع استخدامها لمن يستأجر ويدفع ثمن استخدامها بالدقيقة، بحيث تتحرك اللعبة ويظل الطفل ساكنا، وبحيث تظل لديه حتى يكبر رغبة حركة جامحة مكبوتة. . لم تـُـشبع.
وبقدر ما كانت الأرجوحة في الذاكرة الشعبية مجرد لعبة بسيطة، فإنها في ثقافتنا الشعبية تنطوي على معان ودلالات عميقة، وفي هذا العدد من (الثقافة الشعبية) تكشف لنا الدراسة الأولية حول (المرجحانة في الموروث الشعبي القديم) صلة هذه اللعبة بطقس في تقاليدنا وعاداتنا الشعبية. وما أكثر ما تمور به ثقافتنا الشعبية ويحتاج منا إلى الدراسة والتحليل والكشف.
وتظهر صورة الغلاف صبية من جيل الأمل في الخليج العربي، بابتسامة مشرقة، ونظرة واثقة إلى البعيد، وهي بكامل زينتها الشعبية، على أنموذج جديد لتلك الأرجوحة التقليدية القديمة، وكأنا بها تؤكد معنى أن تستمر الثقافة الشعبية في دواخلنا رغم كل ما حولنا من متغيرات.