الـصـفـّـار .. الـتــّـنـّـاك ..
العدد 19 - لوحة الغلاف
(الصفار) كما يسمى في البحرين وبعض مناطق الخليج العربي، (مبيض النحاس) كما يسمى في مصر والشام، (القزادري) كما يسمى في الجزائر وتونس من الحرف التقليدية التي توشك أن تندثر بحكم قلة الإقبال عليها وتناقص القائمين عليها. وهي تتعلق أساسا بمعالجة أواني النحاس بإزالة ما علق بها من آثار الاستعمال أو الإهمال وذلك بتبييضها احتفاء بقدوم شهر رمضان الكريم الذي تستعد له العائلات بتهيئة أوانيها وأدوات طبخها حتى تكون جاهزة للاستخدام في الشهر الفضيل. ولقد كانت البيوت إلى أمد قريب تعد أطعمة الإفطار في القدور النحاسية التي قد لا يلتفت إليها خلال بقية شهور السنة. فإذا اقترب شهر رمضان ظهرت قيمتها ولاحت الحاجة إليها. وذلك يحوج ربة البيت إلى أن تجدها على حالها الأفضل حال لا يحققها إلا هذا الحرفي.. فكان الصفار في البحرين يتجول مناديا فتخرج إليه الأواني فيقوم بتبييضها مستعملا بعض الأجهزة التي تستخدم في طرق النحاس وتنظيفه وتبييضه.أما في المغرب العربي فالناس هم الذين يتوجهون إلى محلات (الصفارين) أو (القزادرية) الذين يجدون صعوبة في تلبية طلبات الناس في فترة الاستعداد لشهر الصيام فيضطر صاحب المحل إلى العمل الساعات الطوال وربما إلى المبيت داخل الدكان حتى يمكنه أن يلبي كل الرغبات التي تقدم إليه. تتحول أواني النحاس إلى لون يشبه الفضة المصقولة يزيدها الصفار لمعانا باستخدام مادة الجير ومن دلالات ذلك الحفاوة بشهر رمضان. إذ يكاد االتصفيرب يرتبط به وكأن التصفير يدخل على الأواني الرمضانية جدة ونقاوة ونفاسة هي في نفوس الناس جديرة بهذا الشهر الذي يجلونه أيما إجلال وكأنه مظهر من مظاهر إكرامهم له حيث يكرمون أنفسهم فيه.
أما اليوم فقد تغيرت الحياة وأصبح من النادر أن نجد من يهيئ أواني النحاس لشهر رمضان إلا ما كان من تجهيز صواني الكنافة والقطائف والبسبوسة وغيرها من الحلويات التي يزيد الإقبال عليها في الشهر الفضيل.طال التغيير كل شيء ولكن بعض العادات الجميلة ك(تصفير) النحاس أو (تقزديره) كما يقال في الجزائر وتونس مازال ثابتا يأبى الزوال خرج من المطبخ أو كاد فدخل من باب الحلويات التقليدية التي تتنافس المساحات الكبرى العصرية في عرضها في أواني نحاسية يتم تصفيرها في بداية الشهر الكريم.
فإذا كانت مهنة الصفارة ترتبط بالشهر الفضيل فلا يعني ذلك أن يظل الصفار عاطلا طيلة شهور السنة، فأغلب الصفارين هم في الأساس يعملون في مهنة االتناكهب، وهي مهنة التعامل في تشكيل المعادن وبالذات منها معدن القصدير الذي يسمى محليا (تــَـنـَـك) وتصنع منه مختلف أواني الاستخدام اليومي العملية البسيطة، الكبير منها كأواني الحلوى العمانية والبحرينية وصواني أكل الرز في المناسبات الكبيرة وغيرها، والصغير كالأباريق والدوارق والأسطل إلى جانب كل ما يطلبه الزبائن لتشكيل أو تزيين أية أداة من الأدوات المصنوعة من مواد مختلفة أخرى كالأداة البرتقالية اللون التي بيد التناك والأخرى المطروحة أمامه في صورة الغلاف، فهي الإناء الفخاري الذي يجمر به تبغ الأرجيلة المسماة شعبيا بـ (الـقـدو) فالصانع في هذه الصورة يعمل على تصنيع حاشية لحواف ذلك الإناء لتساعد في ثبات الجمر وإبقائه في الحيز الداخلي دون أن تتناثر لأي عارض.
ومما يؤسف له أن يضمحل دور مثل هذه المهن وأن يتلاشى أغلبها، والكثير من الأسواق والورش المشار إليها في أنحاء الخليج العربي وربما في أغلب بلدان الوطن العربي قد اختفت إن لم تكن في طريق الزوال.