الأكلات الشعبية في بلاد الشام تأثير البيئة في المأكولات الشعبية
العدد 14 - عادات وتقاليد
المقصود بهذا البحث أثر البيئة أو المكان في المأكولات الشعبية، لا أحد ينكر مثل هذا الأثر، فلا يعقل أن يعتمد البدوي ساكن البادية أو الصحراء على أكل السمك، لأنه بعيد عن البحر، ولأن لديه قطيعاً من الأغنام والماعز، لهذا فهو يتفنن في عمل أكلات اللحوم، يكرم ضيفه يذبح أحد خرافه، لأنه معرض أن يكون ضيفاً، ولأن الكرم من الصفات التي يعتد بها البدوي، أما ابن الساحل صديق البحر، عليه أن يؤمن غذاءه ومعيشته من البحر، يصطاد الأسماك وغيرها، أما ابن الريف الذي يفلح ويزرع فإن مؤونته وغذاءه من الحبوب والخضراوات التي يزرعها. ابن المدينة يحتاج لكل هؤلاء ليؤمن طعامه، لأنه يعتمد بالأصل على الحرف والصناعات اليدوية.
إذا استعرضنا الأكلات الشعبية نلاحظ أنها تعتمد على ما تنتجه البيئة، وبما أن بلاد الشام ذات بيئات متنوعة، بداية البحر والساحل والجبل والريف والبادية، فالأكلات تتنوع بتنوع البيئات، لكن بما أن المدن والقرى قريبة من بعضها بعضاً، فإنها تستعير بعض الأكلات، فتنتشر أكلة الريف في المدينة، وتنشر أكلات البدو في الريف، لعدم وجود حواجز جغرافية أو دينية أو حواجز تتعلق بالمثل والعادات والتقاليد، ولأن الكثير ممن سكنوا القرى هم من أصول بدوية.
علاقة الأكل بالبيئة والإنتاج:
بلاد الشام ذات مناخ دافئ ماطر، فيها مجموعة من الأنهار والأدوية التي ساعدت وتساعد على الزراعة، ولهذا كانت وما زالت زراعية، تنتشر فيها زراعة الحبوب على مساحات واسعة، وبما أن البيئات متقاربة وعلى تماس دائم منذ أقدم العصور، فإننا نجد قاسماً مشتركاً، أدى إلى انتشار كثير من الأكلات في غير بيئة، ولأن القمح هو المحصول الأساس، فإن السكان يمونونه، لأنه كان يشكل الوجبة الرئيسية، ولهذا تفننوا في عمل عدد من الأكلات، منها على سبيل المثال «المجدرة» التي تطبخ بالبرغل والعدس، بالإضافة إلى الزيت والبصل المقلى، وهي من أكثر الأكلات الشعبية انتشاراً، ويضرب المثل بقوتها «المجدرة مسامير الركب» ورد ذكرها في بعض الحكايات منها «حكاية شكايا» من الحكاية هذا المقطع الشاعري:
«حكايا شكايا، شرحن بطول، لولا جرادة ما وقع عصفور».1
أكلة المجدرة
ومن القمح أكلة «عيش اللبن أو المضيرة» والتي هي قمح مجروش خشن مطبوخ مع لبن، وفي حال عدم وجود القمح يستبدل بذرة مع اللبن أو رز مع لبن، كما في البيت التالي من أغنية عاليادي اليادي:
طحين ما عندنا وبرغل
ولا حبة ونجيب شوية ذرة ونعمل لبنية
وكان الخبز يعمل من دقيق الذرة مخلوطة مع دقيق القمح.
وهناك بعض الأكلات المعمولة من العجين، كما في أكلة «آذان الشايب أو ششبرك» وكلمة الشايب هنا تعني الرجل كبير السن، وسميت بآذان الشايب لأن قطعة العجين الصغيرة تدور على شكل أذن، بعد أن تحشى بقطع صغيرة من اللحم والبصل والبهارات، ثم تسقط في اللبنية أو الشوربة، وتترك لتغلي وتستوي الحشوة. ورد ذكرها في «حكاية القرقعة» الموجودة في كتاب الخراريفّ تأليف الحاجة تودد عبد الهادي.
أكلة الشيشبرك أو أذان الشايب
وهناك أكلة «المقطعة» بعد رق العجين تقطع بالسكين إلى قطع صغيرة بعرض ما بين 1-2 سنتمتر، وطول قد يبلغ عشرة سنتمتر، توضع باللبنة، وتترك حتى تغلي مدة من الزمن. أما «الدحيرجة» فهي من البرغل المجروش والطحين، بعد العجن تدور قطعة العجين هذه، وتوضع باللبنة، وتترك حتى تغلي مدة تزيد قليلاً على الربع ساعة. أما «الكباب أو الكبة» فمن برغل وطحين محشوة بقطع من اللحم وقليل من البصل والحمص، في حكاية «القرقعة» إشارة إلى ذلك، وهناك حكاية شعبية أخرى تشير إلى هذه الأكلة, ملخص الحكاية:
«وجد رجل مسكين وفقير جرة ذهب، احضرها لزوجته، لكنه أصرّ على تسليمها للملك، في اليوم الثاني خبأت الزوجة خابية الذهب، وعملت أكلة كباب لزوجها دون علمه، وأخذت تنزل له الكباب من الروزنة التي هي طاقة في سقف الغرفة. في اليوم التالي طالب زوجته أن تعطيه جرة الذهب ليمنحها للملك، رفضت زوجته طلبه، وعندما اشتكى، حضرت الزوجة وأنكرت ما قاله زوجها، إلا أن زوجها الذي أراد أن يبرهن على صدق أقواله، استشهد بحادثة الكباب الذي أمطرته السماء في تلك الليلة، ضحك الجميع منه، ظنوا أنه مخبول العقل، طردوه واعتذروا من زوجته التي انتصرت عليه».
أكلة الكبة اللبنية
هناك أكلة «المنسف أو الهفيت» توضع طبقة من الخبز المشروح وطبقة من اللحم، يصب عليها السمن البلدي المذوب، وكذلك «المليحي» أو الشاكرية، ويتم تناول هذه الأكلة دون الاستعانة بالملاعق، وذلك باليد اليمنى مباشرة، وهي منتشرة في الأرياف والبادية.
أكلة المنسف
أما أكلة «المدفونة» التي تعتمد على الكرشة، التي تنظف من الأوساخ، ثم تقلب، ويوضع فيها قطع اللحم بحجم حبة الجوز، أو حبة التفاح الصغيرة. تدفن في النار حتى تستوي، أحياناً تعمل هذه الأكلة بجرة الفخار بدل الكرشة.
هناك بعض الأكلات التي تعتمد على البيض مثل «أكلة العجة» وهي من الطحين المخلوط بالبيض ثم يقلى بالزيت.
أكلة العجة
كما يمكن شوي أو سلق أو قلي البيض. في الأعياد ذات العلاقة بالخصب يسلق البيض المضاف إليه قشر البصل لتلوينه. أما الأكلات التي تعتمد على الخضار فكثيرة منها «فول مدمس» وبعضها يعتمد على الحمص كالمسبحة أو كقرص الفلافل الذي يعمل من عجينة الحمص بعد وضعه كأقراص في الزيت وقليه. وهناك المتبل المعمول من الباذنجان أو الكوسا. أما المحاشي فمن الكوسا والباذنجان وورق العنب المسمى «اليبرق».
أكلة اليبرق
وتعمل طبخة «الكواج أو المنزلة» من بعض الخضار مع البندورة والباذنجان أو الكوسا والبطاطا، فإذا كانت هذه الأكلات هي الأكلات الريفية والبدوية داخل بلاد الشام، فهناك سكان الساحل الذين يعتمدون على أكلات شعبية محضرة من السمك بطرق شتى وتحت أسماء مختلفة منها:
- الصيادية:
الصيادية نوعان:
1- صيادية صفراء، من الرز والسمك، بعد قلي السمك واستواء الرز، يقلب وعاء الرز فوق السمك بعد وضع قليل من العصفر أو الورس عليه.
-أكلة الصيادية الصفراء
2- صيادية حمراء، بداية يقلى بصل بالزيت حتى يتحول لونه إلى أحمر غامق، يوضع ماء في الوعاء وتوضع السمكة أو الأسماك، التي تظل في الماء حتى الاستواء. نأخذ الماء ونطبخ عليه البرغل. ثم نأكل من البرغل والسمك.
-أكلة الصيادية الحمراء
سمك بفلفل، بداية يقلى الثوم بالزيت، حتى يصير لونه فاتحاً، نضع عليه الماء، ثم يؤتى بالسمك المقلى، نضعه في الوعاء حتى يغلي مرتين أو ثلاث.
الطاجن نوعان:
الأول مقلي مع طحينة وحمض وبصل، والثاني مقلي مع البندورة كالكواج، الطاجن الثاني نادر الطبخ.
سمك طرطور، يدق الثوم مع الطحينة، ويوضع السمك المسلوق في الطحينة حتى يغلي.
كبة سمك، نوعان:
الكبة الأولى، توضع طبقة برغل، ثم طبقة سمك ثم برغل وهكذا. أما الكبة الثانية فيؤتى بسمكة كبيرة مقشورة الجلد تدق مع البرغل، وتتبل بالبهارات، ثم تعمل على شكل كبة بعد غلي دقة السمك.
سمك مشوي، يلف بورق مغمور بالزيت ثم يوضع بالفرن حتى يستوي ويتحمر، أو يوضع بالفرن وعليه كمية من الزيت دون لف بورق السلوفان.
بعض الأكلات تعمل من البرغل مضافاً إليه اللبن والحليب، كأكلة «الكشك» الذي تصنع منه الفطائر، والمثل يقول «مفكر حاله كشك مقلى له» دلالة على التكبر، أما «الهقط» فهو من الشنينة واللبنية، يترك ليجف ليصير قاسياً كالحجر، وهو بحجم قبضة الطفل الوليد. من الحليب تستخرج الزبدة والسمنة، يدهن سكان الريف والبادية منديل الرأس أو العصبة من باكورة إنتاج الحليب، للتبرك والمثل يقول«البدوية إذا كثر سمنها دهنت عصبتها»، اشتهرت الأرياف بصناعة الجبنة وأخص هناك ريف مدينة عكا بصنع الجبنة المسماة «جبنة عكاوية» وهي معمولة على شكل أقراص مربعة وكبيرة، ومثل هذه الجبنة منتشرة في دول العالم.
هناك بعض الأكلات المأخوذة من الأشجار، مثل البرتقال، يزرع على طول ساحل بلاد الشام، وما زال نوع منه يحمل اسم «برتقال يافاوي» نسبة لساحل يافا، ومن زهرة الحمضيات البيضاء المنتشرة على طول الساحل يصنع «ماء الزهر» المستخدم في الطب العربي لمعالجة أوجاع وآلام المعدة وغيرها. وهناك المشروبات المفيدة للغرض نفسه كالبابونج والمرمية.. أما الزيتون فهو أنواع، وطريقة تحليته ليصير مقبولاً في الأكل معروفة منذ أقدم العصور، عن طريق وضعه في الماء بعد تجريحه مدة من الزمن، يتم تغيير الماء وإضافة ماء فيه كمية كافية من الملح لحفظ الزيتون وليصير صالحاً للأكل. أما الزيتون الأسود فهناك قسم منه بعد تحليته يضاف إليه زيت الزيتون. أما عصر الزيتون فيتم بمعاصر خاصة لأخذ الزيت، وأحد أنواع هذا الزيتون هو زيتون الصّري، أسود اللون وصغير الحجم، يقال فيه المثل الشعبي «زيتون الصّري طيب، لكن القاطه بشيب» فالصّري كما أوضحت هو زيتون حبته صغيرة الحجم، وربما تسميته آتية من الصرة أو من الصرصرة وتعني الصغر، والمثل يعني أن لا شيء بلا ثمن، صحيح أن زيت الصّري طيب، لكن الحصول عليه وجمع حباته عمل شاق، إضافة إلى أنه لا يصلح إلا للزيت، خلفية ذلك تدعو إلى العمل والإنتاج. وهناك نوع من الزيتون يسمونه «بالكامر» لأن طريقة إعداده تعتمد على التغطية وهي على الشكل التالي:
يؤتى بقشر وبزر الزيتون بعد عصره، أو ما يسمى «العملة» يفتحون كومة العملة، ويضعون الزيتون الأسود وسطها، ويطمرونه مدة من 10-12 يوماً، بعدها يأخذون الزيتون الأسود، يغسلونه ويصفونه بالمصفاة، يوضع عليه زيت أو دون زيت، عندها يكون جاهزاً للأكل. العملة تستخدم أحياناً وقوداً للطابون. هناك بعض أنواع الزيتون الأخضر كالنبالي وأبو شوكة والجلط والدان.. يدق أو يشطب بالسكين، ويكبس بالماء والملح كما شرحت سابقاً، والزيتون عندما يصير جاهزاً للأكل يسمى «الرصيع».
أما الأكلات التي تجود بها الطبيعة فكثيرة منها العكوب الذي ينمو بعد موسم الأمطار، في الأراضي غير المزروعة، خاصة في المناطق الساحلية والتلال والجبال المنخفضة، أوراقه شوكية متشابكة، تزال قبل الطبخ، وهو طيب المذاق، كما في الأغنية الشعبية:
العكوب جاي على بالي
وعلى أدامه بيحلالي
وإن قال لي سعره غالي
يجي رخيص من المحبوب
بابا قبل ما تطلع جيب
عكوب لما بترجع
وعلمني كيف أدلع
في أكلة العكوب2
أكلة العكوب
نبات «الشومر أو الشمرة» لونه أخضر غامق، ساقه طويلة، أوراقه مفتولة وناعمة كالحرير، لها رائحة طيبة، يطبخ مع العدس أو مع الخبيزة أو الخباز، الذي هو نبات بقولي أوراقه مستديرة، ورد ذكره في «حكاية جلجوطة» وعنه غنوا:
بفتى هندي بفتى هندي |
السهرة عندي يا بنات |
بفتى هندي بفتى هندي |
العشا عندي خبيزات |
بفتى هندي بفتى هندي |
العشا عندي حليبات |
أكلة الخبيزة
أما نبات «العلت أو العقيد» فهو نبات مفرش على الأرض، يطبخ كالسبانخ، يؤكل نيئاً أو مع السلطة أو مطبوخاً.. «الحميض» نبات طعمه يميل إلى الحموضة، ورقته عريضة، وساقه غير مرتفع كثيراً عن الأرض، تصنع منه الفطائر، «الرشاد» نبات حريف الطعم ومفرض الورق، يؤكل نيئاً كمقبلات، «المرير»نبات شوكي طعمه مر، يطبخ في أول نموه، أي قبل أن تطلع أشواكه، «القرة» نبات مائي يظهر بجانب السواقي والأنهر، وهي نوعان حادة وعادية، تؤكل نيئة أو مع السلطات، «اللوف» نبات بقلي، طعمه حاد قريب من القلقاس، أوراقه متطاولة وملتفة، أشبه بالمكحلة، يطبخ بعد عصره وفركه ليفقد جزءاً من لذعته الحارة.
الحلويات الشعبية:
تعتمد الحلويات الشعبية على الدقيق ويمكن استعراضها:
الزلابية: عجين رخو مختمر مضاف إليه قليل من القرفة الناعمة، يقلى على النار، ثم يقطع قطعاً مستطيلة، ويصب القطر فوقه، ورد ذكرها في العديد من الحكايات الشعبية،من هذه الحكايات «حكاية الدعسة» و«حكاية مهر العروس»، وهناك مثل شعبي يقول: (مش كل الأكلات زلابية) أو (مش كل الوقعات زلابية) دلالة طيبتها والإقبال عليها قديماً.
اللزاقي: عجين مختمر جيداً، قبل البدء بخبزه على الصاج، يرش الصاج بالماء والملح، ثم تضع الخابزة قطعة العجين، وتفردها ببراعة ورشاقة وسرعة على كامل الصاج براحة يدها، وبعد احمرارها من ناحية واحدة، تضع اللزاقية على طبق، وتضع غيرها على الصاج بالطريقة السابقة وهكذا. يرش بين اللزاقية والأخرى حفنة من السكر، وعند الانتهاء من عملية الخبز، تقطع بالسكين، ويصب فوق الأرغفة قطر ساخن مع قليل أو كثير من السمن البلدي أو الزبدة حسب الطلب.
الكماج: يقال لخبز الذرة الصفراء المخبوز بالفرن الكماج، تصنع منه حلويات وذلك بوضع رغيف الكماج في وعاء كبير ويدار السمن البلدي عليه بعد خروجه من الفرن، ثم يرش بالسكر.
مطقطقة: عجين مرقوق يرش عليه قليل من النشاء، يقطع العجين بشكل طولي ثم يوضع بالصينية ثم بالفرن، يصب القطر فوقه بعد خروجه من الفرن.
مسكية: بعجن خليط من الطحين واليانسون والمحلب وجوزة الطيب مع سمسم مدقوق وزيت وسكر، ثم (طعج) طرف العجين حتى يصير كأنه مطبق، يخيم بالكشتبان ويخبز.
قراقيش: عجين يرق ويخبز مثل الرغيف المشروح، يُوضع داخله سمسم وسكر.
عصيدة: نضع الماء بالطنجرة حتى يغلي، يرش الطحين مع قليل من السمن البلدي، يحرك الخليط بمغرفة خشبية حتى يصير جامداً، عندها يضعونه على طبق، يفتحون جورة في وسطه يوضع فيها القطر.
العصيدة القزحية أو القزحة: نحضر المواد التالية القزح أو حبة البركةمع قليل من القمح يحمصان على الصاج حتى الاحمرار، طحين محمص حتى يصير لونه أشقر، يدق القزح في الهاون حتى يطلع الزيت منه. المقادير: 2كيلو غرام طحين، 400غرام قزح، 600غرام زيت، كيلو غرام سكر، 200غرام قمح، تعجن كل هذه المقادير، فيتحول لون العجين إلى السواد، عندها تقطع بعد وضعها على صينية، ويثبت فوق كل قطعة حبة صنوبر، تدخل في الفرن حتى تحمر قطع الصنوبر.. يرش سكر مدقوق ناعم على وجه الصينية بعد خروجها من الفرن.
المقروطة: بعد تحضير العجين المخمر والعجوة المعجونة بالسمن وجوزة الطيب، يقطع العجين، وتوضع العجوة بين طبقتي العجين الذي يلف، يقطع بالسكين، ويحزز ويغطى بالسمسم، ثم توضع على الصينية بالفرن، وبعد خروجها من الفرن يرش السكر الناعم عليها، وبهذه الطريقة يعمل المعمول الذي يأخذ شكل أقراص.
كنافة نابلسية، أو كنافة بالجبن: يحضر عجين مرق ومختمر جيداً، معمول من طحين أبيض ذي نوعية جيدة يسمى «زيرو» بعد صب كميات من العجين بواسطة طاسة مثقوبة كالمصفاة على وعـــاء نحاسي خاص بصنع الكنافة، تحته موقـــد حـــراري، يتحــول إلى شلل، تفرك باليد حتى تصير ناعمة. وعلى صينية نرتب من الأسفل، طبقة من الجبن ثم من الكنافة، تدخل في الفرن حتى يحمـر وجهها وتنضج، ثم يصب القطر فوقها.
العوامة: هي قطع مدورة من العجين المختمر تقلى بالزيت، ثم يصب القطر فوقها.
الهريسة
تعمل من السميد المعجون مع السكر، تصب العجينة في وعاء ثم تدخل في الفرن حتى تستوي.
كعك العيد
كعك العيد المصنوع من العجين والعجوة، أو من العجين والحليب، وهناك القطايف والبقلاوة.. أما البحتة فهي رز وحليب محلى بالسكر.
من هذا العرض السريع نستخلص أن هذه الأكلات تعتمد على الإنتاج المحلي في بلاد الشام.
الذبائح:
من الذبائح تعمل مجموعة من الأكلات الشعبية بالبرغل أو الأرز مضافاً إليها الشوربة أو المليحي، فيما يسمى المنسف أو غيره من التسميات، وهي خاصة بالبدو والفلاحين، أما في المدينة فإن الذبائح تعمل بطريقة أخرى، كالمشاوي أو الخرفان المحشية وغيرها، وهذه على ما أعتقد لا تدخل في باب الأكلات الشعبية موضوع بحثنا.
تقدم الذبائح بمناسبة معينة، تبدأ مع ذبيحة الولادة لتنتهي بذبيحة الأجر أو الميت، مروراً بكل مناسبة يمر بها الإنسان مثل الطهور والزواج، هناك ذبائح لها علاقة بالمناسبات الدينية كالضحية في عيد الأضحى، وهناك ذبائح تتعلق باستيطان الأرض والبناء عليها، مثل ذبيحة البيت بعد تنصيب بيت الشعر أو الفروغ من بناء البيت وقبل سكنه، وهناك ذبائح لها علاقة بالموسم الزراعي مثل ذبيحة البيدر عند الانتهاء من أعمال الحصاد ودراسة البيدر، وذبيحة دانيال عند البدء بالحراثة أو الزراعة ويقال فيها «يا دنيال يا مسلك العدة والفدان»، وهناك ذبيحة الضيف، وذبيحة السعن بعد الغيث مباشرة، أما ذبيحة الزواج، فتذبح للعروس بعد أن تزور بيت أهلها أول مرة بعد زواجها، وهي غالباً بعد أسبوع من الزواج، وهناك ذبائح متعلقة بالنذور وعودة المسافرين والحج وشفاء المريض، والذبائح لدى عقد صلح أو حل مشكلة، ولو شئنا تعداد مثل هذه الذبائح، لوجدنا كل مناسبة من مناسبات العمر، وكل فرح أو ترح، يستدعي ذبيحة، لأن ذلك متعلق باعتقاد متوارث خلاصته البقاء على مبدئي الخصب والعطاء في الحياة، فعلى سبيل المثال يتم تقديم ضحية البناء، لأسباب متعلقة بالمكان: «فالمكان الذي سيسكن فيه الإنسان مسكون أصلاً من قبل الجان والمردة، فأول من يدخل المكان ميت، لذا فقبل دخول المكان، إن كان بيتاً أو نزلاً وجبت التضحية، لإيهام سكان العالم السفلي، بأن القتل تم وانتهى، وفي هذه اللحظة عليها أن تتخلى وتخلي المكان.»3
علاقة الأكل بالخرافات:
لأهمية الأكل ربط ببعض الدلالات السحرية، كما في دور بعض الفواكه والأكلات وقدرتها على شفاء المريض مثل «تفاحة الحياة» و«عشبة أو زهرة الحياة» وقصة الوعاء الذي يعطي الأكل، التي وردت في غير حكاية شعبية، كما ربطت الكنوز برموز أو بأشجار تحتها سرداب، كما في حكاية شعبية تتحدث عن ثقب بشجرة يؤدي إلى طريق ضيق، ثم إلى ثلاث غرف، في كل غرفة نوع محدد من أنواع الحلي والمجوهرات. إن هذا الربط له دلالاته، وذلك لقدرة الشجرة على العطاء، ولأنها بحد ذاتها كنز، وهي تمثل استمرار الخصب والحياة.
أما التضحية برأس من الماشية إنما هي تعبير عن عمل طقسي مرتبط بالخصب وتجدد الحياة، يهدف إلى محاكاة عملية الخلق الأولى، لأن كل مرحلة من المراحل التي يمر بها الإنسان، هي مرحلة تجدد وخلق وإخصاب، وهذا يرضي الخالق لتقليدنا إياه في رمزية الاحتفالات، ولا تخفى علينا قصة ابراهيم الخليل ومحاولته ذبح ابنه، إلا أن الله بعث له ضحية، ومن يومها درجت عادة التضحية بالمواشي.
ومن الخرافات السائدة، وجوب التضحية للأموات لرد شرهم، ولتهيئتهم لحياة جديدة هي ما بعد الموت، الذبائح كما أوضحت مترافقة مع المراحل التي يمر بها الإنسان، أما في حال تبديل الأسنان، التي كان يظن أن الشمس تلعب فيها دوراً أساسياً، لهذا يقف الطفل وبيده سنه المخلوعة باتجاه الشمس ويطالبها أن تأخذ سنه هذا وتمنحه آخر أفضل بقوله: «يا شمس يا شموسة خذي سن الحمار وأعطيني سن الغزال».
عند طلوع الأسنان لا بد من السليقة، وهي قمح أو حمص مسلوق أو فول مسلوق، تسكبه الأم على رأس وليدها فيتجمع حوله، توزع جزءاً من السليقة على جيرانها كافة، لإعلان أنها قامت بتقديم ما عليها، أما الباقي فعلى الشمس.
كانت المرأة تحتفظ بقليل من الحبوب كالقمح أو الفول في وعاء محكم الإغلاق لرد الشر، ولطرد أعور الدجال في حال ظهوره، وتفسير ذلك أنه «أي أعور الدجال» يمثل الشر وفناء الحياة، فإذا استطاع أن ينتصر، فإن وجود بذرة الحياة تعني هزيمته وانتصار الخير4.لذا يلجأ بعض الفلاحين إلى ترك كمية من القمح دون حصاد عرفاناً للأرض، وأحياناً يحتفظون ببيوتهم بسنابل قمح أو بعرنوس ذرة.. غير مخصصة للأكل، يفعلون ذلك كل عام. كما يترك الفلاح غالباً شجرة واحدة من بستانه لا يجني محصولها وهذا غير معزول عما ذكرناه.
هذه التقاليد أقرب ما تكون إلى حياة الريف من المدينة، لارتباطها بالبيئة الزراعية وبحياة وثقافة الشعب، نتيجة عدم قدرة الإنسان على تفسير الظواهر بشكل علمي، لذا كان يلجأ إلى الشعوذة والتضحية والتقرب إلى الأولياء وزيارة الأضرحة، وما زالت هذه العادات تلعب دوراً هاماً في حياة المنطقة العربية.
علاقة الأكل بالعادات الشعبية
والتقاليد الموروثة:
هنالك بعض العادات التي تتجسد بالممارسة العملية، يتحدث المثل الشعبي عن ذلك، فالمثل التالي يحذر من تفاقم الجوع، يقول: «جوعه على جوعه تخلي القلب لوعة» ومثل يتحدث عن ضرورة عدم تفتيش الأكل حتى لا تذهب بركته «الزاد لا تفتش ما ينكال».
اشتهر في بلاد الشام أهل حلب بشكل خاص بالأكلات الشعبية على اختلاف أنواعها، أجادوها، وسميت بعضها باسمهم منها الكباب الحلبي والكبة وغيرهما وقيلت فيها الأمثال الشعبية والقصائد، منها الأبيات التالية عن الكبة:
أنـــا صاحبتــي الكبّــة
عقدت بيني وبينها محبّة
بحكــي عنهــا بالرتبـة
مـــع ذوات الكـــــــرام
أولها كبّــة المسلوقــــة
لا تنسـى فضـل حقوقهـا
أكلـه لطيفــة قوم دوقها
وصفة الحكيــم لقمـــان
كبّة بالفـرن يـا بعـــدي
لما بكــون وجهــا وردي
باكــل وبصيــح يا جدّي
غرني حشوهـا الجــواني
أمــا كبّـــة المـشـويــة
إذا كـانــت نصـــرانيّــة
اشـوي ولقّــح يا خيــي
قرص جنبـــو فنجانــي5
ويقال في الأكل الأمثال الحلبية التالية: «أكل الدلع ما بيبتلع» و«أكل المالح ما هو صالح» و«عشيني ومشيني أصل المعدة فاضية، والأهلة والسهلا هي مركب صيني»6
أما العادات الخاصة بتقاليد الضيافة، فهي أقرب إلى البدو من حياة الحضر، ومن هذه العادات الكرم، الذي نشأ بداية في البيئة الصحراوية، التي تفرض على ساكنيها الحاجة إلى الإقامة والتنقل والضيافة، بالإضافة إلى ما يتركه الكرم من ميزة، يتمتع بها هذا الإنسان ويفاخر بها، فطيب الذكر والحاجة المادية فرضا على ساكن البادية هذا السلوك، الذي تعتز به المرأة، والذي بسببه ترفض أو تقبل من يتقدم لها، فها هي ذي ترفض الزواج على سبيل المثال لأنه: «لا هو فارس مع الفرسان ولا كريم ببيته»، يقال في الكرم «يلي تاكلو بيروح واللي تطعمو بفوح» و«قالوا يا بو زيد شو علمك على الكرم قال: اجعل الشيء لا كان» و«ما في بالدنيا بخيل، اللي ما يكرم إلك يكرم لغيرك» والكرم ليس له حدود، الكرم بالقنطار كما يقول المثل الشعبي: «الحساب بالدرهم والكرم بالقنطار». في الغناء الشعبي أمثلة كثيرة عن الكرم منها بيت الحداء التالي:
«نكرم ضيوفنا القرب والبعد واليجونا مقربين».
ومن قصيدة قيلت عن الكرم:
يا كليب شب النار يا كليب شبا
وإنت عليك شبا والحطب يجابي
اذبح لهم يا كليب كبش سمين ملبه
ومن منحر السكين حني الركابي
أما عن عادات تناول الطعام، فقد كانت بالأيدي، خاصة في الأفراح والأتراح إذا قدم المنسف.. وهذه عادة بدوية، ومن العادات المستحبة حث المعزب ضيفه لمزيد من الأكل، كما في: «أكل الرجال على قد فعالها» و«عيار الشبعان أربعين لقمة»، أما لدى سكان الأرياف والمدن فالأكل بالملاعق، مع استخدام السكين والشوكة إذا لزم الأمر، وهنا تكون الدعوة مختصرة على فرد بعينه أو بضعة أفراد، أما في البادية فالعشيرة مدعوة بكاملها.
هناك بعض العادات في الأكل والشرب، جسدتها الأمثال الشعبية كما في: «عليك بأول القهوة وآخر الشاي»، هذه العادات والتقاليد في الأكل لها جذورها في فلكلور بلاد الشام، فهي مرتبطة بالمكان وبالوضع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي.. إن كان مدينة أو ريفاً أو بادية.
علاقة الأكل بالمستوى الاجتماعي:
هذا غير معزول عن البيئة التي يسكنها الشخص، بالإضافة إلى وضعه المادي، فالمتعارف عليه أن أكل الغني يختلف عن أكل الفقير من حيث الكمية والنوع، وكذلك نظرة الغني للفقير، يقول المثل الشعبي: «فت الشبعان على الجوعان فتٍ بطيء» كذلك كما قلت، فالأكل يختلف بين بيئة وأخرى، إذ يعتمد سكان الساحل على ما يجود به البحر من أسماك، وسكان الريف على ما تجود به الطبيعة، بينما يعتمد البدوي على ما تجود به الطبيعة وماشيته، بينما يستورد سكان المدن ذلك من الريف والبلاد المجاورة.
بعد الاستعراض السريع، أعود لأؤكد أن للمكان أثراً كبيراً في الأكلات الشعبية المعتمدة على البيئة الزراعية، وعلى ما تعطيه الطبيعة وبعض المنتوجات الحيوانية وأحياناً الصيد البري والبحري.
صور المقال من الكاتب
الهوامش
1-راجع كتاب «الخراريف» الجزء الثالث، جمع الحاجة تودد عبد الهادي-إصدار دار ابن رشد للطباعة والنشر بيروت-تجد أن العديد من الأكلات والحلويات الشعبية، ذكرت عرضاً بين ثنايا الحكاية، معظم الحكايات التي أشير إليها مأخوذة من هذا الكتاب، أما حكاية «حكايا شكايا» فهي موجودة في الصفحة 95.
2-هذا النص من كتاب أغاني العمل والعمال في فلسطين-علي الخليلي-منشورات دائرة الإعلام والثقافة في م.ت.ف.ودار ابن رشد ط2 حزيران1980 صفحة162-163.
3-دراسات في الفولكلور الفلسطيني-إصدار دائرة الثقافة والإعلام في م.ت.ف. تأليف عوض سعود عوض صفحة 198.
4-دراسات في الفولكلور الفلسطيني- مصدر سابق صفحة 207.
5-الأدب الشعبي الحلبي، جمعه ونشره وعلق عليه الأب يوسف قوشاقجي-ط2 1983، مطبعة الإحسان-حلب صفحة8.
6-الأمثال الشعبية الحلبية وأمثال ماردين-جمعها ورتبها وفسرها الأب يوسف قوشاقجي-الجزء الثاني-مطبعة الإحسان-حلب1978 صفحة621.