فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
24

مصداقية تنمية الحرف التقليدية في العالم العربي

العدد 24 - ثقافة مادية
مصداقية تنمية الحرف التقليدية في العالم العربي
كاتبة من مصر

تعد الحرف اليدوية التقليدية جزءا أصيلا من ثقافة الشعوب، وهي في عالمنا العربي تمثل جزءاً هاماً مرتبطاً بالجذور المشتركة لهويتنا العربية، فعالمنا العربي ذو المساحة الشاسعة يشتمل على مناطق ثقافية مختلفة تفرض خصوصية تعطي تنوعاً يثري الموروث التقليدي العربي.
وتتعدد الجهود المرتبطة بتنمية الحرف اليدوية التقليدية في منطقتنا العربية من بلد لآخر، والمتابع لما يصدر من تصريحات رسمية يجد الكثير من أوجه الدعم وتوسيع الاهتمام بهذه الأنشطة الاقتصادية الهامة.

وتعاني الحرف التقليدية في عالمنا العربي من عدم وجود تنسيق مشترك لبرنامج العمل العربي، بهدف وضع إستراتيجية مستقبلية مشتركة فيما بينها، تبنى على رؤية وخطة ذات منهج يحمي الموروث العروبي من خلال دعم الحرفي ودعم سوق الحرف التقليدية المنتجة، ليس بوصفه منتجا للعروض التي تمثل الدول في المناسبات القومية بل لأنه مجال ذوبعد اقتصادي واجتماعي وثقافي هام لأي أمة تحاول الحفاظ على ملامح هويتنا وخصوصيتها الثقافية.

إن سوء التنسيق بخصوص مستقبل الحرف التقليدية العربية على المستوى الرسمي بين حكومات المنطقة وعلى مستوى مؤسسات المجتمع المدني، جعل هناك تفاوتاً فى تطبيق برامج تنمية الحرف التقليدية على المستوى الكيفي والكمي داخل المنطقة العربية، ليظهر ذلك ضد الهوية العربية المشتركة والمتآلفة حيث الاتصال اللغوي والفكري المشترك، لينعكس ذلك التفاوت بوضوح في المعارض الخارجية الممثلة لحرف المنطقة العربية.

وتعتمد الحرف التقليدية في العالم العربي غالباً على الجهود الفردية وعلى المشروعات الخاصة، والأمر قد يصل في حالات عديدة لاعتماد بعض المصممين والفنانين على الموروث تحت مظلة الاستلهام من التراث، حيث ينخرطون في التسويق لمنتجات الحرفيين تحت أسماء بيوت خبرة تأخذ الخبرة والطراز من يد الحرفي وتنسبها لإسمها الشخصي أولمؤسستها الاقتصادية الخاصة رغم أنها ملك المجتمع وهي إفراز للتواصل بين الأجيال.

وهكذا يستفيد من سوء تقدير الحكومات لمكانة الحرف الاقتصادية والثقافية الكثيرون من المصممين ورجال الأعمال البعيدون عن المد الوطني لأوطانهم.ويأتي هذا كنتيجة لما تعانيه الحرف اليدوية التقليدية في أغلب بلدان العالم العربي من التهميش والاهتمام بالعروض الشكلية فقط وليس بآليات العمل الفعلية وسط المنظومة الحرفية وداخل مجتمعات العاملين في تلك الحرف.

     ويعاني الحرفي غالباً من التهميش رغم أنه عماد تنمية الحرف التقليدية، كما أنه يعاني من عدم وجود وزارات أوقطاعات متحكمة في تفعيل دوره ومقدرات مهنته لكى تدعمه وتساعده على الاستمرار في عمله، فغالباً لا يجد غطاء تأمين صحي أوقوانين تحميه وتحمي منتجه، بالإضافة لمشاكل الحصول على الخامات المناسبة لحرفته، فضلاً عن الضرائب التي وجدت في الحرفي موطنا لتشكيل مجموعة ضرائبية تقلص نشاطه وتجعله يهرب من الاستمرار في العمل اليدوي..   
   
وتتركز المشكلة هنا في البحث حول التساؤلات التالية :
1 - ما المقصود بتنمية الحرف التقليدية؟
2 - ما هوواقع الحرف التقليدية في العالم العربي؟
3 - ما هي المشكلات التي تواجه تنمية الحرف التقليدية في العالم العربي ؟
4 - ما هي الأسس المشتركة لتنمية الحرف التقليدية في العالم العربي ؟

تنمية الحرف التقليدية
التنمية هي النموالمدروس على أسس علمية، والتي قيست أبعاده بمقاييس علمية، سواء كانت تنمية شاملة ومتكاملة، أوتنمية في أحد الميادين الرئيسية مثل: الميدان الاقتصادي أوالسياسي أوالاجتماعي أوالميادين الفرعية كالتنمية الزراعية أوالصناعية(1).  
وهي أداة التحريك العلمي المخطط لمجموعة من المستهدف من أجل الانتقال من حالة غير مرغوب منها إلى حالة مرغوب الوصول إليها(2).
والتنمية لا تخرج عن كونها تغييرات مقصودة ومعتمدة تقودنا إلى الانتقال من وضع غير مرغوب إلى وضع آخر أفضل بمعدلات سريعة دون إخلال بالكفاءة الإنتاجية(3).
وقد عرفت الأمم المتحدة التنمية بأنها «العمليات التي يمكن بها توحيد الجهود المشتركة للمواطنين والحكومة لتحسين الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المجتمعات المحلية لمساعدتها على الاندماج في حياة الأمة المساهمة في تقديمها بأكبر قدر مستطاع»(4).
أما الحرف التقليدية فهي الصناعات المتوارثة التي تعتمد على التقنيات اليدوية في الأساس كما تعتمد على المهارات والقليل من الأدوات.
وفنون الحرف اليدوية تمثل جذور الصناعة في التاريخ الإنساني، حيث وجدت لتلبي احتياجات الإنسان النفعية والمرتبطة بحياته اليومية، والتي ترتبط ارتباطاً كبيراً بحاجاته الأساسية في الحياة. والمنتج التقليدي المرتبط بالموروث اليدوي لفنون الشعوب يمثل الجانب البصرى المدرك من هذا الموروث.وتعتمد الفنون التقليدية على نقوش وزخارف ومفردات هي ملامح الحضارات المختلفة التي مرت بها الثقافة الإنسانية، وهي بذلك تعد مرآة لإرث الحضارة الإنساني، وهي جزء من الفنون البصرية المرتبطة بتفاعل الإنسان ببيئته، وتجريده لعناصرها المحيطة به.وليس بالضرورة أن تكون رموزاً مباشرة واضحة بل أن الحرفي ورث التشكيل وألف المنتج، وهذه العلاقة بينهم تعد حالة رضا يجتمع عليها المجتمع في الشكل والمعنى والوظيفة التي يؤديها.
وتعكس الحرف وفنون التشكيل اليدوية تقدم الفرد ومفاهيمه القيمية ومستوى الحياة التي يرقى لها، وهي بذلك تقدم ملامح مجتمع وسط باقي المجتمعات، من خلال تعبيرها عن مستوى الصناعة اليدوية من ناحية التقنية والتعبير الإبداعي للفنان من ناحية أخرى. لذا فالمنتج اليدوي هوالمتبقى من ثقافات الشعوب المتراكمة، وما هوإلا قطعة من الطبقات الرسوبية الحضارية لثقافة كل مجتمع، ورعاية تلك الفنون هي رعاية للتراكم المعرفي في كل منتج يدوي تقليدي يتم المحافظة عليه. وهو يعد تواصلا رئيسيا لتاريخ مجتمع ما. كما إنه قد يصبح جذوراً تحمل معها عناصر للتواصل بين أفراد المجتمع(5).
وعن الحرف التقليدية يذكر د. علي بزي أنها  تتميز بالانتشار والقدم والتغير المستمر وأنها تحتاج للتسويق، وأن العمل الحرفي يسوده الطابع العائلي، ويؤكد على أثر البنية الاجتماعية على صعيد الوطن في الواقع الحرفي ذاته.واضعاً لمنهج للحرف التقليدية يعتمد على دراسة الواقع التاريخي والجغرافي والاقتصادي والاجتماعي  والثقافي والسياسي، بل والواقع المعرفي العام فالحرفة إحدى القضايا المعرفية الهامة (6).
وتنمية الحرف التقليدية هي عملية تهدف للدفع بمنظومة العمل اليدوي الحرفي من خلال وضع منهج يعتمد في آلياته على رفع مستوى الفنان الحرفي تقنياً وتنمية مهاراته، كما تعتمد تنمية الحرف التقليدية على تنمية منتجه الحرفي التقليدي باتخاذ مجموعة من الإجراءات كتطوير آليات العمل وربط المنتج بطلبات وآليات السوق المتغيرة، كما تحتاج تنمية الحرف التقليدية لمجموعة من التشريعات القانونية تحمي المنتج وتحافظ على حقوق العاملين فيه.

واقع الحرف التقليدية في العالم العربي
تتميز الحرف التقليدية في العالم العربي بالتنوع والثراء نتيجة التنوع الجغرافي والثقافي واختلاف البيئات والذي يمنح الحرفي الخامات المختلفة ويمده بالرموز التشكيلية المتنوعة، والتي تدعمه على المستوى الإبداعي.
تتمركز مناطق العمل في الحرف التقليدية داخل مناطق تعود لعصور بعيدة حافظت فيها على المهنة القديمة مجددة فيها، رغم كل ما أتى من حداثيات على مجتمعنا العربي فما تزال ملامح الثقافة التقليدية تطبع الحياة اليومية بشكل كبير وتمنحه روحا من الزمن القديم..
وبشكل مختصر سنعرض مدخلاً عن الحرف التقليدية فى كل منطقة ثقافية داخل مجتمعنا العربي، تمتلك خصوصية تمنح موضوع الحرف هالة من التقدير لهذا المنتج الذي يعكس تاريخاً حياً ملموساً للشعوب، يعود  جزء منه للمجتمع وجزء للفنان الشعبي المعبر عن مفاهيم هذا المجتمع. ولكل منطقة رؤيتها وتجربتها في مجال الحرف والتي يصعب الحديث الموسع عنها الآن، ولكننا سنجملها في نقاط تخدم رؤية تنمية الحرف العربية موضوع البحث، لذا سنجمل ونلخص ظروف الحرف في المنطقة العربية في التالي :

منطقة وادي النيل (مصر والسودان) :
تنتشر الحرف التقليدية بطول نهر  النيل على المستوى الشعبي، ولكن المؤسسات الحكومية لا تتواصل مع الحرفي بشكل مباشر وكامل للتحكم في مقدرات تلك الفنون وسنوضح تجربة مصر نموذجاُ.
عرفت مصر المؤسسات الحرفية والطوائف المهنية منذ عهد الفراعنة، حتى جاء محمد علي وألغى طوائف المهن والصناعات الحرفية، وهوما أثر بالسلب على تلك الحرف، وإلى الآن تعاني الحرف من الإهمال وسوء التنظيم، ولاتوجد جهة أوإدارة بعينها تهتم بتلك الفنون الموروثة وحرفييها، بل تتعدد الإدارات في الوزارات وتتشابك المصالح بين تلك الإدارات فلا يمس الحرفة أوالحرفي على أرض الواقع أي فائدة تذكر. وهوما ينعكس على جودة المنتج وتسويقه محلياً وعالمياً، بالإضافة لمعاناة الحرفي، والذي بدأ ينسحب من الحرف لممارسة مهن أخرى أكثر ربحاً، ووضع الحرف في مصر لا يتناسب مع تاريخها في الحرف والفنون الرفيعة والذي تشهد به المتاحف وفنون العمارة المصرية طوال مراحل تاريخها، وعلى مستوى ما وفرته الطبيعة المصرية بسخاء للفنان الشعبي.

منطقة الشام (سوريا ولبنان والأردن وفلسطين) والعراق:
وهي منطقة لها موروث متشابك ومتداخل في رموزه ومنتجاته، يحمل اهتماماً بالغاً بالمنسوجات ومشغولات المعادن وصناعة المراكب وفنون النجارة عامة، فلقد منحت الطبيعة الكثير لهذه المنطقة. كما كان للتجارة دور كبير في توسع فنونها. ولقد وهبت الطبيعة الخامات المتعددة لتلك البلاد، كما كان أعطاها الفنان المتمكن من أدواته وهوما جعل تلك المنطقة تتمتع بالثراء الفني، ولكن بسبب الحروب والمعاناة السياسية المتواصلة تعتمد الحرف التقليدية على التسويق المحلي لطبقة اجتماعية معينة والتسويق الخارجي المحدود، ولأن السياحة هي السوق الرئيسي لها فإن الظروف السياسية تنعكس سلبياً على السياحة وبالتالي على تسويق المنتج الحرفى المرتبط بهذا السوق. ورغم وجود إدارات حكومية  ومؤسسات مجتمع مدني تعمل بشكل مستمر إلا أن التسويق في دائرة ضيقة لا تناسب حجم وروعة فنون تلك البلاد الحرفية.

منطقة الخليج والجزيرة العربية (اليمن والسعودية والبحرين والإمارات والكويت وقطر وعمان):
لقد اتسمت منطقة الخليج بوجود حرف كالنجارة والحدادة، والعديد من الحرف المرتبطة بفنون الصيد، وقد كان لوجود النفط وإسهامه في رفع مستوى دخل الفرد دوره في تبدل نوع الأنشطة في الخليج، حيث تعتمد منطقة الخليج الآن على شركات التجارة وشركات البترول العالمية. وقد كان لوجود عمالة من شرق آسيا تأثيره الواضح بمنتجات تلك المنطقة، وهوما جعل الحكومات الخليجية تسرع في إنشاء نماذج حية للمدن التراثية، وتؤسس لمهرجانات شعبية وتصدر مطبوعات تركن للتراث لتعكس فنونها المحلية وسط جيرانها من الدول العربية ووسط ارتفاع مستوى الدخل في منطقة الخليج والذي أثر على سيطرة المنتجات الأجنبية على السوق الإستهلاكي.
وتعد عمان نموذجاً لمواطن ازدهار الحرف في الخليج، حيث لا يزال العديد من العمانيين يعملون في الحرف باعتبارها مصدراً للدخل، كما أن الحرف في الخليج تقوم برعايتها إدارات تراثية بإشراف المؤسسة السياسية وهوما يدعم تلك الفنون على المستوى الرسمي.
أما اليمن فهي متحف وسوق مفتوح للحرف، فقد عرفت بتقدم فنون العمارة وما ترتبط به من فنون حرفية وبتقدم المنتجات المعدنية من ذهب وفضة وغيرها. وهي تعاني من ضعف مؤسسي فى إدراك تلك الكنوز فهي تحتاج من مؤسساتها الرسمية لرؤية أكثر عمقاً، ولكن الفنان اليمني يعمل دائماً متناسقا مع حضارته ومزوداً السوق المحلي باحتياجاته، وهوسوق ما زال يعتمد بشكل كبير على المنتج اليدوي التقليدي.

منطقة المغرب العربي (ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا):
وهي منطقة تتفق وتتشابه في عوامل كثيرة تمس الثقافة المشتركة، ولكن إدارة ملف الحرف يختلف فيها من دولة لأخرى.
وتعد تجربة تونس والمغرب الأنجح، فالمملكة المغربية لديها وزارة للحرف التقليدية بالإضافة لكونها تمتلك مخطط2015 والذي يدفع لتنمية أوضاع الحرفي بغطاء للتأمين الصحي وبرنامج لرفع الضرائب. وتتركز الصناعة التقليدية المغربية في منتجات الجلد والطين والحجر والنسيج والمصنوعات النباتية والمعادن والنقش على الجبص وصناعة الآلات الموسيقية كآلة العود وغيرها.
ويمثل قطاع الصناعة التقليدية 19 في المائة من الناتج الداخلي الخام ويساهم في إعالة ثلث الساكنة المغربية، ويعد أحد مجالات الإبداع المغربي دون منازع وأحد أعمدة النشاط الاقتصادي بالمملكة وهوثاني أكبر مشغل لليد العاملة بالمملكة بعد الفلاحة.

المشكلات التي تواجه تنمية الحرف التقليدية في العالم العربي
هناك مشكلات مختلفة تتحكم في تنمية الحرف داخل مجتمعنا العربي، لكن المشاهد للوضع يحس التفاوت في إدارة ملف الحرف في المنطقة العربية،فمنطقة المغرب العربي أكثر إدراكاً لاقتصاد الحرف، بينما الخليج يعتبر الحرف التقليدية عنواناً لهويته وملامحه الشرقية المرتبطة بالثقافة العربية.
وبالرغم إن دول الحضارات القديمة كمصر وسوريا والعراق واليمن تتحرك في إطار محدود جداً في اقتصاد الحرف ولا تمتلك وزارات ولا قوانين لحماية هذا القطاع، وهي لا تضعها بشكل يعكس مساحتها الحقيقة على الأرض  ولا أهميتها وتاريخها الحقيقي في المعارض والمحافل الدولية، إلا أن الدراسات والبحوث في تلك الدول على درجة كبيرة من التقدم كنتيجة للعمل البحثى القائم على الجمع الميداني منذ ما يزيد عن نصف قرن.

ويشترك العمل الحرفي في العالم العربي في المشكلات التالية :
سوء التسويق على المستوى المؤسسي المنظم، وهوما يجعل هناك عشوائية في الطلب عليها، والتوسع في إنتاجها وأنماطها مرهونة بالمصادفة  دون أي تخطيط. وعدم وجود مؤسسات تسويقية ضخمة تحتوي هذا القطاع وتروج منتجاته.
تحول الحرفيين التقليديين إلى مهن أخرى أكثر عائداً عليهم، وللأسف لم يطور الحرفي نفسه، ولم يحاول جذب المستهلك وابتكار الجديد الملائم للحداثة.
تراجع الآباء عن نقل الحرفة للأبناء وتوقف تعليم الحرفة.
أولية التعامل مع الخامات الموجودة وعدم الاستفادة من الأبحاث التي تطور وتنمي تعامل الحرفي مع خامات المنتج.
 عدم التحديث للرؤية الفنية لتصميم المنتج وتصنيعها في أطر جديدة.
عدم تعقيد الصناعات الحرفية وتوقفها عند مستوى نمومعين وهوما أدى إلى تدهور التقنيات  باستثناء بعض الحرف التي يروج تسويقها بشكل يفتح لها الأسواق العالمية.
تقتصر استخدامات المنتج الحرفي على طبقة اجتماعية معنية يقلص تسويقها في بيئتها المحلية، ويجعل الحرفة تعتمد على السياحة الغير مستقرة في عالمنا العربي.
عدم وجود قوانين أوتشريعات تحمي الحرف التقليدية والعاملين فيها، وتنظم العمل المنتظر من قطاعها حتى تسهل آليات التعامل مع السوق وتدعم رجال الأعمال وتقدم لهم التسهيلات.

الأسس المشتركة لتنمية الحرف التقليدية في العالم العربي
يشترك العالم العربي في عوامل عديدة أهمها تقارب المفاهيم نتيجة وحدة اللغة، وحدة المعتقدات ساهمت في توحد المشاعر حول العديد من المفاهيم والأساليب الفنية والرموز ذات الدلالات القريبة من عقول المشاركين في العمل بهذا القطاع.
يتميز العالم العربي بالتعددية الثقافية فالعالم العربي به عشرات الثقافات المجتمعات المكونة لتلك الثقافة الشرقية المميزة.
وتساهم وحدة الجغرافيا على التقارب في التوزيع والنشر للمنتجات حسب درجة الحاجة إليها، ليسمح تشابه المشكلات وتشابه المجتمع المحلي في إيجاد الحلول المشتركة لها. كل ذلك يذلل عقبات العمل العربي الموحد لدفع قطاع الحرف التقليدية.

إشكالية التعاون في مجال تنمية الحرف التقليدية في العالم العربي
فيما يخص العمل العربي المشترك في مجال تنمية الحرف التقليدية قدم المدير العام لمكتب العمل العربى  تقريراً بعنوان “ الصناعات الصغرى والحرف التقليدية في الوطن العربي.. أداة للتنميـة”(7).
حيث ناقش جوانب خاصة بالحرف التقليدية، وبنظرة أولية لواقعها بين الماضي والحاضر، وقد أشار الى ثلاثة ملامح أساسية تجسد البنية الحرفية وما تتصف به من خلال  دور الإعلام،  والترويج للحرف التقليدية في العالم.
وترى الكاتبة أن العالم عانى من مشكلات عديدة  وكانت التنمية سبيله إلى إيجاد حلول تنبع من صدق الحاجة لحلول جذرية، وكان لكل آلياته التنموية التي تناسب ظروفه، وكم كان العالم العربى مستسهلاً تطبيق برامج تنموية بحلول تناسب أجندة مختلفة عنه مجتمعياً وثقافياً، وهوما تم على أثره وجود ظواهر لبرامج التنمية العربية أهمها :
- أن نتائج التنمية انصبت على المؤسسات لا الأفراد رغم إن الفرد هوالمستهدف الأساسي من التنمية وهوما نتج عنه فروق تنموية واضحة داخل المجتمع  الواحد وداخل المجتمعات العربية ككل.
- أن التنمية شملت المكان والأشياء ولكنها لم تطور طبيعة الناس وترقية سلوكهم بنفس النسبة في إطار من الحداثة والمدنية.
- عدم تبني المواطنين في المجتمعات العربية  ذاتها للتنمية فكان على النظم الواضعة والمستفيدة من برامج التنمية حماية برامجها.
   هناك احتياج لدراسة واقعية لمشكلات الحرف العربية مجتمعة، وكل مجتمع على حدة، وأتصور أن الحلول لابد أن تتضمن تنمية الحرفة على أسس تدفع بها إلى منافسة عالمية وهذه الحلول تتضمن :

1 - تحسين وضع الحرفي:
من خلال رفع قدراته ومهاراته وكفاءته الأدائية، كما يجب تحسين الوضع الاجتماعي له، والعمل على توفير الرعاية الصحية والتأمين الصحي لعائلته، سواء الناتجة من أخطار الحرفة.
كما يرى محمد دسوقى أن الحرفي لابد أن يكون لديه قدر من الإبداع لينقل البعد الجمالي المتضمن لهذا الموروث وعمقه فهي ستسهم في الدفع بالمهنة بغرض إكسابه روح العصر، لتصبح الخبرة هنا تفاعلاُ مستمراً بين المنتج الحرفي وثقافته التقليدية(8).
إن تنمية الحرف التقليدية بهدف الدفع بمنظومة العمل مع الحرفي،  فالحرفي هوأساس التنمية الحرفية وهوالمستهدف من التنمية، وهوالعماد الرئيسي لها، والحرف تخضع لأسس ثابتة موروثة يظهر فيها الجودة أحيانًا والرداءة أحيانًا أخرى حسب خبرة الحرفي الفنان وحقيقة إلمامه بأسرار المهنة..حيث يحتاج الحرفي إلى :
- تأهيل مهني : لابد أن يتم تأهيل وإعداد الحرفي، ولكى يتم ذلك يلزم اختيار العاملين حيث يتم الاختيار بناءاً على الاستعدادات النفسية، والشخصية التي تدور حول الملاحظة والإلمام بالمهارات والذكاء في التواصل مع حاجة  المجتمع.
- تأهيل اجتماعي : يجب أن نضع الحرفي الذي يقوم بعمل يدوي فني، في مرتبة اجتماعية متميزة، ويبدأ الإعلام في تبني سياسة رفع شأنه واعتباره ثروة، وحرفته هي جزء من تاريخ مجتمعه وهوتاريخ  قومي حي، لذا لا يستهان بصاحب (الحرفة) أوالموهبة اليدوية التي تجسد الموروث المادي الحي لتاريخ الشعوب.
- تأهيل نفسي :  حيث أن القيام بمهمة العمل اليدوي يجب أن تحظى برضى وثقة من الحرفي، ومن المجتمع أيضاً لتجعل هناك تفاعل تبادلي يوزن تلك العلاقة التي ترسخ القيمة الجمالية والوظيفية للعمل في دائرة المتعاملين معه.
- تأهيل مادي: يحتاج الحرفي إلى توازن مادي يسمح له بالحياة بشكل كريم دون الوقوع تحت طائلة الفقر والتي قد تجعله يهرب من المهنة ليستطيع العيش.

2 - تحسين وضع الحرفة:
من خلال اتخاذ مجموعة من الإجراءات منها:
رفع الشأن الاجتماعي لأصحاب  الحرف الموروثة.
تأسيس نقابة عمالية فنية لهم.
إقامة ورش بشكل مكثف لنقل الخبرات التقنية والتوسع في التعليم والتدريب للحرف.

3 - فتح أسواق للمنتج :  
من خلال القيام بالتالي :
الاستفادة من الأبحاث العلمية في المجالات المرتبطة بالخامات.
تحسين جودة المنتج، فيجب أن يسعى منتجوالحرف إلى تحسين الخامة.
ابتكار تصميمات حديثة للمنتج.
الدعاية له في المطبوعات والمعارض الطوافة الداخلية والخارجية والإعلام ودعم الإعلان عن المنتج (9).

ويلزم لتوجيه العمل العربي المشترك في مجال الحرف التقليدية وضع خطة عمل مشتركة بين حكومات الدول العربية بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني تعتمد الخطة على :
1 - تثقيف المجتمع العربي عن طريق الإعلام وتوعيته بدور الحرف ضمن المنظومة المجتمعية وتوضيح المجهود الكبير الذي يقوم به الحرفي لإنجاز القطعة الفنية اليدوية وأهميتها بالنسبة لتاريخ المجتمعات.
2 - التنسيق العربي المشترك في التسويق للمنتجات الحرفية والعمل على خلق مجالات تسويقية أكثر اتساعًا، وتداولاً للمنتجات اليدوية حتى تعزز فرص العمل اليدوي في العالم العربي وتتسع الرقعة العاملة فيها. مع دراسة السوق لتحديد القدرة الشرائية، ونوع المنتج ومواصفات المستوى التقني ووضعه وسط مثيله المعروض من خلال المميزات والعيوب والمكونات.
3 - العمل على ربط الأصالة بالحداثة حتى لا يضيع عمق التراث في المنتج المميكن، ويكون هذا من خلال فريق عمل من المصممين والحرفيين ورجال الاقتصاد والإعلام.
4 - رفع كفاءة الحرفي والدفع بها، والحفاظ على الخبرة ونقلها من جيل لجيل للتأكيد على التواصل الفني والثقافي.
5 - إعادة استخدام منتجاتنا التقليدية بشكل يناسب الحداثة ومدنية المجتمعات، وإعادة طرحها بما يناسب المستهلك المحلي،لتعود وتحتل منتجات الحرف التقليدية منظومة عاداتنا وتقاليدنا وملامح الشخصية القومية، لذا لزم تجديد الوظيفة لمنتجاتها كأساس لاستمرارها.
6 - خفض الضرائب عن الحرفة وكل أشكال الاستغلال الإداري للحرفيين من جانب المحليات  والكهرباء وغيرها  حتى نسمح للحرفي بتنمية إنتاجه.
7 - تسهيل الحصول على الخامات بأسعار تنافسية تسمح للمنتجات الحرفية للتنافس مع البدائل في السوق المحلي والعالمي وفي  المعارض والأسواق الخارجية.
وتوصي الكاتبة باتخاذ مجموعة من الإجراءات تهدف لتحريك التعاون العربي المشترك  في مجال الحرف التقليدية وذلك كالتالي :
1 - إنشاء مجلس عربي للحرف التقليدية والصناعات المتناهية الصغر.
2 - وضع إستراتيجية مستقبلية مشتركة للحرف التقليدية في العالم العربي. لتحمل هذه الرؤية بعدا زمانيا ومكانيا ينطوي على برنامج واضح مرتبط بتوقيت ملزم للحكومات العربية المتعاقبة ومنظمات المجتمع المدني.
3 - إزالة العقبات التي تؤثر على العمل العربي المشترك في هذا المجال.
4 - تشكيل لجنة من الإقتصاديين والتطبيقيين والإعلاميين للنهوض بالحرف التقليدية.
5 - ربط ملف الحرف التقليدية بالسياحة العربية كمدخل للحفاظ على استمرار الإنتاج الحرفي.
6 -دخول الباحثين العرب كشريك رئيسي في تنمية الحرف العربية.
7 -  الاستفادة من تجارب بعض الدول العربية كالمملكة المغربية التي تعتبر سباقة في إدارة موروثها الحرفي التقليدي.

الهوامش

1 - عبد الهادي الجوهري، معجم علم الإجتماع، القاهرة: مكتبة نهضة الشرق، 1980، ص70.
2 -  محمد الظريف سعد محمد، دور جماعات النشاط المدرسي في تنمية الوعي البيئي، مؤتمر الشباب والتنمية، معهد الدراسات والبحوث التربوية- جامعة عين شمس، القاهرة: 1991، ص225.
 3 - محمد عبد المجيد سويدان، برنامج مقترح لتنمية مهارات الاتصال بمندوبي برنامج شروق، رسالة ماجستير، كلية الخدمة الإجتماعية، جامعة حلوان، 2001م.
4 - عبد المنعم محمد بدر، دراسات في التنمية الريفية القاهرة: دار المعارف، 1979م.
5 - إيمان مهران، الفنون اليدوية الموروثة،الهلال، فبراير 2010،العدد 118، القاهرة، ص 98، ص 100.
6 - على بزي، الحرف التقليدية أهمية ومنهجية دراستها، مجلة الثقافة الشعبية، العدد 12،مملكة البحرين،2011.
7 - مؤتمر العمل العربي، “ الصناعات الصغرى والحرف التقليدية فى الوطن العربى.. أداة للتنميـة “، الدورة الحادية والعشرين، القاهرة، 1994.
8 - محمد دسوقى، المنتجات الحرفية المرتبطة بالاحتفالات الشعبية_ دراسةميدانية فى منطقة الدرب الأحمر بمحافظة القاهرة، رسالة ماجستير، المعهد العالى للفنون الشعبية، أكاديمية الفنون، القاهرة،2008.
9 - إيمان مهران، تحليل الجانب الجمالي لفن الكليم في بعض قرى محافظة أسيوط مع دراسة ميدانية لتحديد أساليب التنمية والحفظ، رسالة دكتوراه، المعهد العالي للفنون الشعبية، أكاديمية الفنون، القاهرة،2009 .

أعداد المجلة