النسيج المصري :حكاية صناعة شعبية عريقة
العدد 19 - ثقافة مادية
اشتهرت مصر منذ أقدم عصورها بصناعة المنسوجات والارتقاء بها، حيث حظيت المنسوجات الكتانية في العصر الفرعوني بشهرة واسعة، وكانت المنسوجات والملابس ضمن الهدايا المتبادلة بين فراعنة مصر وملوك العالم القديم، نظراً لرقتها ونعومتها، وقد برع المصريون القدماء في غزل ونسج وصباغة ألياف الكتان منذ عصورهم المبكرة، ونظرًا لأهمية المنسوجات الكتانية وارتفاع أثمانها كانت تورث. وقد امتدت شهرة المنسوجات المصرية إلى العصر البطلمي (333 -30 ق.م)،
وهذا ما أكده وصف الروائيين القدماء للمعلقات والأغطية والوسائد التي زين بها بطليموس الثاني زورقه وخيمة الاستقبال الرسمية لزواره، كما احتوى قصره على معلقات بالحجم الطبيعي، طالما أبهرت زواره من فرط واقعيتها. وفي العصر الروماني (30 ق.م.- 325م)، أنشأ الأباطرة الرومانيون مصانع الجينسيوم التي كانت تُعرف بمصانع النسيج الملكية بمدينة الإسكندرية عاصمة مصر آنذاك.
ومع انتشار المسيحية في مصر (325م - 641م)، حدث امتزاج طبيعي بين الموروثات القائمة والرؤية الفنية النابعة من العقيدة المسيحية أخرجت لنا فنًا جديدًا يجمع بين الفن المصري والروماني في روحانية ورمزية وتجريدية في أغلب الأحيان، وتعبر المنسوجات القبطية عن هذا الفن الجديد بصورة واضحة، والتي تميزت بغنى وغزارة عناصرها الزخرفية ذات الألوان البراقة، والتي نفذت معظمها بأسلوب القباطي أو اللحمات غير الممتدة وهو أسلوب أقرب إلى التطريزية منه إلى النسيج، حيث أتاح هذا الأسلوب للتصوير شبه المجسم للبورتريهات المنسوجة مشابها بذلك الرسوم الكلاسيكية القديمة، وذلك بمراعاة الظل والمنظور، وقد انتشرت مصانع النسيج في هذه الفترة بمدينة الإسكندرية.
أما في العصر الإسلامي؛ فقد شهدت صناعة المنسوجات في مصر ازدهارًا كبيرًا بعد فتح العرب لها (641م/21هـ)، حيث عملوا على تشجيع هذه الصناعة وتنميتها حتى أصبح إنتاج الأقمشة الرقيقة من أهم مميزات الفنون التطبيقية الإسلامية عامة. ومن التقاليد الإسلامية التي ساهمت بشكل مباشر في الارتقاء والازدهار بمستوى صناعة النسيج في مصر تصنيع كسوة الكعبة بها. وقد اهتم الأمراء المسلمون بإنشاء مصانع النسيج والتي عرفت آنذاك بدور الطراز، والتي كانت تخضع إداريًا للرقابة الحكومية الصارمة، ولفظ الطراز يعني الكتابة على النسيج والورق، وهذه الكتابات كانت تقتضيها عادة «الخلع» التي كان يتبعها الحكام والأمراء المسلمون في الخلافة الإسلامية في مكافأة رجال الدولة بالخلع من الملابس الفاخرة، فكان يطلق على مصانع النسيج الأهلية «طراز العامة»، وعلى مصانع النسيج التي تتبع الحكام والأمراء الطراز الحكومي، «طراز الخاصة»، وكلا الطرازين كانا يتبعان الرقابة الحكومية المشددة.
المنسوجات في مصر القديمة:
لازمت المنسوجات المصري القديم في حياته من المهد إلى اللحد، فاحتاج إليها في ملابسه لتقيه حر الصيف وبرودة الشتاء، وفي المنزل فصنع منها فتيل لمبات الإضاءة ومفروشات وأغطية له ولحيوانات حقله، وفي تجارته لمقايضتها بالمنتجات الأخرى، وفي تنقلاته من شراع المراكب وحبالها، وفي معابده لتقديمها كقرابين للآلهة والإلهات، وفي شعائره الجنائزية من تحنيط لجسده ولفه باللفائف الكتانية لينعم بالحياة في العالم الآخر، وقرابين توضع في مقابره من ملابس ومفروشات وأطعمة محنطة كانت تغلف بالنسيج.
وقد برع المصريون القدماء في صناعة المنسوجات وبخاصةً صناعة المنسوجات الكتانية، فأجادوا في غزل ونسج ألياف الكتان رغم صعوبة هذه الخامة، وقد حرص المصريون القدماء على تمثيل مناظر غزل ونسج الكتان على جدران مقابرهم، وعلى الرغم من الكشف عن ملابس ومنسوجات في المقابر والمواقع السكنية المصرية القديمة، وكذلك بعض النصوص المتعلقة بصناعة المنسوجات التي نُقشت على جدران المعابد أو كتبت على صفحات البردي، وشقف الفخار وكسر الأحجار، وما كتبه المؤرخون القدماء عن مصر القديمة، إلا أنه لم يتم الكشف حتى الآن إلا عن القليل من أسرار صناعة النسيج في مصر القديمة.
كانت المنسوجات المصرية القديمة تصنع أساسًا من الكتان، وهو الذي يأتي من ألياف نبات الكتان، كما كانت تصنع من ألياف النخيل والحشائش والبذور، وبدرجة أقل؛ من صوف الغنم وشعر الماعز، وكانت ألياف الكتان تغزل بعد فصلها من النبات، ثم تنسج خيوط الغزل على نول لتتحول إلى قماش، وكانت صناعة النسج مقتصرة على النساء العاملات على أنوال في ورش توجد عادةً داخل المنازل أو القصور أو الضياع الكبيرة.
تشهد المناظر التي تزين جدران المقابر بأن مصر القديمة كانت تشتهر جدًا بإنتاج الكتان، الذي صُنعت منه معظم المنسوجات المصرية القديمة، فكان الكتان يُصنع من ألياف نبات الكتان الذي يستغرق نحو ثلاثة أشهر لكي ينضج، والنبات نحيل الساق بأزهار سنوية زرقاء رقيقة. وعندما تموت الأزهار، تظهر رؤوس البذور وتكون النباتات جاهزة للحصاد، وكانت حزم سيقان الكتان تمسك معًا وتنزع من الأرض، بدلًا من أن تقطع. وبعد جفاف النباتات، تنزع رؤوس البذور يدويا بالهز أو تمشط بلوحة طويلة مسننة تسمى بالمشط الهزاز، ويساعد البلل بالتعرض للماء أو الندى، مع ضوء الشمس، على تفكك الألياف في الساق؛ من خلال عملية تعرف بالتعطين. وتصبح الألياف جاهزة للغزل؛ بعد الغسيل والتجفيف والضرب والتمشيط.
وكانت ألياف الكتان بطبيعتها ذات ألوان باهتة ذهبية أو بنية أو خضراء؛ إذا قطع محصول النبات في وقت مبكر. وقد استخدم قدماء المصريين المغرة (أكسيد الحديد المائي المخلوط بالطين) أو الأصباغ النباتية لتلوين المنسوجات؛ على الرغم من أن سليلوز النبات كان يجعل الصبغ صعبًا، وتعطي المغرة للنسج اللون الأصفر أو البني المصفر أو الأحمر. وكانت المواد النباتية المستخدمة في الصبغ تشمل الوسمة (نبات عشبي) للون الأزرق، والفوة والقرطم للون الأحمر. واستخدم التبييض أيضًا، لصناعة المنسوجات البيضاء التي كانت تعتبر رمزًا للمكانة الاجتماعية الرفيعة، وللنظافة. وتبين بعض مناظر السوق في مقابر الدولة القديمة مشاهد بيع الكتان، وفيها يجلس صاحب القماش، الذي عادةً ما يكون رجلاً مسنًا أصلع الرأس، على مقعد؛ حاملاً مروحة على كتفه الأيسر ويمسك بالطرف العلوي للفة من الكتان. ويعرض مساعد البائع على الشاري قماش الكتان الذي يتدلى على الأرض وينتهي بلفة، ويفحص الشاري نوعية القماش أو يقيس الطول المطلوب.
ولم يكن الكتان وحده هو الليف النسجي المستخدم؛ فقد عثر أيضًا على منسوجات مصنوعة من صوف الأغنام وشعر الماعز وألياف النخيل والحشائش وقصب (بوص) السلال (الغاب). وقد أخرجت الحفائر عدة أمثلة لمنسوجات من شعر الماعز من موقع قرية العمال بتل العمارنة، والتي يرجع تاريخها إلى منتصف القرن الرابع عشر قبل الميلاد. ولم تكن للألياف الحيوانية نفس الأهمية في صناعة الأقمشة؛ حيث لم يكن الصوف في تلك العصور مناسبًا للغزل، كما أن قدماء المصريين كانوا يعتقدون بأن الصوف غير نظيف: فاستخدموه فقط في صناعة الثياب الخارجية التي كانت تترك خارج المعابد. ولا تـُظهر الحفائر الكثير من منسوجات ألياف النخيل، الذي كان يُصنع من لحاء أنواع مختلفة من النخيل، وكان يستخدم في صناعة الحبال منذ العهود القديمة. وقد استخدمت الحشائش، وعيدان قصب (بوص) السلال (الغاب) نمطيًا في صناعة الحصير؛ ولكن من الجائز أن تكون قد استخدمت في المنسوجات، وإن لم يكن ذلك مؤكدًا.
ويمكن تقسيم مواد الصباغة في مصر القديمة إلى نوعين أساسيين: أصباغ المغرة، والأصباغ النباتية. والمغرة هي طينة صلصالية مخلوطة من الأرض تتكون من أكسيد الحديد أو الصدأ، ويتحول أكسيد الحديد الأصفر، بفعل الحرارة (الحرق)، إلى أكسيد الحديد الأحمر؛ كما يمكن أن يستخدم لتكوين ألوان الأصفر والأصفر- البني والأحمر. ولصبغ الكتان بأكسيد الحديد تاريخ طويل في مصر، ربما يرجع إلى بداية عصر الأسرات؛ من قماش طرخان. وقد استخدمت عدة طرق لصباغة الثياب في عصر الأسرات؛ أقدمها طريقة ”التلطيخ”، وفيها يوزع اللون في الثياب، ربما بمساعدة الطين أو الصلصال أو العسل، كما استخدم قدماء المصريين أيضًا عملية تسمى بالصباغة المزدوجة؛ وفيها تصبغ الألياف والخيوط أو الثياب أولاً بلون معين، ثم تصبغ ثانية بلون آخر: للحصول على لون ثالث، فاللون الأرجواني، مثلاً، يتكون من اللونين الأحمر والأزرق؛ بينما يتكون اللون الأخضر باستخدام اللونين الأصفر والأزرق. وقد قام المصريون بصباغة خيوط الغزل أو الأقمشة المنسوجة، ومن الممكن أن تُلاحظ أحيانًا مساحات بيضاء، في القماش المنسوج، أسفل الأماكن التي مر فيها الخيط الرأسي فوق خيط أفقي، وكان التبييض أيضًا وسيلة فنية للزخرفة؛ لأن ارتداء ثوب أبيض كان لدى المصريين القدماء من دلالات الوضع الاجتماعي، وربما أيضًا كدليل على النظافة.
ويمكن الوقوف على العمليات والطرق المستخدمة في صناعة المنسوجات بمصر الفرعونية؛ من واقع عينات من قطع القماش التي عُثر عليها، وكذلك من خلال تصوير المراحل المختلفة لإنتاج المنسوجات (من بذر الكتان إلى نسج الألياف) على نقوش المقابر، فبمجرد إزالة الألياف من النبات أو الحيوان، فإنها كانت تُغزل ثم تُنسج في قماش، وللحصول على خيط طويل متماسك، فإن ألياف الكتان كانت تُغزل وتُجدل معًا؛ وهو ما أنتج خيطًا متماسكًا ومرنًا إلى حد ما.
الواقع إن الأسلوب الفني للغزل في مصر القديمة كان ينطوي على عمليتين متميزتين، لكن مترابطتين: ففي المرحلة الأولية، كانت الألياف تلوى مبدئيًا ليًا خفيفًا؛ ثم تكون عملية الغزل الفعلي للألياف في المرحلة الثانية للحصول على الخيوط، وتشتمل عملية الغزل الفعلي نفسها على ثلاث مراحل، هي: (سحب الألياف، ثم ليها، ثم لف الخيط)، وعند بدء حركة المغزل، فإن الغازل يسحب أو يشد عددًا قليلاً من الألياف على دفعات من كتلة ألياف، ومع دوران المغزل تلوى الألياف، وعندما يصبح هناك عدد كاف من الخيط الملوي، يوقف المغزل ويلف الخيط حول جذع المغزل. والمغزل اليدوي كان أكثر أشكال أدوات الغزل انتشارًا وشيوعًا في مصر القديمة؛ وقد كان يصنع من عصا تسمى الجذع أو المغزل، وثقل يسمى الفلكة. وتعمل الفلكة مثل الحذافة (العجلة الهابطة)، في المحافظة على انتظام زخم المغزل؛ بالنسبة للسرعة والحركة المنتظمة. وبعد غزل ألياف الكتان، لتصير خيطًا أو غزلاً، فإنها تصبح جاهزة لتنسج قماشًا، والنسج هو عملية شبك مجموعتين من الخيوط، أو أكثر، وفق نظام محدد مسبق؛ من أجل الحصول على جزء من نسيج أو نسيج كامل. وتكون المهمة الأولى هي تحرير الخيوط من المغزل ومدها على النول؛ وهو ما ينطوي على وضع الخيوط الرأسية (السداة) في موضعها على النول وشدها بإحكام: وعندها يبدأ النسج الفعلي. ويبدو أن نطاق أنماط النسج في مصر القديمة كان محصورًا في تلك الأنواع التي تسمى ”العتابي”، والسلال، والسجاد، والسداة. والنمط النسجي الأكثر شيوعًا وانتشارًا في مصر القديمة كان العتابي البسيط؛ بأعداد متساوية من الخيوط الرأسية والأفقية، وهناك نسج عتابي سداتي الوجه (أي بخيوط رأسية)؛ وبه عدد أكبر من الخيوط في اتجاه ما أكثر من اتجاه آخر، أي أن عدد الخيوط الرأسية به يفوق عدد الخيوط الأفقية: في السنتيمتر المربع الواحد.
الجدير بالذكر؛ أن المصري القديم قسم عمال النسيج إلى طوائف شأنهم في ذلك شأن عمال أية حرفة أخرى، وقد نالت النسَّاجات تكريمًا على ما كن يقمن به من أعمال النسج لصالح صاحب المقبرة في ورش النسيج التابعة له، وكان هذا التكريم إما بالذهب، أو الفاكهة، أو الملابس، أو الحلي المختلفة، وذلك بحسب الدرجة الوظيفية بطبيعة الحال، وهذا يدل على حسن المكانة الاجتماعية لعاملات النسيج، إذ كن يتساوين في التكريم مع الموظفين الآخرين، وبذلك لا يمكن القول بأنهن كن من الطبقات الكادحة الفقيرة. فقد كان للمناسج مركز مرموق، وكانت عاملات النسيج تتمتعن بمكانة اجتماعية جديرة بالاحترام، ونلاحظ مما تقلده مديرو المناسج من أوسمة وألقاب أهمية هذه الطبقة، وفي الدولة الحديثة نعلم من نصوص ”تحتمس الثالث” أن طبقة النساجين كانت من الطبقة المختارة للعمل بالمعابد الكبرى كالكرنك والأقصر.
الحقيقة أن صناعة النسيج في مصر القديمة كانت تمارس في كل من المنازل، والمصانع، والقصور، والمعابد، وفي البداية كان يمارسها بعض أو كل أفراد الأسرة بما يحقق الاكتفاء الذاتي لهم من الملابس. أما ما كان يزيد عن حاجاتهم فقد كان يتم تبادله بمنتجات أخرى من مستلزمات الحياة اليومية، لقد كانت المعابد تحتاج إلى كميات كبيرة من الأقمشة كأجور للكهنة، وكأقمشة تستخدم في طقوس الخدمة اليومية، كأردية المعبودات، والأعلام التي تعلو ساريات المعبد، مما دعا إلى وجود ورش خاصة بالمعابد لصناعة الأنسجة.
كما يتضح من النصوص والنقوش معًا أن النساء كن يشكلن الغالبية بين المشتغلين في إنتاج المنسوجات؛ وإن لم يكنَّ في موقع المسؤولية، حيث اقتصرت معظم الألقاب المتعلقة بإنتاج الأقمشة على الرجال. وقد ظهرت أيضًا فروق تبين أي جنس استخدم أي نوع من الأنوال؛ حيث صورت النساء دائمًا وهن يستخدمن النول الأفقي، بينما كان معظم الذين صوروا مستخدمين النول الرأسي: من الرجال. ولعل النول الرأسي الجديد قد ارتبط بنوع من الاعتبار والحيثية، أو أنه كان أثقل وزنًا وتطلب قوة أكبر في تشغيله. وتظهر دراسات العمارة المنزلية تفاصيل إنتاج المنسوجات داخل الوحدات السكنية؛ كبيرة وصغيرة، حيث أن الضياع والقصور الكبيرة كانت تضم ورشًا عديدة، من بينها استوديوهات غزل ونسج لإمداد الأسرة بما يلزمها من المنسوجات.
المنسوجات المصرية في عصر البطالمة والرومان:
بدأت الدولة في العصر البطلمي الإشراف على صناعة المنسوجات والرقابة على زراعة الكتان، وانتشرت المنسوجات المزدانة بالرسوم متعددة الألوان، وأصبحت الأقمشة المنقوشة تعرف بقماش ”القباطي” الذي تميز بزخارفه التفصيلية المعقدة. ويتبين من الوثائق أن الحكومة كانت تحدد مساحة الأرض التي يجب زرعها كتانًا، وتجبر المزارعين أن يبيعوا لها بسعر ومقدار معين من محصول الكتان.
لقد بذلت الحكومة قصارى جهدها لنشر صناعة النسيج في كل مديرياتها، وكان على كل مديرية أن تقدم للحكومة كمية معينة من الأقمشة والملابس التي أنتجتها، والتي كانت تمثل نسبة معينة من إنتاج الأنوال العاملة. وفى حالة العجز عن سداد النسبة المستحقة، كانت الحكومة تفرض ضريبة على النساجين، لعلها كانت ضريبة ”الترخيص بمزاولة النسيج”. ويتضح من ذلك أن الحكومة كانت تشرف على صناعة النسيج وتسهم فيها ولكن لا تحتكرها، فهي لا تشتري كل محصول الكتان، ولا تفرض على الناسجين أن يقدموا لها كل منتجاتهم. ويذكر أن الصوف كان يلي الكتان من حيث الأهمية في العصر البطلمي، وقد استمر الحال على ذلك إلى العصر القبطي، فقد كان جمهور العامة يستخدم الملابس المصنعة من الكتان والصوف ثم الحرير على نطاق ضيق.
وقد بدأ في عهد الرومان نسج المنسوجات الحريرية، ولكنها كانت تخضع لقيود شديدة من الأباطرة الرومان، فقد أصدر أباطرة الرومان عدة مراسيم، منها مراسيم أعوام (369، 406، 424م)، والتي نصُّوا فيها على الحد من صناعة الحرير، إلا فيما يخص القصر الإمبراطوري. كما صدر قانون (سنة 438 م)، والذي حرَّم نسج الحرير في مصانع الإسكندرية. فقد ورد في قوانين ”جستنيان” أن الحرير القرمزي خاص بالأباطرة، ولا يصنَّع إلا في المصانع الإمبراطورية، ويظهر أن السبب في تقييد صناعة الحرير والحد منها هو قلة وجود مادة الحرير الخام وغلاء سعرها، كما يمكن أن يكون ذلك أيضًا نتيجة لسوء العلاقات السياسية بين ”بيزنطة و”الفرس”، بالإضافة إلى كراهية رجال الدين المسيحي له، إذ اعتبروا لبس الحرير منافيًا للرجولة. يذكر أن الأقمشة في العصر الروماني كانت تزخرف بأشكال آدمية وحيوانية، وكذلك التصميمات النباتية والهندسية.
المنسوجات القبطية:
هناك صعوبة في تحديد هوية الحركة الفنية في مصر خلال الحقبة المسيحية، وربما كانت الصعوبة هنا تندرج تحت مفهوم الاختلاط الحادث في المجتمع المصري بتأثير الوجود اليوناني والروماني، ونتج عن ذلك ردود أفعال فنية وثقافية متباينة ومركبة عبرت عن المفهوم الشعبي في المجتمع المصري في تلك الحقبة، حيث جاء الفن مكملاً للمتغيرات التاريخية، ومواكبًا للرؤية الدينية الجديدة، ومعبرًا عن ثقافة شعب له من الجذور الحضارية الكثير، فقد مَثَل الفن القبطي كيان ومعاناة وهموم المصريين في رؤية جديدة نابعة من أفكارهم وتراثهم، وتمثل هذا الفن بوضوح في زخارف منسوجاتهم.
فقد شهدت هذه المرحلة زيادة استخدام الرموز المسيحية؛ حيث أصبح التصوير لأشكال الإنسان والحيوان أكثر تجريدًا، واستخدمت الأقمشة في الكنائس والأبنية العامة كستائر، وكذلك كأغطية للأسرة، ومفروشات ومناشف، وأغطية مناضد، وأكياس وحقائب، وزاد استخدام وشيوع الصوف؛ إذ كان سهل الصبغ بالأصباغ النباتية.
في نهاية القرن التاسع عشر بدأت الحفائر تكشف عن الآثار القبطية، وللأسف لم يحظ النسيج القبطي باهتمام كبير من جانب علماء الآثار بقدر اهتمامهم بالمنقولات الأثرية الأخرى، ويرجع ذلك إلى أن تلك المنسوجات في الغالب سلبت أثناء الحفائر الأثرية، وقد أدى هذا السلب إلى الاتجار بتلك القطع بعد تقسيمها إلى قطع صغيرة تفقد في النهاية أي أثر ينم عن نشأتها، وتضع الباحثين أمام صعوبات عديدة خاصة بتحديد مراكز صناعتها وتأريخ مناسب للقطع.
وقد قسم علماء القبطيات مراحل الفن القبطي إلى:
المرحلة الأولى: يطلق عليها نسيج العصر الإغريقي الروماني، ويمتد (من القرن الأول إلى الثالث الميلادي)، وتمتاز منسوجات هذه الفترة من الناحية الزخرفية بكثرة استعمال الرسوم الآدمية والحيوانية، بجانب العناصر النباتية والهندسية. وتمثل هذه الرسوم الطبيعية أصدق تمثيل فهي مليئة بالحياة والحركة، كما تمتاز بحسن التأليف وبالتوزيع المنتظم والألوان الطبيعية إلى حد كبير.
المرحلة الثانية: تطور الفن القبطي وتأثره بالزخارف الوثنية، وتعرف بعصر الانتقال (من القرن الرابع إلى نهاية القرن الخامس الميلادي)، ومنسوجات هذه الفترة هي همزة الوصل بين نسيج العصر اليوناني- الروماني ونسيج المرحلة الثالثة وهو «القبطي»، فهي لا زالت تستعمل رسوم وموضوعات النسيج الإغريقي- الروماني، وإن كانت تعوزها الحياة والحركة وصدق تمثيل الطبيعة، غير أنها تمتاز بكثرة استعمال الرموز المسيحية.
المرحلة الثالثة: مرحلة ازدهار الفن القبطي بزخارفه المسيحية، وتعرف بنسيج العصر القبطي (من القرن السادس إلى التاسع الميلادي)، فقد اتسم النسيج بالرسوم الرمزية للأشخاص والحيوانات، والتي أصبحت فيما بعد من أهم مميزات هذا الفن.
المرحلة الرابعة: مرحلة تأثر الفن القبطي بالفنون الإسلامية (من نهاية القرن التاسع إلى القرن الثاني عشر الميلادي).
النسيج الإسلامي:
منذ الفتح الإسلامي لمصر عمل المسلمون على تشجيع وتطوير صناعة المنسوجات، حتى بلغت أوج الكمال والإتقان وكان للتقاليد الإسلامية مثل كسوة الكعبة، ونظام منح الخلع في المناسبات المختلفة أكبر الأثر في ازدهار صناعة المنسوجات. وقد تجلت عناية المسلمين بصناعة المنسوجات في اهتمامهم بإنشاء دور الطراز ( مصانع النسيج ) الخاصة منها والعامة، حيث تخصصت دور الطراز الخاصة في إنتاج منسوجات الخليفة وحاشيته، بينما اهتمت مصانع الطراز العامة بإنتاج منسوجات عامة الشعب جنبًا إلى جنب مع منسوجات الخليفة في بعض الأحيان.
وتعتبر كلمة ”طراز” ذات مدلول واسع، حيث عبرت عن التطريز والكتابة على النسيج وأوراق البردي، ثم اتسع مدلولها ليشمل ما كان مكتوبًا على العمائر والتحف المختلفة، إلى جانب استخدام لفظ ”طراز” ليعبر عن مصانع النسيج. وقامت دور الطراز على نسق مصانع النسيج في ممالك الإمبراطوريتين الفارسية والبيزنطية مع تطوير نظام العمل فيها، وقد استمر العمل بنظام دار الطراز خلال العصر الإسلامي حتى نهاية العصر الفاطمي ثم ضعف في العصور اللاحقة.
وقد أولى الخلفاء هذه المصانع ( دور الطراز) أهمية خاصة فعينوا مشرفين عليها، ويلقب المشرف على الطراز بلقب ”صاحب الطراز”، وكان لكل مشرف مساعد ومحاسب يشرف على الأمور المالية ورئيس للعمال لتنظيم العمل وإدارته. وكان بكل دار نسج ”أسطى” يشرف على قاعة الحياكة بما فيها من الأدوات، ويشرف على تعليم الصبيان أسرار الصنعة على يد الصناع اللذين كان لهم تنظيم خاص بهم يوفر لهم الرعاية الاجتماعية التي تحفظ لهم حقوقهم وتنظم أعمالهم، والتي كان يطلق عليهم تنظيم ”طائفة النساجين”.
وكانت أبسط الطرق للحصول على المنسوج هو نسيج السادة وهو الأكثر انتشارًا، وينشأ نسيج السادة عن تقاطع خيوط السدى واللحمة، وذلك على النول البسيط سواء الرأسي أو الأفقي، ثم ابتكرت أنواع مختلفة من الطرق الصناعية الأخرى مثل: نسيج الزردخان، والدمشقي، والمبطن من اللحمة واللحمات الزائدة، والديباج، وهي طرق مركبة يلزمها النول المركب الذي يتكون من عدة درأت، ويتطلب مهارة فائقة وعددًا أكبر من الصناع.
ومن أهم أسباب ازدهار وانتشار المنسوجات في الدولة الإسلامية هو حب مظاهر الأبهة على خلفاء وأمراء المسلمين الذين حرصوا على ارتداء واقتناء الملابس الحريرية الفاخرة، وزاد الاهتمام بخامة الحرير التي أصبحت لها الصدارة بعد أن كانت في بادئ الأمر عكس ذلك، وخصوصا في زمن الخلفاء الراشدين، وذلك لحياة الزهد والتقشف والبعد عن مظاهر الترف والأبهة آنذاك.
وفي عهود خلافة وولاية المسلمين، اكتسبت الأقمشة المصرية استحسانًا عالميًا؛ لجودتها وجمالها، وكان ذلك نتيجة لمشاركة الدولة في الرقابة على الخامات، وبناء المصانع الخاصة والعامة، وضمان معايير الجودة. وأصبح الصوف في المرتبة الثانية بعد الكتان، كمادة خام. واستخدم النساجون أنوالاً رأسية ونسجوا لُحمًا (خيوطًا عرضية أو أفقية) أكثر في الأقمشة؛ كنوع من الزخرفة، وكانت الأقمشة تزخرف بأشكال مطبوعة أو تطرز بخيوط من حرير، وضمت النقوش الخطوط العربية الزخرفية الفنية والأشكال النباتية والهندسية؛ وكذلك رموزًا تجريدية نباتية وآدمية وحيوانية.
المنسوجات في العصر الأموي:
بدأت الكتابة تظهر على المنسوجات المصرية في العصر الأموي، حيث يعتبر الخليفة الأموي ”مروان الثاني” هو أول مَن ظهرت في عهده كتابات عربية على النسيج، وتدل على ذلك قطعتان من النسيج إحداهما في متحف فيكتوريا وألبرت في لندن، والأخرى بمتحف المنسوجات في واشنطن عليهما إسم ”مروان”. وغالبية ما وصلنا من المنسوجات في ذلك العصر كان يصنع في مدن وقرى صعيد مصر وخاصةً في القيس والفيوم وأخميم، وقد تميزت هذه المنسوجات بأنها مصنوعة من الصوف أو الكتان أو منهما معًا، واستخدمت في تنفيذ الزخارف طريقة اللحمات غير الممتدة (القباطي)، حيث تستخدم اللحمات الملونة للعناصر الزخرفية وتنتهي عند حدود الزخرفة، وبذلك تظهر الشقوق عند حدود الزخارف، ولكن النساج حاول أن يتلافى ذلك بنسج كل لحمتين على سداه واحدة، أو حياكة الشقوق بخيوط بعد عملية النسج، وأحيانًا كانت تترك الشقوق دون توصيل أو حياكة.
وقد غلبت على ذلك العصر العناصر الزخرفية القبطية التي استخدمت على النسيج القبطي مثل الحيوانات والطيور بأسلوب بدائي ومحور عن الطبيعة، والرسوم النصفية الآدمية، ورسوم الفرسان ذات الطابع القبطي، بالإضافة إلى الرسوم النباتية من أنصاف مراوح نخيلية، وفروع وثمار مثل عناقيد العنب وقرون الرخاء وشجرة الحياة وسلال الفاكهة، والرسوم الهندسية مثل الجامات والمعينات الصغيرة، والأشرطة الأفقية والدوائر المتماسة والمتقاطعة، والخطوط المنكسرة والمنحنية والظفائر، فكل هذه العناصر ذات أصول ساسانية وبيزنطية.
المنسوجات في العصر العباسي:
معظم ما وصلنا من المنسوجات المصرية في العصر العباسي عبارة عن قطع مختلفة المقاسات من نسيج الكتان تشتمل على أشرطة طراز (شريط الكتابة). ويعتبر شريط الطراز وثيقة تاريخية هامة تمكننا من معرفة الأحداث من خلال ما هو مكتوب، حيث كان شريط الطراز يبدأ بالبسملة أو الدعاء أو بهما معًا، ثم ذكر اسم الخليفة وولي عهده أو وزيره، ثم تاريخ الصناعة، ثم اسم مركز الصناعة وأحيانًا اسم ناظر الطراز، أو الذي قام بالصناعة، أو التطريز، وأغلب ما وصلنا من منسوجات الطراز في ذلك العصر كتاباته مطرزة بالحرير الأحمر أو الأزرق، أو الأصفر أو البني على أرضية من الكتان. وبعض قطع الطراز تضم إلى جانب شريط الكتابة شريطًا زخرفيًا أعلى أو أسفل الكتابة، يضم رسومًا حيوانية أو زخارف نباتية محورة متأثرة بأسلوب سامراء العراقية، ومحصورة داخل جامات بيضاوية أو دائرية أو معينات.
وقد تركزت صناعة المنسوجات الرقيقة المصنوعة من الكتان والحرير في مصانع الدلتا في مدن: تنيس، وتونة، ودبيق، ودمياط، وشطا، وبورة، والإسكندرية. ولم تصلنا منسوجات قطنية صُنعت في مصر في ذلك العصر حيث تركزت منسوجات القطن في كل من العراق واليمن وإيران.
المنسوجات في العصر الطولوني:
في العصر الطولوني كانت التقاليد الزخرفية القديمة والقبطية كانت لا تسود صناعة النسيج، ولم تصلنا منسوجات تحمل إسم أحمد بن طولون، ولكن وصلتنا قطع من المنسوجات من إقليم البهنسا وكذلك من الفيوم تحمل (مما عمل في طراز الخاصة ) أو (في طراز العامة ) مما يجعلنا نعتقد أن أحمد بن طولون قد أنشأ دورًا لطراز الخاصة والعامة بهاتين المدينتين تشبها بالخلفاء العباسيين الذين أقاموا مصانع النسيج الخاصة بهم في مدن الدلتا (أنيس - دبيق - دمياط - تونة - الإسكندرية ).
المنسوجات في العصر الفاطمي:
كانت صناعة النسيج هي أول ما اعتنى به الفاطميون، لأن المنسوجات هي أبرز النواحي التي أعانتهم على تحقيق سياستهم وأظهرتهم بالمظهر الذي كانوا يريدونه من الثراء والغنى في أعين الشعب، ولذلك اهتموا بدور الطراز وخاصةً في مدن الدلتا مثل تنيس ودبيق ودمياط وشطا وتونة، ونظموا العمل فيها حيث عينوا على كل دار للطراز ناظراً مسؤولاً عن الهيكل الإداري لها، وكان لناظر الطراز مزايا عظيمة له من الحقوق والمزايا ما ليس لغيره من كبار الموظفين، وكان استقباله في القاهرة إذا وصل إليها استقبالًا رسميًا حيث تُعطى له دابة من دواب الخليفة، ويعد له منزلًا مجهزًا بأفخر الفرش، وينال من الحفاوة والضيافة ما يناله الضيوف القادمون من خارج الدولة، وكل هذا يدل على مدى اهتمام الفاطميين بصناعة النسيج مما أدى إلى وصولها إلى أعلى درجات الجودة والإتقان.
كما أنشأ الفاطميون خزانة للكسوات تنقل إليها من ما أنتجته دور الطراز، فهناك ”الخزانة الباطنة” لملابس الخليفة، و”الخزانة الظاهرة” التي يتولى إدارتها موظف كبير وبها صاحب المقص رئيس الخياطة، حيث يتم تفصيل الثياب والخلع الخاصة بالوزراء والضيوف، ومنها توزع الملابس المختلفة لطوائف الموظفين.
وقد أسهب المؤرخون في وصف أنواع المنسوجات في العصر الفاطمي نذكر منها نسيج العتابي والسقلاطون والديباج والشرب والدبيقي والعمائم المزينة بالجواهر والقصب الملون، حتى أن بعض العمائم وصل ثمنها إلى أربعة آلاف دينار مغربي في ذلك العصر، ولا ننسى ذكر نسيج البوقلمون وهو ثوب ذهبي يتلون باختلاف ألوان النهار. وقد رسم الرحالة ناصر خسرو صورة صادقة لصناعة النسيج في العصر الفاطمي يظهر من خلالها مدى التقدم في هذه الصناعة. وقد وصل إلينا من المنسوجات الفاطمية ما يعزز أقوال المؤرخين والرحالة، إلا أن معظم ما وصلنا منها عبارة عن قطع غير كاملة قام بقصها القائمون على الحفائر، ومن خلالها تعرفنا على دور الطراز المكتوبة في أشرطة الطراز، وكذلك الأساليب الزخرفية وطرق الصناعة.
المنسوجات في العصرين الأيوبي والمملوكي:
اختفى شريط الطراز باعتباره شارة من شارات الخلافة بعد سقوط الدولة الفاطمية، وبذلك أصبح للنساج الحرية في تنفيذ الزخارف دون التقييد بالأشرطة المستعرضة، فقاموا بتوزيع الزخارف على سطح المنسوج. وجاءت مع الأيوبيين الأكراد والمماليك متعددي الجنسيات من شرق آسيا ووسطها من روسيا وأوربا، جاءت معهم طرز فنية متعددة وصارت الزخرفة قريبة من الطبيعة مع البعد عن التجريد الذي كان سائدًا من قبل، كما ظهرت طرق صناعية جديدة مثل الديباج والدمقس والمبطن من اللحمة. هذا بالإضافة إلى طباعة المنسوجات ذات التأثيرات الهندية والتي تمت صناعتها في مصر أو صنعت خصيصًا للمماليك في الهند، كما ازدهرت صناعة الحرير الذي يلاءم الطرق الصناعية الجديدة، ووردت من اليمن والهند المنسوجات القطنية التي استخدمت للتطريز عليها بالحرير والخيوط المعدنية أو الطباعة أو الصباغة، وانتشرت الألوان المركبة ذات الدرآت المتعددة لتنفيذ الزخارف بطريقة الدقمس والديباج.
المنسوجات في العصر العثماني:
أما المنسوجات التي وصلتنا من العصر العثماني، فيكاد معظمها أن يكون كاملاً بخلاف ما وصلنا من العصور الإسلامية السابقة، ويمكننا أن نقسم ما وصلنا من المنسوجات العثمانية إلى قسمين:
القسم الأول، ويشمل الأزياء المختلفة سواء أكانت للرجال أم للنساء، مقسمة حسب طبقات المجتمع فأزياء الرجال مثلًا كانت تشمل زي الوالي، زي الجند، وأزياء المماليك، والعلماء، ورجال الدين، وزي المتصوفة والدراويش. أما أزياء النساء فقد اشتملت على ملابس نساء الطبقة العليا والوسطى والدنيا.
القسم الثاني، عبارة عن ستائر ومفارش للسفرة والأسرة، ومناديل وبقج، وكسوة الكعبة. وقد وصلنا منها الكثير موزع في المتاحف العالمية، ومن الأزياء وصلتنا العمائم والقفاطين، والجبب والسراويل، والقمصان والأقبية، والفرجية والشيلان. وقد أطلق على سراويل النساء إسم ”شنتيان”، ومن ملابس النساء ”اليلك” وهو رداء له كمان طويلان ويصل طوله إلى الأرض، و”السيله” وهي قميص واسع يلامس الأرض، و”الحيرة” التي توضع فوق الرأس، و”البراقع” وهو غطاء الوجه.
أما في العصر الحديث، وبخاصة في فترة حكم محمد علي (1805 - 1848)، اهتمت الدولة بزراعة القطن واقتناء الأصناف عالية الجودة، حيث اشتهرت مصر بإنتاج القطن طويل التيلة وأصبحت تحتل الصدارة على مستوى العالم في إنتاج هذه النوعية من القطن. يتضح من خلال دراسة النسيج التركي العثماني الذي انتشرت صناعته في تركيا ومصر وبلاد الشام وشمال إفريقيا، يتضح أنه من المنسوجات المركبة من ديباج ودمقس ومنسوجات وبرية ( قطنية ) متقدمة، ودقيقة الصناعة، ومتنوعة الزخارف المأخوذة من السجاد التركي في ( القرون 16 ، 17 ، 18 م)، وهي رسوم قريبة من الطبيعة تمثل زهورا وأوراقا مركبة، كما نسج الأتراك العثمانيون كسوة الكعبة الشريفة وستور الأضرحة التي تشتمل على كتابات وآيات قرآنية وأدعية للرسول وأسماء الخلفاء الراشدين.
وأخيرًا؛ كان لما أولته الحكومات الإسلامية المختلفة من عناية بصناعة المنسوجات، أكبر الأثر في ازدهار تلك الصناعة في العصور الوسطى، كما ساعدت جهود المصانع الأهلية على اتساع نطاق فن صناعة المنسوجات، والتي كان الحكام يستخدمونها لأغراض سياسية، فكان الحكام يرتدون هذه المنسوجات ويمنحونها كهدايا للأمراء والأصدقاء، وكانوا يخلعون على بعض أفراد رعيتهم من تلك الملابس وتسمى «الخلعة».
المراجع
أشرف صالح، أيام المحروسة من الدخول العربي حتى التجربة الإخشيدية.- فلسطين: مركز الصداقة الثقافي، 2010. ص 166 - 167.
تحية كامل حسين، تاريخ الأزياء وتطورها.- القاهرة: دار نهضة مصر للطبع والنشر، 1996.
ص 9- 11.
خالد عزب، متحف النسيج المصري.- مجلة ذاكرة مصر المعاصر.- ع7؛ يوليو 2011.- الإسكندرية: مكتبة الإسكندرية، 2011. ص4 - 7.
سيدة كاشف، أحمد بن طولون.- القاهرة: الدار المصرية للتأليف والترجمة، 1965. ص 179 - 187. (سلسة أعلام العرب، رقم 48).
نشرة تعريفية عن متحف النسيج المصري بمناسبة افتتاح المتحف.- القاهرة: متحف النسيج المصري، 2010.
موقع تاريخ وآثار وحضارة مصر القديمة: (http://www.bibalex.org/egyptology)
Barber, E.J.W., Prehistoric Textiles.- New Jersey: Princeton University Press, 1991.P.149.
Dominique Cardon, Guide des Teintures naturelles, Paris: Delachaux et Niestlé, 1990.P. 29 -33.
Helmut Schweppe, Identification of Dye on Historical Textile.- Washington, 1988.P.5 .
Nichalson, Ancient Egyptian Materials and Industries.- oxford, 2000.P.119.
Vogelsang-Eastwood, G.M.- The Production of Linen in Ancient Egypt.- Leiden: E.J. Brill, 1993.P.36 .
Zaky Mohamed Hassan, Les Tulunides: Žtude de l>ƒgypte Musalmane ˆ la fin du IXe sicle 868-905.-Paris: ƒtablissements busson, 1933. P.239.