فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
26

الثقافة الشعبية المصرية (2) دراسات ميدانية في المناطق الثقافية

العدد 26 - جديد النشر
الثقافة الشعبية المصرية (2) دراسات ميدانية  في المناطق الثقافية
كاتبة من مصر

هذا العدد جولة جديدة في دراسات الثقافة الشعبية المصرية خلال العامين الماضيين، وإذا كنا قد اهتممنا في العدد السابق برصد العديد من الاتجاهات العلمية في بحث المأثور الشعبي وخاصة في مجال فنون الأداء.. فإننا في هذا العدد حرصنا على تقديم بعض الدراسات التي تكشف عن التنوع الثقافي المصري. ومن ثم سوف نطالع دراسات ميدانية رصدت عشرات الظواهر الفولكلورية بواحات مصر حيث المدن المسحورة.. فضلاً عن التعرف على بعض العادات والتقاليد وفنون الأدب الشعبي والغناء والتشكيل وغيرها. وكذا بعض الدراسات التي رصدت فنون وحكايات أسيوط (وسط صعيد مصر). غير أننا لم ننس تقديم دراسة جديدة حول عادات الزواج في منطقة ثقافية مهمة بمصر وهي محافظة الفيوم. وإذا اتجهنا للوجه البحري سنطالع دراسة حول فنون الوشم بمحافظة الشرقية.

فضلاً عن دراسات متنوعة أخرى في فنون الموسيقى وفنون الفرجة الشعبية وفن الزجل. كما يحوي هذا العدد عرضاً لبعض مؤتمرات التراث الشعبي التي أقيمت بعدة محافظات مصرية بكل من القاهرة والجيزة والقليوبية والمنوفية .. غير أنني حريصة هذه المرة لأن أسجل ملاحظة مهمة.. وهي أن معظم هذه الدراسات قام بها جيل الشباب من الباحثين المصريين الذين تتلمذوا علي جيل الرواد.. كما أن المؤتمرات التي نعرض لها قام على إدارتها أيضاً هؤلاء الشباب.. هي رحلة في قلب البحوث المصرية بسواعد مصرية وإبداعات مصرية.

أربع دراسات حول الواحات المصرية
ونبدأ إطلالتنا على منطقة الواحات المصرية تلك الواحات التي تحفل بعناصر ثرية في الثقافة الشعبية المصرية.. وقد اشتهرت مصر بخمس واحات رئيسية أشهرها واحة سيوة التي تتبع محافظة مطروح شمال مصر، والتي عرضنا لها في العدد الماضي كتاب «الأدب الشعبي بواحة سيوة»، ثم الواحات البحرية التي تتبع محافظة الجيزة، ثم واحات الوادي الجديد وهي : الفرافرة، والخارجة، والواحات الداخلة. والدراسات الأربع كانت من نصيب واحتي الداخلة والبحرية، والتي سنتعرف خلالها على العديد من الظواهر الشعبية لهذه المجتمعات. غير أننا سنلاحظ أن دراستي الواحات الداخلة قام بها اثنان من الباحثين من أبناء الواحة، غير أن الدراستين المهتمتين بالواحات البحرية قام بهما باحثان من خارج أبناء الواحة:

فولكلور الواحات الداخلة
هذه الدراسة الجديدة تقع ضمن الدراسات الميدانية التي اهتمت برصد الظواهر الفولكلورية عامة بمنطقة الواحات الداخلة بمحافظة الوادي الجديد التي تقع بالجنوب الغربي لمصر بالصحراء الغربية ، وقد صدرت في كتاب عام 2012 للباحث عبد الوهاب حنفي وهو من أبناء الوادي الجديد بعنوان «الواحات الداخلة..دراسة في التاريخ الثقافي والمأثورات الشعبية» صدر في 340 صفحة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ضمن سلسلة الثقافة الشعبية العدد رقم (5). والكتاب يستعرض- في ستة فصول مقسمة على بابين- العديد من أشكال المأثور الشعبي الواحاتي. واختار المؤلف الواحات الداخلة ميداناً لدراسته لكونها أكبر الواحات من حيث التعداد السكاني الذي يبلغ حوالي 90 ألف نسمة. وقد بدأ المؤلف كتابه بالتأصيل التاريخي للمنطقة حيث يعرض في الباب الأول  للبعد التاريخي للصحراء الغربية منذ العصر المطير وتكوين بحيرة بير طرفاوي علي مساحة الواحات الحالية، ثم مرحلة الجفاف التي ولدت علي أثرها الواحات المتناثرة، ثم تاريخ الواحات عبر العصور التي تبدأ من العصر المطير الثاني ثم العصور الفرعونية والرومانية والمسيحية والإسلامية، وقد تناول الفصل الثاني الحديث عن تاريخ (مملكة الواحات) لما لهذا الموضوع من أهمية تاريخية بالغة لتعرضه لمرحلة ظلت غائبة عن عيون الباحثين في الشأن التاريخي للواحات. واختتم هذا الباب بالفصل الثالث الذي يعرض لدراسة تيارات التغير الثقافي في منطقة الواحات الداخلة، قديمها وحديثها.
وفي الباب الثاني يتناول المؤلف دراسة أثنوجرافيا ميدانية لبعض العادات والمعتقدات في إطار يجمع بين التراث والمأثور منها، وقد تضمن الفصل الأول مواداً ميدانية حول عادات الزواج لتطالعنا بعض العادات المحلية كاحتفالية السامر التي تتم قبل موعد الزفاف بحوالي عشرة أيام، يوم التفصيل (أخذ مقاسات العروسة بمعرفة الخياطة)، واحتفالية زفة العجول - التي سيتم ذبحها ليلة العُرس- ثم عادات الطعام (وأشهرها فتة الحليبة-  الجبنة المعطونة-  المريسة (مشروب رمضاني)-  العصيدة..إلخ). ثم تأتي العادات المرتبطة بالآبار كأهم الظواهر التي تعد بمثابة البؤرة الثقافية للحياة في الواحات عموماً، مشيراً لانفراد الواحات الداخلة بالتميز التاريخي في مجال الأنشطة الخاصة بأعمال حفر الآبار وتقنياتها. ثم يتناول بعض الممارسات الاعتقادية المرتبطة بالمشايخ والاعتقاد في الأولياء، والعلاج الشعبي كعلاج تأخر المشي والعقم والمس.. أما الفصل الثاني فيتناول العمارة التقليدية بمراحل تطورها، مع التعرض لعوامل التغير في العمارة المحلية، واختتم هذا الفصل ببعض الحرف التقليدية التي تتميز بها منطقة الدراسة مثل حرفة الجريد ومنتجات خوص النخيل التي تنتشر في معظم قرى الواحات الداخلة، وحرفة الفخار التي تنفرد بها قرية القصر في الواحات علي وجه العموم، ثم حرفة النسيج. وفي الفصل الثالث يعرض عبد الوهاب حنفي لمجموعة من أشكال الأدب الشعبي في سياقاتها المتنوعة، التي تمثلت في الأغاني المرتبطة بالمناسبات، فضلاً عن بعض نصوص الموالد والحضرة (الذكر) التي تنتشر في قرى الواحات الداخلة. والكتاب على هذا النحو حافل بعشرات النصوص الأدبية الشعبية وسياقات أدائها، فضلاً عن العديد من الصور التوضيحية التي التقطها المؤلف أثناء عمله الميداني خاصة ما تعلق منها بالعمارة التقليدية والحرف وفنون الأداء.

المدن المسحورة بالواحات الداخلة
 وفي إطار الدراسات العلمية المتخصصة في مجال المعتقدات والمعارف الشعبية بالواحات الداخلة، صدر عام 2012 كتاب «المدن المسحورة» لفارس خضر في 200 صفحة عن سلسلة الدراسات الشعبية رقم (152) التي تصدر أيضاً عن الهيئة العامة لقصور الثقافة. وقد جمع المؤلف مادته الميدانية من منطقة الواحات الداخلة. وسجل منهجه في بحث فكرة المدن المسحورة مشيراً إلى أنه من واقع المفهوم المادي لطبيعة المعتقدات الشعبية وما تقوم به من وظائف نفعية ونفسية وجمالية قام برصد وتحليل المعتقدات المتصلة بفكرة المدن المسحورة بالواحات، وذلك من خلال إعادة قراءة الموروث السردي المدون والشفاهي حول هذه المدن، ورصد الأسس المنطقية التي تجعل الجماعة الشعبية تعتقد في وجودها، وكذلك بالرجوع إلي التاريخين الواقعي والميثولوجي للمنطقة، وجمع نصوص هذه المدن من التراث العربي المدون في الأدبيات الجغرافية والتاريخية وكتب الرحالة وغيرهم ممن أوردوا ذكر الواحات ومدنها المختفية أو المسحورة.. إلي آخره.
وعلى هذا النحو تناول فارس خضر المدن المسحورة بين جغرافيا الوهم والتاريخ الميثولوجي وقد عَرف المدن المسحورة بأنها تلك المدن اليوتوبية التي تتواتر في عدد من المدونات حين يأتي ذكر الواحات، ولا يزال الاعتقاد في وجودها ماثلاً في العقلية الشعبية، ورغم كثرة توصيفات هذه المدن بحيث تُذكر تارة بأنها مطلسمة أو باطنة وتارة أخرى بأنها مستورة أو مخفية، فإن التعبير الشعبي المتداول للدلالة عليها هو «المسحورة». وهو وصف ينطوي على التوصيفات السحرية السابقة، وينسحب على المدن الواردة في المدونات، كما ينسحب بالقدر نفسه على اليوتوبيات الشعبية التي تعتقد الجماعة الشعبية في وجودها، وتتوارث أخبارها منذ أزمنة بعيدة مثل «زرزورة» المدينة العجائبية للصحراء الــــغــــــربــــــيـــــة وليس لواحة الداخلة فحسب، إذ يمـــتـــد اعتقادها حتى الصحراء الليبية. ثم يشرع المؤلف في وصف منطقة الواحات التي يصفها بأرض العزلة والمنفى ومهجر الفارين، ثم يتناول دور المأثور الجغرافي في تأكيد المعتقد في الذاكرة الشعبية، والتنوع العرقي في الواحات وذيوع المعتقد، والإشارات التاريخية والجغرافية القديمة للمدن المسحورة في المدونات العربية. وينتقل فارس خضر بعد ذلك لبحث معتقدات المدن المسحورة وعناصرها، فمنها تلك التي تسترها الجان عن العيون، ومنها ما هو مرتبط بالمياه المقدسة ومحاكاة النموذج السماوي كباب البئر المهجورة المؤدي إلى مدينة «زرزورة»، ومنها المدينة الذهبية التي تعد جزءا من الحيز المقدس. أما المدينة المسحورة التي تناولها بالبحث الميداني والتحليلي بالواحات فهي مدينة «زرزورة» التي سجل المؤلف العديد من الرحلات الحديثة للبحث عنها كرحلة حسين باشا عام 1921، ورحلة الأمير كمال الدين حسين عام 1926، ورحلة لاديسلوس الماشي عام 1929، مشيراً لتوظيف المعتقد لأغراض التجسس، وكذا ما سجله الرحالة والمغامرون حول هذه المدينة. كما تناول المؤلف في فصل مستقل الوظائف النفسية للمدن المسحورة (آليات الإبداع) راصداً سمات النص الشفاهي والمدون، والمخيلة الشعبية وإبداع المدن الحلمية، منتهياً بما أطلق عليه «المعتقد الشعبي وإنكار الخلود». وقد خلص لعدة نتائج من بينها أن معتقدات المدن المسحورة هي محاكاة رمزية لصورة الجنة كما تقدمها الديانات السماوية، وأن العقلية الشعبية تجري توحداً رمزياً بين الجنتين الأرضية والسماوية ليصيرا متماثلتين، في حين تقف معتقدات المدن المسحورة في منطقة وسطى بين الدنيوي والمقدس.

الواحات البحرية الفن والجمال
وفي إطار بحث واحات مصر، ورصد تراثها الشعبي الفريد صدر للباحث محمد أمين كتابه الجديد «واحات الفن والجمال.. الواحات البحرية: دراسات أنثروبولوجية). والكتاب صدر عام 2012 في حوالي 220 صفحة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب. ويشير المؤلف في مقدمة كتابه إلى أن «هذا الكتاب جاء في مجموعة من الفصول، حكمه في أغلبها المنهج الوظيفي، وحاول تقديم مشهد بانورامي لثقافة الواحات البحرية مع الحرص علي التعمق في الموضوع المبحوث، مستفيداً من جهود محترمة سابقة لعلماء أجلاء مثل دراسة أحمد فخري عن الصحراوات المصرية، الجزء المخصص للواحات البحرية، ودراسات العالم الكبير فاروق شويقة، ودراسة الأغنية الشعبية جماليًا للباحث خطري عرابي أبو ليفة، ودراسة عادات الزواج وتقاليده في الواحات البحرية للباحثة إيمان صالح محمد حسن، وغيرها من الدراسات والمقالات البحثية التي استفاد منها وحاول المراكمة عليها. والواحات البحرية تتبع إدارياً محافظة الجيزة، وتعتبر هي أقرب الواحات المصرية الخمس الكبرى إلى وادي النيل، إذ تقع على بعد قرابة 180 كيلو متراً غرب النيل في مواجهة البهنسا التابعة لمحافظة المنيا. وتبلغ مساحتها نحو 1800كم وتقع على بعد 385 كم جنوب غرب القاهرة.. ويعرض المؤلف في الفصل الأول من كتابه لمجتمع الواحات البحرية حيث تتعدد الأماكن التي قدم منها الأجداد الأول للعائلات والقبائل المتواجدة حالياً بالواحة. ثم يشرح في بحث أول جنس فولكلوري من إبداعات الواحة وهو «الأغنية الشعبية». حيث يرصد كيف واكبت الأغنية الاحتفالات الشعبية لاسيما الخاصة بالعرس والعادات اليومية، منها تلك الأغنية حول الشاي:
السكر والشاي الأخضر
إللي فايح فيه النعناع
بلاهم ما بقدر اصبر
إن غابوا تحصلي الأوجاع
ثم ينتقل المؤلف لبحث القيم الثقافية في الأمثال الشعبية الواحاتية، ومنها: البير اللي مالكش فيه ما ترميش حجر فيه- حمارة ملك ولا بقرة شرك- صاحب الصنعة مالك قلعة.. وعلى هذا النحو يعرض لمجموعة الأمثال التي يرددها أهل الواحة شارحاً القيم التي تتضمنها. ثم ينتقل المؤلف لبحث «الشعر الشعبي والضبط الاجتماعي في الواحات البحرية»، مشيراً إلى أن شعر الهجاء وأغانيه في الواحات البحرية منتشر بصورة واضحة، وقد وجد الكثير من الشعر الشعبي في هذا الغرض، وينقسم الهجاء إلى هجاء مقذع مر، وهجاء معتدل ذو عبارة محتشمة غير نابية. وتذخر النصوص المغناة بالكثير من النوع الأخير، والذي يلجأ غالباً إلى الرمز، وقد يكون الهجاء للشخص عن خطأ واحد حتى لا يتكرر منه، ويُهجى كي يعود إلى سيرته الأولي، أي للتقويم. كما أن هذا النوع من الشعر ينطوي على نوع من السخرية:
شيلوا العمم يا حيازة (أهل القرية)    شيلوا العمم يا حيازة
شيلــــــــــــو العــــمـــــــــم ده             عبدالله مــا يتـــفــاهـــم
شيلــــــــــــو العــــمـــــــــم ده              بولطوفة ما يتفــاهــم
ثم ينتقل المؤلف لبحث عادات الزواج في الواحات البحرية بداية من الخطبة وطرق التقدم لها والهدايا والهبات المصاحبة، ثم مرحلة عقد القران وما يتبعها، حيث يتم عقد القران في منزل والد العروس، ويكون إما في نفس يوم الزفاف أو في يوم احتفالية الحنة. ويتم العقد قبل الزفاف بوقت قصير جداً إلا في حالات استثنائية قليلة. وفي إطار رصد إبداعات الواحة ينتقل المؤلف لبحث الألعاب الشعبية ومنها الألعاب التي يغلب عليها الطابع الذهني، ثم الألعاب البسيطة، ثم ألعاب المنافسة الفردية، ثم ألعاب المنافسة الجماعية وهذه الأخيرة تتميز بتعددها وكثرة قوانينها مثل لعبة الاستغماية، والحجلة، والفريرة. ويختتم المؤلف الكتاب بتتبع نموذج من الفنانيين التقليديين بالواحة في مجال الفن التشكيلي الشعبي وهو الفنان «محمود عيد». الذي لم يتسن له أن يتعلم في الجامعة، واستطاع أن يصنع لنفسه اتجاهاً فنياً مميزاً عن طريق المحاولة والتجربة وإعادة إنتاج العمل الفني وتعديله من خلال فن الرسم والنحت الغائر والبارز والعمارة الشعبية.

الزواج في الواحات البحرية
أما الدراسة الثانية حول فولكلور الواحات البحرية فقد صدرت عام 2013 للباحثة إيمان صالح في 230 صفحة ضمن سلسلة الدراسات الشعبية رقم (151) الصادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة. وقد اشتملت الدراسة على ستة فصول واكبت جميع مراحل الزواج بداية من اختيار شريك الزواج، ومروراً بالخطبة وقراءة الفاتحة، وانتهاء بعقد القران والزفاف. وقد  اختارت الباحثة مجتمع الواحات البحرية ميداناً لدراستها، وذلك  لخصوصية المنطقة فهي بعيدة عن المدينة، ولكنها ليست معزولة عنها، وهو ما قد يسمح لها بدرجة ما من الحفاظ علي عاداتها وتقاليدها، وفي نفس الوقت لا يجعلها بمعزل عن المتغيرات المحيطة بها، خاصة في ظل انتشار وسائل الاتصال المتعددة وسهولة المواصلات. وقد آثرنا في عرض هذه الدراسة تحديداً رصد النتائج التي توصلت لها المؤلفة فهي تتضمن في الوقت ذاته تعريفاً بمضمون الكتاب، ومن هذه النتائج تحكم الامتداد العائلي في الزواج والمصاهرة، فضلاً عن أن عزلة المجتمع نسبياً وانغلاقهم على ذواتهم أدى إلى سيطرة العادات والتقاليد علي العقلية الجمعية لأفراد مجتمع البحث وعدم تقبلهم الجديد بسهولة. كما أشارت المؤلفة إلى تعدد معايير الاختيار، غير أن أفراد مجتمع البحث يقدمون المعيار الديني والسمعة الحسنة في الاختيار، والآن أصبح هناك ضرورة ملحة لمراعاة مبدأ  بحث المعيار الديني والسمعة الحسنة في الاختيار، فضلاً عن مراعاة مبدأ التكافؤ الاقتصادي والاجتماعي بين العائلتين، وهو ما لم يكن يحدث قديماً، وذلك لأن الطفرة الاقتصادية جعلت هناك فارقاً واضحاً بين سكان الواحات ناتجة عن اختلاف مردود الدخل وربحية الأنشطة الاقتصادية الأخري كالسياحة والتجارة، وإلى حد ما التكافؤ في مستوى التعليم. وقد ساهم انتشار التعليم في رفع سن الزواج وخاصة لدى الفتاة.
ومن النتائج التي توصلت لها المؤلفة أيضاً الانحسار التدريجي لظاهرة زواج الأقارب لما يترتب عليها من مشكلات اجتماعية، وقد أصبح لرأي الفتاة أهمية كبيرة حالياً في الموافقة على الخاطب أو رفضه. كما أوضحت النتائج ظهور دور الوسيط الذي أصبح ذا حضور قوي ومؤثر وذلك لتراجع نمط زواج الأقارب. ومازالت هناك بعض الممارسات الاعتقادية التي تواكب مرحلة إتمام الزواج والغرض منها درء الحسد والوقاية من شر العين، وكذلك الحماية من الأعمال السحرية التي تلحق الأذى بالعروسين حسب اعتقاد أهل الواحات البحرية. كما يُعتبر الاعتقاد في التفاؤل والتشاؤم من مكونات ثقافتهم، فعلى العريس أن يدخل على عروسه يوم الصباحية – بعد تحيته لأبيه – ببعض الفاكهة للفأل الحسن، كما أن أفراد المجتمع يراقبون الأحداث التي تمر بها أسرة العريس لمعرفة «قدم العروس» وتأثيرها علي حياة هذه الأسرة حسب اعتقاد أهل الواحة. كما كشفت النتائج أيضاً أن هناك بعض العادات  والتقاليد القديمة التي تخلى عنها المجتمع الآن، كعدم خروج العروس لزيارة أهلها إلا بعد مرور سنة كاملة أو إنجاب الإبن الأول لها وبعد الاستئذان من حميها. فضلاً عن وجود فروق اقتصادية بين قرى الوادي الغربي (الباويطي والقصر وتوابعهما)..لكثرة احتكاك أهلها بالمدن، وبين قرى الوادي الشرقي (منديشة والزبو وتوابعهما) التي تتميز بقدر من العزلة، وهو ما ينعكس على بعض عادات وتقاليد الزواج

دراستان حول فولكلور أسيوط
ومن الواحات المصرية إلى صعيد مصر حيث نعرض لدراستين ميدانيتين بمحافظة أسيوط، اهتمت الأولى برصد فن الكليم المصري الذي اشتهرت به المحافظة على مر العصور، على حين آثرت الدراسة الثانية البحث في الإبداع الشعبي الأدبي لمجتمع أسيوط من خلال جمع حكايتهم الشعبية:

فن الكليم الأسيوطي
كتاب جديد يكشف لنا عن الإبداع التشكيلي الشعبي بصعيد مصر، ويحمل عنواناً له دلالاته الوطنية: «مئذنة في كتف صليب: دراسة في توثيق وتنمية فن الكليم الأسيوطي» والكتاب لإيمان مهران، صدر في 380 صفحة عن  الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 2012. بدأت المؤلفة كتابها بدراسة متعمقة حول تاريخ الكليم الأسيوطي، حيث قدمت لنا مجتمع الدراسة «محافظة أسيوط» التي تقع وسط صعيد مصر على بعد 375 كم جنوب محافظة القاهرة، ثم عرضت لتاريخها وملامحها الثقافية. ثم انتقلت لتستعرض تاريخ الكليم المصري منذ عهد الفراعنة حتى الآن كمدخل لبحث الكليم والنسيج المرسم الأسيوطي، ومناطق ممارسة الحرفة بالمدينة والقرى الأخرى كبني عدي، والنخيلة، وكردوس، والغنايم، مشيرة إلى أن النسيج المرسم الأسيوطي تضمن موضوعات من حياة الريف عامة، وموضوعات عن حياة الحيوانات خاصة الجمال والأغنام، ثم مرسمات حول شجرة الحياة، وهي عبارة عن أوراق شجر كل شجرة بها نوع لكائن، وبها ثعابين وبها رموز لكائنات عديدة. وفي باب مستقل تعرضت إيمان مهران لنسيج الكليم الأسيوطي وموروثه الشعبي شارحة الخامات المستخدمة في إنتاج الكليم خاصة خامة الصوف وطرائق تجهيزه وغزله وتسريحه، ثم الأدوات المستخدمة كالمغزل، والسردة، والقياسات، والمشط، والكف، والمقص، والمكوك، والنول. ثم انتقلت لمراحل إنتاج الكليم بداية من الحرفي داخل الورشة حتى توزيعه وبيعه.
ثم عرضت المؤلفة للكليم وعلاقته بأشكال التعبير الشفهية مثل المأثور القولي: «الكليم تقيل» أي أن بيعه متعثر، و»الكليم استعمال»، و»صنعة عجائز»..إلخ. كما أفردت جزءاً لارتباط الكليم ببعض العادات والمعتقدات كالزواج والموالد. منتهية برصد وظائف الكليم في مجتمع الدراسة كاستخدامه في المفارش والمصليات والمشايات والزرابي. أما الجزء الخاص بالقيم الجمالية في الكليم الأسيوطي فقد تعرضت المؤلفة لأسس تصميم الكليم الأسيوطي، من خلال دراسة أسس التشكيل في المنتج اليدوي التقليدي، ودراسة عناصر العمل الفني الشعبي، وفنون التشكيل في الكليم كمنتج تطبيقي، مشيرة إلى التواصل الحضاري في فن الكليم الأسيوطي، والتأثيرات المختلفة في الرموز المرتبطة به كالفرعوني والقبطي والإسلامي. ثم شرعت في تحليل طرز الكليم الأسيوطي بالقرى التي جمعت منها مادتها. وقد خصصت الباب الأخير من دراستها لبحث أساليب التنمية والحفاظ على الكليم الأسيوطي. وقد خلصت المؤلفة لمجموعة من التوصيات على رأسها إشارتها إلى أن هناك فرصة لتنمية فن الكليم الأسيوطي داخل المجتمع المحلي من خلال إعادة استعماله، وإيجاد تسويق مؤسسي منتظم له. كما أكدت على أن السبب الرئيسي في تدهور الكليم الأسيوطي هو تردي مستوى الخامة وسوء معالجتها، وتوقف المنتجات عند مستوى معين، واندثار العديد من الطرز المتميزة. واقترحت المؤلفة برنامجاً لتنمية فن الكليم الأسيوطي في ضوء البيئة المحلية التي تحتوي الخامة والأدوات وقبل كل شيء الحرفي المبدع المنتج لهذا الفن.

حكايات أسيوط
كتاب جديد يرصد الإبداع الشعبي الأدبي بأسيوط بصعيد مصر، صدر عام 2013 بعنوان «الحكايات الشعبية في أسيوط: مدينة أبنوب نموذجاً»، والكتاب جمع ودراسة الباحثة أسماء عبد الرحمن ويقع في حوالي 600 صفحة، صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب- سلسلة الثقافة الشعبية رقم (9). وبدأت المؤلفة كتابها بالتعريف بمركز أبنوب الذي يقع شمال شرق أسيوط على مسافة 10كم من مدينة أسيوط. واستطردت في بحث المنطقة جغرافياً وتاريخياً، مشيرة إلى قبائل أبنوب والتركيب السكاني للمنطقة من فلاحين، وحضر، وعربان، وغرباً (جماعة من السكان ترجع أصول الكثيرين منهم إلى المغرب). ثم استعرضت في مبحث ببليوجرافي الدراسات السابقة ذات العلاقة بموضوع الكتاب، وقسمتها إلى: كتب درست الحكايات الشعبية في مكان بعينه مثل كتاب القصص الشعبي في السودان لعز الدين اسماعيل، وملامح التغير في القصص الشعبي الغنائي لابراهيم عبد الحافظ، والقصص الشعبية الجزائرية في منطقة الأوراس لمحمد عزوي.
كما تناولت المؤلفة بالعرض الكتب التي درست الحكايات الشعبية دون مكان بعينه، كدراسة نبيلة ابراهيم حول البطولة في القصص الشعبي، وقصصنا الشعبي لفؤاد حسنين علي، والحكاية الشعبية: دراسة في الأصول والقوانين الشكلية لسامي بطة. وأخيراً عرضت للكتب التي تناولت دراسة الحكايات الشعبية ضمن دراسة داخل الأدب الشعبي عامة ككتاب فنون الأدب الشعبي لرشدي صالح، وأشكال التعبير في الأدب الشعبي لنبيلة ابراهيم. ثم شرعت المؤلفة في الجزء التحليلي من كتابها ببحث موضوع «الرواة والأداء» من حيث وسائل الراوي في الأداء وظروفه الاجتماعية كالعمر، والجنس، والمهنة، والثقافة، والجمهور ومدى تأثيره على الأداء والرواية. ثم انتقلت لبحث تصنيف الحكايات الشعبية الذي جاء بناء على ما قامت بجمعه. ومن ثم اشتملت التصنيفات: حكايات الشطار والعيارين- حكايات الألغاز-حكايات الجان والملائكة وأمنا الغولة- حكايات الحيوان- الحكايات الاجتماعية (الغيرة، وزوجة الأب، والضرة، والخيانة، والوفاء، والعمل). كما خصصت المؤلفة جزءاً من الكتاب لبحث بناء الحكاية من ناحية الشكل أولاً حيث تعرضت لمحاور الحكاية (حكايات ذات محور واحد وأخرى متعددة المحاور)، ثم أنماط الحكاية مثل الحكايات التي تنتهي بما تبدأ به (دائرية)، والحكايات التي تضم أكثر من حكاية في حكاية واحدة، ثم الحكايات التي تختص بعدد محدد تدور حوله الأحداث. وتختتم بحث الحكاية من حيث الشكل بدراسة الحكاية الشعبية والأغنية الشعبية (البداية والنهاية: فواتح الحكايات – بدايات الحكايات- نهايات الحكايات). ثم بحثت في بناء الحكاية من ناحية المضمون- ثانياً- الذي يشمل تطور الحدث (الزمان والمكان)، ثم شخصية الأبطال(الشاب –المرأة- الشيخ)، ثم أهداف البطل. أما الفصل الخاص بالأسطورة في الحكاية الشعبية فقد احتوى على مبحثين الأول اعتنى بالأسطورة من خلال التوقف أمام: الزمن الأسطوري- المكان الأسطوري- الكائنات الأسطورية. وتناول المبحث الثاني بعض المعتقدات الشعبية مثل: الكلمة وفاعليتها-   السحر-   التنجيم بالرمال-   اعتقادات خاصة بالعروس-   العلاج ببعض الأشياء الغريبة- الجزاء الإلهي. كما ناقشت المؤلفة في الفصل الخاص بجماليات الحكاية الشعبية مبحثين جديدين الأول حول عناصر الإيقاع في الحكاية كالرمز، والبديع والتشبيه والتكرار. وناقش الثاني اللغة واللهجة في الحكاية الشعبية من خلال بحث الأنماط اللغوية في اللهجة الأبنوبية. واختتم الجزء التحليلي للكتاب ببحث وظيفة الحكاية الشعبية وأثرها في حياة الفرد والجماعة في أبنوب. وإذا كان ما سبق يمثل القسم الأول من الكتاب تقريباً، فإن القسم الثاني يشتمل على ملحق يضم ست وتسعين حكاية شعبية جمعتها المؤلفة وصنفتها ودونتها كما رواها أصحابها من أهالي أبنوب.. منها العديد من الحكايات التي بطلها الشاطر حسن مثل: الشاطر حسن والنعجة- عبلة والشاطر حسن- الشاطر حسن وحسنة..إلخ.. وحكايات أخرى منها: بنت الملك والحطاب- الوزير والصياد- العنزة والغولة- جزا الحرامي- الست أدب- المصري والبغدادية.

احتفالية الزواج بالفيوم
وإلى منطقة ثقافية جديدة في المعمور المصري .. حيث صدر خلال عام 2013 أيضاً كتاب الباحث أحمد فاروق المعنون «المظاهر الثقافية لاحتفالية الزواج بالفيوم» في 150 صفحة عن الإدارة المركزية للدراسات والبحوث بالهيئة العامة لقصور الثقافة ضمن إصدارات أطلس المأثورات الشعبية. وارتبطت هذه الدراسة بمنطقة مهمة في الثقافة الشعبية المصرية التي تنطوي على العديد من أشكال التعبير الثقافي الشعبي الريفي والحضري والبدوي. والباحث من أبناء محافظة الفيوم ومن ثم تضمن مواد الكتاب نماذج علمية ودقيقة حول فولكلور المنطقة. وقد تناول الفصل الأول من الكتاب مجتمع الدراسة من حيث الموقع والتاريخ، والنشاط الاقتصادي، والسكان والقبائل العربية بالفيوم، وقرى الدراسة التي تمثل شريحة من ريف وبدو الفيوم الذين يقسمون أنفسهم إلى: بدو عرب شرق، وبدو عرب غرب. وهذه القرى هي: قرية قصر رشوان، وقرية السعدية، وقرية غيضان، وقرية المحمودية، ومنشأة هويدي، وعرب كيمان فارس. كما استعرض المؤلف الملامح الثقافية لمجتمع الفيوم كالحرف التقليدية، والمجالس العرفية، والموالد، وفنون الغناء الشعبي. أما الفصل الثاني فقد خصصه أحمد فاروق للعادات والمعتقدات الخاصة بالزواج في الفيوم، حيث شرع في البداية لتوثيق مفهوم بعض المفردات المحلية بالمنطقة كاتفاق الخطوبة- الحمولة (زيارة  تشمل مواد غذائية يقوم العريس أو والده بإرسالها لعروس)- ليلة الصلحة (الليلة الثالثة للزواج)..إلخ. وقد استعرض المؤلف أشكال الزواج في مجتمع الدراسة، ومراحل الزواج بداية من الخطوبة ومروراً بكتب الكتاب والزفة والحنة وانتهاء بما يعرف بالمقابلة (والمقصود بها مقابلة العروس لأهلها بعد الزواج والطقوس المصاحبة لذلك).
وقد حرص المؤلف على رصد التمايز بين الممارسات التي تتم في الريف أو أهل البدو، فيشير في خاتمة دراسته إلى أن الدراسة قد كشفت عن التمايز بين سكان قرى الدراسة التي ينتمي جزء منها لعرب شرق، ويمثلهم بدو كيمان فارس، وعرب غرب، ويمثلهم بدو قصر رشوان والمحمودية والسعدية، و»الفلاحين» كما يسميهم البدو ويمثلهم قرى: غيضان، وهويدي، والسعدية. وظهر هذا التمايز في بعض عناصر الزواج التي سبق تناولها، إلا أنه يمكن إيجاز هذا التمايز في: زواج الأقارب، اتفاق الخطبة، الاحتفالات، طقوس الحماية للعروسين، أزياء العروس، النقوط، ولائم الطعام، مقابلة العروس. وهناك تمايز بإحدي قرى الدراسة وهي قرية غيضان والتي يقام بها مايعرف بـ «العراسة» يوم الصباحية، والتي تعد نوعاً من التآزر والمساندة الاجتماعية والاقتصادية للعريس، لما يقدم بها من نقوط في إطار احتفالي. وكشفت الدراسة عن أن هناك بعضاً من العناصر الفولكلورية المرتبطة بالزواج تتحور وتتحول بإيقاع سريع وخاصة ما يرتبط منها بالملبس –خاصة أزياء العروس – وشكل الاحتفال- الأغاني والرقصات – وتجهيزات بيت الزوجية – الأثاث والأدوات المنزلية ونمط المسكن – والمهر –المغالاة في المهر. ومنها ما يتحول بإيقاع بطيء وخاصة ما يرتبط بأشكال التمايز العرقي مثل: زواج الأقارب، إعداد الولائم، والنقوط...إلخ. كما حرص المؤلف على تسجيل النصوص الميدانية المرتبطة بالفنون القولية لاحتفالية الزواج في ملاحق الدراسة والمتمثلة في الموال، الشتاوة، المجرودة، العلم، المبرك، أغاني الزواج، أغاني الحنة، أغاني الزفة، والأمثال المرتبطة بالزواج.

الوشم الشعبي بالشرقية
ضمن تنويعات المناطق الثقافية المختلفة ننتقل من الواحات والصعيد والفيوم إلى بدو محافظة الشرقية..حيث الإصدار الثامن لسلسلة الثقافة الشعبية عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 2013  بعنوان «رموز الوشم الشعبي: دراسة مقارنة» لحسيني علي محمد، والكتاب يقع في 280 صفحة من القطع المتوسط. ويذكر المؤلف في تعريف الوشم نقلاً عن الموسوعة البريطانية «أنه عادة إكساب مواضع من جسم الإنسان علامات محددة عن طريق الوشم أو التقريح أو الكي أو غير ذلك  من العادات التي كانت منتشرة في شتي أنحاء العالم بين البلاد المتحضرة وغير المتحضرة. ويرى المؤرخون والكتاب أن عادة إكساب الأجسام مثل هذه العلامات كانت دارجة منذ عهود سحيقة سبقت المسيحية». ويوضح المؤلف الغرض من هذه الدراسة وهو الوقوف على الصفات المشتركة التي تجمع بين رموز الوشم، ورسوم الأطفال، وذلك من خلال دراسة أوجه التشابه بين وحدات رموز الوشم عند بدو محافظة الشرقية، والرموز المنتشرة عند تلاميذ المرحلة الابتدائية، والمؤلف إذ يعرض في كتابه هذا لرموز الوشم الشعبي، يظل من خلال أبواب كتابه متنبهاً إلي تلك الصلة التي تربط ما بين رموز تلك الوحدات ونظام ترتيبها وكيفية تكرارها، بالمراحل المناظرة لها في رسوم الأطفال، والتي قد حددت خصائصها من خلال العديد من الدراسات. ومن خلال دراسة متعمقة للمؤلف نجده يرصد الخلفية التاريخية لمصادر انتشار الوشم، والدوافع التي كانت حافزاً على دق الوشم على البشرة الآدمية بداية من العصرين الحجري القديم والحديث، والوشم في حضارة شمال أفريقيا القديمة والحضارة اليونانية القديمة، مروراً بالوشم في الحضارة المصرية القديمة، وفي البـــلدان الإفريقية السمراء، وجزر الإقيانوس والهند واستراليا، وانتهاءًا بالوشم في القارة الأمريكية.  
ويظل الباحث من خلال أبواب هذا الكتاب متنبهاً إلى الصلة التي تربط بين رموز الوشم والفنون الأخرى، ومقومات الأسس الزخرفية كالفنون الإسلامية وغيرها، حيث يوضح من خلال الدراسة الميدانية في مدينة فاقوس، ومدينة ديرب نجم، ارتباط رموز الوشم بالعديد من الفنون الشعبية، وكيف أن وحدات الوشم ليست مجرد وحدات وليدة المصادفة ترتبط- وعلي غير حق- بمحترفي الإجرام ونزلاء السجون على نحو ما كُتب في هذا الشأن، الأمر الذي قد يجعل من دراسة الوشم مشكلة تبدو بعيدة عن المشكلات التربوية التي تخص الصغار. ثم يعرض المؤلف للجوانب الأسطورية والخيالية والبطولية الممثلة في رموز الوشم’ ووحدات الوشم ذات الطابع الهندسي،  والطابع الفني للفنون والحرف الشعبية بمحافظة الشرقية وأهميتها التربوية. ثم ينتقل لرصد عادة الخضاب والحناء، وظاهرة التقابل والتدابر وصلتهما بالوشم ورسوم الأطفال. والكتاب على هذا النحو حافل بالمعلومات التاريخية والميدانية المفصلة، ومزيل بثبت للصور والأشكال التوضيحية حول الوشم وتنويعاته المتعددة.

آلات النفخ الشعبية
دراسة مهمة في مجال بحث ألات الموسيقى الشعبية صدرت عام 2012 عن الهيئة المصرية العامة للكتاب تحت عنوان «آلات النفخ الشعبية: دراسة مقارنة بين مصر وبعض الدول العربية» لإيمان جودت، والكتاب يقع في 395 صفحة. وأهمية الدراسة تعود لرصد المقارنات بين آلات النفخ في أكثر من بقعة عربية وهي مصر والأردن وتونس والكويت، أما الآلات المستخدمة في البحث فهي «آلة السلامية» و»آلة الأرغول» في كل من مصر والأردن، ثم «آلة المزمار» في كل من تونس (الزكرا)، والكويت (السورناي)، وآلة القربة في تونس (المزود)، والكويت (الهبان). وقد تم اختيارها على أساس أن هذه الآلات هي الأكثر انتشاراً وتماثلاً. وقد حرصت الدراسة على تتبع هذه الآلات بقدر الاستطاعة ورصد وتحليل تلك الألحان، وذلك من حيث دراسة هذه الآلات بجملها الموسيقية المميزة وألحانها الشائعة التي أعطت ملامح خاصة للتراث والمأثورات الفنية الموسيقية في البلاد المختارة، والتي تمثل كل منها منطقة جغرافية خاصة في مجال الثقافة العربية- على حد قول المؤلفة- فالكويت تعتبر نموذجاً لمنطقة الخليج، كما أن تونس تعتبر أيضاً مركزاً ثقافياً هاماً في المغرب العربي، وتمثل الأردن بموقعها الجغرافي حلقة الصلة بين المملكة العربية السعودية وسوريا ولبنان وفلسطين، أما مصر فهي قلب هذه المناطق كلها سواء من حيث موقعها الثقافي أو موقعها الجغرافي.
وقد حرصت الدراسة على أن تقدم نماذج من الأداء الموسيقي الشائع المصاحب لبعض هذه الآلات الموسيقية بهدف الكشف عن أوجه التشابه والاختلاف في البناء الشكلي والموسيقي وتحليل عناصر لمقطوعات موسيقية من كل آلة. كما تضمنت الدراسة نماذج لحنية وتحليلاً للبناء الإيقاعي المصاحب لهذه الألحان مع تدوين الألحان تدويناً علمياً باستخدم أساليب التدوين الحديثة، مما ساعد المؤلفة على الكشف عن الخصائص الفنية لكل نموذج ولحن مع الحرص على شرح أسلوب الأداء والمهارات التكتيكية لكل عازف، ورصد البناء الموسيقي لكل مقطوعة. وقد اشتمل الكتاب على أربع وعشرين مقطوعة دونتها المؤلفة تدويناً دقيقاً مع تحليل كامل لكل مقطوعة سواء من حيث البناء الموسيقي أو الأداء والسياق الوظيفي لكل منها، مع تقديم نبذة تاريخية باعتبار أن هذه الآلات ذات أبعاد تاريخية تمتد في تاريخ الإنسانية حقباً عديدة. وقد عكفت المؤلفة على رصد الدراسات السابقة ذات العلاقة بموضوع الكتاب. كما حرصت على استخدام المنهج الوصفي مع تقديم بعض الرسومات التوضيحية والكشافات التحليلية التي تتضمنت قوائم للأشكال، والصور، والنماذج اللحنية، والمدونات، والجداول المقارنة.

فن الزجل المصري
وفي مجال الأدب الشعبي المصري صدر عام 2013 كتاب «أزجال الشيخ خلف الغباري: دراسة في فن الزجل» لعوض الغباري عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، ضمن سلسلة الثقافة الشعبية رقم (7). والكتاب يقع في حوالي 220 صفحة من القطع المتوسط. وواضح من العنوان واسم المؤلف صلة القرابة العائلية بينهما. والكتاب يتناول أشعار رائد فن الزجل المصري في العصر المملوكي، وهو الشيخ «خلف الغباري» الذي عاش في القرن الثامن الهجري/ الرابع عشر الميلادي. وقد قام المؤلف بجمع أشعار الغباري من بطون المصادر المختلفة، لأن دواوينه قد فُقدت، فأضاف بهذا العمل ديواناً جديداً أضاء به جانباً مجهولاً من التراث المصري العامي الذي كان له أهمية في الكشف عن خصائص الأدب العامي المصري ممثلاً في فن الزجل.
ويستطرد المؤلف في تقديمه للكتاب مشيراً إلى أن الغباري قد تميز في أزجاله التاريخية، كما تميزت أزجاله في المثل والحكمة والغزل والطبيعة، مما دعا المؤلف إلى تحليل مضمونها، ونقد مصطلحها مقارناً بمصطلحات الفنون الأدبية التي تداخلت مع الزجل، خاصة الموشح. وقد عالج هذا الكتاب الخصوصية اللغوية لأزجال الغباري فضلاً عن كشفه لأبعادها الجمالية ممثلة في صورها الفنية وموسيقاها. وعلى هذا النحو تضمن الكتاب عرضاً وتحليلاً لأزجال الغباري مصنفاً إياها إلى: الأزجال التاريخية- أزجال الحكمة والمثل- أزجال الغزل والطبيعة. ثم استعرض هذه الأزجال في ضوء تقنيات الزجل: موضوعات الزجل-  اللغة-   الخيال-  الموسيقى. وننهي هذا العرض بمقطع من زجل الغباري يصف فيه نساء مصر قائلاً:
وملاح مصر قالت إحنا
أصحاب الوجوه الملاح
والحلاوة وطيبة الأخلاق
مبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاح
واحنا بدور الليــــــــــــــــــــــــل
وشموس الصبــــــــــــاح
وفي الألفاظ والظرف والمعنى
ليس لنا حد صـــــــــــــــــــــــــار
وورثنا الحسن من يوسف
واكتسبنا الفخــــــــــــــــــــــــــار

فنون الفرجة الشعبية
وفي إطار الدراسات المهتمة بفنون العرض والأداء الشعبي صدر عام 2013 كتاب فنون الفرجة الشعبية وثقافة الطفل لأماني الجندي، عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بسلسلة الدراسات الشعبية رقم (157). والكتاب يقع في 200 صفحة ويحتوي على ثلاثة فصول، تناول الأول خصائص ثقافة الطفل وأهمية الثقافة في حياة الطفل، ومدى ارتباطها وعلاقتها بالنمو الاجتماعي، وترسيخ الانتماء الثقافي للطفل بشكل عام وطفل القرية بشكل خاص. كما تعرضت الباحثة لمفهوم الثقافة الشعبية للطفل في علاقتها بمفاهيم الدراسة الأساسية والتي تتمثل في: الانتماء- الوعي المواطنة- الحفاظ على الممتلكات الاجتماعية.
أما الفصل الثاني فقد خصصته المؤلفة لبحث الوسائط الثقافية للطفل، وتعرضت فيه لمصادر تثقيف الطفل من حيث المؤسسات الرسمية المفروضة كالأسرة والمدرسة والمجتمع. وكذلك الوسائط الاختيارية لتثقيف الطفل كالأغاني والقصص وشعر الأطفال، وأهم مصادرها كتاب الأطفال، ومجلة الطفل، وسينما الطفل، وجريدة الطفل، والمسرح، والإذاعة، والتليفزيون، والمكتبات العامة. وتعرضت أيضاً لخصائص المرحلة العمرية من سن التاسعة إلى الثانية عشرة، وأهم مايميز هذه المرحلة من حيث النمو الجسمي والنمو العقلي والنمو النفسي، وضرورة إشباع هذه الحاجات في البرامج الثقافية والفنية المقدمة لهذه المرحلة. كما قدمت مفهوم الفرجة الشعبية والتثقيف في الريف وأهم عناصرها وأشكالها، وأهمها الأشكال المرتبطة بالدراما عامة والعرائس خاصة كخيال الظل، والأراجوز، وصندوق الدنيا، والمحبظين، والقرداتي. وقد خلصت المؤلفة انطلاقاً من النتائج العلمية التي توصلت إليها بمجموعة من التوصيات التي تسهم في الارتقاء بفن الفرجة الشعبية في مجال تثقيف الطفل، حيث أثبتت الدراسة فاعلية هذا الفن وجدواه في تنمية الوعي الثقافي لديه. وعلى رأس هذه التوصيات ضرورة العودة إلى هذه الفنون واعتبارها جزءاً من شخصيتنا وهويتنا في مجال الدراما والمسرح وفنون الفرجة. وكذا توجيه أنظار القائمين وصانعي القرار في مجالات الوسائط التثقيفية الشعبية إلى أهمية ودور الفرجة الشعبية في تثقيف الطفل.

أربعة مؤتمرات للهيئة العامة لقصور الثقافة
وفي إطار الفعاليات العلمية الخاصة بالتراث الشعبي عقدت الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة أربعة مؤتمرات علمية عام 2013 بكل من القاهرة والجيزة والقليوبية والمنوفية تناول كل منها جانباً مهماً في حقل البحث العلمي الفولكلوري.. وقد نُشرت  أعمال المؤتمرات في أربعة كتب صدرت جميعها عن الإدارة المركزية للدراسات والبحوث التي يرأسها الباحث والشاعر مسعود شومان، وهذه الإدارة تتبع كما أشرنا الهيئة العامة لقصور الثقافة. وقد حفلت بنشاط ملحوظ في الآونة الأخيرة من حيث الاهتمام بالبحث العلمي بالقاهرة وباقي محافظات الجمهورية.. ومن ثم خرجت عن النطاق التقليدي بالظهور دوماً بأضواء المدينة.. بل استطاعت الإدارة المركزية للدراسات والبحوث أن تضيء المحافظات الأخرى بفعاليات عالية المستوى دعت إليها الباحثين من جيل الرواد والشباب سواء بسواء..ولعل هذه المجموعة من المؤتمرات تنطوي على أهمية بالغة في الوقت الراهن، والذي نحتاج فيه لشحذ الهمم للبحث في عناصر الثقافة الشعبية، وجمعها وتدوينها وتوثيقها وحفظها من التشويه والتحريف، وتوظيفها بما يفيد وينفع، ونضيف للتاكيد علي هذا المعنى أن يكون الاهتمام بما يليق بكونها الذاكرة الجمعية للأجداد، والمكون الأساسي لذاكرة ووجدان الأجيال، ومن ثم يجب دراستها بعمق وعناية بالغة من قبل المتخصصين وتوظيفها في خطط التنمية المجتمعية وغيرها:

مؤتمر أطلس المأثورات الشعبية
والمؤتمر الأول الذي نعرض له أُقيمت فعالياته بمحافظة الجيزة تحت عنوان «عشرون عاماً على أطلس المأثورات الشعبية-التحديات والطموحات: أبحاث المؤتمر العلمي الأول لأطلس المأثورات الشعبية»، وقد نُشر في كتاب احتوى على نحو 300 صفحة، شارك فيه مجموعة باحثين وترأسه شمس الدين الحجاجي الذي كتب في مقدمة الدراسات مقالاً بعنوان «عشرون عاماً من العمل الأطلسي الجاد: أحمد شمس الدين الحجاجي». وقدم سعد عبد الرحمن مدير الهيئة العامة لقصور الثقافة لأوراق المؤتمر بمقال حمل عنوان حول خارطة مصر الشعبية وتجذير الهوية. على حين فضل مسعود شومان عنواناً شاعرياً حمل اسم «العاشق التاريخي الذي تورط في الأطلس». أما هشام عبد العزيز مدير أطلس الفولكلور آنذاك فقد كتب حول أطلس المأثورات الشعبية وحلم التعرف على الذات.
واستهل المجلد أبحاث المؤتمر بدراستين حول الاتجاه العربي لأطلس الفولكلور، الأولى لأحلام ابو زيد التي قدمت دراسة ناقشت فيها بعض التساؤلات والتحديات حول أطالس الفولكلور العربية، وفي الإطار نفسه تعرض سامي عبد الوهاب بطة لتحديات أطلس المأثورات الشعبية في مصر والعالم العربي. ثم قدم أحمد فاروق عثمان دراسة حول أرشفة مواد أطلس المأثورات الشعبية باستخدام المكانز. كما قدم  سيد خطاب رؤيته حول أشكال الفرجة الشعبية في العصر الرقمي. وفي إطار الأوراق العلمية المهتمة ببحث فكرة الأطلس ومفهوم الهوية قدم محمد أمين عبد الصمد قراءة أولية حول الضرورة الوطنية لأطلس الفولكلور. كما قدم خالد أبوالليل دراسة حول أطلس المأثورات الشعبية والحفاظ علي الهوية المصرية. كما حفلت الدراسات المقدمة بالمؤتمر ببعض الأوراق التي تعرضت للإطار التنموي فكتبت دعاء صالح حول تجربة دراسات السيرة الهلالية وتنمية المجتمع اجتماعياً وثقافياً متخذة من شاعر الهلالية الراحل عز الدين نصر الدين نموذجاً. وفي الإطار نفسه قدمت جاكلين بشري يواقيم دراسة حول الحرف اليدوية في محافظة كفر الشيخ والاستفادة منها في مشروعات التنمية. أما عبد الحكيم خليل فقد تناول أطلس المأثورات الشعبية بين التحديات ورهانات التطور التنموي ورقة استشراقية. واختُتمت الأوراق بدراسة سعاد إبراهيم خليل حول دور الدراسات الفولكلورية في خطط التنمية المجتمعية.

مؤتمر الحرف التقليدية
تمت فعاليات هذا المؤتمر بمحافظة القليوبية، ونُشرت أوراقه في كتاب مجمع في مايو 2013 في حوالي 500 صفحة. وقدم للمؤتمر سعد عبد الرحمن رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة الذي أشار في مقدمة بعنوان «الحرف التقليدية بين النفع والجمال» لدور الهيئة في دعم الحرف التقليدية، ورأس المؤتمر مصطفى عبد الرحيم الذي قدم ورقة بعنوان «رؤية مستقبلية للحرف التقليدية». أما مسعود شومان فقد كتب حول الحرف التقليدية والذات الحضارية. وعرض سالم الشربيني للقصور المتخصصة التي وصفها بذاكرة التراث الوطني.
وقد سُجلت أبحاث المؤتمر في ثلاثة محاور الأول حول إشكاليات الحرف التقليدية، وكتب فيه ياسر بنداري حول الأبعاد والمشكلات المرتبطة بواقع الحرفيين. كما تناول صفوت تهامي المعوقات والإشكاليات التي تواجه الحرف التقليدية مشيراً لاستخدام طفلة المحروسة «البلاص سابقاً» بمحافظة قنا بغية صنع إنتاج خزفي متميز. أما مجدي عزت عبد القادر فقد تناول حقوق الملكية الفكرية للحرف. وحمل المحور الثاني للمؤتمر عنوان «الحرف بين التقليد والتحديث» كتبت فيه أمانى شاكر حول الاستفادة من الأساليب الفنية الحديثة في تصميم النسيج المرسم وتنمية الصناعات الحرفية النسيجية في مصر. وتناول علاء صباح تطويع الآلة والتكنولوجيا للحفاظ على الحرف الزجاجية التقليدية. وكتب كل من طارق عبد الرحمن أحمد وطارق أحمد إبراهيم خليل حول الصناعات التقليدية المصرية ودورها في تنمية المجتمع. أما المحور الثالث والأخير فقد اشتمل مجموعة دراسات حول جماليات الحرف التقليدية، بدأتها منال شلتوت ببحث حول الإبداع التجريبي لحرفة التطعيم بين الفن والتكنولوجيا. تلتها دراسة لضحى الدمرداش حول توظيف الخيامية كأحد الحرف التقليدية لابتكار ملابس معاصرة للسيدات مسايرة لاتجاهات الموضة العالمية. ثم دراسة لسلوى عبد الباري تناولت فيها الحرف التقليدية والاستلهام من التراث بين الأصالة والمعاصرة. وقد حرص القائمون على إعداد كتاب المؤتمر على تسجيل فعاليات المائدة المستديرة التي حملت عنوان «سبل دعم الحرف التقليدية وإحياء التراث». والتي ناقشت أربع أوراق مهمة الأولى لنهى فهمي حول دراسة الفخار في منطقة مصر القديمة. والثانية لأميرة سليمان التي عرضت لدراسة لإحياء أساليب الحرف التقليدية. ثم نهى عفيفى التي ناقشت موضوع زخارف الأطباق النجمية بين الإبداع والصناعة. وأخيراً عرضت هبة الصايغ لمنسوجات القباط كإحدي الحرف النسيجية التقليدية المصرية..

مؤتمر القرية المصرية
وقعت فعاليات هذا المؤتمر بمحافظة المنوفية ونُشرت أبحاثه عام 2013 في كتاب ضم مايقرب من 500 صفحة. بدأ بمقدمة لسعد عبد الرحمن حول القرية المصرية..نظرات متجددة. تلاها مقدمة لمسعود شومان بعنوان «قرى مصر وصياغة الوجود» مشيراً قوله «إننا نحاول في مؤتمرنا هذا أن نقدم وصفاً جيداً وعلمياً للحال والحالة في قريتنا المصرية، من خلال أبحاث نخبة مقدرة من علمائنا لتنطلق الإدارة المركزية للدراسات والبحوث في سابقة هي الأولى لعقد مؤتمرات تتواصل نظرياً وميدانياً مع أدوات ووسائل ومناهج العلوم لاستعادة القرية المصرية برونقها وناسها الفاعلين.
واشتملت أوراق المؤتمر ثلاثة محاور أيضاً المحور الأول حمل عنوان «عمارة القرية المصرية... رؤى وتصورات». واشتمل على مجموعة أبحاث بدأها إسلام محمد هيبة بدراسة نقدية تحليلية حول القيم الجمالية للعمارة الريفية وعلاقتها بالإمكانات الوظيفية والمعيشية في الريف المصري. ثم دراسة  محمد سمير حول البناء في القرية المصرية: الفوضى في مقابل التخطيط (مع مقترح لإنقاذ الأرض ونسقها). أما المبحث الأخير في هذا المحور فكان لسامية فاضل التي تناولت البيئة العمرانية للقرية المصرية بين تراث الماضي وحداثة المستقبل. وخُصص المحور الثاني لموضوع «القرية المصرية من منظور اجتماعى» كتب فيه محمد بيومى بحثاً بعنوان «القرية المصرية بين القضاء العرفي والرسمي»، ثم حسنين كشك حول الشخصية الفلاحية بين الثبات والتغير. وأخيراً رفعت البدري الذي اهتم ببحث موضوع تأثير الإعلام الجماهيري على أنماط السلوك في التنمية الريفية. أما المحور الثالث في هذا المؤتمر فكان حول النشاط الريفي بين الموروث وآليات التحديث. تناول فيه إيهاب الصعيدى بحثاً حول أدوات العمل الزراعي، كما تناول فارس الخياط موضوع تربية الدواجن في القطاع الريفي. واختُتمت أبحاث هذا المحور والكتاب عامة بدراسة أحمد جمعة التي تناول فيها مشاكل الري وأزمة المياه.

مؤتمر الطفل والمستقبل
تمت فعاليات هذا المؤتمر بالقاهرة ونُشرت أوراقه في أبريل 2013، في كتاب اشتمل على 470 صفحة. وقدم له سعد عبد الرحمن بمقدمة بعنوان طفل المستقبل...وطن المستقبل. وترأس المؤتمر جار النبى الحلو الذي كتب مقدمة حول عالم البراءة ورؤى المستقبل قائلاً: «اسمحوا لي في أول لقاء بعالم البراءة- عالم الأطفال- أن أرحب بحواديت الجدات، وبيدبا، وأندرسون، وإيسوب، وأوسكار وايلد، وشخوص ألف ليلة وليلة، والحكايات الشفاهية التي أضافتها الشعوب». وأُرحب بكتابنا: كامل كيلاني، أحمد نجيب، عبد التواب يوسف، يعقوب الشاروني، محمد المنسي قنديل، وآخرين كتبوا الحكاية المدهشة، هؤلاء الأطفال الذين تخفوا في صورة كتاب ليقدموا البهجة للطفل. أما مسعود شومان فقد كتب مقدمة بعنوان «بعيداً عن صكوك الاهتمام بالطفل». وكتبت نجلاء علام - أمين عام المؤتمر-   مقدمة بعنوان «مستقبل الطفل المصري بين الحلم والواقع».
أما أبحاث المؤتمر فهي كثيرة ومتنوعة تناولت ثلاثة محاور الأول بعنوان «قصص الأطفال بين التراث والخيال العلمي» وتضمن ثلاثة أبحاث بدأتها عواطف سيد أحمد بدراسة حول ألف ليلة وليلة منبع الحكايات «دنيا زاد» الطفولة الحاضرة في الليالي. ثم محمد الضبع الذي كتب عن كليلة ودمنة ودلالة الرمز. وتناول رجب سعد موضوع قصص الخيال العلمي المقدمة للطفل. أما المحور الثاني فقد تناول أصحابه موضوع «حقوق الطفل بين المواثيق الدولية والقوانين المصرية» من خلال بحثين الأول لمحمد الشافعي حول الطفل في الدستور الجديد صياغة مرتبكة وحقوق غائبة (دراسة مقارنة). والثاني ليعقوب الشاروني حول حقوق الطفل الثقافية.. وفي المحور الثالث المعنون «الوعي السياسي للطفل (الروافد والتكوين)» نجد ثلاث دراسات الأولى لعفاف عويس بعنوان «أطفالنا في عالم يتغير». والثانية لحافظ شمس الدين بعنوان «التربية السياسية ضرورة معرفية للطفل». والثالثة لشاهندة ترك حول الميديا والتنشئة السياسية للطفل المصري. وحفل المؤتمر بمائدتين مستديرتين الأولى حول شعر الأطفال بين الفصحى والعامية، اشترك فيها أحمد سويلم بورقة حول شعر الأطفال بين الفصحي والعامية. وتناول نشأت المصري الشعر بين الأمس واليوم، وناقش عزت ابراهيم الطفل المصري ما بعد2011م  وزمن الميديا. وناقشت أمل جمال موضوع أغاني الأطفال وتشكيل الهوية المصرية، وانتهت هذه المائدة بورقة عبده الزراع الذي قدم ورقة بعنوان «قراءة الشعر تفتح آفاق المعرفة». أما المائدة المستديرة الثانية فقد حملت عنوان «الألعاب الشعبية بين الاندثار والبقاء» تضمنت ستة مداخلات الأولى لأحمد زحام حول الألعاب الشعبية بين الاندثار والبقاء، والثانية  لدعاء صالح التي عرضت للألعاب الشعبية ومواجهة خطر الاندثار أسئلة تطمح للإجابة.. ثم تناول فؤاد مرسي ألعاب الأطفال الشعبية بين الاتصال والانفصال. وتساءل إبراهيم محمد حمزة: عطر الزمان الخفي: ألعاب الزمن الجميل..من سرقها؟. والمداخلة الخامسة لصفاء عبد المنعم حول ألعاب الأطفال الشعبية بين الاندثار والبقاء. وأخيراً قدمت عزة أنور مداخلة بعنوان الألعاب الشعبيية المفهوم والخصائص والأهمية. وقد سجل الكتاب أيضاً ثلاث شهادات المهمة حول الطفل الأولى لشويكار خليفة حول واقع الرسوم المتحركة العربية-  الإنتاج – المواصفات- الآفاق. والثانية لمحمد كشيك بعنوان «في مسألة الكتابة للأطفال»سيرة الكتابة»، وأخيراً قدم عبد التواب يوسف شهادته بعنوان «نحو استراتيجية ثقافية وإعلامية للطفل المصري».

صياغة مستقبل التراث المصري
وفي إطار استعراضنا للفعاليات التي تمت في مصر خلال الأشهر الماضية، نشير هنا لهذا المؤتمر- الذي لم تُطبع أوراقه في كتاب حتى الان- حيث نظمت المبادرة الوطنية لصياغة مستقبل التراث المصري مؤتمرها الأول بالقاهرة يوم الأحد 23 مارس 2014 بقاعة المؤتمرات بالجمعية الجغرافية بوسط القاهرة. وشارك في المبادرة كوادر مصرية من ذوي التخصصات العلمية والخبرات الميدانية المختلفة في قطاع التراث وبصفتها الشخصية من منطلق التزام أخلاقي تجاه التراث المصري. وليس لها أي توجهات سياسية أو حزبية أو مصالح فردية.
وتهدف المبادرة إلى تقييم الوضع الحالي واقتراح منظومة مستقبلية لإدارة وتنمية التراث المصري، من خلال استراتيجية متكاملة تشمل التعريف بعناصر التراث المصري والمؤسسات المعنية به وتحديد أدوارها وعلاقاتها التنظيمية، مع وضع تصور أفضل لهيكلة وتطوير مؤسسات التراث طبقاً للمنهجية الحديثة لمؤسسات التراث الدولية التي تشترك مصر بعضويتها وطبقاً لتوصيات اللقاءات العلمية ذات الصلة بالتراث المصري. كما تسعى المبادرة لتقديم حلول (عاجلة وطويلة المدى) لتأمين المتاحف ومواقع التراث وإدارة الأزمات وتنمية الموارد البشرية والتمويل الذاتي واقتراحات لحزمة من التشريعات تتناسب مع الهيكلة الجديدة وتعزز من حماية التراث المصري. وكان اعضاء المبادرة قد عقدوا عدداً من اللقاءات في الآونة الأخيرة في شكل مناقشات مفتوحة لمائدة مستديرة شارك فيها الجميع بأفكاره لكل محور معروض للنقاش. كما شكلت المبادرة لجان عمل متخصصة (مثل لجنة الهيكلة – لجنة تنمية الموارد البشرية – لجنة التمويل – لجنة حماية المواقع والمتاحف – اللجنة القانونية – لجنة التراث المعماري والعمراني – لجنة التراث الطبيعي – لجنة التراث اللامادي)، كما تواصلت المبادرة مع  بعض الخبراء المتخصصين في جوانب المبادرة بإجراء جلسات استماع للاستفادة من تخصصاتهم واستكمال المنهج الاستراتيجي للمبادرة. وتمثل هذه المبادرة نقطة بداية وحجر أساس للتواصل والتنسيق بين الجهود الوطنية لمؤسسات التراث المصري والعاملين فيها والخبراء المختصين وواضعي السياسات والمؤسسات العلمية والتنفيذية والأهلية ذات الصلة. ويأتي هذا المؤتمر الأول للمبادرة, لعرض الخطوط العامة للمبادرة والتواصل مع كل المهتمين بشأن التراث المصري لتلقي اقتراحهم ورؤيتهم الاستراتيجية. كما تدعو المبادرة لعقد مؤتمر علمي مهني جامع بنهاية شهر إبريل 2014 بمشاركة كل الخبرات والكفاءات المصرية والمبادرات الوطنية الأخرى للتوصل للصياغة النهائية للخطة الاستراتيجية لمستقبل التراث المصري ورفعها للجهات الرسمية بالدولة.

أعداد المجلة