فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
60

الذاكرة الجمعية ومفهوم التراث الحيوي

العدد 14 - آفاق
الذاكرة الجمعية ومفهوم التراث الحيوي
كاتب من سوريا

إنّ لكل ّ شخص مهما كان شأنه ذاكرته وتاريخه الخاص به، والذي هو تاريخه الشخصي المتمثل بمجموع ذكرياته، وأعماله، وشؤونه التي عايشها، أو تلك التي سمع بها وعرفها، أو تناقلها عن آبائه وأقرانه، وذاكرة المعمرين ممن عاصروا الأحداث أو سمعوا عنها، وهي من أهم مصادر المعلومات المفيدة في توثيق التراث، إلا أنها مشوبة بكثير من الحذر لعدّة أسباب منها: النسيان:

 

خلط الأحداث،  فبعضهم أميّون لا يجيدون القراءة والكتابة، ولا يعرفون تاريخ السنين والتقويم، فيذكرونها على شكل مقاربة مع سني أعمارهم  في مرحلة الشباب فيقول مثلا: قبل أن يخطّ شاربي أو كنت وقتها (خيّالاً أركب الفرس) أو يقاربون الأحداث مع نظائرها,والعقبة الثانية في الاعتماد على الذّاكرة الفردية هو عقبة الانحياز لشخص، أو قبيلة، أو فئة، مما يشوّه الحقائق, إلا أنه لم يعد مطلوبا من المعمرين غير سرد المذكرات والوقائع كما شاهدوها، فتخضع رواياتهم  لنظرية علم التّاريخ المقارن فيستقصي الباحث صحّة المعلومات من تناقضات رواتها، عندما لا يركن وينحاز هو نفسه إلى بعضها دون غيرها.ومجموع ذواكر الأفراد يمكن أن يسمّى الذاكرة والجمعية. 

والذّاكرة الجمعيّة: أهمّ مرتكز يقوم عليه وبه مشروع التوثيق ولعلّها المصدر الوحيد الذي نستند إليه في دراستنا لكلّ المصادر الأخرى كونها متفرعه عنها، ومفهوم الذّاكرة الجّمعيّة كما يراه  عالم  الاجتماع الفرنسي موريس هالبواكس (هو نظرية تعتبر أن عملية التذكر الفردية لا يمكن أن تنشأ إلا ضمن إطار اجتماعي معين، ويربط  الذّاكرة الجّمعيّة والذكريات الشخصية للفرد بالمجتمع الذي ينتمي إليه)1 أما التذكّر والتأويل فيحدّدهما الإطار الاجتماعي لثقافة المجتمع، بما يمكن أن يعرف (بالطابع الاجتماعي للتذكر الفردي)، وذكريات الأفراد هي ذات طابع اجتماعي جمعي، فهي غير منحصرة داخل الفرد  لأنها متمركزة ضمن المنظومة الاجتماعية كنتيجة، بما أنّ الفرد متفاعل مع محيطه الاجتماعي بحكم الصيرورة، فهو يحتاج دائما إلى حوار مع الآخرين ممن يعيش معهم، مما يتيح له دائما تذكّر أحداث مشتركة بينه وبينهم، متداولة ومترسّخة بالتذاكر ومتعارف عليها بالتثاقف، وهناك ما يعرف بالرصيد المشترك للجماعات المختلفة في المجتمع. ويعتبر هالبواكس (الذّاكرة المشتركة لجماعة بشرية معينة شرطا لا محيد عنه لوجود هذه الجماعة نفسها)2, فهي تؤسس

هويتها عبر التذكر الاجتماعي  نتيجة لتفسير المشترك والاستدعاء المشترك لهذه الجماعة.

 إذاً: الذّاكرة الجّمعيّة هي الجمع الرمزي لذاكرات الأفراد، وهي تأسيس هويّة المجتمع وضمان سيرورتها من جهة أخرى, وبالمقابل هل يمكن اعتبار الذّاكرة الجّمعيّة بمثابة سدّ النقص الحاصل للجماعة البشرية؟ وهل نتذكر صلاح الدين الأيوبي مثلا عندما نتعرض لغزو استعماري؟ ولا نتذكره في حالة الرخاء والرفاه، أو لانتذكر حاتم الطائي إلا وقتما نجوع؟  كتب جابر عصفور (أن الذّاكرة الثقافية لا تستعيد غالبا إلا ما هو صدى لاهتمامها أو همومها أو آمالها في الحاضر‏، فتستجيب إليه الذّاكرة الثقافية الجمعية‏,‏ وتستخرج من ثناياها ما يتجاوب مع حركة هذا الواقع ويستجيب إليه‏.‏ والنتيجة أن فعل الاستدعاء الذي تقوم به هذه الذّاكرة في علاقتها بطبقات الوعي واللاوعي الجمعي والفردي التي تختزن المراحل المختلفة‏,‏ المتجانسة أو المتصارعة أو المتضادة فيما بينها‏,‏ محكوم بحركة الواقع وبحثه عن أشباهه في ماضيه الذي تحمله الذّاكرة الجّمعيّة وتنطوي عليه‏، فلا تستدعي الذّاكرة التقليدية لهذا الواقع الذي يحرّكها ويوجّه حركتها إلا ما يتناسب معه‏,‏ وما يؤدي بها إلى تجاهل مخزونها العقلاني‏,‏ ولحظات تاريخها).3

 وإذ كنا لسنا بصدد المساجلة المفاهيمية الفلسفية الصرفة، مع هذا التنظير لكننا نقول: إنّ فعل التذكر بحدّ ذاته لا يكون بدون محرضات، وما الاهتمامات أو صداها إلا أفعال تحريضية للقيام بعملية التذكّر، مثلا ما الذي يجعل شيخا معمرا يروي بعض الأحدث القديمة التي عاصرها في الماضي، لولا القرائن المعاصرة المشابهة أو المتناقضة مع ما يرويه فهي تدفعه دفعا ليستدعي الحالة القديمة التي عايشها كقرينة تاريخية لما يراه اليوم وهذه حالة ابستمولوجية تخصّ عملية  التذكر كنشاط عقلي إنساني. 

وتكون الذّاكرة الجّمعيّة مصدراً مهمّا ًمن مصادر التّاريخ لأسباب معرفية أيضا حيث أن مجموع الأفكار والمعارف المتداولة لدى الجماعة البشرية والتي تشكل الهويّة الثقافية أولا والخصوصية الاجتماعية هي التي تحدّد النمط السلوكي والثقافي والمعرفي المعطى للمؤرّخ كي يجعل القرائن تتشابه أو بمعنى آخر يكشف عن تشابه القرائن بين الماضي والحاضر فيقرّر أيها يتناسب مع الحدث فيختارها دون سواها، وليست هي التي تفرض نفسها نتيجة الحاجة الماسّة أو النقص الحاصل فتجعل المؤرّخ في موقف المتباكي على أطلال التّاريخ.

 

وتكون الذّاكرة الجّمعيّة مصدراً للتاريخ من خلال جميع أوجه النشاط الثقافي والمعرفي لهذه الجماعة ومن أهم هذه الأوجه: الشعر والخطابة, والسير والحكايات والبطولات الجّمعيّة، والفن، والأسطورة, ومجموع المعارف الجّمعيّة في الفلك والتوقيت وكذلك من خلال الأحداث العامّة الطبيعية التي تعرضت لها الجماعة البشرية فأضحت في الذّاكرة الجّمعيّة التي تخصّ: الزلازل، والفيضانات، وسني المجاعة والرخاء مما لا ينسى.

 

يعتقد بعض الناس أنّ التراث هو تلك الأمور التي ماتت تماما ًواندثرت في طيّات النسيان، وباعتبارها قد ارتبطت بالأجداد والزمن الغابر، فهي ثقافة ذلك العصر الذي ولّى بمحاسنه ومساوئه، بمآثره وإخفاقاته، وبنفس الوقت نجد هذا التراث أو الثقافة التراثية  تلتصق بنا التصاقاً، ولا نعير لوجودها أي اهتمام زاعمين أننا أصحاب كلّ المعارف التي نمارسها اليوم، وما الثقافة التي نمارسها إلا  ثقافتنا لوحدنا، وهذا الوهم الإنكاري ليس مقصودا البتّة لكنه، فطري وغريزي لأنّ الإنسان يحبّ دائما الاستحواذ والتملّك وهذه الغريزة الاستحواذية تدفعه باللاشعور الجمعي إلى الاستحواذ على ميراث الأجداد الثقافي باعتباره ملكا قد آل إليه بالتركة، مثل ذلك مثل الأبناء الذين يتمتعون بميراث آبائهم من أموال وممتلكات ويعتبرون ذلك أمرا بديهيا تحكمه صيرورة الحياة، فالتراث ليس مستهدفاً في هذا الموقف، إنما الأمر يتعلّق بالذّاكرة الجّمعيّة التي غالباً ما تخلط بين الأشياء فيما يتعلق بأحقيّة الملكية الثقافية والذهنية فتبقي على مجموع المعارف والممارسات التراثية صفة الديمومة وكأنّ الفصل بينها غير ممكن أو أنه غير ممكن بالفعل، فنسمّي هذه الظاهرة الإنسانية-  للإنصاف التاريخي- بمفهوم التراث الحيوي، وهذا المفهوم نطرحه في هذا المقام لأول مرّة على باحثي التراث والانتروبولوجيا،  فإذا كان الفصل بأحقية بالملكية بين الأسلاف والأخلاف غير ممكن فهو غير جائز أيضا ذلك لعدم إمكانية هذا الفصل من الناحية العملية، وأسوق بعض الأمثلة التوضيحية لمّا أذهب إليه: منها أنّ العادات والتقاليد التي يمارسها الوالدان أمام أبنائهم في معيشتهم اليومية فيورّثانها لهم وهم بدورهم يمارسونها سلوكا ًيومياً، هل تنتمي إلى الوالدين أم إلى الأبناء أم إلى الأحفاد؟ أم نذهب إلى أبعد من ذلك فنقول: هي مجموع معارف الشعب الراسخة في الذّاكرة الجّمعيّة التي نوصّفها بالحيّة لدى الأبناء الذين يمارسونها وبالتراث بالنسبة للوالدين، وبالذّاكرة الجّمعيّة، بالنسبة لمجموع الذين عرفوها ومارسوها عبر السنين، لأننا بكل بساطة لا يمكن لنا الفصل تماما ًفي موضوع المعارف بين تلك التي اكتسبها الأبناء من آبائهم وتلك التي تعلموها من مصادر أخرى مختلفة كالمدرسة، والشارع، والمجتمع، والرفقاء، ووسائل الإعلام، وغيرها. 

فنقول مجازياً: إنّ المجتمع يتمتّع بتراث حيوي مارسه الأجداد والأحفاد على التوالي، مثل ذلك موضوع اللغة بما تحمله من مفردات هي تمتد بتاريخها عبر الأجيال ولذلك تنتمي إلى موضوع التراث الحيوي، لأن اللغة كائن حيّ، قابل للنمو والموت ، وينطبق هذا التوصيف على الأمثال الشعبية، وعلى السلوك اليومي لعملية التّأريخ بالتقريب التي نتقنها ونمارسها دون الالتفات إلى ماضيها المعرفي  كونها تنتمي إلى مفهوم العرب القديم في التّأريخ مثلا عباراتنا التأريخية  الدوغمائية  التي نمارسها (قبل قليل– بعد قليل– هنيهة – برهة– من زمان– منذ وقت قريب– أو بعيد ....وهكذا ما هي إلا ممارسة معاصرة لمفهوم بدائي لعملية التّأريخ التي نسميها اليوم  بالذّاكرة الجّمعيّة، وهي تنتمي إلى مفهومنا هذا الذي نعالجه ونسمّيه التراث الحيوي، وكذلك عموم مفردات التراث الثقافي غير المادي أو التراث الشفهيّ الذي تختزنه الذّاكرة الجّمعيّة وتعيد صياغته أو تقدمه بكليته يتدفّق بشكل حيوي. وبهذا المفهوم  يعدّ التراث الحيوي أهم مصادر التوثيق التراثي  باعتباره أحد الركائز العملية للذاكرة الجّمعيّة .

من كلّ ما تقدم يمكن لنا محاولة تعريف التراث الحيوي بأنه: التراث الذي نمارسه اليوم من: لغة، وعادات، وتقاليد، ومعارف، وخرافات، وتجليات أسطورية, وأنماط معيشة، وقيم اجتماعية، ومختلف فنون الأداء  ومهن تقليدية وسواها. وهي متواصلة منذ أن عرفها الأجداد في الأزمان الغابرة أمّا التراث غير الحيوي فيتعلق بما اندثر ذكره ولم يعد يعرف عنه الشيء الكثير واقتصر على وروده  في صفحات التّاريخ أو كتب التراث والمدونات والمتاحف.أو نسي تماما كبعض اللغات التي اندثرت ، والتقاليد التي لم يعد يعرف عنها أي شىء ،  إن التراث كلّه تراث سواء كان حيويّا متداولاً أم غير حيوي  منسيّا ومنقرضا لكنّ الحيوي منه مصدر مهم للتوثيق، فهو موجود بين ظهرانينا وفي وجداننا لكننا قليلاً ما نسوم له بالاً أو نلتفت إليه بحكم الديمومة والألفة التي تنسينا شيئا من غرابته، على عكس ما لو رآه غيرنا حيث تأخذه الدّهشة والغرابة لما يرى على الفور الفارق بين معارفه، وقيمه، وتقاليده، وثقافته التي هو يتعايش معها ويألفها، وبين تراث غريب عنه يراه لأول مرّة، إن السائح منّا عندما يزور بلدا ً لأوّل مرة تأخذ ألبابه كل الأشياء التي لم يألفها في بلده ولا يسوم بالاً لما يراه في موطنه ولما يعرفه في ثقافته ، فتجده عند عودته يحدّث عن أكثر الأشياء غرابة لما شاهد وعاين، وهو في الحقيقة يتحدث عن الفارق بين ثقافته المألوفة لديه وبين الثقافة الجديدة التي أدهشته لأوّل وهلة بينما هي مألوفة لدى من يعايشها ، إنّ المستشرقين قد دونوا في مذكّراتهم عن بلداننا ما نعتبره شيئا تافها لا يستحق الوقفة بينما هم يعتبرونها اكتشافات وفتوحات معرفية مهمة، فهذه (اجاثا كريستي)تقول عن أهل الحسكة4: (إنهم يضعون اللحم  بكميات كبيرة فوق منسف الأرز أو البرغل ويجتمعون عليه ويتناولون أكلهم جماعيا بأيديهم) لم تكن كريستي تعير اهتماما لهذا التقليد الاجتماعي في نمط معيشة أهل الحسكة لو أنّ هذا النمط  معروف في بلدها وفي المقابل  لو قرأ هذا الكلام أي شخص من أهل الحسكة لما شدّه الاهتمام به، لسبب بسيط هو تلك الألفة الدائمة والتعايش مع هذا النمط وسق هذا على مختلف الأشياء والممارسات التراثية المعاشة في الواقع مما نسميه بالتراث الحيوي، والذي هو المصدر المهم للتاريخ الشفهيّ والملهم المعرفي  للذاكرة الجّمعيّة.       

الحكايات والسيَر الذاتية كروافد للذاكرة الجمعية: تعد ّ الحكايات الشعبية (السوالف – الحدّوثة) من أهم مصادر التّاريخ الشفهيّ، بما يرد فيها من أحداث نسي تاريخها بسبب التحريف والتشويق والمبالغة, وبقيت القيم والمعطيات المعرفية التي تتضمنها، فمن خلالها يمكن معرفة الظروف الاجتماعية وحياة الناس في القحط والرخاء، والمفردة العاميّة (حدوثة) مأخوذة من مصدر حدث، أي أنها ترتبط بحدث تاريخي متناقل شفهياً، والأدب الحكائي يكتفي بلمحات عن الحدث التاريخي، والحكايات الشعبية تعد (كشواهد عيان على حقبة تاريخية معينة تتحدث بلسانها وتنقل أحاسيسها وأفكارها وتقاليدها، و التسجيل الوصفي والذي يحافظ على الصيغة الشفاهية في حالتها الأصلية يجب أن يتبع في عملية إحياء النصوص التراثية.

وإنّ صلابة القوانين الشكلية للحكايات وضيق إطارها هو سرّ قوتها وبقائها، وبما أنّ التركيبات الشفهية في الحكاية الشعبية هي شكل من أشكال التعبير الأدبي مصاغ بطريقة فنية خاصة، فإنها تفتح مجالات واسعة لدراسات مقارنة شيقة بين حكايات الشعوب، فالبنية الحدثية للحكايات متشابهة في كل الحضارات ولها أصل ثابت في كل المجتمعات، إلا أنّ المساهمات والإضافات المحلية في كل فترة زمنية لا تتضح معالمها إلا من خلال الصيغة الأصلية للنصّ النقي ..

 إذاً فمكوّنات الشكل التعبيري للحكاية الشعبية تلقي الضوء على الظروف التي ولدت وعاشت فيها وتقدر مكانتها في الحياة اليومية التي عاشها الناس في حقبة زمنية محدّدة، وهذا هو ما ينصّ عليه المنهج البنيوي الذي يهتم بتوصيف العلاقة ما بين البنية التركيبية لنموذج النمط القصّصي الواحد وبين البنية الاجتماعية التي تولدت عنها،هكذا وبعد أن تنتهي مرحلة استعادة النصّ الأصلي للحكاية الشعبية بطريقة علمية أنثروبولوجية تزيح التراب من فوق الآثار المندثرة، تأتي مرحلة الرجوع إلى هذا التراث كنبع متدفق للاغتراف منه سواء كان ذلك بالتحليل والدراسة أو بالنقل والتجديد،  وتتعدّد الأطر العلمية التي تتناول هذه الحكايات الشعبية بعد اكتشافها لما لها من مدلولات تاريخية واجتماعية ونفسية واقتصادية ودينية وجغرافية وأدبية وحضارية، فهي مادة تراثية غنية تهم أي دراسة علمية متخصصة5  أمّا في الأدب الغنائي والشعبي عموماً  (العتابا) 6 مثلا ترد أخبار عن أقوام وقبائل وشخصيات وأحداث مهمّة من مثل قصة الشاعر عبد الله الفاضل التي يعدّها نقاد الأدب الشعبي وقراؤه من أهم السير الشعبية التي تؤرّخ لمرحلة نهاية القرن الثامن عشر، حيث أواخر الدولة العثمانية، وكذلك الرواية التاريخية، وحيث لا يمكن الركون إلى الرواية على أنها من كتب التّاريخ لكنها بذات الوقت تقدّم تلك اللمحات والومضات التاريخية التي تكشف الحدث وتشير إليه بشكل أو بآخر ففي أعمال  محمد زيد أبو حديد  الملك الضليل ،والمهلهل بن ربيعة زنوبيا ملكة تدمر نكشف عملية تأريخ قريبة من الأسلوب الأكاديمي – حسب الباحث محمد الجدوع – فضلا عن الأسلوب الحكائي القصّصي، وكذلك الأمر لدى كل من محمد سعيد العريان في باب زويلة وقطر الندى، وشجرة الدّرّ،  وعبد الحميد السحّار, في أميرة قرطبة، وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم , ومن الجهود الروائية التاريخية رواية الشاعر الطموح, وهاتف من الأندلس لعلي الجارم, ورواية شاعر وملك عن المعتمد بن عباد, أما نجيب محفوظ  في رواياته:  أحمس بطل الاستقلال, وعبث الأقدار, ورادوبيس, وكفاح طيبة, واهتم نجيب محفوظ بالتّاريخ الاجتماعي والسياسي في روايتيه: خان الخليلي, وزقاق المدق, عن القاهرة, أما الروائي السوري عبد السلام العجيلي, فقد غطى الفترة التاريخية التي عايشها كعملية رصد تاريخي فهذا هو في مجموعة: الحب الحزين, يصور الواقع الاجتماعي, وفي قناديل اشبيليا, يصوّر التشابه بين أبنية الرقة وأشبيلية, فالعجيلي يؤرخ اللحظة, ففي قصصه: فارس مدينة القنطرة – باسمة – المغمورون – أرض السيّاد – عيادة في الريف – السيف والتابوت كلها ضرب من التأرخة للمجتمع في لحظة تاريخية   يقول عنها: لأقبس منها دلالات على ما يجري في الحاضر.7

أما السيرالذاتية: فهي من نتاج المخيلة الجماعية الشعبية، و أبناء هذه الجماعة يتواترون السيرة، ويتداولون روايتها، ويتبنونها باعتبارها معبّرة عن مُثُلهم وقيَمهم ورؤاهم الجمعية، وأبرز السّير التي لازالت راسخة في الذّاكرة الشعبية العربية:

 -1الســـّيرة الهـــلالية.

-2 ســـيرة الزير سـالم.

-3 سيرة عنترة بن شداد.

 -4سيرة الملك سيف بن ذي يزن.

-5 سيرة السلطان الظاهر بيبرس، وبالمثل تُنسب أعمال أخرى إلى السّير الشعبية، وإن كانت قد دخلت ضمن مجموعات قصصية أخرى، مثلما نجد في ألف ليلة وليلة، التي ضمَّت إلى قصصها سيرتي عمر النعمان وعلي الزيبق، تشير عناوين السّير الشعبية إلى شخصيات، أغلبها مذكور في التّاريخ العربي والإسلامي، فأغلب هذه السّير يدور حول شخصيات ووقائع لها أصل تاريخي، وغير قليل من المعالم ومواقف الأحوال الموصوفة فيها تحوي أصولاً تاريخية،ولكنّ هذا لايعني أن السّير الشعبية مؤلفات تؤرخ لأشخاص أو فترات أو أحداث، ولا يعني أيضًا أنها تلتزم بضوابط الصحة التاريخية والتوثيق المنهجي،  وعندما تتعامل السّير الشعبية مع وقائع التاريخ، فإنما تتعامل معها باعتبارها مادة تستعملها وخيوطًا تَجْدلُها مع خيوط أخرى في نولها الفني، حيث يجري على المادة التاريخية مايجري على المواد الأخرى من إعادة التشكيل والصياغة، إلى أن تتسق سائر العناصر الفنية وتتكامل، وفق منظور مُنتجيها ومعاييرهم الجمالية(حسب الأستاذ: أحمد سعد الدين)وهناك السير الذاتية والمذكرات،التي تكشف عن بعض المراحل التاريخية والأحداث والأحوال وإن شابها بعض الشخصنة والفردية فإنها تظل شاهدا عيانيا مهماً على التّاريخ ومصدرا شفهيا من مصادره .

 

الوجه التذكري الآخر هو المذكرات المكتوبة، وهي برأينا أهم ما يمكن الركون إليه من السرد الارتجالي الذي قد يشوبه الشطط، وهي وإن كانت تحمل رؤية شخصية محضة إلا أنها تحوي كثيرا من الدلالات المعرفية التي لا تخضع للمزاج الشخصي، وبها تكون تحديدا أكثر دقة لتاريخ الأحداث, وهي على ندرتها تعدّ مصدرا لا غنى عنه فهي تنتمي إلى موضوع الذّاكرة الفردية بأحد أوجهها لكنها تحمل ملامح الذّاكرة الجّمعيّة فما يتعلق منها بسرد سيرة صاحبها له شأن مختلف عمّا يتعلق بموضوعات عاصرها هو وتأثر بها وكتب عنها  وهنا يكمن بيت القصيد، أما عند العرب تحديدا فإن كتابة المذكرات ونشرها لا زال خارج دائرة الاهتمام وهو جانب لم يول الاهتمام الكافي. إن بين التّاريخ وأدب السير الذاتية صلة وثيقة، فكل منهما يهتم ّبعرض الأحداث، والمآثر  والكشف عن الصور الماديّة والنفسية؛ مع العلم بأن الأصل في التّاريخ الإنساني هو مجموع التواريخ الخاصّة، سواء الفردية منها أم الجماعية، وهذا يعني أنّ أي سيرة ذاتية هي برأي الدكتور عبد الفتاح أفكوح (واقع تاريخي بحدّ ذاتها، فيها يتكامل التّاريخ الفردي والجماعي، ولا شكّ أن للحسّ التاريخي دورا كبيرا، وتأثيرا مباشرا في إدراج نصّ السيرة الذاتية و عرضها، وفي تحديد البناء العام لكل تاريخ فردي، ثم إنّ الإحساس بالتّاريخ والوعي بقيمته يمثلان في وحدتهما باعثاً طبيعياً لصاحب السيرة الذاتية على ضبط أهمّ المنعطفات والتحولات الحاسمة والدالة في حياته، فالسيرة الذاتية أكثر نبضا من التّأريخ بالحياة والتجارب الفردية، بحكم محورية الذات الفردية في هذا اللون من التعبير من جهة، وثانوية الأحداث من جهة ثانية، ومن السهل أن نتنبه إلى كون التّأريخ أحد وجوه فتنة هذا الجنس الأدبي، ثم إن كاتب السيرة الذاتية يستدعي أحداثا وجملة وقائع سالفة بوعي ومهارة، يسمهما برؤاه وتصوراته في الزمن الحاضر، معتبرا في ذات الوقت الأهمية البالغة للماضي، وقد يكون من أهمّ أهداف صاحب السيرة الذاتية توثيق التاريخ، لكن الأهمّ لديه هو أن يترك أثرا أدبيا يخلّد ذكره بعد موته، وإذا كان التّاريخ يجري وراء الحقيقة، باحثاً وممحصاً، ثم مبدداً لأي غموض في مختلف جوانب الحياة الإنسانية، فالسيرة الذاتية تقتفي أثر الحياة في ذات الإنسان، ولذلك كانت ولا تزال أكثر احتفالا بالأدب الذاتي من كل ألوان التاريخ، حتى إن التّاريخ يعبّر عن مدى غنى الحياة الداخلية للإنسان، أكثر مّما يعبر عن المسافة الزمنية التي يقطعها من المهد إلى اللحد، وإن كان الكائن البشري يدرك جيدا أن ذاته اليوم ليست هي ذاته بالأمس، وأن مجرى تنامي وتطور إحساسه الداخلي غير قابل لأي تحديد)8

وبهذا تكون السيرة الذاتية أو ما يعرف بالمذكرات تاريخاً للأحداث الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ولكن في المقابل كثيرا ما يتّهم كتّاب السير الذاتية بالتزوير والكذب والتلفيق،والخوف ومجانبة الحقائق ، فإذا كان التلفيق على مستوى الأحداث أي باختلاق أحداث وهمية فهذا ما لا يمكن الركون إليه، وفيما إذا كان هذا التلفيق يمسّ كاتب السيرة كادعاء دور أو بطولة ما، في صنع الحدث، فإن هذا لا يغير كثيرا من كون الحدث التاريخي قد تمّ فعلا ويظل الاختلاف والتساؤل عن صاحب الدور الحقيقي في صناعته.   

الأسطورة كذاكرة جمعية:

كتب فراس السواح عن الصلة بين الأسطورة والتاريخ، فقال (إنهما ناتجان ثقافيان ينشآن عن ذات النوازع والتوجهات، أي عن التوق إلى معرفة أصل الحاضر)9

إنّ للأسطورة دورا مهما في حفظ القيم والعادات والطقوس والإرث الحضاري عبر الأجيال، لترسيخ الثقافة ومنحها قوة التثبيت التي لاغنى عنها لضمان استمرار الثقافة بحيويتها، وتأصيلها عبر ارتباطها بجذورها، لتتماهى بالمعطيات المعرفية الإبداعية، لأنها تشارك هذه المعطيات في التأسيس المعرفي وتشكل الأرضية المؤازرة للمعطى الإبداعي والفكري، وتساهم في إيجاد حلول فريدة، لأسئلة الحياة التي قد تكون أسئلة عصرية وحداثية كما هو الحال في استقراء أحداث التّاريخ من خلال وعي الأسطورة وتحليلها لإيجاد القرائن المعرفية لعملية التّاريخ, ولما كان الإبداع هو تلك القدرة على إيجاد الحلول للمشكلات، فان الأسطورة تقدّم النظائر، والدروس، والعبر، والأمثال، والقرائن لهذه المشكلات، وبالتالي تقدّم الروافد المعرفية والسلوكية والرمزية لتهيئة الفعل الإبداعي، فكما كان لعشتار المعبودة البابلية ومعادلها المصري ايزيس تلك القوة في التثبيت لإلهة الحب والحرب الفينيقية(عشتروت) ومساهمتها في التكوينات الإبداعية عبر التّاريخ، فان من الجائز تماما ًالحديث عن دورها التقليدي في تكريس هذا الحيّز لدى المثقف العربي ودعم الركائز المعرفية التاريخية التي يستند إليها, بما أنها أسطورة عربية جذورها التاريخية متأصلة في الذّاكرة الجمعية، وإذا كانت قد عرفت بمسميات مختلفة لدى الشعوب عبر التّاريخ فان ذلك لا يحبط مشروعية تناولها عربيا، على أنها معطى ثقافي وقيمي وحضاري فعدّها العامّة من قبيل الخرافات التي لا تصلح سوى للتسلية وعدّها الدين من أباطيل الأولين الضالين مما لحق بها من التهميش والازدراء

 والمصارمة فجاءت الأسطورة في آخر اهتمامات الباحثين المتقدمين.

وهذا برأينا أحد أسباب الرفض الذي حاق بالأسطورة العربية وفيما بعد كان الإهمال والرفض والإلغاء، إلا أنّ الأسطورة متجلية في ثقافتنا ومخزونة في ذاكرتنا البعيدة، وبصرف النظر على الموقف منها فهي كينونة تاريخية متجسّدة ومتجذّرة في أعماقنا، ذلك لأن التّاريخ الأسطوري الذي ينظر إلى الأحداث الماضية باعتبارها تجليات لمشيئة الآلهة، يشير إلى رغبة الإنسان القديم في الاحتفاظ بنوع من الذّاكرة الجّمعيّة التي بدونها يصير الإنسان إلى حالة أشبه بالموت، والموتى الهابطون إلى العالم الأسفل في الميثيولوجيا الإغريقية يشربون في طريقهم من نبع النسيان لكي يقضوا الحياة الثانية بدون ذاكرة، غير أنّ ما يفرّق الذّاكرة الجّمعيّة الأسطورية عن الذّاكرة الجّمعيّة التاريخية هو محتوى كل منهما. فجلجامش ملك أوروك، خلّد من خلال الأسطورة لا من خلال الرواية التاريخية، ومثله الملك سيف بن ذي يزن وزرقاء اليمامة، وعوج  بن عناق ،  عند العرب، لأن الأشخاص التاريخيين، والأحداث التاريخية بشكل عام، لا ترسخ في الذّاكرة الجّمعيّة للإنسان القديم إلا لفترة وجيزة من الزمن، لاتلبث بعدها حتى تتلاشى أو يتغير وجهها بفعل الأسطرة. وهذه العناية بالتّاريخ المقدس، وتجاهل التّاريخ الدنيوي، قد دفع الإنسان القديم إلى تجاهل دوره في حركة التاريخ، فاعتقدَ أنّ المدن التي يسكنها قد بنيت من قبل الآلهة في سالف الأزمان لسكنها، وبنت فيها قصور ومعابد، وهذا التجاهل لحقيقة ما جرى في الماضي، واستبداله بتاريخ مقدس تكشف عنه الأساطير، قد جعل الإنسان القديم خارج الصيرورة التاريخية وبدون ذاكرة دنيوية ذات محتوى له مغزى ومعنى، ولقد ابتدأت الكتابة التاريخية كجنس مستقل عن الأسطورة، عندما لم يَعُد الإنسان القديم يرى في الأحداث الماضية أو الأحداث الحاضرة تداخلاً ماروائياً من أيّ نوعٍ كان، عند ذلك أخذ التّاريخ يتجرّد من قدسيته، وأخذ الإنسان يبحث في الأسباب والنتائج من خلال روابطها وصلاتها الدنيوية الواقعية، وولد علم التّاريخ الذي حلّ محلّ الأسطورة في صنع الذّاكرة الجّمعيّة ،وقادَ الإنسان إلى معرفة دوره الأساسي، وأهمية نشاطه الخلاق على حركة التاريخ، إنّ المقدمات البعيدة لنشوء الكتابة التاريخية قد أنتجتها ثقافة الشرق القديم، فمنذ أواسط الألف الثالث قبل الميلاد، كانت الممالك السورية والرافدينية: ماري، إيبلا، والمدن السومرية، وأكاد، تحتفظ بأرشيف ملكي متنوع الموضوعات ويحتوي على عدد لابأس به من الوثائق التي تعطي صورة عن الأحداث الجارية والأحداث القريبة العهد زمنياً، وبعد فترة قام بعض كُتَّاب القصر الملكي بتدبيج نصوص شبه تاريخية اعتماداً على تلك الوثائق.10

إنّ المرويات والمنقولات الشفهيّة تشكل محورًا بارزًا في بلورة الأساطير، ويعد التراث الشفهي المخزون الأهم في تناقل السير والقصص الأسطورية وتعتبر الميثولوجيا هي الصياغة الفنية القادرة على الإشارة إلى ما وراء التاريخ وإلى ما هو غير زمني في الوجود الإنساني، كما تساعد الدارسين على التعرف على ما وراء التدافع العشوائي للوقائع التاريخية وتساعد على استكناه جواهرها،  وتتداخل الأساطير بالوقائع التاريخية بحيث نجد أن العديد من الأحداث الأركولوجية البحتة احتوت على أبعاد تدخل في الماورائيات الأمر الذي دفع بالكثير من الباحثين إلى دراسة تلك العلاقة بين التدوين والمرويات الشفهية، وقد تناول الدكتور سعد الصويان في محاضرة له11 التداخل بين الأسطوري والتاريخي في  المرويّات  الشفهية حيث طرح أهم سمات المجتمع، وأرجح كثرة الأشعار في الروايات الشفهية لأسباب الحفظ من الضياع، حيث إن القصيدة أسهل حفظا من النثر، كما أن اللغة الأدبية أقدر على الرسوخ في الذاكرة من غيرها، لذا يتم صقل الأحداث التاريخية شفهيا بأسلوب أدبي ممتع كي لا تمحي من ذاكرة المجتمع الشفهي وركز على سمات الرواية الشفهية وآليات تناقلها في المجتمع الشفهي، وكيف تتحول الرواية الشفهية إلى مكتوبة بعد مرور مدة من الزمن، وكيف تصل إلينا المعلومة الشفهية وقد تحوّرت حقائقها، لتختلف الروايات الشفهية وتصل لمرحلة التدوين بعد تعدد أحداثها وتبدل أدوار أبطالها حسب الراوي وقربه أو بعده من الأشخاص الذين يمثلون الحدث التاريخي، إذ تؤثر الكتابة على هذه الروايات في عملية توثيق الحدث التاريخي والوقائع المتناقلة.

 

ومن أهم نماذج انعكاسات الأسطورة وتأثيرها في الوعي الجمعي العربي هو كثرة تسميتهم بأسماء الحيوان فلنسقط الأسماء مثل: حيدرة وأسامة, بمعنى الأسد وأوس ونهشل بمعنى الذئب وكلثوم(الفيل) والحنش والأرقم (الحيات) وعكرمة (الحمامة) وذر، وجندب.  فضلا عن العديد من الأسماء المعاصرة التي لها دلالات أسطورية طوطمية مثل:صقر, وهيثم، وليث، وسواهم إن بعدها الديني يمكن تأويله إلى كثرة ورود أسامي الحيوان في القرآن الكريم12 أمّا بعدها الأسطوري فيكمن في أثر الأسطورة بالذّاكرة الجّمعيّة العربية، ويبدو أن أبعادا أخرى لهذه  الأسامي مثل تسميتهم بأسماء الحيوانات من قبيل إعدادهم للحرب فقالوا:  نسمي عبيدنا لنا ونسمي أولادنا لأعدائنا، أو اللجوء إليها حمية من الحسّاد لكي يعيش الأولاد وهذا الرأي هو الغالب بسبب تآزر شواهد داعمة تؤيده وتؤكده كاستعمال التمائم والخرز والحجب والتعاويذ، لها مد لولاتها التي تستوجب الدراسة وتشكل حقلا خصبا أمام الباحثين في مجالات الميثيولوجيا وحفرياتها المعرفية فالتراث الميثي العربي بمختلف تكويناته من عادات ومعارف وحكايات وأسلوب عيش ونمط حياة وسواها نجده مؤهلا تماما لأن يشكل الأرضية الملائمة لانطلاقة إعادة النظر بالصورة النمطية التي كوّنها المستشرقون لنا عنا، وبالتالي تنقيته من الخلاسيات والاقحامات الهجينة والمشبوهة ..

 إضافة إلى هذا فللأسطورة أيضاًً دور هام في معرفة أنماط التفكير وهذه الأنماط يتم تحليل بناها المعرفية فيكشف الدارس من خلال الأسطورة الاتجاهات البنيوية المعرفية لثقافة مرحلة الوعي الأسطوري وفي اللاوعي هناك تجليات شفهية للأسطورة ظلت دائما في حالة كمون ولا تظهر إلا مترافقة بمحرضات سيكولوجية مثلا في الجزيرة السورية إذا عاب أحدهم وليدا ً لامرأة في الريف السوري (الجزيرة والفرات تحديدا)إنها تدافع باللاشعور قائلة (عشتو) وكأنها تستحضر عشتار إلهة الجمال لتقول لها: تعالى واسمعي هذا يعيب الجمال الذي منحته لابني، ومنهم لا زال يردد الاستنجاد بـ(العزى) لأنها كامنة في لاوعيه الجمعي.فعندما يتعثر أحدهم بالمشي أو بالكلام وعندما يودّ الدفاع عن موقفه  يقول (عزى) أما في الأفراح فتنطلق الزغاريد من الحناجر مطلقة صوت (لي لي لي ليش) وهو استدعاء للإله (لالش) ولا زال أبناء الجزيرة السوية يقذفون بأسنان صغارهم اللبنية باتجاه الشمس لتمنحهم الأسنان الدائمة باعتبارها كانت آلهة يقول الشاعر: 

تروحنا من اللعباء عصرا

فأعجلنا الإلهة أن تؤوبا

إذا نحن أمام تراث ميثي عربي عريق يشكل منظومة معرفية تعكس أشكال عملية التطور الاجتماعي والتاريخي وترتبط بجوانب الأدب والفلسفة وتحفظ العادات والطقوس والحكمة والذّاكرة الجّمعيّة للأمة .ومن هنا تنطلق أهمية جمع وتوثيق وصون التراث الشعبي باعتباره معطى معرفيا.

 

المراجع

1 - التّاريخ والعجيلي محمد جدوع ،–دار الفرقد دمشق ط1  2006

2-  تاريخ الله الدكتور- جورجي كنعان–– منشورات الندوة الكنعانية  ،  بيروت1990 ص15

3- زهير سوكاح ، مفهوم الذّاكرة الجّمعيّة لدى موريس هالبواكس موقع  دروب 10/4/2007

4-سوسيولوجيا الفكر الاسلامي د. محمود اسماعيل  - الإخباريون وتدوين التراث التأريخي: دار الثقافه, الدار البيضاء 1980  ج2

5-د. عبد الفتاح أفكوح،  جنس السيرة الذاتية بين الادب والتّاريخ   متوفر: المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية www.airssforum.com/f569/t29093.html

6- فراس السواح  الأسطورة بين التّاريخ المقدس والتّاريخ الدنيوي -موقع  

7--  مجلة التراث العربي – اتحاد الكتاب العرب – دمشق - العدد 86/87/ آب 2002

8 - مجلة Comma، عدد 1/2/2002  دورا شوار ستاين  التّاريخ الشفوي حول العالم  الآفاق الحالية  والمستقبلية - ترجمة:  سلوى زاهر الأوان 21/3/2007

 

المصادر

1-موقع دروب الالكتروني تاريخ المشاهدة  10/4/2007

 المرجع السابق

2 - جابر عصفور- الأهرام المصرية الأحد 7يناير 2007

3- محافظة شمالي شرق سورية تعرف بالجزيرة السورية

4 - مجلة عربيات الالكترونية  العدد الخامس 1/8/200

 5 - راجع مقالنا (العتابا مقاربات نقدية) منشور في العدد التاسع من مجلة الثقافة الشعبية .

 6 - التّاريخ والعجيلي ، محمد جدوع –ص61

7 - www.airssforum.com/f569/t29093.html

 8 - فراس السواح موقع  الأوان 21/3/2007

 9 - فراس السواح موقع  الأوان 21/3/2007

10 - جريدة الاقتصادية.  د. سعد الصويان

 11 - تاريخ الله   الدكتور: جورجي كنعان  ص15

 

أعداد المجلة