فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
35

اتجاهات وطرق ومناهج العمل الميداني لدراسة الثقافة الشعبية المادية

العدد 35 - آفاق
اتجاهات وطرق ومناهج العمل الميداني لدراسة الثقافة الشعبية المادية
السودان

يبدأ العمل الميداني في أي مجال بالمكتبة، أي بالإطلاع على الدراسات السابقة المتعلقة بموضوع البحث، إذ علينا جمع كل المادة المكتوبة المنشورة وغير المنشورة عن موضوع البحث ومنطقته وسكانه.

كذلك يتعين على الباحث في مجال االثقافة المادية الاستعانة بالباحثين الذين سبقوه في العمل الميداني في المناطق قيد البحث، علاوة على المؤرخين المحليين وجامعي الثقافة المادية بالمناطق المعنية، ولكنا نعلم يقيناً أن العمل الميداني هو العمود الفقري لدراساتنا في الثقافة المادية وميادين الثقافة الشعبية الأخرى.

ورد في

(Libraries Museums and Art galleries report, 1951,P.91).

«History never ceases to be made; we are never at the end of time but always in the middle of it. With every economic, social or industrial change there goes an atmosphere a whole world of habit incident, thought and terminology, the memory of which can be preserved from the lips of those who lived in it and through it».

وورد في القاموس الوسيط للفولكلور والمثيولوجيا والخرافة واحد وعشرون تعريفاً(1) للفولكلور ولكنها لم توفق جميعاً بشكل كامل في الوصول إلى تعريف يفي بشغلنا وشاغلنا في مجال الثقافة المادية والفولكلور معاً ثمانية منها ذكرت الثقافة المادية كجزء من الموروث الثقافي أو الثقافة الشعبية أو الفولكلور، أما بقية التعريفات فقد أهملتها تماماً. ولكنها جميعاً فشلت في الوصول إلى ربطها بسياقات إنتاجها. لكن في قاموس العلوم الاجتماعية ورد تعريف للثقافة المادية، رغم قصره لكنه يربط الثقافة المادية بالبيئة والسياقات التي تنتجها، جاء فيه(2):

«Material Culture denotes those aspects that govern the production and use of Artifacts»(3).

تأسيساً على ما جاء في قاموس العلوم الاجتماعية يمكن القول أن الفصل بين الثقافة المادية وغير المادية فيه ازدواجية زائفة بمعنى أننا لا يمكننا اعتبار الثقافة المادية كمادة منفصلة عن الثقافة غير المادية، هذا الفهم يمكن أن يكون مربكاً ومضللاً، ذلك لأن دراسة نشاط واحد من الثقافة المادية، مثلاً، لا يقتصر على توثيق هذا النشاط من بداية تشكيل المادة الخام إلى المحصلة النهائية، هذا بالطبع مهم ولكن من المهم أيضاً كيفية صناعتها واستخدامها مع البحث عن ما يتعلق بها من عادات وممارسات وغناء وأشعار ومرويات شفاهية أخرى علاوة على المعتقدات المرتبطة بها. بالإضافة لذلك علينا أن نركز على استنطاق هذا النشاط المادي ليخبرنا عن صانعيه ومستخدميه. لذا يمكننا اعتبار الثقافة المادية وغير المادية وفهمهاً فهماً يوضح أنهما يكملان بعضهما البعض حتى لا تكون دراسة الثقافة المادية ردة إلى الوراء إلى مرحلة الحركة التحفية باعتبارها ناجيات أو عاديات يابسة من عهود قديمة كما كان الحال في القرن التاسع عشر في أوروبا.

علينا تقويم الفهم للثقافة المادية كمادة معاصرة حية مرتبطة بصانعيها ومستخدميها وعاداتهم وفهمهم لها بما يدور حولها من ثقافة شفاهية. هذا بالإضافة إلى ربط النشاط المادي بالإنسان ببيئاته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في سياق تراكمها التاريخي. نأخذ مثالاً - طقس الزواج كجزء من دورة حياة البشر إذا أردنا دراسة الزواج ميدانياً يتعين علينا توثيق الأدوات المادية والزينة والعطور والمعتقدات والممارسات والعادات المتصلة بهذا الطقس. من ناحية أخرى إذا أردنا أن نوثق لحرفة من الحرف فنحن لا نركز على المنتج المادي فقط وطريقة صناعته من مرحلة المادة الخام إلى المحصلة النهائية بل يصاحب ذلك بالضرورة جمع ما يتعلق بهذه الحرفة من معتقدات وعادات وأغاني عمل وأشعار علاوة على مفردات اللغة المتعلقة بأسماء أجزائها إذا كان المنتج المادي يتكون من عدة أجزاء، كذلك من المهم جداً توثيق أسماء الأدوات المستخدمة في تشكيل وصناعة حرفة ما.

في مقال لي باللغة الإنجليزية نشر في مجلة المأثورات قمت بتقديم تعريف لدراسة الثقافة المادية أوضحت فيه ما ذهبت إليه أعلاه.

التعريف كما كتبته بالإنجليزية كالآتي:

«Material objects of man’s activities can be defined as the visual dynamic manifestations of a long history of cultural contacts. They reflect the level of technology, the economic needs, social values, the artistic taste, beliefs and practices that lead us to understand the cultural morphology and reflect what is happening the social, economic and ecological contexts»(4).

أي أننا ندرس لفهم هذه الأدوات المادية مرتبطة بالبشر في سياقاتها التي تنتجها وتغذيتها في نفس الوقت بما يرتبط بها من ثقافة غير مادية. هذا بالإضافة إلى توثيق انتشارها زمانياً ومكانياً مع تبيان عبقرية المكان والإنسان. فالإنسان أينما كان له القدرة على إنتاج أنماط ثقافية مرتبطة بالزمان والمكان، في الظروف البيئية المتشابهة ينتج الإنسان ثقافة متشابهة.

المصدر الأول والأساسي لدراسة الثقافة المادية هو الجمع الميداني المباشر ولكن هناك مصادر ثانوية متمثلة في:

كتابـــات ومــؤلفـــات المـــؤرخـــين الكـــلاسيكيـين أمثـــال هيـــروروتس وبــــليــنــي واستــرابـــــو.

كـتــــابــــــات المـــؤرخــــين العرب مـــثل المسعـودي وياقوت الــحمـــوي.

كتابات ومؤلفات الرحالة الأوروبيين مثل جون لويس بركهاردت.

مؤلفـــات الرحالـــة العرب أمـــثال ابن بطوطـــة.

كتابـــات المـــؤرخــــين مـــن العـــرب وغيــرهـــم في الفــــترة الحديــــثة والمعاصـــرة.

يأتـــي من بعــــد ذلك الجمـــع الميداني الذي يعتبر العمود الفقري لدراسة الثقافة المادية.

الثقافة المادية هي دراسة للإنتاج اليدوي فلإنسان في حركة نشاطه اليومي ويشمل هذا النشاط اليومي كل صناعته اليدوية والخراطة والدباغة والمصنوعات الجلدية وكذلك الحدادة وصياغة الذهب والفضة وكل أدوات الزينة ثم الغزل والنسيج والأزياء وأدوات الزراعة والصيد والرعي والعمارة، وكل ذلك يدرس في إطار العوامل التي تتحكم في إنتاج هذه الأدوات واستخدامها. هذه العوامل الحاكمة لإنتاج الأدوات واستخدامها هي العوامل البيئية من بيئة طبيعية وبيئة اجتماعية واقتصادية وسياسية وتراكم تاريخي. وهذا شأن كل إنتاج الإنسان الثقافي، مادي كان أو غير ذلك.

نحن نعلم أن دراسة الثقافة المادية تقررت حديثاً ولم تجد طريقها كمادة للتدريس الجامعي في كثير من الجامعات ولكن هذا لم يمنع الإهتمام بتطوير بعض الموجهات النظرية والمنهجية الخاصة بها فاليوم هناك مجموعة من المفاهيم النظرية الهامة والمفيدة للتطوير المنهجي فهناك المفاهيم النظرية الثلاث التي قدمها اريكسون في السويد وهي دراسة الثقافة المادية بأبعادها الجغرافية والتاريخية والاجتماعية وهي تشكل اتجاهاً رئيسياً للبحث في هذا المجال.

1. يكتب آنتر فيريز ما ترجمته:

«مفاهيم أخرى لعبت دوراً في تطوير البحث في مجال الثقافة المادية مثل التقاليد مقابل التحديث، وكذلك التداخل اللغوي الذي يلعب دوراً أساسياً في الدراسات الثقافية كما لعب مفهوم المناطق أو الأقاليم الثقافية والتواصل الثقافي والتغيير الثقافي في مقابل الثبات والاستلاب الثقافي ... إلخ دوراً إيجابياً في توسيع دائرة المناهج المستخدمة في دراسة الثقافة بصورة عامة والثقافة المادية بصورة خاصة. ولكن تبقى الجوانب النظرية التارخية الجغرافية والاجتماعية هي أساس الدراسات في مجال الثقافة المادية» (5).

وعليه أصبح من المؤكد أن الدراسات القديمة التي اتجهت اتجاهاً مقارناً وتصنيفياً لا تفي بالغرض المنشود لفهم الثقافة والمجتمع وبالتالي بات من الضروري جداً معرفة وظيفة هذه الأدوات في المجتمع وكجزء من النظام الثقافي الشامل، وكذلك الظروف الطبيعية والاجتماعية والاقتصادية ودورها في عمليات وإنتاج الثقافي في المجتمع فمثلاً إذا أردنا دراسة الأدوات الزراعية فعلينا الاهتمام بمعرفة تفاصيل المناخ والتربة ونتاج المحاصيل والحصاد وعلاقات الإنتاج والعادات والتقاليد والممارسات وأشكال التعبير الشفهي التابعة لهذا النشاط كل ذلك يتم وفق معرفة الخلفية التاريخية المتصلة الحلقات.

2. يكتب د. مصطفى جاد كاتب من مصر:

«وصلنا إلى مرحلة مستقرة فيما يخص مناهج البحث والجمع الميداني، فأصبح لدينا أدلة للجمع الميداني تميَّزت عن سائر الأدوات في العلوم الأخرى، كما استفدنا بمناهج الملاحظة والملاحظة بالمشاركة والمقابلة المباشرة وغيرها من مناهج الأنثربولوجي التي تم توظيفها في البحث الفولكلوري. بل أصبح لدينا منهج متكامل في البحث الفولكلوري يحمل إسم المنهج الفولكلوري الذي يبحث المادة الفولكلورية في مداخلها التاريخية والسوسيولوجية»(6)

هذا ما كتبه د. مصطفي جاد في مقال له منشور بمجلة الثقافة الشعبية.

بالإضافة إلى ما ذكره جاد أعلاه فإننا نوثق هذا لحقيقة أن هناك كتابات كثيرة عن العمل الميداني في مجال الثقافة الشعبية أوضحت بالتفصيل الأطر المنهجية والنظرية للعمل والتوثيق الميداني نذكر منها كتاب كينيت قولدشتاين باللغة الإنجليزية... ومقالات أخرى لكتَّاب نرصدهم أدناه مثل وارين روبرتز، دونالد ماكدونالد، جورج ليست وريتشارد دورسون ومحمد الجوهري.

في كتاب folklore and Folklife وهو مجموعة من المقالات قام بتحريرها والتقديم لها عالم الفولكلور الأمريكي ريتشارد دورسون في 1972 عن دار جامعة شيكاقو للنشر، كتب وارين روبرتز:

Fieldwork: C. Recording material culture pp. 431- 448 by warren Roberts.

Fieldwork: collecting oral literature, by Donald Macdonald, PP. 408 - 430.

Fieldwork Recording Traditional music by George list PP. 431 - 444.

كلها منشورة في كتاب ريتشارد دورسون. كما يتوفر الآن كتاب الدليل العام للجمع الميداني في مجال الفولكلور ولكنه لم يتناول جمع وتوثيق الثقافة المادية وإنما نرصده هنا للفائدة العامة وهو لكاتبه كينيث قولد شتاين(7).

نلاحظ أنه من الستينات والسبعينات توفرت كتابات عن الجمع الميداني في مجال الفولكلور والثقافة المادية على المستوى الأوروبي والأمريكي من القرن الماضي، هذه الكتابات تفيدنا بصورة عامة ولكنها لم تكتب للباحث في العالم العربي أو الباحث في أفريقيا لذا يجب أن أنبه إلى أننا نستعين بها ولكن بحذر ونحاول وضع دليل للجمع الميداني يتناسب مع ظروف الباحثين في كل من العالم العربي وأفريقيا وربما قارة آسيا. ولكن ليس هذا مجال التفصيل فيه هنا ولكني قصدت التنبيه إلى ضرورة قراءتهما والزيادة عليهما في دليل يوافقنا.

هنا يجب أن نذكر أهمية الاطلاع على كتاب محمد الجوهري من مصر عن علم الفولكلور(8) بجزئيه الأول والثاني ولكن الذي يهمنا هنا الجزء الأول فيما يتعلق بالجمع الميداني. كذلك سيد حامد حريز من السودان الذي كتب عن تصنيف العادات والتقاليد الشعبية في مجلة المأثورات(9). وهناك كتابات أخرى انتخبت منها ما رصدته أعلاه. أعكف في هذه الفترة على كتابة دليل للجمع والتوثيق الميداني في مجال الثقافة المادية أرجو أن يفيدنا مستقبلاً. كما استفاد دارس الثقافة المادية والثقافة الشعبية من الأنثربولوجيا، استفاد أيضاً من الدراسات الآثارية أو علم الآثار بصورة عامة، بل إن الثقافة المادية في بعض الجامعات الأوروبية الحقت بأقســـام الآثــار كمــا في بعــض الـــدول الاسكــندنــــافـــــيـة. ولكـــن في هـــذه المـــرحـــلة تـــرســخ عنــد اعتـقـــادي الــــذي يصل إلى درجة اليقين إلى أن دراسة الآثار والثقافة المادية هما ميدانان يكملان بعضهما كما أوضح ذلك يوسف مختار الآمين في كتابه الأثنوكولوجيا: الدراسة الآثارية للثقافة المادية المعاصرة(10). ولكني منذ سبعينات القرن الماضي تخصصت في علم الآثار ودخلت مجال الثقافة الشعبية بقسم الفولكلور جامعة الخرطوم للتخصص في مجال الثقافة المادية. وكدارس للآثار أعددت أطروحتي للماجستير وأنهيتها في العام 1980م رابطاً بين الثقافة المادية المعاصرة والآثار وعلوم أخرى مساعدة كتبتها باللغة الإنجليزية أولاً ثم قمت بترجمتها للعربية وهي في طورها الأخير قراءة ومراجعة توطئة لنشرها(11).

نعود بعد هذه المقدمة إلى البحث والتوثيق والجمع الميداني في مجال الثقافة المادية بعد قراءة ما كتبه من سبقني في المجال طورت منهجاً للجمع الميداني والتوثيق للثقافة المادية وهو بداية لمشروع كتابة الدليل المخصص لدراسة الثقافة المادية.

تبدأ أولاً بتحديد زمن إجراء العمل الميداني في الثقافة المادية وما هي المشاكل التي يمكن أن تقابل الباحث الميداني في هذا المجال ثم من بعد ذلك ندلف إلى تفصيل مناهج الجمع. فيما يتعلق بمشكلة الزمن وهو زمن الباحث وزمن الحرفي المختص في حرفة ما. مثلاً زمن الباحث تعترضه. بعض العقبات الخارجية التي لا يستطيع السيطرة عليها مثل القيد الزمني للجهة الممولة للبحث وقدراته وملكاته الشخصية، أما زمن الحرفي فهو مكرّس للعمل منذ الصباح الباكر وإلى المساء بالتالي يكون متعباً من إرهاق يوم العمل ويتعذر على الباحث إجراء حوار مسجل معه.

ثانياً صاحب الحرفة أو أصحاب الحرف عامة هم تعوّدوا على العمل ولم يعتادوا على الحديث عنه، هم ليسوا مثل رواة القصة الشعبية والشعر الشعبي.. إلخ فهؤلاء صنعتهم الكلام أما الحرفيون فصنعتهم العمل وعليه يصعب على الباحث استنطاقهم أولاً لأن زمنه أثناء عمله يعني المال والمال يعني توفيرمتطلبات حياة أسرته. فالصعوبة التي نواجهها هنا هي زمن الحرفيين وكيفية الوصول لحل لها. على دارس الثقافة المادية أن يكون صبوراً قوي الملاحظة على درجة عالية من الذكاء الاجتماعي وقوة الحضور المؤثر في الآخر. بهذه الصفات يمكن أن ينجح الباحث وبدونها يفسد مهمته.

أثناء يوم العمل على الباحث أن يكتفي بالتصوير وتدوين الملاحظات ورسم الاسكتشات هذا بعد توطيد علاقـة الثقة بينه وبين الحرفيين. وهنا يحتاج الباحث لصفة الذكاء الاجتماعي بالحضور المؤثر في الآخر وقدرته في التعبير عن نفسه وتوضيح مهمته دونما استعلاء وإنما في تواضع وأدب جم. لاحظ هنا أن صاحب الحرفة شخصية تعتز بنفسها إلى درجة تضخم الذات لذا فعليك أن تكون حذراً في التعامل مع مثل هذه الشخصيات وعليّ هنا أن أذكر قاعدة مهمة وهي أن العمل الميداني هو فعل بشري إنساني في المقام الأول.

هذه تقودنا إلى الحديث إلى إعداد الباحث لنفسه قبل بداية الجمع المباشر. قبل الجمع الميداني يتعين على الباحث قراءة كل ما كتب عن الحرفة قيد البحث وأهلها وأخلاقهم وعاداتهم ذلك لأنه لا يحب أن يذهب الباحث للجمع الميداني مغمض العينين وهذا يعينه على وضع الأسئلة المناسبة إذ لابد أن يوفر الباحث قائمة بالأسئلة التي يبحث عن إجابة لها. هنا تأتي مقدرته في طرح السؤال إذ يجب أن يكون السؤال استفهامياً وليس تقريرياً والمسألة في غاية البساطة ولكنها خطيرة فهناك فرق كبير بين أن تسأله أنت تعلمت الحرفة من أبيك أليس كذلك؟ وبين أن تسأله ممن تعلمت الحرفة؟ في الحالة الأولى تكون الإجابة بلا أو نعم إن كنت تعلم أنه تعلمها من أبيه فما هي حاجتك للسؤال! في هذه الحالة لا يحصل الباحث على إفادة بجملة تغذي بحثه. أما في حالة السؤال الاستفهامي فالباحث يترك للراوي الحرفي فسحة للكلام والذي أساساً غير معتاد عليه، حاول أن تستدرجه بهدوء هذا إن تمكنت من جعله يتحدث إليك. هذا من ناحية، من ناحية أخرى فقد ذكرت آنفاً أن الحرفي يعد من بين الشخصيات التي تعتز وتعتد بنفسها فيجب على الباحث ألا يضع الكلمات في فمه وألا تظهر له أنك تعرف عن الحرفة أكثر منه - مع تذكر أن الباحث اطلع على الحرفة قبل الذهاب إلى الجمع الميداني - إذا أحسَّ بأنك تدلي بمعرفة عن الحرفة أكثر تكون قد خسرت مهنتك كباحث وبالتالي وهو - أي - الحرفي يمكن أن يسألك إذا أنت على هذا القدر من المعرفة بحرفتي ماذا تريد مني. لذا يجب أن تتعامل مع معلوماتك بحذر شديد، فالباحث مهما قرأ فهو قطعاً لا يعرف عن الحرفة أكثر من صاحبها. فهناك أعماق وأغوار لم تصل إليها قدم باحث وهناك معلومات مهمة مخبوءة يدلي بها الحرفي وهناك أسرار لا توجد إلا في صدورهم ولم يحوها كتاب من قبل.

مسألة أخرى تتعلق بزمن إجراء العمل الميداني وهي حقيقة أن هناك بعض الحرف تمارس في مواسم محددة من السنة فعلى الباحث معرفة الجدول الزمني لكل حرفة يريد دراستها. فمثلاً بناء المراكب في السودان يتم في فترة ما قبل فيضان النيل لأن عمل الحرفيين يتوقف تماماً في موسم الفيضان والخريف إذ يعلو الماء ويغطي الضفتين. علماً بأن المراكب تبنى دائماً قرب النيل لسهولة تدشينها عند الفراغ من بنائها. كذلك حرفة بناء المنازل والزراعة والحصاد والرعي كلها لها مواسمها الخاصة التي يتعين على الباحث معرفتها وجمع كل ما يتعلق بالحرفة قيد البحث ومنطقتها وقاطنيها قبل بداية الجمع الميداني المباشر منها.

قبل تفصيل أدوات البحث والتوثيق الميداني هناك مسألة هامة يحددها الباحث قبل السفر إلى المنطقة التي سيجري فيها بحثه وهي كما ذكر كينيت قولد شتاين في كتابه دليل العمل الميداني للباحثين في مجال الفولكلور يحدد قولد شتاين الخطوات التالية:

تحديد مشكلة البحث وهي التي على أساسها يجمع الباحث مادته سعياً وراء حلها.

تحليل المشكلة، وهي تحديد المناهج المناسبة للحصول على ما يعينه على الجمع والتوثيق.

جمــع وتوثيــق المـــادة ميـــدانــيـــاً عـــن طـــريــق الـــجــمــع والتوثيق المباشر مـن المنطقة قيد البحث (12).

تحديد المشكل هي المرحلة الأولى للبحث العلمي، الباحث المدّرب في مجال الثقافة الشعبية بصورة عـــامــة والثقـــافـــة المـــاديـــة بصـــورة خاصـــة لا يبـــدأ العمــــل الميــــدانـــــي دون الأخـــذ بخطــــــوات المنهــــج العلمـــي للــــدراســــة، دون تحــــديــــد مشكلـة البحث، بدونهـــا يـــأخــــذ الجمـــع صفــــة الجامعــــين الهواة ويكــــون الجمـــع غـــــير دقــــيق، غــــير محــــدد وغـــــير منظم. تحديد مشكلة البحث تتأتى إلا للدارس الأكـــــاديمي المدّرب في مجــــال نظريــــات الفولكـلـــور ولكـــن ليـــس هــــذا مجــــالا للخـــــوض في تفاصيل النظريات وإنمــــا أردت التنبـــــيه إلى أهمــية التدريب الكامــــل في المجـــال النظري، نظريات الفولكلور تدرس عادة على مدى فصل دراسي كامل وكذلك مناهج الجمع والتوثيق الميداني.

3. تحليل مشكلة البحث الميداني كالآتي:

وهي تحديد المناهج المناسبة للحصول على ما تنشده من مادة وتحديد المكان والزمن.

اختيــار المنطقـــة التــي يتــم منها الجمــع والتـــــي ترتبط بمشكلة البحث، فمثلاً إذا أردت معرفة كيفية تأثير التحديث على الصناعات والحرف اليدوية الموروثة يجب اختيار المدن والحواضر دون البوادي، وإن كان في أيامنا هذه قد تداخلت وتشابهت مع انتشار ما يسمى بالعولمة.

الوقت أو الفترة التي يحتاجها الباحث لإنجاز مهمته، هنا لابد من ذكر أن المادة في الحقل غير محدودة ولكن على الباحث أن يقرر جمع مادته على أساس صلتها بمشكلة بحثه.

مناهج ووسائل التوثيق وهي مناهج ووسائل يمتلك الباحث بعضهـا وبعضـــها يحتــاج لمختص لـمــعــاونــته - منــاهـــج الـمــلاحظــة والــمشـــاركـة وتسجيل المقابلات المباشرة لابــــد أن تتـوفـــر لـــدى البــاحـــث لكـــن التصـــويــــر ورسم الاسكتشات، إن كان لا يجيدها فعليه الاستعانة بمن يتقنها.

نأتي للمرحلة الثالثة بعد تحديد المشكلة وتحليل المشكلة وهي الجمع والتوثيق الميداني المباشر. في هذه المرحلة يكون الباحث قد وضع قائمة الأسئلة التي يجيب عليها الرواة لكي لا يذهب دون موجهات لعمله الميداني. تحتاج هذه القائمة لاختيار مطابقتها لما نود معرفته، إذ أن هذه القائمة خاضعة للتعديل حذفاً وإضافة حسبما تقتضي الضرورة عند أو قبل إجراء المقابلات، فبعض الأسئلة التي تضعها قد تكون غير مرتبطة بالموضوع عندما تبدأ بحثك في المنطقة قد يستجد ما يملي عليك إضافة أو حذف بعض الأسئلة فمثلاً في كل تجاربي المبكرة في الجمع الميداني كنت أضع أسئلة متعلقة بخطوات عمل الحرفي ولكني حذفتها لأني وجدت أن الملاحظة وتسجيل ملاحظاتي لا تحتاج لسؤال ثم أن الحرفيين لا يتحدثون إليك أثناء ساعات عملهم. فالحرفيون اعتادوا على صنع الأشياء وليس الحديث عنها فهم ليسوا رواة مثل حملة التراث الشفاهي من قصص، شعر أو أمثال فهؤلاء صنعهم الكلام كما ذكرت آنفاً.

يتعلق بما سبق ذكره أنك إذا أردت دراسة حرفة بعينها يجب أن تعرف عنها قراءة في الأدبيات وبحثاً في الأرشيف والمتحف لكي تتمكن من تحديد وبدقة كاملة ما تريد معرفته. فالحرفي دائماً يستجيب للباحث الذي يعرف بعضاً عن حرفته ولكن ويجب أن نضع لكن تحت هذه عدة خطوط فالمعلومات التي تعرفها عن حرفة ما يجب استخدامها بحذر وحنكة. قلنا أن الحرفي يحتفي بأنك تعرف عن حرفته ولكن ولمرة ثانية نحذر الباحث في مجال الحرف ألاّ يعتد بمعرفته وألا يظهر أو يتباهى أمام الحرفي بأنه يعرف أكثر منه - وهذا بالطبع لا ولن يحدث - إذا أحس الحرفي بذلك تكون أن خسرت علاقتك بالحرفي كباحث إذا ربما يسألك الحرفي نفسه: ماذ تريد إذا كنت تعرف أكثر مني عن حرفتي ويجب هنا ألا ننسى أن صاحب الحرفة دائماً هو شخصية قوية إلى درجة تصل إلى تضخم الذات عنده، وأنه ليس هناك من هو أعلم منه في مجاله، علينا بالتالي أخذ هذا في الحسبان لكي لا نفسد مهمة الجمع والتوثيق الميداني. إن أهملت ذلك فما عليك سوى أن تستعد للعودة خاوي الوفاض - وهذا تكرار لما سبق ذكره لأهميته.

الأسئلة للحرفي يجب ألا تتعدى حدود سؤاله عن كيف تعلم الحرفة ومتى ومن علمه، هل ورثها عن آبائه وأجداده أم أنه تعلم من كبار الحرفيين في المنطقة. كما يجــــب أن تشمــل الأسئلة المــواد الخـــام وكيفــية الحصــول علـيهــا، أدوات العمـــل وكيفـــية التصمـــيم، المعتقــــدات، العادات والممارسات.

هنا نركز على نقطة هامة هي:

تجنب تسجيل الحوارات أثناء يوم العمل، وإذا أجريتها مساء يجب أن تكون قصيرة لأن الحرفي يبدأ يومه في الصباح الباكر وإلى المساء وبالتالي يكون متعباً، لذا لا يجب أن تربك نظامه بل علينا نحن كباحثين أن نتكيّف مع نظام حياته اليومي. ومن الأفضل إتمام الحوارات أيام العطلات، يوم الجمعة على سبيل المثال أو إذا صادفتك عطلة أعياد. كيف تتكيف مع نظام حياته اليومي؟ أثناء يوم العمل نكتفي بالتصوير ورسم الاسكتشات وتدوين خطوات العمل وهذا هو منهج الملاحظة ولكن قد يكشف الباحث بعض الأبعاد إذا شارك في إنجاز عمل ما بمعاونة الحرفي ومن يعمل معه ويتتلمذ على يديه في هذه المرحلة المهمة تركز على توثيق خطوات العمل من المادة الخام مروراً بالخطوات المتتابعة وحتى المحصلة النهائية للمنتج.

هنا أنت لا تتعلم فقط وإنما تكتسب ثقة واحترام الحرفي وفريق عمله وتنجز مهمة توطيد علاقتك بهم. عند التسجيل الصوتي يجب توثيق اسم الراوي والمكان، التاريخ والمادة التي يحويها التسجيل. الباحث غير مطالب بجمع الأدوات المصنوعة من المنطقة إلا إذا طلبت منه جهة مموّلة مثل متحف أو غيره.

4. توثيق الأدوات كالآتي:

اسم الأداة أو الآلة.

تاريخ صنعها.

اسم الحرفي الذي صنعها وأين.

من استخدمها وأين.

كيفية استخدامها.

وصف عام للمصنوعات الحرفية

أسماء الأجزاء (إن كان يتركب من عدة أجزاء).

الزخارف والرموز.

مقاسات المصنوعات الحرفية.

المعتقدات، العادات، أغاني، أشعار وروايات شفاهية لها علاقة بالأشياء الموثقة ميدانياً.

5. معدات العمل والتوثيق الميداني:

كدارس للثقافة المادية أنت لا تجمع المصنوعات الحرفية إلا إذا كانت هناك جهة مموّلة تطلب ذلك كما ذكرت أعلاه. يحتاج الباحث إلى توثيق وتوفير مادة شخصية عن الحرفيين الاسم - العمر - المكان - كيف ومتى - من علمه - التاريخ. أما عن المصنوعات الحرفية فعلى الباحث لإنجاز عمله الميداني توفير معلومات كاملة تشمل الصور الفوتوغرافية - المقاسات والرســـومــــات التــــوضيـــحــية. الــرســومات التـــوضــيحية مهمتها كشف مدى قدرة الباحث على فهم واستيعاب مادته بتفاصيلها الدقيقة. ثانياً هناك زوايا وأماكن لا تصل إليها عدسة الكاميرا بالتالي تكملها بالرسومات التوضيحية.

لهذه المهمة يحتاج الباحث لكاميرا للتصوير الفوتوغرافي أو كاميرتين وجهـــازي تســـجـــيل صوتي تحســـبـاً للعطـــل الـــذي قــد يطــرأ للكــامـــيرا أو جــهاز التسجيــل عليك تجربة الأجهزة قبل بدء العمل المــــيدانـــي للـــتأكــــد مــن قــــوة صــــلاحيتـــها ســـواء لـــجـــهــــاز التســـجـــــيــل أو التـــصـــويــــر بصـــوتـــــك ســـجــــل بعــــض مـــــا تحفظ من كلام لاختيار جودة التسجيل الصوتي. أما الكاميرا فتختبر بأخذ لقطات قبل التحرك إلى العمل الميداني وطباعتها للتأكد من قدرة الكاميرا على إنتاج صور واضحة. هذا ما كان في السابق. أما الآن فمعدات التسجيل والتصوير تطورت من اليدوية إلى الرقمية وتعددت وسائل التوثيق الثابت كان أو المتحرك. إلى التسعينات من القرن الماضي كان للكاميرا وجهاز التسجيل سطوتهما في التوثيق أما حالياً وبعد الطفرة الهائلة في مجال تقنية المعلومات يمكن استخدام الأدوات الرقمية للتوثيق. أكثر ما كنا نطمع فيه في زمن إعدادنا لأطروحات دراساتنا العليا هو ما كان يعرف بالكاميرا السينمائية حتى كاميرا الفيديو التي عفا زمانها الآن لم تكن متوفرة. ولكن بعد ذلك وفي بحوثنا اللاحقة حققنا جودة في التوثيق الفوتوغرافي أو التسجيل الصوتي بفضل هذه الأجهزة الــرقمـية. كــــنا نحـمـــل معــــدات ثقيلة ولمسافات طويلة أما الآن فالباحث لا يصيبه هذا العبء من التعب والنصب الذي عانيناه في السابق. لكن هناك أداة لا غنـــى عنها في السابق أو الآن ألا وهي المقياس الذي يوضع بجانب الأدوات لتوضيح أبعادها القياسية وهي مكعب من الخشب مقسم إلى بوصات تطلى تعاقبياً باللونين الأسود والأبيض لتعطي قراءة آنية لأبعاد الأدوات المصورة.

أدوات قياس أخرى لا غنى عنها كما يكتب واين روبرتز:

«Since measurements are important data, measuring devices appropriate to the task must be taken into the field. For architectural work a fify-foot steel tape and a six-foot rule are most useful. for investigating a craft, a six-foot rule may be adequate. with it one can measuring a workshop or a tool equally well, it is also useful to have a clearly marked rule, preferably with alternating black and white Solid rectangles marking the inches, that can be placed beside a small item to be photographed. In this way the size of the item is clearly indicated without recourse to separate notes»(13).

قبل كل هذا لابد للباحث من توفير وسيلة مواصلات يعتمد عليها للتنقل من منطقة إلى أخرى. في كثير من الحالات - مثلاً عندنا في السودان يمكن للباحث الاعتماد على أهل المنطقة لمساعدته في الوسيلة المناسبة للمواصلات التي قد تتراوح من تزويده بعربة أو دابة من الدواب المتوفرة في المنطقة. أدوات أخرى ضرورية وهي ورق لرسم الإيضاحات وأقلام ولوح للرسم (Drawing Board).

دارس الثقافة المادية في الحقل لا يبدأ أو لايدلف إلى بداية الجمع فور وصوله إلى المنطقة. تكون البداية بزيارة أولى وثانية وربما ثالثة للحرفيين دون أدوات لشرح مهمته التي أتى من أجلها. وكما ذكرنا فإن الحرفيين لا يدلون بإفاداتهم بسهولة لأنهم كما ذكرنا أنهم ليسوا بمتحدثين وربما تكون زيارتك هي المرة الأولى التي يسأل فيها الحرفي عن حرفته لذا يتعين علينا توطيد العلاقة وشرح وتوضيح ما نريده أولاً وقبل أي خطوة نحو الجمع والتوثيق. كثير من الحرفيين لا يثق بمثل هذه الزيارات لأنهم وفي كثير من التجارب منها تجربتي الخاصة معهم – ينظر لهذه الزيارات بعين الريبة ولا يتعاون مع الباحث على افتراض أنه من مصلحة الضرائب. لذا علينا أن نكون حذرين في التعامل معهم خلال زياراتنا الأولى لهم.

لاختصار مهمة الجامع والباحث في مجال الثقافة الشعبية المادية، هي تتلخص في مهمتين يتوجب على الباحث إنجازها:

المهمة الأولى تتعلق بتوثيق وتسجيل المادة الخاصة بالأدوات والتي يضطلع بصناعتها الحرفيون والتي تتراوح بين توثيق نشاط كبير مثل العمارة الشعبية وحرفة البناء ومثيلاتها مثل بناء المراكب ونجارة الأثاث والفخار مستعيناً على ذلك بالتصوير والرسومات التوضيحية وأخذ المقاسات.

المهمة الثانية هي تتبع خطوات العمليات الانتاجية تسجيلاً وتوثيقاً وتوصيفاً بالصوت والصورة والرسومات التوضيحية وتسجيل الملاحظات مثل خطوات عمل الحداد والنجار والبناء وصانع الفخار، توثيقاً لكل مراحل العمل، واختصاراً نقول إن التوثيق ينحصر في ثلاثة أنواع:

1. القياسات.

2. الصور الفوتوغرافية.

3. الرسومات التوضيحية يكملها التسجيل الصوتي لإفادات الرواة والمخبرين.

كل هذه الأنواع من التوثيق تكمل بعضها لإنجاز دراسة ناجحة في مجال الثقافة المادية.

خطوات أخرى مهمة للحصول على مادة حقلية مكتملة وهي القيام بتفريغ الشرايط وتحويلها من صيغتها الصوتية إلى الكتابية أثناء وجودك في المنطقة وهذا يمكن إنجازه ليلاً. تفريغ المادة وتحويلها من الصوت إلى الحرف تمكن الباحث من ملء الفراغات في إفادات الرواه نتيجة لنسيانهم أو نسيانه هو. هذا مهم جداً لأنك إذا لم تنجزه أثناء وجودك في المنطقة، فالعودة مرة أخرى من أجل إكمال نقص المعلومات يكون صعباً جداً يصل أحياناً إلى درجة الاستحالة. وهنا لابد من التذكير أن العمل الميداني يكلف مالاً وجهداً وزمناً. لذا يجب أن تستثمر كل سانحة للحصول على مادة مكتملة دون حاجة لإعادة الرحلة..

نقطة أخرى غاية في الأهمية وهي كيفية التأكد من صحة الإفادات التي يدلي بها الرواه. إذا كنت في منطقة يوجد بها حرفي واحد وهو الراوي في نفس الوقت، يمكن ضبط إفاداته بإجراء الحوار معه عدة مرات ولكن على فترات متباعدة، إذ أنه ومن خلال التجربة وضح أن الراوي قد ينسى ما قاله ويدلي بإفادة أو رواية مختلفة. بعد الحصول على الروايات منه يمكن تحريكها ومقارنتها مع ما كتب من قبل من التقارير الاثتوغرافية، الآثارية والتاريخية.

أمـــــا إذا تـــوفــــر عــــدة رواة في الـمنــطـــقــة الـــواحــــدة، في هذه الحالة تجرى مقابلات معهم جميعاً ثم تقارن إفاداتهم للخروج بالمعلومة الموثوق بها وأيضاً يتبع ذلك مقارنتها مع الأدبيات السابقة المذكورة أعلاه. في كل مرة سواء كان من راوٍ واحد أو عدة رواة نجد معلومة جديدة مؤكدة أو مخالفة. العمل الميداني يحتاج منك لصبر وزمن طويل كما أنه عالي التكلفة المالية.

متى نستوثق ونتأكد من نهاية عملنا الميداني وأننا أنجزنا المهمة كاملة. نتأكد من ذلك عندما تبدأ المعلومات الواردة في التكرار. عندها يكون عملك الميداني انتهى لتبدأ مرحلة التصنيف والتحليل والمقارنة واختبار الأسئلة على ضوء ما حصلت عليه من معلومات. وهذه في باب مناهج البحث العلمي أدخل ولها قواعدها وموجهاتها المنفصلة تماماً عن مرحلة العمل الميداني، وليس هذا مقام التفصيل فيها. ونكون بهذا قد أنهينا عملنا الميداني.

 

الهوامش:

1. Maria Leach (ed.) Jerome Fried associate (ed.) Standard Dictionary of Folklore Mythology and Legend.

2. A dictionary of social science, p. 404.

3. Yousif H. Madani: “Writing about objects: Fieldwork and methods of studying material culture” Al.Ma’thurot al-Sha’biyyah. Vol. 41, Jan. 1996. P. 9.

4.  Ants Viires: “ On the Methods of studying the material culture of European people Ethnologia Europea, Vol. !X, 1969, p. 36.

5.  مصطفى جاد، «منهج توثيق المادة الفوكلورية، مجلة الثقافة الشعبية، مجلة فصلية تصدر في البحرين، العدد السابع ص 82 – خريف 2009.

6. Kennith Goldstien: Aguide for feldworkers in Folklore, the American Folklore society, Pennsylvania 1964.

7.  محمد الجوهري: علم الفولكلور، الجزء الأول، دار المعارف، القاهرة، 1981، الباب الرابع صفحات 575 - 672.

8.  سيد حامد حريز: تصنيف العادات والتقاليد الشعبية، مجلة المأثورات عدد أكتوبر 1988 صفحات 17 - 29.

9. يوسف مختار الأمين: الأثنوراركيولوجيا: الدراسة الآثارية للثقافة المادية المعاصرة، دار التواصل للنشر والتوزيع، الرياض، 2008.

10. Yousif H. Madani: Al-a’ngareb: Atraditional bed craft industry in the Sudan, M.A. Dept. of Folklore, I.A.A.S. University of Khartoum, 1980.

11. Kenneth Goldstein A guide for fieldworkers in Folklore, the American folklore society, Pennsylvania, 1964, p. 16.

12. Warren Roberts, Fieldwork: Recording material cultures, in Folklore and Folklife, Richard Dorson (ed.) Chicago University press, Chicago, 1972, pp. 434 - 435.

الصور:

أرشيف الثقافة الشعبية.

 

أعداد المجلة