فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
26

اللهجة الموسيقية في الأغنية الشعبية دراسة تحليلية لنمط “الصُّوتْ” أنموذجا

العدد 26 - موسيقى وأداء حركي
اللهجة الموسيقية في الأغنية الشعبية دراسة تحليلية لنمط “الصُّوتْ” أنموذجا
كاتبة من تونس

يندرج الخطاب في الموسيقى ضمن فكر موسيقيّ يقوم أساسا على جملة من الرّموز والإشارات والإيماءات وغير ذلك من الأشكال التّعبيريّة، يختلف باختلاف المجتمع من حيث بيئته وثقافته وعاداته وتقاليده وغيرها من العناصر التي تعطيه خصوصيته المميّزة، لذلك نجد بأنّ اللهجة الموسيقية في الأغاني الشعبية بمختلف أنماطها يمكن أن تكون موضوع بحث ودراسة لمعرفة خصوصيات موسيقية قد تمكّننا من تحديد الهُوية الفنيّة للمجتمع المبدع لهذه الأغاني.

وقد اخترنا في هذه الدراسة أن نقدّم مقاربة تحليلية لأحد الأنماط الغنائية الشعبية المتداولة ببعض المناطق من البلاد التونسية وهو نمط “الصُّوتْ”، وذلك في محاولة منّا لاستخراج مختلف العناصر الفنية الذي يحتويها هذا النمط الغنائي وبالتالي الكشف عن خصائص اللهجة الموسيقية المميّزة له والكفيلة بإعطاء فكرة حول طبيعة الأثر الفني من حيث مرجعيّته الموسيقية والثقافية.
وللسّائل أن يتساءل: أيّ معنى وأيّة دلالة للّهجة في الحقل الموسيقي؟ وإلى أيّ مدى يمكننا تحديد المرجعية الثقافية والموسيقية لنمط غنائي أو قالب آلي ما؟ وكيف يمكننا استخراج العناصر الفنية المكوّنة للهجة الموسيقية في الأثر الفني؟ وهل بالإمكان معرفة البيئة التي ينتمي إليها هذا الأثر انطلاقا من تحليل الخطاب الموسيقي فيه وتحديد مقومات لهجته الموسيقية؟  
جملة من التساؤلات التي راودتنا ولا تزال حول موضوع اللهجة الموسيقية ومفهومها، وسنسعى من موقعنا كمختصّين في العلوم الموسيقية الإحاطة بهذه التساؤلات ومحاولة الإجابة عنها وذلك من خلال تقديم أنموذج تحليليّ لنمط غنائي من الموسيقى الشعبية بالبلاد التونسية وتحديدا بمنطقة جبنيانة(1) والمتمثّل في صوت «عَلْجَنَّاتْ» وهو من بين العديد من الأنماط الغنائية المتنوّعة والمختلفة من حيث الشكل والمضمون التي كنّا قد قمنا بتجميعها وتصنيفها خلال العمل الميداني التابع لبحث الماجستير في الموسيقى وأثنولوجيا الموسيقى(2).     

في ماهية اللهجة الموسيقية
اللَّهْجَةُ في اللغة هي طَرَفُ اللِّسَانِ أو جَرَسُ الكَلاَمِ، ويقال فُلاَنٌ فَصِيحُ اللَّهْجَة، وهي لُغَتُهُ التِي جُبِلَ عَلَيْهَا فَاعْتَادَهَا وَنَشَأَ عَلَيْهَا(3)، وبصفة عامّة يُفهم من معنى اللهجة في المعاجم العربية أنها اللغة أو طريقة أداء اللغة أو النطق أو جَرَس الكلام ونغمته.
أمّا اصطلاحا فتَعني اللهجة العادات الكلامية لمجموعة قليلة من مجموعة أكبر من الناس تتكلم لغة واحدة(4)، كما تُعرَّف على أنّها:
 « مجموعة من الصفات اللغوية(5) التي تنتمي إلى بيئة خاصة، ويشترك في هذه الصفات جميع أفراد هذه البيئة وبيئة اللهجة هي جزء من بيئة أوسع وأشمل تضم عدة لهجات، لكل منها خصائصها، ولكنها تشترك جميعًا في مجموعة من المظاهر اللغوية التي تيسر اتصال أفراد هذه البيئات بعضهم ببعض، وفهم ما قد يدور بينهم من حديث فهمًا يتوقف على قدر الرابطة التي تربط بين هذه اللهجات»(6).
إن دراسة اللهجات دراسة علمية في كل البيئات، ومعرفة خصائصها المميزة لها مطلب يسعى الباحثون في حقل الدراسات اللغوية والغير اللغوية إلى تحقيقه، لما في ذلك من فائدة جليلة، كما أن نتائج مثل هذه الدراسة تضيء جوانب يكتنفها الغموض في بعض المسائل المتعلّقة بالمرجعيّة البيئية والثقافية وغيرها من المسائل التي تفضي بنا إلى تحديد ملامح الهُوية في شتّى مظاهرها وتقدم لنا معلومات عن العادات التقاليد وغير ذلك من الأمور التي تهمّ المؤرّخ في علم التاريخ والاجتماعي في علم الاجتماع والباحث في علم الموسيقي والاثنوموزيكولوجيا(7) وغيرها من الاختصاصات العلمية.
ومن هنا يمكننا ربط الحديث آنفا بما يُعبّر عنه باللهجة الموسيقية، فكأنّما نتحدّث عن لغوية الموسيقى(8) وهذا في اعتقادنا أمر مشروع على اعتبار أنّ أكثر ما ذهب إليه الباحثون في هذا المجال هو دراسة وتحليل الخطاب الموسيقي، فالمسألة بالنسبة إلينا تبدو واضحة وجليّة، فعندما نقول خطاب موسيقي فكأنّما اتّخذنا الموسيقى لغة لها مقوّماتها ونواميسها الخاصّة بها وهذا ما يحملنا للإقرار بوجود لهجة موسيقية متأتّية من رحم هذه اللغة الموسيقية تكون منطلقا لتحديد المرجعية الاجتماعية والثقافية والفنية للمجتمع المتأتّية منه تلك الموسيقى.   

تعريف الأغنية الشعبية
تُعرَّف الأغنية الشعبية  «على أنها الأغنية التي يردّدها الشعب ويستوعبها ويتناقلها وتصدر عن وجدانه وتعبر عن آماله، وليس شرطا أن يكون الشعب هو مؤلفها بل تبناها من مؤلفها الأصلي المجهول فأصبحت ملكا للشعب» (9).
وتُعتبر الأغنية الشعبية رواسب لتجارب طويلة عاناها الأجداد ونتاجا لتفاعلهم  مع بيئتهم الجغرافية والطبيعية وحصائل ظروفهم التاريخية(10) فهي «متفجرة من أعماق الشعب، معبّرة عن مشاغله وطموحاته المختلفة، مواكبة له في كل مراحل حياته واحتفالاته الخاصة والعامة، الدينية والدنيوية»(11).
وفي مجمل ما تمّ تصفّحه من دراسات(12) حول الأغنية الشعبية، استنتجنا أن هذه الأخيرة مرتبطة ارتباطا وثيقا بحياة الإنسان في كامل مراحلها لذلك نجدها ثرية ومتنوعة في أساليبها وأغراضها بتنوّع المناسبات الاحتفالية الدينية منها والدنيوية.
إذن يمكننا تقديم الأغنية الشعبية وفق التصنيف التالي:
- الأغاني الدينية: كالمدائح النبوية، ومدائح الأولياء الصالحين.
- أغاني المناسبات الاحتفالية: كأغاني العرس التقليدي.
- أغاني العمل: كأغاني جني الزيتون وأغاني البحارة.
- أغاني الزندالي وهي تلك الأغاني الخاصّة بحفلات “الربوخ”(13).
- أغاني الزنوج (السطمبالي(14)).
إن ما وجدناه في الأغاني الشعبية التونسية من تنوّع في الأصناف، يعود إلى وجود ثروة حيّة وهامّة في رصيد الموسيقى الشعبية والتي تظهر واضحة في مختلف مجالات الحياة الشعبية في كامل تراب البلاد التونسية.

الخصائص الفنية للأغنية الشعبية:
رغم التنوّع الذي تمّ رصده في الأغاني الشعبية التونسية من حيث الأصناف والأغراض من خلال تصفّحنا لجملة من الدراسات التي تناولت بالبحث في هذا الموضوع، لاحظنا أنّ هذه الأغاني تشترك في نفس الخصائص سواء كان ذلك من حيث الكلمة أو اللحن أو الأداء، وهو ما سنحاول إبرازه في هذا العنصر من خلال عرض جملة من الخصائص الفنية بدءا من النص الشعري لها مرورا ببنائها اللحني وتركيبتها الإيقاعية وانتهاء بأسلوبها الأدائي.
فمن جهته ذكر الباحث ناصر البقلوطي(15)أنّ النص الشعري في الأغنية الشعبية التونسية:
  «يتميّز بجزالة المعنى ورقة اللفظ واكتنازه بالحكم والأمثال وغالبا ما يكون هذا النص أبياتا من الشعر الشعبي النابع من عامة الشعب والذي يرتكز على اللهجة العامية ولا يعني أن شعر العامية برمته أو الشعر الملحون هو بالضرورة شعر شعبي لأن الشعر الملحون قد يعبّر عن مزاج قائله المتفرد وعن ذاته وتجربته الشخصية بينما يعكس مضمون الشعر الشعبي التجربة الجماعية والأحاسيس العامة»(16).
وفي هذا المنحى، وعن الكلمة في الأغنية الشعبيّة، يضيف لطفي الخوري قائلا: «تأتي الكلمة عفوية منبعثة من الذات الشعبية غير المعقدة دافقة بالأحاسيس دون محاولة لكتمانها أو تغطيتها بكلمات منسقة ومنمقة لذلك فإنّنا نجد أنّ هذه الكلمة تكون في ظاهرها بسيط وفي فحواها عمق وصدق في التعبير»(17) .
إنّ ما سبق ذكره عن الأغنية الشعبيّة، وحسب أقوال الباحثين عن بساطة الكلمة وجزالة المعنى واللّهجة العامية ومجهوليّة المؤلف وسرعة انتشارها وتناقلها شفويّا، يحملنا إلى تأكيد الرأي القائل بأنّ النصّ الشعريّ غالبا ما يتضمّن في محتواه مختصرا لتجارب بشرية في مختلف المجالات الحياتية المختلفة التي تعبّر عن قيم وعادات وأنماط من السلوك للمجتمع.
أمّا من حيث اللّحن فقد ذهب بعض الباحثين في مجال الموسيقى الشعبيّة بالقول أنّ خصائص البناء اللّحني لا تختلف كثيرا عن خصائص النص الشعري خصوصا من حيث «بساطة» الجملة الموسيقية وعدم معرفة الملحن الأصلي للأغنية وسرعة تداوله بين الناس شفاهة دون التقيّد بترقيم موسيقي، وهذا ما ذهب إليه الباحث لطفي الخوري بقوله(18):  «وما يصدُق على نصّ الأغنية الشعبية يكاد ينطبق على ألحانها،...إذ أنّ ملحنها في الغالب هو مؤلفها نفسه ذلك الإنسان الشعبي البسيط الذي يندفع بالغناء المنبعث من تأثره بحالته الاجتماعية التي يعيش فيها وفي الظروف أو المناسبات التي وجد فيها».
لقد حاولنا في هذا العنصر، واعتمادا على ما آلت إليه بعض الدراسات حول الأغنية الشعبيّة، أن نقدّم وصفا وجيزا وعامّا لأبرز الخصائص الفنيّة من حيث النصّ الشعريّ والبناء اللحنيّ، وقد تبيّن لنا من خلال هذه الخصائص أنّ الأغنية الشعبية تقوم أساسا على النصّ النّابع من المجتمع التقليدي الذي يصوّر لنا مختلف العادات والتقاليد الشعبية ويعبّر عن أحاسيس هذا المجتمع وانفعالاته، ومن هذا المنطلق يمكننا الإقرار بأهميّة الأغنية الشعبية وما لها من وظائف تُجاه الإنسان(19).

تعريف «الصُّوتْ»:
بالرجوع إلى المعاجم اللغويَّة نجد أن الصَّوْتُ لغة هو الجَرسُ، وتعود كلمة “صَوتْ” إلى فعل صَاتَ يَصُوتُ ويُصَاتُ صَوْتًا، وَأَصَاتَ، وَصَوَّتَ بِهِ: كلّه نَادَى. ويقال: صَوَّتَ يُصوِّت تَصويتًا، فهو مُصَوِّت وذلك إذا صَوَّتَ بِانْسَانٍ فَدَعَاهُ. والصَّائِتُ هو الصَّائِحُ. فيُقال: أَصَاتَ الرَّجُل بالرّجل إذا شَهَرَه بأمر لاَ يَشْتهيه. وانْصَاتَ الزَّمَان به انْصِيَاتًا: اشْتَهَر، والصِّيتُ: الذِّكْر، يُقال ذَهب صِيتُه فِي النَّاس أيْ ذكره. والأصْوَات جمع صَوْتٌ أَي كلّ ضَرْبٍ مِن الغِنَاء، والصِّيتُ هو مَنْ كَان شَديد الصَّوتِ، فيقال: رَجل صَاتَ وصَيّتٌ أَي شَدِيد الصَّوْت، والرجل المِصْوَات أي كثير التَّصْوِيت.(20)
ويُقال في موضع آخر أن الصَّوْت هُو صَوت الإنسان وغيره، وذَكر الله عزّ وجلّ في كِتابه العزيز: «واسْتفزِزْ من اسْتطَعتَ بِصَوتِك». قِيلَ بأصْواتِ الغِناء والمَزامير، وأَصَاتَ القَوسَ جعلها تُصَوِّتُ(21).
أمّا اصطلاحا فيُعرَّف «الصُّوتْ» على أنّه أحد الأنماط الغنائية والمقترن أساسا بالأنشطة اليومية والمناسبات الاحتفالية خاصّة تلك المتّصلة بالمرأة الريفية، وقد نجد هذا النمط في العديد من الأغراض الشعرية لذلك يؤدّى في مختلف المناسبات متخذّة في ذلك إطارا معينا خاصّا بها فنقول مثلا «صُوتْ الحِنَّة» أي الصُّوت الذي يؤدّى في «يوم الحِنَّة».
وقد جرت العادة أن يؤدَّى هذا الصوت دون مصاحبة آلة إيقاعية من طرف أربعة نساء تقول إحداهنّ: «هَيَّا هِزُّو الصُّوتْ» ومعنى هنا «هَزَّانْ الصُّوتْ» هو المبادرة بالغناء، وتتمثّل طريقة الأداء في أنّ إحدى هؤلاء النساء الأربعة تُبادر بالغناء لتَلْحَق مباشرة بعدها امرأة ثانية فتحاكيها غناءً، أما المرأتان المتبقيتان فمهمّتهما تقتصر على ترديد ما تمّ غناؤه من طرف المرأة الأولى والثانية معا وهذا ما يعبّر عنه بــ«شَدَّانْ الصُّوتْ» أو «التَّرْجِيعْ». وقد تختلف طريقة أداء «الصُّوتْ» في بعض المناسبات وذلك في حالة وجود نقص في عدد النسوة المنشدات حيث تضطرّ امرأتان على الأقلّ بأداء «الصُّوت» بطريقة تأخذ فيها إحداهما المبادرة بالغناء («تْهِزْ الصُّوتْ») لتردّد عنها المرأة الثانية ببيت آخر في نفس الصياغة اللحنية لما أدّته المرأة الأولى («شَدَّانْ الصُّوتْ»).
وفي واقع الأمر أنّ هذا النمط الغنائي لا يخلو من احتوائه لإيقاع داخليّ ضمن الأبيات الشعرية المغنّاة على الرغم من أن أداءه يكون دون مصاحبة آلة إيقاعية وبالتالي فإن المرأة عند الغناء تجد لها حرية تمديد الحروف أو تقصيرها(22) فضلا إلى إمكانيّة إضافة الألفاظ والتي تكون متأتيّة ممّا يخالجها من مشاعر وأحاسيس عند لحظة الأداء، وتجدر الإشارة إلى أنّ هذه العمليّة تكون مبنيّة أساسا، وحسب إمعاننا في الاستماع، على مبدإ إيجاد تطويع إيقاعيّ بين النصّ الأصلي والبناء اللحني للنمط الغنائي.  
ونورد فيما يلي نموذجا من نمط «الصوت» والذي يِؤدّى في يوم الحناء:
مِـــــدِّي يِــــدِّكْ لِـلْحِنَّـــهْ وِنـْحَـــنِّــيــهَا
             وُامْمِّـيمْــتِكْ فَــرْحَانَــة بِيـهَــا
مِـدِّي يِـدِّكْ لِلْـحِنَّــة وِالـــتَّـــضْرِيــــــــــــــــفْ
             وُيِخْدْمِـكْ شُـوشَــانْ وُصِيـــفْ
مِـدِّي يِدِّكْ لِلْـحِنَّهْ وِارْخِيلــــــِي يـــــــِدِيهْ
            وُأُمِّ الــخَــوَاتـــــِمْ ذَهْــــــبِــيَّـــة
    مِدِّي يِدِّكْ لِلْحِنَّة وِارْخِيلِي الصِّوَابَعْ
            وِالخَــــوَاتِـــــــمْ بِـــــــــالطّوَابِعْ

تحليل النموذج الغنائي(23): صُوتْ «عَالجَنَّاتْ»
 - الجانب الشعري:
سنعتمد في تدويننا للنص الشعري لصوت «عَلْجَنَّاتْ» على التسجيل الصوتي لأمي «حميدة» إثر مقابلة أجريناها معها بمنطقة البحث، وسنحرص على تدوين المفردات المحلية للمنطقة كما تمّ تلفظها من طرف المخبرة.

- النص الشعري:
يَا نَاسْ كِـــــــيفْ الصَّبِرْ عَلْ  جَنَّاتْ
    نُوحُوا مْعَــــــايَا وُسقِّطُوا الدَمْعَاتْ
** * * * * *
وُجَنَّـــــــــاتْ هِـــــــــيَ جَـــــــــــــــــــنَّه
       وْخوِيلِفْهَا مَـــا مْشَــــا وْمَــــاتْ مِنَّا
يَا مْــــــــــخَــضِّــبَــــــة بــِالـحِنَّـــــــة
              تَحْلِفْ عْرُوسَة لِيلْةِ الدِّخُولِ جْلَاةْ
** * * * * *
جَنَّـــــــــــــاتْ هِــــــــــــيَ رْجِيـــــــلَـة
             يَا مُوَجِّلَــة قْبَلْ لُمَّـــــــاتْ بْلِيلًهْ
عزِّيـوْني يَا نَاسْ قْبِلْتِ جْمِيــلَـهْ
                       كِيف نِصْبَرْ نِصْبَرْ عْلَى جَنَّـاتْ
** * * * * *
كِــــــي جَــــــــاتْهَـــــــا الهَـوَّايَـــــــه
                  قَعْدِتْ عَــــمِّتْهَا هِــيَّ وْنَــايَ
قُلْتِلْهَا لَا بَــــاسْ يَــــامَــــــشْـكَـايَا
                  تْلَفْتـِتْلِي وِتْنَهْدِتْ وِبْـــكَاتْ
** * * * * *
جَنَّاتْ مَـــــا تَــــــمْـــــــــشِــــيــشِي
    بَالِكْ نْمُوتْ بَعْدِكْ وْمَا تْـرَانِــيشِي
إمْشِي وْرَاء نَعْشِي وْمَاِتبْـــكِـيشِي
     لاَ يْقُولُوا فْلَانَهْ مْعَ فْـلَانْ زْنَــــــاتْ
** * * * * *
لْـــــــحَقْتْ لِلْجَبَّــــــــــــــــــــــانَــة
     عَرْضُونِي النَّاسْ مْــرَوْحَـة دَفَّانَة
قُلْتِلْهُمْ يَا نَاسْ وِينْـهِي فْلَانَـهْ
    قَالُولِي فْلَانَهْ تَحْتِ اللّحُودْ غْـبَاتْ
** * * * * *
مْــــــــــشِيــــتْ نْـــــرَحِّمْ عْـــلِيهَا
                   اِنْحِلْ اللّحُودْ نْحُطْهَا عْلَى جِـيهَه
وْقْـــــــعَــــــتدْتْ نُنْــــظُــرْ فِيـهَا
         مِلْكِ المُــوتْ يِـبَـــدِّلْشــِي فِيــــهَــــا

- شرح المفردات:

 الشرح المفرادات
 مشتقة من فعل “ناح” أي بكى بصوت عالي وعدّد مناقب الميت  نُوحُوا
 “أسكبوا” الدمع من أعينكم (ابكوا)  سقِّطُوا
 هي تصغير لكلمة “خليفها” أي الشخص الذي سيكون مكانها  خوِيلِفْهَا
 هم الأشخاص الذين قاموا بهمة دفن “جنات”  دَفَّانَة
 اختفت  غْـــــبَاتْ
 أطلب لها الرحمة  نْــــــرَحِّمْ

 


 

 - الجانب الموسيقي:
- النص الموسيقي(24):






- البناء اللحني:
انطلاقا من الوثيقة المسموعة والنص الموسيقي يمكننا استخراج المسار اللحني التالي:

يحتوي هذا الأثر الفني على وحدة لحنية(25) متكاملة تشتمل على جملتين موسيقيّتين هما:

الجملة الأولى: وهي الجملة التي تمّ خلالها أداء الشطر الأول من البيت الشعري (يَا نَاسْ كِـــــــيفْ الصَّبِرْ عَلْ  جَنَّاتْ) وقد تميّزت هذه الجملة باحتوائها على بعض الدرجات المحورية التي قام عليها الخط اللحني لهذا الصوت، وتتمثّل هذه الدرجات في كل من درجة الدوكاه (راي) ودرجة الجهاركاه (فا). انتهت هذه الجملة بركوز مؤقّت على درجة الدوكاه مع جسّ درجة الراست عند القفلة.

الجملة الثانية: تمثّل هذه الجملة لحن الشطر الثاني من البيت الشعري (نُوحُوا مْعَــــايَا وُ سقِّطُوا الدَمْعَاتْ) وقد وقع التركيز فيها على كل من درجة النوا (صول) ودرجة الراست (دو)، والجدير بالذكر أنّ هذه الدرجة هي التي تمّ جسّها مع نهاية أداء لحن كل شطر من البيت الشعري.

اعتمادا على الترقيم الموسيقي فإنّ المجال الصوتي لصوت «ع الجنّات» يمتدّ من درجة الراست (دو) إلى درجة الحسيني (لا)، ويمكن وصف هذا المجال بالمحدود على اعتبار أنّه لم يتعدّ الستّ درجات.

على مدى الخط اللحني لصوت «ع الجنات» نلاحظ تواجد بعض المسافات الصوتية والمتراوحة بين الثنائية والثلاثية والرباعية والخماسية:
مسافة الثنائية:

مسافة الثلاثية:

مسافة الرباعية:

مسافة الخماسية:

نلاحظ من خلال استخراجنا لمختلف المسافات الصوتيّة أنّ البناء اللحني لهذا النمط الغنائي قد تميّز بتنوّعه في الانتقالات الصوتيّة على الرغم من محدوديّة المجال الصوتي وهذا ما يمثّل خصوصيّة لحنيّة يتميّز بها هذا «الصّوت».
وما يمكن ملاحظته أيضا من خلال المسار اللحني لصوت «ع الجنّات» هو وجود الحركات اللحنية النازلة، وهي في اعتقادنا التي حدّدت طبيعة الخط اللحني للصوت والذي تميّز في مجمله بتدرّج درجاته الموسيقية انطلاقا من درجة «الحسيني» وصولا إلى درجة «الراست».

تبرز لنا هذه الحركات اللحنيّة طبيعة اللهجة المقاميّة المعتمدة في صياغة لحن “الصّوت” والتي من خلالها يمكننا تحديد ملامح الخطاب الموسيقي المعتمد في أداء هذا النمط الغنائي، وقد لاحظنا أنّها لا تخضع إلى أيّ من القواعد النظريّة للطبوع التونسيّة، وتبقى مسألة تحديد خصوصيّة إيقاعيّة لحنيّة تابعة لنغمة “الصُّوتْ” مجالا للبحث من خلال التطرّق إلى جمع وتصنيف كامل الرصيد الغنائي الشعبي ومن ثمّ تحليله للوقوف عند أبرز الخصائص النغميّة لمختلف الأنماط الغنائيّة الشعبيّة.   

- الإيقاع الموسيقي:

 



إنّ أبرز ما يمكن ملاحظته على مستوى الإيقاع في صوت “ع الجنات” هو وجود أحد أشكال السكوت والمتمثّل في “النفس”(   ) والذي تواتر ستّ مرات على مدى أداء البيت الشعري، وقد تواجد هذا الشكل ثلاث مرات في الشطر الأول من البيت وثلاث مرات في الشطر الثاني، ما أوحى لنا بوجود تناظر إيقاعي بين المسار الإيقاعي للشطرين خصوصا وأنّ كليهما انتهيا بـ”النفس” مرّتين متتاليتين.

إنّ وجود هذا التناظر الإيقاعي خلال أداء “الصوت” يجرّنا إلى استنتاج مفاده أنّ للغنّاية القدرة على استحضار نفس المسار الإيقاعي بين الشطرين وبالتالي فإنّ المسألة مرتبطة أساسا بما حفظته الذاكرة من خلال التواتر الشفوي للنمط الغنائي والذي أصبح فيما بعد مجرّد قالب غنائيّ حافظ على بنيته الإيقاعيّة اللحنيّة لتتقبّله “الغنّاية” فتحفظه ثمّ تردّده.    

- دراسة الإيقاع اللفظي الشعري في علاقته بالإيقاع اللفظي المغنّى:
سنحاول في هذه المرحلة من التحليل دراسة الجانب الإيقاعي للملفوظ الشعري في علاقته بالملفوظ المغنّى وذلك اعتمادا على التسجيل الصوتي من ناحية والنص الشعري من ناحية أخرى. وتجدر الإشارة إلى أنّنا سنعتمد على السوداء كوحدة إيقاعية لتحديد عدد المقاطع اللفظية شعرا ومقارنتها بتلك المغنّاة وبالتالي تحديد مواطن التطويع.

أمّا على مستوى الملفوظ المغنّى فقد وجدنا بعض المفردات المضافة عند غناء شطري البيت الشعري والمتمثّلة أساسا في: “ ع الجنّات” و “يا ناس” و “ هاااااه” وقد أضيفت هذه المفردات في سياق الخط اللحني للصّوت بطريقة تمّ فيها إنهاء المعنى الموسيقي للوحدة اللحنية الواحدة.

كما لاحظنا أنّه تمّ اعتماد عمليّة التطويع الإيقاعي من خلال أسلوب “التمديد” أو “التطويل” في بعض المقاطع اللفظية وكان ذلك تحديدا في مفردتي “ناس” و”وْسقّطو”.

 

-  الجانب الأدائي:
اعتمادا على الوثيقة المسموعة فإنّ أداء صوت «ع الجنّات» كان بصفة فردية من طرف «أمّي حميدة» وقد تميّز أداؤها بالأسلوب الارتجالي وهي خاصيّة من خاصيّات نمط الصّوت في الموسيقى الشعبية إلاّ أننا لاحظنا وجود تناظر على مستوى الخط اللحني والإيقاعي وتوافقا زمنيّا عند أداء بيتين من شعر هذا الصوت وقد تأكّد لنا ذلك عندما قمنا بقياس أداء كلّ بيت بحساب الثانية، فمثلا استغرق أداء كلاّ من البيت الأوّل:    
وْجَـــــنَّــــاتْ هِــــــــيَ جَنَّـــــه
             وْخوِيلِفْهَا مَا مْشَا وْمَاتْ مِنَّا
والبيت الثاني:
يَا مْــــــخَضِّبَـــــــة بِالـحِنَّــة
            تَحْلِفْ عْرُوسَة لِيلْةِ الدِّخُولِ جْلَاةْ»
حوالي 12 ثانية.
 ونورد فيما يلي رسما بيانيّا نوضّح من خلاله هذا التقارب الزمني في الأداء والتناظر على مستوى الخط اللحني والإيقاعي لأحد أبيات صوت « ع الجنّات»:
إنّ هذا التوافق على مستوى القيمة الزمنية المستغرقة في أداء البيتين من الشعر يقدّم لنا جانبا من الإبداع الفنّي المتأتّي من طرف المؤدّية بطريقة عفويّة وهذا ما أضفى جمالية فنيّة على المستوى الأدائي لهذا الصوت.

الأسلوب التعبيري:
يمكن النظر في دلالة هذا الأسلوب من زاويتين اثنتين: أوّلهما تشمل الجانب الشعري (الأدبي) وثانيهما تخصّ الجانب الموسيقي (الأداء).
فأمّا الزاوية الأولى (أي الأسلوب التعبيري الأدبي) فقد تلمّسنا جماليّة على مستوى المفردات ذات الجرس المميّز من ذلك “ جَنَّـــــــــــــــــــــــــــاتْ” و“الدَمْعَاتْ ” و“جْلَاة” وكلُّها مفردات اتّحدت في قافية(27) واحدة «نَاتْ» و»عاتْ» و»لاَة» وهي التي كان لها وقع على المتلقّي في انتظامها وفي جرس أحرفها.
هذا بالإضافة إلى الصور الشعرية التي تعكس مشاعر وأحاسيس الشاعر ولوعته على فقدان حبيبته «جنّات» من ذلك ما ورد في هذا البيت من صوت «عالجنّات»:
مْـــــــشِيــــتْ نْــــرَحِّمْ عْـــلِيهَا
    اِنْحِلْ اللّحُودْ نْحُطْهَا عْلَى جِـــيـهَه
وْقْـــعَـــتدْتْ نُنْــــــظُـــرْ فِيــهَا
    مِلْكِ الـمُــوتْ يِبَـــــــدِّلْشِــي فِيــــــهَـا

إنّ ما جاء في هذا البيت من صور شعريّة ومن بلاغة في معانيها يوضّح لنا الحالة النفسية التي وصل إليها الشاعر من جرّاء وفاة حبيبته «جنّات»، فهو يصوّر لنا حالة الاضطراب النفسي التي وصل إليها وهو ما دفعه إلى حدّ فتح قبر الحبيبة وإخراج جثمانها والنظر في ملامحها عسى أن تكون قد تغيّرت، وهنا يمكننا الإشارة بأنّ ما قام به الشاعر كان تجاوزا منه للعرف والدين.  
إنّ هذه العيّنة من الصور الشعرية في النص الأدبي لصوت «ع الجنّات» تبرز لنا جانبا من براعة الشاعر في التعبير عن أحاسيسه وحالته النفسية وتبليغها إلى المتلقّي بأسلوب يتميّز بقوّة الإيحاء والتأثير ما يجعل هذا الأخير يتفاعل مع ما أراد الشاعر تبليغه من تعبيرات.
أمّا فيما يتعلّق بالزاوية الثانية، ونعني بها الأسلوب الأدائي، فإنّ أبرز ما يمكن ملاحظته ذلك الغناء من طرف «الغنّاية» الذي لم يتجاوز الست درجات ونرجّح أن يتماشى هذا الأسلوب في الأداء ونفسيّة المغنّي مع نفسيّة الشاعر، وبالتالي فإنّ الصورة الشعرية الحزينة المُراد تبليغها يزيد في تأكيدها أسلوب الغناء الذي كان خاليا من أيّ تعقيد بطريقة يمكن أن يؤدّيه أيّ فرد من المجتمع الجبنياني، خاصّة وأنّ كامل الصوت قد انبنى على وحدة لحنية واحدة تكرّرت بنفس الأسلوب على مدى أبيات «صوت جنّات».
وما يجدر الإشارة إليه أنّ «الغنّاية» عند أدائها لهذا الصوت قد قامت بتطويل آخر كلّ شطر من البيت الشعريّ، وكأنّنا به «إشباع لحنيّ» يرادُ من ورائه إخراج تلك الحرقة واللوعة عند الغناء، وما هو مؤكّد لدينا أنّ هذا الأسلوب في الأداء يمثّل خصوصيّة من خصوصيّات «الصوت» في الرصيد الموسيقي الشعبي بالبلاد التونسية بصفة عامّة.


الأسلوب الخطابي ( اللهجة الموسيقية):
يمكننا حصر الأسلوب الخطابي في صوت جنات في زاويتين اثنين: الأولى تشمل الجانب الشعري والثانية مرتبطة بالجانب الموسيقي.
فأمّا الأولى فقد اتضح لنا في بداية النص الشعري اعتماد الشاعر أسلوب النداء وذلك بوجود حرف النداء “يا” وهو في ذلك يخاطب في “الناس” مثلما ذُكر في سياق النص الشعري داعيا إياهم مشاركته حزنه وألمه على حبيبته “جنات” مؤكّدا لهم أنّ الصبر على موتها وفقدانها هو أمر مستحيل.
يَا نَاسْ كِـــــــيفْ الصَّبِرْ عَلْ  جَنَّاتْ
     نُوحُوا مْعَــــايَا وُ سقِّطُوا الدَمْعَاتْ
أمّا الزاوية الثانية ونعني بها الأسلوب الخطابي في الجانب اللحني، فقد تجلّى لنا هذا الأخير في أداء مسافة الرباعية الصاعدة والتي اقترنت بلفظة يا ناس وبالتالي فإنّ التمشّي لهذا الخط اللحني كان ملائما مع المعنى اللغوي لعبارة “يا ناس”

كما أنّ طلب الشاعر مشاركة الناس لحزنه تزامن مع أداء مسار لحنيّ تنوّعت فيه الخطوط اللحنية بين نازلة وصاعدة وتعدّدت فيه الخلايا الإيقاعية وهذا ما يعكس في اعتقادنا حالة الاضطراب النفسيّ التي عاشها الشاعر.

إنّ السّمات الفنيّة المميّزة لصوت “عَ الجَنَّاتْ” على مستوى الأسلوب الخطابي تبرز لنا أهميّة الجانب الشعري والجانب النغمي على حدّ سواء في تبليغ هذا الخطاب، بحيث أنّ اعتماد أساليب فنيّة متنوّعة سواء شعريّا أو موسيقيّا يجعل لهذا النمط دلالات على مستوى الأسلوب الخطابيّ وبالتالي نخلص من هذه المسألة إلى أنّ اللحن في صوت “عَ الجَنّاتْ” هو عنصر ثابت مرتبط ارتباطا وثيقا بالشعر.
فإذا كان في الجانب الشعري اعتماد لأسلوب النداء فيقابله في ذلك موسيقيّا أداء لمسافة الرباعيّة الصاعدة، وإذا كان هناك استعمال لعبارات مؤثّرة في معانيها في تأليف النص الشعري فيقابله في ذلك موسيقيّا أداء لخطوط لحنيّة صاعدة ونازلة وبخلايا إيقاعيّة متنوّعة، ويبقى كل هذا في سياق الأسلوب الخطابي المتواجد في النمط الغنائي “ صوت عَ الجنّاتْ”.
خاتمة:
إنّ مجمل ما يمكننا الخروج به من استنتاجات على المستوى الموسيقي في تحليلنا لصوت “ع الجنات”، هو أنّ لحن هذا النمط يمثّل خطابا يقوم على جملة من المعاني التي أنتجها المجتمع لتكون أحسن تعبير لأحاسيسه ومشاعره، ومن الإجحاف أن ننعت هذا اللحن بالبساطة بل هو مميّز في صياغته وثريّ في بنيته الإيقاعيّة واللحنيّة.
فالبنية اللحنية لصوت “جنّات” هي بنية اعتمدت على خط لحنيّ تمحور أساسا في ثلاث درجات موسيقيّة (راي، مي، فا) ما جعل طريقة تلقّيه من طرف المستمع تكون سهلة وبالتالي تمّ استساغة اللحن بكلّ مرونة من طرف أفراد المجتمع الجبنياني وهي مسألة تمكّن من تداول هذا النمط الغنائي في المجتمع وتبنّي نصّه الشعريّ ومساره اللحني وبالتالي فهم وإدراك لهجته الموسيقية.
والجدير بالذكر أنّ في صياغة لحن نمط “الصوت” إبداعا فنيّا تجسّد في جملة من العناصر التي أضفت عليه وأكسبته خصوصيّة فنيّة شملت عديد الجوانب وهذا ما يحملنا للإقرار بوجود قيمة فنيّة في صُوتْ “عالجنّات” تكمن أساسا في أسلوب الغناء وصياغة اللّهجة الموسيقية.
ونحن أمام هذا الإبداع الفنيّ نقول بأنه متأتّ أساسا من سمة متّصلة بانفعالات المبدع ( الشاعر والمغنيّ) وأحاسيسه من خلال تفاعل حدث ما في ذاته فتعبّر عن حزنه وفرحه وآلامه، وهو دون شكّ إبداع فطريّ وآنيّ يكون وليد اللحظة من طرف المبدع وهذا ما يُكسب لمثل هذا النمط الغنائيّ الخصوصيّة الفنيّة المحليّة والتي بمجرّد الاستماع لها تحيلنا مباشرة إلى معرفة هويّة ثقافيّة وفنية تخصّ مجتمعا ما دون غيره، وهذا ما ينطبق تماما على المادة الموسيقيّة التي قمنا بتحليلها والتي مكّنتنا من استخراج مقوّمات اللهجة الموسيقية في صوتْ “ع الجنات” وبالتالي الوقوف على بعض الخصائص الثقافيّة والفنيّة المحليّة الخاصّة بمنطقة البحث “جبنيانة”.

المراجع

تقع جبنيانة في الوسط الشرقي للبلاد التونسية،  وهي معتمدية من بين ستة عشر معتمدية بولاية صفاقس، وتقع في الشمال الشرقي للولاية حيث تبعد عنها بنحو 37 كلم، اقترنت شهرة منطقة “جبنيانة” بشهرة الوليّ الصّالح “سيدي أبي اِسحاق الجبنياني” الذي كان  »جدّه علي بن سلم وهو من تلاميذ الإمام سحنون رضي الله عنه وكان الأمير أبو العباس الأغلب أسند إليه مهمة الإشراف على بناء أسوار مدينة صفاقس وجامعها الكبير« (لمزيد التعمق راجع: عبد الكافي (أبو بكر)، تاريخ صفاقس، ج.1، التعاضدية العمالية للطباعة والنشر، صفاقس، 1966./ المكني (عبد الواحد)، الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بأرياف صفاقس بين 1881 و1914 (مثال قبيلة المثاليث من خلال المراسلات الإدارية)، شهادة الكفاءة في البحث، كليّة العلوم الإنسانية والاجتماعيّة بتونس، 1990.)
زكري (فاطمة)، انثروبولوجيا الأغنية الشعبية، رسالة بحث لنيل شهادة الماجيستير في الموسيقى والعلوم الموسيقية اختصاص اثنولوجيا الموسيقى، الأستاذ المشرف نبيل الفخفاخ، المعهد العالي للموسيقى بصفاقس، جويلية، 2012.
ابن منظور، لسان العرب، مادة ( لهج).
أحمد أبو الفرج محمد، مقدمة لدراسة فقه اللغة، بيروت، 1966، ص. 93 .
تندرج هذه الصفات اللغوية ضمن الناحية الصوتية فضلا إلى الناحية النحوية و الدلالية. ( لمزيد من التعمق راجع: إبراهيم (أنيس)، في اللهجات العربية، ص 16-17، هلال (عبد الغفار)، اللهجات العربية، نشأة و تطوّرا، مكتبة وهبة، 1993، 34.)
إبراهيم (أنيس)، في اللهجات العربية، مكتبة الأنجلو المصرية، الطبعة التاسعة، 1995، ص 16.
راجع: السيالة، (مراد)، الأسس العامّة للأثنوموزيكولوجيا، صفاقس، ط.1، المعهد العالي للموسيقى، جانفي، 2007.
بالإمكان اعتبار الموسيقى وسيلة فكريّة للتّعبير تتجسّد في ألحان وقوالب موسيقيّة تعكس مميّزات أسلوبيّة في عمليّة التّواصل بين مجموعة أفراد من المجتمع. (السيسي (يوسف)، دعوة إلى الموسيقى، سلسلة عالم المعرفة عدد 46، الكويت، المجلس الوطني للثقافة والآداب، أكتوبر 1981، ص. 9.)
الخوري ( لطفي)، العنوان السابق، ص. 271.
الحشيشة (علي)، »الموسيقى الشعبية التونسية«، مجلة الحياة لثقافية، سلسلة جديدة، العدد5، تونس، أوت، 1978، ص. 70.
محمود (قطاط)، »التراث الموسيقي الجزائري«، مجلة الحياة الثقافية، العدد 33، تونس، 1984، ص. 147.
 نذكر من بين هذه الدراسات:
خواجة، (أحمد)، الذاكرة الجماعيّة والتحوّلات الاجتماعيّة من مرآة الأغنية الشعبيّة، تونس، أليف منشورات البحر الأبيض المتوسط، 1998، 316 ص.
قطاط، (محمود)، « كيف نجمّع ونصنّف الموسيقى الشعبيّة»، مجلة فنون، ع. 2، تونس، 1984 .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ،«نظريّة النظام الخماسي وأثر استعماله في موسيقى المغرب العربي»،  مجلّة فنون، تونس، ع.3-4، 1985، ص. 57- 83.
عبد الحميد،(حسين)/ رشوان، (أحمد)، الفلكلور والفنون الشعبية من منظور علم الاجتماع، المكتب الجامعي الحديث، دمشق،  1993.
الرايسي، (محمّد)،«الموسيقى والفنون الشعبيّة» ، مجلّة الوحدة، الرباط، ع.58-59، ماي/ جوان 1989، ص. 166- 169.
زغندة (فتحي)، «مدخل إلى دراسة الأغنية الشعبية في تونس»، مجلة الحياة الثقافية، العدد 31، تونس، 1984، ص. 99.
الحشيشة (علي)، «الموسيقى الشعبية التونسية»، مجلة الحياة لثقافية، سلسلة جديدة، العدد5، تونس، أوت، 1978، ص. 70.
يعرّف الصادق الرزقي مصطلح «الربوخ» على أنّها أغاني شعبيّة باللهجة الدارجة مقتصرة على فئة معيّنة من المجتمع والذين يتقنون هذا النوع من الغناء ويحسنون النقر على آلة الدربوكة والتوقيع على المندولينة وسط ضرب الأكفّ وتعالي الغوغاء في حلقة مستديرة ويكون ذلك عادة في بعض المقاهي. ( المصدر: الرزقي (الصادق)، الأغاني التونسية، تونس، الدار التونسية للنشر، 1967، ص. 98.) ومن المتعارف عليه اليوم بأنّ مصطلح “الربوخ” يستعمل للدلالة على نوعيّة من الأغاني المعروفة بـ“أغاني المزود”.
 لمزيد الإطلاع على موسيقى «الزنوج» راجع:
 MAKHLOUF (Hamdi), La musique des noirs « zunuj » de Sfax: Stumbali, mémoire de fin d’études, dirigé par Mourad SIALA, Institut Supérieur de Musique de Sfax, Année universitaire 2002 -2003, 120 p.
باحث في ميدان ثقافات الشعوب ومحافظ متاحف بالمعهد الوطني للتراث إضافة إلى اضطلاعه بمهمّة التدريس في عدد من الجامعات التونسيّة. أنجز العديد من البحوث المتعلقة بالتراث الشعبي المادّي منه واللاّمادي كما كتب عددا من المقالات بمجلاّت مختصّة في تونس وفي خارجها كما نشر عددا من الكتب منها الحكاية الشعبية بتونس والخزف الريفي بتونس.
البقلوطي (الناصر)،«التراث الشعبي: مفاهيمه و موارده»، إفريقية، سلسلة الفنون والتقاليد الشعبية، عدد 12، تونس،  المعهد الوطني للتراث، 1998، ص. 18.
الخوري (لطفي)، العنوان السابق، ص. 271.
المصدر نفسه.
إنّ وظائف الأغنية الشعبية هي الوظائف التي لها علاقة بالجانب التربوي الاجتماعي والترفيهي والتعليمي والنفسي وما إلى ذلك من الجوانب المتّصلة بمحيط وبيئة الفرد من المجتمع.
المنجد في اللغة والأعلام، ط.39، بيروت، لبنان، دار المشرق، ص. 439 .
ابن منظور (جمال الدّين)، لسان العرب، ط.1، مج.8، بيروت، دار صادر، ص. 302.
بعد الاستماع المتأنّي والمتكرّر لمجموعة من «نَمَطْ الصُّوتْ» لاحظنا أنّ مسألة تمديد الحروف أو تقصيرها هي مسألة لا يمكن ضبطها بقواعد معيّنة ذلك أنّها تكون مقترنة من جهة بسياق الجملة اللحنيّة واكتمال المعنى الموسيقيّ فيها للنص الشعري المغنّى ومن جهة أخرى بطبيعة أسلوب أداء هذا النمط الغنائي كما حفظته الذاكرة الشعبيّة. وفي هذا الصدد، أشار الباحث فيصل القسيس في تحليله لأحد الأنماط الغنائيّة الشعبيّة لدى «غنّاية المثاليث» أنّ المستمع يصعب عليه إدراك النص الشعري للنمط الغنائي وذلك لاعتماد أسلوب غنائي متميّز باستعمال الصوت الطويل واعتماد النفس العميق. ( لمزيد من التعمّق في هذا المجال راجع: القسيس (فيصل)، «الطريق» من خلال الموروث الشعبي في الذاكرة الجماعيّة لـ «المثاليث» دراسة ميدانيّة تحليليّة، ص. 116- 124).
هو نمط غنائي قامت بأدائه الغنّاية «أمي حميدة» إثر مقابلة كنّا قد أجريناها معها خلال عملنا الميداني في إطار إعداد رسالة الماجيستير ( مارس 2012).
اعتمادا على درجة لا معيار (440 هرتز)، وحسب التسجيل الصوتي، فإنّ أداء أمي حميدة لصوت «ع الجنات» كان على درجة العجم عشيران (سي)، وحرصا منّا على تسهيل قراءة الترقيم الموسيقي وعمليّة التحليل سنتعمّد تدوين هذا الصوت على درجة الدوكاه (راي).
هي فكرة لحنيّة مكتملة البناء ويشترط أن تكون كل وحدة لحنيّة واضحة للمستمع حتّى يتمكّن من تحديد بدايتها ونهايتها كما أنّها لا تلتزم بعدد معيّن من المقاييس.
اعتمدنا في إنجازنا لهذا الرسم البياني على البرنامج  الرقمي التالي
Cool Edit Pro 2.00
  ©1992-2002 Syntrillium Software Corporation
تُعرّف القافية في علم العروض على أنّها من المتحرّك الذي قبل الساكن قبل الأخير. (راجع: عبدون (عبد الحكيم)، الموسيقى الشافية للبحور الصافية، القاهرة، دار العربي للنشر، 2001.)

أعداد المجلة