فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
61

الحضرة الصوفية لدى أتباع الطريقة الخلوتية الجودية «قرية نزلة المشارقة نموذجًا»

العدد 31 - عادات وتقاليد
الحضرة الصوفية لدى أتباع الطريقة الخلوتية الجودية «قرية نزلة المشارقة نموذجًا»

توطئة

الإنسان الصادق الذي يملك نَفسًا طاهرة لديه القدرة على النفاذ إلى عمق الأشياء، إلى أسرار المخلوقات، يستطيع أن يرى بنور يهبه الله له، هذه الفكرة هي عمدة الاعتقاد الصوفي. والسؤال الآن: كيف يصل الإنسان إلى هذه الدرجة من الصفاء النفسي والروحي؟ والإجابة: عليه أن يتبع شيخه، ويتمسك بأوراده وأذكاره. والذكر عماد العمل الصوفي، المريد يقضي أوقاته في ذكر الله، لديه من الأوراد ما يقوله في النهار والساعات المتأخرة من الليل: ورد السَحَر، ورد الإشراق، ورد الضحى، ختم الصلوات الخمسة، ورد الاستغفار، ورد الغروب، المسبعات العشر، صلوات سيدي أحمد الدردير. التصوف عمل وليس مجموعة من الأفكار المثالية التي يؤمن بها عدد من الناس.

دعا الله المسلمين إلي الذكر، وأمرهم به فقال:» يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا»(1) ولما حبب إليه، ورغب فيه قال عز وجل:» فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ»(2) وإلي نصوص القرآن وسنة النبي استند الصوفية في مشروعيته. وللذكر عند السادة الصوفية أهمية كبرى، فلا وصول إلى القرب من الرحمن، وتلقي الحقائق المعرفية، وتزكية النفس وتطهيرها بدونه؛ لذلك تجد في كتب الطريقة المنتشرة بين المريدين أورادا تخص المريد تستغرق كل أوقاته، وهي بمثابة عمل اليوم والليلة.

ليس للمريد اتجاه ولا قبلة إلا إلى الله، ومن أجل ذلك يلتمس كل ما يقربه من مراده الأعظم،السالك المتصوف يذكر ربه إذا صلى، وفي الخلوة التي يعتزل فيها الناس، يطلق العنان لقلبه وعقله في ملكوت الله من أجل التفكر، ولقد اتخذ السالك الذكر طريقًا لمراده، و«الذكر هو ترداد اسم المذكور بالقلب واللسان، ولا شيء أقرب لطريق الوصول إلي الله عز وجل منه، فهو عَلم علي وجود ولاية العبد المشتغل به، فمن وُفِّق للذكر أُعطي منشور الولاية، ومن سُلِبَ عنه الذكر فهو معزول عن الولاية».(3)

والحضرة نوع من أنواع الذكر، ومجلس من مجالسه «وهو (الذكر) مصطلح يطلق على جميع العبادات، بل إنه أساس الشعائر في الطرق الصوفية المنتشرة في أغلب أنحاء الوطن العربي، ومنه الذكر باللسان وذكر القلب والذكر الحركي. وقد يكون الذكر انفراديا يؤديه السالك في خلوته أو في غيرها، وقد يكون جماعيا يؤدى في مجلس خاص».(4)

ومن النصائح الموجهة في كتاب المنهل(5)إلى مريد الخلوتية « فيجب على المريد أن يكون الذكر نصب عينه، ولا يصرف نفسه عنه طرفة عين، ويستوعب جميع أوقاته في الذكر، وإذا رأى مجلس الذكر بادر إليه».(6)

وأقدم في عرضي للحضرة الصوفية تفصيلا لمعنى الحضرة، وتعريفًا بالطريقة الخلوتية، ومجتمع الدراسة، مشكلات الدراسة، ولكل ما يتعلق بها، وما يُعد لها من ترتيبات، ودور الأفراد داخلها حتى يخرج العمل منظمًا ومرتبًا (آداب الحضرة، الزمان والمكان، الطعام، الشراب، البخور، بداية الحضرة، الوصل الأرضي، الخادم، نقيب الحضرة،المنشد، الساند، ماسك المجلس، الذاكر، الذكر الحركي، آلات الموسيقى، ختام الحضرة، ثمرة الحضرة)

الطريقة الخلوتية الجودية(7):

    تنسب إلى الشيخ محمد الخلوتي، وقيل إلى الخلوة الصوفية ودخلت مصر على يد الشيخ مصطفى كمال الدين البكري ولها فروع كثيرة داخل مصر وخارجها ومن فروعها الجودية. ويقول الشيخ أمين عبد الله(8): «والجودية زيادة وليست أصل».. وهي نسبة للشيخ جودة عبد المتعال الذي يتصل سنده بالكثير من العلماء المشهورين المعروفين، منهم الشيخ البكري مُدخل الطريقة إلى مصر، والشيخ عمر السهروردي، وسيد الطائفة أبو القاسم الجنيد، والسري السقطي، ومعروف الكرخي، وداود الطائي، والحسن البصري.

والسيد عبد العليم جودة هو شيخ عموم الطريقة الخلوتية الجودية الآن (ابريل 2015) وهو شاب لم يتم الحلقة الثالثة بعد، جده الشيخ جودة عبد المتعال، وينتهي نسبه إلى الحسين بن علي وابن السيدة فاطمة الزهراء بنت النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

مجتمع الدراسة

    سمعتُ يومًا من أبي أنها سميت بنزلة المشارقة لأن مجموعة من العرب سكنوها من قبل وقالوا: نزلنا هنا. فسميت نزلة. وهي «واحدة من قرى مركز أهناسيا الواقع غربي محافظة بني سويف بجمهورية مصر العربية، بلغ في 1/1/2013 عدد سكانها حوالي 5258 نسمة».(9) والقرية صغيرة وهي زراعية بالدرجة الأولى، وتتصل بالحضارة والمدنية ففيها المدارس ودور العبادة ووحدة صحية ومركز شباب رياضي، ويعتمد الشباب في أرزاقهم على العمل في البلاد العربية، والعمل  في الجهاز الإداري للدولة، والمشاريع الصغيرة، وكلها أمور صغيرة لسد حاجة السكان، وتتصدر البطالة بين شبابها المشهد على كل الأحوال، وهي في حياتها ونظامها تشبه غالب القرى المصرية.

مشكلات الدراسة

     البحث عرض وصفي ميداني الحضرة وإمكانية فهم وتحليل هذه الشعيرة، وفي محاولة إجراء مقابلات شخصية مع المريدين فالباحث يواجه:

الصمت وعدم البوح ، فالإدراك الباطني أو العلوم اللدنية التي يتلقاها نتيجة صدق التزامه بالتعاليم الصوفية أسرار لا يجوز التكلم فيها مع الآخرين مما يجعل البحث قاصرا عن أداء المهمة.

تساهل المريدين في الالتزام الكامل بآداب الحضرة مما يجعلنا نصمت عن زي الحضرة وملبوس الرأس أثناء الذكر.

تعرض أبناء الطريقة الكبار للوفاة، وقلة وجود المنتسبين الجدد، مما يعرض الوجود الخلوتي بالقرية للانتهاء، وغياب معلومات عن أشياء كثيرة مهمة تخلى عنها الأبناء الآن.

إن الحضرة لها أسرار لا يقف عليها إلا المُجرب لأنها سر باطني لا يقع تحت الملاحظة والمشاهدة.

الحضرة :

الحَضْرَةُ: الحضور، قُرْبُ الشيء.(10) ومن دلالات المفردة أن تأتي بمعنى– الحضور-  حال قلبية يستشعرها السالك، ومعاني الخشوع، والتبتل، واستحضار القلب وقت الذكر لنوال الإخلاص، وكل هذه المعاني يمكن لأي إنسان صادق أن يحصلها في جميع العبادات الموجودة في شريعة الإسلام، مثل الصيام والصلاة والحج، وذكر الله بصفة عامة. أو تأتي بمعني نوع معين من حلقات الذكر المشهورة عند المتصوفة، وباتت لصيقة بالتصوف من غيره، هذه الحلقات تتضمن قراءة القرآن، وإنشاد المدائح التي يصاحبها اهتزاز وحركة من المريدين. و«تمثل أحد الأنشطة الشعائرية للطرق الصوفية المنتشرة حاليًا سواء في مصر أو بعض الدول العربية ... ويتجمع فيها أتباع الطريقة في يوم معلوم بصفة دورية للقيام بأداء الذكر (الحركي وغير الحركي)، ولقراءة الأوراد والأحزاب الخاصة بطريقتهم، قد تكون مشتقة لغويًا من حضور المريدين وتجمعهم في مكان واحد، أو من الاعتقاد في حضور أرواح الأولياء الموتى أو روح النبي إلى المكان أثناء إقامة الشعائر».(11) ويؤكده كلام الشيخ عبد الحميد حين يقول(12): الحضرة ليست فرض إنما هي تزويد عبادة، ويحضر الذكر أرواح مشايخ الطريقة وعباد الله الصالحين والملائكة المقربين، وللطريقة الخلوتية أتباع من الجن أخذوا العهد على يد الشيخ جودة، وهم يحضرون حلقات الذكر دون أن يراها الشخص العادي لكن صاحب القلب الواصل يرى، وهناك ما يقرب من تسعين كرسيًا - يقصد رئيس طائفة أو شيخ - من الجن تلقوا العهد من الشيخ جودة ولكل كرسي مريدون، وأنت تسمع في نهاية الحضرة يقول الشيخ: الفاتحة بالتصريف والسماح. أي الإذن للجميع بالانصراف والانتهاء.

آداب الحضرة

للحضرة آداب لابد أن يلزمها السالك، يقول الشيخ آمين: من آداب الحضرة..

ألا ينتقل من مكان لآخر أثناء الحضرة.

لا يتمخط ولا يتفل.

تزامن خروج الأصوات ومناسبتها لبعض لعدم الشذوذ.

تناول الماء بعد الذكر بحوالي نصف ساعة كي لا تطفئ حرارة الذكر.

نزول الحضرة ببال خالي من الأفكار، فإذا خطر لك خاطر لابد أن تراجع شيخك وتستشيره.

التعلق بأرواح الحاضرين، واستحضار صورة شيخك بين عينيك.

عدم مشاركة النساء في حضرات الرجال.

السماح لأصحاب الطرق الأخرى بالمشاركة في الحضرة، ويجب على المريد الذي يشارك جماعة من طريقة ليست طريقته ألا يعترض على أورادهم وأذكارهم أو حتى مشاركة النساء لأن البساط أحمدي.(13)

الزمان والمكان:

الحضرة وجد، شوق مصدره قلب المريد، السالك يتمنى لو يقيمها كل يوم، والعادة أن تقام في المناسبات الدينية، وأوقات حصول البركة..»لا وقت للحضرة فهي تقام في أي وقت يريده السالك». كما يقول الشيخ رجائي كامل(14) وجرتِ العادة على إحياء الحضرة الصوفية بصورة دورية، وفي أوقات مناسبة تتسم بالبركة مثل ليلة الجمعة وعقب صلاتها، واثني عشر يومًا من بداية ربيع الأول بمناسبة المولد النبوي، وموالد الأولياء، والذكرى السنوية لوفاة أحد السالكين.

ثمة أشخاص ليسوا من أهل الطريقة يحبون إقامة الحضرة في بيوتهم، يدعون نقيب الحضرة، وبدوره يُخبر المريدين، يجتمعون في مكان معروف متفق عليه، يتفقدهم النقيب، يسأل عن الغائب ويرسل في طلبه، يلتمس العذر لأصحاب الشواغل والمرضى، ينتظر المتأخر، وفي النهاية يتوجهون لمكان صاحب الدعوة. ومكان الحضرة يتسم بالنظافة والطهارة مثل أماكن الصلاة تمامًا، ودائما ما يخلي لهم صاحب البيت حجرة إلا من حصير أو سجاد يغطي أرضية الحجرة، فيجلسون متجاورين في حلقة يسندون ظهورهم لجدران الحجرة .  

الطعام (لقمة الفقير دواء):

ألفاظ الصوفية أصبحت معروفة، لا تُحمل على معانيها الظاهرة، بل يلجأ المفسرون لها إذا استشكل عليهم اللفظ إلى القواميس والمعاجم المتخصصة في اصطلاحات القوم، أو تراثهم؛ لمعرفة مرادهم من وضع المفردة. «والفقراء جمع فقير، والفقير هو المتجرد عن العلائق، المعرض عن العوائق، لم يبق له قِبلة ولا مقصد إلا الله تعالى، وقد أعرض عن كل ما سواه، وتحقق بحقيقةلا إله إلا الله محمد رسول الله»(15) وشاع بين العامة مفردة التفقير ويطلقونها على من يأتي بحركات الفقراء أي المتصوفة.

وبعد مجيء الكل، يسارع صاحب المكان بتقديم الطعام، يساعده في ذلك الشرف أبناؤه ومعهم خادم الدراويش، إطعام الطعام من الأعمال الطيبة والخيرة التي يحبها الله، والحضرة مناسبة للاقتداء بتعاليم الإسلام(16).. في الوقت الذي يأتي فيه أناس لتناول الطعام ومشاهدة الحضرة، فإن البعض الآخر يمتنع خجلا، ويقابله غضب شديد من الشيخ – نقيب الحضرة- الذي هو واسطة العقد في حلقة الجالسين، ينزعج ويصر على أكل الجميع قائلا: لقمة الفقير دواء لكل مرض ولقمة الغني داء.. وبعدها يقوم الشيخ بتوزيع (النفحة) أي قطع اللحم فيجزل في العطاء ولا يقصر في حق أحد.. ولقد رأيتُ كثيرًا في الوقت الذي يشدد فيه الشيخ على الحاضرين - فلا يترك أحدا إلا ويجعله يتناول الطعام ويأكل اللحم – فهو يحذر الأتباع من الجري وراء الذكر لعلة الطعام فلا ينال من فضل الذكر إلا كفاية بطنه.

الشراب ( اشرب الحلوة):

يَكثر تناول الشاي قبل البدء في الحضرة وبعد الانتهاء أيضا، والماء يأتي للطالب فيمر عن يمينه وينتهي بمن على يساره، ولقد رأيت السالك يسأل أخيه عن رغبته في تناول الماء قائلا له: تاخد الحلوة؟ .. ويعتقد البعض أن شراب الماء عقب الذكر منهي عنه؛ لسخونة جسد الذاكر فيمتنع ذلك من الناحية الصحية، بينما يعتقد الآخرون أن شراب الماء عقب الذكر منهي عنه كأدب فلا تنطفئ به حرارة الذكر وليست حرارة الجسد.

وجاء في المنهل أنه للذكر آداب قبله وبعده، ومن الآداب التي بعد الذكر «منع شرب الماء عقب الذكر ويصبر على الأقل نصف ساعة، فإن الذكر يورث حرقة وهيجانا إلى المذكور الذي هو المطلوب الأعظم من الذكر، وشرب الماء يطفئ تلك الحرارة».(17)

ولا يلتزم الكل بهذا الأدب، فهناك بعض المخالفات التي تقع أثناء الحضرة منها التدخين.(18)

البخور:

«البخور هو ما يتبخر به من عود ونحوه، وهو تحول النبات الجاف إلى بخار له رائحة بحرقه على الفحم ... والبخور معروف – اليوم – على نطاق الوطن العربي بأكمله، حيث يستخدم شعبيًا لتطييب البيوت، كما أن للبخور أبعادًا اعتقاديه لطرد الجان والشياطين. وفي مصر ينتشر البخور من الشمال إلى أقصى الجنوب حيث تقوم العديد من الأسر المصرية بتبخير بيوتها يوم الجمعة ما بين الأذان والإقامة لحماية بيتها من نفثات الشياطين بناء علي وصية من وصايا الرسول (ص)».(19)

    ولقد شاهدتُ الكثير من مجالس الذكر والحضرات الصوفية مع الإخوان في القرية والقرى المجاورة، فلم أسمع عن البخور شيئا، ولم يستخدمه إلا الشيخ عبد الحميد مرة واحدة في حضرة كانت في بيته، وأعتقد أنها لتطييب رائحة الجو لا غير.

بداية الحضرة:

يفرغ الدرويش من كل شيء،وتبدأ الحضرة:

1 - قراءة الفاتحة.

هي أن يقرأ السالك الفاتحة أكثر من مرة، وفي مرة يهب ثوابها للصالحين، وفي مرة للأولياء، وللمشايخ الذين لقنوا المريد العهد (أعمامنا في الطريق)، وللمريدين والأتباع، وللحاضرين، ولأهل البيت الذين يستضيفون الحضرة، جيران البيت، الكبار والصغار، أهل القرية جميعا، للمرضي، وأئمة المسلمين لصلاح الحال، ولقد شاهدتهم يقرؤون الفاتحة ويهبون ثوابها لمن يعمل على وحدة أمة العرب، ويجمع شملهم، وهم بذلك يتأثرون بالأحداث السياسية التي يعاصرونها.. وقراءة الفاتحة تعقب قول الشيخ: مشايخنا ومشايخكم أعمامنا وأعمامكم لهم منا سر ثواب الفاتحة.. فإذا صمت انطلق الكل في قراءة الفاتحة، ثم يقول: أهل البيت والجيران وجيران الجيران وأهل البلد كبير وصغير لهم منا سر ثواب الفاتحة..

2 - ذكر الأقطاب الأربعة والتماس البركة منهم.

ثم يذكرون الأقطاب الأربعة : الرفاعي والبدوي والجيلاني والدسوقي. ويدعون لكل أصحابهم وأتباعهم، والدعاء واجب لكل المريدين والسالكين فلا فرق بين مريدي طريقة وطريقة أخرى، فالكل يسلك الطريق إلى الله، وهذا تسامح واضح وجلي في الفكر الصوفي العملي.

3 - قراءة دعاء كفارة المجلس، سورة تبارك، الفاتحة، آية الكرسي، قراءة جماعية.

4 - الصلوات (إنشاد جماعي)

 يصلون على النبي بصوت مرتفع، وغناء جماعي للصيغة التي يلتزمون بها وهي: اللهم صلي وسلم على (تكرار على بصوت مرتفع) سيدنا محمد في الأولين، وصلي وسلم على (على) سيدنا محمد في الآخرين، وصلي وسلم على سيدنا محمد في كل وقت وحين (وحينٍ)، وصلي وسلم على سيدنا محمد في الملأ الأعلى إلى (مد الصوت في الحرف إلى) يوم الدين، وصلي وسلم على جميع الأنبياء والمرسلين وعلى الملائكة المقربين، وعلى عباد الله الصالحين من أهل السموات والأراضين، ورضي الله تبارك وتعالى عن سادتنا ذوي القدر الجلي أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب رسول الله أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلي يوم الدين واحشرنا معهم وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين يا الله يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت يا لله يا ربنا يا واسع المغفرة يا أرحم الراحمين.

والصلوات تؤدى بصورة جماعية مع تكرار ما أشرنا إليه خلال الصيغة لتنويع الإيقاع وتحسينه، وينتهي الإنشاد عند( أهل السموات والأراضين) ويقرؤون ما تلاها قراءة عادية في سرعة حتى النهاية.

الوصل الأول (الوصل الأرضي):

    الوصل مقطوعة متوسطة الطول ينشدها الدرويش، يبدؤها بنبرة هادئة، يتخللها وقفات صغيرة لتنظيم النفس والراحة، وفرصة لترديد الدراويش (الجوقة) بعض الجمل، ثم يخرج إلى الشدة والتتابع فلا يتوقف حتى تنتهي المقطوعة، وأحيانا تنتهي:(مدد.. مدد ..مدد ..مدد ..مدد..مدد.. يا رسول الله مدد ) بصورة غنائية من ناحية الدرويش المُنشد فقط. والوصل الأرضي هو إنشاد المقطوعة الأولى من مدائح النبي ويكون حال الدراويش أنهم قعود على الأرض فلا يقفون فيه حتى ينتهي المنشد، ويرددون أثناء وقفات المنشد «الاسم الرباعي» (والاسم الرباعي هو ذكر الله بهذه الصيغة التي تشبه الشكل الهندسي المربع: الله الله ... الله الله ...الله الله ... لا إله إلا الله) يقول الشيخ أمين: وماسك المجلس له أن يبدأ الوصل الأرضي (الله الله ..الاسم الرباعي) أو (لا إله إلا الله) فقط.

وفي العادة يبدأ الوصل الأرضي بقول ماسك المجلس:

أفضل ما يقول العبد الحق الله الله

ينطلق ترديد الدراويش معه في آن واحد:

الله الله .... الله الله .... الله الله ..... لا إله إلا الله.

المنشد:

قلبي يقول لي امدح محمد

عسى بمدحو من النار تُنجي

الدراويش:

الله الله .... الله الله .... الله الله لا إله إلا الله.

المنشد:

مهما لاموني فيك قلبي يصلي عليك

مغرم صبابة بيك يا احمد يارسول الله

الدراويش:

الله الله .... الله الله .... الله الله لا إله إلا الله.

وحين ينتهي يقفون في دائرة لأداء الذكر الحركي .

الخادم:

من معاوني الشيخ على تمام الانتظام، وله دور عظيم في رعاية الفقراء والمريدين، ويسمى في أدبيات الطريقة: «نقيب السماط، نقيب ساقي الماء»(20). وهما شخصان مختلفان، يقوم بدورهما في كثير من الأوقات شخص واحد من بين المريدين، يختص دون غيره بتقديم الطعام والشراب، ويسبق الكل لمكان إقامة الحضرة فيطمئن على الترتيب لها، يُثَّبِت مكبر الصوت، ويطمئن على خلوه من الأعطال.

نقيب الحضرة:(21)

ومن الناحية التنظيمية أن يكون للشيخ نائب في كل مكان، يقوم بافتتاح المجلس، والدعوة له، «فهو نائب الشيخ وصاحب سره فينبغي احترامه والتأدب معه».

المنشد (ملح الطعام):

أَنْشَدَ الشِّعْرَ : قرأَه رافعًا به صوتَه(22) والمنشد يقف خارج دائرة الدراويش أو فيها بوصفه نقطة مكونة لخط الدائرة، يتمايل طربًا بما ينشده، لكنه لا ينتظم مع الدراويش في حركاتهم، وظيفته الغناء والإنشاد في حب السيد الطاهر، وعن الأخلاق، ووسائل تربية النفس. والمنشد معروف بين كل أتباع الطريقة «بملح الطعام»، وكل مقطوعة ينشدها لها بداية ونهاية يعقبها توقف فهي وصل، مصادر المنشد في اختيار أشعاره متنوعة:

-أشعار السابقين الذين دربوه على الإنشاد في الحضرة.

-أشعار من نظمه.

-أشعار كبار المتصوفة القدماء مثل ابن عربي وابن الفارض.

-المواويل الشعبية الدينية.

يقول الشيخ أمين: المنشد يبدأ الحضرة بأي شعر لأنه شوق، والشوق غريزة إنسانية، فيبدأ بمدح النبي صلى الله عليه وسلم، أو مدح آل البيت أو النجاة بالتوحيد.. ولقد لاحظتُ أن ما يردده المنشد الآن ليس من نظمه بل أشعار ورثها عمن علموه ودربوه، فلا تجديد فيها والكثير من ألفاظها يرجع إلى عصور قديمة مثل (قنزحه ، بشوات، أفنديه، بنت شلبية). والمنشد مُعَرَّض للتعب لكثرة ما يمدح به النبي، ينوع في درجات صوته فيمده ويطيله ويخفضه، وهو في ذلك يحتاج إلى من يدعمه.

الساند ( المساعد):

سنَدَ الشَّيءَ: دعَمه، جعل له عِمادًا يُعتمد عليه، وسنَد الشَّخصَ: أعانه، قوَّاه، أيّده(23) والمنشد يحتاج إلى من يخفف عنه ويريحه وقت الإنشاد، ويحتاج إلى من يقوي صوته ويدعمه في نفس الوقت، هذا دور الساند، يكون إلى جوار المنشد واحد أو اثنان كلاهما حسن الصوت، يرددان الذكر ويتمايلان في انتظام مع البقية، وحين يمد لأحدهما الميكرفون يستجيب، أو يدعوه بنظرة ذات مغزى من عينه، أو تنبيه باللمس الخفيف. ويقوم الساند بدور الجوقة أحيانا حين يكرر خلف المنشد بعض الجمل المتناغمة التي لها وقع مما تساعد على رفع حماس الذاكرين، كترديد:

(سيدنا الحسين يابو علي يابوعلي هات الدوا ودواينا)

وأيضا:

(مُنى عيني وازور النبي مني عيني وأشوف النبي)

والذي يسند المنشد مرشح للقيام بدور المنشد إذا غاب أو تأخر في الحضور.

ماسك المجلس (صاحب الدقة – داقق الوَّحدة):

الدقة: صوت عقرب الساعة(24). والوَّحدة: الترابط والاتحاد، ومثلما تقف في الصلاة تأتم بإمام فلا تخالفه في ركوع أو سجود ولا تسبق حركته، أيضا ماسك المجلس مثل الإمام تمامًا « إذا رقص ارقص وإذا انبطح على الأرض افعل مثله». وصاحب الدقة هو إنسان يقف في مركز الدائرة -حلقة الدراويش- ووظائفه مثيرة للاهتمام حيث يقوم بتحديد شكل الحركة التي يؤديها الجميع، وحركاته هي:

  التحول بكُليته إلى اليمين ثم التحول بكُليته إلى الشمال والقدم ثابتة على الأرض ويبدأ بطيئا ثم ينشط، وبدورهم يفعلون مثله لكنه إذا بدأ بالتحول يمينا ثم شمالا بدؤوا هم بالتحول شمالا ثم يمينا، ويشير لهذه الحركة بكلمة ينطقها مسبقا فيقول: (سَلِّمْ). وهو بهذا التحول يسلم على النبي يمينا وشمالا.

 الوقوف على أطراف أصابع القدم فيعلو بجسده ثم يهبط فيستقر وقوفه على كامل باطن القدم. ينتج عن ذلك رفع الصدر لأعلى وإبرازه ، وفيها التشوف لأعلى، وربما يسبق الحركة بقوله : (صدرك).

 هز الرأس فقط لأعلى ثم لأسفل يصاحبه ميل للجسد مع حركة الرأس وهي تمثل السجود.

 الانحناء كركوع الصلاة دون الاعتماد باليد فوق الركبة يصاحبها دقة من كفيه حين تمام الانحناء، ودقة أخرى حين تمام الاعتدال لضبط التناغم والانتظام.

  الدوران: الثبات في المكان ولف الجسد ناحية اليمين إلى أقصى نقطة يصل إليها ثم العودة ولف الجسد لليسار إلى أقصى نقطة فيصل للنقطة التي وصلها من قبل، وهي حركة من الحركات السريعة والتي تمثل الدوران.

وماسك المجلس ينوع بين كل هذه الحركات أثناء الوَصل الواحد مع ترديد جماعي للدراويش ( الله ... الله) وتصدر مفردة الذكر (الله) متزامنة من الكل، مصاحبة لدقة ماسك المجلس الذي يصدرها بكفيه، فينتج صوت جماعي لا شذوذ فيه ولا اضطراب.

ومن وظائف ماسك المجلس قيامه بتوجيه السالك المخالف لآداب الحضرة برفق أثناء الحضرة، تسمعه أثناء الرقص يوجه أحدهم:

- على مهلك يا فلان.

( لمريد يسبق الإخوان في الحركة، أو يغطي على صوتهم بصوته)

- اصحي يا ذاكر.

( لمريد اضطربت حركته، وخالف حركة ماسك المجلس)

- خد وقتك الليل طويل.

( للمنشد فلا يتعجل بإنهاء الوصل)

وهذا قليل الحدوث .. ومن وظائفه تحديد سرعة الحركة ونشاط الذاكر، هذا يحدث بتناغم وإشارات بينه وبين المنشد لتتناسب الحركة مع الإنشاد.

- الحالة الصفرية – الوقوف في ثبات دون تشابك أصابع اليد

- البداية – بطيء

- الوسط –سرعة

- النهاية– حاد السرعة ويعقبها توقف لبداية وصل جديد.

الحضرة تحتاج إلى أكثر من ماسك مجلس؛ ليتناوبوا على الحلقة، فيحدث الإمتاع ويمتنع الكَلل، ولا تكون الحضرة إلا به فإذا غاب وقع التخبط وامتنع النظام، ولقد شاهدتُ حضرة، غاب فيها ماسك المجلس، فناب عنه من لا يحسن الأمر فاضطرب الذكر، وغلب الضحك والسخرية على الكل، واضطر المنشد لإنهاء الحضرة في الحال.. ويرى الشيخ أمين أن ماسك المجلس يكون بأمر من الشيخ أو خليفته، وماسك المجلس واحد يبدأه ويختمه، لكنك إذا رأيته يستبدل نفسه بآخر من باب الترويح فهي أراء، والآراء المختلفة لا ضرر فيها.

الذاكر (السالك، الدرويش، المريد):

 الذاكر غير المنشد وماسك المجلس، هو عمود الحضرة والمكوِّن الأساسي لها، الذاكرون يتلذذون بالمدائح النبوية، وأشعار التربية، ورياضة النفس، والنجاة بالتوحيد، ويأتمرون بصاحب الدقة، يرقصون، يتواجدون، يكررون ( الله الله) لا يغيرونها ولا يتوقفون حين يغني المنشد، يغمضون العين ويسبحون في ملكوت الله، يشعرون بأسرار لا سبيل إلى معرفتها إلا بالتجربة، فهي شيء باطني لا يقع تحت المشاهدة والملاحظة لذلك قالت الصوفية «من ذاق عرف ومن عرف اغترف».

تستقطب الحضرة الكثير من الناس، نظرا لما يقدم فيها من طعام رفيع، وكثرة تناول المشروبات فيه، ولاسيما في المناسبات الدينية، ويأتيها البعض لمشاركة المريدين في الطقس لنوال البركة والثواب والهدوء الروحي، وتكون ملجأ آمنا للمجذوبين وأصحاب الإعاقات الجسدية، ومن لديهم اضطرابات في النطق، فهم لا يخشون مضايقة الناس فيستمتعون بالشعيرة أيضا، ومن المعروف أيضا « إن كثيرا من الناس لا يستطيع أن يستوعب معاني الحضرة، فهي بالنسبة إليه بدعة منكرة، وطقس عجائبي في أحسن الأحوال».(25)

الرقص ( الاهتزاز الصوفي، الذكر الحركي)

 الرقص «عرفته الحضارات الغابرة على مر العصور، وهو ذاكرة تاريخية مهمة جدا، ومجال ثري لعدة أبحاث ودراسات، يعد من بين أقدم الأشكال التي لجأ إليها الإنسان للتفريج عن انفعالاته، ويعتبر اللبنة الأولى في بناء صرح الفنون. ولقد أرجعه اليونانيون إلى بداية نشأة الكون، فكان تعبيرا طبيعيا للشعور بالفرح، وشكرا للآلهة، وتعبدا لها، ثم تطور بتطور الحياة الاجتماعية، وتنوع بتنوع مناسباتها، ليصير إيقاعا مع إيقاعات الصنوج والتصفيقات ومحاكاتيا يحاكي مظاهر الحياة العملية، ودينيا وغيره ».(26)

الرقص الصوفي من الأمور التي استخدمها الآخرون للتشنيع على الصوفية، لكن القوم وقفوا يدافعون عن اختيارهم دفاعًا يستندون فيه إلى أصولهم من حيث الشريعة.. جاء في المنهل:»... ومن القواعد المشهورة في كتب الأئمة وأصولهم رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، أن الأمور بمقاصدها والشيء الواحد تارة يتصف بالحل وتارة يتصف بالحرمة باعتبار ما قصد له لما رواه الشيخان البخاري ومسلم في قوله صلى الله عليه وسلم:» إنما الأعمال بالنيات»(27) وجاء أيضا:«وأما رقص السادة الصوفية في مجالس أذكارهم فلا يخلو أن يكون عن وجد أو عن غير وجد، فإن كان عن وجد فلا شبهة في جوازه، وما ألطف إنشاد بعض العارفين نفعنا الله بأسرارهم في هذا المعنى:

فقل للــذي ينهى عن الوجد أهله

إذا لم تذق معنى شراب الهوى دعنا

فإنا إذا همــنا وطـــــابت نفـــوســــــــــنا

وخـــــــامرنــــا خمـــر الغــــــــــرام تهتكــــــنا

إذا اهتزت الأرواح شوقا إلي اللقــا

تراقصــــــت الأشـــــــباح يـا جاهل المعنى

فيا حادي العشاق قم واحد قائما

وزمــــزم لنا بـــاسم الحبـــــــيب وروحنا

 والرقص لا يكون حراما إلا إذا كان في مجالس فسق وإذا لم يكن في مجالس فسق بل كان في مجلس لهو جاز.»(28) يستندون إلى قصة لعب الأحباش في مسجد النبي. ويفندون كل أقوال المعترضين، وهم لا يهتمون بالجدال .. والرقص عند الصوفية محكوم بآداب، فليس فيه تثن ولا تكسر ولا خروج عن الذكورة كما هو شائع بين المريدين، وليست حركات الصوفية في الرقص والتحرك واحدة فهي تختلف من طريقة لأخرى، ولكنها تتشابه في البحث عن المعاني المجردة، والإحساس بحب الله، فالطريقة المولوية المنسوبة لمولانا جلال الدين الرومي رقصها دوران حول النفس. والاهتزاز في الحضرة والرقص من باب الطرب، ومعروف أن المرء إذا طرب اهتز وهذا معروف بالمشاهدة والواقع.

آلات الموسيقى

تستعين بعض الطرق أثناء الحضرة بآلات الموسيقى كالدف والعود والناي وغيرهم، في حين يعتبرها أصحاب الطريقة الخلوتية الجودية منافية لآداب المجلس والذكر، يقتصرون على الدقة الصادرة من كفي ماسك المجلس، وروى لي الشيخ رجائي: «كانت لي عصا معدنية أعلقها في رقبتي أثناء الحضرة، وأضرب عليها بالمسبحة؛ لتحدث نغمًا يوافق الذكر، لكن شيخ الطريقة اعترض عليها وكسرها أمامي، قائلا: يا رجائي دعك من الغش في الذكر. ولما أقمت حضرة فيها آلات الموسيقى خاصمني الشيخ لمدة».

ختام الحضرة

جرت العادة على إحياء الحضرة الصوفية بصورة دورية، وفي أوقات مناسبة تتسم بالبركة مثل ليلة الجمعة وعقب صلاتها، واثني عشر يومًا من بداية ربيع الأول بمناسبة المولد النبوي، موالد الأولياء، الذكرى السنوية لوفاة أحد الأتباع، فإذا كانت المناسبة مولد الهادي عليه الصلاة والسلام فهم يختمون الحضرة بغناء (طلع البدر علينا) وإذا كان لوفاة فهم يختمون بما يذكرهم الموت وبلائه.. ثم يعودون للجلوس مرة أخري لنهاية المجلس:

 قراءة ما تيسر من القرآن

 يقرأ الشيخ ما تيسر من القرآن ويستمع الكل في إنصات.

 إعادة قراءة الفاتحة مرة أخرى

 ويهبون ثواب الفاتحة للحاضرين وأمة محمد أجمعين، وجيران البيت المقام فيه الحضرة، وأهل البلد من الكبير والصغير، ويدعون بالخير والصلاح لكافة الناس، وبالشفاء للمرضى، وبالرحمة للموتى، ووهب ثواب سر قراءة الفاتحة لأصحاب العوايد(29).

 هبة ثواب الذكر للآخرين

ويسأل الشيخ الحاضرين: هل وهبتم ثواب هذه الليلة لأصحاب البيت؟

يقولون: وهبنا !

يقول: وأنا معكم من الواهبين.. الفاتحة بالتصريف والسماح.

 فاتحة السماح إذن بانتهاء الحضرة والانصراف

قراءة فاتحة السماح بمثابة إذن لكل الحاضرين بالانصراف من الإنس والجن وأرواح الصالحين والملائكة.

ثمرة الحضرة

  قلنا إن الحضرة لها أسرار، لا يقف عليها إلا المُجرب؛ لأنها سر باطني لا يقع تحت الملاحظة والمشاهدة، لكننا نلمس أثره في المريدين، هم يتحدثون عن لذة الوجد أي «مصادفة القلوب لصفاء ذكر كان عنه مفقودا والتواجد والتساكر قريبا المعنى»(30) وإلى جانب اللذة قوة ونشاط تحصل بممارسة الحركة الصوفية، وطرد الأوهام عن النفس والخيالات، والإلهام الباطني أو ما يطلقون عليه العلم اللدني وهو تحصيل العلوم عن الله دون كتاب أو مذاكرة، وقصة دخول محي الدين بن عربي على القاضي الوليد بن رشد وما دار بينهما من سؤال وجواب مشهورة، وإعجاب ابن رشد بفكر وثقافة ابن عربي..» فشكر الله تعالي (ابن رشد) الذي كان في زمان رأى فيه من دخل خلوته جاهلا، وخرج مثل هذا الخروج من غير درس ولا بحث ولا مطالعة ولا قراءة. وقال هذه حالة أثبتناها وما رأينا لها أربابا فالحمد لله الذي أنا في زمان فيه واحد من أربابها الفاتحين مغاليق أبوابها، والحمد لله الذي خصني برؤيته»(31).

 والحب ثمرة من ثمرات التربية الصوفية، والدعاء بالخير والصلاح لكل إنسان وللكبير والصغير والأحياء والأموات يقوي هذه الفكرة، والسماح للناس بالمشاركة في الحضرة، وهم ليسوا من أتباع أي طريقة «حيث يؤمن الصوفية بفكرة الحب الجماعي لله رب العالمين، والتي يرون فيها أن الناس كلهم خلق الله وصنعته، وأن البشر كلهم يؤمنون بالله وبوجوده وبوحدانيته، وأنهم يعبرون عن ذلك الحب وهذا الإيمان بطرق مختلفة...»(32).

 وعن ثمرة الحضرة قال الشيخ عبد الحميد: يحضر المجلس ثلاثة أشخاص، أولهم حضر ليقول الناس حضر فلان فليس له من الفضل إلا كلام الناس، ثانيهم حضر لطلب الطعام والشراب فليس له من الفضل إلا سد حاجة البطن، وثالثهم حضر لحضرة سيدنا النبي وحب آل بيته والأولياء فله كل الفضل وزيادة وهي أن يطعمه الله».

وفي النهاية لا يسعني إلا أن أشكر أستاذنا الدكتور عرفة عبد المعز الباحث، والشيخ عبد الحميد عبد المقصود، والشيخ رجائي كامل، والشيخ أمين عبد الله، وكل دراويش القرية والقرى المجاورة، ولاسيما الشيخ أحمد محمود (منشأة كساب) أحد ماسكي المجلس صاحب الهمة العالية في تنشيط الحضرة.

الهوامش

 

1. سورة الأحزاب: الآية (41).

2. سورة البقرة: الآية (152).

3. جابر أحمد معمر: مَنهَل الوُرَّاد وبهجة الإرشاد لمن أراد طريق الرشاد، مطبعة الجبلاوي، القاهرة 1988م، ص225.

4. محمد الجوهري: موسوعة التراث الشعبيمج5، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة 2012م، ص266.

5. كتاب منهل الوراد وبهجة الإرشاد لمن أراد طريق الرشاد، يوزع على مريدي الطريقة الخلوتية الجودية، يضم رسالة مُبسطة في العقيدة على المذهب الأشعري، وفقه الطهارة والصلاة والزكاة والحج على مذهب المالكية، وكتاب السلوك وفيه جزء أول خاص بالتصوف والرد على المطاعن، وسند الطريقة، ونسب شيخ الطريقة، وجزء ثان خاص بأوراد الطريقة، وعمل المريد في اليوم والليلة.

6. منهل الوراد: ص227.

7. السابق نفسه: انظر ص313 إلى ص323.

8. الشيخ أمين عبد الله إمام: من مريدي الطريقة الخلوتية الجودية، ورتبته في الطريقة خليفة ( الخليفة: تلقى العهد، وعمل مع الشيخ، حتى رقى في درجات النفس السبعة، فأجازه الشيخ أن يلقن العهد للسالكين، ويرشدهم، ويعطيهم الأوراد والأحزاب والأذكار، فيكون عليه مدار العمل في مكانه نيابة عن الشيخ.)من مواليد 1943م، ولقنه العهد شيخ عموم الطريقة السيد عبد العليم البكري، وجدد على يد السيد جودة عبد العليم، ثم السيد عبد العليم جودة، وله في الطريق ما يزيد عن خمسين عامًا. مقابلة بتاريخ 15/4/2015م، بقرية نزلة المشارقة-أهناسيا- بني سويف.

9. بوابة بني سويف الإليكترونيةعلي شبكة الانترنت

http://www.benisuef.gov.eg/

10. معجم المعانيعلي شبكة الانترنت

 http://www.almaany.com/

11. موسوعة التراث الشعبي: مج5، ص216، ص217.

12. الشيخ عبد الحميد عبد المقصود: من مريدي الطريقة الخلوتية، ورتبته في الطريقة خليفة، من مواليد 1964م ، ولقنه العهد شيخ عموم الطريقة السيد عبد العليم البكري، وله في الطريق ما يقرب من خمس وعشرين عامًا. مقابلة بتاريخ  14/4/2015م، بقرية نزلة المشارقة، أهناسيا، بني سويف.

13. البساط أحمدي: أي أن الكل يلتمس حب النبي ويجلس علي بساطه الذي وسع كل الخلق.

14. الشيخ رجائي كامل: من مريدي الطريقة الخلوتية، نائب القرية عن شيخ عموم الطريقة، ونقيب الحضرة، يسمونه في القرية : «خليفة الخلفا». ويقوم بدور المنشد أيضا، من مواليد 1947م، لقنه العهد السيد عبد العليم البكري، وجدد على يد السيد جودة عبد العليم، وله في الطريق ما يزيد عن خمسين عامًا. مقابلة بتاريخ 25/4/2015م، بقرية نزلة المشارقة، أهناسيا، بني سويف.

15. ابن عطاء الله السكندري: شرح قصيدة أبي مدين(ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا...) طبعة دراسية خاصة، تحقيق د.محمد مصطفى منصور، دار غريب، القاهرة 2005م، ط2، ص99، ص100.

16. الحضرة مثال عملي في الفكر الصوفي لمراعاة الأعمال الطيبة التي يحض عليها الإسلام مثل إطعام الطعام، وأيضا مناسبة للتلاقي بين إخوان الطريقة، يتحقق التواصل والتزاور بينهم. الحضرة وقت الجمع، يسأل كلٌّ صاحبه عن الأحوال، وقضاء المصالح، وينشغلون بأمور الدنيا، وتَقَصي أحوال الغائبين، والاتفاق علي عيادة المرضي، واللوم الخفيف للمتخلفين عن الحضرات في أوقات سابقة.

17. منهل الوراد: ص239.

18. يجب علي المريد السالك أن يلتزم آداب الحضرة وقد لاحظت بعض المخالفات التي تُرتكب قبل البدء في الحضرة مباشرة مثل التدخين، وهو عادة سيئة لدى البعض. وليس من آداب الحضرة تعاطي الدخان ولكن ما دعانا للكلام عنه هو ملاحظة المريدين يكثرون منه، ويأتي دور التدخين بعد الفراغ من الطعام وأثناء تناول شراب الشاي، يقدمه أحد الدراويش – الخادم- متربعًا وسط الحلقة أمامه براد الشاي والكثير من الأكواب، يصب الشاي، ويبدأ التوزيع من حيث يشاء، فليس لأحد أن يرفض دوره متعللا بصغر سنه أو أنه يسبق بذلك أعمامه - العم: هو مرشد الطريق - ويتم ساعتها توزيع السجائر، والناس في تعاطيها مذاهب: أحدهم يتعاطاه موقن بضرره وأنه محظور في الشريعة، وثانيهم موقن بقدرته المزاجية وأنه غير محظور في الشريعة، وثالثهم لا يتعاطاه لنشأته علي ذلك أو تجنبًا لضرره أو كراهية .. ولكن علي هذا الخلاف فليس لأحد أن ينكر علي أخيه فعله ولا جدال بينهم علي الحلال والحرام؛ لأن الجدال يورث البغض.. يقول الشيخ رجائي: وما أعتقده وأجزم به أمام الله أنه حرام حرام شديد الحرمانية لمن لا يملك قوته فيمنع ماله عياله ليشتريه، ولقد شاهدت رجلا باع غلة في داره كانت زوجته تعده لتصنع خبزا من أجل علبة دخان، أو شخص مريض يؤثر عليه سلبا، وهو مكروه لذوي اليسار والجاه.. ويقول الشيخ عبد الحميد: الدخان مكروه، وتؤجر لو أعطيت مدخن سيجارة فربما أنفق ثمن خبزه في سيجارة يهواها فتوفر عليه ثمن الرغيف.

19. موسوعة التراث الشعبيمج5: ص131، ص132.

20. منهل الوراد: راجع « مبحث النقابة والنقباء وما يتعلق بذلك» ص336.

21. السابق نفسه.

22. معجم المعانيعلى شبكة الانترنت.

23. السابق نفسه.

24. السابق نفسه.

25. يوسف توفيق: الحضرة في التصوف الشعبي زاوية العلاوية أنموذجا، مجلة الثقافة الشعبية، ع19، البحرين خريف 2012م، ص119.

26. الجيلالي الغَرابي: في الرقص الشعبي المغربي، مجلة الثقافة الشعبية، ع24، البحرين شتاء2014م، ص122.

27. منهل الوراد: ص232.

28. السابق نفسه: ص233.

29. أصحاب العوايد: أصحاب العادات الذين تعودوا إقامة الحضرات تحت أي ظرف في حب النبي محمد صلى الله عليه وسلم وآل بيته الطاهرين.

30. السراج الطوسي: اللمع، تحقيق عبد الحليم محمود وطه عبد الباقي سرور، دار الكتب الحديثة، القاهرة1960م، ص418.

31. آسين بلاثيوس: ابن عربي حياته ومذهبه، ترجمة عبد الرحمن بدوي، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة 1965م، ص12، ص13.

32. عبد الحكيم خليل سيد أحمد: دراسات في المعتقد الشعبي، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة2013م، ص 194.

مصادر الصور

1. http://onaeg.com/wp-content/uploads/2013/06/DSCF9179.jpg

2. http://www.fekra-news.com/content/uploads/2015/06/20/55853a9524e04.jpg

3. http://mkthabit.com/wp-content/uploads/2014/11/Irandoust2-Copy.jpg

 

أعداد المجلة