فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
61

الملتقى الدولي لتوثيق احتفالية الحج أبحاث جديدة ومشروع طموح

العدد 30 - جديد النشر
الملتقى الدولي لتوثيق احتفالية الحج أبحاث جديدة ومشروع طموح
كاتبة من مصر

هذا هو العدد الثاني على التوالي الذي يهتم فيه جديد النشر بالتعريف بالملتقيات والمؤتمرات الدولية، وتقديم الأبحاث الجديدة التي نوقشت بهذه الملتقيات. وقد عرضنا في العدد السابق لأربعة مؤتمرات عربية وعالمية حول التراث والتنوع الثقافي عقدت بفينا وباريس والقاهرة. وفي هذا العدد نعرض لملتقى دولي جديد عقد بمدينة الأسكندرية بمصر في الفترة من 20 إلى22إبريل 2015 حمل عنوان «الملتقى الدولي لتوثيق احتفالية الحج». وقد أقامت الملتقى مكتبة الأسكندرية بالاشتراك مع مركز المعلم محمد بن لادن للعلم والتعليم، وكان الدكتور إسماعيل سراج الدين؛ مدير مكتبة الإسكندرية، والدكتور زاهر عثمان؛ أمين عام مركز المعلم محمد بن لادن للعلم والتعليم، قد افتتحا الملتقى الذي شارك فيه أساتذة وخبراء من سبعة عشر دولة شملت كل من: مصر- السودان- الصومال- الكويت- السعودية- اليمن- سلطنة عمان- البحرين- قطر- ليبيا- تونس- المغرب- موريتانيا- سوريا- لبنان- الأردن- الهند. وقد تحول الملتقى إلى تظاهرة ثقافية كشفت عن العديد من ملامح الإبداع الشعبي العربي في احتفالية الحج التي تعتبر هي الأكبر والأشهر على مستوى العالم.

مركز المعلم محمد بن لادن للعلم والتعليم
يشير موقع مركز المعلم محمد بن لادن للعلم والتعليم إلى أن مجموعة بن لادن السعودية تضع ضمن مسؤوليتها الاجتماعية عدداً من الأهداف الكبرى من ضمنها دعم المؤسسات العلمية والتعليمية بالمملكة والعالم من خلال إنشاء كراسٍ للبحوث والدراسات في مجالات علمية وفكرية متعددة، بالإضافة إلى بناء عدد من المنشآت العلمية والتعليمية، وتخصيص أوقاف لدعم عدد من تلك المؤسسات، وتقديم الدعم لإقامة المؤتمرات العلمية وإطلاق المبادرات التعليمية وتقديم الجوائز للمتميزين من العلماء والباحثين. كما تقدم المجموعة منحاً للدراسة في جامعات المملكة وخارجها.ورغبة منها في تنسيق الجهود حيال تلك المبادرات، ووضع إطار لإنشائها والتعامل معها، وضمان تكاملها، وتنظيم أطر دعم المؤسسات العلمية والتعليمية، وتعزيز الاستفادة من برامج دعم المجموعة للمؤسسات العلمية والتعليمية، فقد جاءت فكرة إنشاء مركز المعلم محمد بن لادن للعلم والتعليم لترسيخ هذه المبادرات وتنفيذها بشكل علمي ومميز.

أهداف الملتقى
يهدف الملتقى إلى رصد العناصرالشعبية المرتبطة بالحج في مجتمعات المسلمين، سواء الموجودة الآن أوالتي اندثرت أو أوشكت على الاندثار.فضلاً عن رصد الممارسات الشعبية المرتبطة بالاحتفالية للوقوف على عناصر التشابه والاختلاف بين ثقافات المجتمعات المسلمة وطرائق إبداعها. لتكون حصيلة هذا الملتقى إصدار عمل توثيقي موسع ومصور يبرز هذه المظاهر الاحتفالية، ومن ثم يمكن وضع إطار لمشروع دولي لعمل مكنز وقاعدة بيانات موسعة حول مظاهر احتفالية الحج بين المأثور الشعبي والتراث.
وقد قام بالإعداد لهذا الملتقي الدولي ومتابعته والإشراف عليه لجنة تحضيرية وعلمية مكونة من: صلاح الدين الجوهري، مصطفى جاد، ياسمين ماهر، منة الله لبيب، محمد القاسم، هدى سيد، شيماء التركي، عمرو عزت، إبراهيم عبد الحافظ، أحلام أبو زيد.

الحج في التراث الشعبي
نشرت أبحاث الملتقى في كتاب أولي بدأ بمقدمة أشارت إلى الاهتمام بالجانب الشعبي لاحتفالية الحج، وفي هذا الإطار تختلف مظاهر الاحتفال من بيئة إلى أخرى ومن منطقة ومجتمع إلى آخر، وهذه المظاهر حافلة بالتنوع والثراء والإبداع، وتهدف جميعها إلى إبراز البهجة بقدوم موسم الحج والعيد؛ ومن ثم تقوم المجتمعات المختلفة بالعديد من الممارسات التي تصاحب الاستعداد للحج، مثل: موكب الحاج،  وتقاليد التوديع والاستقبال وما يصاحبهما من إبراز«مكانة الحاج» الاجتماعية، وخاصة بعد عودته من أداء الفريضة، والمعارف والمعتقدات المرتبطة بماء زمزم كزمزمة الكفن، وطريقة الاحتفال بذبح الأضحيات، واحتفال الأطفال بخروف العيد، والأكلات المرتبطة بالعيد كـ«الفتة» و«الرقاق» وغيرهما. فضلًا عن زيارة الأولياء في بعض البلدان قبل السفر للحج.
كما يدخل ضمن المظاهر الشعبية في الاحتفال بالحج بروز بعض الفنون على نحو ما يُعرف في مصر بـ «حنون الحجاج» وهي الأغاني الشعبية التي يرددها أهالي الحاج وجيرانه والمحيطون به عند توديعه أو استقباله. وتبرز أيضًا فنون التشكيل الشعبي فيما يعرف بجداريات الحج وهي رسومات على جدران البيوت للإعلان عن سفر الحاج أو قدومه، إلى جانب فنون أخرى مرتبطة بزي الحاج وزينته قبل الذهاب للحج وبعد العودة خاصة السيدات. كما يهتم المأثور الشعبي بالفنون القولية المرتبطة بالحج كالأمثال الشعبية، والحكايات والمرويات الشفاهية حول احتفالية الحج، والروايات التي يتناقلها الحجاج حول مشاهداتهم أثناء الزيارة بمراحلها المختلفة.وإلى جانب الممارسات الشعبية التي تمارسها المجتمعات الآن احتفالًا بالحج، هناك بعض الممارسات التي اندثرت كاحتفالية «المحمل»، التي كانت تقوم على إعداد كسوة الكعبة المشرفة في مصر، وإرسالها ضمن موكب ضخم للأراضي المقدسة.

إشكالية الملتقي
اعتمد هذا الملتقي علي منهجية علمية بدأت بمجموعة من التساؤلات والإشكاليات التي تؤسس لمشروع أكبر حول توثيق احتفالية الحج، وبحث إمكانية توافر دراسات وأبحاث للأساتذة المشاركين في المنطقة العربية للبحث فيها، وتبلورت تلك التساؤلات في التالي:
هل هناك تنوع ثقافي حول مظاهر الاحتفالات الشعبية المرتبطة بالحج بين البيئات المسلمة؟ وما هي هذه التنويعات؟
 وهل تمثل تلك الاحتفالات خصوصية لكل مجتمع؛ كأن تكون المجتمعات الخليجية مثلًا لها طابع مميز عن المجتمعات البحرمتوسطية أو الأفريقية...إلخ.؟ وهل هناك خصوصيات ثقافية بين بعض البيئات والمناطق الجغرافية في المجتمع الواحد..؟
ما هي التغيرات التي صاحبت احتفالية الحج عبر التاريخ؟
 وهل هناك بعض التقاليد أو الطقوس الشعبية التي اندثرت؟
وما هي الطقوس التي ما زالت تحتفظ باستمراريتها حتى الآن؟
هل هناك عناصر تشابه بين المظاهر الاحتفالية للحج في المجتمعات المسلمة؟ وما هي..؟ وكيف تكونت..؟
في أي من عناصر التراث الشعبي يبرز التنوع والاختلاف؟ هل في النواحي الإبداعية كالأغاني والحكايات والرسومات الجدارية؟.. أم في الممارسات اليومية كالعادات والتقاليد والمعتقدات...؟

محاور الملتقى
اهتم الملتقى بتلقي دراسات إثنوجرافية حول احتفالية الحج في كل بلد تمت الدعوة إليه، حيث اشتملت كل دراسة على رصد تفصيلي للاحتفالية من خلال المحاور التالية:
المحور الأول: العادات والتقاليد المرتبطة باحتفالية الحج (استقبال الحاج وتوديعه- الأكلات الشعبية- عادات دورة الحياة المواكبة لعيد الأضحى- الاستعدادات المنزلية...إلخ).
المحور الثاني: المعارف والمعتقدات والتصورات الشعبية (ذبح الأضاحي- زيارة الأولياء- ماء زمزم...إلخ).
المحور الثالث: فنون الأدب الشعبي والأداء (الأغاني الشعبية والموسيقى- الحكايات الشعبية- الأمثال الشعبية- السير الشعبية- الأقوال المأثورة....إلخ).
المحور الرابع: فنون التشكيل الشعبي (المرسمات الشعبية- الأزياء- الزينة- الحرف التقليدية...إلخ).
وسوف نعرض في الفقرات التالية للأبحاث التي نوقشت على مدار الأيام الثلاثة، وسوف نعرضها هنا في إطار جغرافي للوقوف على فولكلور الحج في كل منطقة ثقافية بالعالم العربي.

تراث الحج في وادي النيل
قدم الباحثون من مصر والسودان (وادي النيل) مجموعة متنوعة من الدراسات التي تناولت احتفالية الحج من أكثر من جانب ففي مجال الموسيقى الشعبية قدم محمد شبانة أستاذ الغناء والموسيقى الشعبية بالمعهد العالي للفنون الشعبية بأكاديمية الفنون دراسته المعنونة «أغاني الحج في مصر»  أشار فيها إلى أن المصريين يحتفون بالحج والحجاج موسيقيًّا وغنائيًّا، سواء في الجانب الإبداعي الشعبي فيما يعرف بأغاني تحنين الحجاج، حيث يغني الأهل للحاج أغاني تعبر عن الشوق والحنين، كما تعقد حلقات الذكر والإنشاد الديني في بيت الحاج أو الحاجة.
والأغاني المعبرة عن الحج والحجيج تحتل مكانة متميزة وثرية؛ حيث يمكن رصد اهتمام المغنين المصريين بمناسبة الحج، وهو ما يظهر في إبداعات الكثيرين من أشهر المغنين والمغنيات مثل أم كلثوم في قصيدة «إلى عرفات الله»، وأسمهان «عليك صلاة الله وسلامه»، هذا بالإضافة إلى العشرات من أغاني الحج التي أنتجت في فترات زمنية متعددة.
وتهدف دراسة شبانه إلى تناول الإبداعات الموسيقية والغنائية المصاحبة لرحلة الحج والمعبرة عنها لدى المصريين في إطاريها الشعبي والتقليدي، حيث عرض لهذه الأغنيات ومواكبتها لرحلتي الذهاب والعودة، وأهميتها في التعبير عن اهتمام الوجدان الشعبي المصري بهذه الرحلة المباركة، وما يحيط بها من مشاعر الحب والتقديس للنبي محمد صلى الله عليه وسلم.
أما ابراهيم عبد الحافظ أستاذ ورئيس قسم الأدب الشعبي بالمعهد العالي للفنون الشعبية ومحمد حسن حافظ المدرس بالقسم نفسه، فقد اشتركا في تقديم ورقة حول «سردية الرحلة الحَجِّيَّة في أغنية تَحْنِين الحجاج» وتقارب هذه الورقة، من زوايا متعددة، أغنية «تحنين الحجاج» المصرية الشعبية، من منظور السرد الرحلي، بوصف «الحج» رحلة دينية تحكمها بنية السفر، وبوصفه سفرًا تحكمه مراحل الرحلة ومحطاتها.
فضاءات «رحلة الحج» المسرودة في أغنية «تحنين الحجاج» التي يرفدها ويترافق معها العديد من النصوص الأدبية فيها ما ينشدها المنشدون المحترفون ترسيخًا لقدسية هذه الرحلة الموجهة بالمحبة النبوية بوصف النبي محمد (ص) شخصية فريدة في الوجدان الشعبي، وموجهة أيضًا بالتشوق إلى البيت الحرام والكعبة التي تهون في سبيلها- في معتقد الحاج- أمواله وأبناؤه.
ومنها ما تهتم به النسوة من أقارب الحاج وجيرانه عند تجمعهن لتوديعه بأغنية التحنين التي تأخذ فيها الأماكن المقدسة (الحرم، قبر الرسول (ص)، بئر زمزم، الصفا والمروة، جبل عرفات...) حيزًا كبيرًا، كما تأخذ الأفعال المقدسة (الزيارة، الطواف، الوقوف بعرفة، السعي، رمي الجمرات، الصلوات، الدعاء... ) حيزًا مماثلًا.
وأما الزمن المقدس (أيام التشريق، وقفة عرفات، أيام الإحرام) فلا يجوز إهماله في مثل هذه النصوص.وكان حجاج مصر في الماضي يتجمعون من جميع المناطق المصرية في مكان على مشارف مدينة القاهرة يسمى بركة الحاج، والتسمية مشتقة من مكان بروك جمال الحجاج وتجمعها، وهو ما جعل هذا المكان يضم إلى الأمكنة المقدسة؛ ومن ثم حظي بالدلالات الرمزية التي يكمل بها علاقة الديني المقدس بالدنيوي في الرحلة الحجية.
ومن ثم فإن مقاربة أغنية تحنين الحجاج واكتشاف تجلياتها المختلفة محاولة لرصد العلاقة التداخلية بين المقدس والدنيوي، ويترافق مع عرض أفكار الموضوع وتحليل أغنية التحنين عروض سمعية وبصرية لنماذج متعددة من أغنية تحنين الحجاج، حرص الباحثان على تقديمها.
أما محمد عباس أستاذ الأنثروبولوجيا بكلية الآداب جامعة الإسكندرية فقد قدم «رؤية المصريين لاحتفالية الحج بين المقدس والموروث» أشار فيها إلى أن رحلة الحج إلى الأراضي الحجازية لها مكانة كبيرة، فالمصري رجلًا أو امرأة يحرص أشد الحرص في حياته كي يؤدي فريضة الحج ويجاهد في ادخار ما يستطيع من المال كي يتمكن من الذهاب إلى الحج. فالحج بالنسبة للمصري هو تطهير للنفس والجسد وغسيل من الذنوب.. ويأتي هذا في أقوالهم الشعبية: «أنا رايح أغسل ذنوبي»، وقولهم «أنا رايح أطهر نفسي»، والبعض يبالغ بالقول «أنا رايح أغسل رمتي!!».
وما إن يسمع أحد المصريين بشخص ذاهب إلى الحج أو العُمرة... حتى يحمله بأمانة الدعاء له عند الرسول وأهل البيت: «ادعيلنا وأنت عند النبي؟»،
     «إوعى تنسانا بالدعاء؟».
كما يشير عباس إلى أن للحج ممارسات شعبية اجتماعية ارتبطت بمضامين ثقافية عامة أو فرعية على حدٍّ سواء منذ بدء نية الشخص في الذهاب إلى الحج، والدخول في الإجراءات الفعلية للسفر، وتجهيز ملابس الرحلة، والاستعداد للسفر، والأطعمة المقدمة في المناسبة، واستعدادات أهل الحاج، وما يقومون به من أفعال ورسومات جدارية على واجهات المنازل والمساكن، وطلاء البيوت من الداخل والخارج؛ استعدادًا لاستقبال الحاج عند عودته.
أما نهلة إمام رئيس قسم العادات والمعتقدات والمعارف الشعبية بالمعهد العالي للفنون الشعبية فقد قدمت ورقة بعنوان «الحج والثقافة الشعبية العربية أمس واليوم» عرضت فيها إلى الرؤية الخاصة للحج والحجاج من الزاوية الثقافية وبعيون استشراقية حيث ترصد انتباه المستشرقين لرحلة الحج، حيث أن معتقدات الشرق تُفهم بفهم رحلة الحج، التي تفرض على الحاج نمطًا من السلوك والعلاقات يختلف عن الذي كان ينتهجه قبل الرحلة، وتلزمه بأنماط السلوك المتوقعة منه بإطلاق لقب «حاج» عليه، وعلى هذا النحو تتناول الدراسة رحلات المستشرقين للحج منذ القرن السادس عشر- عبر مسارين: الشامي والمصري، محاولة كشف الستار عن رحلات أجانب (نصارى) كما أطلق عليهم العرب في كتاباتهم، دفعت بهم دولهم أو فضولهم للتعرف على عادات ومعتقدات العرب من خلال رحلة الحج المقدسة. وقد غيَّر المستشرقون هيئاتهم وأسماءهم ليجتازوا طريق الحج بسلام، ومارسوا ما أمكنهم من الطقوس، واستنسخوا النقوش التي صادفوها في طريقهم، وأعملوا أدوات البحث الأنثروبولوجي باقتدار مشهود، وبعضهم لم يحافظ على الخط الفاصل بين الملاحظة المشاركة وتبني الاعتقاد، والبعض عاد سالمًا إلى وطنه ليكتب تقاريره التي لم تخلُ من تعصب عرقي، وإطلاق أحكام على الثقافة العربية ومنتجها الاعتقادي.
وترصد نهلة إمام رحلة «جورج بيتس» في القرن السابع عشر الميلادي ورحلة «تشارلز دوتى» في القرن التاسع عشر التي حاول فيها إنجاز ما لم يستطع «بوركهارت» إنجازه.. فالحاج يوسف «بيتس» والحاج خليل «دوتى» وصلا إلى أقدس أماكن المسلمين متسللين، ليراقبا وينقلا فرحة العرب بماء ينسكب من فوق الكعبة، أو بماء بئر تنبع من تحت الأرض، ومكنسة الكعبة التي تكسر وتنثر قطعها فيتلقفها الناس تبركًا.
وقدم مجدي السرسي أستاذ الجغرافيا بكلية البنات جامعة عين شمس دراسة جديدة حملت عنوان «الخصائص الجغرافية لطرق الحج في المنطقة العربية عبرالتاريخ» أشار فيها إلى أن رحلة الحج قد اختلفت خصائصها وتوزيعها الجغرافي عبر التاريخ، والتي بدأت بمغامرة غير مضمونة العواقب لمشقتها وخطورتها، والتي قد تصل نتائجها إلى حد الهلاك، فتعود كل من يسعى لأداء الفريضة من أي بلد بعيدة عن مكة أن يودع أهله وداع المفارق، وعندعودته إلى وطنه يستقبله أهله استقبال الناجي من الهلاك لما كان يكتنف هذه الرحلات من مخاطر أثناء الطريق.
ويستكمل السرسي بحثه بكشف أشكال المخاطر عبر هذه الطرق والدروب وتنوعها، فمنها ما كان يتعلق بطبيعتها الجغرافية كالطرق الصحراوية، إما عبر نطاقات الرمال والكثبان الرملية، أو عبر الجبال الوعرة الشديدة التضرس، أو الملاحة عبر البحار والمحيطات، أو حتى الأنهار، ومنها ما كان يتعلق بظروف الأمن والأمان عبر هذه الدروب التي كانت تفتقر إلى الأمن والحماية لعابريها من الحجاج أو غيرهم.
وتهتم الدراسة بتحديد الخصائص الجغرافية لدروب الحج في المنطقة العربية، شاملة أنواع هذه الدروب سواء برية أو بحرية، وأهمية كل درب من هذه الدروب تاريخيًّا، ومدى تأثره بالتطور السياسي والاجتماعي والاقتصادي في المنطقة.
وتختتم الأوراق المصرية بدراسة مصطفى جاد وكيل المعهد العالي للفنون الشعبية وأحلام أبو زيد– كاتبة السطور- التي عرضت لإطار منهجي لتوثيق احتفالية الحج.
وتشير الدراسة إلى أن احتفالية الحج تشتمل على عشرات العناصر المرتبطة بالتراث الشعبي غير المادي، ولا يمكننا بحث الاحتفالية بدون التعرف على هذه العناصر في إطار علاقاتها الترابطية من ناحية، وفي سياقاتها الميدانية من ناحية أخرى.
ففي إطار العادات والتقاليد، ترتبط الاحتفالية بعيد الأضحى كواحد من الاحتفالات الدينية الكبرى، وما يشمله هذا العيد من ذبح للأضاحي، فيما يرتبط العيد أيضًا بالناحية الترويحية، وعادات إعداد الطعام، وتبادل الزيارات وغيرها من الممارسات.
وفي إطار المعتقدات الشعبية سنجد بعض العناصر المرتبطة بطقوس الذبح، والتعامل مع بعض أعضاء الذبيحة كعنصر سحري. أما إذا انتقلنا للجانب الشفهي والإبداعي، فسنجدنا أمام كم هائل من النصوص الغنائية، وما يصاحبها من أداءات موسيقية.
أما الممارسات المرتبطة بطقوس الحج فتتشعب إلى عشرات العناصر الأخرى كتوديع الحجاج واستقبالهم، والإنشاد والمديح، ورسومات الحج التشكيلية، وأزياء الحج، وهدايا الحج، وماء زمزم..إلخ. إلى أن نصل للحرف التقليدية المرتبطة بهذه المناسبة كصناعة السبح، والخيامية، والتطريز، والعطور، والحناء، والبخور...إلخ.
وعلى هذا النحو نستطيع أن نرصد عناصر التراث غير المادي المرتبطة بالاحتفالية، ومن ثم فالأمر يحتاج إلى وضع إطار تصنيفي موضوعي/جغرافي/ زمني للتعرف على العلاقات التي تربط عناصر الاحتفالية من ناحية، وتنوعاتها الثقافية في المنطقة العربية من ناحية أخرى، وتغيراتها عبر الزمن من ناحية ثالثة.
وترتبط الرؤية التوثيقية، بجمع المادة الميدانية، سواء التي سيتم جمعها أو الموجودة بالأرشيفات العربية، فضلًا عن العكوف على توثيق جميع ما تم نشره حول الاحتفالية في إطار قاعدة بيانات موسعة تشتمل على النصوص المدونة، والصور الفوتوغرافية، والمادة الصوتية، والمادة المرئية.
كما تشير الورقة إلى أن إعداد أرشيف عربي يقوم على توثيق احتفالية الحج سيكون الخطوة الأولى نحو نشر التنوع الثقافي العربي لواحدة من الاحتفاليات التي يشترك فيها ملايين المسلمين على مستوى العالم، وهي مسألة لا يمكن أن تتحقق في عنصر تراثي آخر.
وتكتمل أوراق وادي النيل بدراستين من السودان الأولى لمحمد المهدي بشري المحاضر بجامعة الخرطوم حول «فولكلور الحج: الحج عقيدة وممارسة فولكلورية» أشار فيها إلى أن ممارسة شعيرة الحج عند السودانيين تختلط بالكثير من الطقوس والعادات والتقاليد، وقد عُرف السودانيون بمحبتهم للنبي (ص)، الأمر الذي قادهم إلى الحرص على أداء الحج؛ حتى تكتحل عيونهم برؤية البيت الحرام وزيارة المدينة حيث قبر الحبيب النبي (ص)، وظل الشعراء منذ أزمان بعيدة يعبرون عن هذا الحب في المديح النبوي، وهو جنس فولكلوري شعري خصص لمدح النبي (ص).
وقد صنف فولكلور الحج إلى أبواب رئيسية ثلاثة، هي: الثقافة المادية، والإبداع الشعبي، والعادات والتقاليد.
 وتتناول الورقة فولكلور الحج  بكل أجناسه كالثقافة المادية بالإشارة إلى الأطعمة التي تقدم عندما ينوي الفرد السفر للأراضي المقدسة وعند العودة، وتبحث أيضاً الزخارف والرسومات التي تزين بها مداخل وجدران منزل الحاج، إضافة إلى الهدايا التي يحضرها الحاج من الأراضي المقدسة، وقيمة هذه الهدايا خاصة ماء زمزم.
كما تتناول الإبداع الشعبي في العديد من الأجناس الفولكلورية خاصة الشعر،إلى جانب الحكاية الشعبية والمثل ومايجري مجرى المثل. فضلاً عن بحث تغلغل ثقافة  الحج تغلغلا عميقًا في المعارف والممارسات التقليدية، وخير مثال لذلك عادة تسمية الأطفال خاصة الإناث بالأماكن والرموز المقدسة. فثمة فولكلور ثرٍ يرتبط بأداء شعيرة الحج، وهذا الفولكلور يتنوع ويتعدد بتعدد الجماعات  السودانية.
أما إسماعيل الفحيل الخبير باليونسكو ورئيس قسم تقارير وتسجيل التراث المعنوي بهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة فقد قدم ورقة بحثية بعنوان «من تراث الحج في وسط وغرب السودان» أشار فيها إلى أن الحج يعد محورًا هامًا من محاور التراث الثقافي غير المادي في السودان.
ورغم أن الحج يصنف ضمن الممارسات الاجتماعية والطقوس والاحتفالات، فإن الحج من عناصر التراث الشعبي القليلة الشاملة والتي تتمدد في أقسام أو مجالات التراث الخمسة المتعارف عليها:
التقاليد وأشكال التعبير الشفهي- فنون وتقاليد أداء العروض- الممارسات الاجتماعية والطقوس والاحتفالات- المعارف والممارسات المتعلقة بالطبيعة والكون- المهارات المرتبطة بالفنون الحرفية التقليدية.
ويقدم الفحيل في دراسته وصفًا إثنوجرافيًا ودراسة تحليلية لبعض أشكال التراث غير المادي المرتبط باحتفالية الحج في وسط وغرب السودان.
وتركز بشكل أساسي على العادات والتقاليد المرتبطة بالحج وبخاصة أشكال التلاحم والتكافل الاجتماعي، كما تتناول الاستعداد للحج بالمأكولات والأزياء، وتتناول الممارسات الاجتماعية والطقوس المرتبطة بمغادرة الحاج/ الحاجة وعودته وبخاصة الذبائح وما يتبعها من طقوس واحتفالات.
وتفرد الورقة حيزًا معتبرًا للتقاليد وأشكال التعبير الشفهي المرتبطة بالحج والمتمثلة في الأشعار، والحكايات الشعبية، والنكات، ونداءات الباعة والشحاذين، كما تتحدث عن فنون الأداء وبخاصة المدائح النبوية وأغاني الحج والسفر.
وتستعرض أيضًا الحرف التقليدية والفنون المرتبطة بالحج وبخاصة الرسومات والكتابات التي تزين جدران البيوت الخارجية والبوابات. كما تناقش في النهاية الوظائف الاجتماعية والثقافية لاحتفالية الحج والتغير الذي حدث لها.
تراث الحج في الخليج العربي
شاركت منطقة الخليج العربي واليمن بخمسة أبحاث لكل من البحرين والسعودية وسلطنة عمان والكويت واليمن، حيث شاركت من البحرين أنيسة السعدون الناقدة الأدبية بدراسة حول «الأبعاد الدلاليّة والجماليّة لاحتفاليّة الحجّ في الموروث الشعبيّ البحرينيّ» حاولت من خلاله تلمّس واقع الاحتفال بموسم الحجّ في المجتمع البحرينيّ من خلال الوقوف على بعض المظاهر الشعبيّة، ورصد ما استندت إليه من معتقدات وتصوّرات وعادات وتقاليد، وما اقترنت به من ممارسات وفنون تشكيليّة وقوليّة، وغير ذلك من الموروثات الشعبيّة.
وتضيف أنيسة أنه على الرغم من أنّ الموروث الشعبيّ في البحرين حول الاحتفال بموسم الحجّ قليل جدًا، ولا يضاهي الموروث الشعبيّ في دول أخرى؛ فإنّ أغلب تلك الموروثات، على قلّتها، قد اندثرت مع تقدّم الزمن، وخفّ انشداد الناس إليها، وأهملوا الاحتفاء بها، اللهمّ ما نشطت في إحيائه جمعيّاتٌ أهليّة أو جهات ثقافيّة رسميّة.
ومهما يكن حجم الموروث الشعبيّ البحرينيّ المرتبط بموسم الحج؛ فإنّه من الضروريّ توثيقه ودراسته، والوقوف على سماته ومقاصده الفكريّة وأبعاده الدلاليّة وملامحه الجماليّة، لكونه يصون الذاكرة الشعبيّة البحرينيّة بشكل خاصّ، ويغني مخزون الثقافة الإسلاميّة الشعبيّة بشكل عامّ.
ومن ثم فإن البحث يرصد الموروث الشعبيّ في كتب التراث من ناحية والدراسة الميدانيّة من ناحية أخرى، حيث قامت الباحثة بإجراء مقابلات مع عدد من كبار السنّ؛ بغية تسجيل تلك المظاهر التراثيّة، ورصد تفاصيلها ممّن عاينها، وشاهد أحداثها، ومارسها طقوسًا وتقاليدَ.
وقد انتهى البحث إلى نتيجة تكشف أنّ غاية ما تبقّى من عادات ومعتقدات وفنون شعبيّة متّصلة بموسم الحجّ لم تعد، كما كانت سابقًا، تعبيرًا عن حاجات ضروريّة تضطلع بأداء وظيفة اجتماعيّة تستجيب لظروف تاريخيّة وفنّيّة وثقافيّة استدعتها وهيّأت لها مجموعة من المؤثّرات والإشكالات، بقدر ما أصبحت تعبيرًا عن فرحة يقيمها الأهالي للأطفال خاصّة بغرض إشاعة جوٍّ من السرور، وقد يغفلون عن ربطها بمرجعيّاتها الدينيّة والتراثيّة والمعتقداتيّة والثقافيّة.
أما محمد البيالي خبير التراث الثقافي غير المادي بوزارة الثقافة والإعلام السعودية فقد تناول منطقة بعينها وفترة زمنية بعينها حيث تناولت ورقته مظاهر الحج في منطقة جازان منذ قرابة القرن،وجازان تقع في أقصى الجنوب الغربي للمملكة العربية السعودية، وتبعد عن مكة المكرمة قرابة 700 كم.
وكان الناس يستعدون لهذا الموسم قبل دخول شهر ذي الحجة بمدة قد تصل إلى ثلاثة أشهر، تبدأ معه مراسم وعادات وتقاليد وأهازيج شعبية، ثم يقوم الحاج بتجهيز  راحلته من الجمال أو الحمير أو البغال وعادة ما ترافق الحجاج قافلة كبيرة من الجمال محملة بكافة المؤن والمواد الغذائية والمياه والأسلحة.
وكان الذاهب إلى الحج في ذلك الوقت يُعدّ شبه مفقود، وقد يعود لأهله أو لا يعود؛ حيث تتربص به الأمراض الخطيرة والحيوانات الفتاكةالمفترسة،إضافة للجوع وقطّاع الطرق. وعندما يعتزم الشخص الحج يبدأ أقاربه وجيرانه في التجمع في منزله قبل موعد السفر بعدة أسابيع لينشدوا أهازيج من الشعر الشعبي يودعون قريبهم الحاج. أما النساء فيقمن في منزل الحاج «وَدَاعِيَّة» حزينة وأناشيد لها ألحان جميلة.
وقبل انتهاء موسم الحج بأيام تبدأ ربات البيوت بالاستعداد لاستقبال ذويهم الحجاج بشوق بالغ، ويقمن بطلاء المنازل ودهانها بالنورة البيضاء أو الجص. وهناك عادة تجهيز «قعادة» الحاج أي الكرسي أو السرير الخشبي وذلك تكريمًا للحاج.
ويضيف البيالي أنه من الأمور التي ارتبطت بالحج، هدية الحاج التي لا يمكن أن يعود بدونها. ويتوجب عليه بشكل أساسي أن يحضر (الصُّنبُرا) أو (العمبرا) والسبَح والحلويات كأمور أساسية في الهدية.
فمنذ الأيام الأولى لوصول الحاج يستقبله أهله وذووه، النساء بالزغاريد.. والأطفال بالألعاب.. والكبار بإطلاق الطلقات النارية في الفضاء. وكان الحاج لا يدخل منزله إلاّ نهارًا، فإذا صادف دخوله لمنزله غروب الشمس ودخول الظلام لا يدخل دياره بأكملها بل ينام على مشارفها ليلًا ويأتيها في الصباح. وما إن يستريح الحاج في منزله حتى يبدأ في استقبال المهنئين، بتوزيع الهدايا.
و من سلطنة عمان كتب فهد الرحبي الباحث في الدراسات التاريخية دراسة بعنوان «الإرث الثقافي والفكري لرحلة الحج وعيد الأضحى» أوضح فيها إلى أن العديد من المصادر التاريخية أشارت إلى الحج في الجاهلية، وأوردت هذه المصادر تفاصيل عدة، فيما يتعلق بسدنة الكعبة، ورحلات القبائل، ودور الحج في ثراء قريش ورواج تجارتها، وبروز مكة المكرمة بين مدن الجزيرة العربية.وبعدما شرف العُمانيون بالإسلام في السنة السادسة الهجرية حرصوا على أداء هذه الشريعة وفق ما نصت عليها السنة النبوية.
ونظرًا لموقع السلطنة البعيد نوعًا ما عن مكة المكرمة فقد كانت لرحلات الحج تحضيرات خاصة قد تصل إلى سنة أو أكثر قبل موسم الحج، كاختيار وكيل القافلة، وتجهيز المواد الغذائية للرحلة، وفي المقابل فإن عودة الحاج بعد أداء فريضته تمثل مناسبة خاصة تتضمنها مجموعة من العادات والتقاليد والطقوس تليق مع الاحتفاء بالحاج.
وبجانب هذه الرحلة الإيمانية لأداء فريضة الحج فإن المجتمع يعيش أيام عيد الأضحى المبارك، ولهذه المناسبة العديد من الاحتفالات والطقوس، منها:
ما يتعلق بالتحضير للعيد والعادات المرتبطة به، وأخرى تتعلق بالاحتفالات التي تقام في العشر الأوائل من ذي الحجة وأيام التشريق.
وعلي هذا النحو يتناول الرحبي جانبًا من تلك التجهيزات والعادات والتقاليد المرتبطة برحلة الحج أو عيد الأضحى المبارك في سلطنة عمان، وذلك بالرجوع الى المصادر المطبوعة التي تناولت هذا المجال، أو المصادر الشفهية من خلال لقاءات مباشرة بمن عايشوا السنوات السابقة لمواسم الحج قبل تطور وسائل النقل الحالية.
أما سعود عبد العزيز المسعود مدير إدارة الموسيقى والتراث الشعبي بالمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت، فقد تناول «عادات وتقاليد أهل الكويت في الحج قديمًا» مشيرًا إلى أن أهل الكويت لديهم عادات وتقاليد لمن يريد الحج،منها:
رفع العلم حيث يتم رفع بيرق (علم أحمر أو أبيض أوأخضر) على أسطح البيوت دلالة على سفر أحدهم إلى الحج.
وعادة ما يستأمن الحاج على أهله وماله بعض أقاربه وجيرانه حتى يرجع من الحج سالمًا، وذلك يعود للثقة الزائدة والترابط بين الجيران والأهل.
 ويضيف المسعود بعض العادات الأخرى لأهل الكويت في هذا الموسم مثل «العزيمة» وهي وليمة غداء أوعشاء يقيمها الحاج للأهل والجيران المقربين بعد عودته. كما يقوم بتوزيع «الصوايغ» وهي الهدايا التي تم شراؤها. أماالنساء فيقمن بتوزيع مايناسب النساء والبنات، وفي صباح اليوم التالي تتجمع البنات حول بيت الحاج وهن ينشدن أغانيَ وأدعية، ثم تناديهن صاحبة المنزل وتوزع عليهن الهدايا.
ومن اليمن قدم أحمد الغزي رئيس قسم الدراسات والبحوث بجمعية الحفاظ على المخطوطات دراسة بعنوان «الملخص الوجيز في عادات ومراسيم الحجيج»، وقد اهتم في ورقته بمظاهر العادات والمعتقدات الشعبية قبل وبعدخروج الحاج والتي تمثل مجالًا مهمًّا في الدرس الثقافي والديني، بالتهيئة والاستعداد للذهاب إلى المشاعر،وتشمل قضاء الدين وطلب المسامحة من الأهل والجيران والأصدقاء القريبين والبعيدين منهم،وكتابة الوصية، وتوكيل أحد أفراد الأسرة بإدارة شئون الأسرة وممتلكاته.
واهتم الغزي في دراسته الميدانية بمدينة زبيد باليمن مسجلاً الكتابة على الجدران بالفحم من دعاء وآيات قرآنية بعد خروج الحاج، وكذا رش الماء خلف الحاج بعد خروجه من باب بيته تفاؤلا بعودته، وزيارة الأولياء.
وكذا عناصر التراث الشفهي: إقامة حفل توديع من قبل أهله وجيرانه وأصدقائه قبل سفره بليلة يقرأ فيها المولد والمدائح النبوية، وبعدها يخرج من باب المدينة الكبير «باب سهام» للسفر. وتقام الأفراح المجتمعية والأسرية بعودته.
ومن المظاهر الشعبية أيضًا شخصية المبشر أو البشير أوالنجاب الذي يرسله الحاج ومعه ما يدل على وصول الحاج بالسلامة من مسبحة ورسالة خطية، محددًا فيها يوم ووقت وصوله. وقد توارثت مدينة زبيد هذه العادات لاستقبال الحاج، ففي عهد الدولة الرسولية كان يتم تزيين الخيول، وامتطاؤها والرقص بها، والرقص بالسيوف، وفرش الديباج وغيرها، إضافة إلى أن أهل المدينة يقومون برش البيوت من الداخل والخارج باللون الأبيض، وتغيير فُرُش البيت القديمة؛ استعدادًا لاستقبال المهنئين للحاج، وشراء الذبائح، ونصب المخدرة والزينة، والرقصات الشعبية المصاحبة للطبول. ويسرع الأهل بالخروج إلى المكان المخصص لاستقبال الحاج، وطلب الدعاء، وقراءة الفاتحة، والاستغفار لهم، ومن ثم مرافقته لدخول المدينة بالزفة، وإطلاق الأعيرة النارية؛ استعدادًا للاحتفال به في المخدرة المعدة لذلك، ويقدم الطعام، ثم يلي ذلك إقامة المولد. وفي الأفراح النسوية يتم تجهيز الفل والرياحين والعطور، ودعوة النساء فيما بينهن للاحتفال بهذه المناسبة.
تراث الحج في المغرب العربي
ومن المغرب العربي شاركت ليبيا وتونس والمغرب وموريتانيا بمجموعة متميزة من الأبحاث التي كشفت تنوع العديد من المأثورات الشعبية المرتبطة بالحج.
وقد شاركت ليبيا بدراستين الأولى لفاطمة غندور الأستاذة بكلية الفنون والإعلام جامعة طرابلس بدراسة بعنوان «احتفاء الحج والأضحية في واحة براك جنوب ليبيا».
وواحة براك/ الشاطي الواقعة جنوب ليبيا هي مركز إداري وتجاري للواحات المجاورة لها، ومعبر قوافل الصحراء، اشتهرت بأدِلَّائها الذين كانوا يرافقون المسافرين إلى واحتي مرزق وغات اللتين اشتهرتا كمركزين لتجارة العبيد، من ذلك فإن ثقافة السفر والترحال لم تكن مستبعدة عن أهالي الواحة، غير أن السفر لدافع ديني كان سفرًا استثنائيًا ونادرًا حيث الأحوال المادية العسيرة، ومشاق السفر التي تستلزم أشهرًا للوصول للبقاع المقدسة، كما أنها رحلة محفوفة بالمخاطر فبالإضافة إلى الظروف المناخية الصحراوية كان الخوف أيضًا مما يستهدفهم كقطاع الطُرق.
وتشير فاطمة غندور إلى أن هذه الأوراق مرجعًا من ذاكرة أهل الواحة، فقد روي لنا عن سفر أحد الأهالي (الحاج عبد القادر ميهوب) وهو من ظل لعقود من الزمن مرجعية ناقلة لرائحة وأخبار وسيرة محبوبه، المكان والزمان، فعند الاستعداد لأداء أحد أركان الإسلام يتم الإعلان عن ذلك في محضرة الواحة- وهي زاوية يؤمها معلم القرآن وإمام الجامع- فيستعد الحاج لمعرفة الفروض والسنن على يديهما، فيما تنشغل عائلته بإعداد ما تيسر لمؤنته والتي يتطوع الأقرباء والجيران كرمًا وإحساسًا بواجب المسلم تجاه أخيه المسلم، ومما كان يتبع استعدادات الرحيل أن يرمي المرتحل للحج يمين الطلاق على زوجته تحسبًا لعدم عودته في غياب لا يعلم أحد كم سيطول.
ورغم غياب كثير من الشواهد الحية المعبرة عن عادات وتقاليد الحج واحتفاء عيد الأضحى، مع تطور وسائط السفر وتحسن الأحوال المادية؛فإن أهالي مدينة براك يحفظون لأول حاج عاصروه ثم رحل عنهم أطيب ذكرى وحُسن ختام.
أما الدراسة الثانية «من ليبيا»  فكانت لعلي برهانة الرئيس الأسبق لجامعة سبها، والذي لم يتمكن من الحضور لأسباب أمنية، وشارك بدراسة بعنوان «العادات والتقاليد المرتبطة باحتفالية الحج في بعضالمدن والأرياف الليبية»  تناول فيها ماجرت العادة عليه في مناسبة أداء فريضة الحج في المدن والأرياف الليبية، حيث تتنوع مظاهر الاستعداد للحج من النواحي الاقتصادية والاجتماعية، ويعقب ذلك أحد المظاهر المهمة وهي توديع الحجاج على المستويين الرسمي والشعبي.
ويحظي بيت الحاج في غيابه في رحلة الحج بالاهتمام، حيث يتم طلاؤه وإعداده، ويصحب ذلك تقاليد الضيافة لحجاج بقية الأقطار الإسلامية الذين يمرون بليبيا من المغرب العربي؛ إذ تعد المدن الليبية محطات لاستضافة هؤلاء الحجاج.
ويضيف برهانه: وأما تقاليد الأضحية في العيد فإن مايدور حولها من ممارسات اقتصادية واجتماعية تمثل مظهرًا من مظاهر التعاون والتكاتف بين الطبقات الاجتماعية المختلفة في الجوار، إلى أن يتم استقبال الحاج على المستويين الرسمي والشعبي.
واعتمدت الدراسة على روايات شفوية وبعض الوثائق التاريخية المتاحة،حيث رصدت التقاليد المتعلقة بهذه الاحتفالية، ما زال قائمًامنها، وما اندثرأو ضعف، وأسباب ذلك.
أما عبد الرحمن أيوب الخبير الدولي في التراث الثقافي غير المادي باليونسكو فقد قدم ورقة بعنوان «طقوس الحج في تونس من بداية القرن الماضي إلى اليوم» اشار فيها إلى أن الحج، ومناسكه، طقس كغيره من الطقوس المحمّلة بأبعاد روحانية أساسية، قاعدتها المعتقد الضارب في القدم، وقائمة في الوقت نفسه على النص الديني المؤسس لها. وهو طقس مكوّن من مجموعة من «الممارسات الشعائريّة» المترابطة فيما بينها، تجعل منه «معطًى-ثقافيًّا-عقائديًّا» مفردًا ومتعددًا.
ومن حيث إنّ «طقس الحجّ» يمارس متماثلا عبر الأجيال المتعاقبة- وكذلك الأجيال من الشرائح العمرية المتصاحبة على مدار زمني محدد-، ومن قبل مجموعات بشريّة ذات ثقافات متباينة- بينما ينحصر اشتراكها في عنصر المعتقد المشترك الذي يوحّد بينها نسبيًا، فإنه يمكن النظر إليه على أنّه أيضا معطى تراثيّ لامادّي.
ومن حيث إنّه كذلك فهو كغيره من عناصر تراث الشعوب الثقافي اللامادي يخضع لقانوني «التراكم» و«التحوّل»، خاصة بموجب التأقلم مع متطلبات مجالات الممارسة وحاجيات حاضر ممارسي الطقس.
ويهتم أيوب في ورقته باستقراء ظاهرة «التحوّل» في مكونات الطقس اللامادية (على ضوء الحالة التونسية)، رغم ثبات مكونات المعتقد الذي ما انفك يخضع لسلطة النصّ المؤسس.
ومن المغرب قدم أحمد حفضي المؤطر التربوي والمنسق الجهوي بأكاديمية التربية والتكوين دراسة بعنوان «في بعض مظاهر الاحتفال بموسم الحج بعيون مغربية» أشار فيها إلى أن موسم الحج، الذي له في قلوب المغاربة مكانة خاصة، يعد محطة كبرى في هذه الحركية الدائمة المرتبطة بموضوع بحثه.ووعيًا منه بأن هذا الملتقى/المشروع يستدعي، في تقديره، ثلاث محطات رئيسة تحريًا للدقة والموضوعية، وهي:
التجميع- المساءلة- التركيب. ونظرًا لكون المقام لا يسعف بالتطرق إلى كل هذه المحطات التي تحتاج إلى الوقت والجهد المؤسسي وليس فقط الفردي، فستسعى الدراسة إلى تقديم إطلالة عامة على الظاهرة من خلال رصد بعض مظاهر الاحتفال بالحج في المغرب، والتي تتزامن مع عيد الأضحى المبارك. ولبحث ذلك اعتمد حفضي المنهج الإثنوغرافي التقليدي، محاولًا من خلاله مقاربة موضوع الدراسة لتجميع تجليات الاحتفال بالحج من جهة، ومن جهة أخرى لتحقيق نوع من الفهم والتحليل والتفسير، بعد معايشة ميدانية لمجتمع البحث، وظف خلالها تقنية الملاحظة واعتماد المقابلة نصف الموجهة كأدوات وتقنيات لتحقيق البحث.
ويجمل الباحث محاور الدراسة في العناصر الآتية:السياق العام للدراسة، أهدافها ومنهجيتها- الطقوس المرتبطة بالحج قديمًا من خلال تقديم قراءة في بعض الرحلات الحجازية المغربية- رصد العادات والتقاليد المرتبطة بتوديع الحجاج واستقبالهم أثناء العودة- الكشف عن التراث الشفهي الخاص بموسم الحج بالمغرب (أمثال, أهازيج...إلخ)- العادات والتقاليد المرتبطة باحتفالات عيد الأضحى المبارك.
أما الدراسة الأخيرة من المغرب العربي فكانت من موريتانيا لنامي صاليحي الذي كتب عن «مظاهر الحج التقليدية في موريتانيا». غير أنه لم يسعفه الحظ لإلقاء بحثه.
وترصد الدراسة رحلة الشناقطة على بلاد الحجاز لتأدية هذه الفريضة، مستخدمين لذلك الحج وسائل بدائية كسفر على الأقدام، وركوب الإبل والخيل، حيث كانت بلاد شنقيط منطلق قوافل الحجيج في المنطقة، انطلاقًا من مدينتي «ولاته» و«شنقيط». وكان حجاج هذه المنطقة يأتون إلى هذه البلاد لتعلم فرائض الحج، وتكون بذلك منطلقهم إلى الديار المقدسة ضمن القوافل التي ينظمها أهل مدينتي شنقيط وولاته تقدر بـ32 ألف بعير سنويًّا، وتأخذ هذه القوافل طرق مختلفة كطريق مالي والنيجر والسودان، وكذلك طريق المغرب العربي.
ويضيف صاليحي أن علماء الشناقطة كان لهم أثناء رحلاتهم إلى الحج إسهامات علمية بارزة في نشر الإسلام وتعليم علومه، ومنهم من طاب به المقام في الطريق، نذكر منهم على سبيل المثال: طالب أحمد بن أطوير الجنة،أبناء ميابة،محمد يحيى الولاتي، آب بن اخطور، سيد عبد الله ولد الحاج إبراهيم، محمد محمود ولد اتلاميد. وقد ذاع صيت علماء الشناقطة في بلاد المعمورة حتى أصبحت هناك أحياء سكنية داخل البلاد التي يمرون بها تسمى عليهم كحي الشناقطة في دولة السودان وغيرها.وكان للحاج في بلاد شنقيط مكانة هامة نظرًا لأنه أدى ركنًا من أركان الإسلام لم يمنعه منه البعد وصعوبة السفر.
كما كان الحاج يستخدم هذه الرحلة لتدوين أوصاف الناس والأشياء والتواريخ، وذكر العلماء والكتب.
تراث الحج في منطقة الشام
ومن منطقة الشام شارك باحثون وخبراء من كل من: الأردن- سوريا- لبنان.
بدراسات رصدت تراث الحج في هذه المنطقة، نبدأها بدراسة حكمت النوايسة مدير مديرية التراث بوزارة الثقافة الأردنية حول «العادات والتقاليد المرتبطة بالحج في الأردن» وتهدف الدراسة إلى الوقوف على الجانب الشعبي من احتفالية الحج بين الأمس واليوم لبيان التغيرات التي طرأت على هذه الاحتفالية من الناحية الاجتماعية، مارًّا بأثر الموقع الجغرافي للأردن في هذه الاحتفالية، محاولًا الإجابة عن الأسئلة الآتية:
هل كان للحج طابع شعبي في الأردن يتوافر على عادات وتقاليد وفنون خاصة بالمجتمع الأردني؟
 ما الدلالات المستنبطة من تقاليد احتفالية الحج في الأردن؟
 ما أبرز الأغاني التي كانت ترافق احتفالية الحج في الأردن، وما الدلالات الشعبية فيها؟
 ما التغيرات التي طرأت على احتفالية الحج تأثرًا بالتطور التقني؟
 ماذا بقي من الاحتفالية الشعبيّة للحج؟.
 واستندت دراسة النوايسة إلى مجموعة من الإخباريين الذين التقاهم، فضلا عن المراجع التي تناولت بالدراسة تقاليد الحج (الرسمية) في الأردن، أوطريق الحج الشامي.
ومن سورية شارك محمود مفلح البكررئيس تحرير مجلة التراث الشعبي السورية بدراسة بعنوان «من تقاليد الحج في سورية» أكد فيها على أن احتفالية الحج في سورية وما حولها من بلاد الشام قد تنوعت فيها العادات والفنون المرتبطة بها بتنوع جغرافية بلاد الشام طبيعيًّا وبشريًّا، من البيئة البدوية إلى البيئة المدينية، مرورًا بالفلاحية من جبلية وسهلية وساحلية.وكان لموقع مدينة دمشق الجغرافي، ولمكانتها الحضارية، والسياسية، والأمنية، أهمية خاصة في حملات الحج، ففيها كانت تتجمع قوافل الحجاج من دمشق والمناطق المحيطة بها، والقوافل القادمة من مدينة حلب وغيرها من المناطق السورية الشمالية، ومن الأناضول، وبعض مناطق العراق.
وكان تجمع هذه الألوف من الحجاج في المدينة يحتاج نفيرًا عامًا على أعلى مستوى من السلطات الحاكمة أيام المماليك والعثمانيين، لحفظ الأمن، وضبط الأسعار، وحماية الحجاج من اللصوص والنصابين وهجمات البدو، فتستعد هذه السلطات بكل طاقتها بإشراف والي دمشق نفسه، وتنشر القوات العسكرية، والمراقبين، وتستأجر قوة من المحاربين فرسانًا وجمّالة، لتساعد القوات الرسمية في حماية القافلة أثناء مسيرها من دمشق إلى الديار الحجازية.
ويضيف مفلح أن هذا ما جعل الحج في ذلك الزمن رحلة طويلة شاقة محفوفة بالأخطار الكثيرة، مما جعل وداع الحجاج مؤثرًا، مخضبًا بالدموع، ممشوحًا بالحزن، يسيطر عليه اليأس أكثر من الأمل، فتصاحب الوداع ممارسات عقيدية، وأدعية، وأغنيات ترقق المشاعر، وتستدر شفقة الله ورحمته، كي يعيد الحاج سالمًا إلى دياره وأهله. أما استقبال الحاج العائد سالمًا فهو مهرجان من الفرح يتخلله الزغاريد والأغاني والأناشيد والولائم والضيافات والهدايا.
وقد شاركت لبنان ببحثين مهمين الأول لعلي بزي أستاذ الأنثروبولوجيا بالجامعة اللبنانية حمل عنوان «عادات توديع واستقبال الحجاج.. حالة: لبنان»، وتهتم ورقته برصد البعد الاجتماعي بتجلياته المتنوعة، بوضع الحاج في بيئته، وهو يهيئ ويرتب ويعد العدة لينطلق، تودعه الجماعة بطقوس معينة.
وبعد إجراء الفريضة يعود لتستقبله بمراسم تعبر عن الفرحة بعودته، حيث تُنشر الزينة، ويعلن عن القدوم بالذكر والتكبير ورفع الأذان، وتنحر الذبائح، وتضاء الأنوار والمصابيح، وترفع أقواس النصر؛ كل ذلك لإضفاء الرونق والأبهة في الاستقبال.
فالظروف المواكبة للتوديع أو الاستقبال تختلف بالزمان والمكان. وأعمارهم كانت من مرحلة الكهولة وما فوق، والآن من كل الفئات، واختلفت وسائل النقل من الرحلات البرية لنصل إلى الطائرة.
كل ذلك يؤثر على مسار الرحلة وتأثيرها على الحجاج أو على الوسط الاجتماعي.
 ومع تغيير الظروف اختلفت طرق الاستعداد وتأمين اللوازم والحاجات. ويشير بزي إلى أن مظاهر الاستقبال والضيافة تختلف حسب المستويات الاجتماعية.
حيث البعد الطبقي ومنطق التباهي والتفاخر ضمن منطق الاستهلاك، وبرز التفنن بأشكال جديدة، والمبالغة في الممارسات. وما يرافق ذلك من أهازيج، وزغاريد، واحتفالات، وأناشيد، وضرب الطبول، والمزاهر، والصنوج، وفرق النوبة، والمفرقعات، والعيارات النارية، وإطلاق العنان لأبواق السيارات، وهذا مشابه للأعراس والمناسبات الاجتماعية. والهدايا هي من مستلزمات الحج، ومن بركته، وترصد الدراسة الثقافة الشعبية المقترنة بالمناسبة، بإبراز شخصية الحاج بالموروث الشعبي، وما استجد من مميزات على شخصيته: الزي، وكثرة الكلام عن الرحلة، والوضع الصحي، وعلاقته بالزملاء القدامى أو الجدد..والتركيز على الأقوال، والأمثال، والحكايات، والنكات المتعلقة بالحاج.
من خلال كل ذلك يحاول الباحث رصد ماثبت من هذه العادات وما تغير أو استجد منها، من خلال منهج تاريخي يطال هذه المناسبة بكل ما يحيط بها.
أما الدراسة الثانية من لبنان فكانت لمها كيال رئيسة مركز الأبحاث في معهد العلوم الاجتماعية- الجامعة اللبنانية بعنوان «الحج من الطقس الديني إلى الطقس الاجتماعي».
واتخذت الدارسة مدينة طرابلس للتطبيق الميداني، وتوضح في البداية أنها لن تناقش الطقس الديني، بل مؤشرات ودلالات الحج من خلال اعتباره طقسًا للعبور الاجتماعي يعطي الحاج مرتبة متمايزة دينيًا في جماعته من خلال اللقب الذي يكتسبه. إن طقوس مرور المسلم من مسلم إلى مسلم حاج ضمن جماعته، تترافق مع الكثير من الدلالات والمعاني والمؤشرات من خلال الاحتفاليات التي ترافق الحاج لا سيما عند عودته، والتي تتجسد في الزي، وفي الإشهار من خلال (الزفة، والزينة)، في موضوع التبادل الرمزي بين أدوات ومواد لها معان دينية وبين الهدايا الاجتماعية. وتضيف كيال قولها: لا شك أن تأثير ظهور الجمعيات الدينية وانتشارها قد ساهم في كثير من التحولات على صعيد طقوس العبور الاجتماعية، ولا شك أن عيشنا في ظل مجتمع استهلاكي قد ساهم بدوره في إدخال الكثير من المتغيرات لا سيما في موضوع التبادل، ولا شك أن تطور الحياة الاجتماعية قد زاد التمايز الاجتماعي الطبقي بين الحجاج، هذا التمايز الذي بات ينعكس من خلال أشكال الاحتفالات وطرق الزينة على وجه الخصوص. وكلها مسائل تناولتها الدراسة من خلال البحث الميداني يعتمد المقابلة والصور الفوتوغرافية كوسيلة رصد.
تراث الحج في الصومال
ومن الصومال شارك عصام الجامع الأمين العام للجنة الوطنية الصومالية للتربية والثقافة والعلوم بمقديشو، وعبدالوهاب مؤمن مدير مركزمقديشيو للبحوث والدراسات بدراسة حول «طبيعة ومظاهر احتفالية الحج في الصومال» أشارا فيها إلى أن القصائد الدينية والاحتفالات الشعبية تتبوَّأ مكانة كبيرة لدى الشعب الصومالي؛ إذ تعتبر الطرق الصوفية سببًا من أسباب الوحدة بين مكونات المجتمع الصومالي، وتنتشر الطريقة بين قبائل مختلفة فتؤدّي إلى وحدة الانتماء الديني والثقافي، كما تحدث بسببها أنماط من التحالفات والمصاهرات والتجارب الاجتماعية والثقافية المشتركة؛وقد تمحورت الدراسة في عدة نقاط على النحو التالي:
 العادات والتقاليدالمرتبطة باحتفالية الحج في الصومال:ومنها تجهيز الحجاج الصوماليين وتوديعهم، وإقامة حفلة التوديع عند السفر إلى الأماكن المقدسة بالراحلة أو بالبواخر، ودور المرأة الصومالية في تجهيز الحجاج، ونوع الطعام الذي يصنع للحجاج.
 العرف والمعتقدات والتصوُّرات الشعبية:ومنها ذبح الأضاحي، ونوع الذبيحة، والعادات الصومالية في الأضاحي، وزيارة قبور الأولياء والتبرك بهم، ومنزلة مياه زمزم عند الصوماليين، وكيفية توزيع الحاج لماء زمزم عند عودته للأهالي والأقرباء والأصدقاء، والمعتقدات الشعبية حول ماء زمزم، ودوره في قضاء الحوائج وأنه شفاء لكل داء... إلخ.
 الفنون الأدبية الشعبية والأداء: ومنها الأغاني الدّينية والقصائد الشعبية، والموسيقى والحكايات والأمثال الشعبية والأقوال المأثورة حول الحج والحاج الصومالي.
تراث الحج في الهند
شارك في المؤتمر دولة واحدة خارج النطاق العربي هي الهند، إشارة إلى أن الملتقى سيتوسع مستقبلاً ليشمل رصد الاحتفالية لدى المسلمين في العالم. وهذه الدراسة كانت لصهيب عالم الأستاذ المساعد بقسم اللغة العربية، بالجامعة الملية الإسلامية بنيودلهي، وجاءت بعنوان “التقاليد والعادات الشعبية للحج في الهند”. أشار فيها إلى أن الهند بلاد للديانات المختلفة، ومجتمع له سمات خاصة من العادات والتقاليد التي تختلف من دين إلى آخر.
 ويعمل المجتمع الهندي على المحافظة على كيانه، بالتّمسك بمجموعة من السّلوكيات التّي تعبّر عن أصالته وثقافته وتميّزه عن غيره من المجتمعات. وهذه العادات والتّقاليد تختلف من بلدة إلى أخرى، بل من منطقة إلى أخرى، فنجد اختلافًا واسعًا بين سكان شمال الهند وجنوبها.
فرحلة الحج قديمًا كانت تستغرق عدة شهور بينما تستغرق اليوم عدة أيام أوساعات، وكان الاستعداد للحج قديمًا على ظهور الخيل والبغال والجمال، يبدأ بعد انتهاء عيد الفطر المبارك حيث يجهز الراغبون في الحج قافلة تشمل الأفراس والجمال والإبل ومأكلهم ومشربهم وحتى أكفانهم، والطريق كان وعرًا ومحفوفًا بالمخاطر وقطاع الطرق، ويأخذ الحجاج معهم المئونة والماء بكميات وافرة،خلال رحلة الذهاب وأثناء مرورهم على مدن وبلدان مختلفة. والأسرة الهندية تشعر بالسعادة والفرح عندما يتأهب أحد أفرادها لأداء فريضة الحج، فقبل موعد السفر بشهور، وخلال تلك الفترة يتوافد الأهل والأقارب والجيران والأصدقاء على «حج منزل» (مبنى الحجاج).
وعلى هذا النحو يسعى صهيب عالم لرصد الاحتفالية مستفيدًا من كتب رحلات الحج الهندية، كما قام بإجراء مقابلات مع بعض الشخصيات التي قامت بأداء فريضة الحج. واستعان أيضًابالصور التي قيدت بمناسبة بداية رحلة الحج، وخلال استقبال الحجاج بعد عودتهم.
المائدة المستديرة للملتقى
في ختام الملتقى تم عمل مائدة مستديرة برآسة مصطفى جاد، تم خلالها مناقشة ما توصلت إليه أوراق الملتقى، والرؤية المستقبلية لما بعد الملتقى، حيث اتفق الخبراء المشاركون على أن الملتقى هو عبارة عن مشروع أكبر يسعى لتوثيق الممارسات والإبداعات الخاصة باحتفالية الحج في العالم الإسلامي (لدى المسلمين في العالم)، وليس العالم العربي فقط. وهو ما أكده السيد زاهر عثمان أمين عام مؤسسة المعلم محمد بن لادن ضمن لقاء المائدة المستديرة. كما اتفق المشاركون أيضًا على تأكيد الاسم نفسه الخاص بالملتقى لإطلاقه على المشروع «توثيق احتفالية الحج» حيث ستشير المادة المصورة المصاحبة للمشروع بأن المقصود هو «الحج الإسلامي».
كما تم الاتفاق على أن المقصود هنا جميع الممارسات والإبداعات الخاصة باحتفالية الحج:
العادات والتقاليد
 المعتقدات الشعبية
 الفنون القولية
 فنون الأداء الشعبي
 فنون التشكيل الشعبي والحرف.
وإلى جانب البعد الميداني للاحتفالية، سيسعى المشروع إلى توثيق الاحتفالية في بعدها الزمني، من خلال ما تحمله المصادر والمخطوطات من رصد للممارسات الشعبية للاحتفالية على مدى التاريخ.
كما أكد المشاركون على أن تبدأ الخطوات الأولى بالتطبيق على العالم العربي. وسيحتاج الأمر في المرحلة المقبلة إلى خطة مفصلة، لإقامة ورش عمل متخصصة في أكثر من بلد، للوقوف على خارطة الطريق للمشروع الذي سيتأسس على ستة مراحل رئيسية تشمل:
إصدار كتاب الملتقى- إعداد قاعدة بيانات كبرى بثلاث لغات- إصدار موسوعة احتفالية الحج- إصدار ببليوجرافيا حول الاحتفالية- متحف متخصص لاحتفالية الحج- تسجيل الاحتفالية على القائمة التمثيلية باليونسكو. وبالنسبة لكتاب الملتقى، فهو يعد أول المخرجات لمشروع توثيق احتفالية الحج، والمزمع إصداره سبتمبر 2015.
وقد تم الاتفاق على مراجعة المشاركين لأبحاثهم العلمية، وإضافة أو تعديل ما يرونه من بيانات ترتيباً على المناقشات التي تمت خلال الملتقى. أما قاعدة بيانات احتفالية الحج فتمثل أهم المخرجات الخاصة بالمشروع، حيث ستفتح المجال للتعرف على عناصر الاحتفالية وتنويعاتها في العالمين العربي والإسلامي، ومن ثم سيتيح أفاقاً علمية رحبة للبحث والتحليل العلمي للظاهرة، كما سيتيح مجالاً للتعريف بالفنون العربية والإسلامية المصاحبة للاحتفالية على مستوى العالم.
وعلى هذا النحو يسعى المشروع لإعداد قاعدة بيانات كبرى من خلال موقع تفاعلي يتيح إضافة العناصر الخاصة بالاحتفالية بصورة منهجية مصنفة تصنيفاً علمياً من خلال «مكنز متخصص لاحتفالية الحج» سيتم إعداده واختباره وتداوله بين الخبراء للوقوف على نسخة دولية معتمدة. وتتيح قاعدة البيانات إضافة النصوص، والصور، والفيديو، والمادة الصوتية. فضلاً عن إطلاقها بثلاث لغات. وسيتم الإعلان عن ورشة عمل متخصصة حول قاعدة البيانات للبدء في التنفيذ.
أما المخرج الثالث من المشروع فسيكون عبارة عن إصدار أول موسوعة علمية موثقة حول احتفالية الحج في العالم الإسلامي، وستصدر بلغات ثلاث، ومن ثم ستكون الأولى من نوعها على مستوى العالم، حيث سيشارك فيها خبراء التراث غير المادي في العالم الإسلامي. وسوف يقوم كل خبير في دولة عربية بإنجاز الجانب الخاص به، ليتم تحرير المادة بعد ذلك في صياغة موحدة، بعد إضافة المادة المصورة. كما اتفق أيضاً على إصدار ونشر ببليوجرافية متخصصة في الاحتفالات الشعبية الخاصة بالحج كنواة علمية في البحث، وإتاحتها في إطار قاعدة البيانات. وقد تصدر الببليوجرافيا أثناء العمل بقاعدة البيانات، أو العمل بالموسوعة، غير أنها ستصدر مستقلة، وقد يتم التخطيط لإصدارها كببليوجرافيا مشروحة.
وقد تقدم أكثر من مشارك باقتراح عمل «متحف متخصص» يضم عناصر الثقافة المادية لاحتفالية الحج: المحمل- الملابس- ماء زمزم- تجسيد الاحتفالية (الطواف- السعي- الرجم..إلخ)- الحرف- الأغاني- جداريات الحج..إلخ. وهو مشروع طموح سيؤخذ في الاعتبار، غير أنه سيحتاج لتجهيزات وإعدادات خاصة، سيتم الاتفاق عليها كمرحلة نهائية للمشروع. كما تم الاتفاق على تسجيل عنصر «احتفالية الحج» على القائمة التمثيلية، ومناقشة الأمر في اجتماع لاحق، بعد الانتهاء من إصدار الكتاب، وقاعدة البيانات، والموسوعة. وعند التصدي للتسجيل سيشارك عشرات الدول في القائمة، مما سيتيح ترويجاً عالمياً للإبداعات العربية والإسلامية. غير أن مسألة التسجيل على القائمة ستحتاج لاجتماعات أخرى موسعة للموافقة الدولية على الأمر، ومناقشة العائد من عملية التسجيل.

أعداد المجلة