فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
62

العادات والتقاليد في بيروت

العدد 27 - عادات وتقاليد
العادات والتقاليد في بيروت
كاتبة من لبنان

تغيّرت العادات والتّقاليد التي درج عليها الآباء والأجداد في العاصمة اللُّبنانيّة “بيروت”، وتحوّرت مع جيل اليوم، كما حدث لكثيرٍ من المناطق في الوطن العربيّ، بفعل العولمة وانتشار التّلفاز والمعِدّات الإلكترونيّة الحديثة من جوّالٍ وإنترنت وما شابه.
وساعد على هذا الأمر الواقع المُعاش الضّاغط على الشّباب والأُسَرِ بشكلٍ عامّ، وسفر كثيرٍ من الشّباب والعائلات إلى الخارج بحثاً عن لقمة العيش، ممّا أدّى إلى انحسارٍ في العادات والتّقاليد الموروثة.

ولعلّ هذا البحث الصّغير يُلقي بعض الضّوء على العادات والتّقاليد التي درج عليها أهل “بيروت” في الأمور التّالية:
1 - الزّواج.
2 - الولادة والمولود، وحفلة الخِتان “طُهورُ الذَّكَر”.
3 - النَّجاح في الشَّهادة الابتدائيَّة، وخَتمة القرآن الكريم.
4 - مأكولاتٌ وحلويّاتٌ بيروتيَّة.
5 - اسْتِبانَةُ هِلالِ رمضان، والأعياد.
6 - وداع الحاجِّ واستِقبالِه.
7 - الأتراح.
وفيما يلي بعض الشّرح عن هذه العادات والتّقاليد على النّحو التّالي:

1 - الزّواج:
أ - أفراح الزّواج:
كانت أفراح الزّواج في بيروت، تتمّ على مراحل ثلاث: الخِطبة، ثمّ عَقْدُ القِران “كَتْبُ الكِتاب”، ثمّ العُرس “الزِّفاف”.
وكان من عادات أهل “بيروت” أن لا يرى الخاطِب خطيبته إلاّ بعد “عَقْدِ القِران” أو “ليلة الزِّفاف”.
وكانت حفلتا “الخِطبة”(1) و“العُرس” تُقامان للنِّساء فيما يُقام حفل “عَقد القِران” للرِّجال، وربَّما سمع بعض النِّسوة المُقَرَّبين ما كان يُقال عند الرِّجال من غرفةٍ مجاوِرة.
ويقوم الأهل عادةً بمَهمَّة البحث عن العروس المطلوبة، وغالباً ما كانت هذه مَهمَّة النِّساء. وبعد الاتّفاق على الخِطبة يذهب الرِّجال إلى بيت العروس لقراءة الفاتحة على نيَّة التّوفيق، ويلي ذلك ذهاب النِّساء إليه، ويُسمّى ذهابهنَّ هذا “طْليبْةِ(2) النِّساء”.
ب - حفلتا “الخِطبة” و“العُرس”:
تحضُر النِّساء فقط “حفلة الخِطبة”، وكذلك “حفلة العُرس”، فيَلْبِسْنَ أحسنَ ما عندهنّ.
ومن طريف هذه الحفلات، أنَّ زوجة الرَّجل “السَّبع”، الذي يُحِبُّ الظُّهورَ والمُباهاة، كان يشتري لزوجته يوم الفرح “عِرْقَ زَنْبَق”، أو وردةً نادرة، لكي تَشْكُلَها على رأسها، فيقال: “كانِتْ طارْقَة التِّشْكيلَة مِنْ أوَّلْ راسْها لآخْرو، زَنْبَقْ عَالحِلّ، أو: وَرْدَة مْنِ العازارِيَّة ما إلْها مَتيل”(3). وهذا من علامات الدَّلال، حيث كانت الزُّهورُ غاليةً جدّاً، فـ “عِرْقُ الزَّنْبَقِ” مثلاً كان ثمنه في الشِّتاء نصف ليرةٍ ذهباً أو أكثر(4).
وترقص الصَّبايا في هذه الحفلات على أنغام آلة “العود” التي يعزف عليها رجلٌ أعمى، وأهمُّ المعزوفات كانت آنذاك “رَقْصُ الهَوانِم” أو “عالدَّقَّة ونُصّ” و“جابْلي(5) وجابْلي، ويا ماما جابْلي” و“عَلْيادي اليادي”(6).
وتقام حفلتا “الفرح” عادةً في المنازل التي تضمُّ “الدّار” و“اللّيوان”(7)، وهذا الأخير كان مخصَّصاً لأهل العريس، وهو المكان الأكثرُ قَدْراً وقيمَةً في المنزل(8).
وتوضع في صدر “اللّيوان” أريكةٌ عاليةٌ قليلاً، بمقدار درجةٍ أو درجَتَين، مخصَّصةٌ للعروس، وهذه الأريكة عبارةٌ عن مِقعدٍ مُغطّىً بالمُخمل المُطَرَّز، ويُزَيَّنُ الحائط خلف المِقعد بقِطع “الصَّرما”(9) اللَّمّاعة وبعض الزُّهور والأغصان الجميلة.

وفي “حفلة الخِطبة”، وبعد دخول أهل الخاطِب وجلوسهم برهة، تقوم أمُّ المخطوبة وتدعو أمَّ الخاطِب لجلب المخطوبة، ثمّ تدخلان غرفة النّوم حيث تكون المخطوبة منتظِرَةً مع الماشطة، فتُقَبِّلُها أمُّ العريس وتُمسكها بيدها وتُخرجها إلى الدّار طالِبَةً ممَّن تُحِبُّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلَّم أن تُصَلّيَ عليه وتُسمِعَ الحاضِرين “زَلْغوطَة”(10)، وعندها تقوم النِّسوة بإطلاق “الزَّلاغيط”(11).
وبعد الرَّقص توضع مائدةٌ تضمُّ عدداً من أصناف الحلوى وعدداً من أصناف الفاكهة الكريمة(12)، ويطلب من الضَّيفات التَّقدُّم إلى المائدة لتناول ما يُرِدْنَ منها.  
وأثناء الحفل يقدِّم أهل الخاطِب الذَّهَبَ(13)، ويُسَمّى “العَلامة”، للمخطوبة، وقبل أن تَلبس المخطوبة الذَّهَبَ المُقَدَّمَ إليها يتمُّ تنسيقه على صينيَّةٍ مُزَيَّنَةٍ ويتمُّ تمريرُها على الحاضِرات لرُؤْيَتها.
وفي نهاية السَّهرة تنصرف المدعوّات إلى بيوتهنَّ بواسطة عرباتٍ خاصَّةٍ أو مستأجَرة، ومنهنَّ سيراً على الأقدام(14).

وبعد الخِطبة بفترةٍ يرسل أهل الخاطِب إلى أهل المخطوبة طالِبين تحديد موعد “كَتْبِ الكِتاب” كي يستطيع الخاطِب الذَّهاب بعده لرؤية عروسه، وبعد “كَتْبِ الكِتاب” يذهب العريس بصحبة أبَوَيْه ليرى عروسَه أوَّل مرَّةٍ، وتسمى هذه الزِّيارة: “التَّكْشيفَة”، فيتعرَّف الزَّوجان على بعضِهما البعض، وتتعرَّف العروس على عمِّها والد زوجِها، ولا يستطيع العريس الانفراد بعروسه إلاّ “يوم الزِّفاف”.

ج - عَقْدُ القِران “كَتْبُ الكِتاب”:
كانت العادة في “عقد القِران” أن يتوجَّه صاحب الدَّعوة بنفسه لدعوة الأقارب والأصحاب، ليعبِّر عن مدى احترامه وتقديره للمدعُوّين ومدى التزامه بالأصول(15).
وبعد اجتماع المدعُوّين يجتمع الرِّجال على حِدَةٍ والنِّساء على حِدَة. ويبدأ الحفل عادةً بتلاوة آيٍ من “القرآن الكريم” وقراءة “المولد النَّبويِّ الشّريف”. ويجتمع المدعوّون في مكانٍ متَّسِعٍ في الدّار، مفروشٍ  بالمفروشات الجميلة المُهَيَّأةِ لهذه الغاية، وفي الغالب هو“اللّيوان”.
ويُنصب للشّيخ الذي يقرأ “المولد النَّبويِّ الشّريف” كرسيٌّ مُسَجّىً بالحرير والدّيباج أو الكشمير. وحين يبدأ القراءة يرفع المدعوّون “النّراجيل” ويتركون شُرب الدُّخان احتراماً. وبعد قراءة “القرآن الكريم” و“المولد النَّبويِّ الشّريف” تُنشد الأشعار والموشَّحات النَّبويَّة على الطّريقة القديمة التي كانت مُتَّبَعَةً في “مصر” منذ زمن بعيد. وبعد انتهاء قراءة “المولد النَّبويِّ الشّريف” و“عقد القِران” تُوَزَّعُ على المدعُوّين قراطيس “المُلَبَّس” وأكواب “الشَّرْبات”(16).
والعادة المتَّبَعة في “عقد القِران” أن يحضُر وَلِيُّ الزَّوج ووَلِيُّ الزَّوجة، أو كِلَيْهِما(17)، بين يَدَي القاضي أو المفتي، ليعقِد قِرانَهما، ثمّ بعد الانتهاء من هذه المراسِم تُقرأ “الفاتحة” على نِيَّةِ التّوفيق والصّلاح(18).
ولم يكن باستطاعة الخاطِب في “بيروت” الخروج مع خطيبته أو الانفراد بها مطلقاً ولو بعد أن يُصبحا زوجين بعد “كَتْبِ الكِتاب”، الذي يليه الإعلان عن موعد الزّواج، ومن العادات المتَّبَعة آنذاك أن تمتدَّ حفلة “الزِّفاف” سبعة أيّامٍ متتالية، على أن يكون احتفال الرِّجال على حِدَةٍ والنِّساء على حِدَة(19).

د - جهاز العروس “ثيابُها وحاجيّاتُها”:
كانت العروس تقطن عادةً مع أهل زوجها، وتُخصَّص لها غرفةٌ في البيت الكبير. وكان أثاث الغرفة يُصَنَّعُ عند نجّارٍ حاذِق، ويدفع أهل العريس ثمن هذا الأثاث.
أما أهل العروس، فكان همُّهُمُ الأوَّل شراء الصّوف اللاّزم للفِراش واللُّحُف(20) والمِخَدّات ويقومون بتنجيده. وبعد الصّوف، يأتي شراء الكِتّان والأكياس اللاّزمة للُّحُف والفراش وما شابه، وذلك من أقمشة “الأطلس” و“الدّولس” و“السّاتينيه”(21). كما يتمُّ تطريز “شَراشِفِ التُّخوت”(22) عند خيّاطةٍ ماهرةٍ متخصِّصةٍ في هذه الصِّناعة.

هـ - فَرْدُ الجهاز(23) “الصَّمَد”:
كانت العادة في تلك الأيّام، أن تقوم أمُّ العروس بعَرْضٍ تفصيليٍّ لجهاز ثياب العروس أمام النّاس قبل نقلِه إلى منزل الزَّوجيَّة، وذلك كي يرى أهل العروس أنّ جهازها كامل.
وكان على أمُّ العروس أيضاً أن تُعِدَّ طعاماً للسَّيِّدات القريبات منها، اللَّواتي يأتينَ  لمساعدَتِها في ترتيب الجهاز للعَرض قبل نقلِه إلى بيت العريس(24).
ويُعرض الجهاز في البيت في “الدّار”، فيَتِمُّ عرضُ “الفساتين” الجميلة من حريرٍ وصوفٍ وجوخٍ وكِتّان، و“فساتين السَّهرة” و“الكَبابيت”(25) و“شَلْحات”(26) الصّباح المُطَرَّزَةِ الحَريرِيَّة، و“طْقومِةِ(27) الكِتّان” “والفْوال”(28) من الملابس الدّاخليَّة(29).
كما تُعرض “البُقَجُ”(30) وما شاكلها من مناشف للحمّام مطرَّزَة، مع “المَيْزَرِ”(31) و“الجُنْطاسِ”(32) و“القُبْقابِ المُفَصْفَصِ”(33) من صناعة “الشّام”(34) و“الصّابون المُطَيَّب”، و“كيس التَّفريك”(35) و“اللّيف”(36)، و“علبة الخِياطة”(37) المبطَّنة بـ “الحرير المُضَرَّب(38)”(39).
وكذلك يُعرض الفراش واللُّحُف والمِخَدّات والتَّكّايات(40)، وأكياس الفراش من قماش “الدّيما” الحريريّ. وتُصنع أكياس اللُّحُف عادةً من قماش “الأطلس” المصنوع من الحرير الطَّبيعيِّ النَّفيس، فيما تُصنع أكياس التَّكّايات والمِخَدّات من قماش “السّاتان” المُلَوَّن. ويُعرض أيضاً “السَّبَتُ الإفْرَنْجِيُّ”(41) الكبير المخصَّص للأحذية و“المشّايات(42)”(43).
و - نقل الجهاز:
ينقل جهاز العروس من بيت أبيها إلى بيت الزَّوجية في صناديق مخصَّصة لهذه الغاية، ويُوضَّب الفراش واللُّحُف والمِخَدّات بشكل طُرودٍ مغلَّفةٍ بشراشف الكِتّان والحرير الدّيما، وتُقال في المناسبة زلغوطة:
أويها ... أرْبَعْ بُقَجْ بَقَّجْتِلِّكْ(44)
       أويها ... والخامْسَة بالصَّنْـدوقْ
أويها... الله يْخَلّي أبوكـي                       أويها ... يَلّي ما عّوَّزِكْ لَمَخْلوق(45)
وعند فَرْدِ الجهاز ببيت العريس لتعليقه بالخزائن، تتحلَّق النِّساء من أهل العريس لاستعراض الجهاز، ويشرَبن الشّراب ويأكُلن الحلوى حسب العادة(46).
ز - حمّام العرس وفوطة(47) العروس:
كانت أبنية الحمّامات العامّة عبارةً عن دارٍ فسيحةٍ حولها غرفٌ اسمها “الخَلوات”.
ومن عادات عائلات بيروت القدامى أنَّه في اليوم الذي كانت تذهب فيه العروس إلى الحمّام للتَّزَيُّنِ والاستحمام مع قريباتها قبل “الزِّفاف”، كان العريس يبعث لعروسه بـ “فوطة العروس” ويكون فيها حلوى وفاكهة ونقولات، فإذا كان العريس بخيلاً لم يبعث بشيءٍ في الفوطة، وإذا كان كريماً بعث فيها المزيد من الفاكهة وأنواع الحلوى.
وأحياناً كانت تلك “الفوطة” أو “الصُّرَّة” تُفسِد العُرس، إذ تكتشف العروس أن عريسها بخيل(48).
ح - حفلة العرس:
تقام “حفلة العرس” عادةً في بيت العروس، كـ “حفلة الخِطبة”، أي للنِّساء فقط، ويرقُصن أمام العروس وتُقدَّم لهنَّ الضِّيافة.
ويجري توزيع الشُّموع على الأولاد، والدَّقِّ على الطَّبل والمِزمار والعود. ويخرج العريس من منزله مصحوباً بالأهل والجيران، ووُجهَتُهم منزل والد العروس لاصطحابها إلى المنزل الزَّوجيّ. وأثناء عبوره الطّريق تُطِلُّ النِّسوة والبنات من الشّبابيك يُزغرِدن ويُنشِدن زغاريدَ ملائمةً للمناسبة، كما يدعو له العلماء والشُّيوخ بالسّعادة والتّوفيق(49).
ويدخل العريس مع محارِم العروس مخترقاً صفوف النِّساء، بعد أن يُخْبَرن بقدوم العريس ليتسَتَّرن بالأغطية، ويتقدَّم ويكشف غطاء “التّول” الأبيض الذي أُسْدِلَ على وجه عروسه لدى دخول الرِّجال. ويُمسك بعد ذلك بيدها ويُنزلها عن عرشها لتُسَلِّمَ على أبيه وعلى الأقارب من المحارِم لاصطحابها إلى بيت الزَّوجيَّة(50).
وتتهيَّأ العروس للخروج من بيت أبيها، وما أن تَخرج من البيت حتى تلتفت إلى الحاضِرات وتشهق بالبكاء لوداع مرحلةٍ من حياتها قضَتها في بيت أبوَيْها، وعندئذٍ يتمُّ تطييب خاطِرِها وتخرج إلى بيت الزَّوجيَّة.   
ط - كعك الصَّباحيَّة:
كانت العادة في “بيروت” بعد انقضاء “ليلة العرس”، أن يقدِّم والد العريس إلى أهل العروس وأقاربها المُقرَّبين “كعك الصَّباحيَّة”، وهو عبارةٌ عن حلوى(51) مع الكعك، وأن يجلب إلى بيته كذلك حلوى لتقديمها إلى المهنِّئين.

2 - الولادة والمولود، وحفلة الخِتان “طُهورُ الذَّكَر”:
كانت عمليّة الولادة تتمُّ بشكلٍ عامٍّ في المنازل، وكانت تشرف عليها القابِلَةُ التّقليديّة “الدّايَة” التي تخصَّصت على يد أُمِّها في هذه المهنة أو على يد دايةٍ أخرى، ويقابِلها اليوم “القابِلَةُ القانونيّة”.
وحتى عهدٍ قريب، إذا كان المولود ذكراً تعمُّ الزّغاريد المنزل، وتُطلق عياراتٌ ناريَّةٌ أحياناً، وإذا كان المولود أنثى يُخيِّم الوجوم على البيت.
وتتمُّ الولادة اليوم في المستشفى أو في عيادة “القابلة القانونيّة” في الأحياء الفقيرة.
وكانت الحامل حينما تشعر بالمخاض تكون أمُّها وحماتُها أوَّل المسارعين إليها، وتُستدعى قريباتها والدّاية، التي تُحضِر معها كرسيّاً خاصّاً بالتّوليد له ظَهْرٌ وعن جانبَيْه مِسندان، وهو مُفَرَّغٌ من وسطه لتلقّي المولود.
 ومن العادات عند تعسُّر الولادة أن يُلجأ إلى الله وبالدعاء والنُّذور للأنبياء والأولياء. وتُلبس المرأة طربوش زوجها. ويُطلب إلى الزّوج أن يقف خلف ظهرِها لعلّ وجوده يشجِّعها ويفيدُها. وحضور الزّوج ولادة زوجته طريقةٌ معتمدةٌ حاليّاً في بعض المستشفيات المُهمّة، وذلك لتخفيف آلام الزّوجة(52).
ومن بعض العادات المعروفة عقِب الولادة أن تلبس الأمُّ ومولودها، حتى تمام الأربعين يوماً بخير، أحجِبةً ضدّ العين الحاسدة، أو تُتلى آياتٌ محددَّة من القرآن الكريم أثناء مشاهدة المولود واستعمال عبارات مثل: “بسم الله”، “يِخزي العين”، “اللَّهُمَّ صلِّ على النَّبيّ”، وإلاّ فإنّ الصَّبيَّ والأمَّ سوف تصيبُهما “كبسةٌ” تستلزم الرُّقية. وعند الإحساس بأنّ الطّفل أُصيب بالعين، عبر البكاء المستمرِّ أو ارتفاع حرارةٍ مفاجىءٍ أو التَّقيُّؤ، فإن لم يجد الأهل من يَرقي الطّفل، يُسارعون إلى تبخير الطّفل عبر تجمير فحمٍ لحرق بعض حبات “الحَرمل”، وهو نوعٌ من البَخور، ثمّ يرفعون الطّفل ويمرِّرونه فوق دُخانها، وكلَّما انفجرَت حبَّةٌ قيل: “إنَّ عين الحاسِدِ قد انفجرَت”.
والمرأة “النُّفَساء” لا تقوم بأيِّ عملٍ في البيت قبل تمام الأربعين يوماً، ويُفترض بوالدتها، أو شقيقتها أو امرأةٍ من عائلتها، أن تقف إلى جانبها طيلة هذه المدَّة لأداء بعض الواجبات المنزليّة عنها.
أ - سُفْرَةُ الخَلاص:
من عادات أهل “بيروت” عند ولادة المرأة أن يقيموا وليمةً تُسمّى “سُفْرَةَ الخَلاص”، حَمداً لله الرّحيم الكريم على قيام الأمِّ ووليدِها بالسّلامة، ويجتمع على هذه السُّفْرَةِ عادةً النِّسوة المقرَّبات اللّواتي حضَرن الولادة، كأمِّ العريس وأخَواته، وأمِّ العروس وأخَواتها، وكبار العائلة.
 وكانت “سُفْرَةَ الخَلاص” تضمّ أصناف الحلوى والأرُزَّ بالحليب، وأصنافا من الفاكهة، وأصنافا متعدِّدةٍ من الأجبان والكعك، وتُنْصَبُ “النّراجيل”، وتُطلَقُ الزَّغاريد إذا كان المولود ذكراً، وتُنشد الأناشيد، ومن ذلك:
أويها .. خُلْصِتْ وقامِتْ
            أويها .. وعَ فْراشِ الهَنا نامِتْ
أويها.. والحَمْدُ للهِ يا رَبّي             أويها .. ما تْشَمِّتْ فيها شامِتْ(53)
وفي نهاية “السُّفرة”، كانت النّساء الحاضِرات يسألن الله أن تُكمل الأم أيّام النِّفاس الأربعين بخير.
وظلّت “سفرة الخلاص” تُقام إلى عام 1975م. عندما اشتعلت الحرب الأهليّة اللّبنانيّة، حيث توقّفت إقامتُها، كما عاداتٍ وتقاليدَ أخرى كانت موجودة، وألغيت بسبب ظروف الحرب.

ب - الخِتان “طُهورُ الذّكَر”:
كان خِتان المواليد الذُّكور في بيروت يتمُّ بشكلٍ إفراديّ، وفي بعض الأحيان كان يتمُّ خِتان المواليد الذُّكور في العام كِّله خلال شهر رمضان. وكانت تقام عند خِتان المولود حفلةٌ تُسمّى “عرس الطُّهور” حيث تعمُّ الفرحة الدّار عندما يأتي “المُطَهِّر”، ثمَّ يُلبس المولود بعد انتهاء خِتانِه ثياباً لمّاعةً من القماش “السّاتان الأطلس” باللّون الأزرق، ويحمله الأب على يديه ليمرِّرَه فوق مَجمرةٍ من البَخور فيما فرقة إنشادٍ نبويٍّ تقوم أمام الدّار بقراءة “المولد النَّبويِّ الشّريف” مع بعض المُوَشَّحات والأناشيد، وفي نهاية الحفل تُوزَّع على الحاضرين لفائف من القماش فيها بعض المُلَبَّس(54) والحلوى.
وقد غابت هذه الاحتفالات بصورةٍ واضحةٍ بعد منتصف القرن العشرين الميلاديّ، وإن عادت عند البعض، بفعل تكاليف المعيشة التي أثَّرت على أنماط التَّصرُّف الاجتماعي من جهة، وضيق مساحة البيوت من جهة أخرى، حيث أنّ هذه الحفلات كانت تقام في حدائق المنازل وتُصَفُّ فيها كراسٍ للمَدعُوّين ويُفرَد فيها مكانٌ لفرقة الإنشاد(55).
ج - العقيقة:
درج المسلمون في “بيروت” على عادة ذبح خروفٍ أو أكثر عند حلق شعر رأس المولود، وتُسمّى الذّبيحة: “العقيقة”.
وقد غابت هذه العادة عن أذهان النّاس كسُنَّةٍ نبويَّةٍ للقادرين عليها، بسبب توالي الحروب على المنطقة من جهة، وقلَّة الوعي الدّينيّ من جهةٍ أخرى، وقد عادت هذه السُّنَّة إلى الانتشار في العَقدين الأخيرين، بسبب عودة بعض الوعي الدّينيّ للنّاس بفضل الله سبحانه وتعالى.
د - السّْنَيْنِيَّة(56) “القَمْحِيَّة”:
كان أهل “بيروت”، عند ظهور أوَّل سِنٍّ في فم الطّفل، يقومون بتوزيع طعام “السّْنَيْنِيَّة” أو “القَمْحِيَّة”، على الأقارب والمعارف، فرحاً واحتفالاً بهذا الظُّهور، ولا تزال هذه العادة موجودةً عند بعض أهل “بيروت” حتى الآن. وطعام “السّْنَيْنِيَّة” مؤلَّفٌ من القمح المسلوق السّاخن المُحلّى بالسُّكَّر وماء الزَّهر، والمُزَيَّنِ بالجَوز واللَّوز والصَّنوبر.
ويقوم الأهل يومذاك باللَّعب مع الطّفل، وترداد بعض الأناشيد له، مثل:
    طُلْعِتْ سِنّو     فِرْحِتْ إمّو
    زِعِلْ بَيّو         عَ الخُبْزات
 
3 - النّجاح في الشّهادة الابتدائيّة، وخَتمة القرآن الكريم:
كان فرح الأهل في العائلات البيروتية بتعليم أبنائهم في زمن قل فيه التعليم، يتم عبر:
أ- النجاح في الشهادة الابتدائية:
كان نجاح الولد في الشّهادة الابتدائيّة يمثِّل فرحةً كبيرةً لدى الأهل، وكان نَيل هذه الشّهادة في تلك الأيّام بمثابة نَيل الشّهادة الكبيرة في هذه الأيّام، وكانت الأعيرة النّاريّة تُطلق في  بعض الأحيان احتفالاً بهذه المناسبة.
وكان الأطفال يدخلون إلى المدرسة بسِنِّ سِتِّ أو سبع سنوات، وعند إنهائهم المرحلة الابتدائيّة يكونون قد بَلَغوا أو شارفوا على بلوغ سِنِّ الزّواج(57).
ب - خَتم القرآن الكريم:
كان احتفال “خَتم القرآن الكريم” يُعَدُّ من الاحتفالات الرّئيسة في بيروت، لا سيّما خَتم سورتَي “البقرة”  و“آلِ عِمران”.
وقد شهدت المدارس الإسلاميّة، لا سيما مدارس “جمعيّة المقاصد الخيريّة الإسلاميّة في بيروت” و”الكلِّيَّة الإسلاميَّة الأزهريَّة” وسواهما، احتفالاتٍ عديدةً بمناسبة خَتم طلاّبها للقرآن الكريم. وكانت المدارس تحرص على إعطاء شهادةٍ وهديَّةٍ بهذه المناسبة الكريمة. وما تزال توجد جوائزُ عديدةٌ لـ “ختم القرآن الكريم” تحمل أسماء شخصيّاتٍ بيروتيَّةٍ بارزة.

4 - مأكولاتٌ وحلويّات بيروتيَّة قلَّ طهوها:
من الأطعمة القديمة التي قلَّ طهوها اليوم: مسبحة الدّرويش، شيخ المَحشيّ، مقلوبة الباذنجان، الأرِنْبِيَّة، يخنة السّمك، قلقاس بطحينة، الشّكشوكة، اللَّحمة المكبوسة، المُجَدَّرَة، اللَّبْنِيَّة الكذّابة، مغمور الباذنجان، الكِبَّة المَشوِيَّة، الشِّشْبَرَك باللَّبن، فَتَّةُ الحُمُّص بالزَّيت أو اللَّبن، نقوعٌ بالرُّزّ، كفتة بالطَّحينة.
ومن المشارِب: ثلج رمضان، الدِّبس الرّائِب، العُرْقُسوس، الجَلاّب، التَّمْرُ الهِنْدِيّ(58).
ومن الحلويات الخَبيصَة، العَصيدَة، الحَريرَة، السَّحلب، خبزٌ بالسُّكر، خبزٌ “بالسَّمن الحَمَوِيّ”(59).

5 - اسْتِبانَةُ هلال رمضان(60)، والأعياد:
أ- اسْتِبانَةُ هلال رمضان:
درج أهل “بيروت” على تحوير لفظ “اسْتِبانَة رمضان” إلى “سيبانَة رمضان”، وفي هذه المناسبة كان البيارتة ينتشرون على شواطئ “بيروت” في 29 شعبان بهدف اسْتِبانَة هلال شهر رمضان المبارك. وكانوا يأخذون معهم إلى شواطئ الأوزاعي والرَّملة البيضاء والرَّوشة والمنارة بعض الأطعمة، لأنهم كانوا يقضون ساعاتٍ طويلةٍ قبل المغيب انتظاراً واحتفاءً بالاسْتِبانَة وبمَقْدَمِ رمضان المبارك. وإذا تبيَّن لبعض المسلمين المعروفين بالصِّدق ظهور هلال رمضان، كانوا يتوجَّهون إلى “المحكمة الشَّرعيَّة” للإدلاء بشهاداتهم الشَّرعيَّة، ومتى تأكَّد للمفتي والحاكم الشَّرعيِّ وقضاة الشَّرع أنَّ هؤلاء النّاس موضعُ ثِقة، يتداول الجميع بهذه الاسْتِبانَة ويتمُّ الإعلان عن بدء الصَّوم(61).
ب- المُسَحِّر:
كان “المُسَحَّراتيُّ” ظاهرةً رمضانيَّةً أساسيّة، وفي الغالب يكون من أبناء الحيّ، فيبدأ قبل الفجر بإيقاظ الصّائمين حتى يتناولوا سُحورَهم قبل الإمساك. وكان يضرب بواسطة عصا على طبلةٍ خاصّة، وكان يلبس الجِلباب المعتاد أو القُنباز والطّربوش(62).
وكان ينقُر على الطّبلة ثلاث نقْرات، يوقِعُها ويرسل بعدها نداءه لإيقاظ النّائمين: “عباد الله، وَحِّدوا الله”، “يا نايِمْ، وَحِّدِ الدّايِم”. وكلَّما وصل بيتاً نادى صاحبه باسمه، ودعاه لتوحيد الله.
وبين الحين والآخَر، يقف ليُنشد، بلَحْنٍ شَجِيّ، ابتِهالاً دينيّاً يُسَبِّحُ فيه الله، ويُمَجِّدُ آياتِه، أو يترَنَّمُ بمَديحٍ نَبَوِّيٍّ يُعَدِّدُ فيه مَحاسِنَ الرَّسول صلّى الله عليه وسلَّم ومآثِرَه. ومن ذلك:
1 - المسكُ من خير الأنام يفوح، والنّور من وجه الحبيب يلوح، والأرض تشهد والسّماء، بأنَّه، ما مِثْلُهُ في العالمين مليح.
2 - يا نائم اللَّيل كم ذا تنام، قُم واذْكُرِ الحيَّ الذي لا ينام، مولاك يدعوك لرحمته، وأنت مشغولٌ في طِيب المنام.
3 - يا نايِِمْ وَحِّدِ الدّايِم، عبادَ اللهِ وَحِّدوا الله.
4 - قوموا على سْحورْكُم، جايي النَّبي يْزورْكُم(63).
أمّا اليوم، ونظراً لكثرة النّاس في “بيروت”، ولانتشار سكن بعضِهم خارجها، واعتماد الكثير من الصّائمين على ساعاتهم، فإنَّ منظرَ المُسَحِّرِ قد اختلَف. فالمسحِّر اليوم يجوب الشَّوارع والأحياء على الدَّرّاجة النّاريَّة، وتطوَّر الأمر مؤخَّراً ليجوبَها في سيّارةٍ وبيده طبلةٌ ينقُر عليها ثلاث نقْراتٍ ويوقظ النّائمين بواسطة “الميكروفون”، بقوله: “يا نايِمْ، وَحِّدِ الدّايِم” مرَّةً واحِدَةً فقط ثمَّ ينطلق إلى شارعٍ أو حيٍّ آخَر.
ج- احتفالات في شهر رمضان:
درج أهل “بيروت” على إقامة احتفالاتٍ دينيَّةٍ مميَّزةٍ في شهر رمضان المبارك في مساجد المدينة كالاحتفال بذكرى “غزوة بدرٍ الكبرى” في 17 رمضان، والاحتفال بذكرى “فتح مكَّة المكرَّمة” في 21 رمضان، والاحتفال بذكرى “ليلة القَدْر” في ليلة 27 رمضان(64).
 د - التَّوحيش:
كان من عادة أهل “بيروت” أن يبدؤوا بممارسة “التَّوحيش” في العشر الأواخِر من شهر رمضان المبارك، تعبيراً عن تمسُّكِهم بهذا الشَّهر الكريم، وعن حزنهم بسبب قرب انتهائه. فيُكثِرون من التَّواجد في المساجد للصَّلاة والابتهال إلى الله تعالى، وسماع أناشيد الفرق الدّينيَّة(65).
هـ- يوم “الوَقْفَة”(66):
كانت مدينة “بيروت” ترتدي في يوم “الوَقْفَة” حُلَّةً جديدةً حيث “تتجَمَّل الشّوارع وتتزَيَّن، وتتلألأ الأسواق بالأنوار، وتتألَّق بالبيارق والأشرطة التَّزيينيَّة الملوَّنة. أما بيوت “القَبَضايات” فكانت تزيِّن شرفاتِها بالسَّجاد العجميّ، وتتصدَّر واجهاتِها صور “القَبَضاي” بثيابه العربيّة، وطربوشِه المائِل، وشارِبَيْه المعقوفَيْن، ونظرَتِه الجامدة، وسُحنَتِه الصّارمة الموحِيَة بالهيبة والوقار”(67).
أمّا اليوم، فإنَّ الزّينة تتلألأ في “بيروت” مع بداية شهر رمضان المبارك، ويكتب في أسفل الزّينة المضاءة بالكهرباء اسم الجهة التي وضعَتها، وجُلُّ هذه الزّينة لجهاتٍ تطلب الدَّعم من المُحسنين المُسلمين لتتمكَّن من الصَّرف على جهات الخير.
و- مأكولات رمضان:
ما يميِّز شهر رمضان عند أهل “بيروت” هو تَفَنُّنُ النِّساء في تحضير المأكولات المنوَّعة والحلويّات، وخاصَّةً “الكِلاّج”. كما تُحضِّر النِّساء حلوى منزليَّةً يُسمّينَها “حلوى رمضان”، وتُبالِغْن في تطييبِها وتُوَزِّعْنَ قسماً منها على الأهل والأصدقاء(68).
فرح العيد:
كان فرح العيد يظهر في كلِّ شيء، في المأكل والملبس، وحتى في رُكوب الحمير والبِغال عند اليافِعين، والزيارات لتبادل التَّهاني، وتقديم العيديَّة للأولاد(69).
أ- الاستعداد لعيد الفطر:
يبدأ الاستعداد لعيد الفطر السَّعيد قبل أسبوعٍ من انتهاء شهر رمضان المبارك، حيث يصطحب الأب أولاده معه إلى باطن بيروت  لشراء الألبسة والأحذية الجديدة من أسواق “البلد” المتعدّدة. كما تشتري المرأة لِبَناتها الاحتياجات اللاّزمة للعيد، من سوق الأساكِفَة(70)، وسوق البازِرْكان، وسوق بوابة يعقوب، وسوق السّاحة، وسوق سرسق، وسوق الأرمن، وسوق الطّويلة، وسوق أيّاس، وغيرِها(71).
وفي حال قرّرت العائلة تفصيل ثيابٍ جديدةٍ بدل شرائِها جاهزة، فقد يبدأ الاستعداد للعيد من أوائل شهر رمضان كي تتمكّن خيّاطة ثياب النِّساء والفتيات، وكذلك خيّاط ثياب الرِّجال والأولاد، من إتمام عملهما ضمن وقتٍ مريح، مع العِلم أنَّ الثِّياب الجاهزة في ذلك الوقت كانت قليلةً نسبِيّاً، وباهظة الثَّمن بالنِّسبة لذوي الدَّخل المحدود.
وفي يوم “الوّقْفَةِ” يكثُر ازدحام النّاس في مختلف الأسواق وأزِقَّتِها لشراء احتياجات الضِّيافة في العيد.
ومن شدَّة الازدحام في هذا اليوم، كان يُخَيَّلُ للنّاظر أنَّ “بيروت” بأسْرِها خرجت إلى الأسواق، ولم يبقَ في البيوت غيرُ المُسِنّات اللّواتي انهَمَكْن بتحضير طعام العيد، حيث ستلتئم العائلة، في اليوم التّالي، بكِبارها وصِغارها على وليمة العيد. ويعتبر يومُ “الوَقْفَةِ” يومَ عطلةٍ غير معلَنَةٍ رسميّاً، لذلك كانت المدارس الرَّسميَّة والأهليَّة الإسلاميَّة تُعَطِّلُ في ذلك اليوم، وتَغُضُّ الدَّوائر الرَّسميَّة الطَّرْفَ عن الغياب الذي قد يحصل في صفوف موظَّفيها.
وفي هذا اليوم من عيد الأضحى يعمَد الأولاد إلى تكرار الأهزوجة الشَّعبية المعبِّرة عن هذا العيد، والتي تقول: “بُكْرَه العيدِ ومِنْعَيِّد، ومِْندْبَحْ بَقْرِةِ السَّيِّد، والسَّيِّدْ ما لو بَقْرَة، مْنِدْبَحْ بَقْرِةِ الشَّقْرَة، والشَّقْرَة ما فيها دَم، مْنِدْبَحْ بَقْرِةْ بيتِ العَمّ، وبيتِ العَمّْ ما بيريدو، مْنِدْبَحْ بَقْرِةْ بيت عيدو”(72).
ب- صباح العيد “تكبيرات وصلاة العيد”:
كان الصِّغار والكِبار من أهل “بيروت” يشعرون ببدء العيد عند خروجهم من منازلهم لأداء صلاة العيد، وكان غالبيّة المسلمين في “بيروت” يُصَلّونَ العيد في “المسجد العُمَرِيِّ الكبير”، وكان “مفتي بيروت” هو إمام هذه الصَّلاة(73).
وكانت النِّساء والأولاد السّاكنون قرب المساجد يستمعون إلى تكبيرات العيد الصّادرة من المساجد، فتنبعث في نفوسهم الرّاحة والطُّمَأْنينَة، ومع ظهور المِذياع ثمَّ التِّلفاز، ازداد عدد المتابعين لتكبيرات العيد وصلاتِه.
وبعد أداء صلاة العيد يذهب المصلّون لزيارة قبور موتاهم وتنظيفها ووضع أغصانٍ خضراءَ عليها، تيمُّناً بفعل النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلَّم، وقراءة ما تيسَّر من آيِ القرآن الكريم والتَّرَحُّمِ عليهم. وزيارة القبور يوم العيد ليست من الإسلام، فيوم العيد هو يوم فرح، بينما زيارة قبور الموتى يوم العيد تُحدث في نفوس الأقارب تجديداً للأحزان.
ج- العيديَّة(74):
يرتدي الجميع، كِباراً وصِغاراً، في صباح يوم العيد ثياب العيد التي أعّدوها لاستقباله.
وفي هذا اليوم المبارك يُعِدُّ الكِبار ما يريدون إعطاءه للصَّغار من النُّقود وتُسَمّى هذه النُّقود “عيدِيَّة”، وتحاول بعض العائلات الحصول على أوراق نقديَّةٍ جديدةٍ ما أمكن لتزيد فرح الصِّغار. وفي المقابل ينتظر الصِّغار “العيدِيَّة” من الكِبار ليتمتَّعوا بصَرْفِها وَفْقَ رغباتِهم.
د- المُعايَدة(75):
كانت “المُعايَدة” هي الواجِبُ الأساسيِّ في العيد، حيث تقوم العائلات بتبادل الزِّيارات، بدءاً بزيارة كبار العائلة من الجدود والآباء، ومن ثَمَّ الإخوة والأخوات، والأعمام والعمّات، والأخوال والخالات، إلخ..
ثمَّ يَرُدُّ الكِبار “المُعايَدَةَ” خلال الأيّام الباقية من العيد إن استطاعوا ذلك.
ومن العبارات التي كانت، ولا تزال، تُتبادل في العيد: “كلُّ عامٍ وأنتم بخير”، و“كلُّ عامٍ وأنتم سالِمون”، و“تَقَبَّلَ اللهُ طاعاتِكم”. ويُضاف إليها في “عيد الأضحى”: “إن شاء الله نَراكُم في الحَجِّ في السَّنة المُقبِلة”.
ونظراً لسفر العديد من العائلات، بسبب الحرب والوضع الاقتصاديّ، إلى الخارج بحثاً عن لقمة العيش، إضافةً إلى تَوَزُّعِ سكن أهل “بيروت” اليوم بين “بيروت” ومناطقَ بعيدةٍ عنها، فقد خَفَّ التَّواصُل الاجتماعيُّ بينهم، حتى بين الإخوة والأخوات، وبالتالي تقلَّصَت “المُعايَدات” عند كثيرٍ من الأُسَر، وأصبح قسمٌ كبيرٌ منها يتمُّ عبر الهاتف ورسائل الجَوّال والإنترنت.
هـ - الضِّيافة:
كانت “ضيافة العيد” الأساسيَّة، ولا زالت، هي الحلويّات المتعدِّدة الأنواع، وتتألف في معظم البيوت من “المعمول بالفستق” و“المعمول بالجوز” و“الأقراص بالتَّمر”، إضافةً إلى “الشّوكولا” و“المُلَبَّس”. وكان المعمول بنَوْعَيْه والأقراص بالتَّمر، يُشتَرون عادةً من السّوق، ومع هذا فإنَّ عدداً لا بأس به من العائلات كانت، ولا زالت، تَصنع هذه الأصناف في المنزل وتصُفُّها في صَوانٍ ترسل إلى الأفران التي تصنع الخبز لخَبْزِها. وكان بعض الفرّانين يأخذ أجرته قِطَعاً ممّا يخبِزُه بعد انتهاء الخبيز(76).
و - اللَّهو والمرح:
1 - حُرج العيد:
كان البيارتة يقضون مرحهم في الأعياد في الساحات في باطن بيروت وينصبون المراحيح للصغار.
ومع توسع المدينة لتكاثر سكانها أصبح مكان لهوهم “حُرج العيد” الذي أضحى مكان الفرح والمرح للصِّغار الذين كانوا يذهبون إليه برفقة ذويهم طيلة أيّام العيد، حيث كانت توجد فيه ألعابٌ عديدة. وكان العيد بالنسبة للصِّغار يتألف من شَيْئَيْنِ اثْنَيْن، إذا فُقِدَ أحَدُهُما فليس هناك عيد، وهما: “الثِّياب الجديدة” و“حُرج العيد”. وقد صار “حُرج العيد” اليوم من التّاريخ، واسْتُعيضَ عنه بالملاهي الحديثة.
ومن الألعاب التي كانت موجودة في “حُرج العيد”:
- “المرجوحة(77)” المشهورة باسم “الجنزوقة” وهي متعدِّدة الأنواع.
- ألعاب “الخِفَّة”.
- “صندوق الفُرْجَة”، وهو صندوقٌ خشبيٌّ يحتوي على صورٍ متتابِعةٍ يحرِّكها صاحب الصُّندوق قائلاً بصوتٍ عالٍ: “تعا تْفَرَّجْ(78) يا سَلام، عالدُّنيا يا سَلام، عنتر والشّاطر حسن وفارس الأحلام”، وعندما يأتي الصِّغار ينظرون إلى الصُّور وهي تدور فيما صاحب الصُّندوق يروي قصَّتها(79).
- بعض الحيوانات: كالقرد الذي يقوم بألعاب بهلوانيَّة، فيتجَمْهَر النّاس حوله ويرمون إليه الموز والتُّرْمُسَ والفُستق وسوى ذلك، فيقوم بتقشيرها وأكلِها. وكانت حركاته تثير الضَّحك والسَّعادة والفرح في نفوس الصِّغار.
- وكان يوجد رجلٌ يلعب مع الأفاعي ويضعها على رقبته ويلعب بها دون خوف.
- كما كان يوجد عددٌ من الحمير والبغال ليركَبَها الصِّغار.
- هياكل مُعَدَّةٌ للتّصوير، منها: سيّاراتٌ وقواربُ وطائرات، يجلس فيها الصَّغار لأخذ صورٍ لهم وكأنَّهم يقودونها ممّا يزيدُهم فرحاً فوق فرح(80)، ويقوم بإعداد هذه الهياكل ثمَّ التَّصوير مصوِّرون من الأرْمَن.
- ألعاب السَّيف والتُّرس(81).
كما كانت تُباع في “حُرج العيد” بعض الألعاب، ومنها: “دواليب الهوا”(82). وتنتشر فيه عربات بيع الأطعمة والحلويّات، ومنها: المخلَّلات وغَزْلِ البنات.
وكان النّاس يذهبون إلى “حُرج العيد” سيراً على الأقدام أو بواسطة “عربات الخيل”، أو “الطُّنْبُرِ”(83) الذي يحمل عشرات الصِّغار بثيابهم الجديدة من حيِّهم حتى الحرش ذهاباً وإياباً، لقاء أجرٍ زهيد. وخلال الرِّحلة كان الصِّغار يغنّون ويهزِجون على إيقاع طبلةِ رجلٍ استأجَرَه صاحب “الطُّنْبُرِ” لهذه الغاية، ومن أشهر أهازيجهم: “يا وْلادِ مْحارِمْ يويو، مَنْصوبِ مَقارِمْ يويو، مْقارِمْ تينِة يويو”(84). كما كان من أشهر الأهازيج الشَّعبيَّة الخاصَّة بالعيد: “يا وْلادْ أبو شَرْشوبَة يويو، عَيْشَة المَخْطوبَة يويو، يا مين خَطَبْها يويو، شَنْشَلْ دَهَبْها يويو، دَهَبْها غالي يويو، حَقّو مَصاري يويو، تِسْلَمْ دَقْنْ خالي يويو”.
2 - أماكن لهوٍ أخرى:
كانت “دور السّينما” من أماكن اللَّهو التي كان النّاس يرتادونها أيّام الأعياد والعُطَل، وقد انتشرت هذه الدّور في بيروت أثناء الاحتلال الفرنسيِّ وبعد الاستقلال.
وكذلك كان بعض أهل “بيروت” يلهو بالصَّيد وركوب الخيل(85).
ز - مَأْدُبَةُ العيد:
كان من عادات العيد الاهتمام بتحضير طعام العيد بدءاً من يوم “الوَقْفَة”، على أن تُمَدَّ مأدُبة العيد في اليوم الأوَّل منه ويلتفَّ حولها الكِبار والصِّغار من أفراد العائلة، وربّما ضمَّت إليهِم عدداً من المُعايِدينَ والمُهنِّئين بالعيد.
وتختلف “مأدُبَةُ العيد” من منزلٍ لآخَر، حسب القُدرة المادِّيَّة، ويغلِب أن يكون طعامها الرَّئيس عند الميسورين “الخروف المحشِيُّ بالأَرُزِّ والنُّقولات”و“الكِبَّة” وأصناف “اليَخْنَة(86)”(87)، فيما غالبية الأسر المتوسِّطة الحال يكون طعامها الرّئيس “الأرُزُّ باللَّحم مع بعض النُّقولات”.
عيد الفطر وعيد الأضحى:
كانت عادات “عيد الأضحى” تتَّفِق مع عادات “عيد الفطر”، إذ يُستقبل بالتَّأنُّق في المَلْبَس، والتَّفنُّنِ في المأكل، وبتظاهرات الفرح المعهودة، كإقامة الزّينات وإطلاق النار وتفجير المُفَرْقَعات وإنشاد الأناشيد، وإطلاق المدافع في المدن في الأوقات الخمسة المخصَّصة للصَّلاة، والمُعايدة، وإعداد الولائم، والضِّيافات، والقيام بالنُّزُهات.
وتختلف عادات “عيد الأضحى” عن عادات “عيد الفطر” بنواحٍ قليلة، منها أن “عيد الفطر” يغلِب فيه “صُنع الحلويّات”، بينما يغلِب في “عيد الأضحى” ذبح الأضاحي وأكل اللُّحوم. لذا سُمي الأوَّل “عيد الحلويّات”، والثّاني “عيد اللُّحومات”، إذ يُؤكل فيه اللَّحم مَشْوِيّاً ومُصَنَّعاً في مأكولاتٍ متعدِّدة، أبرزها: “الكِبَّةُ” و“الضُّلوعُ المَحْشُوَّة”. ومن أوْجُهِ الاختلاف أيضاً أنَّ نَحْرّ الأضاحي يكون معظَمه في “عيد الأضحى” صباح يوم العيد بعد الصّلاة، بينما يكون في عيد الفطر مساء خَتْمِ رمضان، بَيْدَ أنَّ هذا لا يعني أن “عيد الأضحى” يخلو من “صُنع الحلويّات”، إذ تُصنع فيه حلوياتٌ عديدةٌ أبرَزُها “الكعك” و“المعمول”(88).

6 - وداع الحاجِّ واستقبالُه:
كان عدد حُجّاج أهل “بيروت” في الماضي أقلَّ بكثيرٍ ممّا هو الآن، ومن أسباب ازديادِهم اليوم الزِّيادة في عدد السُّكّان، وارتفاع المداخيل، وتنظيم رحلات الحجّ، وتأمين الطرق، وتطوُّر المواصلات، ومنع التَّعديات، وضمان سلامة الحجاج.
ونظراً لأنّ المسافر للحجِّ قد لا يعود من سفره لبُعد المسافة وطول مدَّة السَّفر وبعض الأخطار التي يواجِهُها فيه، فقد جرَت العادة عند أهل “بيروت”، أن يقوم الحاجُّ إلى “بيت الله الحرام”، قبل سفره، بوداع الأهل والأقارب والأصدقاء والجيران فَرْداً فَرْداً، ويعتذر لِمَنْ أساء إليه، ويطلب السَّماح ممَّن آذاه، ويُسدِّد الدُّيون المُترتِّبة عليه، ويسعى إلى خطوبة أو تزويج العازبات من بناته والعازبين من أبنائه، ثمَّ يوكِلُ الأمور التي كان يتولاّها، عائليَّةً أو تجاريَّةً أو غيرَها، إلى أكبر أبنائه سِنّاً أو إلى أحَدِ أشقّائه. وما يترتَّب على الرَّجل يترتَّب على المرأة أيضاً، فهي تقوم بنفس ما يقوم به لكي تَحُجَّ وتعود من دون أن يكون لأحَدٍ ضغينةٌ عليها أو كراهِيَةٌ لها. ولكنَّ هذه العادة، التي هي من أحكام الإسلام أساساً، اضْمَحَلَّتْ كثيراً وكادت تَنقرض(89).
وكان الحجاج البيروتيون يتنقلون براً حيث يلتحقون بقافلة الحجاج بدمشق، أو بحراً عبر مرفأ بيروت.
وعند عودة الحُجّاج القادمين من الأراضي الشَّريفة المقدَّسة، كانت تُنْصَبُ لهم الزّينات والأقواس، ويُستقبلون استقبالاً حارّاً وسط الأهازيج والأناشيد وضربِ الطُّبول والصُّنوج من قِبَلِ الطُّرق الصّوفيَّة، وبعَزف النَّوْبَةِ وإطلاق الزَّغاريد وإطلاق النّار وتفجير المُفَرْقَعات.
ومن ثَمَّ يبدأُ الحُجّاج باستقبال المُهَنِّئين من الأقارب والجيران، وتقديم الهدايا، ومنها: التُّمور ومياه زمزم والمصاحف والسُّبْحات والقماش المختَلِفُ الأنواع(90). وفي هذه الأيّام يبدأُ التَّحضير لاستقبال الحُجّاج ابتداءً من “عيد الأضحى”.

7 - الأتراح:
تتميَّز عادات وتقاليد “الأتراح” عند أهل “بيروت” بالتَّكاتُفِ والتَّكافُل، حيث يبدأُ الأهل بإعلام الأقارب، والجيران، والأصدقاء، وإدارة الجبّانات. وبعد تغسيل الميْت وتكفينِه يُنقل مشياً على الأقدام إلى إحدى الجبّانات، مع تلاوة آيٍ من الذِّكر الحكيمِ والدُّعاء له(91).
ودرج في أربعينيّات وخمسينيّات القرن العشرين الميلاديِّ أن يمشي في الجنائز أطفال “دار الأيتام الإسلاميَّة” لقاء أجرٍ معلوم، وكان عدد اليتامى يتراوح ما بين 50 و60 طفلاً، وكانوا يسيرون فِرقتين حول الجِنازة مُمسكين بأيدي بعضهم بعضاً، بينما يمشي في مقدِّمة المسيرة طِفلان يحملان شعار “دار الأيتام الإسلاميَّة”.
وعند انتهاء الجِنازة يقوم أهل الفقيد بإعطاء المُشرف على اليتامى ما تجود به أنفسهم من مالٍ ليكون مساهمةً في موارِد “دار الأيتام الإسلاميَّة”، عِلماً أنّ التَّبرعات لم تكن تكفي لسَدِّ حاجات اليتامى(92). وفي أواسط الخمسينيّات قرَّر مجلس عُمدة “دار الأيتام الإسلاميَّة” تحديد رسوم الجَنائز بـ 50 و 75 و100 ليرة على أن يكون عدد التّلاميذ مُتناسِباً مع المبلغ(93)، وفي عام 1957م. قرّر مجلس العُمدة أن لا يخرج تلاميذ الدّار لتشييع الجنائز بأقلِّ من مائة ليرة(94).
وقد خُصِّصَ لباسٌ خاصٌّ ومُرَتَّبٌ للأطفال يُرتدى في الاحتفالات الرَّسميَّة والجنائز(95)، وفي الشِّتاء كان يتمُّ شراء مَعاطِفَ مانِعَةٍ للماء “مُشَمَّعات” خاصَّةٍ بتلاميذ الجنائز(96) يرتدونها لتَقيهم المطر.
وفي أوائل عُشِْر السِّتّينيّات من القرن العشرين الميلاديّ أُلغِيَت هذه العادة بعد أن أصبحت تسبِّب الكثير من الكآبة النَّفسيَّة للأطفال، بينما في أواسط الأربعينيّات من القرن المذكور كان المسير في الجنائز يُشعر الأطفال اليتامى ببعض المسرّة، لا سيّما وأن الخروج إلى المجتمع كان قليلاً، والنُّزُهات قليلةٌ نسبيّاً لعدم تَوَفُّرِ وسائل النَّقل.
أما اليوم، فإنَّ النَّعش يوضَع في سيّارة خاصَّةٍ وعليها مِذياعٌ لتِلاوة آيٍ من القرآن الكريم، حتى أصبح سماع صوت القرآن الكريم يدلُّ غالباً على أنَّ هناك جِنازة، كما يوضَع أحياناً مِذياعٌ لتلاوة القرآن الكريم على شرفة بيت المُتَوَفّى. وانعكست قراءة القرآن الكريم في السَّيارات وعلى الشُّرفات أزماتٍ نفسيَّةٍ عند بعض الناس لارتباط القراءة عندهم بالموت، مع أنَّ القرآن الكريم وُجَِد لهداية الأحياء وليس للإعلام عن حصول الوفاة.
وقد كان الدَّفن يتمُّ سابقاً مجّاناً، باعتبار أن أوقاف الجبّانات هي المسؤولة عن هذا الشأن، أمّا اليوم، فقد أصبحت تكاليف الدَّفن باهظة. ويُضاف إليها تكاليف إضافيَّة أصبحت تُرهِقُ كاهل أهل المُتَوَفّى، ومن هذه التَّكاليف طباعة أوراق النَّعي، والإعلان في الصُّحف أحياناً، واستئجار الكراسي لإقامة العزاء، وإقامة وليمةٍ عن روح الميْت.
وقد اعتاد بعض أهل “بيروت” المبالَغة في عادات الدّفن، رغم إمكانيّاتهم المادِّيَّة الضّعيفة، ابتداءً من نوعيَّة الأكفان ووصولاً إلى حجم الخدمات التي يطلبونَها، من أهميَّة مكان التَّعزية، وشهرة قارىء القرآن الكريم، ونوعيَّة الطَّعام ومن أيِّ مطعم، إلى غير ذلك من الأمور(97).
وكان المسلمون والنَّصارى في “بيروت” يحرِصون على المشاركة في أفراح وأتراح الفئتَيْن انطلاقاً من مبدأ التَّكافل والتَّضامن.
وكان من عادات أهل “بيروت” أن يذهبوا بعد فجر اليوم التالي للدَّفن إلى قبر المُتَوَفّى للقيام بما يُسَمّونَه “فَكُّ الوِحْدَة”، حيث يتَّجه بعض أقارب المُتَوَفّى إلى الجبّانة مع أحد الشّيوخ لقراءة آيات من القرآن الكريم والدُّعاء للمُتَوَفّى لفَكِّ وِحْدَتِهِ وعُزْلَتِه(98).

 

الهوامش

1 -  الخِطْبَة: تُسَمّى في العامِّيَّة: «الخُطوبَة».
2 -  طْليبِة: طَلَب.
3 -  المعنى: كانت تضع تشكيلة ورود من أوَّلِ رأسِها إلى آخِرِه، كلُّها من الزَّنبق، أو وردةٍ من العازارية «منطقة في بيروت» ليس لها مثيل.
4 -  عواطف سنو إدريس، بيروت في العشرينات، ص 42 - 43، الدّار الحديثة، ط1، بيروت - لبنان، 1410 هـ. / 1990م..
5 -  جابْلي: جاء لي بأمرٍ ما.
6 -  عواطف سنو إدريس، بيروت في العشرينات، ص 43.
7 -  اللّيوان: الإيوان.
8 -  لم تَعُدِ الأفراح تقام اليوم في البيوت إلا فيما نَدَر، لأنَّ مساحَتها قد تقلَّصت، وتقام أغلبُ الأفراح اليوم في القاعات المخصَّصة لذلك أو في قاعات الفنادق، تَبَعاً لقُدرة الأهل الماديَّة.
9 -  الصَّرما: قطع قماشٍ مُطرَّزَةٌ بخيوط الذَّهب والفضَّة مصنوعةً في «إسطنبول».
10 -  الزَّلغوطة: الزُّغرودة.
11 -  عواطف سنو إدريس، بيروت في العشرينات، ص 44 - 45.
12 -  عواطف سنو إدريس، بيروت في العشرينات، ص 48.
13 -  من أنواع الحُلِيِّ التي كانت النِّساء تفتخر باقتنائها: عَقْدُ «حَبِّ العِنب»، و»حَبِّ تحت البَلاطة» و»بْروش» باسم «الصَّنَوْبَرِيَّة» و»الإسْوارَةِ المُشَبَّكَة» - مَيّ عَلّوش، بيروت .. ذكرى وتاريخ، ص 193، دار المستقبل، بيروت - لبنان، 1993م..
14 -  عواطف سنو إدريس، بيروت في العشرينات، ص 49.
15 -  د. حسّان حلاّق، التّاريخ الاجتماعيّ والاقتصاديّ والسِّياسيّ في بيروت والولايات العثمانيّة في القرن التّاسع عشر، ص 20، سِجلاّت المحكمة الشَّرعيَّة في بيروت، الدّار الجامعيّة، بيروت - لبنان، 1407 هـ. / 1987م..
16 -  الشَّربات: مشروباتٌ تُقدَّمُ في الأفراح، منها شراب الورد وشراب اللَّوز المُصَنَّعِ مُكَثَّفاً مُسَبَّقاً، ومنها ما هو عصيرٌ طبيعيّ.
17 -  كِلَيْهِما: كِلا الخَطيبَين اللَّذَيْنِ سيصبحان زوجَين بعد قليل.
18 -  د. حسّان حلاّق، التاريخ الاجتماعي والاقتصادي والسِّياسيِّ في بيروت والولايات العثمانيَّة في القرن التاسع عشر، ص 20.
19 -  د. حسّان حلاّق، بيروت المحروسة بيروت الإنسان والحضارة والتُّراث، ص 34، مؤسَّسة الحريريّ، ط 1، بيروت - لبنان، 2002م..
20 -  اللُّحُف: جمع «لِحاف»، وهو غطاءٌ من القطن عادةً يتدثَّر به النّائم.
21 -  عواطف سنو إدريس، بيروت في العشرينات، ص 50 - 51.
22 -  شَراشِفُ التُّخوت: مِلاءات الأسِرَّة.
23 -  فَرْدُ الجهاز: عَرْضُهُ للناظرات من المدعوات قبل إرساله إلى بيت الزوجية.
24 - عواطف سنو إدريس، بيروت في العشرينات، ص 127.
25 -  الكبابيت: المعاطف التي تُلبَسُ فوق الثِّياب عند الخروج من المنزل.
26 -  الشَّلحة: هي قطعةٌ من الثّياب الدّاخليّة للنِّساء تشبه الفستان، والمقصود بها هنا «ثياب النَّوم» وما يُلبَس فوقَها كرداءٍ من القماش نفسه.
27 -  طْقومِة: أطْقُم، جمع «طَقْم ويتكون من فستان وجاكيت أو من تنورة وجاكيت».
28 -  الفْوال: قماش شفاف.
29 -  عواطف سنو إدريس، بيروت في العشرينات، ص 128 - 129.
30 -  البُقَج: جمع «بُقْجَة»، وهي «الصُّرَّة».
31 -  المَيْزَر: المِئْزَر.
32 -  الجُنْطاس: نوعٌ من «الطّاسات» مصنوعٌ من النُّحاس غالباً، ويُستخدم لغَرْفِ الماء به للاغتسال، ويكون أحياناً مزخرفاً برسوم أو كلمات.
33 -  القُبْقابِ المُفَصْفَص: حذاءٌ من الخشب له كعبٌ عالٍ، ومنه أنواع مُفَصْفَصَة، أي مزخرفة.
34 -  الشّام: دمشق.
35 -  كيسُ التَّفريك: كيسٌ من القماش يستخدم لفَرْكِ «دَلْكِ» الجسم أثناء الاغتسال كما تستخدم الإسفنجة اليوم.
36 -  اللّيف: نوع من النبات يستخدم لفَرْكِ الجسم أثناء الاغتسال.
37 -  علبة الخِياطة: علبةٌ تحتوي على المُعِدّات الضَّروريَّة لإجراء تصليحاتٍ بسيطةٍ على الثّياب.
38 -  الحرير المُضَرَّب: الحرير المحشي بالقطن.
39 -  عواطف سنو إدريس، بيروت في العشرينات، ص 129 - 130.
40 -  التّكايّات: المَسانِد التي يُتَّكَأُ عليها عند الجلوس.
41 -  السَّبَتُ الإفْرَنْجِيّ: علبة كبيرة من القش المزخرف بعدد من الألوان.
42 -  المشّايات: الأحذية المنزليّة.
43 -  عواطف سنو إدريس، بيروت في العشرينات، ص 130.
44 -  بَقَّجْتِلِّكْ: وضَّبتُ لكِ البُقْجَة.
45 -  ما عّوَّزِكْ لَمَخْلوق: لم يجعلكِ تَعْتازين «تَحْتاجين» أحَداً.
46 -  عواطف سنو إدريس، بيروت في العشرينات، ص 139.
47 -  الفوطة: قطعة من القماش.
48 -  مَيّ عَلّوش، بيروت .. ذكرى وتاريخ، ص 197 - 198.
49 -  د. حسّان حلاّق، التّاريخ الاجتماعيّ والاقتصاديّ والسِّياسيّ في بيروت والولايات العثمانيَّة في القرن التاسع عشر، ص 20.
50 -  عواطف سنو إدريس، بيروت في العشرينات، ص 154.
51 -  غالباً ما تكون هذه الحلوى هي «الكنافة».
52 -  د. حسن أمين البعيني، العادات والتّقاليد في لبنان في الأفراح والأعياد والأحزان، ص 23، بيسان، ط 1، بيروت - لبنان، 2001م..
53 -  د. حسن أمين البعيني، العادات والتقاليد في لبنان في الأفراح والأعياد والأحزان، ص 29.
54 -  المُلَبَّس: حبّاتُ لَوْزٍ مُغَطّاةٌ بالسُّكَّرِ المَطبوخ.
55 -  خالد اللَّحّام، بيروت في الذّاكرة الشَّعبيَّة، ج 4، ص 189.
56 -  السّْنَيْنِيَّة: مُشتقَّةٌ من السِّنّ. والقَمْحِيَّة: مُشتقَّةٌ من مادَّة القمح الغالِبة في هذا الطّعام.
57 -  مقابلة مع الحاجّ توفيق حوري، مؤسس ورئيس مجلس الأمناء في جامعة الإمام الأوزاعي، في 22/ 7 / 2012م..
58 - خالد اللَّحّام، بيروت في الذّاكرة الشَّعبيَّة، ج 3، ص 318 - 319.
59 - د. حسّان حلاّق، بيروت المحروسة بيروت الإنسان والحضارة والتُّراث، ص 44.
60 -  اسْتِبانَةُ رمضان: اسْتِبْيانُ ولادة هلال شهر رمضان المبارك.
61 -  د. حسّان حلاّق، بيروت المحروسة بيروت الإنسان والحضارة والتُّراث، ص 37.
62 -  د. حسّان حلاّق، بيروت المحروسة بيروت الإنسان والحضارة والتُّراث، ص 37.
63 -  محمّد كْرَيِّم، في البال يا بيروت، ص 135 - 136، الدّار العربيَّة للعلوم، ط1، بيروت - لبنان، 1426هـ. / 2005م..
64 -  د. حسّان حلاّق، بيروت المحروسة بيروت الإنسان والحضارة والتُّراث، ص 38.
65 -  د. حسّان حلاّق، بيروت المحروسة بيروت الإنسان والحضارة والتُّراث، ص 39.
66 -  يوم الوَقْفَة: اليوم الذي يسبِق يوم العيد مباشرة.
67 -  محمّد كْرَيِّم، في البال يا بيروت، ص 142.
68 -  د. سامي ريحانا، موسوعة التُّراث القَرَوِيّ، ج 2، العادات والتّقاليد والطُّقوس، ص 106، نوبليس، ط 1، بيروت - لبنان، 1993م..
69 -  د. سامي ريحانا، موسوعة التُّراث القَرَوِيّ، ج 2، العادات والتّقاليد والطُّقوس، ص 108.
70 -  الأساكِفَة: جمع «إسكافي»، وهو من يصنع الأحذية ويُصْلِحُها.
71 -  د. حسّان حلاّق، بيروت المحروسة بيروت الإنسان والحضارة والتُّراث، ص 39.
72 -  محمّد كْرَيِّم، في البال يا بيروت، ص 138 - 142.
73 -  د. حسّان حلاّق، التّاريخ الاجتماعيّ والاقتصاديّ والسِّياسيّ في بيروت والولايات العثمانيَّة في القرن التّاسع عشر، ص 19.
74 -  العيدِيَّة: تُلفظ في العامِّيَّة بالكسر: «العيديِّة». والمعنى الوحيد لهذه الكلمة هو النُّقودُ التي تُقَدَّمُ إلى الصِّغار.
75 -  المعايَدة: التَّزاوُرُ بين الأقارب والأصحاب والجيران خلال العيد.
76 -  د. حسّان حلاّق، التّاريخ الاجتماعيّ والاقتصاديّ والسِّياسيّ في بيروت والولايات العثمانيّة في القرن التّاسع عشر، ص 19.
77 -  المرجوحة: الأرجوحة.
78 -  تعا تْفَرَّجْ: تعال انْظُر.
79 -  د. حسّان حلاّق، بيروت المحروسة بيروت الإنسان والحضارة والتُّراث، ص 41.
80 -  لمزيدٍ من التَّفصيل انظر محمّد كْرَيِّم، في البال يا بيروت، ص 151 - 157.
81 -  د. حسن أمين البعيني، العادات والتّقاليد في لبنان في الأفراح والأعياد والأحزان، ص 95.
82 -  مَيّ عَلّوش، بيروت .. ذكرى وتاريخ، ص 174.
83 -  الطُّنْبُر: عربة يجرها حمارٌ أو بغلٌ أو حصانٌ.
84 -  محمّد كْرَيِّم، في البال يا بيروت، ص 149.
85 - د. حسّان حلاّق، التّاريخ الاجتماعيّ والاقتصاديّ والسِّياسيّ في بيروت والولايات العثمانيّة في القرن التّاسع عشر، ص 22.
86 -  اليَخْنَة: تتألّف من الأرُزِّ بشكلٍ دائمٍ إضافةً إلى نوعٍ من أنواع الخُضار.
87 -  د. سامي ريحانا، موسوعة التُّراث القَرَوِيّ، ج 2، العادات والتّقاليد والطُّقوس، ص 107.
88 -  د. حسن أمين البعيني، العادات والتّقاليد في لبنان في الأفراح والأعياد والأحزان، ص  95 - 96.
89 -  لمزيدٍ من التَّفصيل انظر خالد اللَّحّام، بيروت في الذّاكرة الشَّعبيَّة، ج 2، ص 196 - 201.
90 -  د. حسّان حلاّق، بيروت المحروسة بيروت الإنسان والحضارة والتُّراث، ص 41.
91 -  د. حسّان حلاّق، بيروت المحروسة بيروت الإنسان والحضارة والتُّراث، ص 35.
من طريف ما ذُكر في هذا المجال عن ذكرياتٍ من أوائل القرن العشرين الميلاديّ للحاج محمود الحبّال: كان «بائع السّوس» يحمل «القُرْبَةَ» على صدره وبيده طاسَتانِ يُطَقْطِقُ بهما مُعلناً وصوله، وعندما يموت شخصٌ كان البائع يأتي إلى المقبرة، فيشتري أهل الميْت منه حِمْلَهُ من الشّراب ليُوَزَّعَ على الحاضِرين «سبيلاً»، أي مجّاناً عن روح الميْت -  خالد اللَّحّام، بيروت في الذّاكرة الشَّعبيَّة، ج 3، ص 305.

92 -  مقابلة مع الحاج محمود الحبّال، مدير سابق لدار الأيتام الأسلامية،  في 24 آذار 1990م..
93 -  جلسة في 20 تشرين الأول 1956م.، محاضر جلسات العمدة، رقم 5.
94 -  جلسة في 13 نيسان 1957 م.، محاضر جلسات العمدة، رقم 6.
95 - مقابلة مع الحاج محمود الحبّال في 24 آذار 1990م..
96 -  جلسة في 5 كانون الأول 1953 م.، محاضر جلسات العمدة ، رقم 5. وجلسة في 30 تشرين الأول 1954 م..
97 - لمزيد من التفصيل انظر خالد اللحّام، بيروت في الذّاكرة الشَّعبيَّة، ج 3، ص 299 وما بعدها.
98 -  د. حسّان حلاّق، بيروت المحروسة بيروت الإنسان والحضارة والتُّراث، ص 35.

أعداد المجلة