فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
28

الأمثال الشعبية الدمشقية برؤى نقدية

العدد 28 - أدب شعبي
الأمثال الشعبية الدمشقية برؤى نقدية
كاتب من سوريا

 لقد أُلف وكُتب في الأمثال الشعبية العربية عموماً والسورية خصوصاً عشرات الكتب والمقالات الصحفية التي لامست واحتها السردية, مُناقلة قولية في سرديات شعبية متواترة, وفق ورودها الشفاهي في مبتدأه وسياق مدونات مكتوبة في متواليات الزمن المتعاقب بلهجات محلية في مراحل توثيق لاحقة. تبعاً لثقافة باحثيه المستندة إلى ذاكرة المكان الشعبية والتاريخية وحاضنتها الاجتماعية. وما يتخللها من علاقات وتعاملات وسلوكيات وفوائد ونصائح وتجليات.

 

 وهي مُناقلات محكية تقليدية نمطية متوارثة ما بين الأجيال. ركب غالبية الباحثين صهوتها من خلال أبجديات السرد المألوفة, دون تعمق وتحليل أو غوص في جواهر مضامينها وخلفيات قولها وضروراتها البينية التوجيهية والدعوية. والمصاحبة لصفات وسمات وخصائص قائليها وخلفياتهم المهنية والاجتماعية ذات العلاقة الوثيقة بالسلوك الإنساني, الموصول بشكل ما أو بآخر بالكليات الحياتية والفطرية الممنوحة والمتوارثة للإنسان من خلال ما وهب ومُنح سيدنا آدم عليه السلام من خصائل وصفات, وطباع ومفاعيل تواصل ومعرفة وحركة وعمل, والمنعكسة في فطرته وتجليات خلقه. وما تحتل منه النفس البشرية المتوارثة في نسله من بعده, مكانة وأهمية قول وعمل وسلوك ومعابر هوى وإدراك وتفكر واستخلاص عبر ومقولات ومآثر مسكونة في تجليات خلقه الظاهرة والباطنة لاسيما (علم الأسماء).

 وجدنا من المفيد تناول الأمثال الشعبية السورية عموماً والشامية (الدمشقية) خصوصاً, كعينة اختبار بحثي نرسم من خلالها صورة موجزة لمعرفة خصال وطباع وسلوك أبناء بلاد الشام وطريقة تفكيرهم ومعايشتهم وتعاملاتهم وثقافتهم الموصولة بالنفس والطباع وبفطرتهم وبداهتهم وعاداتهم وتقاليدهم وأنماط سلوكهم بعامة. وما انتهجته تلك الفطرة والبداهة الشعبية الشامية الدمشقية والمعايشة ليوميات الزمن السوري في صيرورة الزمن القولي المتواتر بصورة خاصة. مُتتبعين في ذلك أنماط السلوكيات المشهودة في متن نصوصها القولية والذي نعتقد أنه الصواب في رصد تجلياتها والمُعزز لمصداقية قولها, لآنها تنادم الحواس الخمسة ومفاعيل الفطرة وما يتصل بها من مكنونات القلب والمُدركات الحسيّة والعقلية, وما يعتري النفس البشرية من مؤتلفات هوى ورغبات ومعابر سلوك وتلبية لحاجات مادية وقيمية نفعية ومشوبة بالمتعة والعظات, واختصار للتجارب ومفاعيل الخبرة الحياتية والمهنية وما تتسم بها العلاقات الاجتماعية من سمات.

 والأمثال الشعبية كما أراها هي نفوس بشرية محمولة بالحركة والتقلب وعدم الثبات, والمواكبة للذات والطباع وصلتها وموقفها من ذاتها وذات الآخر. والنفس كما أعتقد: (هي التوسط ما بين القيم الروحية المتسامية العليا الإلهية, والقيم المادية الدنيا الأرضية). والنفس في طبيعتها التكوينية المخلوقة والمُخلقة يتمثل دورها الوجودي والوظيفي الموصولة بالطباع البشرية المتغيرة والموسومة بالفطرة والمتطورة والمتغيرة بالتعلم والاكتساب والخبرة. ومنادمة في جواهر تفاعلاتها مع ذاتها وما حولها بأعمال خيرة متسامية روحية, وأخرى وضيعة مادية في تفاوت نسبي ما بين القيم الروحية والمادية, وتقود الثانية إلى مرابع النفس الأمارة بالسوء في كثير من الأحوال, لصلتها بطبيعة الجسد المكون من أديم الأرض وخلاطها. وعلى هذا الأساس السلوكي يُمكن النظر إلى مجموع الأمثال الشعبية المنقولة والمتوارثة عبر الأجيال على أنها نتيجة طبيعية لسلوكيات مرهونة بالنفس البشرية وما تهوى وتُحب وترغب وتشتهي. وكلّ منّا أحبته ورغباته وحاجاته ومنافعه وتقاطعاته السلوكية مع من يُماثلونه في الهوى والرغبة والتفكير والمصاحبة والحاجة والتدبير. وكما يقول المثل الشامي: اللي على شكله بيشكشكلو) وفي موضع آخر: ( الوليف على ولفو بيلفي). ويقابلها في الِحكم والمقولات اللغوية الفصيحة: ( الطيور على أشكالها تقع).

 ساعين بالوقت نفسه مراعاة التركيبة الاجتماعية في تفكيك النص القولي, ميدانها التربية الأسرية وعلوم النفس والسلوك الاجتماعي المواكبة لمسرودات وخلفيات قولها, وضروراتها المتجلية بالذاكرة الشعبية الجمعية الحافظة واللاقطة والمتوارثة ما بين الأجيال. علّنا نسترشد برؤيا وتذكرة تأمل وعبور ومعايرة ما. تقودنا إلى الفهم الحاذق والتمكين المعرفي في تلمس العبر والعظات والتحصين الممكن التي سعت وتسعى إليها خلفيات المقولات الشعبية في مكامن قولها ومصوغاتها ومكانتها وخطورتها ودورها في تشكيل الوعي الشعبي المحلي, ورصد واستلهام طرائق مُبتكرة في تعاملاته المجتمعية اليومية وما يُحيط بالأفراد والنفوس القابعة في مكونات المجتمع السوري عموماً والشامي الدمشقي خصوصاً من أحداث جسام, لاسيما في إطار الأزمة السورية العاصفة بالوطن والشعب ومفهوم الوجود والوطن المواطنة وتجليات الأرض والإنسان المهددين بالفناء منذ يوميات درعا 2011 وحتى المرحلة الزمنية الحالية.

الأمثال الشعبية مفهومها ودلالاتها:
  الأمثال الشعبية عموماً هي ذاكرة شعب ينتمي إلى أمة وثقافة وعادات وتقاليد وبقعة جغرافية ما وتراث وأحلام وآمال, وهي بمثابة فلسفة جمعية محمولة بالفطرة والبداهة الشعبية والخبرة المستفادة للأفراد متفردين أو جماعات متعانقي الخبرة, والحاذقين في فهم التحولات المجتمعية والسلوكية والنفوس المعايشة في أمنة وأمانه متعينة في صيرورة شعب وما ينتج عن مشاهداتهم وخبراتهم من مواقف ومواعظ وعبر.

 وحال أهل الشام وما حلّ بها في السابق القديم  والماضي القريب والمعاصر لاسيما في الظروف الحياتية الحرجة, تدفعهم لتذكر مقولاتهم الشعبية والعودة المحمودة في تجدد ذكرها كنوع من التفكير بصوت مرتفع وتقودهم ذاكرتهم إلى تلخيص تلك الأحداث والوقائع اليومية الملامسة لهمومهم وطموحاتهم وحياتهم وعذاباتهم المشهودة. كنوع من الهروب إلى الأمام وتجاز مأسي الواقع وآلامه ومجازره. ولا تخرج الأمثال الشعبية الشامية (الدمشقية) عن هذا السياق السلوكي والترويح عن النفس ومعارفها. وتجد لها رواجا وتكراراً ومكانة في جميع تفاعلات الحياة اليومية والأزمات خصوصاً والذي نلاحظه في كثير منها, ولعل المقولات الشعبية الشامية التالية تلخص جانباً من واقع الحال: ( اللي ما إلو كبير بيشترلو كبير. العبد في التفكير والرب في التدبير. الدار دار أبونا اجو الغرب يطلعونا). بما هي فيه من بداهة وتجربة شعبية معايشة لواقع وأحداث وسلوك أفراد آخرين وتعاملات اجتماعية يومية, ودلالة واضحة البيان لأنماط سلوكهم وتعاملاتهم فيما بينهم. كما نتلمس معانيها ومراميها في قولهم في مواضع اخرى مشابهة: (عدو جدك ما بودك لو عبدتو عبادة ربك. أنا وأخوي على ابن عمي وانا وابن عمي عالغريب. بكرة بذوب الثلج ويبان المرج. المكتوب على الجبين لازم تشوفوا العين).

 وأمثالهم متنوعة بتنوع الأمزجة والطباع والفطرة والخبرة المُكتسبة والحوادث والمناسبات, متناسبة وطرق رصدهم ونوادرهم وأحاديثهم ومتعهم ومنافعهم. ومنافذ ترجمتها قولاً متكرراً في مسرود الكلمات  لتُشكل لهم ذاكرة شعبية جامعة لحصاد مكوناتهم الثقافية الشعبية والمجتمعية, وناقلة أمينة لسلوكهم الفردي والجمعي بآن معاً. وأشبه بالضمير المجتمعي والجمعي السلوكي والأخلاقي والقيمي, المحددة لطبيعة العلاقات الاجتماعية السائدة في مدارات لحمتها الوظيفية وبداهتها الفطرية الشعبية ومكوناتها القولية المُلخصة لخبرات وأحكام ومواقف موصوفة وعظات ونصائح ونكات وخصال حميدة وذميمة. ونورد بعضها للتذكير والتي تحمل في مضامينها بعضاً من الخلفيات السلبية مثل قولهم:
 (اللي بتجوز إمي بيصير عمي. بوس الكلب من تمو حتى تاخذ حاجتك منو. قولو إيه واضحك عليه. ميت قلبه ولا غلبة. ألف جبان ولا قولت الله يرحمو. الهريبة تلتين المراجل. من بعد حشيشي عمره ما ينبت حشيش).

 وقد تكون الأمثال في كثير منها تلبية لحاجات ومعاناة كما في قولهم:
 (يللي بيجرب المجّرب بيكون عقلو مخّرب. ضربتين عللا الراس بتوجع. ما بعد الضيق إلا الفرج. يلي ما بتزينه عروقه, ما بتزينه خروقه. الرجال في البيت رحمة ولو جاب فحمة. احفر بالفاس ولا تعتاز الناس).
او مقولات محمولة  بالسخرية والمتعة او الهوى والعبر والعظات المنشودة, ونسرد بعضها منها مثل:
(الحية قالت للدودة تضربي على هالقامة الممدودة. يآخد القرد على مالو بيروح المال بيصفى القرد على حالو. دق القرفة ولا صباح السلفة. مثل القردة وشاكلة براسها وردة. طب الجرة على تما بتطلع البنت لامها. بعد ما كانت خادمة صارت في البيت حاكمة. كل فوله مسوسة الها كيال أعور. إلي ما بتعرف ترقص بتقول الأرض عوجا. يلي دليلو جردون (جرذ) ياما بدو يفوت ششامي (المراحيض). ال خنفسة شافت ابنها ع الحيط قالتلو تقبرني متل اللولو مشكوك بالخيط. الكويسـة كويسـة مـن فيقـت منامـا والبشعـة بشعـة من طلعـة حمامـا. شفناك فوق وشفناك تحت وشفناك بين الصرامي. للقرعة مشطين وللعمشا مكحلتين. متل بشكير الحمام من ايد لايد. زبال وشاكل وردة. لابق للشوحة مرجوحة ولابو بريص قبقاب. يا فرعون مين فرعنك؟؟ قلو ما لقيت حدا يردني. متل الحرباية بالوش مرايا وبالقفا صرماية.  البرغوت قال للبقة يضرب الشرشوح اذا اترقى. قالو لكتّار الغلبة نص الدنيا الكن.. قالو النص التاني لمين؟؟ ست وجاريتين على قلي بيضتين. قالو للبغل مين ابوك ؟؟ قال الحصان خالي. ياللي القلم بايدو ما بيكتب حالو من الاشقيا. ان بزقنا لفوق على شواربنا وان بزقنا لتحت على دقنا. عاشقك لا تاخديه ومطلقك لا ترديه).

 نراها أمثال مُتخمة ببساطة التأليف والسجع والتورية والتضمين والرؤى والتوليف والمنادمة القولية تبعاً لسلوك البشر ونفوسهم العاكسة لحقيقة معايشتهم وطبائعهم وتربيتهم وحاضنتهم الاجتماعية والثقافية. وموصولة بزمانها ومكانها وناسها متوارثة من الأجداد إلى الأحفاد. هي أمثال دائمة الحضور والتوهج والتواتر في أحداث ومعطيات الزمن المتعاقب والمتواتر احياناً. وتدعو في كثير من الأحوال لاستحضار مكنونات المجتمع الشعبية الفاعلة والمؤثرة إلى تمثلها في سلوك أحبتهم وأهلهم. باعتبارها مؤشر دلالي على فائدة هنا وصحوة ومتعة هناك, وردم هوة لنقيصة ما أو تعميقها من حيث يدري قائلها وناقلها أو لا يدري.

 ويُمكن النظر إليها على أنها بمثابة صندوق الفرجة متعدد الأغراض, والناقل الأمين لما يجول في النفوس والطباع والخواطر والمدارك ومناطق الهوى والقلوب والعقول من ترجمات حسيّة وفطرية ومُكتسبة, وجامعة لجميع السمات والخصال والصفات والطباع والمكونات المجتمعية والمصالح المحمودة منها والمذمومة والمسكونة في دواخل الإنسان. جامعة لثنائيات التناقض والتعارض ما بين تلك السمات والخصال والطباع والسلوكيات ومقدرة أصحاب القول على تدوين مشاهداتهم القولية بخفة دم وروح وخبرة في نقلها وتدوينها في مجاز القول المتاح, لتصبح مقولة شعبية متناقلة ما بين الأجيال.  

 والأمثال الشعبية الشامية (الدمشقية) ليست بمعزل عما سبق وأوردنا من الأمثلة, هي ابنة مجتمعها تعيش في قلبه ومسارب وصفه. ننظر إليها من رؤية فلسفية سلوكية مجتمعية تحتل فيها النفس- كما أجتهد – المجال الحيوي والمقابل الموضوعي لأية فكرة ومقولة وتضمين واستعارة رمزية أو تلميحات إشارية دلالية أو قولية, باعتبارها المحرك الأساسي لغواية ومفاتن السلوك البشري وضروراته, ومفتاح الصندوق القولي العاكسة لطبيعة الناس وطرق معيشتهم ورغباتهم وتعاملاتهم ومنافعهم. وتكون هذه النفس- كما ذكرنا- ثنائية الأبعاد السلوكية إما خيرة متسامية إذا غلب عليها روحانيتها وسموها العلوي المرتبطة بخالقها الله جلّ جلاله. وأما امارة بالسوء إذا غلب عليها ماديتها ووضاعة رغباتها وشهواتها المحققة لمتطلبات الجسد ونزواته. وتنعكس الأمثال في السلوكيات والممارسات اليومية صدى مكرور في الأقوال والأفعال. مشمولة في محتوى ومضامين موجزة ومختصرة وغير متكلفة لقائليها وتبعاً لترجمات النفس وخوضها غمار الفطرة والاكتساب والخبرات المرصودة والتراكمية المعايشة لأنماط البشر ونفوسهم وطباعهم, والمتوافقة مع حاجاتهم وميولهم ورغباتهم وقيمهم السلوكية والتربوية ومعتقداتهم. والتي ترسم معالم وحدود ثقافتها ومحيطها الاجتماعي. وما تدونه ذاكرة بعض الأفراد النابهين من مقولات وأمثال شعبية محكية بلهجتها العامية والمتداولة والناقلة لتلك الخبرات. فالنفس باعتقادي هي من مفاتيح السلوك الإنساني ومن أهم مدوناته في المقولات الشعبية الشامية والدمشقية.

 ولا يخفى على أحد, تمتع الشامي أو الشامية (الدمشقيين) بخفة الدم والروح واللطافة والظرافة والدعابة وحلاوة اللسان وبشاشة الوجه, وحُسن الكلام والمجاملات والقدرة الفائقة على كسب ود الآخرين وصداقتهم. تلك العاكسة لفطرتهم المفتوحة على جميع تفاعلات الحياة المجتمعية من تربية أُسرية ومجتمعية للذكورة والأنوثة وعلى قدم المساواة. والمشهودة في جميع مسالك العلم والعمل والتجارة والمال والنسب والتزاوج والقيم الأخلاقية والمجتمعية والمعتقدات الدينية المتسامية ما بين الجميع ومن أجل الجميع وبما يروح عن النفس بصور سلوكية شتى. والساعية لبناء علاقات إنسانية مجتمعية نفعية تبادلية المصالح أو سواها. فالدمشقي أو الشامي إن شئت القول والتوصيف هو ابن مجتمعه وبيئته الاجتماعية الحاضنة, مفتوح على حب الحياة والانبساط والاستمتاع بجماليات المكان والوقت والإنسان  وموصول فيها بحبل سري متواتر مع ذاته وشهواته وملذاته ومحيطه, ومتأثر تأثيراً بليغاً بنمط تربيته الأسرية المحددة لسلوكه وأقواله وأفعاله ومنافعه ومصالحه, ومصحوباً بنكهة غنج قولية ومعرفية وألفاظ منطوقة معروفة المواصفات. منعكسة في أحاديثه وحكاياته وأمثاله ونوادره بخصوصية قول ومنادمة سلوكية لواقع اجتماعي محدد السمات والصفات, وفي كثير منها تُعد أصدق تعبيراً عن سلوك الشامي أو الدمشقي وطباعه ومكوناته وعلاقاته. وأحسب أن الأمثال الشعبية الشامية (الدمشقية) مرهونة بتفاعلات النفس البشرية الأمارة بالخير والشر في تفاوت نسبي ما بين راوي وحكواتي وآخر, وقضية خاصة او عامة وسواها. وهي ترجمات عاكسة لسلوك أفراد خاضوا غمار تجاربهم الخاصة الموصولة حتماً بتجارب الآخرين معايرة ومُقاربة وتندر ومحاكاة لواقع اجتماعي معيش. لأفراد يتمتعون بخبرات وقيم تربوية وسلوكية وثقافات مجتمعية شعبية فطرية ومتعلمة وموصولة بنزعات شخصية متباينة أو متماثلة أو متوالدة في مقولاتهم وأمثالهم في شقيها الإيجابي تارة والسلبي تارة أخرى.

 تتحدد سمات وخصائص وخصال وأوصاف الأمثال الشعبية الشامية (الدمشقية) وفق مصادرها التربوية والسلوكية المتناقلة في إطار البيوت الدمشقية القديمة ذات الخصائص المعمارية المعروفة والجامعة لجميع أفراد الأسر الشامية في بوتقة جغرافية لكونها الحاضنة الاجتماعية الواحدة, والمُندمجة في سياق جزر عائلية صغيرة سابحة في سياق الأسرة الدمشقية الكبيرة العائمة, ومُغردة في أتون عادات وتقاليد وقيم واخلاق وسلوكيات متشابهة في مساحة اقوال وافعال متواترة السمات والخصائص والخصال.

 فالبيوت الشامية الدمشقية القديمة هي جوامع الأسرار والأقوال وبمثابة النبع الولود للأمثال الشعبية المحكية, منها تتناسل وتنتشر أنماطها السردية الحبلى بالمقولات, لتشمل في منادمتها القولية ومضامينها الخلفية جميع فئات المجتمع بتفاوته الطبقي الاجتماعي والاعتقادي والثقافي والمهني مع الحواري والأسواق والحدائق والمنتجعات والحمامات والمقاهي والتقاليد والعادات ودور العلم والعبادة الشامية الدمشقية. مكرسة خصال الشامي الدمشقي وطباعه وحقائق تعاملاته اليومية.

 وتتمحور الأمثال الشعبية- كما أسلفنا- على معايير قيم مجتمعية ومسالك أخلاقية محورها الرئيس منتجات النفس وما يشوبها من نزعات وأهواء ورغبات وحاجات ومنافع. جامعة لثنائيات التناقض القولي للمفاهيم المقصودة التي تقف وراء كل مثل او قول. موزعة ما بين الخيّر والإيجابي والمناقض السلبي وما تحمل في متنها الموصوفة من عظات وحكم ونصائح ومسالك دعابة ومتعة قولية. عناوينها موزعة ما بين نحو أربعين قيمة سلوكية وقولية رئيسة, متوافقة أو متعارضة وحمالة الأوجه والتأويل منها مفاهيم: (الحب والكراهية. الأمانة والخيانة. الصبر وقلة التحمل. الشجاعة والخوف. المدح والذم. الكرم والبخل. الذكاء والغباء. التربية وقلة الأدب. الجمال والقبح. النظافة والقذارة. العدل والظلم. الحق والباطل. الزواج والطلاق) وسواها من مفاتيح قولية.

 في نظرة شاملة مسحية نجد أن الأمثال الشعبية الشامية الدمشقية تميل إلى الجوانب النفعية في العلاقات الإنسانية لاسيما في التعاملات اليومية القائمة على مفاهيم الربح والخسارة وجودة الكسب والود والتجارة. والنسب والتزاوج وقيم الحب والهوى والمتعة والنفعية وترسيخ مفاهيم الذات الفردية أحياناً على حساب مصالح الذات الجمعية. وجميعها عاكسة لخصائص الطباع والصنائع والنفوس المقولبة في خصوصية الشامي ومنادمته لحاله ومحيطه وأحواله وطرائق قوله ومقولاته. عنوانه المعرفي الرئيس المُحافظة على المصالح والمنافع الفردية من خلال مراعاة مصالحها في منافع ومصالح الآخرين. بمعنى آخر تموضع الأنا الشخصية كمصلحة خالصة في الأنا الجمعية. والتي تأخذ هذه السلوكيات في الأمثال خلفياتها القولية ومبتغاها القولي النفعي العاكسة قولاً وفعلاً لمقولة: (النفس الأمارة بالسوء) مما ينعكس سلباً على كثير من تلك الأمثال فتطغى السلبية على حساب المقولات الشعبية الإيجابية. وهذا ما نلاحظه جلياً في كثير منها. تعكس حقيقة الواقع وصدق القول والمُعايشة في هدفيتها ووجوبها وضرورات قولها, خارجة عن نفوس وشخوص مشحونة ومسكونة بطباع أنانية تستأثر بمصالحها الشخصية وحسب.

 ونقطف من واحة الأمثال الشعبية الشامية الدمشقية السردية مجموعة من النماذج المُختارة لأمثال شعبية متقابلة ومتناقضة تشمل ما سبق ذكره من مضامين وخلفيات قولية في شقيها الإيجابي والسلبي مشمولة بجميع ما سبق ذكره من سمات.

ما كل مرة تسلم الجرة. يقال في حال الخروج من الأزمات
 شو ما طبخت العمشى جوزا بتعشى.  يقال للرجل الذي ليس له رأي.  
من قلة تدابيره خلطت حنطته مع شعيره. يقال في قلة الخبرة.
طلطميس ما بيعرف الجمعة من الخميس. يقال في الجاهل.
لما فرقوا العقول كل واحد عجبوا عقلوا. يقال في القسمة والنصيب.
ولما وزعوا الأرزاق ما حدا عجبه رزقوا. يقال في حالات التذمر من المعيشة.
يللي بيلاعب القط بدو يتحمل خرميشو. يقال في كثيري الغلبة والفضوليين.
قرعة ومشطها نص ذراع. يقال في حالات الذم والتندر.
الفاضى يعمل قاضى. يقال في كثير الحركة.
بصلة المحب خروف. يقال في مشاعر المحبين.
ان غاب القط العب يا فار. يقال في المواقف الانتهازية.
كول فول وارجاع للأصول. يقال في العودة للقيم.
ما منه خير دخانه بيعمي. يقال في نقد  الثرثارين.
صيت غنى ولا صيت فقر. يقال في درء الحسد والحاسدين.
ارعة (قرعة) بمشطين وحولة (حولاء) بمكحلتين. يقال للسخرية والتندر.
الكويسة كويسة من فيقت مناما والبشعة بشعة من طلعة حماما. يقال في محاسن النساء.
كل ديك على مزبلتوا صيّاح. يقال في الأنانية.
نسة (نجسة ) بتصير ست النسى ( النساء). يقال في ذم الأخريات من النساء.
الطول زينة والعقل تينة. يقال في مدح الأوصاف الآدمية.
كنّس بيتك ما بتعرف مين بدوسو وغسل وجك ( وجهك ) ما بتعرف مين ببوسو. يقال في النظافة.
يلي ما داق (ذاق ) المغراية ماب يعرف شو الحكاية. يقال للجاهل ما يدور حوله.
خطف الكباية من راس الماعون ( الوعاء الكبير). يقال للمتسرع في الأمور.
مو (ليس) كل مين صف الصواني آل (قال ) انا حلواني . يقال للمهارات.
اذا صاحبك عسل لا تلحسه كله . يقال للطمع بالشيء.
يلي بيته من ازاز (زجاج) ما بيضرب الناس بالحجار. يقال لمن هو دون الاتهام.
عميل منيح (جيد ) وكبه (القيه) بالبحر. يقال للحث على فعل الخير.
يلي ما بيحضر ولادة عنزته بتجبلو جرو. يقال للاعتماد على النفس بالعمل.
حط اصبعك بعينك بتوجعك متل ما بتوجع غيرك. يقال لعدم ايذاء الناس.
عشرة الناس بتتعب الراس .يقال في عدم الاختلاط مع الآخرين.
يا جاري انت بحالك وانا بحالي. يقال في البعد عن أذى الجار.
العين بصيرة والئيد (اليد) اصيرة (قصيرة). يقال في عدم المقدرة على فعل ما يراد.
يلي بينزل من السما بتستلاقاه ( تتلقاه ) الأرض. يقال للتوكل على الله.
خبز الرجال عالرجال دين وعالاندال (الأنذال) صدئه (صدقة ). يقال للوفاء بالشيء.
ضربة المعلم بالف ولو شلفها شلف. يقال في وصف مهارة الشخص.
يلي دليلو(دليله) جردون ( جرذ) ياما بدو يفوت ششامي (مراحيض). يقال للصديق الخطأ
مو(ليس ) كل اصابيعك متل بعضا (بعضها). يقال للتمييز بين الاشياء.
نئطة (نقطة ) دم ولا قنطار محبة. يقال للمحبة بين الأسرة.
يلي بياكل العصي مو متل يلي بيعدا(يعدها). يقال لمن يتفرج على المهموم.
الحجر يلي ما بيعجبك بيفجك (يشجك ).  يقال لتقدير قيمة الآخرين.
الحكي (الكلام) الك يا جارة اسمعي يا كنه. يقال في المكائد والفوائد.
فوتة (دخول  الجار لعند الجار أولها مذله وآخرها معيار. يقال للابتعاد عن مصاحبة الجيران.
اذا بدك (تريد) مرتك (زوجتك) تلين (تخضع) عليك بحطب التين. يقال لإخضاع الزوجة.
الإيد (اليد) يلي ما بتحبها بوسها وادعي عليها بالكسر. يقال لمن لا يقدر على شخص ما.
زوزك (زوجك) على ما عاودتي وابنك على ما ربيتي. يقال لتقوية المرأة.
بتدء (تضرب) على ركبتها وبتطالع (تبين) كذبتها. يقال في تأليف المرأة للكذب.
يلي ما بيغار من جارته بتطء(تطق) مرارته. يقال للتشجيع على المنافسة.
أعطي الخباز خبزو لو ارط (أكل) نصو. يقال في مدح أصحاب المهن الحقيقين.
يلي بيجي حلت البركه ويلي ما بيجي خفف لبكية.   
لحاء (الحق)  الكذاب لورا الباب. يقال في ذم الكذب.
الحلوه حلوه ولو فائت (فاقت) من النوم والبشعة بشعه ولو تغسلت كل يوم. يقال في مدح الجميلات.
اللي بياخد من غير ملتو بيموت بعلتو. يقال في الحض على النسب من ذات الصفات والمستويات.
السكافي حافي والحايك عريان. يقال في قلة الحيلة.
الفاضى يعمل قاضى. يقال في قليل العمل والتدبير
بصلة المحب خروف. يقال في المبالغة في مواقف المحبين.
صار للدبانة دكانة وصارت تسكر على بكير. يُقال في مواقف الحسد والغيرة والسخرية
الجاهل بيفعل بنفسه متل مـا بيفعل العدو بعدوه.
ديك واقف عا لبركه بضحك عا لناس وهو ضحكـه.
ال يا داخل بين البصلة وقشرتا ما بنوبك الا ريحتا.
من بيت شقاع لبيت رقاع لبيت وجاع الصعبه.
قالولو للديك صيح قال كل شي بوقتوا حلوا.
قالوا للعاطل صير منيح قال بيصرلي إسمين.
طول مـا جوزي معي بدير الفلك بأصبعي.
اللي إلو راس عند الرواس مـا بنام الليـل.
عيشة الفهيم مع البهيم سقم وعمى.
إحترنا يـا أقرع منين بدنا نمشطك.
اذا احتجت للكلب قللو يا سيدي.
إذا ردت تفضح سرك سلموا لمرة.
عصفور بالأيد ولا عشرة عشجرة.
البيوقع من ع السطوح بتسلقاه الأرض.
أنا متل الفريك مـا بحب الشريك.
السعد لما بيجي بكسر الباب.
لا تقول فول ليصير بالمكيول.
من فاتو اللحم عليه بالمرق.
أمشي مع السعيد بتسعد.
الي عندوا طبيعه ما بيبيعا.
اللي بيتو من قزاز ما يرمي الناس بحجارو.
اللي عقلو براسو بيعرف خلاصو.
الي بغير عادتو بتقل سعادتو.
الله يسعدو ويبعدو.
لبسو المكنسة بتصير مؤنسة.
الله يخليلي ياك يا لساني شلون ما درتك بتندار.
يا جاي بلا عزيمة يا قليل القيمة.
أدن من طين وأدن من عجين
طلعنا من تحت الدلف لتحت المزراب.
ما ينقل اخبارك الا من دخل دارك.
تجري جري الوحوش غير رزقك ما تحوش.

أعداد المجلة