فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
60

خُصُوصية المَجَال السَكَني في ظلّ التحولات السُوسُيُوثَقَافيَة: درَاسَة ميدَانيَة للقُرَى الجبَلية (شنّني تَطاوين مثَالاً)

العدد 60 - ثقافة مادية
خُصُوصية المَجَال السَكَني في ظلّ التحولات السُوسُيُوثَقَافيَة:  درَاسَة ميدَانيَة للقُرَى الجبَلية (شنّني تَطاوين مثَالاً)

 

مُقدمة:

مَثَّلَت التحولات السُوسُيوثقافية للقُرَى الجبلية مَجَالاً للبحث الأنثروبولوجي، وَذَلك من خلال أهميّة درَاسة الحياة اليومية للأفرَاد في المُحيط الاجتمَاعي وَإبرَاز شبكة َالعلاقات في الفضَاء وَطُرق تنظيم المُمَارسات الاقتصادية والاجتماعية. وقد كشفت عن طبيعة الثابت وَالمُتحول، لهذا سنعمل عَلَى الوقوف عند بعض خُصوصياتها انطلاقًا من نماذج ملموسة. كما بينت المعاينة تجذر سُكان القُرَى في مُحيطهم الجغرافي منذ فترات قديمة رغم ما شهده الواقع من تحولات اختلفت طبيعتها وَمَساراتها التاريخية. إلاَّ أنَّ البحث الأنثروبولوجي في علاقة الإنسان بقُرَى الجبل يُؤكد تمسك هذه الإثنية وَمُحافظتها علَى موروثها وَهُويتها الثقافية في جوانب تمس اللهجة واللباس والحرف وَالمعمَار1. وَبفضل مُكتسباتها تمكنت هذه الفئات من أقلمة الواقع وتجاوز صعوبات الطبيعة، ومن ثُمة إعادة استثمارها بطريقة تكشف الفطنة وَالبراعة التي سَاعدت هذه المجموعات المعزولة عن المكان من خلق ثقافة جبلية خَاصّة وَاجهت بهَا المتغيرات التاريخية في المجال الجغرافي طيلة عقود من الزمن.  

وَنُحَاول في هذَا البحث إدرَاك أهم  الخُصُوصيَات السُوسُيُوثقَافية المُمَيّزة لسُكان قرية شنني الجبلية، وذلك بالعودة إلَى الموقع الجغرافي المُميّز لها ودراسة مدلول التسمية والأصول الإتنولوجية للسكان باعتبارها مُؤشرات ضرورية تُيّسرُ لنَا سُبل  إدراك الخصوصيات السكانية والتمثّلات المرتبطة بالمسكن. وبلوغ هذه الغاية مُرتهن بالوقوف عند الخلفيات النظرية التي تسمح لنا بمعرفة المداخل الأنثروبولوجية لدراسة المسكن بصفة عامّة والذهنية المرتبطة به بصفة خاصّة. وَهُو مَا مكننا في مرحلة أخرى من فهم البنية المُرفولوجية للمغاور، لنتطرق في الأخير إلَى بيان تجذر المسكن في ذهنية ساكنيه والتماس الأبعاد والدلالات الرمزية في إطار محاولة تفكيك بُنية النسق الثقافي والاجتماعي لجبالية قرية شنني تطاوين.

 مجتمع البحث: قرية شنني تطاوين:

يهتم هذا المَقال بدرَاسَة التحولات الاجتماعية للقُرَى الجبلية بالجنوب الشرقي التُونسي من خلال نموذج قرية شنني تطاوين.

1)     الموقع الجُغرافي: 

تَقَع القرية الجبلية شنني تطاوين عَلَى بُعد ستة عشر كليومترًا جنوب غرب ولاية تطاوين. وَتتموقع القرية على ارتفاع 500 متر فوق مستوى سطح البحر ضمن مناخ جاف صحراوي، تضع فيه معدلات التساقطات التي لا تتجاوز 130 مليمترًا سنويًا. ويتراوح متوسط درجة الحرارة بين 20 و30 سنويًا. وَقد عُرفت هذه المنطقة بأصل نشأتها الأمازيغي، حيثُ بَيّنت البحوث الأركيولوجية تأصل الإنسان في المكان مَا يَزيد عن ثمانية قرون. وَتَعود بعض معالم القرية إلى القرن الثاني عشر ميلادي أين كانت تستقر بعض المجموعات البربرية. 

وَتعكس الصورة الأولية عن مميّزات موضع القرية، إذ تتجلى فواصل الزمن بين القرية الجبلية القديمة التاريخية التي يَعلُوها قصر شنني وَبعض المساكن المحفورة التي تتوزع على أطراف الجبال المُحيطة بها. وقد عمل الزعيم الحبيب بورقيبة عَلَى تأسيس قرية حديثة في أعلى التلة سمَّاهَا شنني الجديدة وَهيَ عبارة عن مساكن وَمرافق إدارية محدودة، سَعَى من خلالها إلى إخراج سكان الأمازيغ من أماكن تَوَاجدهم بالجبال حيث يتموضع القصر شامخًا كأنّه عش صقر حسب توصيف بعض الرحالة الأجانب له خلال الفترة الاستعمارية2. ورغم محاولات طمس الهوية المحلية لاعتبارات سياسية وصراع زعماتي منذ الستينات، فإنَّ سحر هذه القرية حافظ عَلَى تميّزه وصموده أمام هذه المتغيرات. ممّا يؤكد تجذر الثقافة المحلية لأقلية إثنية لطالما أثرت التحولات الاقتصادية والاجتماعية في طمس مَعالمها وَتغييب بعض خُصوصياتها، لَكنّها مع ذلك قاومت النسيان لتترك لنا بعض البصمات حاولنا النبش في آثارها لإعادة إحيائها وإنعاشها رَغم مَا لفها من ذاكرة النسيَان. 

وَتُشير آخر إحصائيات التعداد العام للسكان3 إلَى أنَّ سكان قرية شنني قد بلغ حوالي 802 ساكنا سنة2014، وتتوزع إلى 404 ساكنا بشنني القديمة و398 ساكنا بشنني الجديدة. كَمَا تُشير الدراسات المُنجزة4 سنة 2004 إلى التَرَاجع الملحوظ في معدل الكثافة الديمغرافية بإستمرار، حيثُ بلغ العدد الجملي لسكان القرية حوالي 949 ساكنا موزعين بين 554 ساكنا بشنني القديمة. في حين لم يتجاوز عددهم 395 ساكنا بشنني الجديدة، وَهُوَ مَا يَعني بأَنَّ النُمو السكاني في هذا المجال الجبلي قد شهد تراجعًا في معدل النسب المائوية بين القرية القديمة وَالجديدة من 3.1 - % إلى 0.07 %. 

2)     مَدلُول التَسميَّة وَالأصول الإتنولوجية:

1.2    مدلول التسمية:

لَئن غُيب مدلول التسمية لقرية شنني تطاوين في المصادر التي عَرَّجت علَى هذه المنطقة منذ العهد الوسيط، إلاَّ أنَّ البحوث الكولونيالية والأنثروبولوجية - رغم ما تحمله من هنات وتحامل- تبقى مصدرًا لا مناص منه نستأنس به في مثل هاته البحوث. فقد أشار الإتنوغرافي أندري لوي5 إلَى أَنَّ أُصُول سُكان قرية شنني تعود إلَى قبيلة زناتة البربرية التي استوطنت المجال منذ القرن الحادي عشر ميلادي، وكان ذلك تحت ضغط زحف القبائل العربية الهلالية وَالسليمية. ممَّا اضطرَها إلَى العيش في المرتفعات هَربًا من الغزوات والغارَات، وَبذلك بدأت تتشكّل ملامح القرية منذ القرن الثاني عشر للميلاد. وتذهب بعض الأساطير القديمة عَلَى غرَار اعتقاد القديس أوغسطينوس (Augustin) إلَى أَنَّ أصل التسمية مُشتق من الأصل الكنعاني الذي يعني تشنين والتي يُقصد بهَا في اللهجة المحلية الاختلاط. وَاعتمادًا عَلَى الاشتقاقات اللغوية  وَالمعطيات الإتنوغرافية قد بَدَا لنَا أنَّ أصل الكلمة في ارتباط بمعَاني التنّوع والاندماج6. كَمَا يُمكن أن تُحيل كلمة شنني إلَى مَعَاني الاستفسَار حول الأصل الجُغرافي وَالموقع الذي تنحدر منه هذه الجماعات القاطنة بالمكان (الشني: من أين وماذا تريد؟). وفي المقابل تذهب بعض السياقات الأخرى إلى ربط الأصول الأمازيغية لأهالي شنني بالزناتية، حيث أَنَّ هذا المجال مَثَّل عَلَى مَر العُصُور نقطة لتجمع وَتمازج إثنيات من أُصُول مُختلفة، كَانَ المُشترك بينهَا هُوَ التحالف من أجل مُواجهة العدو لاشتراكها في الأذية7. وَهَذا يدعم مَا ذَهَبَ إليه التحليل الخلدوني8 في حديثه عن فكرة العصبية القبلية أو ما ذهبت إليه المقاربة الانقسامية في تحديدها لمفهومي الانصهار والانشطار في سياق بحثها عن طبيعة المجتمعات المغاربية9. وقد شهدت المنطقة توافد أُصُول أمازيغية متنّوعة جمعتها طبيعة التهديدات الخارجية، ممَّا جَعَل السُكان الوَافدين إلَى التجمع في تلك الجبال وإنشاء مَغَاور قادرة عَلَى حمَايتهم من هذه التهديدَات في إطار نوع من التضامن الاجتمَاعي وَالرُوحي.

وقد مكّننا العمَل الميدَاني بقرية شنني من إجرَاء مُقابلات10 معَ العديد من سُكان القرية وَالعائلات، حيثُ تنّوعت مفاهيم مدلول التسمية ومدلولاتها. إلاَّ أنَّهَا أجمعت عَلَى مفهومي  الاختلاط وَالتمازج لأَنَّهَا ضَمت لفيفًا من عُرُوش وَجماعات مُختلفة. كَمَا أَشَارَ بَعضهم إلَى أنَّ شنني يُقصد بهَا المَكان المُرتفع والذي يَختلط فيه الجبل بالمُنشئآت السكنية المَحفورة. وَهُوَ مَا يُفَسّر التنّوع في مَدلول بَعض الألقاب الذي يُحيل عَلَى الأُصُول التي تنحدر منها كُل مجموعة في هذه القرية من خلال المحافظة عَلَى نفس اللقب. وفي الحقيقة يبدو الجزم في مسألة أصل الكلمة لا يخلو من صُعُوبات إجرَائية نَظَرًا لتعدد التفسيرات وَاختلاف الروايات الشفوية حَولَهَا. 

 2.2     الأصُول الإتنولوجية: 

لاَ نَكاد نَعثر في الدراسات الأكاديمية التي كُتبت حول قرية شنني وَالقُرَى الجبلية المجاورة عَلَى الجُذور الإثنية للسُكان بإستثناء مَا قُدم في بحوث أندري لوي. الذي اعتبر أنَّ الأصُول الإتنولوجية لسُكان هَذه السُفوح الجبلية تَعُود إلَى الأمازيغ الذين اختارُوا منطقة الدويرات وقرماسة وغيرها من المناطق الحصينة للاحتماء فيها من العدو. وقد ربط الباحث الأصول البربرية لهؤلاء بالحضارات القديمة الرُومانية والبيزنطية التي استوطنت شمال إفريقيا، مُستندًا في ذلك عَلَى مُقاربته للهجَات وللُغات الأصلية التي يرى فيها رينيه باسيه أنَّ لَهَا اشتقاقات لاتينية11. كَمَا كشفت البُحوث الإتنوأركيولوجية قدَم التوطين البشري في هَذه المجالات السَكنية، بمَا أنَّ البقايا الأثرية من حُصُون وَقلاع عَلَى غرَار «حُصن رمادة» وَ«الفطناسية» وَ«حُصن تلالت» تَكشف امتداد الاستيطان البشري لفترات طويلة وَعَلَى مراحل وحقبات وُصُولاً إلى مرحلة تركز الإثنية البربرية كآخر محطة تاريخية لتجذر بصمة الثقافة الأمازيغية12. التي استطاعت أن تحافظ علَى وُجُودها عبر مُقاومة الضغوطات الخارجية وقساوة البيئة المحلية. وفي نفس السياق ترسم لذاتها مسار شخصية ثقافية تعايشت مع المُتغيرات الاجتماعية والسياسية المتزامنة مع تحولات العهدين الوسيط وَالحديث في الفضاء المغاربي. فعمدت هذه الجماعات في البداية للعيش داخل مساكن محفورة في الصخر، ثُمّ حاولت في فترات لاحقة تطوير نمط معمارهَا قصد توفير الحماية وَجعلها مُستجيبة لمُتطلبات الحياة اليومية.

كما ذهبت الدراسات الإستشرافية إلى الإقرار بأنَّ المناطق الجبلية هيَ مجالات لاستيطان الشعوب الأمازيغية بمختلف أجناسها على غرَار «البتر» وَ«البرانس»، استنادًا إلى المُقاربة الخلدونية التي تعتمد تصنيفات إثنية دقيقة مكّنت من معرفة الجغرافيا التاريخية للقبائل البربرية في منطقة الشمال الإفريقي. كَمَا تعكس الألقاب وَالأنساب قاعدة عامَّةً تكشف عنها البُنية العُرُوشية وَالقبلية للبُطون المُكونة للمجموعات الأمازيغية في تلك المناطق. فقد تعرض ابن خَلدون إلى أقسام «البَرَانس» وَأنسَابهم حَيثُ حَدد لهم سبعة فُرُوع وَهيَ «مصمودة» وَ«أزداجة» وَ«أوهية» وَ«عجيسة» وَ«كتامة» وَ«صنهاجة» وَ«أوريغة»13، بينمَا تنقسم جماعات « البتر» إلَى أربعة فروع وَهيَ «داسة» وَ«ضريسة» وَ«نافوسة» وَ«لواتة». 

كَمَا  أَشَارَ بعض الأنثروبولوجيين علَى غرَار لوسيان جوزيف بيرثولون وَإرنست شانتر في بُحوث إتنوغرافيا الفضاء المغاربي إلَى أنَّ فضاء الجبل14 هُوَ مخصص لسكان البربر. لذلك ارتبط نسب «الجبالية» بالإثنية الأمازيغية، وَتُقيم القُرَى المتواجدة دَليلاً وشاهدًا علَى عراقة وأصالة الإنسان بهذه المجالات. حيث كشفت الدراسات الميدانية والاستعمارية15 عن وُجُود منطقة جُغرافية لتمركز هَذه الإثنية يَمتد مَجالها بين سلسلة جبال مطماطة إلَى حُدُود جبال نفوسة مُرُورًا بجبال دمر، أَينَ تتمركز عُرُوش قبيلة ورغمة التي تضم فُروعًا من البربر من أصول زناتية تنتشر بعض مجموعاتها في منطقة جبال عرباطة مثل «السند» و«تماغورت (ماجورة)» وَبمنطقة مطماطة مثل «تمازرت» وَ«بني زلطن» وَفي الجبل الأبيض «الدويرات» وَ«شنني تطاوين»16.

وقد اتفقت بعض الدراسات حول التمازج البشري بالمنطقة بين العرب والبربر، وَهُو مَا سَاهم في تَشكُل اتحاد ورغمة الذي ضم نسيجًا اجتماعيًا وثقافيًا مُتميّز الهُويّة من حَيثُ اللهجة المُستخدمة وفي أنواع اللباس وَالأكل وَالطقوس الاحتفالية17. كَمَا استطاعت هذه الجماعات المُحافظة على هذه الخُصُوصيّات بالرغم من التحولات السُوسيُوثقافية المُتسَارعة التي عرفتها سكنة المجال الجبلي. وَرَغم تأكيد بعض مصادر العهد الوسيط على الأصول الأمازيغية للإثنية التي استوطنت الفضاء الجبلي بأقصى الجنوب الشرقي للبلاد التونسية وَخَاصَّةً بمنطقتي الجفارة وَالظاهر وَالجبل الأبيض أين امتزجت الثقافات. ممَّا وَهَبَ المكان خُصوصية تفرد بها المعمَار في منطقة الجنوب التونسي عُمُومًا، وضمن التقسيمات التي اشتملت عليها قبيلة ورغمة نَجدُ فرع الجَبَالية الذي يتكوّنُ من شنني تطاوين وَالدويرات وَقرماسة وَقَطوفة. وَتُشكّل هَذه الفرُوع وَحَدات مَجَالية وَثقافية مُميّزة تسمح بتحديد أنماط السكن وفق مُعاهدات داخلية تعترف بوُجُود الآخر وَخَاصَّةً العرب. وَهيَ علاقات يَحكُمُهَا نوع من الحَذر بالنظر إلى الخاصيّة الإتنوعرقية التي تَحكُمها. وَقد حَاول الاستعمار الاشتغال عَلَى تلك العَلاقة تارةً بتدعيمهَا، وتارةً أخرَى بتوتيرهَا. وَهُوَ مَا سَاهَمَ لاَحقًا في إعادة توزيع قبائل الاتحاد الورغمي في إطار فرق حمائية تتكوّن من مجموعات حَاميَة وَأُخرَى مَحميَة تكُون الغلبةُ فيها للقبائل العربية. وَعلَى هذَا الأسَاس خَضَعَت الدويرات وَشنني تطاوين وَبُطُون السدرَة إلى أولاد دباب بإعتبارهَا المَجموعة الحَاميَة18. وَقد اعتمدَ الاستعمَار في هذا  التَوَجُه علَى رُؤَى تأخذ بعين الاعتبار حَجم السُكان وَمنَاطق نُفُوذها المَجَالي وَالعددي حَتَّى يَستطيع بَسط نُفُوذه وَجَمع المُعطيَات التي تُسَاعدَه منَ السيطرَة عَلَى هَذه القبَائل المُحافظة عَلَى هُويتهَا19. 

 الخُصُوصيات السُكانية للمَسكن بقرية شنني تطاوين:

1)     الخلفية النظرية:

تُمثل المرجعية النظرية رَكيزةً معرفية مُهمة ننطلق منها لتأطير عناصر درَاستنَا وتمكينها من مقاربات اهتمت بموضوع السكن من زاوية نظر أنثروبولوجية مُحاولين استخلاص بَعض النتائج التي تُعالج الأبعاد والدلالات التي تُرَافق هاجس الإنسان في بَحثه عن التوقي من المَخاطر التي تعترضه.

1.1     دراسة  « عاموس رابوبورت »20: (Amos Rapoport)

يُعَدُ بحث  رابوبورت حول « أنثروبولوجيا المَسكن» من أهم  الدرَاسَات المُتخصصة في مجال التوطين، حَيثُ تطرق في مُقاربته إلى الربط بين حاجيات السَاكن ونمط التعمير، واستطاع من هذه الرؤية مُعالجة مراحل تطور الفكر الإنساني من خلال ربطه بمجاله البيئي وَمُحيطه الاجتماعي. كما كشفت هَذه الدراسة المعايير الهندسية والعلمية التي تأسست عليها القواعد الضرورية في تشكيل النواة المعمارية وفق آلية تَستجيبُ وَمُتطلبات البيئة والمناخ والتي تُراعي قُدرة وشح المواد الإنشائية التي تتوفر بالمحيط المحلي. كما استندت هذه القراءات النظرية إلى مُبررات وفّرتها المعايير الإتنوغرافية والدراسات الأثرية والجغرافية التي خلصت إلى الكشف عن بصمات الحضور البشري من خلال بقايا مواد البناء والإنشاء في الجدران والأسقف والأبواب التي شكّلت المسكن الشنني.  

وَقَد تكونت هذه المعرفة والعبقرية في التعامل مع قساوة الطبيعة من جملة من التراكمات والعادات التي ورثها قاطنو الجبال في الثقافة واللهجات ومائدة الطعام والخزن ونمط التعمير21. واستطاع الحرفيون والبناؤون من إعداد مساكن وفق هندسة مخصوصة، فيمَا يتعلّق بمقاسات الغُرف واختيار الموقع الصخري والموضع وَمُرَاعاة عوامل المناخ مثل اتجاه الريح والشمس. حَيثُ لم يتجاهل الباحث في هذا السياق استجابة المسكن للقيم الاجتماعية والثقافية وخاصَّةً الدينية منها، إذ يَرَاها من أهم القواعد التوجيهية التي تتحكم في رسم توزيع الغُرف وتوجيه الأبواب والنوافذ والمقاسات وَحَتَّى نَوَايَا التوسعة التي قد تكون أحد أهم الإحداثيات الجديدة التي لم تغب عن «الجبالي». خُصُوصًا حينَ يتعلَّق الأمر بتطوير المسكن وبتوسعته. واعتمادًا على مُقاربة الباحث لإتنوغرافية المسكن التي تُمكن من رسم لوحة ميكروسوسيولوجية لوحدة مُتكاملة تخضع من الداخل لقواعد التجزئة وتستند إلى طبيعة الذهنية الدينية والاقتصادية وَحتَّى الأبعاد والدلالات الرمزية. وَهُوَ مَا يُفَسّرُ في نهاية الأمر وُجُودَ طُرُز معمارية تختلف من حيثُ التكوين وَالخصائص التقنية وَطبيعة الجوار إلى جانب استدامة المَواد المُستخدمة التي يَرَى فيها الباحث دعائم تحمل الخَصائص الأنثروبولوجية المرتبطة بالجذور التاريخية في عملية تشيّيد المسكن لدى المُجتمعات البدائية الأولى.

كَمَا ارتكز رابوبورت في ذلك إلى تحليلات لويس هنري مورغان (Lewis Henry Morgan) وفرانز بواس (Franz Boas) اللذَين يُقرَان بأهميَّة الخصائص الاجتماعية والثقافية في تفسير الوقائع المعمارية، حَيثُ كَانَ عَلَى رابوبورت مزيد تطوير هذه المصادر التحليلية ذات المنحى الأنثروبولوجي وَالعمل علَى فهمها من الدَاخل وفق تَوَجُه إجرائي يتناول مجموع  الخصائص المذكورة وَيَستحضر في الآن ذَاته الأبعاد وَالدلالات الرمزية التي تُعتبر مُؤشرات ذات معَاني وتفسيرات مُهمة لفهم الرُموز التي تتحكم في طبيعة وأصل تشييد المسكن والصورة التي يكون عليهَا عند الحاجة إليه.

1. 2     دراسة « أوتو فريدريش بولنو»22: (Otto Friedrich Bollnow)

أَكَّدَ بولنو في درَاسته الشهيرة «الإنسان وَالمَجَال» عَلَى أهميّة الثنائية التي تربط الإنسان بمجاله لفهم المعمار وَالمَسكن واعتبره شرطًا أَسَاسيًا وَطبيعيًا يُحدد خصوصية الفكر الإنساني وَمرَاحل تطوره في علاقته بالطبيعة وَمُكوناتها، وَهُوَ مَا مَهد لتطور التقنيات البدائية وَالتصنيفات التي مثّلت قواعد أساسية مُتحكمة في هندسة المسكن ووظائفه. 

وَيَشترك بولنو في نفس المقاربة التي طرحها رابوبورت في التأكيد على أهميّة الخصائص الثقافية كأحد أهم المُعطيات التي تُرَافق الفكر الإنساني وَتتحكم في عملية اختيار المَسكن ونمط المعمار. وَلئن اعتبر كذلك أنَّ المَجَال هُوَ أحد أهم الركائز التي تُبنَى عَليها هذه الخلفية، إلاَّ أنَّهُ لاَ يَستثني أهميّة الخصائص الأخرى عَلَى غرَار التصميم المعماري الوظيفي. وقد ازدَادَ هَذا الاعتقاد تأكيدًا انطلاقًا من درَاساَته الميدانية التي اعتمد فيهَا عَلَى قراءات وَتَحليلات تفكيكية للمجال السكني وللخصائص المعمارية، إضافةً إلَى التمثّلات التي يَحملها الأفراد حول طبيعة هذَا المسكن. فَحَتَّى الكلمات المُستخدمة وَطقوس البناء تعتبر - حسب ذات الباحث- أحد أهم المصادر التي يُمكن الاعتماد عليها في تفسير المجال السكني وَالقواعد التصميمية المُرتبطة به. وَضمنَ نفس السيَاق كَانَ تركيزه أكثر علَى أصول الكلمات التي يَستحضر فيها شُحنة دلالية مُهمّة لتفسير خصَائص «المنطق المعمَاري» الذي يتحكم في علاقة الإنسان بالفضاء المسكون.

2)     الخَصَائص المُرفولوجية وَالتقنية للمغاور:

لَقد أشار ميشال بيكوي إلَى أنَّ الدرَاسَات الأولى التي اهتمت بعلاقة الإنسان بمُحيطه بمَا فيهَا السكن، تخضع لشبكة مُتداخلة تجمع بين «البيئة والمجتمع الريفي المتحول»23 مُعتمدًا في ذلك مُقاربة تقوم على تحديد نوع العلاقة التي تربط الإنسان بالأزمنة التاريخية24. وَفي السيَاق ذَاته تكشف المُعاينة عن ميزات المسكن التقليدي بقرية شنني المنقورة في الصُخور، وَهيَ عبَارة عن مَغَاور حفرت أفقيًا ومَخفية عن الأنظار لا نستطيع مُشاهدتها من بعيد. وقد أنشئت وفق هذه الهندسة لأهداف دفاعية، حيثُ تُشير الدراسات التاريخية إلَى أنَّ هَذه الغيرَان عرفت تحولات معمارية وإضافات حَتَّى تَستجيب إلَى مُتطلبات مُتساكنيهَا، فقد استخدمت في البداية بمثابة مخازن جماعية وبفعل المتغيرات التاريخية عرفت تحولات فأصبحت عبارة عن مساكن وَفَضَاءَات للعيش. إذ شهدت إضافات في مُستوى الهندسة لتستجيب وَالدور الجديد وفق مُتطلبات العائلة «الجبالية»، فوقع إعادة بلورة الفضاء السَكني من حَيثُ عدد الغرف ووظائفها وتقنيات البناء المحلية25. 

لقد اعتبر  ديفنتان أَنَّ «أصول السكن الحفري قد ظلت إلى فترة طويلة تسمية ترتبط بالاستعمار المُؤقت لهذا النوع من السكن، ومع ذلك لا ينفي الخاصية الإستعمالاتية التي تظل بقطع النظر عن مدى الحاجة إليها جزءًا لا يتجزأ من المعيش اليومي»26. كَمَا اتضحَ لَنَا من خلال المُعاينة المُباشرة لمرَاحل التوطين بالقرية المذكورة أنَّ السكن المحفور لاَ يَخضع إلى نمط مُعيّن، بَل إنَّ طرق إنشائه لاَ تَستجيب لمقاييس مُحددة وتسمح بإمكانية تطويره وتعديله حسب المُتغيرات الاجتماعية. وَهذاَ مَا يَكشف عن جوانب من خُصُوصية التوطين في هذا المَجَال مثل التشابه في تقنية بناء الأبواب وَالغُرَف المنقورة في الصخر التي يزداد عددها كُلَّما ارتفع حجم أفراد العائلة. فالحاجة إلى المَسكن تخضع إلى استجابة ضمنية لحاجيات الأسرة التي ستقطن هذا الفضاء، حيث يؤكد الإتنولوجي بيير إرني إلى أَنَّ أغلب المُقاربات الأنثروبولوجية لمسألة السكن تعتبر أَنَّ الوُجُود الإنساني «لا ينتظم خارج البيئة الطبيعية أو بمعزل عَنها»27. وَهذا النوع من العمارة السكنية يَجمَعُ بين الحَفر والبنَاء، ممّا يعكس الخاصيّة البيئية المَحكومة بها حيث تتميّز بتواجد الجبَال وَبنُدرة مواد البناء الصلبة بإستثناء الحجَارَة التي يقع استعمال البعض منها كسندات حقيقية، وَيَقَعُ استخرَاجَهَا سوَاء من الجبَال المُحيطة أو أثنَاء عمليات الحَفر إذ «يُوحي السكن المحفور في الواقع إلى تقليد قديم جدًا وَيُشيرُ إلَى علاقة الإرث الإنساني المُتداخل وَالمُتشابك مَعَ البيئة المُحيطة»28. وَيحتوي الفضاء الخارجي للمنزل عَلَى سُور وَبعض الغرف مُربعة الشكل خُصّصَ بعضها للخزن والبعض الآخر مطبخ لإعداد الطعام. وَلعَّل هذا التنظيم المعماري للسكن الذي يجمع بين الغُرف المنقورة في الصخر وَالغُرف ذات الأسقف المُسطحة، يعكس الذهنية التي تجمع بين عالمين: عالم المغاور وَهُو َعالم البدايات وَالحنين إلى الذكريات والأصول الأولى،  وَعالم السكن الحديث وَهُوَ عالم الانفتاح واستلهام الأفكار من الآخر. وبالتالي فَهو دَمج في حد ذاته بين الأصالة والحداثة. ممَّا يعكس رُبما طبيعة «الجبالي» المُنفتحة والمتمسكة بأصولها وعاداتها رغم المتغيرات فإنَّ الثوابت الثقافية لا تزال مُتجذرة في ذهنية القروي29.

لقد رَبط الباحث الفرنسي روبرت لورو بين نمط التعمير وَعلوم الطبيعة، حيثُ بَيَّنَ ضرورة توفر عوامل يُمكن أن تُمثل الوظائف الأساسية التي يضطلع بها المسكن عُمومًا. أهمها الجانب الوقائي وَخَاصَّةً الحماية من الأخطار الخارجية إضافةً إلى التأقلم مع الظروف الطبيعية وقساوة المناخ30. وبذلك يُساهم المسكن في تعديل حالات التطرف المناخي في الحرارة صيفًا والبرودة في فصل الشتاء، ممَّا يَمنح لساكنيه إمكانية توظيفه وتهيئة فضاءاته لتكون صالحة للحفظ والخزن والسَكن وَحميمية العلاقات الأسرية31.

1.2     الغيران: «إيرجوان»:

يُعتبر هَذا النمط من السَكَن الأكثر شُيُوعًا بالقُرَى الجَبَلية المتواجدة بالجنوب الشرقي للبلاد التونسية، حيثُ توجد عدة أنماط من الغيران: غيران الحفر الأفقي وَهيَ منقورة في الصخر وتتركز خاصَّةً بقرى الجبل الأبيض عَلَى غرار مَا هُوَ مُتواجد بشنني وغيران عمودية وتتمركز أسَاسًا في قُرَى جبل مطماطة32. وقد سَاعدت نوعية الصخور وتوفر المواد الأساسية المحلية في بلورة طرق تقليدية مُتوارثة في عمليات الحفر والتشييد مثل هاته المساكن/الغيران التي تعتبر من خصوصيات الإثنية الأمازيغية. كَمَا ثبت لدينا أَنَّ عملية اختيار المكان الذي سيتم فيه تجهيز المسكن يَقتضي توفر مجموعة من الشُرُوط التقنية من بينهَا المَعرفة للتركيبة الجُيولوجية33 للجبل واختيار مكان تتوفر فيه طبقات صخرية، ممّا يسمح بالمحافظة على سلامة ساكنيه. وَيُرَافق عملية التشييد احتفالية مُميّزة يجتمع فيها أغلب سُكان القرية للمساعدة عَلَى حفر المسكن. وَيحمل هذا «الطقس» دلالات التضامن داخل المجتمعات القروية. حيثُ يعتمد سكان شنني تطاوين القُدامى عَلَى تفضيل سُفوح الجبَال كَمُنطلق تقني في عملية الاختيار. ذَلكَ أَنَّ السُفُوح الجبلية تسمح بتواجد الطبقات الأكثر صَلابةً، ممّا يُسهل عمليّة الحفر والاستغلال الأوفر للمجال الداخلي للمغارة في عمليّة التوسعة إن وقعت. وَيُمكن التمييز بين نوعين من الغيرَان:

    -     النوع الأوَّل: وَتُعرف بالغيران البسيطة وَهيَ عبَارَة عن حُفرة تتسع يمينًا وَشمالاً بعد فتحة البَاب الصغيرة. وَيُستخدم هذا النوع من الغيران للسكن البسيط أو لعملية الخزن سوَاء للمواد الفلاحية أو المؤونة34.

    -     النوع الثاني: وَيُعرف بالغيران المركبة وَهيَ الأكثر شُيُوعًا في قرية شنني بحُكم قُدرتهَا علَى الاستجابة لمتطلبات الحياة العائلية، وَعادةً مَا يَقع حَفرُها بالجهة الشرقية المقابلة لأشعة الشمس. وَيُعتبر هذا الشرط مُهمًا لأنَّه يُمكّن الغار من الاستغلال للحرارة وَيُسَاعد عَلَى توفير الإنارة بصفة طبيعية داخل المغارة خاصَّةً من جهة المدخل. وَيُعتبر هذا المعطى الجُيُومناخي مُهمًا لكونه يُساعد عَلَى تعديل المناخ داخل هذه المساكن سواء خلال فصلي الصيف أو الشتاء بتمكين المغارة من حَرَارة مُستقرة طوال السنة لاَ تتجاوز عن ثلاث وَعشرين درَجة مَائوية. وَهَذَا النظام التعديلي الطبيعي يسمح بضمَان التهوئة وَيُلطف من درجات الحرارة التي تُعرف بشدتها أثناء فصل الصيف وَبالبرودة القاسية في فصل الشتاء حيثُ تنزل درجة الحرارة إلَى مَا دُون صفر درجة35.

يَقُوم التقسيم المُرفولوجي للمَغارة في أغلب الأحيان عَلَى وُجُود جدار يَفصل العُمق المحفور إلى جزأين، حيثُ يُمثّل الجزء الأوَّل المدخل الرئيسي للغَار وَيَكون ضيقًا من جهة البَاب وَيتسّع تدريجيًا عند الوُلُوج إلى الدَاخل. وَعَلَى اليمين من هذا الجزء يُوجد فضاء صَغير نسبيًا يُعرف بإسم «الدُكانة» أين يقع وضع المفروشات وَالأثاث اليومي البَسيط المُستخدم لتسيير الحيَاة اليومية. وَ«الدُكانة» في بعض المناطق الأخرى هيَ عبارة عن فضاء لتخزين كل مَا زَاد عن الحاجة اليومية. أَمَّا الجزء الثاني من الغَار المَحفور، فَهُوَ يتكون في الأصل من مَجموعة غرف تتوزع يمينًا وَشمالاً وَلاَ تخضع لمقاسات مضبوطة مُرتبطة أحيانًا بنوعية الصخور وتوظيفها. حيثُ أنَّ امتداد الغرفة وَشكلها يخضعَان بالضرورة إلَى نوعية الصخور والمواد التي تُشكل الطبقات الصلبة، كَمَا يَخضع تقسيم البيوت أيضًا إلَى خاصيّة وظيفية وَمُرفولوجية تقتضيها الضرورة الحياتية، إذ بالإمكان تقسيم الغرف الكبيرة إلَى مَجموعة من الغُرف الصغيرة تُحافظ بدورهَا عَلَى الخاصيّة الاستعمالاتية وَالحَيَاتية لسُكَان هذَا النوع من العمَارة التقليدية36.

 2.2     السقيفة: «تاسقيفت»

يَسمحُ لنَا هذَا الفضاء المعمَاري المُغَطى من الأعلى بالوُلُوج إلى الفضَاء الدَاخلي للغَار، وتتفاوت مساحته حسب المكان المحفور والخاصيّة التي تتميّز بها التركيبة الجيولوجية. وَتُمثل السقيفة عنصرًا أساسيًا في مكونات المسكن/الغار. وَفي الواقع لم نجد شكلاً موحدًا لهذا الممر، لَكنَّ تَصميمه الهندسي في غالب الأحيان يأخذ شكل المستطيل. وَفي أحيان أخرى تغلب عليه الكثير من الانحناءات لذلك «تُمارس السقيفة دورًا في تعقيد عملية الدخول بوضع الحواجز والمسافات التي من شأنها أن تُعزز خُصوصية الفضاء الداخلي، لتبقيه بعيدًا عن أعين الغرباء»37. وفي العُموم يضطلع هذا النمط المعماري بالعديد من الأدوار منها الحفاظ على العلاقات الاجتماعية الحميمية وَمُساهمته في الدور التنظيمي لحياة الأسرة «الجبالية». حيثُ تُفتح السقيفة على بقيّة الغرف التي خُصص بعضها للأبناء والبعض الآخر للضيوف مع مراعاة النواميس التقليدية المحافظة على الموروث التقليدي.

3.3     الغرف: «تيزقون»:

لقد ارتبط امتداد الغرف داخل الغيران بطبيعة التركيبة الجيولوجية للجبَال وبنوعية الصخور والطبقات من حيثُ الصلابة والهشاشة، التي يستفيد منها السُكان في عملية الحفر وتشييد الغرف. فبعضها مُخصص للاستعمالات كالخزن والأنشطة الحرفية والبعض الآخر عبارة عن غرف للنوم. وخلال عمليّة التشييد تُبنى أساسات الغرف لتأخذ شكلاً مُستطيلاً أو مُربعًا مع ارتفاع لا يتجاوز المترين. وتكون عملية التسقيف مُقببة بالنسبة للغرف الداخلية المحفورة في الصخر، في حين يقع استخدام تقنية الكمر بالنسبة للغرف الخارجية خاصَّةً المطبخ والسقيفة الخارجية. وَتَجدرُ الإشارة إلَى أنَّ أغلب المَغاور التي قُمنَا بزيارتها تَحتوي عَلَى ثلاث أو أربع غرف دُون احتساب عمليات التقسيم الداخلي التي تتبعها. ويرتبط تقسيم المغارَات بحسب عدد أفراد العائلة الواحدة، فَكُلما ارتفع العدد زادت الغرف مع وُجود بعض الاستثناءات حول وُجُود مساكن تحتوي على غرفة وَاحدة.

4.2     المطبخ: «طاملت»

 ارتبط تشييد المطبخ بطبيعة الحياة اليومية لسُكان قرية شنني حيثُ تكشف المقاربة الأركيولوجية لبيت الطعام عن الثقافة الغذائية لهذه الإثنية، إذ يحتوي على العديد من المكونات مثل الأواني الفخارية والنحاسية. وَبالنظر إلى وجود أفران طينية فإنَّ استخدامها يتم من خلال الاعتماد على أغصان الزيتون وَمُخلفات النخيل (الجريد) لإشعالها للطهي. ولهذه الاعتبارات التنظيمية حافظ السكن الجبلي على هندسة تأخذ بعين الاعتبار مهام كل جزء ووظيفته. فتركيز المطبخ خارج الغرف المحفورة يُساعد علَى حماية بقيّة الفضاء من التلوث وبقايا الدخان38. وبالتّالي الأخذ بعين الاعتبار الجوانب الصحية حيث يُولي سكان القرية أولوية هَامَّة لهذا المكان المحدود المساحة لاضطلاعه بوظيفتين:

    -     وظيفة التخزين الجزئي.

    -     وظيفة الطبخ الذي يُترك لَها جزء صغير جدًا يتم فيه إعداد الطعام بالطريقة التقليدية. وَتَجدُر الإشارة إلى أنَّ موقع الطبخ عادةً مَا يكون أقصى الجهة الشرقية من الخارج.

تَبدو هذه الخصائص المعمارية مُهمة في فهم طرق تعامل سُكان شنني مَعَ الواقع الطبيعي وَالمناخي الذي استوطنوا فيه39. وقد سمح هذا المجال بتحديد طبيعة العلاقات وَبطرُق استغلال الفضاء وَتَوظيفه تأسيسًا لخاصيّة ثقافية وَاجتماعية وَهُوياتية لاَ يُمكن أن تَجد لهَا مثيلاً يُواَزيهَا. وقد سمحت لنَا الزيارَات المباشرة من الكشف عن مظاهر وَطُرق استغلال الفضاء الجبلي وَالتحكم فيه، خاصَّةً فيمَا يتعلق بعمليات التشييد التي تخضع لثقافة اكتسبت بفعل تراكم المعارف والموروث الحضاري المتجذر للشخصية «الجبالية» وتطويعها للفضاء الوعر ليستجيب وحاجيات المعيش اليومي40. 

التَمثّلات السُوسُيوثقافية المُرتبطة بالمسكن:

    لقد اعتبرت بعض البحوث أنَّ الذاكرة والوعي بالماضي عناصر حاسمة في بناء الهويّة41 الفردية والجماعية عَلَى حد السواء. وَإنَّ الخطر الذي يتهدد الذاكرة هُوَ النسيان لذلك اهتمت الأنثروبولوجيا الثقافية عَلَى النظر في  أنماط الموروث المادي واللامادي الذي يُمكن أن يحفظ الذاكرة وَيقيها من التلاشي. وَذلك وفق مُقاربة تقوم على استحضار صُور الماضي في الحاضر وجعلها أقرب للحقيقة حفاظًا على استمرارية الهويّة وَخُصوصية المكان. وفي هذا السياق نستحضر الأبعاد السُوسيوثقافية التي مكّنت سكنة قُرَى الجبل من التشبث بالعادات والتقاليد42. حَتَّى وَإن تباعدت الأزمنة التاريخية وتشتت بعض جماعات المكان في فضاءات جديدة، فإنَّ الحنين لبيئة الجدود ورائحة الندى التي تنبعث من جدران مغاور قرية شنني تطاوين، تُوحي بأنَّ التاريخ قد توقف هناك فوق سفوح الجبال تاركًا خلفه ما تبقى من آثار مهجورة لفها النسيان وغادرها بعض ساكنيها في قُرَى جديدة كَانَ في اعتقاد البعض أنَّهَا أعادت الحياة لقاطنيها. إلاَّ أنَّ حنين الذاكرة نَستشفه في صُعُود تلك المرتفعات مُتغلبين على ما أصابهم من كبر، لَكنَّ قوة الذاكرة والحنين قد تغلبت عليهم. وفي هذا السياق تذكرنا هذه اللوحة التي رسمت حنين الإنسان للمكان بما كان يقوم به بطل محمود المسعدي43 في رواية السد، ليعكس الأبعاد الوجودية لمختلف مكوناتها التي يطرحها فضاء قرى الجبل44 وقد حافظ سكان قرية شنني عَلَى تفاعلهم مع الإطار الاجتماعي والثقافي الذي يَتحكم في تشكل احتياجات البُنية العمرانية للمسكن الأمازيغي. الذي يُمثل رَمز الهوية الثقافية التي تصارع المتغيرات السوسيوتاريخية التي بإمكانها أن تطمس مَا تبقى من معالم المكان في الذاكرة وشواهده في المجال. وَلَطالما اعتبرت أنَّ «العلاقة الرمزية للإنسان بالأرض هيَ بالأساس كونية، بَل هيَ مصدر الحياة وَالتجذر بالملكية»45. فإذا كانت وظيفة الذاكرة وظيفة شعورية مُرتبطة بالحاضر، فإنَّها تُوظف الماضي من أجل الحاضر والمستقبل. وبذلك يظهر أنَّ الماضي والحاضر يُضيء كلاهما الآخر بحسب تعبير فرنان بروديل (Fernand Braudel).

1)     تَجَذُر المَسكن في ذهنية السُكان:

تكشف شبكة العلاقات عن طبيعة المُجتمع العشائري المبني على العائلات الممتدة المُحافظة، وَيبرز ذلك من خلال نمط المعمار القائم على التقسيم الداخلي للفضاء المعاش. إذ أنَّ المغارة/ المسكن تحتوي عَلَى مجموعة منَ الغُرف تضطلع بأدوار وظيفية مُتعددة مثل غرف النوم، غرف الضيوف، غرف للخزن، مطبخ وَغُرف للحُرُوجات الفلاحية والنشاط الحرفي (النسيج). فالمنزل «الجبالي» هُوَ في حد ذاته عبارة عن فضاء مُستقل وَمُتكامل، ممَّا يُوحي بخلفية الذهنية التي تميّزت بطبائع الوحدة والانعزال، فاعتمدت على الذات  وعملت على تطويع الحاجيات وفق الموارد المتوفرة. وقد نشأت هذه الثقافة وترسخت لدى الشخصية البربرية التي عرف مسارها التاريخي في علاقة بالتوطين صرَاعًا مع الآخر، الذي فرض هيمنته على الفضاء السهلي47 وترك لهؤلاء فضاء الجبل ومجال العزلة. وَمن هُنَا تشكّلت تلك الذهنية الحمائية والخوف من المجهول، فارتسمت ملامح ثقافة جديدة لهَا خُصُوصيات مُميّزة حافظت على استمراريتها وديمومتها بفضل استراتيجيات التحالف وَعلاقات الصُحبة التي قامت بين العرب والبربر. حيثُ مكّنت من تحقيق مناخ من السلم الاجتماعي وأنهت حالة الاحتراب48 وَأعطت دفعًا لحركة التعمير في المجال الجبلي.

لقد رسمت الجغرافيا الإثنية داخل هذه  المُجتمعات ثقافة حميمية مُتضامنة، حيثُ يذهب فرنان بروديل إلى اعتبار أنَّ سكنة الجبال لها خُصوصية ثقافية لتمركزها على هامش الحضارة. إذ لم تطلها رُوح التغيير وحافظت على أصولها وموروثها في عدّة جوانب، لعّل أهمّها طقوس العبور49 الذي يكشف التجذر الثقافي من خلال الاحتفالية والمعيش اليومي على غرار الزوَاج والختان والموت، التي ترتبط بالعمق الحضاري لهذه المجتمعات. فعلى سبيل الذكر، مَا يَزال «الجبالي» إلى اليوم مُتمسكًا برُوح المقابر القديمة أو مَا يُعرف بمدن الموت، وفي ذلك رمزية تعكس ذهنية التشبث بالمكان حَتَّى مَا بعد الحياة. فالقبور المنتشرة  بالقرى القديمة ما تزال إلى اليوم تستقبل رُفاة سُكان هذه المجالات. كَمَا أَنَّ الحنين يبرز خلال محافل الزواج حيثُ يقوم مجموعة العراسة بإصطحاب العريس (السلطان) لمنازل القرية القديمة والقيام بجولة، وَهيَ عبارة عن طواف الحنين الذي يحمل رمزية في الذهنية المرتبطة بتجذر المكان وبحميمية الرُوح بثقافة الجدود. وَتقُام كذلك سنويًا احتفالية حول مقام الرقود السبعة تتخلله زيارة من القرى المجاورة ويحمل معها الزوار الذبائح، وهيَ عبارة عن «وعدة» تقربًا وتبركًا بكرامات الولي الصالح حامي القرية. وقد «ظل المجتمع الأمازيغي مُرتبطًا دَائمًا بعدد لاَ يُستهان به من المزارات المقدسة، فيها ما هو وثني وفيها ما هو يهودي»50. كَمَا اكتسبت قرية شنني قداسةً شملت الفضاء المُحيط بها بفضل الأسطورة التي نسجتها الذاكرة الجماعية حول مقام الرقود السبعة وربطها بمعجزة أهل الكهف المذكورة في النصوص الدينية51. وإلى اليوم يعتقد الأهالي أنَّ انحناء صومعة المسجد هُوَ بمثابة خشوع وانحناء للصلاة، فَحتَّى بعد عملية الترميم التي خضع لها المَعلَمُ يَدعّي أهالي القرية أنَّ الصومعة قد عادت إلى مكانها الأصلي وحافظت عَلَى انحناءها، فكأنَّ الزمن تغيَّر وَالمكان لم يتغير بحفاظه على قداسته وسلطته الرمزية. وَهُوَ مَا رَسَّخَ صورة من الاعتقاد في المخيال والذاكرة الجماعية لهؤلاء. ويتجلى أيضًا تجذر المكان في الذهنية المحلية من خلال تمسك بعض العائلات الشننية إلى اليوم بالمحافظة على استخراج زيت الزيتون باستخدام الطريقة التقليدية، حيثُ يتم تخزين حبات الزيتون في مخازن المعصرة طيلة السنة وكلّما اقتضت الحاجة يتم تشغيل المعصرة بالاعتماد على الطاقة الحيوانية وخاصَّةً الإبل. وبَهذه الطريقة يُحافظ الزيت علَى نكهته وتضمن العائلات توفر المنتوج طيلة السنة والحصول على زيت بنكهة وجودة عالية. لذلك اشتهر زيت «الجبالية» في البلاد التونسية52. ورغم توفر المعاصر العصرية ما يزال بعض «الأمازيغ» مُحافظين على ثقافة العصر التقليدي. وَتَجدُر الإشارة إلى أنَّ ملامح التمسك بدار الجُدود ما تزال راسخةً حيثُ قامت بعض العائلات الميسورة وخاصَّةً المهاجرة بإعادة ترميم المساكن القديمة مع مراعاة خصوصية معمار المغارة من حيث التجهيز والتقسيم ومنهم من قام باستغلاله كفضاء سياحي للترفيه والإقامة53.  

 يرتبط الفضاء السكني بالمحيط ويتأثر بالبيئة والتاريخ «السوسيوسياسي» للمنطقة، إذ يَكشف المجال الاجتماعي لقرية شنني تطاوين عن الارتباط بنمط العيش الأمازيغي. وَهُوَ مَا يُتَرجَم من خلال مرفولوجية المسكن التقليدي (نمط الكهوف) الذي ينتظم وفق تقسيم يستجيب للوظائف التي يضطلع بها كل جزء من الفضاء. وَبالتّالي تتخذ المساكن خاصيّة تُبرهن ثراءها وَعُمق تَجَذُرهَا في التاريخ الأمازيغي يَعكسه انخراط المجموعة في التمثل الوظيفي وَالمعمَاري للمَسكن. لمَا هُوَ احتواء لعائلات مُمتدة تسند له وظائف الارتباط العضوي بالأصل الإنتمائي وَبُنية العائلة الشننية وَطبيعة انتظامها الاجتماعي. حيث الارتباط الوثيق بملكية الأرض التي تتموقع عَادةً في السُهول المُتاخمة للجبَال أين تخضع هذه الملكيات إلى قانون الملكية المشاعة بين أفراد العائلة الواحدة عَلَى حد السواء. وبهذا العُرف يُساهمون في عملية الإنتاج بشكل نظامي.

 عَمَلاً بما سبق، يَستمد المَسكن التقليدي خُصُوصيَاته السُوسيُوثقافية من الشكل الذي ينتظم فيه المُجتمع الأمازيغي، الذي يَعيش وفق نماذج منحوتة في الأذهان وَمُتأثرة بطبيعة القيم وَالمَعايير الاجتماعية التي تُعيد إنتاج ذاتها بإستمرَار. فلم يكن تقسيم المجال وَالوظائف المُتعددة التي يَحملها كل جزء من المسكن بمعزل عن تلك التمثلات وَطبيعة الثقافة، ممَّا يُفَسّر وُجُود تشابهات في مُستوى تقسيم الفضاء رَغم الاختلاف في المساحات وَالأشكال الدَاخلية التي تتأثر بالمُعطيات المُرفولوجية للجبَال. فَإلَى جَانب الوظيفة الإنتمائية التي تَخص العائلة يَظل المَسكن التقليدي إنعكاسًا طبيعيًا لنمط العيش الأمازيغي، سَوَاء من حيثُ غياب الفتوحات - التي تكاد تقتصر فقط عَلَى الباب الخارجي - أو من خلال الانحناءات التي ترسم صورة لخصوصيات الثقافة الاجتماعية القائمة على العلاقات الحميمية والمحافظة. فَكُلما صغرت الفتوحات والأبواب إلاَّ وكانت أكثر قُربًا إلى النفس وَطُمأنينةً لها، وذلك  لما تخلقه من شعور يتماهى مع أحاسيس الهدوء والسكينة التي ترافق الزائر زمن الولوج للفضاء المقدّس كالزاوية مثلاً54.

يَعكس المَسكن التقليدي في شنني مَجَالاً وظيفيًا مُتعدد الأبعَاد يتجَاوز المُستوى السكني، ليُلامس وظائف اجتماعية وثقافية وَحَتَّى اقتصادية. فبالرغم من الطبيعة الوعرة للجبال استطاع سُكان القرية اعتماد المبادئ الأساسيّة في توزيع فضاءاتهم السكنية، إذ لاَ مَجال للتغافل عن المدخل المنحني للسقيفة وَبَقيّة الفضاءات الخَاصَّة بالعائلة التي تحتوي بدورهَا الوظائف الاجتماعية وَالأنشطة الفلاحية التحويلية، إلى جانب مَا يَحتويه المسكن التقليدي من روابط وَعَلاقات تُشَكّلُ المرجعية للفرد الأمازيغي. وَمَمَّا لاَ شك فيه أنَّ خاصيّة هذا الفضاء السكني وَطبيعة مُكوناته المُرفولوجية تبدو وَكَأنَّها يُحَاكي المَجَال العام الذي يتواجد فيه، وَنعني بذلك الخاصيّة المجالية للقرية. 

وَهَذَا التداخل بين الفضاء العام والخاص هُوَ تقاطع بين ما تحتويه ذهنية الأفراد من عمق التجذر بالأصل التاريخي وَالاجتماعي، وَبين استجابة هذا الفضاء لأهم الاحتياجات التي تتوافق مَعَ العائلة التقليدية في إطار رَبط اقتصاد المَجَال بالضرُورَات الحياتية مَعَ المُحافظة علَى الطبيعة الحميمية كمبدأ أسَاسي للحيَاة الاجتماعية55. ويُمثل النموذج السكني التقليدي - محور اهتمامنا في قرية شنني- وحدة مُتشابكة من القيم والتصورات التي تحكمها رُوح الجَمَاعة وَالتجانس، الذي يُحاكي طبيعة النمط الاجتماعي وَخَاصَّةً الرُموز المُشتركة وَالطقوس التي تَحكم مُستويات الفعل وَإنتاج القيم وَالهُويّات المُرتبطة بالمَجَال السكني وَالعمراني. وَرَغم قدَم المكون العمراني تبقى هَذه المساكن شَاهدةً عَلَى التركيبة الاجتماعية وَذهنية العائلة الشننية وَطبيعة النماذج الثقافية، التي تحتكم لجملة التمثلات والرموز التي تعكس نمط الحياة لدى «الجبالية» وَخَصائصهم الأنثروبولوجية.

2)     الأبعَاد وَالدلالات الرمزية:

تَهتم الأنثروبولوجيا بدرَاسَة الأبعاد والدلالات الرمزية للمسكن وَساكنيه وفق نماذج تحليلية تأخذ بعين الاعتبار صُورة الفضاء المعاش في أبعَاده المُختلفة (الشكل الهندسي- البُعد الوظيفي...). إلَى جَانب دراسة التمثلات وَالرُمُوز المُرتبطة بطرق استغلال هذه الوحدة وَإنتاج المعنى وَالعلامات المرجعية التي تتألف من صُور مُختلفة لعلاقة الإنسان ببيئته. وَقد تركز اهتمامنا بالمسكن التقليدي الجبلي في قرية شنني على اعتبار أنَّ هذا المعمار المحفور في عُمق الجبال يشتمل عَلَى مجموعة من القيم والتصورات التي بإمكانها أن تُترجم نظامًا مُتداخلاً يحتاج إلَى قراءة إناسية لمراحل التعمير وَالمواد المُستخدمة في البناء. وَلعَّل هذه الاستخدامات يُمكن أن تُترجم التصورَات الرمزية وَالتمثلات التي تحاكي علاقة الفرد بالمسكن. وبقدر مَا تُبنى المقاربة على جُملة من الأدوَات المنهجية كمُنطلق لدراسة الأثر المادي للمسكن التقليدي، فإنّها بحاجة للعمل الميداني القائم عَلَى جَمع المُعطيات من خلال السياق الدَلالي العَام وَالتسميات المحلية وَمَا يُمكن أن يُكَونَ رُؤى قيميَة بإمكانها أن تُفَسر الأبعاد الوظيفية والرمزية للوحدة السكنية. ومن هذا المنطلق يُولد مفهوم المأسسة الذي تنتظم فيه علاقة الفرد بصورة المسكن مُنذ لحظة التأسيس التي ترافقها جُملة من الطقوس عَلَى غرَار الذبائح التي تتزامن مع  عملية الانطلاق في حَفر الفضاء السكني، حيث تحتاج كل مؤسسة (قبيلة) إلى طقوس للمُحافظة على تكرار نفسها56.

وَضمن نفس السيَاق نَستشفُ الأبعاد الخفية للفضاء، كَمَا يَكشف عن خُصوصية الانتماءات الثقافية فيه وَالمعتقدات التي ترسم في الآن نفسه مسار الثقافة57 ضمن مجالها الطبيعي. الذي يقوم على استثمار العوامل البيئية والمناخية تمهيدًا لتأصيل هذا التوجه عبر قنوات التنشئة الاجتماعية إلى الأجيال اللاحقة. ولئن كشفت الأسس البنائية وطبيعة المواد المُستخدمة عن البُعد التقني، إلاَّ أنَّهَا قادرة عَلَى تبيَان الشُحنة الطُقوسية وَالمُعتقدات المُسيّرة لفكر الإنسان. لتتحول إلَى مضمون اجتماعي تتجسّد عبره الرُؤى الجماعية للفضاء السكني. وَقَد حاول سُكان قرية شنني أن يُطوعوا تجريدات مخيَالية تتوافق مع ما ذهب إليه رابوبورت حين اعتبر المسكن جُزءًا لاَ يتجزأ من الثقافة الثابتة في المجتمع حَتَّى وَإن تَغيَّرت ملامحه عَبر العُصور، إذ تبقى الفضاءَات الحميمية وَالأُطر وَالسياقات الثقافية قواعد أَساسية لتفاعلات الإنسَان مع قنوات التنشئة الاجتماعية التي يَستخلص منها دلالات الفضاء وَمُستحقاته الرَمزية وَالمَادية. 

تُشير الهندسة وَزُخرفة المنازل الأمازيغية إلَى استخدام أشكال مُتنّوعة مثل النجوم التي مثلت أدوات تواصل وَرُموز للدلالة على أنثوية الكون. فكانت هذه النجوم المنقوشة على الجدران تُعبر عن ثقافة وتحمل في مضامينها تاريخ هذه الجماعات، مَعَ أنَّ النجوم في الثقافة البربرية هيَ بمثابة الأم الحارسة للكون بفضل النُور الساطع الذي ينبعث منها. ويتشابه شكل النجمة مع شكل الفراشة المنقوشة في بعض الغرف، حيثُ تُوحي في الثقافة الأمازيغية إلَى الحريّة والخلود. كَمَا أنَّ وُجُود شكل المُعيّن في مساكن قرية شنني قد يروي ذلك التعارض القائم بين الجنس البشري حول التناسل والخصوبة بين الأزواج، وَهُو صراع يستمد جذوره من الأساطير القديمة عن الصراع بين آلهة الحب (الأنثى) وإله الغضب (الذكر)58.كَمَا ترمز السمكة إلَى الخُصوبة في الإنجاب وَمَا تضطلع به من وظيفة تبشيرية وإخصابية في التراث الشعبي59، وبالتالي الاستمرارية في الحياة. ولحماية المنزل وساكنيه يُعطي الأهالي أهمية قُصوى لحجرة «العتبة»، حيثُ يتم دفن قطعة نقدية من الفضة أو الذهب كبديل مادي وأحيانًا سمكة كعنصر طقوسي، بَل ليس نادرًا أن يتم المزج بين العنصرين أي السمكي والنقدي60. وَهُوَ مَا يُترجمه المثل الشعبي « نَواصي وَعتب وَالبعض من الذرية».

وقد ارتبطت الذهنية المحلية بثقافة طرد الأرواح الشريرة والعين الحاسدة ولكف أذائها يَعمد الأهالي إلى وضع الخُمسة في بعض الغرف لمَا ترمز له من بركة وحماية، وَهُوَ مَا يُلخص «علاقة الإنسان المتدين مع الطبيعة وعالم الأدوات»61. مثلما نجده في الثقافات البدائية، حيثُ يتجلى المُشترك في الرُمُوز لدى المُجتمعات الجبلية الأمازيغية مثلاً في الكتابة «تيفيناغ» التي ترمز إلى حرف «ز» وَيُقصد به الرجل النبيل الحُر. بالإضافة إلَى حرف «ت» الذي يرمز إلى «تانيت» آلهة الخصوبة وَالسَمَاء في الحضارة القرطاجية.

1.     وَبمَا أَنَّ دراستنا للمَسكن المَحفور تتجاوز التقسيم الهندسي حَاولنا الاهتمام بالمعاني والدلالات المُرتبطة برؤية الأفراد ووعيهم بالبعد الإنتمائي الذي يُنحت في المخيال الفردي والجماعي. بَل يتحول إلَى نماذج يتم من خلالها العَمل عَلَى إعادة رَبط الانتماءات بالمُكونات الرُوحية وَالمادية، حَيثُ لاَ ترتبط علاقات الأفراد بالمجال السكني في هذه المنطقة بالوُجُود المادي المُدرك. وإنَّمَا بمخيال جمَاعي يَرَى في الفضاء السكني مُمَارَسَةً تختزل كل معاني الحياة وَالوُجُود وَحَتَّى المنشود. فلاَ غرَابة أن يكون هَذَا الحَيّز شديد الارتباط بالتمثّلات الفلسفية التي تعتبر الوُجُود الإنساني خَليطًا بين المادي والميتافيزيقي. فالفضَاء السكني بهذا المعنى يشتمل عَلَى تصورات تنهل من الأصل الإنتمائي وَتتسع نحو دلالات تتجاوز الحُدود الهندسية للمَسكن. فَهُوَ مجال يَحتوي عَلَى تجربة حياتية تُشع بإنتمائها عَلَى بَقيَّة عناصر الفضاء المحيط. 

الخاتمة:

لقد مَكنتنا المُعالجة الأنثروبولوجية للمجال السكني في قرية شنني تطاوين من الكشف عن خُصوصية التعمير لدَى «الجبالية» في ظل التحولات السوسيوثقافية التي يشهدها المحيط الاجتماعي للمنطقة. حيث يعتبر المسكن التقليدي صُورة حيّة للموروث المعماري يسمح بالوقوف عند ملامح الحياة اليومية وَالمُمارسات الثقافية المميّزة للإثنية الأمازيغية. ورغم أنَّ الذاكرة الجماعية بدأ يلفها النسيان وبعض الشواهد قد أصابها الاندثار وَأخرى تداعت للسقوط في قُرَى الجبل، فالذهنية يسكنها الحنين الذي مَا يَزال مُتجذرًا في العديد من المُمارسات والطقوس، ممّا يُوحي أَنَّ الأصالة والتمسك بتراث الأجداد يُمثّل الحلقة التي تربط بين من هاجر وغادر المكان، ومن حافظ علَى جُزء من هذا الموروث المُشّع بدلالاته وَرُمُوزه المتعددة، والتي نستشفها من خلال عمليات الترميم وإعادة صياغة هذه الذاكرة الثقافية للتراث المادي للمسكن التقليدي الأمازيغي.

وَبقدر مَا كشفت الدراسة الميدانية للمسكن التقليدي في قُرَى الجبل عن هندسة وحركة التعمير في المجالات النائية وَالمُهمشة، فإنّها قدمت لنا صُورة عن ملامح الحياة الاجتماعية والثقافية لجماعة إثنية مثّلت وَجهًا من الوُجُوه المتعددة للشخصية التونسية62. وَبذلك يكون المعمار مُحددًا من المحددات الأساسية لدراسة ومعرفة ثقافة الشعوب في مُختلف مَرَاحلها التاريخية.

 

 

 الهوامش :

1.    راجع لمزيد الإثراء:

    André Louis, "Tunisie du Sud : Ksars et villages de crêtes", in L’Homme,  Revue Française d’anthropologie, n°3, Juillet- Septembre 1981.

    عبد الصمد زايد، عالم القصور بالجنوب الشرقي، تونس، بيت الحكمة، 1992.  

2.    Léon Pervinquière, La tripolitaine interdite : Ghadams, Paris, Librairie Hachette, 1912, pp.40-70.

.    Levanville J., " Les Troglodytes du Matmata ",  Bulletin Société normande de Géographie, Rouen, 1907, pp.111-142.

3.    وثائق المعهد الوطني للإحصاء لتعداد السكان، 2014.

4.    وثائق المعهد الوطني للإحصاء لتعداد السكان، 2004.

5.    André Louis, " le monde " berbère"  de l’extrême sud tunisien ", in Revue des mondes musulmans et de la Méditerranée (Aix -en- Provence),  n°11, 1972, pp.107-125.

6.    Mathieu Gilbert, Contribution à  l’étude des monts troglodytes dans l’extrême- sud tunisien, géologie régionale des environs de Matmata medenine et Foum-Tatahouine, Tunis, Imprimerie SAPI, 1949, p.82.

7.    محمد عابد الجابري، فكر ابن خلدون: العصبية والدولة:  معالم نظرية خلدونية في التاريخ الإسلامي، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2007، ص ص.163-178.

8.    محمد عابد الجابري، فكر ابن خلدون: العصبية والدولة:  معالم نظرية خلدونية...، مرجع سابق، ص.172.

9.    يقوم التوازن الاجتماعي في المجتمعات الانقسامية وخاصّةً في شمال إفريقيا على مبدأ الانصهار والانشطار، لمزيد الإثراء راجع: عبد الله حمودي، "الانقسامية والتراتب الاجتماعي والسلطة السياسية والقداسة"، ترجمة عبد الأحد السبتي وعبد اللطيف الفلق، كلية الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية، الرباط، 1985، ص.193.

10.    امتد العمل الميداني من 12 جانفي  إلى 12 مارس 2021 بقرية شنني تطاوين، حيث قمنا خلاله  بجمع روايات شفوية مع بعض المُستجوبين من الأهالي.

11.    انظر لمزيد الإثراء :

.    Octave Victor  Houdas et  René Basset, Mission scientifique  en Tunisie (1882), Alger, p. Fontana et Cie, 1884.

12.    Stanley Hallet, " Mountain Villages of Southern Tunisia "; in Journal of Architectural Education, Volume 29, 1975, pp.22-25.

13.    عبد الرحمان ابن خلدون،  العبر، وديوان المبتدأ والخبر في أيّام العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر: تاريخ ابن خلدون، الرياض، بيت الأفكار الدولية للنشر والتوزيع، 2009، ص.201.

14.    انظر لمزيد الإثراء:

.    Lucien Bertholon et Ernest  Chantre, Recherches  anthropologiques dans la Berbérie Orientale: Tripolitaine, Tunisie, Algérie, Paris, Hachette, 1913.

15.      Lucien Bertholon, " La province de l’Arad ", Revue Tunisienne, n°1, 1894, pp.169-206.

16.      André Louis, " Contacts entre culture "berbère" et culture arabe dans le Sud-Tunisien "; in actes du premier congrès d’Etudes des cultures Méditerranéennes d’Influence Arabo-Berbère,  Malta, 3-6, Avril 1972, Alger, société Nationale d’Edition et de Diffusion, 1972, pp.394- 405.

17.     Abderrahman Abdelkebir, Les Mutations socio-spatiales, culturelles et aspects anthropologiques en milieu aride : cas de la Jeffara Tuniso-Lybienne : 1837-1986, thèse de Doctorat en Anthropologie, Université de Metz, 2003.

18.    فتحي ليسير، نجع ورغمة تحت الإدارة العسكرية الفرنسية (1881 - 1939)، زغوان، مؤسسة التميمي للبحث والمعلومات، 1998.

19.    محمد نجيب بوطالب، سوسيولوجيا القبيلة في المغرب العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2008.

20.    باحث في الأنثروبولوجيا والمعمار، بولوني الجنسية حيث اهتم بدراسة علاقة الإنسان بالبيئة السكنية وتعتبر دراسة "من أجل أنثروبولوجيا المسكن" أولى دراساته المختصة في هذا المجال  سنة 1975.

21.    الضاوي موسى، "الحرف والصنائع بمنطقة قصور الجنوب الشرقي التونسي"، ضمن مجلة الحياة الثقافية، العدد 212، أفريل 2010، ص.44 - 56.

22.    فيلسوف وعالم أنثروبولوجيا ألماني قد اهتم بدراسة الرياضيات والفيزياء. كما عمل على تطوير العلاقة الإبستيمولوجية بين الفلسفة وعلم الإناسة. وكان مُنطلقه في ذلك نماذج من الحياة الطبيعية والمحيط الإيكولوجي للإنسان.

23.    Michel Picouet et autres, Environnement et sociétés rurales en mutation : Approches alternatives, Paris, IRD Editions, 2004, p.25.

24.      Michel Picouet, Environnement et sociétés…, op.cit., p.25.

    تقوم مُقاربة فرنان بروديل عَلَى تقسيم الأزمنة التاريخية إلى ثلاث فترات أهمّها: الأمد الطويل الذي يدرس كل حدث في أبعاده الكبرى، ثم الزمن المتوسط والذي يهتم بالمعارك والحروب، أمّا الزمن القصير يقوم بدراسة الأشخاص. انظر لمزيد الإثراء: فرنان بروديل، المتوسط والعالم المتوسطي، ترجمة مروان أبي سمرا، لبنان، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، 1993.

25.    Idoux I. "Un été dans le sud Tunisien", Mémoires, sociétés Bourguignonne de géographie et Histoire, Dijon, Imprimerie Darantière, Tome 16, 1900, pp.33-89. 

26.    Pierre Deffontaines, L’homme et sa maison, Paris, Gallimard, 1972, p.16.

27.    Pierre Erny, Cultures et habitats : Douze contributions à une ethnologie de la maison, Paris, l’Harmattan, 1999, p.16.

28.    Geneviève Libaud, Symbolique de l’espace et habitat chez les Beni-Aissa du Sud tunisien, Paris, CNRS, 1986, p.68.

29.    تُحيل الصورة رقم 2 إلَى أنَّ نمط التعمير يعكس ثقافة لدى "الجبالية"  تُرَاوح بين الثابت والمتحول وحنين للمكان وَمَا يحمله من رمزية. وَهُوَ ما دفع بالبعض إلى محاولة استثماره وإعادة توظيفه في مجال السياحة وغيرها من الأنشطة الثقافية.

30.    Mathieu Gilbert,  Contribution à l’étude des monts…, op.cit., p.82.

31.    Robert Leroux, Ecologie Humaine : Science de l’Habitat, Bruxelles, Collection de l’Institut Technique du Bâtiment et de Travaux public, 1962.

32.    راجع لمزيد الإثراء:

.    Hamy (E. T.), Le pays des Troglodytes, Paris, Institut de France, 1891.

33.    أشار الباحث الجيولوجي ماتيو غيلبرت إلى أهمية الدراية المعرفية بطبيعة المواد المُكونة للعمق الجبلي الشرقي للبلاد التونسية، فهيَ أغلبها جبال قديمة التكوين وتحتوي في باطنها على مواد صخرية صلبة جدًا سمحت بإستغلالها وحفرها في بقاء هذه المغاور ومقاومتها للعوامل المناخية. 

.    Mathieu Gilbert, Contribution à l’étude  des monts…, op.cit., pp.90-91.

34.    Fretin L., " Le Sud –Tunisien : Médenine et la région de Tatahouine ", Revue Touring-club, 22ème année, Paris, 1912, pp.353-356.

35.    Emile Macquart, " Les Troglodytes de l’extrême-sud Tunisien ", Bulletins et Mémoires de la Société d’anthropologie de Paris, Tome 7,  5° série,  Paris, 1906, pp.174-186.

36.    تُوجد نقاط تشابه عديدة في جانب توظيف الفضاء للاستعمالات الحياتية بين قرية شنني تطاوين والقُرَى الجبلية بمطماطة (زراوة، تاوجوت، توجان، تونين،...).

37.    عماد صولة، "سيرورة الرمز من العتبة إلى وسط الدار: قراءة أنثروبولوجية في السكن التقليدي التونسي"، ضمن المجلة الجزائرية في الأنثروبولوجيا والعلوم الإجتماعية إنسانيات، العدد 28، 2005، ص ص. 5-22.

38.    يكشف العمل الميداني وَخَاصَّةً الصورة رقم 7 حرص "الجبالية" على الجوانب الصحية في عملية تنظيم المسكن من حيث الإضاءة والتهوءة. 

39.    Jean Despois, " La culture en terrasses dans l’Afrique du Nord ", A.E.S.C., 11e année, n°1, 1956, pp.42-50.

40.      Bonvallot J., " Tabias et Jessour du sud Tunisien ", cah. Orstom, sér. Pedol. vol. XXII, n°2, 1986, pp.163-171.

41.      انظر لمزيد الإثراء:

.     Gabriel Camps, Les berbères : Mémoire et identité, Paris, Editions Errance, 1987. 

42.      André Louis, Nomades d’hier et d’aujourd’hui dans le Sud Tunisien, Paris, C.N.R.S,  Edisud/ Mondes méditerranées,  1988.

43.    باحث ومفكر في اختصاص اللغة العربية، قد تميّز بتكوينه الفلسفي وَالعقائدي إلى جانبه نشاطه السياسي وتولى العديد من المناصب الوزارية. لَعَّلَ أهمّها وزارة التربية القومية وتمكن من إقرار مجانية التعليم وعموميته زمن حكم الزعيم الحبيب بورقيبة. 

44.    لعّل ذاكرة تهجير سُكان قُرى مَاطوس تعكس ذلك الوجدان والحنين الذي تواصل لقرون من الزمن، فقد طالب سُكان هذه القُرى خلال فترة الاستعمار الفرنسي بأحقيّة استرجاع المكان والعودة إلى مواطنهم التي ظلّت في أيدي الجماعات العربية  أكثر ما يزيد عن ثلاثة قرون. لمزيد التعمق رَاجع:

.    Léon Pervinquière, La tripolitaine interdite…, op.cit., pp.40-70.

45.    Mahnaz Ashafi, L’architecture Troglodytique comme Patrimoine, Paris, éditions Ar’site, 2020, p.22.

46.    نقلاً عن: محمد مزيان، تقديم كتاب التاريخ الإشكالي: إعادة التفكير في ذاكرة التنقل/الحركة، ضمن مجلة Hespéris-Tomuda L III.، 2018، ص ص. 253 - 259.

47.    André Louis, " Le monde "berbère" de l’extrême… "; op.cit., pp.107-125.

48.    فتحي ليسير، نجع ورغمة تحت الإدارة العسكرية الفرنسية...، مرجع سابق، ص ص.37 - 40.

49.    Arnold Van Gennep, Les rites de passage, Paris, Picard, 2011.

50.    Gabriel Camps, Les berbères: Mémoire…, op.cit., p.143.

51.    André Louis, "Au Sahara Tunisien: Evolution des Modes de vie", Conférence donnée au II è Festival National du  Sahara à Douz (Tunisie) le  9 Novembre 1968 ; in IBLA (Institut des Belles Lettres Arabes), n°32, 1969, p.71.

52.    محمد الفريني، زيت الزيتون في الإيالة التونسية: تاريخ مادة غذائية أساسية في العهد الحديث، أطروحة دكتوراه في التاريخ، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس، 2010.

53.    Encyclopédie berbère : (Protohistoire : Tunisie), Aix-en- Provence, Edisud, 1971.

54.    عماد صولة، "سيرورة الرمز من العتبة إلى وسط الدار: قراءة أنثروبولوجية...، مرجع سبق ذكره، ص ص. 5 - 22.

55.    Ramon Basagna et  Ali Sayad, " Habitat traditionnel et structures familiales en Kabylie ", Centre de Recherches Anthropologiques, Préhistoriques et Ethnographiques, 1974, pp.43-47.

56.    راجع لمزيد الإثراء: رحمة بورقية، الدولة والسلطة والمجتمع: دراسة في الثابت والمتحول في علاقة الدولة بالقبائل في المغرب، بيروت، دار الطليعة، 1991.

57.    Ramon Basagna et  Ali Sayad, " Habitat traditionnel et structures familiales en Kabylie ", op.cit., pp.43-47.

58.    محمد قروق كركيش، "دلالات الأشكال الرمزية في البساط الأمازيغي: حضور وغياب"، ضمن الثقافة الشعبية ta9afia.blogspot.com ،19 جانفي 2014. 

59.    عماد صولة، "سيرورة الرمز من العتبة إلى وسط الدار: قراءة أنثروبولوجية..."، مرجع سابق، ص ص. 5-22.

60.    المصدر نفسه، ص ص. 5 - 22.

61.    ميرسيا إلياد، المقدس والمدنس، ترجمة عبد الهادي عباس، دمشق، دار دمشق للطباعة والصحافة والنشر، 1988، ص.17.

62.    انظر حول الشخصية التونسية دراسة: الهادي التيمومي، كيف صار التونسيون تونسيين: رحلة حنون معاصر في رحاب التاريخ، تونس، دار محمد علي للنشر، 2015.

 

 

 المصادر باللغة العربية:

    -    رحمة بورقية، الدولة والسلطة والمجتمع: دراسة في الثابت والمتحول في علاقة الدولة بالقبائل في المغرب، بيروت، دار الطليعة، 1991.

    -    الضاوي موسى، "الحرف والصنائع بمنطقة قصور الجنوب الشرقي التونسي"، ضمن مجلة الحياة الثقافية، العدد 212، أفريل 2010.

    -    عبد الرحمان ابن خلدون،  العبر، وديوان المبتدأ والخبر في أيّام العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر: تاريخ ابن خلدون، الرياض، بيت الأفكار الدولية للنشر والتوزيع، 2009. 

    -    عبد الصمد زايد، عالم القصور بالجنوب الشرقي، تونس، بيت الحكمة، 1992. 

    -     عبد الله حمودي،" الانقسامية والتراتب الاجتماعي والسلطة السياسية والقداسة"، ترجمة عبد الأحد السبتي وعبد اللطيف الفلق، كلية الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية، الرباط، 1985، ص.193.

    -    عماد صولة، "سيرورة الرمز من العتبة إلى وسط الدار: قراءة أنثروبولوجية في السكن التقليدي التونسي"، ضمن المجلة الجزائرية في الأنثروبولوجيا والعلوم الاجتماعية إنسانيات، العدد 28، 2005.

    -    فتحي ليسير، نجع ورغمة تحت الإدارة العسكرية الفرنسية (1881- 1939)، زغوان، مؤسسة التميمي للبحث والمعلومات، 1998.

    -    فرنان بروديل، المتوسط والعالم المتوسطي، ترجمة مروان أبي سمرا، لبنان، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، 1993. 

    -    محمد مزيان، تقديم كتاب التاريخ الإشكالي: إعادة التفكير في ذاكرة التنقل/الحركة، ضمن مجلة Hespéris-Tomuda L III.، 2018.

    -    محمد الفريني، زيت الزيتون في الإيالة التونسية: تاريخ مادة غذائية أساسية في العهد الحديث، أطروحة دكتوراه في التاريخ، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس، 2010.

    -    محمد عابد الجابري، فكر ابن خلدون: العصبية والدولة:معالم نظرية خلدونية في التاريخ الإسلامي، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2007.

    -     محمد قروق كركيش، "دلالات الأشكال الرمزية في البساط الأمازيغي: حضور وغياب"، ضمن الثقافة الشعبية ta9afia.blogspot.com ، 19 جانفي 2014.

    -    محمد نجيب بوطالب، سوسيولوجيا القبيلة في المغرب العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2008.

    -    ميرسيا إلياد، المقدس والمدنس، ترجمة عبد الهادي عباس، دمشق، دار دمشق للطباعة والصحافة والنشر، 1988. 

    -    الهادي التيمومي، كيف صار التونسيون تونسيين: رحلة حنون معاصر في رحاب التاريخ، تونس، دار محمد علي للنشر،2015.

 

 

باللغة الفرنسية:

    -    Abderrahman Abdelkebir, Les Mutations socio-spatiales, culturelles et aspects anthropologiques en milieu aride : cas de la Jeffara Tuniso-Lybienne : 1837-1986, thèse de Doctorat en Anthropologie, Université de Metz, 2003.

    -    André Louis, " le monde " berbère"  de l’extrême sud tunisien ", in Revue des mondes musulmans et de la Méditerranée (Aix –en- Provence),  n°11, 1972.

    -    - André Louis, " Tunisie du Sud : Ksars et villages de crêtes ", in L’Homme,  Revue Française d’anthropologie, n°3, Juillet- Septembre 1981.

    -    André Louis, Nomades d’hier et d’aujourd’hui dans le Sud Tunisien, Paris, C.N.R.S,  Edisud/ Mondes méditerranées,  1988.

    -    André Louis, " Au Sahara Tunisien : Evolution des Modes de vie ", Conférence donnée au II è  Festival National du  Sahara à Douz (Tunisie) le  9 Novembre 1968 ;  in IBLA (Institut des Belles Lettres Arabes), n°32, 1969.

    -     - André Louis, " Contacts entre culture "berbère" et culture arabe dans le Sud-Tunisien "; in actes du premier congrès d’Etudes des cultures Méditerranéennes d’Influence Arabo-Berbère,  Malta, 3-6, Avril 1972, Alger, société Nationale d’Edition et de Diffusion, 1972.

    -     Arnold Van Gennep, Les rites de passage, Paris, Picard, 2011.

    -     Bonvallot J., " Tabias et Jessour du sud Tunisien", cah. Orstom, sér. Pedol. vol. XXII, n°2, 1986.

    -    Emile Macquart, " Les Troglodytes de l’extrême-sud Tunisien ", Bulletins et Mémoires de la Société d’anthropologie de Paris, Tome 7,  5° série,  Paris, 1906.

    -    Encyclopédie berbère : (Protohistoire : Tunisie), Aix-en- Provence, Edisud, 1971.

    -    Fretin L., " Le Sud –Tunisien : Médenine et la région de Tatahouine ", Revue Touring-club, 22ème année, Paris, 1912.

    -    Geneviève Libaud, Symbolique de l’espace et habitat chez les Beni-Aissa du Sud tunisien, Paris, CNRS, 1986.

    -     Gabriel Camps, Les berbères : Mémoire et identité, Paris, Editions Errance, 1987.

    -    - Hamy (E. T.), Le pays des Troglodytes, Paris, Institut de France, 1891.

    -     Idoux I. "Un été dans le sud Tunisien ", Mémoires, sociétés Bourguignonne de géographie et Histoire, Dijon, Imprimerie Darantière, Tome 16, 1900.

    -     Jean  Despois, " La culture en terrasses dans l’Afrique du Nord ", A.E.S.C., 11e année, n°1, 1956.

    -     Léon Pervinquière, La tripolitaine interdite : Ghadams, Paris, Librairie Hachette, 1912.

    -     Lucien Bertholon et Ernest  Chantre, Recherches  anthropologiques dans la Berbérie Orientale: Tripolitaine, Tunisie, Algérie, Paris, Hachette, 1913.

    -    Lucien Bertholon, " La province de l’Arad ", Revue Tunisienne, n°1, 1894.

    -     Levanville J., " Les Troglodytes du Matmata",  Bulletin Société normande de Géographie, Rouen, 1907.

    -    Mahnaz Ashafi, L’architecture Troglodytique comme Patrimoine, Paris, éditions Ar’site, 2020.

    -     Manel Znidi, Habiter la grotte à Tataouine (sud tunisien): De la maison creusée à la maison construite, Thèse de Doctorat en Sociologie, Université d’Aix-Marseille, 2018.

    -     Mathieu Gilbert, Contribution à  l’étude des monts troglodytes dans l’extrême- sud tunisien, géologie régionale des environs de Matmata medenine et Foum-Tatahouine, Tunis, Imprimerie SAPI, 1949.

    -    Michel Picouet et autres, Environnement et sociétés rurales en mutation : Approches alternatives, Paris, IRD Editions, 2004.

    -    - Octave Victor  Houdas et  René Basset, Mission scientifique  en Tunisie (1882), Alger, p. Fontana et Cie, 1884.

    -     Pierre Deffontaines, L’homme et sa maison, Paris, Gallimard, 1972.

    -     Pierre Erny, Cultures et habitats : Douze contributions à une ethnologie de la maison, Paris, l’Harmattan, 1999.

    -    Ramon Basagna et  Ali  Sayad, " Habitat traditionnel et structures familiales en Kabylie ", Centre de Recherches Anthropologiques, Préhistoriques et Ethnographiques, 1974.

    -     Robert Leroux, Ecologie Humaine : Science de l’Habitat, Bruxelles, Collection de l’Institut Technique du Bâtiment et de Travaux public, 1963.

 

 

 باللغة الأنقليزية:

    -     Stanley Hallet, " Mountain Villages of Southern Tunisia "; in Journal Architectural Education, Volume 29, 1975.

 

 

الصور

    -     الصور من الكاتب .

1.    https://i.ytimg.com/vi/GFMe6evJE2w/maxresdefault.jpg

2.    http://up.haridy.org/storage/tunisia1.jpg

3.    https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AA%D8%B7%D8%A7%D9%88%D9%8A%D9%86#/media/%D9%85%D9%84%D9%81:Tataouine_vue-generale_1925.jpg

4.    Source: Manel ZNIDI, Habiter la grotte à Tataouine (sud tunisien): De la maison creusée à la maison construite, Thèse de Doctorat en Sociologie, Université d’Aix-Marseille, 2018,  p.91. 

5.     ويكيبيديا، الموسوعة الحرة.

6.    www.marefa. org

 

أعداد المجلة