فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
32

عادات وتقاليد الزواج في الجزائر على طريقة عُرف سيدي معمر بمنطقة الشلف “نموذجا”

العدد 32 - عادات وتقاليد
عادات وتقاليد الزواج في الجزائر  على طريقة عُرف سيدي معمر  بمنطقة الشلف “نموذجا”
كاتبة من الجزأئر

يعتبر الزواج التقليدي مجموعة أعراف وعادات وقيم سائدة في وسط  المجتمع والمتعلقة بعقد قران بين شاب وشابة وفق ما اتفق عليه مسبقا أو في إطار عادة أو عرف منطقة، ليسا ولِيْدَيْ الصدفة، بل نتجا عن ترسبات حقب تاريخية شهدتها تلك المنطقة.

 

وفي الجزائر تمثل طقوس الزواج على عادة سيدي معمر أشهر طقوس الزواج بها، والتي ماتزال بعض العائلات محافظة عليها لوقتنا هذا وهو ما يجعلنا متسائلين: ما سبب اشتهار طقوس هذا الزواج،  ومن تكون شخصية سيدي معمر؟ وماهي مميزات  الزواج المعمري؟.

تعريف العرف لغة: هو تتابع الشيء إذا اتصل بعضه ببعض وكل ماتطمئن وتسكن اليه النفس ـ(1) والعرف أيضا ضد النكر بمعنى المعروف(2).

تعريف العرف اصطلاحا: ما استقرت عليه النفوس بشهادة العقول، ونقلته الطباع السليمة بالقبول(3).   

سُمي هذا الزواج على طريقة سيدي معمر بالزواج المعمري نسبة للولي الصالح سيدي معمر الذي تميز بعدة كرامات، وما تزال طقوس هذا الزواج تقليدا معمولا وعرفا سائدا لحد الآن خاصة بمنطقة الشلف(4)  ومناطق أخرى على غرار شرشال(5)،  تيبازة، غليزان(6).

المميز في هذا الزواج هو الالتزام المعنوي الذي يحرص سكان هذه المناطق الاتزام به خاصة في عدم تجازو المهر الذي حدده سيدي معمر. ذلك أنه يجب ألا يتجاوز قطعة ذهبية، وكل من يزيد في المهر سيصاب باللعنة ولن يكون زواجه مباركا وعليه سنحاول من خلال هذا البحث التعريف بشخصية سيدي معمر و سبب اعتقاد الناس بها، ومراحل الزواج المعمري الذي لاتزال لحد الآن بعض العائلات محافظة عليه.

التعريف بالولي سيدي معمر:

أصله ونسبه: هاجر أخوان من بلاد الشام الى الجزائر، استقر الأول بمنطقة لبيض سيدي الشيخ(7)، والثاني بمنطقة واد رهيو «غليزان» وفيها اختلط بالأهالي وتزوج منهم ورزق بابن سماه امعمر وكان هذا حوالي 1420م/ القرن 15م، أولاه والده رعاية واهتماما وحفظه القرآن الكريم كما كانت طريقة أغلب السكان وقتذاك، فنشأ في تربية دينية صرفة، ولما أصبح شابا قويا وازدادت معارفه، فقد عُرف بالتقوى والورع  الذي لم يُشْهد لغيره حيث جمع بين العلم والولاية وعُرف بين الناس بمعمر بن العالية(8)، كماقيل عنه أنه كان  مستجاب الدعاء بعد وفاته تحول قبره الى «مقام»(9)، والمقام هو الدال على الولي وفيه الضريح، وخصصت له غرفة في المكان الذي يحيط الضريح، يغطى قبره بأفخم القماش، ولايزال ضريحه موجودا لحد الآن بمنطقة خمس نخلات بالقرب من مدينة تنس الساحلية(10)، ويقصده الكثير من الزائرين للتبرك به، على الرغم من اعتبار السؤال لغير الله من باب الشرك غير أن الناس يقصدونه ويسألون الولي تفريج الهموم وشفاء العلل التي لم يجدوا الدواء لها ، والبعض الآخر لطلب الإنجاب وغيرها.

وتذكر الروايات أن الموطن الأصلي لسيدي معمر هو حميس التي سيدي معمر منها  ويُذكر أن سبب رحيله إلى منطقة تنس الساحلية يعود الى أن قوم بني اوراغ(11) جاؤوا بعروس جميلة جدا في هودجها، ومن متاعب السفر ومشقة الطريق حط الرحالة أمتعتهم للاستراحة في حميس وباتوا ليلة واحدة  وعند الصباح عزموا على السفر فرفض ابن مضيفهم أن تخرج العروس وكان قد رآها فاعجبته ووقعت في قلبه وحاول بن اوريغ حل الأزمة سلميا لكن أهل حميس تعاطفوا مع ابنهم وقالوا إن له ما أراد. فاشتعلت نار الفتنة ونشبت معركة بينهما وانتصر بنو وراغ على حميس انتصارا بائنا وأخرجوهم من منطقة لحلاف وقرروا رميهم في البحر، وكان سيدي معمر غائبا في زيارة شيوخه وإخوانه في منطقة الغرب الجزائري، وعند رجوعه أُبلغ بالأمر فلحق بالقوم عند منطقة بوفيس وأوقف المعركة وحاور رئيس بني اوراغ أحمد بن يوسف وقال له: حميس حميسي مقطوع مغراسي مايقطعوا حتى فاس من غير فاسي «وبعد تفاوض من أجل الصلح، رفض بنو أوريغ رجوع حميس الى منطقة لحلاف، فالتمس سيدي امعمر منهم ثلاثة أيام في السنة لأهله حميس يقضونها بمنطقتهم فرفض بنو أوراغ هذا الطلب وبعد إلحاح قبلوا لهم قضاء يوم واحد بالسنة يدخلون بعد شروق الشمس ويخرجون قبل المغيب ونظرا لبعد المسافة بين إقامة حميس الحالية في الساحل فهم يجتمعون ويتفقون في مكان واحد ويرحلون قاصدين لحلاف يبيتون قريبا من حدود المنطقة وفي صباح يوم الاربعاء يدخلون يوما كاملا  في العراء ينصبون خيامهم ويوقدون نارهم ولا يجوز لهم دخول بيوت بني اوريغ وطعامهم محرم عليهم ومازال العداء بينهم الى اليوم فلا تجارة ولا تعامل ولا تناسب في الزواج فالقطيعة مستمرة قال أحدهم الى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وأصبحت حليمة لوراغية مثلا يُضرب عندما تنشب الفتنة بين الرجال بسبب امرأة في قولتهم الشهيرة «دارتها حليمة»(12).

درس سيدي معمر في مدينة تنس بمسجد سيدي معيزة(13) كما درس بزاوية مجاجة(14) وقد اشتهر بكرامته، منها تحولت عصا قصب «خيزرانة» الى مكحلة «بندقية».

علاوة على هذا يُعد مؤسس تقاليد زواج خاصة تقوم على مهر رمزي لتخفيف الأعباء بين الزوجين حتى يتمكن جميع الشباب من إكمال نصف دينهم، وكل من يتجاوز المراحل التي حددها سيدي معمر سيصاب باللعنة  ومراحل هذا الزواج تنص على الآتي:

1 . الخطبة:

إذا ماتقدم الشاب لخطبة فتاة ما، فأول ما يقوم به  هو يسأل إن كانت تنتسب طريقة الولي الصالح «سيدي معمر»، فان كانت لا تنتمي الى طريقة زواج سيدي معمر فإنه غير ملزم باتباع طقوس زواجهم، أما إذا كانت معمرية فعليه الالتزام بطقوس الزواج المعمريين و الملاحظ في أن ليس كل من كان من ذرية سيدي معمر الالتزام فحسب، بل تشمل أيضا الذين تمت رضاعتهم من أم تنتمي الى سيدي معمر وبالتالي عليه كل من رضع من أم معمرية يصبح عليه الالتزام بطقوس الزواج.

و بعـــد أن يقبـــل أهـــل العــــروس طلـــب أهــل العـــريـــس، يقوم أهل العريس بمنح المهر الذي لا يتجاوز أربعة دورو أي قطعة ذهبية ماقيمته 8500 دينار جزائري، وهو المهر الذي حدده سيدي معمر، زائد كبش وقنطار من الدقيق، والسمن.

أما السبب الذي دفع بسيدي معمر إلى تحديد المهر، فرواياته مختلفة  منها ما  يُقال عنه أنه بدأت القصة عندما غادر سيدي معمر مسجد سيدي معيزة بتنس متوجها نحو زاوية معلمه الأول، ولدى دخوله الى منطقة حميس رأى رجلا من مجاجة وامراة ، ولما رأياه اختفيا عن الأنظار لشعورهما بالخجل والإحراج، وبعد أن دخل سيدي معمر الى القرية  سأل عن أهل الرجل والمرأة اللذين رآهما فجاءه بهما أهل القرية وما كان من سيدي معمر إلا أن سألهما قائلا: هل أنتما متزوجان فأجاباه بالنفي ولدى استفساره عن السبب رد الرجل قائلا: إنه لايملك مهر الفتاة فسأله سيدي معمر عن عمله فرد الرجل أنه يبيع «الدوم» وهي عبارة تطلق على أوراق عديدة أعلاها فيه الشوك ووجودها بالمناطق الغابية الجبلية والمرتفعة وخاصة منها الساحلية و تبقى صالحة للاستعمال على مدار السنة وهـي تشبه النخلة، يُصنــع منهــا الســـلال والمكــانــس والكــثـير مــن الأعمــال اليدوية، وهنا سأل سيدي معمر الرجل عن ثمن الدوم فرد الرجل «أربعة دورو» وهي تعادل قطعة ذهبية، في تلك الأثناء طلب سيدي معمر من الرجل أن يقدم  قطعة نقدية من الذهب ويتزوج المرأة، وبسبب هذه الحادثة ظهرما يسمى عُرف سيدي معمر الذي مكن شخصين متحابين من الزواج ونتج  عن ذلك ما يسمى بشروط سيدي معمر(15)، وإضافة للقطعة النقدية الذهبية التي تقدم كمهر يقدم لها أيضا كبشا وقنطارا من الدقيق، وقدرا من الدهان «السمن» وهذا تسهيل للشباب على الزواج، وحتى لا يرتكب أفعالا خارجة عن الأخلاق، وفي رواية أخرى روتها لنا السيدة فاطمة دهال وهي من أبناء سيدي معمر، أن الولي سيدي معمر كان جالسا مع سيدي امحمد بن علي ابهلول المجاجي يتحادثان حول غلاء مهر الزواج،  وهنا أقسم سيدي معمر أن بناته وكل ذريته لن يتجاوز مهرهم ثمن أربعة دورو أي قطعة ذهبية، ولولا خشيته أن يُعاير الناس بناته لزوجهم بمهر مقداره ثمن سلة من الدوم،  ومنذ تلك الحادثة، أصبح الناس يسيرون وفق المهر الذي حدده سيدي معمر وكل من يحاول تجاوزها في الزواج سيصاب باللعنة، لأنه دعا عليه بعدم البركة في زواجه، خاصة وأنه عرف عنه الكثير من الكرامات.

وفي الوقت الحالي ارتفع ذلك المهر المحدد من سيدي معمر قليلا بسبب التطورات التي حدثت في المجتمع خاصة مع غلاء المعيشة، ورغم ذلك فإنه يُعتبر من أرخص المهور في الجزائر.ومازالت العائلات تحرص على عدم رفعه خوفا من إصابتهم باللعنة وحفاظا أيضا على تقاليد أجدادهم.

2 . التحضيرات لعرس الزواج:

قبل أيام من موعد العرس، تجتمع النساء يوميا  بمنزل العريس لتحضير كمية كبيرة من الكسكس، الذي يعتبر زينة مائدة العرس ولا يكاد يخلو عرس في الجزائر من طبق الكسكس، كلمة كسكس هي مشتقة من سيكسو وهي كلمة أمازيغية ومعناها الطريقة التي تحضر بها حبوب القمح الصغيرة الخاصة بطبق الكسكس.ولأن الكسكس غير سريع التلف حيث تقوم النسوة بفتله وتجفيفه وعند موعد الزفاف يقمْن بتحضيره وغسله ووضعه في قدر به ثقوب ويطبخ على البخار ويضاف إليه اللحم، والخضار، أو الحليب، أو الزبدة والسكر الناعم حسب المناسبات.

3 .  الحمام:

تذهب العروس عشية عرسها الى الحمام تجرى تلك  المراسم  في تقاليد خاصة، حيث تدخل الحمام بالزغاريد مع بنتين تحملان الشموع، بعد الاستحمام يجتمع الجميع في ساحة الحمام حيث توزع أنواع من الحلويات التقليدية والمشروبات.

4 . تعليق العلم:

قبل موعد الزفاف بأربعة ايام تقوم النسوة بجمع خُمُر العجائز الحاضرات في بيت العرس ويقمْن بربط الأخمرة بقصبة طويلة ويعلقنها في أعلى سقف المنزل، ويسمى اليوم الذي تعلق فيه الخمر في القصبة بيوم العلام، وفي  ذلك دلالة على أن ذلك البيت فيه فرح.

5 . الحنة:

قبل موعد الزفاف بيوم، يستقبل أهل العروسين المدعوين من الجيران والأقارب، وتتطوع الفتيات بالخدمة لحاجة أهل العروس وأهلها ذلك  في الغسل والطهي، وترتيب مكان استقبال الضيوف، كما يتم تجهيز مكان جلوس العروس بالورود والأفرشة الأنيقة، وذلك  عندما يتم ربط الحناء، حيث ترتدي العروس لباسا تقيليديا وتقوم العجائز بربط رأسها بمحرمة حمراء «خمار أحمر» مع مرآة وشمعتين تشعلان فوق رأسها، وتخلط الحناء بالبيض وماء الزهر، حيث ترمز الحناء إلى السعادة والفرح، أما البيض فهو رمز الخصوبة والغنى، وماء الزهر يرمز الى المودة واللطف، توضع كمية من الحنة في يد العروسة ثم تغطى الحنة بقطعة قطن وتشد بوشاح وكذلك الحال عند أهل العريس تحضر الحناء ويتم وضعها في يد العريس. حيث تقوم الكبيرات في السن بوضع الحناء في يديه ويكون هذا عند حضور أصدقائه وأقربائه وعند الانتهاء من وضع الحناء يقوم أصدقاؤه بكسر الصحن المصنوع من الطين الذي وضعت فيه الحناء. ووقت وضع الحناء في يد العروسة والعريس تُقام الزغاريد والمدائح لسيدي معمر وقد تم تسجيل هذا المديح كأغنية  والتي هي كالتالي:

يا علايتي سيدي معمر         يا علايات السادات

ياعلايتي بومكحلة               حرم الحميسيات

سيدي وسيد خواتاتو            والعالية الي رباتو

سيدي معمر قنوني               وانت نور عيوني

 أنت نور عيوني                     يامول البرهان

 جيتك بجاه الله                   ياسيدي معمر جيتك

بجاه الله ترضى عليا             يامعمر يانور عينيا

سيدي معمر ياناس               راه علينا عساس

سبحان من كان عليل            وبرا وصاب الصحة

الله الله الله الله يا رسول الله

وحسب ماروت لنا فاطمة دهال أنه قبل خروج العروس من بيت أبيها يتم وضع «حايك» عليها وهو عبارة عن قطعة قماش من الحرير يُرْدف على الحايك برنوس يكون مصنوعا من الوبر، ثم يتم أخذ جلد خروف ويوضع على الأرض بشكل مقلوب وبعدها توضع «الجفنة» والتي هي عبارة عن صحن كبير الحجم مصنوع من الطين، تجلس العروس في وسطه، ثم تخرج العروس من بيت والديها حافية القدمين، وذلك كشرط  وربما الهدف للدلالة على التقشف والتجرد من كل زينة الدنيا، ويقصد به الصفاء والفقر إلى الله والحاجة إليه، وحتى يتم  حمد  النعمة التي هم فيها.

ومـــن العـــادات الــموجـــودة لحـــد الآن في عــــرف ســــيدي معمر. هو عزوف أهل العروس المرافقين لها يوم الزفاف عن تناول أي شيء حتى شرب الماء في بيت أهل العريس، حتى وعندما تتم الدخلة في اليوم الموالي، وعندما يذهب أهل العروس مع عروسهم يجب أن لا يتناولوا أكل أهل العريس حتى تمم الدخلة، وغالبا ما يطلب  أهل العريس من جيرانهم الأكل لإطعام أهل العروسة حسب اعتقاد من ينتمون إلى طريقة الولي الصالح  سيدي معمر إذا تجرؤوا وتجاوزوا هذه القوانين سيصابون باللعنة، فقد يمرض العرسان، وقد يصابان بالعقم.

5 .يوم الحزام:

في اليـــوم الـمــوالي مـــن العرــس تقــوم جـــدة  العــريس بإلباس العروس ثوب لعجوز كبيرة في السن على شكل مقلوب، وربط رأسها بخمار، وتلبس الحايك ويوضع في وسط الحايك الحلوى وقطع السكر وتمشي في وسط الحاضرات وهي ترميهن بها وهن يجمعن ماترميه، وفي الظهيرة تأتي أم العروس وأهلها حيث يقمن بإحضار جفنة العروسة وهي عبارة عن صحن كبير من الكسكس والخضار واللحم والحلويات، وأيضا المشروبات.

والهدف من وضع طقوس هذا الزواج هو من أجل جعله سنة حميدة لأجل تسهيل الزواج للشباب الراغب فيه خاصة الفقراء منهم، وعلى الرغم من مرور الزمن إلا أنه ما تزال بعض العائلات محافظة على ذلك.

قصيدة مدح من الشعر الملحون يقول فيها الشيخ امحمد بن عثمان الغريسي(16) الولي سيدي معمر:

يا امام اهل الله يا سيدي معمر

جبتلك جاه الله ارضى علينا

اسمك معمر ومن يلقاك يعمر

يستفالو بسمك المومنينيا

جود برضاك علي كاليمام

شاع في الاولين والاخرين

من بحورك اروى حتى اضحى

مخمر من كيوسك شربة بنينا

شافا في اللواح بعينين القلب وانظر

مافي الفوق واسفل سافيلنا

كون من عند الله اعطاه علم فاخر

فاز بيه على الناس السابيقينا

بحر علم فايض فيضان نيل مصر

عذب زاخر ما ركبته سفينا

صار من احبة المصطفى الطاهر

خاتم اانبياء والمرسلينا

لا تخيب ظن اللي راه فيك يشكر

افقير يطلب سائل مالسئلينا

انت ونيس الغربة ورفيق كل خاطر

يامدبب قفول الراحلين

من يطيعك يربح ومن عصاك يخسر

من بخيته يضحى مالساعدينا

يا مغلي شان اللي هو رخيس باير

يامشبب وجوه الناحسيا

ياموسع الضيق ومسهل الواعر

يامقرب لوطان الباعدينا

يامسلك اللي محبوس والميسر

يامسلك خبال الحاصلينا

يا مبين من هو تالف ومودر

يامسهل الامور الصاعدينا

يامغيث اللي هم في الحشى تكدر

يامفرج كروب الشانقينا

واك ربي جعلك إمام كل محضر

 بيك عمرت الناس الفايزينا

بان نجمك واطلع في السما منور

بدر في ثالث عشر كاملينا

دراسة أثرية لمقام سيدي معمر المتواجد «بحميس» نموذجا:

إن الباحث في تاريخ منطقة الشلف خاصة في الجانب المعمـــاري يلاحـــظ  أن الهنـــدسة المعمـــارية للمقـــام سيدي معمر هي وثيقة الصلــة بنمــط العمارة العثمــانية أثـــناء تواجـــدهــا في الجــزائــر ومــا الضريــح أو المقــام إلا سلســلة مـتـواصـلة لـلـتـطور المعمـاري الــذي بــقـي مـحـافــظـا عـلـى النمط العثـمــانــي.

من خلال الجولة الميدانية التي قادتني للبحث عن ضريح ومقام سيدي معمر اتضح لنا أنه يوجد في منطقة الشلف أربعة مقامات. المقام الأول في منطقة الزبوجة والثاني في منطقة بنايرية، والمقام الثالث وهو الذي في الصورة أعلاه في  منطقة حميس وضريح  ينسب قبره لسيدي معمر ويوجد «ببوفيس» وحسب ما فهمنا من إحدى القائمات على المقام أنه يوجد أيضا ضريح بمنطقة لحلاف «دائرة عمي موسى» بولاية غليزان(17).

وعليه علينا التمييز بين المقام والضريح فالمقام هو الموضع الذي تقيم فيه، والمقامة بالضمّ: الإقامة،  والمقامة بالفتح: المجلس والجماعة من النّاس. قال: وأمّا المُقام والمَقام فقد يكون كل واحد منها بمعنى الإقامة، وقد يكون بمعنى موضع القيام، لأنّك إذا جعلته من قام يقوم فمفتوح، وإن جعلته من أقام يقيم فمضموم فإنّ الفعل إذا جاوز الثلاثة فالموضع مضموم الميم(18). وقوله تعالى: «يا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا»(19) أي لا موضع لكم،  ولا مُقام لكم: أي لا إقامة لكم. وحسنت مستقرا ومقاما أي موضعا.

وهنا يتضح لنا الفرق بين المقام والقبر، وبالتالي فالمقام قد يكون من الإقامة فقط للولي مثلما هو الحال لمقام سيدي معمر بحميس والمناطق الأخرى الذي أصبح فيما بعد مزارا يقصده الناس للتبرك. وقد يكون المقام قبرا لسيدي معمر مثل الذي يوجد في بوفيس .

ومن خلال الصورة الموجودة أعلاه، يتبين لنا أن شكل المقام هندسته المعمارية مقتبسة من الفن المعماري العثماني وهذا ما أكده لي الباحث التونسي بجامعة القيروان الدكتور «محمد علي الحبيب».

ويتكون المقام من عناصر أساسية لا تكاد تخلو من أي بناء وهي :

الحوش: يعتبر الحوش أو «الفناء المفتوح» من المميزات المعمارية البارزة المباني العثمانية وهو ما نلاحظه في المقام الذي أنشئ لسيدي معمر.

النوافذ: وهي على شكل نصف دائري كما في الصورة.

القباب: امتاز الطراز العثماني في البناء بنمط جديد في العمارة باستخدام القبة في العمارة والتي كانت على أشكال متعددة منها ما كان على شكل نصف كرة  غير كامل بعضها كبير وأخرى صغيرة وقد استخدمت القباب لتغطية المساحات المربعة بعد تحويلها إلى أشكال مثمنة أو دائري بواسطة المقرضات الركنية(20) وهو نفس الشكل مقام الولي سيدي معمر الذي عرضنا صورته السابقة.

ومن الأمور الهامة التي في زخارف هذه القبة هي مسألة التناظر والتقابل في الزخرفة وقد جاءت في كل زاويا القبة الأربع على شكل مدرجات وهي تقابل بعضها البعض والتي تعد من أبرز مميزات الفن العثماني الإسلامي. وهو ما يوضحه الشكل الهندسي الذي في الصورة.

خاتمة:

مما لاشك فيه أن الهدف الذي كان قصده سيدي معمر من هذا هو الخير لتيسير زواج الشباب غير القادر على الزواج، ومن هنا يتضح لنا أن سيدي معمر ظهر كمصلح اجتماعي هدفه تخليص الناس من ربقة التباهي وتكاليف الإسراف في الأعراس، وكذلك من خلال الروايات التي سبق ذكرها تظهر لنا جلية الظروف، التي عاشها الولي الصالح  والتي تعبر عن حالة وطريقة الولي الاجتماعية، حيث حاول معالجة الظواهر الاجتماعية كاختفاء الشاب والشابة عن أنظار الناس الذي يجلب الكثير من العار لأهل  البنت، أما من الناحية الاقتصادية فهي تبرز أن حرفة الدوم من بين الحرف المنتشرة في القرن 15 ميلادي، وعن العملة المتداولة في تلك الفترة وأن بائعها كان معسر الحال، وفي ظل هذه الظروف حدد سيدي معمر مهر الزواج. وما خروج العروس حافية القدمين، إلا تعبير عن أن حتى التي ترتدي حذاء جميلا أو من غير حذاء هي عروس لن يغير من شكلها ومن جمالها ومكانتها ـ ومن هنا يظهر للناس أن الفقر أو الحاجة ليس عائقا ـ كما يضرب لنا أهل العروس في عدم تناولهم الطعام عند أهل العريس إلا بعد أن تتم الدخلة المثل على أنهم ناس شرفاء، أصحاب نخوة وأنهم أهل تعفف لا يحتاجون الى الأكل يكفيهم سعادة ابنتهم، وتخفيف الأعباء وتكاليف الأكل عند أهل العريس. صحيح أن الشريعة الإسلامية لم تحدد مقدار المهر الذي يقدم للمرأة، والتي تركتها مفتوحة، وما الحل الذي وجده سيدي معمر الا تحديد لمهر الزواج وجعل كل من تجاوزه هو تحد لارادة سيدي معمر الذي وضع شرط زواجه في هالة من القداسة فبدعائه باللعنة التي ستصيبه، والتي حسب راينا ماهي الا حيلة او حل مستغلا المكانة التي يحتلها خاصة إذا ماعلمنا احترام الناس له وتوقيره كان وراءه هدف نبيل حتى يسهل الزواج لشباب خوفا من الوقوع في المنكرات. والغريب في الامر هو اعتقاد الناس لحد الان ان دعوته مازالت سارية المفعول على أساس أنها صالحة في كل زمان ومكان، وهو مادفع إلى استمرار طقوس الزواج المعمري، وهكذا استمرت شخصية الولي سيدي معمر بتقاليدها تعيش في وسط المجتمع الجزائري، والذي يمثل طقوس زواجها التي وضعها إرث ثقافي وإحدى رموز الهوية الوطنية، التي مازلت تحافظ عليها العائلات الجزائرية المعمرية على الرغم من قرون خلت.

 

الهوامش:

1 -   ابن فارس أحمد أبي الحسن، معجم مقاييس اللغة، ج4،  تحقيق وضبط عبد السلام محمد هارون، المجمع العلمي العربي الإسلامي، دار الفكر للطباعة والنشر، د ـ ن، 1979، ص281.

2 -  ابن منظور، لسان العرب، دار المعارف، القاهرة، ص 2899.  

3 -  الجرجاني الشريف علي بن محمد، التعريفات، طبعة مصر،1889، ص64.

4 -  الشلف: وهي ولاية تقع غرب الجزائر العاصمة ب240 كلم، وسميت بالشلف نسبة إلى واد الشلف الذي يمر بها وهو أطول واد في الجزائر طوله 700كلم، عرفت في الفترة الرومانية بكاستيليوم تانجيتاليوم، وفي الفترة الإسلامية ذكرها الكثير من المؤرخين والجغرافيين المشارقة والمغاربة، كاليعقوبي في البلدان، وأبو عبيد البكري، في المغرب في ذكر بلاد افريقية والمغرب ، وقد أشادت جل المصادر على خصوبة مناطق الشلف ووفرة الإنتاج الزراعي بها.

5 -  شرشال: وهي مدينة تابعة لولاية تيبازة تبعد 90كلم عن عاصمة الجزائر.

6 -  غليزان: تبعد ب330كلم غرب العاصمة الجزائر وب100 كلم عن وهران.

7 -  الأبيض سيدي الشيخ:  أهم وأقدم مدن الجنوب الغربي، مدينة الأبيض سيدي الشيخ، تأسست بعد وفاة الأب الروحي لأولاد سيدي الشيخ في بداية القرن العاشر، وهذا لا يعني أنها نشأت في هذا العهد فقط بل كانت قبل هذا تتوفر على مصلى وبئر أسسه سيدي سليمان بن بوسماحة حوالي منتصف القرن التاسع، بحيث أصبح كل من البئر والمصلى مقر لقاء تجار الجنوب وتجار الشمال للتبادل التجاري بين سكان أتوات وسكان مدن التل كتيارت التي كانت مشهورة بالفلاحة. كما بدأ بعض مواطني أتوات وغيرها من التمركز في السهل لممارسة الفلاحة، فنشأ أول قصر (قصر أولاد بودواية وأولاد سيد الحاج بن الشيخ) على الضفة الغربية من السهل. وما أن مات سيدي الشيخ سنة 940 هـ 1616 م حتى أصبحت القصور تشيد على شكل حصون متوزعة على أربعة (القصر الغربي ـ قصر أولاد سيد الحاج بحوص ـ قصر الرحامنة وقصر أولاد سيد الحاج أحمد) وتمركز أولاد ومحبي ومجدوبي ومريدي الطريقة الشيخية بالأبيض سيدي الشيخ بها. ومن لم يستقر أصبح ملزما بالقدوم سنويا إلى الأبيض سيدي الشيخ لإقامة ركب سيدي الشيخhttp://ar.wikipedia.org/wiki/.

8 - محمد دحماني، حكايات كرامات الأولياء في منطقة الشلف، رسالة ماجيستير في الأدب الشعبي، إشراف الدكتور عبد الحميد بورايو، جامعة بن يوسف بن خدة، الجزائر، 2005-2006،ص195.

9 - المرجع نفسه، ص114.

10 -  تقع مدينة تنس شمال غرب الجزائر وهي تابعة حاليا لولاية الشلف وتبعد عن مقر الولاية بمسافة 50 كلم شمالا، تبعد عن مدينة الجزائر بـ 204 كلم وعن مدينة مستغانم بـ 116 كلم، يحدها من الجهة الشمالية البحر الأبيض المتوسط، ويتميز مناخها بالاعتدال تأثرا بمناخ البحر الأبيض المتوسط. ومدينة تنس في الفترة الإسلامية كانت مدينتان واحدة قديمة قرب البحر، وأخرى حديثة على بعد حوالي كيلومترين من البحر تأسست سنة 262هـ/875-876م، وهي التي تدعى اليوم بالمدينة القديمة أو العتيقة Le vieux tenes. إسماعيل بن نعمان، جوانب من الحياة الاقتصادية لمدينة تنس الإسلامية، مجلة عصور، مخبر مصادر وتراجم، جامعة وهران، العدد 12-13/14-15، 2008،2009، ص 175.

11 -  بني أوراغ: وهي إحدى القبائل الهلالية التي دخلت للمغرب الإسلامي في العصر الوسيط. ينظر: عبد الرحمن ابن خلدون، العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر.

12 -  محمد دحماني، حكايات كرامات الأولياء بمنطقة الشلف، المرجع السابق، ص196-197.

13 -  مسجد سيدي معيزة : يعتبر ثاني أقدم مسجد بعد مسجد سيدي عقبة ببسكرة،  بني في القرن الثاني للهجرة وصنفه جورج مارسيي ضمن المعالم الأثرية .

14 -  زاوية مجاجة: تبعد مدينة مجاجة ب10كلم شمال ولاية الشلف، وبها زاوية مجاجة التي أسسها سيدي محمد بن علي المجاجي المعروف بأبهلول بن احمد بن عبد الله، كانت تعُنى الزواية بتعليم القرآن والفقه.

15 -  رشيدة بلال ، جريدة المساء، العدد منشور بتاريخ 28/10/2012.

16 -  الشيخ امحمد بن عثمان الغريسي: يبدو انه من منطقة غريس  التي تعتبر  من اكبر وأغنى السهول في  ولاية معسكر، والشيخ احد سكان هذه المنطقة المعروفين، ويوجد مصدر مهم يرجع لأشراف غريس بعنوان عقد الجمان النفيس في ذكر الاعيان من أشراف غريس . لأبي زيد عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد التجاني.                                                                                                    

17 -  محمد مفلاح، أعلام من منطقة غليزان أعلام التصوف،ج2، دار المعرفة ، الجزائر، 2008.

18 - جبر الخضير البيتاوي، المقامات والمزارات  في نابلس بين الموروث الديني والتراثي، كلية الفنون، جامعة النجاح، نابلس، فلسطين،2011، ص4 .

19 - سورة الأحزاب، الآية 13.

20 - هشام سوادي هاشم، إسهامات الموصل الحضارية في العمارة الإسلامية في العهد العثماني، مجلة التربية والعلم، المجلد 15، العدد الثالث، 2008، ص 22.

  الصور:

1-http://www.vitaminedz.com/photos/105/105650-ville-de-zeboudja-chlef-2012.jpg

باقي الصور من الكاتبة

أعداد المجلة