فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
27

ظاهرة المزارات والأضرحة بدمشق

العدد 27 - عادات وتقاليد
ظاهرة المزارات والأضرحة بدمشق
كاتب من الجزائر

من خلال كتاب: الروضة الغناء في دمشق الفيحاء لمؤلفه نعمان قساطلي

إنّ رمزية زيارة الأولياء والتبرك بهم ظاهرة تسترعي الانتباه وتجعل الباحث يتساءل عن علاقة هذه الظاهرة كما قيل « بالدين كشريعة وأصول اعتقادية منزلة وبالتدين كممارسة إنسانية يتداخل في تكونها العامل الديني والعامل الثقافي. كما أنّ التدين بصفته ممارسة تعبدية داخل جماعة معينة يبقى خاضعا لنسبية الزمان والمكان، ويبقى الشكل الذي يتخذه هذا التدين تعبيرا عن القوى والمصالح الذي تدعمه، يبقى ببقائها ويختفي بزوالها أو بانتفاء الحاجة إليه».

ويحلل هذا المقال ظاهرة المزارات والأضرحة لعلماء عابدين وأولياء صالحين، وفي علاقتها بالتدين الشعبي وبالبنية الاجتماعية والمعرفية للمجتمع الشامي، مع التركيز على مزارات وأضرحة مقابر مدينة دمشق كنموذج لانتشار هذه الظاهرة.
ويؤكد برغسون وقبله ابن تيمية على التدين كضرورة. « إنّ المقدس مكون أساسي لروحانية الشعوب، حتىّ أشدها إلحادا وبعدا عن الله. إن الدين هو تلك العلاقة الخاصة بين الناس وما يعتقدون أنه مقدس ومتعال، إنه اعتقاد في عالم علوي يوجد في استقلال تام عن العالم السفلي المادي – وفي الفلسفة، كل ما يتجاوز حدود التجربة الممكنة والفكر الإنساني. فهناك إذن تعارض بين التعالي Transcendence والمحايثة Immanence التي تعني البقاء أي التواجد على الأرض»(1).
لكن ما يمكن ملاحظته هو أنه كما قيل «المعبود يمكن أن يكون محايثا، أي حاضرا في العالم المادي، فالإنسان عبر تاريخه الطويل خلق رموزا معينة للتعبير عن ذلك المعنى المتعالي أو المقدس، وجعل من عناصر الطبيعة تجسيدا له، فأصبح المقدس يتجلى في فضاءات معينة. قد يكون الفضاء المقدس جبلا أو حجرا أو شجرا أو عينا، يعتقد أن له قوة غيبية قادرة على التدخل لصالح الإنسان أو ضده، وبنفس المنطق ينقسم الزمان إلى مقدس وغير مقدس. فلكل مجتمع إنساني أوقات معينة ومتميزة تعود باستمرار أو يمكن استرجاعها وفق شروط خاصة تحددها معتقدات ذلك المجتمع، والزمان المقدس هو إما زمان منفلت متعال مثالي أو زمان يمكن استعادته عن طريق طقوس معينة»(2).
وللتدين كذلك بعد اجتماعي، فالدين اعتقاد وممارسة، يساعد الأفراد على تطوير شعور بالانتماء للجماعة، ويمدهم بالدعم المعنوي ويزيد من التلاحم والاستقرار الاجتماعي، أو على العكس من ذلك، يصبح المحرك الأساسي لحركات الإصلاح والثورات. فعلاقة الدين بالمكان والزمان والإنسان هي علاقة حدود فاصلة بين المقدس وغير المقدس، بين المشابه والمختلف، حيث يصبح التماثل أو التماهيIdentification عنصرا أساسيا في خلق أي تجمع إنساني، فئويا صغيرا كان أو جامعا لفئات متعددة، وفي تكوين الهويات. بالإضافة إلى ذلك فإنه يمكن تلخيص هذه المقاربة للدين بالتأكيد على أن الدين أو أشكال التدين هي أنظمة مكونة من أربعة عناصر:
1 - الاعتقاد: الذي يفسر الحياة ويحدد الأصول.
2 - الشريعة: الشرائع التي يجب على الجماعة الخضوع لها لتحقيق أهداف العقيدة
3 -الطقوس: الأعمال ذات الطابع الديني التي تطبق أصول الاعتقاد وتحدد الزمان والمكان المقدس، الروحي والمادي على السواء.
4 - الجماعة: وهي الجماعة البشرية التي تؤمن بنفس المعتقدات وتمارسها.
إنّ التدين هو « الطريقة التي نرتب بها المكان والزمان والطقوس التي نمارسها وهو تعبير عن الحدود التي نرسمها لوجودنا ولموقعنا داخل المجتمع، تكون هذه الحدود داخلية نفسية وذات امتدادات خارجية اجتماعية. فالموقع الذي نحتله داخل جماعة ما هو في نفس الوقت سبب ونتيجة لتلك الحدود النفسية والاجتماعية التي نتشارك في تبنيها مع فئة اجتماعية أو مع الجماعة ككل. فمستويات التماهي تختلف حسب طبيعة المعتقد والممارسة والموقع النفسي والاجتماعي السابق الذكر»(3).
نخلص من هذا التقديم إلى أن التدين ضرورة إنسانية وأن طبيعة هذا التدين مرتبطة بالطريقة التي يموقع بها الإنسان نفسه في العالم كمكان وفي التاريخ كزمان ويمارس بها وجوده وفق حدود وشروط نفسية واجتماعية.هذا الفهم للظاهرة الدينية يجعلنا نضع ظاهرة الأولياء في سياق ظاهراتي نحلل فيه الظاهرة وفق شروط واقعية قابلة للملاحظة ودون الدخول في تفسيرات قيمية أو تبني أحكاما مسبقة تحكم على الظاهرة من موقع متعال.

مؤلف الكتاب:
عمر نعمان أفندي قساطلي من مواليد دمشق سنة 1854م ولا نعرف مهنة مؤلف هذا الكتاب… إلاّ أنّ اسم عائلته مشتق من الاشتغال بمهنة (القساطلي) أي صانع القسطل الذي يسحب بواسطته الماء من الأنهر إلى الدور وغيرها… وينتمي إلى أسرة مثقفة… وقد تقلب في الوظائف والعمل الحر، لكن ذلك لم يحل دون الالتفات إلى الكتابة، حيث يذكر بعض الباحثين أنه نشر بعض القصص الأدبية في صحافة دمشق نهاية القرن التاسع عشر… وقد أهدى القساطلي مؤلفه هذا إلى والي دمشق آنذاك مدحت باشا.
وكان عمر نعمان قساطلي حينما أصدر كتابه الروضة الغناء في دمشق الفيحاء عام 1876م 22 عاماً، وقد نجا من موت سخيف تعرض له عام 1876م حين حدثت تلك الواقعة المشؤومة التي تعرضت لها بلاد الشام في لبنان ودمشق وحملت في ذاكرتنا اسم طوشة النصارى وقد نجا مؤلف هذا الكتاب من تلك الواقعة حين لجأ إلى فرن اختبأ فيه فكان اختباؤه سبباً في تأليف كتابه هذا وهو مسيحي دمشقي عرف بحبه لوطنه وبلده سورية ودمشق.

الغرض من تأليف الكتاب:
يقول الشيخ نعمان بن عبده بن يوسف القساطلي الدمشقي عن دواعي تأليفه لكتابه « الروضة الغناء في دمشق الفيحاء «: « إنه لمّا كانت دمشق أقدم مدينة لم ينخفض قدرها إلى الآن ولم ينحط عمرانها مع ما انتابها من تقلبات الزمان، ممّا دلّ على عناية صمدانية أوجبت لها التفضيل على غيرها من المدائن، انتدبتني علائقي الوطنية أن أفحص عن أخبارها، وكلمّا كنت استقرئ ما قيل في حقّها في صحف الأخبار والتاريخ، كنت استغرب ما يقال فيها»(4).
ويواصل الشيخ نعمان كلامه مسترسلا: «وحملني على أن أتتبع ما قيل فيها، وما يقال بتدقيق يستلزمه حسن الدليل، ولمّا كان كثيرون يتمنون أن يقفوا على ملخص أخبارها وآثارها ومشتملاتها، وليس لهم مورد يروي الغليل تجشمت كل المصاعب لتلخيص ما جاء في حقّها، في كتاب يشفع لي عند ذوي العرفان فتمّ بحوله تعالى لي المراد»(5).
وقد سميته «بالروضة الغناء في دمشق الفيحاء»، وقد جعلته خدمة لوطني العزيز ملتمسا من ذوي الانتقاد العفو عن التصوير(6).

وصف الكتاب:
والكتاب هو في حد ذاته توصيف تفصيلي ومنهجي لما كانت عليه الحياة الدمشقية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وهو ما يضفي عليه أهمية خاصة بالنسبة للدارسين والمهتمين بتلك الحقبة.
وقد ظهر الكتاب للمرة الأولى عام 1876 ثم أعيد طبعه مصورا في العام 1974، وفي العام الحالي أعادت «الهيئة العامة السورية للكتاب» إصداره بالتعاون مع «دار البعث» ضمن سلسلة كتاب الشهر من تحقيق وتقديم خيري الذهبي. أما المؤلّف قساطلي فهو من مواليد دمشق عام 1854، وقد أصدر كتابه هذا وهو في الثانية والعشرين من عمره، كذلك كتب في مجلة «الجنان» لبطرس البستاني و«لسان الحال» لخليل سركيس، وألّف كتابا آخر لم يُطبع بعنوان «مرآة سورية وفلسطين» ونسب له الدكتور عبد الكريم غرابة كتاب «جسر اللئام عن نكبات الشام»  غير أنه لم يصلنا، كما أنه كان واحدا من أوائل القصاصين في سورية، وقد توفي عام 1920.

منهج المؤلف:
واللافت هنا أن المؤلّف أتّبع في كتابه هذا منهجا علميا قلّما نجده عند الباحثين العرب المعاصرين من حيث تصنيف الوقائع والمعلومات وفرزها في خمسة عشر فصلا، وإعطاء نبذة تاريخية عن الموضوع الذي يتناوله في كل فصل، ومن ثمّ الانتقال إلى واقع الحال، مع التأكيد على الإحصائيات التي تيسرت له في زمنه، وتبدأ أولى الفصول بالحديث عن سورية باعتبارها الحاضنة الأم، ثم تنتقل إلى دمشق فترصد موقعها الجغرافي حسب خطوط الطول والعرض، أسماءها وألقابها وتاريخها وسكانها، ثم تتوقف عند أبنية دمشق ومياهها ومنتزهاتها وأشجارها وهوائها ومعارفها وصنائعها وتجارتها، ومن بعد تتناول أهم رجالاتها الهامين من المسلمين والمسيحيين، وفي الختام تفّرد فصلا للتقريظات أو المدائح التي أثنى بها معاصرو المؤلّف على الكتاب، ومنذ المقدمة أكد قسطالي على الموضوعية وعدم الانحياز بقوله إن كتابه: «حوى زبدة أقوال الرواة العدول دون عدول يجيء به تعصب ديني أو ميل عرضي»(7).

المزارات والأضرحة بدمشق:
نبدأ هذا الموضوع من علاقة القبور بالتاريخ الإنساني، حيث أن البشرية عندما تبحث عن تاريخها والحضارات التي مرت عبر العصور فإنها غالباً ما تجد الأرقام الطينية أو الحجرية أو المخطوطات والأختام، وأدوات ومقتنيات ولوازم الحياة المختلفة التي كانت تستعمل وقت ذاك، قريبة من القبور والمدافن، وأحياناً كثيرة داخلها، حسب الثقافة والعادات السائدة لمختلف الشعوب، والحضارات التي تعاقبت عليها.
وبين جميع هذه الأشياء التاريخية فإن القبور والمدافن تبقى الجزء الأكثر صلة بتاريخ وجغرافية المكان وسكانه في تلك الحقبة من الزمن، وهي الأكثر تأثيرا من الناحية النفسية والعاطفية للمختصين من باحثين وعلماء ومؤرخين، وللسياح وعامة الناس على السواء. كيف لا وفي طياتها يسكن الأسلاف.
لقد استقطبت هذه المواقع الأثرية آلاف العلماء والباحثين، وعددا هائلا من العمال لسبر أغوار الماضي، وخصص الكثير من الدول مبالغ طائلة لبرامج تنقيب استمرت لعقود طويلة من الزمن، ولازالت مستمرة إلى يومنا هذا، وتكشف سنوياً المزيد من الأسرار والكنوز التي تزيد معرفة الإنسانية بجذورها. ونظرا لقيمتها الإنسانية والتاريخية والمعمارية والفنية والرمزية تحوّل العديد من تلك المقابر إلى أهم مواقع التراث الإنساني العالمي كمقبرة الباب الصغير، ومقبرة باب الفراديس، ومقبرة سفح جبل قاسيون، ومقابر الصوفية...   
لا تكاد قرية في محافظات سورية تخلو من مقام أو ضريح ولي صالح أو قبة أو مقبرة. فلكل قرية وليها أو أكثر سواء كانت كبيرة أو صغيرة. تختلف شهرة هذه المقامات، وهؤلاء الأولياء وتتفاوت بقدر الأساطير التي نسجت حولها وتبعا لذلك ذاع صيت بعضها وتجاوز حدود القرية أو الجهة، أو حتى أصبح رمزا معروفا في كل البلاد كما هو الشأن بالنسبة لـ ضريح بلال بن رباح الحبشي ومقام النبي أيوب في جبل الزاوية وغيرهم. في حين يبقى بعضهم محدود الشهرة ويدين له أهل القرية بالولاء.

تقديس المقامات:
وتبنى المقامات عادة وسط القرية وهي عبارة عن بيت كبير يتوسطه ضريح توارثت الأجيال اليقين بأنه لولي صالح، لكن في معظم الأحيان لا أحد يعرف شيئا دقيقا ومؤكدا عنه باستثناء بعض الأساطير التي هي أقرب إلى الخوارق منها إلى السيرة الذاتية لأشخاص أتقياء وصالحين . وتحظى المقامات بتبجيل العامة من الناس بمقابر دمشق بل وأحيانا بتقديس مشوب بالرهبة والخضوع. فهي بصورة ما رموز لتاريخ غيبي غير محدود المعالم تحفّه الطلاسم وتتخلله القوى الخارقة التي بإمكانها إحضار (المعجزات في حالة الرضى وبتسليط العقاب   والبطش في حالة السخط ولذلك فالتقرب منها لا يتيح فقط جني البركات والخيرات ولكن أيضا يبعد الشر والأذى والهلاك وسوء المصير.
ومن شدّة الولاء والاحترام المشبع بالخوف فإن نسبة عالية من أهالي الريف في القرى السورية وخصوصا بمقابر دمشق كمقبرة الباب الصغير، ومقبرة باب الفراديس، ومقابر الصوفية، ومقبرة سفح جبل قاسيون، ولذلك فزيارة هذه المقامات هي يومية وعلى مدار السنة خاصة من النساء اللائي يتقدمن إلى الضريح للتبرك والتمني والتضرع لتحقيق أمنية ما أو لتجاوز محنة أو الخروج من ورطة. فتطلب الزواج من طال عليها الانتظار والإنجاب من عز عليها الوليد وتحقيق الذكر من لا تلد إلا الإناث وعودة الغائب من نأى عنها عزيز ... وهلم جراً.
وخلال تلك الزيارات تشعل الشموع وتقدم هبات نقدية تسمى محليا (النذر) وتعلق تعاويذ وأنسجة ولفائف. والى جانب هذه الزيارات اليومية التي غالبا ما تكون فردية بحتة ويحيط موضوعها الكتمان.. هناك زيارات جماعية وهي عادة أسبوعية تؤديها عائلة أو عشيرة أو مجموعة من الجيران مثلا تكون هذه الزيارات الجماعية كل يوم جمعة حيث تقبِل عائلات من أماكن بعيدة على متن حافلات تشكل موكبا احتفاليا بهيجا لاسيما من المحافظات الأخرى وربما من خارج سورية. وتقضي ليلة بالمقام مليئة بالمدائح والأدعية والتبرك . ‏

زيارة الأضرحة والمقامات جزء من التراث: ‏
تشكل مقامات الأولياء الصالحين والعلماء وأضرحتهم جزءاً لا يتجزأ من التراث ولا تزال حتى الآن تتمتع بمكانة مرموقة في الوعي الفردي والجمعي..يختلط فيها الشعور الديني بذلك الإحساس الغامض لدى كل إنسان بالعالم الموازي الطلسمي غير المفهوم المبني أساسا على (أساطير وخرافات الأولين. ثم إنّ الاعتقاد السائد بأن أسياد تلك المقامات يمكنهم التوسط بين الإنسان وربه ويساعدون على إيصال الدعوات والصلوات وإبلاغ نجواه العميقة. يعم اليقين بأنهم يتمتعون بطاقات فوق (بشرية وخارقة) قادرة على البطش و إنزال العقاب وفرض الخضوع والركون . والى ذلك ربما تعود تسميتهم بحراس البلد أو حراس الأرض، التي يسهرون في اعتقاد العامة على حمايتها وعلى سكينتها وانتظام الحياة فيها. وتستمر قدسية الأولياء الصالحين دائما قوية وحاضرة في أذهان الناس يستمدون منها زاداً لإشباع الفضول الغيبي ويتخذون منها في إدامة عادة متأصلة لا تقرب فقط بينهم وبين الله لكنها أيضا تقرب بعضهم من البعض. وتلك سنة الحياة.
وقد راجت ثقافة التبرك بالمقامات والأضرحة بدمشق ومقابرها رواجا لا مثيل له، فقد يزور البعض من أهالي محافظة دمشق وتحديدا ذوي كبار السن المقامات والأضرحة التي يعتقد بأنها لأنبياء أو لأولياء صالحين لعلهم يجدون غايتهم بعيدا عن التفسير العلمي لأمراضهم وعللهم الجسدية والنفسية. ‏
ويبررون تهافتهم ولجوءهم لذلك بسرد قصص تقارب الخيال والإعجاز، ممّا يثير طرح تساؤلات عدة حول أسباب استمرار تلك الظاهرة رغم التوعية الدينية والثقافية من قبل الوعاظ ورجال الدين الذين كانوا على تباين واضح وصريح في المواقف من عادة التبرك تلك. ‏
وحول عادة التبرك بأي اثر من آثار الأنبياء يؤكد بأنها عادة متواتر عملها وفعلها عن الصحابة الكرام، فسيدنا يوسف عليه السلام قد أرسل بقميصه إلى أبيه يعقوب وطلب منهم أن يلقوه على وجهه ليرتد بعيدا وقد أبصر بعد ذلك وكان الله قادرا على إبصاره بدون القميص لكن ذلك دليل على كرامة ومعجزة سيدنا يوسف إظهارا لمنزلته واستجابة لرغبته ودعوته. ‏
وهذا خلافا لما يتصوره البعض بأنه شرك بالله أو عبادة للأوثان فالأمر بعيد جدا عن تصورهم، فمجيء الناس للاستشفاء والتبرك بأصحاب هذه المقامات خصوصا الأنبياء والصحابة والأولياء فهي من وجهة النظر الدينية جائز شرعا مع الاعتقاد الجازم أن الله هو النافع وهو الضار وهو الشافي وهو التواب الرحيم وأن هؤلاء المقربين إنما جعلهم الله وسيلة لذلك وبابا من أبواب رحمته فلا يضر من ذلك شيئا. ‏
وقد كان أسلافنا لاسيما المغاربة عند زيارتهم للأماكن المقدسة أثناء أداء مناسك الحجّ والعمرة، يعرّجون إلى زيارة تلك المزارات من أضرحة ومقامات وقبور، طلبا للتبرك... وينبه إلى تلك المقامات أثناء تلك الرحلة الدينية والروحية والتربوية، فلعل الحديث عن هذه الأماكن التي وطأها الصحابة والسلف جهادا وفتحا وتحريرا من حارم شمالا إلى الجولان جنوبا. ‏
ولعل أبرز ما يثار بخصوص هذه المقامات والأضرحة والمقابر العتيقة هو حاجتها إلى الصيانة والترميم لترويج السياحة الدينية وإبرازها للحفاظ على تراث الأمّة والتخلّص من المعتقدات السائدة والاعتماد على المراجع والكتب الدينية في تبيان أصحابها ودورهم في التاريخ. ‏

نماذج من أضرحة العلماء والأولياء الصالحين:
احتفظ المسلمون بمواقع وأسماء من دفنوا من أئمتهم والصحابة الذين جاهدوا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكذلك التابعين من الأئمة والأولياء الصالحين، حيث نرى أضرحتهم ومزاراتهم ممتدة في معظم بقاع المعمورة، وقد شيدت على أجمل وصف، ونمت وتوسعت حولها المدن. وبعدما كانت قبورهم بسيطة في أراض قاحلة تراها أصبحت مزارات تستقطب الزوار أو السياح من مختلف بقاع المعمورة.    
ومن بين المزارات والأضرحة التي تشتهر بها دمشق، أضرحة لبعض الأولياء الصالحين والعلماء العاملين، ونلحظ ذلك من خلال فصل كامل خصّصه الشيخ نعمان سمّاه:» فصل في ذكر من مات واشتهر ضريحه بدمشق من الأولياء المقربين والعلماء العاملين».* ومن هؤلاء نذكر على سبيل المثال لا الحصر:
1 -أبو البيان بن محفوظ القرشي: يقول الشيخ نعمان قساطلي عنه «من أبناء الطائفة البيانية المنسوبة إليه بدمشق، كان إماما عابدا ورعا بعرف اللغة والنحو والفقه أخذه عن شيخ البطايح، وكان معاصرا للشيخ أرسلان، وله تآليف كثيرة وتعاليق وطرق وأذكار وأشعار ربانية وزهدية، وكان هو الشيخ أرسلان مجاورين في المسجد الذي عند الباب الشرقي، مات سنة 355هـ ودفن باب الصغير وقبره معروف يزار ويتبرك به»(8).
2 -ابن عساكر بن حسين هبة الله: «هو أبو القاسم فخر الشافعية، وإمام أهل الحديث ألّف تاريخ الشام في ثمانين مجلدا» وله تآليف في فنون أخرى بلغت ثمانية وعشرين مصنفا، توفي سنة 571هـ، ودفن بباب الصغير شرقي الحجرة التي دفن فيها معاوية»(9).
3 - ابن القيم الجوزية الحنبلي: «هو محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي ثم الدمشقي، الفقيه  الأصولي، النحوي، المفسّر، المفنن في علوم كثيرة وله مصنفات عديدة في فنون كثيرة مات 751هـ، ودفن بمقبرة باب الصغير اتجاه المدرسة الصابونية، وبني على قبره قبة»(10).
4 - ابن رجب: «هو زين الدين بن رجب شيخ الحنابلة والمحدثين، الإمام الأصولي، المحدث، الفقيه، الواعظ الشهير، كان إماما في الفنون، وله مصنفات كثيرة منها شرح البخاري وشرح الأربعين النووية، وطبقات الحنابلة والقواعد ورياض الإنس وغيرها، مات بدمشق ودفن باب الصغير عند قبر معاوية»(11).
5 - إبراهيم الناجي: «شيخ المحدثين بدمشق كان إماما ورعا عارفا بالصحابة ورجال الحديث، مات بدمشق ودفن بباب الصغير، غربي معاوية وقبره على الطريق» (12).
6 -أحمد أبو العباس المغربي: « شيخ المالكية بدمشق كان إماما بارعا مات بدمشق ودفن بباب الصغير، بين بلال الحبشي والشيخ حماد»(13).
7 - إسماعيل بن علي المفتي: « المعروف بابن الحائك العالم الأصولي، انتهت إليه الرئاسة والإفتاء مات سنة 1113م، ودفن بباب الصغير شرقي أوس الثقفي»(14).
8 - بدر الدين بن جمال الدين بن مالك: «المشهور بالنحوي اللغوي الصرفي المحقق الشافعي، مات بدمشق سنة 686هـ دفن باب الصغير»(15).
9 - الحافظ الذهبي: « شمس الدين صاحب التاريخ المشهور، أخذ الفقه عن الكمال الزملكاني وابن قاضي شهبة، مات سنة 748هـ، ودفن بباب الصغير، وتاريخ وفاته لفظة الذهبي»(16).
10 - الشيخ عمر بن  حسن الخرقي: « من تابعي أصحاب الإمام أحمد، ومن علماء مذهبه المعتبرين ومن المعوّل عليهم بالفقه، كان زاهدا عالما قانعا بالقليل، رحل من بغداد وسكن بدمشق فرأى يوما منكرا فأنكره ونهى عنه فقتل لأجل ذلك، ودفن بباب الصغير مقابل الجرّاح»(17).
11 - عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع المفتي: « هو تاج الدين المصري الدمشقي، العلامة المعروف بابن فركاح، تفقّه وبرع في مذهب الشافعي وهو شاب، وكتب في الفتاوى، وكانت تأتيه من الأقطار. وتصانيفه كثيرة، مات بدمشق 690هـ، ودفن بباب الصغير»(18).
12 - عبد  الله بن عمر العجلوني الحنفي النحوي: « فاق أهل عصره في علم النحو، ولد في عجلون ورحل إلى دمشق، واشتغل في العلوم ودرّس وأفاد وانتفع به الجمع الغفير، مات سنة 1112م ودفن بباب الصغير شرقي بلال الحبشي»(19).
13 - محمد علاء الدين بن علي الحصني الأثري الحصكفي: « الفقيه، الواعظ، المحدث، المفتي الحنفي، له تآليف في الفقه وغيره. منها: الدر المختار في شرح تنوير الأبصار وشرح الملتقى الذي شاع ذكره في الأمصار، وشرح المنار في الأصول، والقطر في النحو، واختصار الفتاوى الصوفية. وله تعليق على تفسير البيضاوي وله مؤلفات أخرى، توفي سنة 1088م دفن بمقبرة باب الصغير»(20).
14 - كعب الأحبار: « من أكابر المحدّثين روي عنه أشياء كثيرة وعولوا عليه، وحصل له أعظم اعتبار عند المسلمين قال الهروي مات بدمشق ودفن بباب الصغير»(21).
15 - محمد اليتيم: «العارف بالله الشافعي الصوفي مات سنة 1005م، دفن بباب الصغير بقرب نصر المقدسي»(22).
16 - محمد بن محمد بن سلطان الحنفي: « شرح الكنز ومات بدمشق سنة 905هـ، ودفن بباب الصغير بتربة القلندرية»(23).
17 - نصر المقدسي: « ابن إبراهيم النابلسي شيخ الشافعية بالشام، مات سنة 410هـ، ودفن بباب الصغير بجانب أبي الدرداء»(24).
18 - سيدنا أرسلان: « ويقال له الشيخ رسلان هو ابن يعقوب بن عبد الرحمن الجعبري مات سنة 540هـ، ودفن بمسجد خالد بن الوليد، وقبره معروف يقصده الناس للزيارة ويتبركون به، وعند الشيخ أرسلان مقبرة كبيرة دفن بها بعض من أهل الفضل والصلاح»(25).
19 - تقي الدين بن صلاح: « هو عثمان بن عبد الرحمن الكردي الشهرزوزي، كان مفتيا في مذهب الشافعية، إماما في التفسير، والحديث، والفقه، متبحرا في الأصول، مات بدمشق سنة 543هـ ودفن بمقابر الصوفية بطرفها الغربي على الطريق»(26).
20 - ابن عساكر: « هو الفخر شيخ الشافعية بالشام، كان زاهدا عابدا منقطعا للعلم والعبادة، مات بدمشق سنة 620هـ ودفن بمقابر الصوفية مقابل قبر ابن صلاح»(27).
21 - إبراهيم بن عبد الرزاق: « الحنفي المحدث، الفقيه شارح القدوري، مات بدمشق سنة 809هـ ودفن بمقابر الصوفية»(28).
22 - إبراهيم بن سليمان الحموي: « من علماء الحنفية شرح الجامع الكبير في ست مجلدات، وشرح المنظومة في مجلدين ولم يعرف تاريخ موته، قال العدوي:» مات بدمشق ودفن بمقابر الصوفية»(29).37
23 - مسعود بن محمد النيسابوري: « الإمام البارع الشافعي، انفرد برئاسة الشافعية، وكان فصيحا بليغا مات سنة 578هـ، ودفن بمقبرة الصوفية»(30).38
24 - أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام: «المعروف بابن تيمية الحنبلي، ولد سنة 661هـ وبرع وأفتى ودرس وصنّف التصانيف البديعة الكثيرة، سرد الإمام صلاح الدين الصفدي، أسماها في ثلاث أوراق كبار، وجرت له محن كثيرة إلى أن توفي مسجونا بقلعة دمشق سنة 728هـ، ودفن بمقبرة الصوفية»(31).
25 - يوسف بن عبد الرحمن: « المعروف بالحافظ المزّي، كان إماما عالما علاّمة ولد سنة 650هـ. وله تصانيف جميلة منها: تهذيب الكمال في أسماء الرجال، في ثلاثة عشر مجلدا، وأطراف الكتب السّنية في خمسة مجلدات، وله أمال وفوائد وشعر حسن توفي سنة 742هـ»(32).
26 - عـماد الدين بن كثير القرشي البصري: « ثم الدمشقي كان عالما بالأصول، والحديث، وصنّف التصانيف البديعة، مات سنة 774هـ، ودفن بمقبرة الصوفية عند شيخه ابن تيمية»(33).
27 - أبو شامة شهاب الدين: عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي ثم الدمشقي، الإمام العلاّمة، الفقيه الشافعي، المقرئ، النحوي، المحدث، كتب الكثير من العلوم وصنّف فيها وأتقن الفقه ودرّس، وأفتى وبرع في العربية وكان كثير التواضع، مات سنة 665هـ. ودفن بمقبرة باب الفراديس على يسار الداخل من الباب إلى مرج الدحداح»(34).
28 - الحسن بن محمد البوريني الشافعي: « كان فريد وقته في الفنون، صنّف التصانيف البديعة، منها: حاشية على المعطل وشرح ديوان ابن الفارض، وتحريرات على تفسير البيضاوي، وله تاريخ عظيم، وله رحلة حلبية ورحلة طرابلسية، وله رسائل كثيرة. وجمع ديوانا من شعره، وكان عالما محققا ذكي الطبع، متين الحفظ. مات سنة 1024م»(35).
ومجمل القول أنّ تلك المزارات من أضرحة وقبور لأولياء صالحين وعلماء عاملين، إنما هي في الحقيقة جزء من تراثنا العربي ناجم عن ذهنية أصيلة ونفسية معينة يعكسها المجتمع العربي، وكما ذكرنا آنفا فإن الفهم للظاهرة الدينية يجعلنا نضع ظاهرة زيارة مزارات الأولياء والعلماء والصالحين وأضرحتهم في سياق ظاهراتي نحلل فيه الظاهرة وفق شروط واقعية قابلة للملاحظة ودون الدخول في تفسيرات قيمية أو تبني أحكاما مسبقة تحكم على الظاهرة من موقع متعالٍ.
وأملنا في الأخير أن تكون هذه الدراسة التي هي في الحقيقة فيض من غيض وجزء من كثير، تفتح للباحثين تفسيرات أولية لهذه الظاهرة الدينية التي تكاد تكون في سائر البلدان العربية، وهذا من أجل تسليط الضوء والانكباب على دراسة ظاهرة زيارة المزارات والأضرحة دراسة سوسويولوجية وأنثروبولوجية.

الهوامش و المراجع

*محمد عبد الجواد القاياتي، نفحة البشام في رحلة الشام، بيروت: دار الرائد العربي، 1981، ص  94ـ - 95.  
1 - راجع: محمد علي زيعور، الكرامة الصوفية، ص ص: 35 - 40
2 - المرجع نفسه، ص: 37
3 - المرجع نفسه، ص: 40
4 - نعمان قساطلي، الروضة الغناء في دمشق الفيحاء، سلسلة التواريخ  والرحلات، دار الرائد العربي، بيروت لبنان، ط2، 1982،ص ص: 132 - 143
5 - المرجع نفسه، ص ص: 132 - 143
6 - المرجع نفسه، ص ص: 132 - 143
7 - الأمير محمد علي باشا، الرحلة الشامية، حررها وقدمها علي أحمد كنعان، ط1، 2002، دار السويدي للنشر، ابو ظبي الامارات العربية المتحدة، ص ص:63- 84
8 - هوالشيخ أبو البيان نبا بن محمد بن محفوظ القرشي ابن الحوراني الدمشقي اللغوي الشافعي الزاهد القدوة‏.‏ توفي سنة السنة الثانية من خلافة الفائز بنصر الله.
9 - ابن عساكر هو علي بن الحسن بن هبة الله في غرة المحرم من سنة 499هـ / 13 من سبتمبر 1105م، وكان أبوه تقيا ورعًا، محبًا للعلم ومجالسة العلماء ومصاحبتهم، وكانت أمه من بيت علم وفضل، فأبوها أبو الفضل يحيى بن علي كان قاضيا وكذلك كان أخوها أبو المعالي محمد بن يحيى قاضيًا. وقد رزق الوالدان الكريمان قبل ابنهما علي بولد كان له شأن هو أبو الحسين الصائن هبة الله بن الحسن كان من حفاظ الحديث ، رحل في طلبه إلى بغداد وعُني بعلوم القرآن واللغة والنحو، وجلس للتدريس والإفتاء.
10 - هو العلامة الحافظ المفسر الفقيه الأصولي الواعظ أبو الفرج زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسين السلامي البغدادي ثم الدمشقي ، المعروف بابن رجب الحنبلي ولد ببغداد سنة 736 هـ وتوفي سنة 795 هـ . المنهج الأحمد ق / 470. إنباء الغمر بأخبار العمر 1 / 795  
11 - نعمان قساطلي، الروضة الغناء في دمشق الفيحاء، ص: 137
12 - المرجع نفسه، ص:136
13 - المرجع نفسه، ص:136
14 - المرجع نفسه، ص:136
15 - المرجع نفسه، ص:136
16 - المرجع نفسه، ص:136
17 - المرجع نفسه، ص:137
18 - المرجع نفسه، ص: 137
19 - المرجع نفسه، ص: 137
20 - كعب الأَحْبار (؟ - 32هـ، ؟ - 652م). كعب بن ماتع بن ذي هجن الحِميَري، اليماني، العلاّمة، الحَبْر، كان يهوديًا فأسلم بعد وفاة النبي ³، وقدم المدينة من اليمن في زمن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، فجالس الصحابة، وكان يحدثهم عن الكتب الإسرائيلية، ويأخذ السنن عن الصحابة. وكان حسن الإسلام، حدّث عن عمر وصهيب وغيرهما. حدّث عنه أبو هريرة ومعاوية وابن عباس وذلك من قبيل رواية الصحابي عن تابعي، وهو عزيز نادر.روى عنه عدة من التابعين كأسلم مولى عمر وغيره. وكان له دراية بكتب اليهود وكان يعرف صحيحها من باطلها. سكن الشام في آخر عمره، وكان يغزو مع الصحابة.. توفي بحمص وهو ذاهب إلى الغزو، وذلك في أواخر خلافة عثمان، رضي الله عنه، وكان قد بلغ مائة وأربعًا من السنين.
21 - راجع نعمان قساطلي، ص: 137
22 - المرجع نفسه، ص:138
23 - المرجع نفسه، ص:138
24 - المرجع نفسه، ص:138
25 - المرجع نفسه، ص:138
26 - راجع ترجمته في: أدب المفتي والمستفتي، دراسة وتحقيق الدكتور موفّق بن عبد الله بن عبد القادر، مكتبة العلم والحكم، المدينة المنورة، الطبعة الأولى، 1986. طبقات الفقهاء الشافعية، حققه وعلق عليه محيي الدين علي نجيب، دار البشائر الإسلامية، بيروت، الطبعة الأولى، 1992.
27 - راجع نعمان قساطلي، ص: 138
28 - هو مسعود بن محمد بن مسعود النيسابوري: في 578هـ ‏: توفي بدمشق ( مسعود بن محمد بن مسعود النيسابوري) الفقيه الشافعي ولد سنة 505هـ وهو الملقب قطب الدين وكان إماماً فاضلاً في العلوم الدينية قدم إلى دمشق وصنف عقيدة للسلطان صلاح الدين وكان السلطان يقريها أولاده الصغار‏.‏
29 - راجع نعمان قساطلي، المرجع السابق، ص: 138
30 - راجع نعمان قساطلي، المرجع السابق، ص:138
31 - العماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير: الامام عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوء بن كثير، القرشي الدمشقي الشافعي.ولد في سوريا سنة 700 هـ كما ذكر أكثر من مترجم له أو بعدها بقليل كما قال الحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة.وكان مولده بقرية «مجدل» من أعمال بصرى من منطقة سهل حوران درعا حاليا في جنوب دمشق ب سوريا، و كان أبوه من أهل بصرى و أمه من قرية مجدل.والاصح انه من قرية مندثرة تسمى الشريك تقع بين قريتي الجيزة وغصم ويمر من جانبها وادي مشهور اسمه وادي الزيدي وهي في منطقة حوران او درعا حاليا .انتقل إلى دمشق سنة 706 هـ في الخامسة من عمره و تفقه بالشيخ إبراهيم الفزازى الشهير بابن الفركاح و سمع بدمشق من عيسى بن المطعم و من أحمد بن أبى طالب و بالحجار ومن القاسم بن عساكر وابن الشيرازى واسحاق بن الامدى ومحمد بن زراد و لازم الشيخ جمال يوسف بن الزكى المزى صاحب تهذيب الكمال و أطراف الكتب الستة و به انتفع و تخرج وتزوج بابنته.و قرأ على شيخ الاسلام ابن تيمية كثيرا ولازمه وأحبه و انتفع بعلومه و على الشيخ الحافظ بن قايماز وأجاز له من مصر أبو موسى القرافى و الحسينى و أبو الفتح الدبوسى و على بن عمر الوانى و يوسف الختى و غير واحد.وفاته:قال صاحب المنهل الصافى : توفى في يوم الخميس السادس و العشرين من شعبان سنة أربع و سبعين و سبعمائة عن أربع و سبعين سنة . قال الحافظ ابن حجر : و كان قد أضر –فقد بصره– في اخر حياته ، رحمه الله و رضى عنه. ابن حجر العسقلاني، الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، ص17 ج1 باب الهمزة ( وهو حرف الألف).
32 - أبو شامة (599 ـ 665 هـ عبد الرحمان بن إسماعيل بن إبراهيم بن عثمان، شهاب الدين أبو القاسم المقدسي الاَصل، الدمشقي، الشافعي، المعروف بأبي شامة، لشامة كبيرة كانت فوق حاجبه الاَيسر. كان فقيهاً، موَرِّخاً، مقرئاً، نحوياً.ولد سنة تسع وتسعين وخمسمائة بدمشق.وتلا على السخاوي، وعُني بالحديث، فسمع من: داود بن ملاعب، وأحمد ابن عبد اللّه العطار، وعيسى بن عبد العزيز.وأخذ الفقه عن: عز الدين بن عبد السلام، والفخر بن عساكر، وسيف الدين الآمدي، وآخرين .ودرَّس وأفتى وصنّف.وقيل: بلغ رتبة الاجتهاد.ولي مشيخة دار الحديث الاَشرفية، ومشيخة الاِقراء بالتربة الاَشرفية.وصنّف كتباً، منها: كتاب الروضتين في أخبار الدولتين: الصلاحية والنورية (مطبوع)، ذيل الروضتين (مطبوع)، مختصر تاريخ ابن عساكر كبير وصغير، الباعث على إنكار البدع والحوادث (مطبوع)، إبراز المعاني (مطبوع) في شرح «الشاطبية»، المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز، الوصول في الاَُصول، ومفردات القراء.وأخذ عنه القراءات: أحمد اللبّان، وأبو بكر بن يوسف المزّي، وغيرهما.توفّـي سنة خمس وستين وستمائة.
33 - راجع نعمان قساطلي، ص: 139
34 - راجع نعمان قساطلي، ص:139
35 - هو أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية المعروف ب تقي الدين أبو العباس ابن تيمية …. الحراني ثم الدمشقي وحران مدينة بين الموصل وحلب ولد بحران سنة 661 للهجرة المباركة من بيت حمل لواء المذهب الحنبلي أكثر من قرن من الزمن في مدينة حران وبعد السادسة من عمره حمله أبوه مع أسرته هرباً من الغزو التتري و نزل دمشق ، وافرد له كرسي بجامع دمشق يدرس فيه ، و أسندت أليه مشيخة دار الحديث السكرية في القصاعين محل سكناه وأما الابن احمد فقد برز وحصل على كرسي والده بعد وفاته ولم يكن على وفاق مع المذاهب الإسلامية الثلاثة الحنفي والشافعي والمالكي ولا شيوخ الصوفية وكتب كتب في الرد على قضاتهم وله منازعات معهم أدت إلى سجنه عدة مرات باعتباره منحرف عن السنة والتوحيد وفي سنة 710 هجري تجددت له معهم أمور أدت إلى اعتقاله في قلعة السلطان ، وبعد أيام و أُعطي قاعة حسنه و أموال تكفيه ، وبقي بجانب السلطان في القلعة حتى توفي فيها سنة 728 للهجرة ولم يتزوج طول حياته البالغ 68 سنة ودفن في مقابر الصوفية في دمشق.
- مراجع البحث:
          - ابن حجر العسقلاني، الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، ص17 ج1 باب الهمزة ( وهو حرف الألف).                                                                   
- محمد عبد الجواد القاياتي، نفحة البشام في رحلة الشام، بيروت: دار الرائد العربي، 1981.
- أدب المفتي والمستفتي، دراسة وتحقيق الدكتور موفّق بن عبد الله بن عبد القادر، مكتبة العلم والحكم، المدينة المنورة، الطبعة الأولى، 1986.
- نعمان قساطلي، الروضة الغناء في دمشق الفيحاء، سلسلة التواريخ والرحلات، دار الرائد العربي، بيروت لبنان، ط2، 1982.

أعداد المجلة