فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
60

الثقافة الشعبية ومجلتها

العدد 42 - التصدير
الثقافة الشعبية ومجلتها
رئيس الجمعية المصرية للفنون الشعبية

الثقافة الشعبية اسم هذه المجلة، وهو اسم اختاره من قاموا على إصدارها عن قصد، لا باعتباره مجرد عنوان لمطبوعة، ولا لمجرد المغايرة والتمييز عن مطبوعات أخرى حملت كلمة «الشعب» أو «الشعبية»، ذلك أن المجلات التي سبقتها تعددت مسمياتها، من «التراث الشعبي» إلى «الفنون الشعبية» إلى «المأثورات الشعبية» وغير ذلك من أسماء، ومن تم كان من المحتم البحث عن اسم أو عنوان يعبر عن فلسفة المجلة الجديدة ومضمونها ورسالتها، حتى لا تصبح نسخة مكررة من غيرها من المجلات الموجودة في الساحة الثقافية العربية. وهكذا كان الاسم «الثقافة الشعبية» وهو مصطلح يضم بين جنباته كل المصطلحات العربية السابقة وكذلك المصطلحات العالمية مثل فولكلور Folklore، والفنون القولية Verbal Arts، والفن الشفهي Oral Arts، والمأثورات الشفهية Oral Traditions، والتعبيرات الثقافية المأثورة Traditional Cultural Expressions، والتراث الثقافي غير المادي Intangible Cultural Heritage .... الخ.

هذا إلى جانب دلالته على ذلك الجانب الحي المأثور المتداول من ثقافة الجماعة والمجتمع وما حفظته ذواكر الشعوب من إبداع تناقله أصحاب هذه الثقافة ليظل مُثْرياً حاضرهم، مرسخاً معارفهم، معمقاً خبراتهم، جيلاً بعد جيل.

إن الثقافة الشعبية، بمكوناتها المتعددة، تظل قوة مؤثرة في حياة الناس على اختلاف مشاربهم، ودافعاً معنوياً ضرورياً لتقبل الحياة وتحملها والسير فيها، ومصدراً روحياً لا ينضب معينه، ولا يتوقف عطاؤه.

وعلى ذلك فهذه المجلة تسعى إلى تعميق الوعي بأهمية الثقافة الشعبية، وتنوع عناصرها، وضرورة حفظها وصونها وتوثيقها ودراستها، وإتاحتها للمبدعين من فنانين وأدباء، إيماناً منها بأن ذلك هو خير وسيلة للحفاظ على هذه العناصر الثرية التي تعكس ثقافة الفرد والجماعة أيضاً، ذلك أن إهمالها أو التقليل من شأنها ومن دورها، ووظائفها التي تؤديها في المجتمع خطأ كبير في حق الانسان – مبدعها وحافظها وناقلها – الذي إذا غاب، غاب معه إرث الماضي، فارتبك حاضره، وضاعت هويته.

لقد أدركت المجلة منذ أعدادها الأولى أن المهمة ثقافياً واجتماعياً تتطلب العمل الجاد من أجل الحفاظ على ما يكسب الانسان في الوطن العربي وجوده وهويته، وصون هذا الوجود وتلك الهوية، وبمعنى آخر الحفاظ على بقائه واستمرار ثقافته ونموّها.

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، تنبّهت المجلة، ونبّهت إلى أنه يمكن لعناصر الثقافة الشعبية المتنوعة من أشكال تعبير قولية، وفنون، ومعارف، وممارسات، ومهارات، أن تكون أساساً لنهضة اجتماعية ثقافية هائلة تسهم في التنمية الاقتصادية للفرد والجماعة على السواء، أي للمجتمع ككل.

والمتأمل للأعداد التي صدرت من هذه المجلة سوف يلاحظ أنها كانت – وأظن أنها ستظل – حريصة على تحقيق رسالتها التي يمكن تلخيصها في أن «الثقافة الشعبية (بالمعنى الواسع) بما تحمله من أصالة وعراقة تشكل في الواقع خط الدفاع القوي الذي يواجه الأخطار السلبية للعولمة التي قد تؤدي إلى فقدان الهوية، وابتذال الثقافة الوطنية واستلابها وذوبانها في غيرها، واستخدامها على نحو يضر بأصحابها».

وهذه المجلة مطالبة – وأحسب أن القائمين على أمرها يدركون ذلك تماماً – بأن تؤكد أن قضايا حفظ عناصر الثقافة الشعبية الوطنية الثرية، وصونها، وتعزيز دورها، وما تعبر عنه تنوع وغنى، يثري الثقافة الانسانية بعامة، أمر ضروري، لا يجوز التهاون في تحقيقه أو التلكؤ في اتخاذ الإجراءات الكفيلة بأن يحتل الأولوية الجديرة بها وأن هذا على درجة كبيرة من الأهمية بالنسبة لغالبية الدول النامية وشعوبها خاصة باعتبارها المالك الأساسي لهذه العناصر. وعلى ذلك، فإن المجلة تعمل على تأكيد أن الدول والشعوب هي صاحبة الحق في التصرف فيها (عناصر الثقافة الشعبية) بما يحفظ لها حقوقها، ويمنع الاستغلال غير المشروع لها وأعمال القرصنة التي تتعرض لها بشكل متزايد، خاصة في ضوء ما شهدته السنوات الأخيرة من تنامي أشكال هذا الاستغلال والقرصنة وتعددها، بتأثير التقدم الهائل في وسائل الاتصال والتكنولوجيا المرتبطة بها.

إن الثقافة الشعبية العربية التي تقوم المجلة من خلال ما تنشره من أبحاث ومقالات ونصوص ومواد متعددة تتناول كل عناصرها بالعرض والتعريف والتحليل، وتعمل على تأكيد ضرورة جمع هذه العناصر وتوثيقها وصونها وتوفير الحماية القانونية لها، جديرة بأن تحتل مكانتها من اهتمام الهيئات الثقافية والمؤسسات العلمية والإعلامية، وغيرها من المؤسسات الرسمية وغير الرسمية.

ولعله ينبغي أن يكون واضحاً أننا عندما نؤكد ضرورة احترام هذه الثقافة الوطنية وتجلياتها لا نصدر في ذلك عن تعصب وطني ضيق، أو رؤية منغلقة تعزل هذه الثقافة عن سياقها وظروفها والمتغيرات من حولها، بل إن الأمر على خلاف ذلك تماماً، فنحن ندعو إلى ما ندعو إليه من منظور انساني شامل يدعو إلى تمكين الأفراد والشعوب من التعبير عن هوياتهم وأفكارهم، وممارسة إبداعهم، وأن يكون ذلك مجالاً مشتركاً للتقارب والتفاهم بينهم سواء على الصعيد المحلي الوطني، أو على الصعيد الانساني العالمي.

ومن هنا فإننا حينما ندعو، ونلح في الدعوة على ضرورة جمع عناصر هذه الثقافة الشعبية وتجلياتها في الوطن العربي وصونها وحمايتها إنما نصدر في واقع الأمر عن واقع ثقافي اجتماعي تؤكده هوية عربية مشتركة ينبغي تأكيدها وتعميقها، واحترام تنوعها. ولا يعني هذا على الإطلاق أن يتم تجميدها أو منع الآخرين من الانتفاع بها والمشاركه في إثرائها، بل على العكس من ذلك، إننا نريد أن يستفيد منها كل انسان وأن تتاح الفرصة لأصحابها كي يعملوا على تنميتها بما يناسب حاجاتهم الانسانية في الحاضر والتي قد تستجد في المستقبل دون إهدار لحق الفرد أو الجماعة صاحبة الابتكار والإبداع، والحافظة لفنونها ومعارفها وتقاليدها، والناقلة لها من جيل إلى جيل.

إن هذا في رأينا ذو أهمية كبيرة في منع انتهاب عناصر هذه الثقافة وسوء استخدامها وهو ما يسهم في منع احتمالات صدام الثقافات والتقليل مما يمكن أن ينشأ من خلل من جراء شعور بعضها بالإهانة أو القهر أو الظلم، تجاه بعضها البعض، كما يؤكد أيضاً احترام الآخر المختلف، لا نفيه واستغلاله.

هذه هي الثقافة الشعبية كما أعرفها وأفهمها، وكما أعرف حرص المجلة على تحقيق قيمها الانسانية العليا.

أعداد المجلة