الأبعاد الرمزية في الحكاية الشعبية
العدد 25 - أدب شعبي
دراسة لرمزية الحكاية في ضوء التحليل النفسي و الأنثروبولوجيا و تاريخ الأديان
مدخل عام:
عالمية الرموز وخصوصية الثقافات المحلية
قد نضطر استسلاما للقيود المنهجية أن نتتبع رحلة الرموز، من خلال ما تمثله لجماعة من الجماعات، أوثقافة من الثقافات، لكن هذا لا يمنع من القول أن كل حضارة ما هي في نهاية المطاف إلا حلقة من حلقات مسلسل التاريخ، منذ انطلاقة الإرهاصات الأولى لإبداعات الفكر الإنساني في العصور الحجرية،وحتى آخر الصيحات في عالم التكنولوجيا الرقمية،
حيث الهواتف الذكية والشبكات العنكبوتية التي حولت الإنسان إلى مجرد أرقام ورموز في خارطة القرية الصغيرة. مما يجعلنا نجزم أن الرمزية خصيصة إنسانية ميزت الإنسان عن غيره من المخلوقات التي تشاطره الحياة على هذه البسيطة، وبها أثبت الإنسان تفوقه وتفرده. وبهذا تتضح مقولة فيلسوف الأشكال الرمزية «ارنست كاسيرر» «في البدء كان الرمز»، وكذا العبارة الشاعرية للشاعر الفرنسي بودلير «العالم غابة من الرموز».
إن الحديث عن الرموز هو حديث عن تاريخ ممتد في جذور الإنسانية الأولى، حين كان الإنسان يتأمل الطبيعة ويحاول فهم ظواهرها المستعصية، من خلال ما يبدعه من أشكال فنية وتعبيرية مختلفة،ولذلك جاءت مسيرة الفنون والآداب حافلة بما هو رمزي، استطاع الإنسان من خلالها أن يضمن تصوراته عن الكون والحياة،خصوصا عندما يتعلق الأمر بأمور يصعب تصورها في الواقع أوتفوق طاقته الإدراكية.
وبعد أن قطع الإنسان أشواطا مهمة في الحضارة، زاد تعلقه بالرموز حتى أنها غزت جميع المجالات التي يمت إليها بصلة، بدءا من علامات السير واللوحات الإشهارية،وانتهاء بآخر مستجدات التكنولوجيا الحديثة، وقد فطن المتخصصون في التسويق والإشهار إلى أهمية الرموز والعلامات في حياتنا، فجعلوا لدراستها حيزا هاما في الدرس التواصلي الذي يتوخى في شقه الاقتصادي دحر الحواجز بين المستهلك وسوق الإنتاج في عالم عنوانه الأبرز هو الاستهلاك.
وهكذا تصبح الرموز تراثا إنسانيا خالصا،لا يؤدي استثماره بشكل جيد إلا إلى مد جسور التواصل بين شعوب الأرض، وتذليل الصعوبات التي تعيق حوار الثقافات.
إن طابع الكونية والعالمية الذي يسم الرموز، لا يلغي خصوصية الثقافات المحلية، وحقها في امتلاك ثوابتها ورموزها الخاصة،وفق عقائدها الفلسفية وتصوراتها للعالم .لكن جل الدراسات الأنثربولوجية والنفسية والاجتماعية أثبتت أن الإنسان هو نفسه في مختلف بقاع الأرض، وعبر مختلف مراحل تاريخ الإنسانية ..لم يتغير كثيرا عن سلفه، خصوصا في ما يتعلق بالأنشطة العقلية والفكرية التي تخضع لسمات التفكير نفسها،لا فرق في ذلك بين الإنسان البدائي وإنسان الألفية الثالثة .
1 - الرمز في المعاجم العربية وفي التراث النقدي العربي
1 - 1 -الرمز في المعاجم العربية:
جاء في لسان العرب أن الرمز هو « تصويت خفي باللسان كالهمس، ويكون بتحريك الشفتين بكلام غير مفهوم باللفظ من غير إبانة بصوت إنما هو إشارة بالشفتين،وقيل الرمز إشارة وإيماء بالعينين والحاجبين والشفتين والفم .والرمز في اللغة كل ما أشرت إليه مما يبان بلفظ بأي شيء أشرف إليه بيد أوبعين»(1)، وإلى ذلك ذهب صاحبا معجم مقاييس اللغة والصحاح في اللغة.وبالإضافة إلى ذلك المعنى يشتمل الرمز على معنيي الاضطراب والحركة، يقال ارتمز الرجل إذا اضطرب، و«كتيبة رمازة، إذا كانت ترتمز من نواحيها لكثرتها»(2)، أي تتحرك وتضطرب كما ورد في المعاجم العربية سالفة الذكر. والمعنى الثاني هو أحد الوجوه التي تميز الرمز كما سنعرض له في هذا البحث.
1-2 -الرمز في التراث العربي النقدي:
ورد الرمز بمعنى الإشارة كثيرا في التراث النقدي العربي، وهي عند قدامة بن جعفر في نقد الشعر «أن يكون اللفظ القليل مشتملا على معان كثيرة بإيماء إليها،أولمحة تدل عليها، كما قال بعضم وقد وصف البلاغة فقال: هي لمحة دالة»(3)، وذكر ابن رشيق الإشارة في العمدة واعتبرها «من غرائب الشعر وملحه، وبلاغة عجيبة، تدل على بعد المرمى وفرط المقدرة، وليس يأتي بها إلا الشاعر المبرز، والحاذق الماهر، وهي في كل نوع من الكلام لمحة دالة، واختصار وتلويح يعرف مجملا، ومعناه بعيد عن ظاهر لفظه، وقد جعل ابن رشيق الرمز من أنواع الإشارة إذ يقول:
ومن أنواعها الرمز: كقول أحد القدماء يصف امرأة قتل زوجها وسبيت:
عقلت لها من زوجها عدد الحصى
مع الصبح أومع جنح كل أصيل
يريد أني لم أعطها عقلا ولا قودا بزوجها، إلا الهم الذي يدعوها إلى عد الحصى»(4).
يستنتج مما سبق أن الرمز في اللغة غالبا ما يأتي بمعنى الإشارة والإيماء، ويرد كذلك بمعنى الخفاء والاضطراب.
2 - الرمز في السيميائيات:
2-1 - الرمز في سيميائيات امبرتوايكو:
ينتقد امبرتو ايكو معجم لالاند للمصطلحات الفلسفية في تعريفه للرمز، إذ يتحدث التعريف الأول عن كون الرمز« يمثل شيئا آخر بمقتضى علاقة تماثل»(5)، بينما يذهب التعريف الثاني إلى أن الرمز «هو نظام مسترسل من الألفاظ يمثل كل واحد منهما عنصرا من نظام آخر»(6). كما يضيف بان الرمز «ليس لفظا من اللغة العادية، مثلما هو الحال بالنسبة إلى العلامة» (7) ويضعه في خانة اللغة المثقفة، بينما «تستعيره اللغة شبه العادية معتبرة إياه أدق تعريفا في السياقات النظرية الملائمة» (8).
ويعرج ايكو على ماري دوغلاس التي أفادت كثيرا اتجاه الأنثروبولوجيا الرمزية، والتي صاغت سيميائية خاصة بالظواهر الجسدية، «باعتبارها نظاما يحيل على عناصر من النظام الاجتماعي» (9) ، لكن يعيب عليها في الوقت نفسه عدم التمييز بين الرمز والعلامة.
كما أشار ايكو إلى واحد من المهتمين بقضايا الرموز، وهو رايموند فيرث الذي تتبعها انطلاقا من الصحافة اليومية إلى الأدب، ومن الأسطورة إلى الأنثربولوجية الرمزية، وخلص إلى أن الرمز هو نتيجة لعبة الإحالات من الملموس الى المجرد، ومن المجرد الى الملموس(الرمز الرياضي والمنطقي)، والعلامة الكنائية (صخور وأنهار ترمز إلى قوى الطبيعة)، والغموض(الظلام يرمز إلى السر)، وقد لاحظ رايموند فيرث أن الرمز يكون في مستوى أول تواضعيا (مفاتيح القديس بطرس هي رمز سلطة الكنيسة ). ويخلص في نهاية بحثه إلى أن الرمز هو « كل علامة نصادف فيها غيابا أوضح لاتفاق تأويلي ــ ربما مقصود ــ بين المنتج والمؤول»(10).
الرمزية باعتبارها سيميائية:
يشير ايكو إلى تطابق الفضائين السيميائي والرمزي في العديد من النظريات من بينها الماركسية التي تتحكم فيها رمزية عامة تسمح بإقامة علاقة جدلية بين البنية التحتية والفوقية، وكذلك في بنيوية ليفي ستروس التي تعتبر الثقافة مجموعة من الأنظمة الرمزية التي تنتج اللغة والقرابة والاقتصاد والدين،كما تطابق المجالان عند جاك لاكان في تمييزه بين مستويات ثلاثة للحقل النفسي (الخيالي والواقعي والرمزي).
- مواصفات الرمز في سيميائيات امبرتوايكو:
أ - الرمز التواضعي الاعتباطي:
وهو الرمز الذي عرفه شارل ساندرز بيرس بأنه« علامة تحيل إلى الموضوع الذي تشير إليه بمقتضى قانون،يكون في العادة في شكل تداع لأفكار عامة» (11) .
ب - الرمز علامة تقوم على البرهنة المعقدة:
وهي« العلامات التي ينسخ فيها التعبير، اعتمادا على بعض قواعد الانعكاس»(12) ، ويكون مجال استعمال هذه الرموز في الرياضيات والفيزياء والكيمياء، ومن أمثلتها المنجل والمطرقة للإحالة على الشيوعية،والميزان على العدالة، والأصوات المحاكية للطبيعة في مجال اللغة.
ج - الرمز معنى غير مباشر ومجازي:
وبمقتضى هذا التعريف نسمي رمزا كل علامة أوحت إلى معنى غير مباشر إضافة إلى المدلول المنسوب إليها بصفة مباشرة اعتمادا على نظام من الوظائف العلامية. ويسوق «ايكو» مثالا في هذا السياق، هو قول البابا يوحنا بولس الثاني «أنوي السفر إلى بولونيا»، فالمدلول المرجعي الذي يسمح به نظام العلامات المتمثل في اللغة، يعني أن البابا يريد أن يسافر من الفاتيكان إلى بولونيا، غير أن المعنى الغير مباشر يتجاوز التغييرات المادية التي سيحدثها ذلك الانتقال من الفاتيكان إلى بولونيا، مما يعني« أن للرحلة قيمة رمزية»(13) .
وفي هذا الصدد يعرج امبرتو ايكو على تودوروف الذي يرى بأن كل خطاب هو إنتاج غير مباشر للمعنى، وان كل ممارسة نصية هي بصفة عامة رمزية، أما الممارسة النصية البلاغية والتي تعتبر استراتيجيات نصية تتحكم فيها قواعد يتم من خلالها بناء معان غير مباشرة عن طريق استبدالات لألفاظ أولأجزاء نصية أوسع، إما عن طريق الاستعارة،أي باستبدال لفظ بلفظ آخر، أوعن طريق المجاز المرسل باستبدال وحدة معجمية بأخرى.
د- الرمز الرومنسي:
وهو رمز يتوسل باللغة وما تختزنه من طاقة شعرية ومهارات أسلوبية.
2-2 -نظرية الرمز عند بول ريكور
لقد أخذ الكلام عن الرمز حيزا هاما في أعمال بول ريكور، ومن بينها «رمزية الشر» و«فرويد والفلسفة»، ففي «في التفسير..محاولة في فرويد» يقر ريكور بأن الرمز ينطوي على معنى مزدوج، مساويا في ذلك بينه وبين الحلم باعتبارهما يسكنان منطقة داخل اللغة « تعلن عن نفسها أنها محل الدلالات المعقدة حيث معنى آخر يظهر ويحتجب معا في معنى مباشر»(14).
ويعتبر ريكور أن الرمز يختلف عن العلامة في كونه يحتوي بالإضافة إلى ثنائية العلامة الحسية والدلالة، والمتمثلة في ثنائية الدال والمدلول، وكذلك ثنائية الدلالة والشيء، إلى ثنائية أخرى تربط المعنى بالمعنى، وتحيل المعنى إلى معنى آخر.
ويشير ريكور أثناء عقده المقارنة بين الاستعارة والرمز إلى تراث المنطقية الوضعية الذي ميز بين اللغة الإدراكية واللغة الانفعالية، أي بين دلالة المطابقة ودلالة الإيحاء، فالأولى مردها إلى الإدراك، وتحظى بقيمة دلالية بينما تفتقر الثانية إلى القيمة الإدراكية لأن الإيحاء يقع خارج الدلالة.
ويعترف ريكور أن دراسة الرموز من خلال المعنى المزدوج يكتسي صعوبة بالغة لأن الرموز تنتمي إلى حقول معرفية متعددة، وليست منحصرة في الأدب أوالتحليل النفسي أوتاريخ الأديان، وثانيا لأن «مفهوم الرمز يجمع بين بعدين،بل يمكننا القول بين عالمين للخطاب،أحدهما لغوي، والآخر من مرتبة غير لغوية »(15).كما يميز بين مستويين داخل بنية الرمز.
- المستوى الدلالي:
وهو الذي تحدده اللغة بتحديدها للمعنى الحرفي والمعنى المتبقي من المعنى الحرفي، وهو ما يسميه ريكور بفائض المعنى، وتشكل الدلالة الرمزية من دلالة أولية ودلالة ثانوية.
- المستوى اللادلالي:
وهو الذي تحدد فعاليته من خلال ارتباط الرموز بما هو كوني، أوبما هو نفسي داخلي يخضع للحدود الفاصلة بين الرغبة والثقافة، وللكشف عن هذا الجانب ليس هناك مفر من التوسل بالتحليل النفسي، حيث رمزية الأحلام تنبع من صراع الرغبات والدوافع والرقابة التي تمثل «فعل قوة الكبت على مستوى إنتاج النص، برغم كون النص ينكشف أولا من حيث محوه، أوتشويهه»(16).
3 - الرمز في التحليل النفسي
3-1 - الرمز عند فرويد
تعد مقاربة فرويد للرموز من المقاربات الغنية التي أثرت مجال الاهتمام بالرمز،خصوصا أن المنهج الذي يتبناه التحليل النفسي« يتفق مع ما يستدعيه البحث الرمزي من فهم وتفسير وتأويل متعدد الأبعاد بحسب نوعية الرموز المدروسة ومجال وجودها»(17)، كما أن نظرية التحليل النفسي قد أخذت مكانتها بين النظريات التي أخذت على عاتقها« الوصف والكشف العميق عن ظواهر الفهم والشرح واستخدامها كوسائل منهجية لإدراك هذه الظواهر أوتلك سواء كانت علمانية أونصوصا دينية، ووجود الإنسان في العالم والأحداث التاريخية والثقافية البشرية ككل، هذا وتضاف، في حالات غير قليلة إلى النظريات التفسيرية المنتزعة والمرتبطة بمنهجية الشرح» (18) .ولذلك وصف «هابيرماس» التحليل النفسي ب«التيار التفسيري المعمق»،وكتب بول ريكور عن التيار التفسيري الفرويدي.
ويرتبط التفسير الفرويدي بالكشف عن خبايا وأسرار الحالة النفسية وفك رموز لغة اللاشعور،هذه الرموز التي يراها فرويد باعتبارها علامات أو إشارات، بينما يراها يونغ تجليات لرواسب الماضي، والآثار التي تعود جذورها إلى فجر الإنسانية الأول، وتمظهرا للأنماط الأصلية.
وفي كتابه المحوري «تفسير الأحلام»(19)، يعتبر فرويد أن الصور التي تثار في الأحلام،هي رموز تحتاج من المفسر أن يقوم بجهد تفسيري، مع مراعاة حالة الحالم النفسية. وهذه هي الإضافة النوعية التي جاء بها فرويد مخالفا طرق التفسير الكلاسيكية التي لا تعتمد إلا على معرفة المفسر بالرموز،وفي هذا يقول فرويد: «فاحترام النقد العلمي يمنعنا من الاحتكام إلى مشيئة المفسر كما هو المنهج المتبع في التفسيرات القديمة والذي يبدوكأنما بعثته من جديد تفسيرات «شتيكل» الهمجية،ونحن لذلك مضطرون حيال عناصر الحلم التي نرى أنها عناصر رمزية إلى أن نصطنع منهجا مزيجا يستند من ناحية إلى مستدعيات الحالم، ويكمل الثغرات من ناحية أخرى بمعرفة المفسر للرموز»(20) .
إلا أن جميع الرموز في تفسير فرويد هي رموز جنسية، فالمرتفعات والدرجات والسلالم، والمسير عليها سواء أكان صعودا أم هبوطا فصور ترمز إلى الجماع (21) .وأما بخصوص الملابس، ترمز قبعة المرأة إلى عضو التناسل، وإلى عضو الرجل تحديدا (22)،وأما الأسلحة فهي جميعا رمز لعضو الرجل، وحتى المناظر الطبيعة لم تسلم من التفسير الجنسي عند فرويد فهي و« بخاصة إذا احتوت جسورا أوقمما تعلوها الأشجار هي أوصاف للأعضاء التناسلية» (23) . وأما الخصاء فيصور في الحلم عن طريق «الصلع وقص الشعر وسقوط الأسنان وقطع الرأس» (24) .
وأما الحيوانات فلا يمكن إحالتها إلا إلى قاموس الأعضاء التناسلية، شأنهم في ذلك شان الحيوانات الواردة في الحكايات الشعبية، كالثعبان الذي يحيل إلى عضو الرجل التناسلي، وبخصوص الكهوف والمغارات وكل الأشكال التي فيها نتوءات فتحيل إلى عضوالمرأة التناسلي.
3-2 - الرمز عند يونغ:
في الفصل المعنون ب«أهمية الأحلام» يتحدث يونغ عن استعمال الإنسان للكلام أوالمكتوب من أجل التعبير عما يختلج النفس، وهذه اللغة المستعملة مفعمة بالرموز التي تكون عبارة «عن كلمة أواسم أوصورة تمتلك بالإضافة إلى المعاني المستعملة في الحياة اليومية،والتي هي اصطلاحية وبديهية، إلى دلالات أخرى واسعة وغامضة ومستترة» (25).
ومن أجل تقريب مفهو م الرمز يورد يونغ بعض الأمثلة التوضيحية كمثال ذلك الهندي الذي روى لأصدقائه بعد عودته من زيارة لأنجلترا،«أن الانجليز يحبون الحيوانات، وذلك لأنه رأى صور ا لبعض الحيوانات معلقة في إحدى الكنائس،ولكن غاب عنه أن تلك الحيوانات (نسور، أسود، ثيران) هي رموز إنجيلية صادرة عن رؤية دينية، هي نفسها مستوحاة من الإله المصري حورس وأبنائه الأربعة، كذلك رمزي العجلة والصليب» (26).
إذن حسب يونغ فالكلمة أوالصورة تصبحان رمزا إذا امتلكا معنى إضافيا للمعنى المعروف والبديهي.
إن صورة العجلة يمكن أن تقترح مفهو م الشمس الإلهية، ولكن تفكيرنا عاجز عن تحديد مخلوق الهي.
إن مجموعة غير محصورة من الأشياء تبقى مستعصية على الإدراك الإنساني، نلجأ من أجل تمثيلها إلى اللغة الرمزية.
ويرى يونغ بان الفعالية الرمزية هي خصيصة تميز الفكر الإنساني، وهي ليست سوى مظهر لاشتغال نفسي بالغ الأهمية، لان الإنسان يصنع رموزه أيضا بطريقة لا واعية وعفوية.
- إنتاج الرموز حسب يونغ:
تشكل الأحلام المادة الأساس، التي تساعد في فهم آليات إنتاج الرموز في الميكانيزمات العصبية والنفسية، فالأحلام هي الطريق الملكية نحو اللاشعور، وقد حاول يونغ أن يسوق أمثلة من السجلات الإكلينيكية أو من شهادات بعض الأصدقاء، أو من خلال الملاحظات الشخصية ليضع مخططا سطحيا لآليات اشتغال هذا الجزء المركب والمعقد من النفس الإنسانية،«فالصور المختزنة في الأحلام والأفكار المتضمنة فيها لا تعكس فقط ظواهر تتعلق بالذاكرة الشخصية، ولكنها تعبر عن أفكار جديدة لم يكتب لها أن تجتاز قط عتبة الوعي»(27).
- النماذج الأصلية عند يونغ:
لقد استعار يونغ هذا المفهوم المركزي في فلسفته من«بوركهارت»، «وجعل منه مرادفا ل«الصورة الأساسية» و«الانطباع» و«الصورة البدئية»(28) ، وتلعب هذه النماذج دور الوسيط بين الأنساق الشخصية والصور التي لها صفة فطرية واجتماعية، كما يعتبرها «المرحلة البدئية والطور الولادي للفكرة»(29) ،وهكذا استطاع يونغ أن يطور منهج البحث في التحليل النفسي من السياقات الشخصية التي تعتمد على سيرورة المخططات النفسية ذات البعد الفردي إلى السياقات ذات الارتباط بالتاريخ الإنساني وما يمثله من حمولة ثقافية واجتماعية . والتي تشكل في مجموعها ما يسمى باللاشعور الجمعي.
4 - الرمز في ضوء تاريخ الأديان
4-1 - ماهية الدين:
لا يشكك أحد في أن الإنسان منذ أن وجد على سطح البسيطة،وهو غارق في التأملات والأفكار التي تخوله فهم الطبيعة واكتشاف أسرارها وسبر أغوار العالم المحيط به،كما تندر إن لم نقل تنعدم المجتمعات التي لم تشترك في طقوس جماعية تستهدف من ورائها ربط الصلة بقوة خفية تتوجه لها بالدعوات والتوسلات من أن أجل أن تيسر لها أسباب الحياة،وتطرد عنها كل ما من شأنه تعكير صفوها .ولكن السؤال المركزي الذي يطرح نفسه بإلحاح هو التعريف الشامل للدين والذي فيه يتم إدماج جميع الديانات التي عرفها الإنسان، وهو الأمر الذي تورط فيه جل الدارسين للظاهرة الدينية، من علماء لاهو ت، ودارسي تاريخ الأديان، ومتخصصين في الأعراق والأنثروبولوجيا،وباحثين في علم الاجتماع. ولإبراز صعوبة هذه التعاريف لا بأس في أن نستعير وجهة نظر باحث عظيم ملأ الدنيا وشغل الناس بكتابه «الغصن الذهبي»، يقول جيمس فريزر:
«إن صياغة تعريف واحد من شأنه إرضاء كل الآراء المتصارعة حول الدين،هو أمر غير ممكن التحقيق .من هنا فكل ما يستطيعه الباحث هو أن يحدد بدقة ما يعنيه بكلمة الدين، ثم يعمل على استخدام هذه الكلمة عبر مؤلفه بالمعنى الذي حدده لها منذ البداية،وعليه، فإننا نفهم الدين على أنه عملية استرضاء وطلب عون قوى أعلى من الإنسان، يعتقد أنها تتحكم بالطبيعة والحياة الإنسانية. وهذه العملية تنضوي على عنصرين،واحد نظري والآخر تطبيقي عملي.فهناك أولا الاعتقاد بقوى عليا، يتلوه محاولات لاسترضاء هذه القوى.ولا يصح الدين بغير توفر هذين العنصرين، ذلك أن الاعتقاد الذي لا تتلوه ممارسة هو مجرد لاهوت فكري، أما الممارسات المجردة عن أي اعتقاد فليست من الدين في شيء»(30) .
وتحوم التعريفات الأخرى حول فكرة أوفكرتين من الأفكار التي تميز الظاهرة الدينية كفكرة «الفوطبيعي»، وفكرة «الإله» أو «القوة الغامضة»، ومن هذه التعريفات تعريف سبنسر الذي يذهب الى أن الدين هو «الاعتقاد بالفائق لشيء غامض وعصي على الفهم»(31) ، ولا يبتعد تعريف ماكس موللر عن سبنسر إذ يستبدل الغامض باللانهائي،إذ يقول: «إن الدين هو كدح من أجل تصور ما لا يمكن تصوره، وقول ما لا يمكن التعبير عنه، إنه توق إلى اللانهائي»(32).
أما دركهايم فقد حاول تحليل الظاهرة الدينية متتبعا إياها من أشكالها البدائية إلى الديانات التي تحتل حضورا لافتا في التاريخ المعاصر،وقد حاول بدوره أن يقتحم مجاهل تعريف الدين من خلال العناصر التي سبق التطرق إليها مثل الفوطبيعي والإله والخفي الغامض .
- تعريف الدين عن طريق الفوطبيعي:
يكون الدين بموجب هذا التعريف هو كل نظام من الأشياء التي تتمنع عن إدراكنا. ويعتبر دركهايم هذا التعريف غير شامل لبعض الديانات التي تخلت لفترات طويلة من تاريخها عن هذا المفهوم.
- تعريف الدين عن طريق الإله:
يستعير دركهايم تعريف «ايفيل» للدين بأنه تحديد الحياة الإنسانية بالإحساس الذي يربط روح الإنسان بروح خفية غامضة مهيمنة على الكون والإنسان، ولكن هذا التعريف لا يشمل بعض الديانات التي لا تتضمن في ثناياها فكرة الإله أوالأرواح مثل البوذية التي تكتفي بالحقائق الأربع النبيلة، وهي كتالي:
• الألم مرتبط بالتدفق الدائم للأشياء.
• الرغبة هي سبب الألم.
• الزهد في الشهوات هو السبيل إلى إزالة الألم.
• العزوف على الشهوات يتم بالاستقامة والتأمل والحكمة وامتلاك العقيدة مما يوجب الوصول إلى النرفانا .
كما سعى دركهايم مستفيدا من أعمال سابقيه إلى اعتبار المقدس جوهر التدين وعليه يكون مدار جميع المعتقدات والممارسات التعبدية في مقابل الدنيوي. وفي الأخير يشير دركهايم إلى الجانب الاجتماعي الذي يجعل من الدين أداة لتمتين الأواصر بين أفراد المجتمع، وإذكاء الشعور بالتوازن والأمان في إطار الجماعة المتحدة التي يسميها كنيسة.وتبعا لما سلف، يصوغ دركهايم تعريفا يراه جامعا مانعا لجميع الديانات،من الموغلة في البدائية إلى أكثرها رقيا وتعقيدا، وهو كتالي:
«الدين هو نظام متسق من المعتقدات والممارسات التي تدور حول موضوعات مقدسة يجري عزلها عن الوسط الدنيوي وتحاط بشتى أنواع التحريم. وهذه المعتقدات والممارسات تجمع كل المؤمنين والعاملين بها في جماعة واحدة تدعى كنيسة»(33) .
أما كليفورد غيرتز، وهو من رواد الأنثربولوجية الدينية فيعرف الدين بأنه «نظام من الرموز يفعل لاقامة حالات نفسية، وحوافز قوية، وشاملة، ودائمة في الناس، عن طريق صياغة مفهو مات عن نظام عام للوجود، وإضفاء هالة من الواقعية على هذه المفهو مات بحيث تبدوهذه الحالات النفسية والحوافز الواقعية بشكل فريد»(34).
4-2 - الرمزية في تاريخ الأديان(ميرسيا إلياد نموذجا)
اعتبر إلياد أن تاريخ الأديان قد ابتدأ مع ماكس موللر، وذلك لأنه دعا إلى أن يكون هذا الفرع العلمي «وصفيا وموضوعيا وعلميا ومجردا من أي اعتبار معياري ذي صلة بلاهوت الأديان وفلسفتها»(35)، وقد تبنى إلياد تعريفا خاصا لتاريخ الأديان مركزا فيه على الجانب الفينومينولوجي الذي يهدف إلى استكشاف الظاهرة الدينية وأسبابها ومرتكزاتها ومميزاتها، إذ يقول بأنه:« فينومينولوجيا واجتهاد تأويلي مقارن ومورفولوجيا تاريخية للظواهر الدينية، في آن معا، يمكن ان ندرجه تحت عنوان تاريخ الأديان، وبشكل أكثر تحديدا نسميه فينومينولوجيا الأديان»(36).
وانتقد إلياد جميع النظريات التطورية الوضعية التي يشكلها كل من فريزر وتايلور وسبنسر، والذين يرون في الظاهرة الدينية موضوعا يتطور في شكل خطي، دون مراعاة الفروق الجوهرية التي تسم كل تجربة على حدة،كما وجه النقد اللاذع للنظريات الاختزالية التي تجرد الدين من رمزية وتضفي على التجربة الدينية« تفسيرات لا دينية، وابتدائية سطحية»(37) .
وانتقد كذلك التيارات السوسيولوجية التي تختزل الظاهرة الدينية في كونها ظاهرة اجتماعية تعبر عن إيديولوجية الجماعة، وانعكاس صرف لمصالحها المادية والمعنوية.
وقد حاول إلياد أن يرتقي بتاريخ الأديان من مجرد تحليل تاريخي للظواهر الدينية، إلى تحليل أوسع يشمل الرموز والمعاني والبحث في جوهر التجربة الدينية وبنيتها. يقول إلياد:«إذ لا يكفي أن يدرك المرء معنى ظاهرة دينية في ثقافة معينة،وأن يعمد من ثم إلى فك رموز رسالتها إذ أن كل رسالة دينية تشكل شفرة، بل يتوجب أيضا دراسة تاريخها، أي تفصيل مسارات تغيراتها وتبدلاتها، وصولا في نهاية الأمر إلى استخلاص مساهمتها في الثقافة بأسرها»(38).
ويرى إلياد أن الاهتمام بالرمز قد تنامى بانحسار مد العلموية بعد الحرب العالمية، وارتفاع أسهم الدين في بورصة القيم، وتهاوي المنظومات العقلانية والوضعية والمادية التي جردت الإنسان من كل قيم روحية ودينية.
وللرمز عدة وظائف حسب إلياد، فهو « يعري جميع النماذج الخبيئة لدى الإنسان»(39)، ويمكن من «معرفة الإنسان الذي لم يتأثر بعد بالشروط التاريخية»(40). إن كل إنسان يحمل في جوهره جانبا كبيرا
من إنسانية ما قبل التاريخ، واستعادة هذا الجوهر هو استعادة للجانب الأكثر غنى وجمالا وتعقيدا في تاريخه (41).
- خلود الصور والرموز:
تبقى الصور والرموز خالدة مدى الزمن، قابعة في جزء من الذاكرة، قد يغمره النسيان، لكن لا ينمحي من الوجود، ما علينا إلا إزالة الحجب التي تتكدس عبر مختلف مراحل الإنسانية، وفي ذلك يقول إلياد:«إن الرموز لا تنمحي من واقع النفس، بل يمكن لها أن تغير من مظهرها، لكن وظيفتها تبقى ثابتة».
- الرموز باعتبارها تجليا للمقدس:
استعار إلياد فكرة المقدس من رودولف اوتوالذي عرض التجربة الدينية بوصفها تجربة الرهبة واللامعقول التي تنبني على علاقة الخوف والرهبة التي تجمع الإنسان بالغامض واللامعقول (المقدس) الذي« يظهر دائما كحقيقة من نظام آخر غير الحقائق الطبيعية، وتستطيع اللغة أن تعبر بسذاجة عن المخيف، أوالعظيم،أوالخيالي الغامض، بمصطلحات مستعارة من ميدان طبيعي، أوالحياة الروحية الدنيوية للإنسان»(41).
ويعتبر إلياد أن الدين قد تشكل من خلال تراكم المقدسات، ونحت مصطلحا تردد كثيرا في أدبياته، وهو مصطلح «HIERIOPHANIE»، والذي ترجمه بعض الدارسين إلى تجلي المقدس. هذا المقدس الذي يتجلى من خلال حجر أوشجر، يتم عبادتهما، لا لجوهرهما، بل لأنهما تجل للكائن المطلق.
إن العالم يبدو للإنسان المتدين مفعما بالقداسة، وذلك لأنه من إبداعات الآلهة، وكل مظاهره تكشف عن تجليات المقدس، فالسماء تكشف مباشرة «طبيعيا» المسافة اللانهائية، وتصاعد الإله. والأرض هي أيضا شفافة، إنها تمثل كأم مرضية شمولية. والإيقاعات الكونية تظهر النظام والانسجام والاستمرارية والخصب. فالكون في مجمله هو في وقت واحد تنظيم واقعي، وحي مقدس، إنه يكشف نماذج الكائن والقداسة معا، فتتلاقى فيها الكينونة......وتجلي المقدس.
- رمزية الصعود والتسامي:
وفي هذا المستوى تبدو الطبيعة مثالا ناصعا لتجلي القداسة، فالسماء بعلوها ولا نهائيتها وبتصاعدها تعد الفضاء الإلهي بامتياز، وعندما يتوجه الإنسان بالعبادة، فلابد أنه يتوجه إلى الكائن المطلق واللانهائي والسامي، والذي لا يمكن أن يوجد إلا في السماء، وهذا ما يكشف عنه إيمان العجائز، أي الإيمان الفطري الذي لم يتأثر بعد بالشوائب التاريخية والثقافية، وهذا ما يؤكده حديث الجارية التي سألها الرسول (صلعم) أين الله،قالت: هو في السماء، التي «بطريقة تكونها الخاص، تكشف التسامي والقوة الأبدية، إنها توجد بطريقة مطلقة، إنها مرفوعة، لا نهائية، أزلية وقوية»(42).
ويورد إلياد أمثلة من الثقافات والديانات التي احتضنت مفهو م الإله الأعلى كالماويين والبولوغاو الانداميين «الذين يسكن إلههم السماء وصوته الرعد ونفسه الريح، والإعصار علامة عن غضبه،فهو يعاقب بالصاعقة أولئك الذين يعصون أوامره، وما ينطبق على الديانات البدائية ينطبق على الديانات المتحضرة ».وفي إطار الرمزية السماوية يندرج الصعود الرمزي للسماء الذي يمارسه الشامان أوالكاهن من أجل الاتصال بالأرواح العليا. وتتم هذه العملية، إما عن طريق تسلق الشجرة الكونية أوالسلم الطقوسي أوالعمود الطقوسي.مما يحيل على مفهو م أساسي ومحوري في رمزية إلياد وهو رمزية المركز. ولذلك يتمتع الطير برمزية قوية في جل الحضارات، وهو يمثل رمزية الصعود والتسامي بامتياز، ولذلك كان حضوره قويا في الأدبيات المتعلقة بالتصوف، حيث يوجد الوصف الدقيق لرحلة السير التي يقطعها المتصوف من أجل معانقة المقامات العلى، والدرجات السامقة.
ولذلك كتب ابن سينا رسالة الطير، وبالعنوان نفسه كتب أبوحامد الغزالي، وعلى النهج نفسه سار فريد الدين العطار في منظومته الشعرية الشهيرة «منطق الطير»، والتي يعتبرها الدارسون من عيون الأدب الفارسي، والتي روى فيها العطار بأسلوب شيق يقطر إحساسا وشاعرية،رحلة الطير من أجل لقاء السيمرغ.
وتبتدئ المنظومة باجتماع الطيور من أجل اختيار دليلهم ومرشدهم في الرحلة، والذي لم يكن سوى الهدهد، بعد ذلك يستأنفون السير قاطعين الأودية السبعة(الطلب، العشق،المعرفة،الاستغناء، التوحيد،الحيرة، الفناء).
- رمزية المركز:
يتجسد مركز الكون في مفهو م الشجرة الكونية التي توجد في وسط الكون، والتي تمثل المحور الذي يربط العوالم الثلاثة (السماء،الأرض، العالم السفلي)، وتردد هذا المفهو م كثيرا في الثقافات البدائية، وكذلك في الهند الفيدية، والصين القديمة والميثولوجيا الألمانية، وبموجبه تتمركز شجرة العالم في مركز العالم وفيه تقام كل الطقوس والمراسيم الاحتفالية.
ففي الهند الفيدية يعتبر العمود التضحوي صلة وصل بين العوالم الثلاثة،أما التشابه بين الشجرة الطقسية والشجرة الكونية فيظهر بشفافية أكبر في الطقوس الشامانية في وسط وشمال آسيا، إذ يعتبر تسلق الشامان رمزا لصعوده للسماء، وفي كل درجة من الدرجات التسع، التي ليست سوى رمز للسماوات التسع، ويصف الشامان ما يراه، ففي السماء السادسة يرى القمر، وفي السابعة يرى الشمس، وأخيرا في التاسعة يمثل أمام باي أولغان الكائن الأعلى، ويهبه روح الحصان الأضحية(43).
إن محور العالم يستعمل رمزيا لإيصال الأضاحي للقوة العليا، أوأثناء مراسيم الجنائز من أجل أن تصل روح الميت بسلام إلى مثواها في الأجواء العليا، و«هذا ما يكشف عنه الجذر الاشتقاقي لفعل «مات» في اللغة المصرية القديمة إذ يعني «تسلق الجبل»(44).
- رمزية الزمن:
يتميز الزمن المقدس بكونه الفترة الأنسب لإقامة الطقوس والمراسيم والأعياد الدينية، وفيما لا يعتبر الزمن المتبقي مناسبا إلا للأعمال الدنيوية الخالية من أية مظاهر دينية، وبذلك يكون الزمن المقدس وإعادة تحيين حادث مقدس حاصل في ماض أسطوري في البدء، وشيئا يمكن استعادته في أي حين دون أن يستنفذ أويفقد قيمته.
بذلك لا تكون الطقوس المتعلقة بنشأة الكون مثلا ذكرى لحادث نشأة الكون، ولكن تكون إعادة تحيين له، كما أن الطقوس المتعلقة بالاستشفاء التي يقيمها الكاهن تثير دائما الزمن البدئي، ففي العلاجات البدائية، والتقليدية، لا يصبح الدواء فعالا إلا عندما يعاد التذكير بطقوسه أمام المريض. إن عددا كبيرا من التعزيمات في الشرق الأوسط وأوروبا تتضمن تاريخ المرض أوالشيطان الذي أثاره،أوأن قديسا نجح في السيطرة على الألم.إن الفعالية العلاجية للتعزيم تستقر في واقع أنه، بالتلفظ طقوسيا يعاد تحيين الزمن الأسطوري للأصل كذلك أصل العالم وأصل المرض وعلاجه.
وكذلك يحدث في الطقوس العيدية الأخرى التي يتم فيها الاستغراق في زمن الآلهة أوزمن الحلم، والقيام بذات الأفعال والممارسات التي قام بها الأجداد في الزمن الأول، والمونوغرافيات والأبحاث الوصفية والاثتوغرافية مليئة بنماذج لأعياد يتم فيها استحضار وتحيين الطقوس السالفة، وهكذا يتسنى للإنسان الخروج من الزمن التاريخي المنساب الى غير رجعة والدخول في الزمن المقدس الأزلي الذي يخوله معانقة أسلافه الأسطوريين لتجديد العهد، واستمداد المدد اللازم للحياة .
- رمزية الماء:
تعتبر المياه مستودعا لكل إمكانيات الوجود، ورمزيتها تقتضي الموت كما تقتضي البعث، فهي تشير إلى نشأة الكون . فكثيرة هي النصوص الدينية التي تتحدث عن انبثاق الحياة من الماء، ويشكل الطوفان حدثا رئيسا يؤرخ لنشأة ثانية للحياة في العديد من الديانات،ويمكن مقارنته بالتعميد والإراقة الجنائزية وتطهيرات المواليد الجدد، أوالاستحمامات الطقوسية الربيعية التي تنتج صحة وخصبا .
ويفسر التعميد المسيحي كأنه تكرار طقوسي لحدث الطوفان الذي كان حدا فاصلا بين الإيمان ممثلا بأصحاب نوح، والكفر ممثلا بالذين امتنعوا عن الركوب في السفينة، كما يوضع المسيح في مقابل آدم، أي يعتبر التعميد في هذه الحالة نزعا للثوب الذي ارتداه آدم في الخطيئة الأولى.كما يفسر أيضا بأنه تحقيق لولادة جديدة على غرار أبطال الحكايات والأساطير الذين يواجهون الغيلان المائية.
5 - الرمز في الأنثروبولوجيا: جيلبير دوران من المسار الأنثروبولوجي إلى الخيال الرمزي.
متأثرا ب«غاستون باشلار» و«كارل غوستاف يونغ» و«ميرسيا إلياد»، اختط دوران مسارا مغايرا محاولا سبر أغوار الرموز والأساطير والحكايات الشعبية التي تتمحور حولها أو من خلالها كوكبات أوخلايا أوأنساق الصور الذهنية التي ينتجها الخيال البشري، في إطار نسج تصوراته عن الكون والحياة.
وتدخل محاولة دوران هذه في سياق تأسيس علم للخيال يجمع ميادين في السابق كانت على طرفي نقيض كالفكر العلمي والشعر والأساطير والحكايات.
يوجه دوران في مقدمة كتابه البنى الأنثربولوجية للمتخيل نقدا لاذعا للفكر الغربي بشكل عام على ذلك التقليد الراسخ القاضي بتهميش دور الخيال، وباعتباره مقتصرا على إنتاج الخطأ والتزييف والوهم(*)، وانه على طرف نقيض من التفكير المنطقي الذي قاد مسيرة العلوم الحقة.
هذه النظرة التي تقيد دور الخيال في زاوية ضيقة نتيجة ارتباطه بالذاكرة،كانت محط انتقاد من برغسون وجون بول سارتر الذي تساءل عن الجوهر الذي يجعل خيال الشاعر مختلفا عن خيال المؤرخ أوالمحلل. والجديد في تصور دوران للخيال، هو أنه يعتبر أن جميع النظريات قد بخست دور الخيال وقللت من أهميته في توليد الصور والأفكار.
وعلى عكس النظريات السالفة، يشيد دوران بباشلار الذي أسس مفهو مه العام للرمزية الخيالية على بديهيتين أساسيتين:
• الخيال دينامية منظمة.
• هذه الدينامية هي عامل تجانس في الصور.
- تصنيفات الرموز:
- تصنيف كراب:
يصنف كراب الرموز حسب قرابتها من إحدى الظواهر الكونية الكبرى.
- تصنيف باشلار:
لامس باشلار جوهر الموضوع عندما أشاد بدور التمثل الذاتي في ترابط الرموز ومحركاتها، واعتبر متأثرا بأرسطوأن عناصر الطبيعة الأربعة(الماء،النار، الأرض، الهواء) هي هرمونات الخيال والمتحكم في محركات تصنيف الرموز.
- تصنيف دوميزيل وبيغانيول:
وهو تصنيف يقوم على الوظيفة الاجتماعية للطقوس الدينية والأساطير في حالة دوميزيل، وعلى الوضع التاريخي والسياسي للشعوب في حالة بيغانيول .
- تصنيف برزيلوسكي:
يتأسس هذا التصنيف على فكرة مفادها أن الخيال الديني يتطور من محركات تدور حول تمجيد التناسل والخصب إلى محركات تدور حول التوحيد.
- تصنيف التحليل النفسي:
أما التحليل النفسي فلا يؤمن إلا ب «مبدأ الرغبة» في توليد محركات الرموز.فيما يذهب يونج إلى أن الفكرة الرمزية تتولد من لحظة إدراك للرموز الوراثية الكبرى التي تمتح من الأنماط الأصلية كما سنرى في عنصر لاحق من هذه الدراسة.
لقد حاول دوران أن يأخذ بعين الاعتبار جميع هذه النظريات، مدمجا اياها في ما أطلق عليه اسم «المسار الأنثروبولوجي»، وهو « التبادل الدائم الذي يوجد على مستوى التخيل بين الغرائز الذاتية والتمثلية وبين العوامل الموضوعية الصادرة عن المحيط الكوني والاجتماعي»(45).
وقد استنتج دوران أن للحركة دورا أساسيا في عملية تحليل النظم وتجميع الصور في كوكبات خاصة، واعتبر أن هذه العمليات تخضع لثلاث حركات أساسية.
- الحركة الأولى:
وهي ترتبط بالوضع العمودي، وهي حركة مهيمنة تستلزم وجود مواد مضيئة وبصرية تتصل بالرؤية، ومن رموزها الأسلحة والسيوف والسهام.
- الحركة الثانية:
ترتبط هذه الحركة بالنزول الهضمي، وتستلزم موادا لها علاقة بالعمق كالماء والأرض والكهو ف والمغارات،كما أنها تستدعي أواني احتوائية كالأقداح والكؤوس والصناديق.
- الحركة الثالثة:
هي حركة إيقاعية مستوحاة من العلاقة الجنسية، وتستدعي رموزا إيقاعية مثل الفصول والنجوم والكواكب والعجلة والممخضة.
ويدرج دوران كل هذه الحركات في نسقين كبيرين هما: النظام النهاري والنظام الليلي.
- النظام النهاري للصورة:
هو نظام يقوم على الطباق بين الظلمة والنور،فوجود النهار مرتبط بالليل،بينما لليل وجود رمزي مستقل، ولذلك يتسم هذا النظام بالمانوية وقد عالجه دوران في قسمين كبيرين، وجوه الزمن وفيه تندرج الرموز الحيوانية والرموز الظلامية ورمز الماء الحزينة والرموز الهبوطية.أما القسم الثاني فيمثل رموز الارتقاء والتطهير والرموز النورانية كالنور والشمس والعين والكلمة.
- النظام الليلي للصورة:
في هذا النظام تبرز رموز التعاكس، ورموز الحميمية، والرموز الدورية كالسيطرة على الزمن، والدورة القمرية،ورموز العودة، وأساطير العودة والكواكب والدورات البيولوجية.
وتجدر الإشارة إلى أن الحركة العمودية تهيمن على النظام النهاري، بينما يحفل النظام الثاني بالحركتين الثانية والثالثة.
- الخيال الرمزي:
يتبنى جلبير دوران تعريف الرمز عند لالاند على أنه «كل دالول مادي يستحضر بعلاقة طبيعية شيئا ما غائبا، أويستحيل إدراكه»(46)، وكذلك تعريف يونغ باعتبار الرمز هو «أفضل رسم ممكن لشيء غير معروف نسبيا، والذي قد لا نعرف أن نشير إليه في البداية بطريقة أكثر وضوحا وأكثر تمييزا»(47) ، وبذلك يكون مجال تدخل الخيال الرمزي هو مجال الغيبيات والماورائيات والأمور التي يتعذر على الإدراك استحضارها، وهي التي تصلح لموضوعات الميتافيزيقا والفن والسحر والدين.
ويملك الرمز ثلاثة أبعاد ملموسة:
- بعد عالمي:وهو الذي يكتسب دلالته من المحيط.
- بعد حلمي:وهو الذي يمتح من الصور العميقة المتأصلة في الذكريات التي تجد في الأحلام مستقرها ومستودعها.
- بعد شاعري: وهو الذي يستدعي اللغة وقوانينها الداخلية المختلفة.
الترميزات التحويلية:
يستهل دوران هذا الفصل برأي لبيار ايمانويل يوضح لا جدوى عملية التحليل العقلي للرموز، اذ يقول:«أن تحلل عقليا رمزا ما، يعني أن تقشر بصلة لتجد بصلة»(48).
1 - تحويلية التحليل النفسي:
وبموجبها تتحول كل الصور والفونتازمات (الاستيهامات) إلى تلميحات وإشارات متخيلة للأعضاء الجنسية الذكورية منها والأنوثية.
2 - تحويلية بنيوية:
وبموجبها يقيم ليفي ستروس رمزيته على أساس فقه اللغة البنيوي، وبذلك تفقد الكلمات دلالاتها باعتبارها كيانات مستقلة، ولكن مدار المعاني والدلالات واستخراج البنى الدلالية الكبرى يكون عن طريق إيجاد العلاقة بين الكلمات .ففي أسطورة أوديب لا يلتفت ليفي ستروس إلى رمز «التنين» والى «أبي الهو ل» ولكن يهتم بالوحدات التكوينية الكبرى التي تتألف بدورها من وحدات تكوينية صغرى .وعلى سبيل المثال فالوحدات الصغرى التالية(أوديب يتزوج أمه جوكاست،أنتيغون تدفن أخاها تدفن أخاها بولينيس رغم الحظر) تكون وحدة التفخيم من علاقات القرابة.
3 - التحويلية الاجتماعية الوظيفية:
وهي تعتمد المقاربة الألسنية، فيكفي الرجوع إلى أصل الكلمة، واشتقاقاتها الممكنة لمعرفة رمزيتها وبذلك تصبح الرمزية مبحثا في الألسنية التي ستصبح بكل أشكالها أنموذجا لفكر اجتماعي،ووفقا لهذه المقاربة واعتمادا على أعمال بيغانيول خلص دوميزيل إلى أن هناك رموزا خاصة بالمجتمعات الزراعية، وأخرى خاصة بالمجتمعات الدائمة الترحال، وأن الأولى أقرب إلى التوحيد، بينما تنحوالثانية نحوالوثنية.
رمزية الحكاية الشعبية في ضوء التحليل النفسي
لقد شكلت الأساطير والحكايات مادة خصبة للتحليل النفسي من أجل تفعيل وأجرأة الجهاز المفاهيمي المرتبط أساسا بآليات اشتغال اللاشعور،وجل القوانين المتحكمة في النفس الإنسانية بأبعادها المختلفة.
وقد عالج بعض الدارسين الحكايات بطريقة معمقة بينما اكتفى البعض الآخر بإشارات عابرة، ومن بين المقاربات، تلك التي اختطت لنفسها مسارا نظريا محاولة ربط موتيفات الحكاية بالاستيهامات المختلفة التي طبعت تاريخ الإنسانية، ومن المقاربات ما ركز في أعماله على التحليل النصي الذي حاول أن يضيء المناطق المعتمة في الحكاية،باستعمال ذات الأدوات الإجرائية والمفاهيمية، وقد برز في هذا الاتجاه كل من جيزا روهايم وبرونوبتلهايم.
من المقاربات العلمية الجميلة للحكايات ما كتبه « برونوبتلهايم» عن الحكايات الشعبية، في ثنايا كتابه «التحليل النفسي للحكايات الشعبية»، وفيه أبان عن الرمزية الهائلة التي تختزنها الحكايات، خصوصا في شق الرمزية النفسية، وبمقتضاه تعبر الحكاية عن مكنونات النفس الداخلية، وعن الأجهزة التي تعمل فيها وفق ميكانيزمات غاية في الدقة والحساسية،فمن خلال تجربته الطويلة في مجال علم نفس الطفل، استطاع بتلهايم أن يكتشف ما للحكاية من دور في إعداد شخصية الطفل وتكوينها وإكسابها القوة والمنعة اللازمتين لاقتحام مجاهل الحياة.
والحكايات تتجه إلينا عبر لغة رمزية تترجم آليات عمل اللاشعور مستحضرة روحنا الواعية واللاواعية في مظاهرها الثلاثة:الأنا، الأنا الأعلى، الهو . وهذا ما يشكل صلب فعاليتها، أي أن كل الظواهر النفسية تكون مجسدة في أشكال رمزية.
الحكايات وتحقيق التوازن النفسي:
تسعى الحكاية لتحقيق التوازن لشخصية الطفل، وذلك بترسيخ الأمور التالية:
- الحكايات تعطي معنى لحياة الإنسان:
إن إدراك معنى لوجودنا لا يتم بشكل فوري، ولكن بطريقة متدرجة وهذا ما على التربويين أن يعوه، وأن يسعوا إلى غرسه في أذهان الناشئة، وينتقد «بتلهايم» الآباء الذين يريدون أن يروا أبناءهم ناضجين في سن مبكرة، وهم بذلك يحرقون المراحل ويضربون سنة التدرج عرض الحائط .
إن الوصول إلى ترسيخ فكرة معنى الحياة لا يتم إلا بتجاوز الوجود الذاتي إلى الوجود الكوني والإنساني، وإثراء العواطف وتحرير الخيال والقدرات النفسية، بالشكل الذي يثري الشخصية ويقويها ويجعلها قادرة على قهر المفاجآت التي تخبؤها الأيام.
- الحكايات جنس موجه للأطفال بامتياز:
يوجه بتلهايم اللوم لأدب الأطفال لعدم كفايته في الإشباع النفسي للطفل، واقتصاره على مده بتقنيات القراءة،أومده بالمعلومات والمعارف العامة أوتسليته ولا شيء غير ذلك. فحكاية موجهة للأطفال
« لا ينبغي لها أن تسليه أوأن تمده بمعارف عامة ولكن يجب أن تثير انتباهه وفضوله وتعمل على تخصيب خياله وتحرير عواطفه»(49) ، مع اقتراح حلول مناسبة لسنه ولمستوى وعيه وتفكيره.
إن الحكايات تبقى الجنس الوحيد القادر على إعطاء الطفل فرصة اقتحام عالمه الخاص، وإعادة ترتيب بيته الداخلي، ومنحه الآليات الكافية لفهم نفسه في عالم معقد مليء بالأسرار والمفاجآت.
- الحكايات والأحوال الوجودية:
من أجل علاج المشاكل النفسية المتعلقة بالنموأي« تخفيف وطأة الإحباطات النرجسية، والمآزق الأوديبية والمشاحنات الأخوية» (50) ، ولكي يكون الطفل قادرا على إثبات شخصيته والوعي بموقعه داخل محيطه، لابد له من تحقيق التواصل اللازم مع لاشعوره، من خلال الاستئناس بالفونتازمات التي تشغل جيدا في الحكايات .
- الحكايات والبعد التفاؤلي:
إذا كانت الحكايات والأساطير متشابهة من ناحية الوظيفة الرمزية، فإن بينهما اختلافات جمة من بينها أن الأساطير مغرقة في الخيال، بينما تتسم الحكايات بالواقعية، فأغلب الأحداث المروية في الحكايات تبدوبديهية، وقابلة للتحقيق في أرض الواقع، بينما تبقى الأساطير بعيدة كل البعد عن الواقع، لأن شخوصها بكل بساطة،آلهة أوأنصاف آلهة. وفيها تكون النهاية مأساوية في الأسطورة، تنتهي الحكاية نهاية سعيدة.
- الآليات النفسية المشتغلة في الحكايات:
- الفونتازمات:
وقد ركز جيزاروهايم Gézaroheim على رمزية الحكاية الشعبية في الجانب الفونتازمي، إذ اعتبر أن الفونتازمات تكون أكثر شفافية في الحكاية منها في النصوص الأدبية، والفونتازم حسب معجم التحليل النفسي هو «السيناريو الخيالي الذي تنتجه الذات، من أجل تدارك الرغبات المكبوتة»(51)ومنها الفونتازمات التي تحضر في الحكاية الأمازيغية.
- فونتازم العودة إلى رحم الأم:
Fantasme du retour au sein maternel
ويتجلى هذا الفونتازم في ما يسمى بالعبور Le passage، حيث يمكث البطل في كهف أومغارة، أويجتاز بحرا أونهرا، وهذا مشترك بين الحكايات والأساطير.
- فونتازم تدمير الذات:
Fantasme de destruction du corps
ويتمثل هذا الفونتازم في ابتلاع البطل من طرف الغولة، كمقيدش في بعض حكايات شمال إفريقيا، أوحموأونامير في الحكايات الشعبية السوسية أوحمواحرايمي في بعض الحكايات الريفية، كما يظهر هذا الفونتازم في الحكايات التي تجسد المعاملة القاسية والوحشية من طرف الأبوين على الأبناء، حكاية عزيزة وتوليسفي(52).
فونتازم المشهد البدائي:
fantasme de la scène primitive
وهو الفونتازم الذي يبدوواضحا في الحكايات التي تتضمن موتيف الغرفة المحرمة، أوالدخول في بيت مهجور، أوالطفل الذي يتصنت على الباب، ويوجد من هذا نماذج كثيرة في الحكايات
فونتازم العبودية:
Fantasme de servage
ويمكن رصد هذا الفونتازم في الحكايات التي تساء فيها معاملة البطل من طرف أمه أوأبيه أوزوجة أبيه، وفي الحكاية الأمازيغية نماذج كثيرة ن من بينها ماغيغطا أوبنت الرماد. والتي تمثل الطبعة الأمازيغية من حكاية سندريلا المنتشرة في جميع بقاع العالم.
ومنها حكاية الأب وبناته السبع، اللواتي ماتت أمهن. وتزوج أبوهن امرأة أخرى، أساءت معاملتهن، وطلبت من الأب أن يتخلص منهن، فقام باقتيادهن إلى غابة مهجورة حيث التقين بالغولة.
- مبدأ اللذة في مقابل الواقع:
تحث العديد من الحكايات على التعامل بمبدأ الواقع مثل حكاية «الخنازير الثلاثة «وحكاية «الصرار والنملة»، وتجسد حكاية الأخ والأخت كيف يعمل مبدأ اللذة على تحقيق مطالب الأنا والهو.
تحكي القصة عن أخ وأخت ضاقا ذرعا بتصرفات زوجة الأب الشريرة، فانطلقا إلى أحدى الغابات، وهنا بلغ منهما التعب والجوع مبلغا عظيما، ولما اضطر الأخ أن يشرب من أحد العيون، قامت الشريرة بتحويله إلى أيل.
ترمز رحلة الخروج من البيت إلى تحقيق الذات الذي يتطلب القطيعة مع الماضي وهو تجربة قاسية تفترض الوقوع في عدد من المطبات وفيما يرمز الأخ إلى الوحدة غير القابلة للافتراق في الشخصية،ترمز الأخت إلى عزلة الأم بعد الافتراق وسعيها إلى تصحيح الوضع.
في بقية القصة، يرمز الأخ إلى الهو الذي يخضع دائما لمبدأ الرغبة (إرواء العطش)،فيما تلعب الأخت دور الأنا والأنا الأعلى اللذين يحاولان تأجيل الرغبات الممنوعة.
تحويل الشريرة الأخ إلى أيل جاء بعد إخفاقها في تحويله إلى نمر وذئب، ولأن الأخت سمعت نداء نبع الماء تدخلت بعد إقناعها للأخ بعدم الشرب، وفي هذا تأكيد إلى إن الجانب الحيواني في الشخصية يبدأ في الخفوت تدريجيا إذا تم الإصغاء لنداءات الأنا والأنا الأعلى، أي التحول من حيوان شديد الشراسة والافتراس إلى حيوان أكثر ألفة ووداعة.
تحمل حكاية «الأخ والأخت» دلالات رمزية كبيرة، بدءا من إظهار عمل أقسام الشخصية الثلاثة الأنا،الأنا الأعلى،الهو الذي يخضع لمبدأ الرغبة في مقابل مبدأ الواقع الذي يسم الأنا،كما تؤكد الحكاية على الحيوان فينا يختفي بمجرد بلوغ الإنسان مرحلة النضج التي يوازن فيها بين مطالب الأنا والأنا الأعلى والهو.
الهوامش
1 - ابن منظور- لسان العرب-دار احياء التراث العربي - بيروت -الطبعة الثالثة-1999- مادة:رمز.
2 - أحمد بن فارس بن زكريا- معجم مقاييس اللغة- تحقيق: عبد السلام هارون- المجلد 2 دار الجيل –بيروت-الطبعة الاولى -1991- ص 439 .
3 - قدامة بن جعفر-نقد الشعر-تحقيق وتعليق عبد المنعم خفاجي-دار الكتب العلمية-بيروت -ص 155
4 - ابن رشيق القيرواني-العمدة-ص184
5 - امبرتوايكو- السيمياء وفلسفة اللغة- ترجمة:د.أحمد الصمعي-المنظمة العربية للترجمة-بيروت-الطبعة الأولى- 2005 ص314
6 - نفسه ص314
7 - نفسه ص 317
8 - نفسه ص 318
9 - نفسه ص 320
10 - نفسه ص 321
11 - نفسه ص 329
12 - نفسه ص 331
13 - نفسه ص 333
14 - بول ريكور- في التفسير.. محاولة في فرويد – ص:16.
15 - نفسه .
16 - بول ريكور- نظرية التأويل..الخطاب وفائض المعنى- ترجمة: سعيد الغانمي-المركز الثقافي العربي- ص: 101.
17 - بسام الجمل-من الرمز إلى الرمز الديني-بحث في المعنى والوظائف والمقاربات – رؤية للنشر والتوزيع-الطبعة الأولى-2011 ص73.
18 - فاليري ليبين-فرويد- التحليل النفسي والفلسفة الغربية المعاصرة-ترجمة:زياد الملا-مراجعة:د.تيسير كم نقش-دار الطليعة الجديدة-دمشق الطبعة الأولى-1977ص179.
19 - يفضل العديد من الباحثين كلمة شرح عوض تفسير، وذلك لان التفسير لا يتطابق مع المهام المطروحة.
20 - فرويد- تفسير الأحلام -............ص360.
21 - نفسه ص361
22 - نفسه ص 362
23 - نفسه ص 363
24 - نفسه ص 363
25 - C.G.Jung-Essai d’exploration de l’inconscient –traduit de l’allemand par Laure Deutshmeister introduction de Raymond De Becker- Folio essais-2011- page : 60
26 - ibidem.
27 - C.G.Jung-Essai d’exploration de l’inconscient –traduit de l’allemand par Laure Deutshmeister introduction de Raymond De Becker- Folio essais-2011- page :62
28 - جيلبير دوران – الأنثروبولوجيا رموزها وأساطيرها –ترجمة مصباح عبد الصمد-المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع- بيروت-الطبعة الثانية 1993 ص37
29 - نفسه .
30 - فراس السواح- دين الإنسان -ص25
31 - نفسه-ص23
32 - نفسه-ص23
33 - Emile Durkheim-les formes élémentaires de la vie religieuse-page54
34 - كليفورد غيرتز – تأويل الثقافات – ص 227 .
35 - مرسيا إلياد- البحث عن المعنى والتاريخ في الدين-ص 17.
36 - نفسه ص18
37 - نفسه ص19
38 - نفسه ص59
39 - Mircea ELIADE- Images et symboles- Gallimard, 1952, renouvelé en 1980 p :18
40 - ibidem
41 - ميرسيا إلياد- المقدس والمدنس- ترجمة: عبد الهادي عباس- ص:16.
42 - نفسه- ص: 91.
43 - Mircea ELIADE- Images et symboles-p : 64.
44 - Mircea ELIADE- Images et symboles-p : 69.
(*)ومن بين هذه النظريات، نظرية ديكارت التي تؤكد « انتصار نزعة محاربة الأيقونات، ويرفض الديكارتيون الخيال والإحساس أيضا كسيد للخداع، طبعا وحده العالم المادي، عند ديكارت اختزل إلى ألغوريتم رياضي بفضل المشابهة الوظائفية الشهيرة: ليس العالم المادي إلا صورة وحركة، ...وبالتالي فان كل رسم هندسي ليس الا معادلة جبرية. ومنج كهذا في التحويل الى إيضاحات تحليلية يريد أن يكون منهجا عالميا . انه ينطبق بدقة، حتى عند ديكارت أولا على «أنا افكر »، الرمز الأخير للكائن المختصر، ولكن كم هومرعب هذا الرمز،لان الفكر، اذا المنهج –أي المنهج الرياضي –يصبح الرمز الوحيد للكائن . ان الرمز الذي لم يعد لداله إلا شفافية الدالول، يمحى تدريجيا في في السيامة الصافية، يتلاشى تقريبا وبشكل منهجي في دالول، وبهذا ينطبق المنهج الاختزالي الهندسي التحليلي على الكائن المطلق،على الله نفسه،عند مالبرانش، وعند سبينوزا بشكل خاص». جلبير دوران –الخيال الرمزي ص 22.
45 - جيلبير دوران – الأنثروبولوجيا – رموزها،أساطيرها،أنساقها –ترجمة: د. مصباح الصمد – الطبعة الثانية- المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع –بيروت- لبنان ص: 21
46 - جيلبير دوران- الخيال الرمزي- ترجمة:علي المصري-المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع-بيروت-الطبعة الثانية-1994 ص:9
47 - نفسه ص:9
48 - ص:41
49 - Bruno Bettelheim-Psychanalyse des contes de fées-traduit de l’américain par Théo Carlier-ROBERT LAFFONT-1976-page : 15
50 - Idem page :page :18
51 - Laplanche et Pontalis- Vocabulaire de la psychanalyse- page 152
52 - Mohamad El Ayoubi- Les merveilles du Rif- contes berbères- Utrecht-
Netherlands- P142-143
المصادر العربية:
1 - ابن منظور- لسان العرب – دار إحياء التراث العربي- بيروت الطبعة الثالثة - 1999.
2 - أحمد بن فارس بن زكريا- معجم مقاييس اللغة- تحقيق: عبد السلام هارون- المجلد 2 دار الجيل –بيروت-الطبعة الأولى -1991
المراجع العربية:
1 - قدامة بن جعفر- نقد الشعر -تحقيق وتعليق عبد المنعم خفاجي-دار الكتب العلمية-بيروت.
2 - ابن رشيق القيرواني- العمدة في محاسن الشعر وآدابه –تحقيق:محمد محي الدين عبد الحميد-دار الجيل –بيروت –الطبعة الرابعة-1981
3 - امبرتوايكو- السيمياء وفلسفة اللغة- ترجمة:د.أحمد الصمعي-المنظمة العربية للترجمة-بيروت-الطبعة الأولى- 2005
4 - جيلبير دوران – الأنثروبولوجيا رموزها وأساطيرها –ترجمة مصباح عبد الصمد-المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع- بيروت-الطبعة الثانية 1993
5 - فراس السواح- دين الإنسان ..بحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني-دار علاء الدين للنشر والتوزيع والترجمة- دمشق- الطبعة الرابعة-2002 .
6 - كليفورد غيرتز – تأويل الثقافات – ترجمة:محمد بدوي-المنظمة العربية للترجمة-بيروت –الطبعة الأولى-2009
7 - ميرسيا إلياد- البحث عن التاريخ والمعنى في الدين- ترجمة وتقديم:د.سعود المولى المنظمة العربية للترجمة-بيروت-الطبعة الأولى-2007 .
8 - ميرسيا إلياد- المقدس والمدنس- ترجمة: عبد الهادي عباس - دار دمشق للطباعة والنشر والتوزيع-
9 - بول ريكور- في التفسير.. محاولة في فرويد –ترجمة: وجيه أسعد- أطلس للنشر والتوزيع-دمشق-الطبعة الأولى – 2003.
10 - بول ريكور- نظرية التأويل..الخطاب وفائض المعنى- ترجمة: سعيد الغانمي-المركز الثقافي العربي-
11 - بسام الجمل-من الرمز إلى الرمز الديني- بحث في المعنى والوظائف والمقاربات – رؤية للنشر والتوزيع- الطبعة الأولى-2011
12 - فاليري ليبين- فرويد- التحليل النفسي والفلسفة الغربية المعاصرة- ترجمة:زياد الملا-مراجعة:د.تيسير كم نقش- دار الطليعة الجديدة-دمشق -الطبعة الأولى-1977.
المراجع الأجنبية:
1 - Mircea ELIADE- Images et symboles- Gallimard, 1952, renouvelé en 1980
2 - C.G.Jung-Essai d’exploration de l’inconscient –traduit de l’allemand par Laure Deutshmeister introduction de Raymond De Becker- Folio essais-2011.
3 - Bruno Bettelheim-Psychanalyse des contes de fées-traduit de l’américain par Théo Carlier-ROBERT LAFFONT-1976.
4 - Laplanche et Pontalis- Vocabulaire de la psychanalyse
5 - Mohamad El Ayoubi- Les merveilles du Rif- contes bérbers- Utrecht-Netherlands-
6 - Michele SIMONSEN-le conte populaire-presses universitaires de France-1984.
7 - Emile Durkheim-les formes élémentaires de la vie religieuse-PUF.