فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
24

الملابس الشعبية للمرأة في محافظة الخليل

العدد 24 - ثقافة مادية
الملابس الشعبية للمرأة في محافظة الخليل
كاتبة من فلسطين

يعتبر الزي خير لسـان يعبر عـن حـال الأمة وعاداتها وتقاليدها وتراثها، ولا نبالغ إذا قلنا إن الأزياء والملابس من أكثر شواهد المأثور الشعبي تعقيداً، إذ تعتبر من الحاجات والطقوس الممتدة عبر حياة الإنسان يستدل بها على كثير من المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ويستدل غالباً من خلال لابسها على انتمائه الطبقي ومنزلته الاجتماعية وعمله وجنسه وعمره. كما أن الأزياء الشعبية من أهم الوسائل المستخدمة..

 في الكشف عن تراث الشعوب عبر أجيال مختلفة، وهي إن اختلفت في أشكالها وألوانها فإنمـا تعبـر بذلك عـن مراحـل تاريخية مختلفة مرت بهـا الأمـة، وسجلت على القماش أفراحهـا وعاداتهـا وأساليب حياتهـا المختلفـة.
ولمّا كان الاهتمام بالتراث الشعبي من الأمور الطبيعية لدى معظم الشعوب والحكومات، فإن للاهتمام بتراثنا الشعبي الفلسطيني ميزة خاصة وبعداً إضافياً، بسبب واقع الاحتلال الذي نعاني منه يومياً، وما تقوم به من محاولات انتحال لتراثنا، وتذويب لمقومات شخصيتنا، وفصل لحاضرنا عن ماضينا، بهدف تفريغ الأرض من الوجود الفلسطيني.
  يهدف هذا البحث إلى دراسة الملابس- الأزياء -  الشعبية للمرأة في محافظة الخليل، وتنبع أهمية هذا الموضوع كون الخليل تتعرض لهجمة إسرائيلية على تراثها ومحاولة طمس  كل ما له علاقة بتراثنا الفلسطيني العريق وتهويده ؛ بهدف تهميش الهوية الفلسطينية وإضعافها. وقد تعددت أشكال تهويد التراث الشعبي الفلسطيني منها انتحال الملابس الشعبية والادعاء بأنها ملابس يهودية – إسرائيلية _ فالشعب الفلسطيني يتعرض منذ عقود لمحاولة طمسه وتدمير هويته العربية وكل ما يربطه بالماضي.
ومن هنا يصبح من واجبنا الوطني والقومي الحفاظ على تراثنا الشعبي، وضرورة إبرازه، والتأكيد على التمسك بهويتنا الفلسطينية من خلال الرجوع إلى ملابسنا الشعبية وضرورة لبسها في كل فرصة تسنح لنا.  وذلك لأن حفظ التراث واستلهامه عملية يقصد بها الإبقاء على السمات القومية، والحفاظ على الثقافة والشخصية الوطنية الفلسطينية.    
  ولا أزعم إنني ابتكرت في هذا البحث شيئا لم يكن معروفا، وإنما أستطيع أن أقول إنني أضع بين يدي الباحثين نبذة متواضعة في مجال لا يزال يحتاج إلى الكثير من الجهد لإيفائه حقه من الدراسة وقد اقتضت طبيعة البحث أن يأتي في قسمين :
- القسم الأول يمثل تعريف الملابس الشعبية، وأهميتها ووظيفتها.
- القسم الثاني يتناول الملابس الشعبية للمرأة في محافظة الخليل، في الريف وفي المدينة.

أولاً: الأزياء الشعبية مفهومها وأهميتها.
1 - مفهومها
الملابس في اللغة مأخوذة من لبس : اللُّبْسُ، بالضم: مصدر قولك لَبِسْتُ الثوبَ أَلْبَس، واللَّبْس، بالفتح: مصدر قولك لَبَسْت عليه الأَمر أَلْبِسُ خَلَطْت.
واللِّباسُ: ما يُلْبَس، وكذلك المَلْبَس واللِّبْسُ، بالكسر، مثلُه.
واللَّبُوس: ما يُلبس؛ واللَّبُوس: الثياب والسِّلاح.ُذكَّر، فإِن ذهبت به إِلى الدِّرْع أَنَّثْتَ(1).
أما لفظة الشعب فهي من الشّعب، والشّعب القبيلة العظيمة، وقيل الحيُّ العظيم يتشعب من القبيلة، وقيل هو القبيلة نفسها، والجمع شعوب، والشعب أبو القبائل الذي ينسبون إليه أي يجمعهم ويضمهم(2)
والشعب الجماعة الكبيرة ترجع لأب واحد، وهو أوسع من القبيلة والجماعة من الناس تخضع لنظام اجتماعي واحد(3)
وقد تطورت دلالة لفظة الشعب لتشمل الجماعة من الناس الذين يعيشون في رقعة جغرافية ما، وتربطهم روابط معينة منها اللغة والعادات والتقاليد والتراث بكل محتوياته.
أما اصطلاحاً فقد تتبعها كثيرون فقيل « الأزياء الشعبية هي كلمة تعني الانتماء إلى بلد ما وعادة ما يوجد زي مختلف لكل منطقة من مناطق البلد الواحد، والأزياء الشعبية فن يبدعه العامة من الناس وتتوارثه الأجيال جيلاً بعد جيل ويطوعها بما يلائم خصائصه وظروف بيئته ويعكس في كثير من سماتها آثارا من تاريخ البلد الذي تنشأ فيه(4).
وعرفها آخرون بأنها « الملابس التي تعبر عن هوية جماعة محلية من الناس، وتعبر عن علاقات الفرد مع باقي أفراد الجماعة، وعن موقعه ضمن تلك الجماعة، وإذا شبهنا نظام الملابس باللغة، جاز لنا أن نقول إن  الملابس الشعبية هي «اللهجة» المحلية الدارجة للملابس، ذلك أن اللهجة والملابس الشعبية تتصف كل منهما بالمحلية أو الإقليمية، ولكن لكل منهما انتماء ثقافي. وتكون مميزات الملابس الشعبية المحلية أداة ظاهرة بارزة،بحيث تعرّف الآخرين بسهولة على الجماعة الشعبية التي ينتمي مرتدوها إليها، وتعرف أفراد الجماعة نفسها أنه ينتمي إليهم(5). ويرى البعض أن الأزياء الشعبية بعد أن تظهر كسمة من السمات الحضارية للمجتمع وتتطور بين طبقات المجتمع كغيرها من مظاهر التراث الاجتماعي لا تلبث أن تصل إلى حالة الاستقرار والثبات(6).

2 -   نشأتها وأهميتها ووظيفتها
1 - نشأتها:
       إن الأزياء الشعبية الفلسطينية التي لا نزال نشاهد أشكالها وألوانها المختلفة والجميلة داخل فلسطين وخارج فلسطين ما هي إلّا بقايا أزياء قديمة توارثها الناس جيلاً عن جيل وطائفة عن طائفة والزي الشعبي الفلسطيني كان معروفاً على أرض فلسطين منذ أقدم الأزمنة وكان التطريز في الماضي يخدم أغراض الطبقات الحاكمة والكهنة والنبلاء والتي كانت ملابسهم تطرز بخيوط الذهب والفضة، وكانت مهنة التطريز بعيدة عن متناول الفئات الشعبية التي كان فوق طاقتها الحصول على خيوط الذهب والفضة وبدلاً من هذه الخيوط كانت تلك الفئات الفقيرة تستعمل الإبرة والخيوط القطنية والحريرية لتطريز ثيابها، وترسم موتيفات تعبر عن معتقداتها الشعبية وتقاليدها مع بيئتها(7).

2 - أهميتها ووظيفتها
يعد الزي الشعبي «جزءا من التراث وعنوانا له؛ لارتباطه على نحو وثيق بالعادات والتقاليد والمؤثرات البيئية والاقتصادية والاجتماعية على مرّ الزمن، لذا، كان الزي الشعبي هو الإطار الأكثر جاذبية في عملية التمايز بين الشعوب، ويمثل صورة عن المجتمع والحياة في هذا البلد أو ذاك،ويشكل مرجعاً وطنياً لأهل البلد(8).»  
ولعل من أول المؤثرات التي ساعدت في تشكيل ملامح الزيّ الشعبي الفلسطيني هي تلك الوظيفة الاجتماعية التي تقوم بها الأزياء، فهذه الأزياء عبارة عن لغة صامتة تعبر عن جنس لابسها وفئته الاجتماعية وانتمائه الطبقي ووجهة نظره للحياة، كما أنها تفسر لنا المشاعر الإنسانية الداخلية التي تنمو في نفسه والتي يحاول أن يعبر عنها. وفضلاً عن ذلك فإن طبيعية الزي وأسلوب زخرفته أو مجرد مظهره البسيط، كل ذلك يعبر عن الظروف المعيشية والموقع الذي يحتله الفرد في المجتمع أو هو تعبير عن وجهة نظر المجتمع في ذلك الشخص(9).
وهي تنقل لنا معان رمزية مختبئة وراء الزخارف والتطريز لحياة الإنسان وبيئته»(10) .
ويعتبرها البعض  مرآة لوجوده الإنساني في مكان ما. ويعد ملبس الأمة مفتاحا من مفاتيح شخصيتها، ودليلاً على حضارتها، ولعل الملبس هو أول مفتاح لهذه الشخصية وأسبق دليل عليها؛ لأن العين تقع عليه قبل  أن تصغي الأذن إلى لغة الأمة، وقبل أن يتفهم العقل ثقافتها وحضارتها»(11).
ويمكننا القول إن الملابس «تحتوي» أو «تجسد» الكثير من المعاني الثقافية،ويمكنها أن « تتحدث» أي يمكن ترجمتها وفهمها عن طريق معارف خاصة بتلك الثقافة، وتتحول هذه الاستجابات بالتدريج إلى رموز اعتباطية تقليدية كما هو الحال مع اللغة المنطوقة أو المحكية، وبذلك تكون الملابس نظام اتصال أو تبادل معان ووسائل على مستوى الجماعات ذات الثقافة المشتركة، وليس على مستوى الفرد، أو على مستوى بني الإنسان ككل،ويكون نظام الترميز أو الاتصال هذا، جزءًا من المعارف المشتركة،المكتسبة بالتطبيع الاجتماعي، أو «بالوراثة الاجتماعية « بين أفراد الجماعة الواحدة التي يجمع بين أفرادها بُعد واحد أو أكثر كالعرق، والدين، والطبقة،والمهنة... الخ(12).
وعلى ذلك، فإن الملابس – بين أفراد الجماعة ذات الثقافة المشتركة، ولا سيما الجماعة الشعبية المحلية – تساوي نظامًا وليس مجرد قطع مختلفة، ويكون لدى كل جماعة كهذه قوانين تقرر من يمكن أو يتوقع أو يجب أن يلبس أية قطع، وما هي مواصفاتها، وفي أية مناسبات تلبس وتحت أية ظروف، وبذلك تكون مواصفات القطع المختلفة وأنواعها، والمجموعات المختلفة منها، نظاما أو شيفره يمكن من خلالها إرسال رسائل ومعانٍ مختلفة، فهنالك عدد كبير من الصفات للقطعة الواحدة مثل : نوع القماش، ولونه، وملمسه، وسمكه، وتصميم القطعة، وكمية التطريز، وأنماط الزخرفة، وطول القطعة، وحجمها، وغير ذلك من الصفا ت. وكل قطعة مثل القميص أو الفستان أو السروال أو الحطة أو غيرها يمكن اعتبارها تجمعا لعدد كبير من هذه الصفات أو  الأبعاد، ولكن تجمّع الصفات هذا لا يأتي بالصدفة ولا يكون عفويا، بل يحكمه منطق معين، ومتطلبات وتوقعات محلية معينة، ومعايير سائدة في المجتمع لكيفية تلاؤم الصفات في القطعة الواحدة وتناسقها، فيمكن أن يلبس الشخص على رأسه حطة أو طاقية أو طربوشا أو برنيطة أ و عمامة، أوقلنسوة) لرجال الدين المسيحيين)، ولكن القطع لا تلبس على أجزاء الجسم المختلفة بشكل عشوائي، بل يكون لها في كل مجتمع أعراف وقوانين لكيفية تناسقها. فمن المقبول في مجتمعنا مثلا أن يلبس الشخص عمامة أو طربوشاً أو حطة وعقالا على رأسه، مع «قمباز» وعباءة على باقي الجسم، لكن أن يلبس «برنيطة» مع قمباز وعباءة فإن ذلك سيظهره غريبا ومضحكًا إن لم يعتبر جنونا،  وهذه الممارسة لا تأتي  بالصدفة، بل يتحكم بها منطق معين يختلف من مجتمع إلى مجتمع، كذلك عندما يجتمع عدد من الأفراد من المجتمع نفسه في مناسبة معينة، فإن من الطبيعي أن تكون ملابس كل منهم متمشية مع تلك المناسبة، و أن يكون هنالك تناسق بين ملا بس جميع الحاضرين في تلك المناسبة، فلا يعقل أن يذهب شخص إلى جنازة بملابس السباحة، كما أن منظره يكون مستغربا أيضًا إذا نزل إلى بركة السباحة وهو يلبس «شروالا» و «قمبازا» وعباءة(13)

ثانياً : الأزياء الشعبية للمرأة في محافظة الخليل
مدخل :
لكل شعب زيه الخاص الذي يميزه عن غيره من الشعوب، ويعتز المرء بزيه الشعبي ويتفاخر به وهذا الزي تراث شعبي تتناقله الأجيال عن بعضها البعض حيث يستطيع الفرد معرفة هوية الفرد الآخر من خلال زيه الشعبي الذي يرتديه.
وفلسطين قطر عربي عريق، له تراثه الضارب في أعماق التاريخ، وله أزياؤه التي تميزه عن غيره من الأقطار العربية، بالقدر ذاته الذي توحده معها. ولكل منطقة في فلسطين أزياؤها التي توحي بطبيعتها الجغرافية والمناخية، وبشكل عام، فإننا يمكن أن نلاحظ تقارب «الأزياء التراثية لنساء فلسطين في المناطق المختلفة من حيث الشكل والتفصيل، فجميعها ذات أكمام طويلة، ضيقة أو ذات أردان «ردون» يختلف اتساعها من ثوب إلى آخر»(14).  
ويعتبر الثوب الفلسطيني بصمة تراثية تتباهى به المرأة الفلسطينية.،فهي التي ابتكرته بيديها ليصبح زيا من أجمل الأزياء التراثية. ولعل أهم ما يميز الثوب الفلسطيني التطريز الذي يعد عنصرا أساسيا من عناصره ويعكس الموهبة والذوق العام.
ونجد أن ثوب المرأة الفلسطينية يمتاز بكثرة الزخارف ويعود سبب ذلك إلى مؤثرات نفسية وفسيولوجية، فضلاً عن مؤثرات اجتماعية عديدة جعلت زي المرأة زياً في غاية الجمال والزخرفة في حين اقتصر زي الرجل على مظهر عادي بسيط، ويمكن أن نفسر ذلك في وجهة نظر المجتمع نحو المرأة وفي المركز الذي اختاره ذلك المجتمع لجماهير النساء(15).
ويمكننا القول أن الزي الشعبي للمرأة الفلسطينية  ليس واحداً، حتى داخل المنطقة الواحدة، وهذا طبيعي لغنى الثوب بالتطريزات، ولحفظ المرأة ونقلها تطريزات جديدة تتلاءم مع تطويرها الذهني والحضاري، ولهذا علاقة أيضاً بالتميز الجغرافي، ففي منطقة رام الله مثلاً وحدها توجد أسماء لأثواب عدة، وكل ثوب يختلف تطريزه عن الآخر، كثوب الخلق والملك والرهباني(16). وثياب المسنّات من النساء لا تُطرّز مثلما تُطرّز ثياب الفتيات التي تزخر بالزخرف فيما تتسم ثياب المسنّات بالوقار، فالقماشة سميكة ولونها قاتم ووحداتها الزخرفية تميل ألوانها إلى القتامة، فهي ألوان الحشمة التي ينبغي أن يتصف بها المسنون. وأما الفتيات فيعوّضن بغنى زخرفة ثيابهن من الامتناع عن التبرج.وثياب العمل لا تُزخرف مثلما تزخرف ثياب الأعياد والمواسم. والثوب الأسود يغلب في الأحزان والحداد(17).
وللتطريز أماكن على مساحة الثوب، فثمة تطريز ضمن مربع على الصدر يُسمّى القبة، وعلى الأكمام ويسمّى الزوائد، وعلى الجانبين ويسمّى البنايق أو المناجل. ويطرّزون أيضاً أسفل الظهر في مساحات مختلفة. وقلّما يطرّزون الثوب من أمام، إلا أثواب الزفاف، فيكثرون تطريزها أو يشقون الثوب من أمام، وتلبس العروس تحته شروالاً برتقالي اللون أو أخضر، وثمة قرى يخيطون فيها قماشة من المخمل وراء القبة ويطرزونها.
وأهم الوحدات التطريزية التي استخدمت في الزي الفلسطيني هي صورة »النماذج« وخاصة على أزياء مناطق رام الله والرملة ويافا وبعض المناطق في قطاع غزة، وضواحي الخليل وبئر السبع. وظهر التطريز على شكل زهور وأشجار ومبان وطيور منها، العصافير، الديك الرومي. أما الحيوانات فكان نصيبها قليلا في فنون التطريز ما عدا الأسد والحصان، حيث انتشر الأول على الثاني حيث ظهرت بشكل خرافي على الأزياء وخاصة في منطقة القدس.
ومن أهم الوحدات الزخرفية للأزياء الشعبية وتسمى »العروق«: الأمشاط، الاحجابات، سكة الحديد، الدرج، السلم، التوفي، فلقات الصابون، عين الجمل، عين البقرة، قدم الجمل، السرو، شجرة الحياة، النخل العالي، سعف النخيل، عناقيد العنب، التفاح، السنابل، شجرة الزيتون، قوارير الورد، قدرة الفاكهة، البندورة، الخبيزة، الزهور، الورد، خيام الباشا، شبابيك عكا، علب الكبريت، المكحلية، الحية، الحية والعربيد، العلقة، شجرة العمدان، القمر المريش، النجمة الثمانية، الأقمار، قمر بيت لحم، الفنانير، القلايد، الريش، الفاكهة، الحنون، القرنفل، الحلوى، قاع الفنجان، مفتاح الخليل، طريق حيفا، طريق التبان، طريق النبي صالح، طريق يافا، طريق القدس، الحمام والديوك.
وتظهر شجرة السرو بشكل حجابات كما هو في أكمام « دورا » والأثواب البدوية في النقب وشمال فلسطين. ونجد كذلك شجرة العنب وعناقيدها. ويعتبر العنب من الأشجار الرئيسة في منطقة الخليل وبعض قرى غزة، وقد ورث أهل الخليل زراعة العنب عن أجدادهم الكنعانيين. وقد اهتمت الفنانات الشعبيات الفلسطينيات بشجرة العنب وعبرن عنها بابتكارات وحدات زخرفية لعناقيد العنب(18).
وتميز التطريز بانتشاره على معظم أجزاء الثوب، الصدر، الأكمام، الجوانب، الأمام، الخلف.
وكان لكل جهة وحداتها الخاصة به فلا يجوز تطريز ما هو على الصدر مثلا على منطقة الأكمام أو الخلف مثلا، لان ذلك يخل بشرط أساسي وهو الخروج عن تراث الأجداد في هذا المجال الذي يعود إلى آلاف السنين، وفي نفس الوقت للمحافظة على التقاليد المتبعة لنقلها إلى الخلف بطريقة صحيحة دون مغالطات فنية قد تفقد الثوب والتطريز عموما مصداقيته التراثية والفنية.
ولو تتبعنا أسماء هذه الوحدات لوجدنا أنها مرتبطة ارتباطا وثيقاً بالحياة الواقعية للمرأة الفلسطينية، وبالبيئة الفلسطينية
وفي فلسطين خريطة تطريز دقيقة، فجميع القرى تشترك في تطريز بعض القطب وتختلف في وضعها على الثوب. وفي بعض القرى يُكثرون استعمال قطب بعينها فتُتَّخذ كثرتُها دليلاً على انتساب الثوب إلى المنطقة. فالقطبتان الشائعتان في قضاء غزة هما القلادة والسروة. وفي رام الله يفضّلون قطبة النخلة واللونين الأحمر والأسود. والتطريز متقارب في بيت دجن، ويظهر فيه تتابع الغرز التقليدي. وتمتاز الخليل بقطبة السبعات المتتالية وتكثر فيها قطبة الشيخ. ويطرّزون الثوب من خلفه، على شريحة عريضة في أسفله، وهذا من أثر بدوي يظهر أيضاً في بيسان شمالاً وبير السبع جنوباً. وثمة غرزة منتشرة بين الجبل والساحل تُسمى الميزان
وتستوحي الأثواب الفلسطينية ألوانها من الطبيعة التي كانت تستخرج من النباتات الطبيعية فاللون الأصفر كان يستخرج من الزعفران، واللون الأزرق من نبات «النيلة» التي كانت تزرع في مدينة أريحا، واللون البني من لحاء الشجر، والأخضر من ورق الشجر، والأحمر من حيوانات «الموركس» الصدفية التي كانت تجلب من ساحل البحر المتوسط، حيث كان يستخرج دم الحيوان ويوضع عليه الملح، ثم يغلى، ويغمس فيه الصوف، أو الخيوط، من 5 إلى 6 ساعات، ثم يجفف ويغزل ويطرز، وتستبدل الآن الصبغة الطبيعية بمواد كيماوية أرخص ثمنا(19).
أما القماش فكان يصنع من الكتان والقطن الذي كان يزرع في فلسطين، وكان الحرير ينسج من دودة القز التي زرع الفلسطينيون لها شجر التوت خصيصا. وكان الصوف يجز من الأغنام ويظهر بعض الاختلاف بين أثواب المناطق الساحلية عن تلك التي كانت ترتديها المرأة في المناطق الجبلية أو الصحراوية.

ولدراسة ثوب ما لا بد من معرفة جغرافية المكان، وزمان صنع الثوب أو خياطته، ومعرفة مدى ثقافة صانعته، التي هي رمز وجزء من الثقافة الشعبية السائدة، لأن المرأة الفلسطينية تمتلك ثقافة متوارثة منذ مئات السنين، تنقلها الأم لابنتها وهكذا، فالمرأة التي ترسم وتصور على ثوبها، تنقل ما يتناسب مع وعيها وثقافتها وتقاليدها(20).

ملابس النساء في مدينة الخليل وقراها
أولاً : ملابس النساء في الريف وتقسم إلى:
1 - الثوب
المجتمع الريفي هو مجتمع زراعي، لذا نجد أن الزى الريفي مرتبط بالزراعة، وهو الزي السائد في فلسطين، وتختلف تزييناته ما بين منطقة وأخرى لاختلاف البيئة ما بين سهل أو جبل أو ساحل، ولتمايز ولو بسيط بالثقافة السائدة، وهذه الأزياء تتميز بتكرار الأشكال الهندسية، وبغنى الثوب بالتطريز وتنوعه، وبعض هذه التطريزات تدل على ما في الطبيعة غير المعزولة عن البيئة كالنجمة والزهرة والشجرة، لأن الفولكلور السائد في فلسطين هو فلولكلور زراعي مرتبط بحياة الاستقرار، وهذا ناتج عن طبيعة المجتمع الفلسطيني والطبقة التي كانت تتحكم بالإنتاج. ونجد أن مناطق تزيين الثوب هي أسفله وجانباه وأكمامه وقبته، وهذا نابع من اعتقاد شعبي بأن الأرواح الشريرة يمكن أن تتسلل من الفتحات الموجودة في جسم الإنسان، لذا تضطر المرأة إلى تطريز فتحات ونهايات الثوب، وتطريز الثياب لغة تحكي علاقة الزمان والمكان وذهنية المرأة التي خلقت تعبيراتها المتصلة بتلوينات البيئة وتضاريسها(21).
ومن التطريز الفلسطيني الجميل ما كان يعمل في القرى شمال جنوب الخليل مثل حلحول، بني نعيم، الظاهرية، يطا، دورا والسموع، وهو ثوب الكتان أو القطن الأزرق وبأكمام طويلة وذات نهايات رفيعة، وهو مطرز على معظم التنورة وعلى الأكمام وعلى الصدر، ويتم التطريز بغرزة الصليب الأحمر غالباً مع لمسات من ألوان أخرى لتعطي ملامح التصميمات، ومعظم الموثيقات مشهورة في كافة البلاد مثل النجمة العثمانية، ولكن عدداً منها ينتمي بالتحديد لمنطقة الخليل. وربما كانت الجلاية من أكثرالأزياء التي لبستها المرأة الفلسطينية في قرى محافظة الخليل(22).
ولقد لبست المرأة في قرى الخليل الأثواب التالية :
1 - ثوب الجلاية:
 منتشر في معظم المناطق الفلسطينية وخاصة في منطقة الخليل وغزة وبئر السبع. ويتميز باستخدام الفنانة الشعبية لمساحات زخرفية الشكل من قماش الحرير أو الستان مع الوحدات الزخرفية المطرزة على الثوب واستطاعتها الجمع بينهما على مساحة واحدة، وخلق تناسق وانسجام لوني بينهما. وثوب «الجلاية»، يتميز عن غيره بالتطريز الكثيف، وغطاء النجمة الكنعانية، «ورأس الحصان»، و«عرف العنب والزهور»(23).
وهو مصنوع من القماش الكحلي السميك وحبات وخيوط نسيجه واضحة مما يسهل عملية التطريز عليه، وله فتحة دائرية الشكل يتصل بها فتحة تمتد على الصدر. ويزين فتحة الرقبة تطريز تم بغرزة التسنين (بالبتين) أما الفتحة التي تمتد على الصدر فقد زينت بالخيوط الحريرية ذات «البتين» ونفذت بالغرزة الفلاحية الكاملة. وعلى الأكتاف قطع من القماش الحريري أو الستان لونها أحمر نبيتي، وعليه زخارف من نفس النسيج عبارة عن أشرطة أرضيتها صفراء ومبروزة، ومحصورة بين خطين أسودين وبداخلها زخارف هندسية تمت باللون الأسود والأبيض والنبيتي، وتعرف قطع الستان أو الحرير هذه باسم شعبي هو «البلتاجي». وتثبت قطع الستان على الأكتاف بواسطة غرزة الزكزاك أو الحبكة المثلثة، وبخيط حريري نبيتي اللون(24).
أما صدر الثوب فقد كان  يطرز بالخيوط الحريرية«الخالصة» ذات الألوان الجميلة المتناسقة، وتتكون من الأحمر الغامق-البني-الوردي الفاتح-البنفسجي-الأزرق الجنزاري الفاتح اللون. ويزين الصدر برواز حريري نفذ بغرزة الزكزاك. وذراعا الثوب من النوع الواسع المعروف باسم الردن أو الردان، وهي قصيرة نوعاً، أي أعلى من قبضة الساعد بقليل،  والذراعان لا يوجد عليهما تطريز، بل زينت الفنانة الشعبية الجزء الخارجي لكل ذراع بشريط من القماش الحريري النبيتي اللون، ولا يوجد عليه زخارف، ويمتد على الذراع ابتداءً من الكتف حتى فتحة الذراع (25).

2 -الملجة ( الملقة ):  
أشهر الثياب التي لبستها المرأة في قرى الخليل «الملقة»، ويقال إنه منسوب إلى مالقه «ملقه» في الأندلس لتشابه  البيئات وطراز اللباس قديماً وهو من الحرير الموشى بحرير مخالف في اللون والشكل وتأتي الألوان زاهية، وكان أغلى الثياب ويشترى ويلبس عادة عند النساء الثريات والعرائس عند الزفاف ويتم لباسه في المناسبات الهامة على الأغلب (26). ولون قماشه كحلي، وفتحة الرقبة دائرية،ولها فتحة تمتد على الصدر خيط مثل فتحة كم القميص، ومحبوكة بخيط حريري تم تنفيذه بغرزة التسنين.   وذراع ثوب الملقة مثل ذراع الجلاية  بدون تطريز، يزينه بدل التطريز شريط من القماش المزخرف بالورود،  ويمتد من أعلى الكتف حتى فتحة الذراع.
  أما الأكتاف، فهي مزينة بقطعة من القطيفة السوداء اللون وعليها زخارف مؤدات بالخيوط المقصبة الصفراء اللون وقد نفذت بالغرزة التحريري. وفتحة الصدر قد زينت بالخيوط الحريرية بواسطة الغرزة الفلاحية النصفية. والصدر مطرز بالحرير «الأصلي»
وبوحدات زخرفية يغلب عليها شكل الثمانية، وقد أديت بالخيوط الحريرية وبواسطة الغرزة الفلاحية الكاملة (27).
وقد انتشرت في منطقة الخليل ( يطا ) ملكة أم سيفين، واستخدم في صناعتها القماش المبرسم،أي مزهر بنفس النسيج، وتعلو القبة قطعة من القطيفة، ثم تأتي القبة وهي تربيعة كبيرة من الهرمز مطرزة بالتحريري وقطبة السبلة  والرسمة تمثل الساعات، أما الأردان والذيل فقد خليا من التطريز، واكتفي بالقصب الذي يزين النسيج(28).
والذي نلاحظه في الأثواب المطرزة قطبة التحريري وجود قطبة السبلة وهذا يشير إلى اهتمام المجتمع الفلسطيني بزراعة القمح الذي هو عيشه، حتى المرأة كرست سنبلة القمح في تطريزها وعلى ثيابها مشيرة  بذلك إلى تعلقها بالأرض التي درجت عليها، وأن القبة هي قبة بيت لحم وقد انتشرت في منطقة الخليل وبعض القرى في منطقة غزة وذلك يعود للتجار المتجولين الذين كانوا يجولون تلك القرى لبيع القبات المطرزة بأيدي التلحميات (29).
   ونجد أن  كان يضاف إلى جسم الثوب الذي كانت تلبسه النساء في دورا ويطا ومعظم القرى في منطقة الخليل  ما يعرف بالبنيقة، وهي قطعة تضاف لجسم الثوب أو البدن وتكون رفيعة من الأعلى وتتسع كلما انحدرت إلى أسفل لتعطي الثوب اتساعا والتطريز يكون على هذه البنائق أما التطريز فيمثل عرق الشبابيك، السرو، ريش مغلق، وتتصل البنائق مع بعضها بقطبة المناجل(30).

3 -  النوع الثالث الذي كان سائداً «الشنبر»
ويسوده الحرير وينافس الملقه وقد يكون الأغلى بمقدار ما يطرز عليه من حرير وتلبسه المقتدرات أيضاً وأكثر ما يظهر الشنبر والملقة في المناسبات والأعياد  وموسم النبي موسى وزفاف العرائس..(31)   

4 -ثوب الجنة والنار وثوب أبو قطبة  
   من أثواب منطقة الخليل «دورا، السموع، الظاهرية، مغلس »، أثواب «الورد» و«الجنة والنار» و « أبو قطبة ». وقد اشتهرت نساء مغلس بزيهن التقليدي وهو الثوب الفلاحي المصنوع من قماش الحبر أو الجلجلي, وكانت نساء مغلس تشترك في زي نساء قضاء الرملة والخليل والقدس, ونلاحظ أسماء الثياب المشهورة موجودة في القرية وكانت نساء مغلس يخترن طرازا معينا من الزخارف والألوان والرسومات لتظهر قدرتها على الابتكار والتقليد وخصوصا لأمها, آملة بذلك الحفاظ على الزي الجميل الأصيل المطرز بالحرير ومن أسماء الثياب المشهورة الأخرى التي لبستها النساء في منطقة الخليل الملك والمندوب والأطلس.....الخ(32).

5 - ثوب الحبر أو الملس
هذا الزي الزاهي الألوان يحتوي على ثوب حبر ملس وطاقية (اعراقية) وكردان وأساور وحزام. ثوب الحبر أو الملس أخذ اسمه من قماشه الناعم الذي هو مصنوع منه القماش خليط مزيج من الحرير والقطن غالباً يكون أسود اللون مطرز بقطبة الصليب الفلاحية بألوان الجرير المختلفة بعروق ورد وعروق الورق على القبة والأمام والخلف، كان الثوب يلبس في بلدة الظاهرية وبعض القرى الأخرى التي حولها مثل السموع(33).

6 -  وهناك ثوب يسمى «القرمندي»
ولم يعرف سبب التسمية ولكنه يوشى أيضاً بالحرير والقز من القماش «التوبيت الأسود» وفي كل هذه الملابس تبدو المرأة محافظة محتشمة وغاية في الأناقة وكان الزنار (شداد) من الحرير ذو اللون الفوشي أو البطيخ.
  ولكن اللون يختلف إذا أصيبت العائلة بفقيد فكان الثوب السائد «ثوب الحداد» من اللون الأسود والحرير من اللون الأخضر والأزرق وهو قليل العروق «والشداد» من اللون الأزرق والغدفة مغسولة بالنيلة الزرقاء(34).

7 - الثوب الاخضاري
ظهر هذا الثوب في قرى منطقة الخليل، وهو شبيه بثوب «الزم أو العروق « الذي لبسته النساء في بعض قرى الرملة. وهو مصنوع من الحرير الأسود، له فتحة رقبة دائرية الشكل، ويزين فتحة الرقبة الدائرية والصدر تطريز استخدمت فيه الخيوط الحريرية بواسطة غرزة التسنين. وزخارف الصدر تحتوي على وحدات زخرفية متعددة مستمدة من البيئة الفلسطينية. وهي: العصافير، قوارير الورد، الأزهار المتعددة. وتتميز زخارف الصدر بقوة التعبير عن فصل الربيع حيث تكون الأرض مخضرة ومزدانة بالزهور المتعددة الألوان. والطيور التي تطير من شجرة إلى شجرة(35).
وقد جرى تسابق النساء في التطريز فبعضهن صنعت قبل زواجها خمسة عشر ثوباً كل ثوب يحمل نوعاً خاصاُ من التطريز والنوع يسمى «عرق» وله أشكال وألوان نذكر منها:
1 - عرق البط.
2 - عرق الحبش.
3 - عرق الديك.
4 - عرق الطاووس.
5 - عرق القلوب.
6 - عرق السرو.
7 - عرق العريض.
8 - عرق الدالية.
9 - عرق وردتين ووردة.
10 - عرق النعامة.
11 - عرق بطن الحية.
12 - عرق الحية المريشة.
13 - عرق التنر.
14 - عرق الحماة وكنتها.
15 - عرق العصافير(36).

ونستطيع القول بعد استعراضنا للأثواب التي لبستها المرأة الفلسطينية  في قرى الخليل إن بعض النساء في بعض القرى كن - ومنها على سبيل المثال قرية نوبا - يرتدين أثواب القماش غير المطرزة، وكانت كبيرات السن يلبسن الثياب المصنوعة من القماش الدرزي، أما الصغيرات فكن يلبسن من قماش المقاطع ذي الألوان الزاهية، فلم تكن تطرز النساء في الماضي سوى ثوب العروس(الجلاية) وغالباً ما كان لونها أزرق وتطرز بحرير أحمر، ثم لبست النساء الثوب المطرز بالحرير والمصنوع من قماش التوبيت والحبر، ويتكون هذا الثوب من القبة المربعة على الصدر وباقي البدن المطرز بعروق طويلة ممتدة من وسط الثوب حتى أسفله، وكان عرض العرق يتراوح ما بين الواحد إلى العشر سنتمترات، وذلك حسب عمر مرتديه، فصغيرة السن كان عرق ثوبها يتميز بزيادة عرضه وزهاء لون حريره، أما العجوز فكان عرق ثوبها لا يتجاوز عرضه من واحد إلى سنتمترين اثنين وبألوان قاتمة. ويطلق على العروق أسماء حسب شكلها، مثل عرق الدالية والحمام والبط والوز والحبش والنخلة والحاضر وغيره من الأسماء، وتطرز أيضاً مؤخرة الثوب(الذيال) بعروق تأخذ شكل مستطيل. وكان للثوب ردانان يربطان خلف الظهر، وتعطي المرأة ذراعيها من الرسغ وحتى الإبط، فتلبس(الزعابيط) ذات الألوان الزاهية والقماش الخفيف، ثم استعيض عن الردانات والزعابيط بالأكمام الطويلة المطرزة بالحرير والمتصلة بالثوب، كما لبست النساء التقصيرة وهي جاكيت قصيرة مطرزة  بالقصب(37).
 وقد تميز الثوب الفلسطيني الخليلي من أرياف الخليل بميزة فريدة من حيث الجودة والتنوع، وخرج تحفة فنية رائعة استساغه الآخرون فلبسوه أو قلدوه. وبالرجوع إلى التراث فقد لبست جداتنا وأمهاتنا الثياب المطرزة بالحرير على قماش التوبيت والحبر الأسود، ووشينه بالحرير المخيط بالإبرة واليد دون تدخل الماكينات في العمل وهو ثوب يستر جميع الجسم واليدين، وغطين رؤوسهن، بالغطاء الأبيض المسمى «غدفة» وغالباً ما كانت مطرزة الأطراف(38).
وقد أدخلت نساء قرى الخليل على أثوابهن أيضا فن الترقيع أي إضافة قطع من الحرير السوري بأشكال هندسية على الأكمام والقطعة الأمامية من الثوب. كما عرفت بتصاميمها المبتكرة للوسائد(39).

2 -    لباس الرأس  
1 -   كانت المرأة في قرى الخليل تغطي رأسها ب «العراقية» وتسمى الشكة أو العرقية إذا كانت النقود صفاً واحداً. وتصف من خلف أربع قطع من النقود أكبر حجماً من النقود التي تُصف من أمام. وهي عبارة عن طاقية مطرزة قطبة الفلاحي، وتزين العراقية بالريالات الفضية ثم يضاف لها الوزري وهذه القطع تشكل حزاما فضيا للعراقية، وتثبت العراقية على الرأس بزناق فضي من الجانب الأيمن حتى الجانب الأيسر مارا بأسفل الذقن
وعند أسفل الذقن تتدلى المحنكة الفضية أو الذهبية وهي عبارة عن ريال ذهبي أو فضي(40). وهناك غطاء آخر للخليل وبلدة بيت جبرين، يدعى طاقية «وقاة الطراهم». وهذه الطاقية القديمة (وقاية الدراهم المهر) مصنوعة من قماش القطن مطرزة بالحرير ومغطاة بشكل كامل بقطع نقدية عثمانية الطاقية ذو تركيبة غريبة الشكل حيث ينزل من الخلف قطعة مطرزة مغطاة بالقطع النقدية وودع، وينزل منها دنا ديش، يمتد من جوانب الطاقية سلاسل فضية قصيرة مع تعاليق وينزل منها أيضاً خرز عقيق مصفوف(41).
2 -    اتخذت النساء الغدفة ( الغطفة )  غطاء الرأس، وهي من الشاش الثقيل الذي يغطي الرأس ويتدلى حتى أسفل الظهر، وأطرافها مهدبة وعليها بعض التطريزات الحريرية الخفيفة خاصة بمنطقة الخليل (عرق عنب وعرق شجر سرو ومربعات أقمار،نجوم وأشكال أزهار.)، وتلبس الصفة تحت الغدفة وهي طاقية مطرزة بالحرير مشكوك عليها قطع من الريالات والوزريات وتثبت بزناق وهو حبل فضي تتدلى منه محنكة، وهي ريال فضي أو ذهبي، وكانت الصفة والمحنكة تميز النساء المتزوجات، أما غير المتزوجات فكن يلبسن(وقاة) تحت الغدفة وهي طاقية صغيرة مشكوكة بالريالات وتثبتها رفرافة، وهي قطعة من القماش الأبيض يتدلى منها على الجبين ريال يسمونه أبو ريشه أو أبو عامود، موصولة من الخلف بقراميل، وهي قماش أحمر موصول مع جدائل الشعر التي تنتهي بريالات في آخرهاـ واتخذت النساء الشمبر غطاء آخر للرأس وكان لونه أسود وأطرافه مطرزة بالحرير الأحمر(42).
3 -  بعض النساء لبسن على رؤوسهن الملاية الحريرية المصنوعة من الحرير الناعم المستورد وتغطي الرأس مع باقي الجسم وتلفها النساء من الأمام(43).
وكان من المحظور  وضع غطاء الرأس جانبا ونكش الشعر فمن المتبع والأصول أن تمشط المرأة شعرها بعد أن ترفقه وتجدله وتقوم بلف الجدايل في مؤخرة الرأس وتلبس أشكالا من الطواقي لتحافظ على أن يبقى الشعر منسدلا وعدم انتفاخه تحت الخرقة أو الغطاء وتساهم الوقاة ـ الشطوة ـ العراقية ـ الطاقية التي توضع تحت الخرقة في تثبيتها على الرأس ويشيع  اليوم استعمال الشبكة التي تنسجها المرأة بيدها وتجمع فيها الشعر كما أنها تساعد على تثبيت الخرقة على الرأس أيضا(44).  
3 - حزام الثوب
تحزمت النساء في قرى الخليل  بحزام صوفي يسمى(قشمير)، ثم بالشملة التي صنعت من قماش حريري ولها شراشيب من طرفيها. وبعض النساء لبسن السراويل المطرزة بالحرير من الأسفل.
ويتوسط النساء «الشداد» وهو من الصوف بلونه الأشهب يطوى عدة طيات ومنه الأزرق للنساء الكبيرات في السن. وبعضهن يتوسطن ما يسمى «بالشملة»: من قماش الساتان أو الحرير بطية واحدة وعقدة إلى الأمام في الوقت الذي تكون عقدة الشداد إلى الخلف(45).

4 - الحلي
لبست النساء أشكالاً متعددة من الحلي، فزينت الواحدة منهن معصميها بالأساور الفضية (الحيدري والعزيات) ويتدلى من جيدها عقد الكردان الذي يتكون من أعمدة فضية تتدلى منها سلاسل مربوط في نهايتها الريالات أو الوزريات وغيرها من قطع العملة العثمانية وفي وسط الكردان هلالان أحدهما أكبر من الأخير. ولبسن أيضاً على صدورهن(البغمة) وهي قلادة من الوزريات والريالات، ولبسن على ظهورهن البنود وهي أيضاّ تتكون من الوزريات وقطع العملةالفضية (46).
  وقد لبست النساء أيضا في منطقة الخليل  ( العروس ) الكردان المصنوع من الفضة مع القطع النقدية التي تكون على الطاقية، يكون هذا الكردان الذي يحتوي على قطع نقدية مع تعاليق بسلاسل فضية مركبة على قطعة قماش سوداء وفي وسط الكردان واحد أو أكثر من تعليقة أكبر مركب عليها أحجار أو زجاج ملون(47).

5 - الحذاء
أما حذاء النساء فكان(الوطا) بقاعدة من الكوتشوك، وباقي جسمه كان من الجلد الطويل ويزم على بطن الرجل. وغالباً ما كانت النساء يمشين حافيات ولا يستعملن الوطا إلا في أوقات الحصيدة أو التحطيب، وكانت بعض النساء اللواتي لم يعتدن انتعال الوطا وأردن الإسراع في مشيتهن كن يخلعنه يضعنه تحت إبطهن ويسرن حافيات، فانتعال الوطا كن يعتبرنه عائقاً لهن في مسيرهن(48).
  وأخذت هذه الألبسة بالاختفاء، ولكن يمكن أن نجد في هذه الأيام بعض النساء خاصة الكبيرات في السن ما زلن متمسكات بالملابس التراثية، ونجد في بعض الأحيان أن الفتيات يلبسن الملابس الشعبية في بعض المناسبات خاصة المناسبات الوطنية.
ثانيا : ملابس المرأة في مدينة الخليل     
كانت تغلب على الملابس التقليدية للمرأة الفلسطينية في المدينة مظاهر التشابه،سواء لدى مقارنتها بين مدينتين مختلفتين،أو بين فئتين اجتماعيتين في المدينة الواحدة.
وفيما يلي نماذج من الثياب التقليدية في المدن التي كانت موجودة منذ مطلع القرن العشرين أو التي انتشرت بعد ذلك.

 1 -  الدراعة
 في مدينة الخليل هو اسم قطعة اللباس المتشابهة للسبلة في مدينة اللد، ولكن الدراعة ما زالت موجودة حتى اليوم لدى بعض النساء المسنات، وقد كانت تعمل من أقمشة متعددة وأفضلها ما كان من الحرير، أما لونها فهو الكحلي أو الأزرق، وتشبه في تفصيلها وهيكلها العام السبلة عدا أن فتحة الصدر فيها أكثر طولاً إذ يبلغ طولها حوالي 37سم، وعلى فتحتي الكمين عند اليدين تطريز بأسنان المنشار، وكذلك يوجد نفس نوع التطريز (بالإبرة اليدوية) وشكله (أسنان المنشار) على فتحة الصدر وحفرة الطوق، والبنايق عددها أربعة، اثنتان منها على كل جانب، والبنيقة على شكل شب منحرف. وللدراعة ديارة بعرض 3سم وتلبس الدراعة فوق الفستان المنزلي(49).
ولا يكتمل لباس الدراعة دون لباس الرأس، وهو هنا قطعتان اليمنية فهي منديل من الشاش المشجر. مستطيلة الشكل طولها 140 سم وعرضها 70سم، وتثبت على الرأس من منتصفها بحيث يتوازن جانبا عرضها من جهتي الرأس إلى الأمام فوق الجبهة إذ كانت المرأة في داخل البيت أي أنها لا تغطي الوجه لكن إذا أرادت المرأة الخروج من البيت فتسحبها على وجهها بحيث تغطيه مثبتة شعرها وتضع فوقها المنشفة.
  والمنشفة قطعة مستطيلة من القماش الأبيض تشبه «الغطوة» تثنى ويلقط طرفا ضلعين متطابقين على شكل مربع أو مستطيل وبذلك فهي تسد مسد «العقدة» في الغطوة، وتلبس كما تلبس الغطوة وتثبتها المرأة على رأسها بيدها أو بكلا يديها وتظهر الدرزة المربعة أو «العقدة» فوق مستوى كعبي المرأة بقليل، تاركة فسحة يمكن رؤية لون الدراعة الأزرق، ويتيح طول المنشفة إمكانية للف جسمها بها ومسكها بيدها من الداخل تحت ذقنها أو تحت إبطها في هذين المكانين أو إنها تتركها سائبة فوق ظهرها دون أن تلف جسمها بها بل تكتفي بتثبيتها فوق رأسها بأن تمسكها بيديها على صدرها(50).

2 - الملاية
    تخاط الملاية من مختلف أنواع الأقمشة وألوانها ولكنها غالباً ما تكون من القماش الأبيض للعروس ومن القماش الملون للصبايا ومن القماش الأسود لكبار السن، والملاية أحدث من السبلة والدراعة، ويمكن مشاهدتها حتى اليوم في بعض المدن الفلسطينية وإن كان ذلك نادراً، والملاية بسيطة في تفصيلها وخياطتها فهي تتكون من قطعتين متصلتين معاً على النحو التالي:
1 - التنورة: قطعة مستطيلة طولها 190سم عرضها 90سم، تثنى القطعة من منتصفي طوليها ويلقط عرضاها، فتصبح كالكيس مفتوحة من الجهتين يشكل عرضها ارتفاع التنورة أو طولها من الخصر إلى ما فوق الكاحل.
2 - الغطوة: قطعة أخرى بنفس مقاسات التنورة، ولكن تظل مفتوحة لا يخاط طرفاها تجمع مع التنورة عند الخصر بخياطتها معاً عدا مسافة 2سم من الجهة الأمامية.
  وللملاية ثلاثة أربطة، والرباط هو قطعة رفيعة مثنية ومخيطة من القماش بعرض 1-2سم، وأحد هذه الأربطة على خصر التنورة تحت طرفها الدائري المثني ليخفي الرباط الذي هو «تكة» أو «دكة» تشبه «دكة» السروال والرباطان الآخران طول كل منهما 25سم وهما على الطرف السائب للغطوة تبعد بداية كل منهما عن طرفهما بمقدار 80سم والمسافة المتبقية بينهما هي 25سم - 30سم وهي المسافة المتوسطة في  طرف الغطوة السائبة.
 ويتم  بأن تدخل المرأة جسدها في التنورة ثم تربط وسطها بالرباط المزموم على الخصر، ثم ترد الغطوة من الخلف على رأسها، بعد أن تضع على رأسها منديلاً خفيفاً يشبه اليمنية، وقد يكون (مشغولاً بالأويا)، ثم تربط الغطوة بالرباطين العلويين خلف الرأس وفوق الأذنين، مثبته المنديل على وجهها ورأسها. وحينما تخرج تدلي المنديل وتمسك بالغطوة تحت الذقن والمنديل الذي تغطي به وجهها كان سميكاً ثم تغيّر إلى منديل خفيف شفاف يمكن من خلاله رؤية معالم وجه السيدة بعد أن كان سميكاً لا يسمح بذلك. ومثل هذا المنديل الخفيف انتشر في المدن الفلسطينية في العقد الرابع من هذا القرن(51).
3 - الكاب
انتشر الكاب في مختلف المدن الفلسطينية وحل محل الملابس السابقة مثل السبلة والملاية، حيث أصبح اللباس التقليدي الذي يلبس فوق الفستان الحديث في المدينة، وما زال بالإمكان مشاهدة هذا اللباس في أسواق المدن المختلفة حتى الآن، والكاب يخاط من القماش الأسود، ويتكون هذا النمط ثلاث قطع هي الكاب والبرنس والبرقع، كالانماط السابقة إلا أنه يمكن ملاحظة التغيرات التي حصلت في الكاب من حيث أنه أقصر من الأنماط السابقة، وأن قطع الرأس الواسعة قد اختفت كما أنها أصبحت أقل سمكاً منها في السابق وفيما يلي وصف لإجراء هذا النمط(52):
1 - الكاب: وهو يشبه المعطف الطويل وهو مفتوح من الأمام وهو على شكلين، فإما أن يكون «بردة» أي ترد الجهة اليمنى فوق اليسرى، وتثبت فوقها بزر أو أكثر عند الخصر أو «بدون ردة» وهو ما كان طرفاه الأماميان لا يردان وإنما يغلقان معاً كالجاكيت الحديث بعدة أزرار فيما بين الخصر ومنتصف الصدر.
 ويتكون الكاب من عدد من القطع الطولية تتراوح بين 5-11 قطعة لكنها فردية العدد لتكون القطعة الوسطى على الظهر، وكلما كان الكاب أكثر حداثة كلما قلت عدد القطع التي تكونه، فهي في الكاب القديم إحدى عشرة قطعة واحدة منها تمتد على منتصف طول الظهر حتى منتصف الساقين، وعشر قطع تشكل الجوانب والبدنين الأمامي والخلفي، ولكن قل عدد القطع بعد ذلك فأصبحت خمس قطع، واحدة للظهر وقطعتان للجوانب للصدر وأطوال هذه القطع متساوية إذ إنها يجب أن تشكل طول الكاب من الكتف حتى منتصف الساق، ويتفاوت عرضها حسب عدد هذه القطع فهي أقل عرضاً حينما تكون كثيرة العدد ولكن محيطها من الأسفل يبلغ 1و5متر ملاحظة الفروق البسيطة في حجم الرماة، وللكاب القديم قبة بسيطة هي قطعة من القماش تثبت على فتحة الطوق، أما الكاب الحديث فلا يخلو من قبة تشبه قبة الجاكيت، لا يقل عرضها من 10سم تظهر خلف العنق وحول الصدر وتتعدد أشكالها في الكاب الحديث، كما أن الكاب قد يثبت به عند الخصر «قيطان» كقيطان السبلة بغرض تثبيته عند اللباس أو ليفصل الصدر عن الجزء السفلي منه كما في الأشكال السابقة من اللباس.
وانتشر حديثاً شكل جديد للكاب يسمى «الترواق»ويتكون من ثلاث قطع فقط هي الظهر والردتان الجانبيتان، ولا يشترط فيه أن يكون من القماش الأسود بل أخذت تنتشر «ترواقات» من مختلف ألوان الأقمشة السادة (ذات اللون الواحد).
 البرنس: هو شكل الأكثر حداثة للغطوة السابقة وهي قطعة من القماش الأسود الذي يخاط منه الكاب، نقص بشكل شبه مخروطي لكن دون أن يكون الرأس مدبباً، وإنما هو مستقيم طوله 30سم، والطرف السفلي يبدو مستديراً محيطه 160سم، وارتفاعها 80سم وعرضها من الجوانب 60سم، ويتصل بطرفيها العلويين رباط بعرض 3سم وطول 40سم.
2 - البرقع/ منديل من قماش الحبر الأسود (حرير نباتي شفاف) وقد يكون من القماش المشجر والقطعة مستطيلة الشكل أطوالها 90و 60سم. يطوى من منتصفه ويلقط ضلعاه المتطابقان عند نهايتيهما بعدة غرز، لتسهيل تثبيته على الرأس.

 يلبس الكاب فوق الفستان ثم يشد القيطان حول الخصر، ويعقد ليثبته من جهة وليعطيه منظراً أكثر جمالاً من جهة أخرى، ثم يوضع البرقع أو المنديل على الرأس بحيث تكون القطبة من الجهة الخلفية وطرفه العلوى يحيط بالرأس على مستوى الجبهة، وتتدلى من الأمام على طبقتين بوجود المنديل من طبقتين على الوجه، يمكن المرأة من رفع الطبقة العليا منه وردها على الرأس إلى الخلف، لتظل طبقة واحدة تمكن المرأة من رؤية ما حولها إن لزم الأمر، وقد ترد الطبقتين إلى الخلف حينما تكون في البيت أو في مجلس نسائي لا يحضره الرجال، والعادة أن تسدل الطبقات معاً حين خروج المرأة وتواجدها خارج المنزل وقد لا يكون المنديل مثبتاً بعروة، وإنما منديل عادي من «الحبر» أو «لجورجيت» على شكل مستطيل يطوى من منتصفه ويوضع المحور الذي طوي عنده على الجبهة من الأعلى ويلف إلى خلف الرأس ويربط طرفاه فيتكون البرقع من طبقتين، يمكن أن يخفف إلى طبقة واحدة فقط كما بينا من قبل، وفيما بعد استعيض عن هذا المنديل ذي الطبقتين بمنديل محرم خفيف يسمى بمنديل «الموخل» وأطلق عليه أيضاً اسم منديل «البونية» أو «الابونية» وهو شفاف يظهر منه وجه المرأة كما لو أنها لم تكن تضعه على وجهها وكان هذا المنديل الشفاف هو الأكثر انتشاراً بين الصبايا في سنوات العقدين الرابع والخامس.
أما البرنس فيوضع على الرأس ويتهدل على الصدر والظهر بشكل مخروطي أو شبه دائري.

وأخذت هذه الألبسة بالاختفاء، ولكن يمكن أن نجد في هذه الأيام الكثير من النساء تلبس الكاب والمنديل وحده تلف به رأسها ووجهها بدلاً من البرنس والبرقع معاً وتربط أطرافه من الجهة الخلفية أو الأمامية للعنق، كما أننا يمكن أن نجد الكاب دون غطاء، للرأس والوجه بل تكتفي المرأة بوضع منديل على رأسها كاشفة وجهها وتلبسه بعد أن تطوى حول أحد قطريه فيصبح على شكل مثلث وضع ضلعه الذي تثنى منديل عنده على الجبهة للرأس تاركة بقية المنديل على رأسها وظهرها ثم تمسك به وتوازنه وتربط طرفيه تحت الذقن أو خلف العنق وهكذا تغطي شعرها ورأسها دون أن تغطي وجهها(53).  
ونستطيع القول إنه كانت تغلب على الملابس التقليدية للمرأة الفلسطينية في المدينة مظاهر التشابه، لكن مظاهر الاختلاف والتنوع أخذت تظهر بوضوح كبير بين ملابس الأجيال المتعاقبة وبخاصة في العقود الأخيرة. وقد تمثل التغير في الملابس النسائية في كل من غطاء الرأس ولباس البدن على حد سواء، فغطاء الرأس بما فيه غطاء الوجه كان سميكا تغير إلى غطاء أقل كثافة، ثم استبدل بغطاء خفيف قبل التخلص منه نهائيا لدى بعض الفئات.أما لباس البدن فقد تعرض للتغيير أيضا في نوع قماشه ولونه، وكيفية تفصيله وشكل فتحاته وطوله واتساعه، وكل التغييرات فيه كانت تتجه إلى تقليد الفستان الإفرنجي(54).

وقد شمل التغيير نساء القرية أيضا خاصة بعد النكبة ممن أجبرن على ترك قراهن، وهذا أدى إلى انقطاع مفاجئ لارتداء الملابس الشعبية واستبدالها بالملابس الإفرنجية الحديثة.
وفي النهاية نستطيع القول إن لكل قرية ومدينة فلسطينية لباسا نسائيا خاصا يميزها عن القرى والمدن  الأخرى، ومع هذا اللباس أو الثوب كماليات تختلف من منطقة إلى منطقة، ورغم هذا التنويع في الملابس هناك عوامل مشتركة في الملابس تتركز في نوعية القماش وحياكته، في أنواع الخيطان المستعملة للتطريز، وفي بعض الرسومات وتحويرها في قصة الثوب وتركيبه. فالرسومات والوحدات المستعملة في التطريز تتشابه، فمثلا هناك رسمة شجرة السرو المعروفة في منطقة بيت دجن كسروة طويلة مع قاعدة، أما في رام الله فنرى نفس الشجرة مصغرة بدون رأس وبدون قاعدة، ونرى نفس الشجرة على الأثواب في منطقة الخليل ومنطقة بئر السبع ولكن بشكل مختلف. وهناك أيضا نجمة بيت لحم وتسمى القمر في رام الله ورسمة العمار في الخليل(55).

الخاتمة
واجه التراث الشعبي الفلسطيني الكثير من التحديات والمحاولات المستمرة من قبل اليهود لتهويده ومحاولة طمسه، لكن محاولاتهم باءت بالفشل نتيجة وعي شعبنا الفلسطيني، ووقوفه في وجه هذه المحاولات.
ونستطيع القول أنه على الرغم من اتصاف الملابس الشعبية بصفات التقليدية و الوراثة والمحلية أو الإقليمية، فان ذلك لا يعني أن الملابس تبقى على ما هي عليه دون تغيّر أو تبدّل، بل أن التغير والتطور المستمر الدائم صفة من صفاتها، وهذا ما لاحظناه في الملابس الشعبية في الخليل،فاليوم نرى أن ارتداء الملابس الشعبية يكاد يقتصر على النساء كبيرات السن وهذا يشمل المدينة والقرية، أما الفتيات فقد سارعن إلى التخلي عن ملابسنا الشعبية لصالح الملابس الأوروبية، أو الفساتين الطويلة للفتيات المحافظات. وفي هذا تخلّ عن عاداتنا وتقاليدنا، لذا لا بد من وضع خطط تربوية تتبناها وزارة التربية والتعليم من أجل غرس قيمة حب التراث الشعبي الفلسطيني، وضرورة التمسك بملابسنا الشعبية التي هي عنوان تراثنا الذي نفتخر به. وكذلك لا بد من تشجيع النساء على لبس الملابس الشعبية في المناسبات الخاصة والعامة حتى نثبت للعالم اعتزازنا بتراثنا وتمسكنا به في وجه الادعاءات الإسرائيلية.   
 وكما يعلم الجميع فان هذه الصناعة التقليدية المتوارثة تتعرض في ظل الاحتلال الصهيوني، إلى استغلال بشع، إذ تقوم دور الأزياء الإسرائيلية باستخدام الأيدي الماهرة الرخيصة للمرأة الفلسطينية في تطريز ملابس خاصة بها، ثم تصدرها إلى الخارج على أنها أزياء إسرائيلية شعبية فتجني بذلك الأرباح المعنوية والمادية الطائلة.

الهوامش

1 - ابن منظور. لسان العرب. باب السين فصل اللام. مادة ( لبس ). بيروت، دار صادر للنشر، 1968.
2 - ابن منظور. لسان العرب. باب الباء فصل الشين.  مادة ( شعب )
3 - مصطفى، ابراهيم  وآخرون. المعجم الوسيط. استانبول، دار الدعوة، 1989. ص 483.
4 - مؤمن، نجوى شكري،وجرجس، سلوى. التراث الشعبي للأزياء في الوطن العربي. القاهرة، عالم الكتب. الطبعة الأولى 2004. ص 4.
5 - كناعنة، شريف.  أنواع الثقافة والفنون الشعبية المادية ونماذج منها. مجلة التراث والمجتمع (48         شتاء 2008  ص 185.
6 - هارون، عبد السلام. التراث الاسلامي. القاهرة، دار المعارف. 1978. ص 8.
7 - سرحان، نمر، موسوعة الفولكلور الفلسطيني. عمان البيادر الطبعة الثانية 1989. ص655
8 - مؤمن، نجوى شكري،وجرجس، سلوى. التراث الشعبي للأزياء في الوطن العربي. ص121.
9 - نمر، سرحان. موسوعة الفولكلور الفلسطيني. ص655،656.
10 -  الخادم، سعد. تاريخ الأزياء الشعبية في مصر، دار المعارف، القاهرة 1959، ص 55.
11 - مصطفى، فوزية حسين. الأزياء الشعبية للمرأة المصرية في محافظة الجيزة والابتكار منها لأزياء عصرية، رسالة دكتوراة غير منشورة جامعة حلوان ـ 1979، ص 1.
12 - كناعنة، شريف.  أنواع الثقافة والفنون الشعبية المادية ونماذج منها. مجلة التراث والمجتمع ( 48 شتاء 2008  ص188.
13 - المصدر نفسه. ص 188، 189.
14 - مؤمن، نجوى شكري،وجرجس، سلوى. التراث الشعبي للأزياء في الوطن العربي.  ص 107.
15 -
16 - مؤسسة القدس للثقافة والتراث.  تاريخ التطريز الفلسطيني
http://www.alqudslana.com/index.php?action=article&id=1468
17 -المزين، عبد الرحمن. موسوعة التراث الفلسطيني. بيروت، مؤسسة صامد. الطبعة الأولى، 1981. ص 61.
18 -المصدر نفسه، ص 62 وما بعدها. أنظر أيضاً:   مؤسسة القدس للثقافة والتراث.  تاريخ التطريز الفلسطيني http://www.alqudslana.com/index.php?action=article&id=1468
19 - خليل، محمد. الزي الفلسطيني.. عراقة التاريخ ونكهة الأرض. http://www.alqudslana.com/index.php?action=article&id=1468
20 - المصدر نفسه.
21 - الأزياء الشعبية. مؤسسة القدس للثقافة والتراث.
22 - نمر، سرحان.  موسوعة الفلكلور الفلسطيني،ص669.
23 - المزين، عبد الرحمن. موسوعة التراث الفلسطيني. ص141.
24 - المصدر نفسه. ص 142.
25 - المصدر نفسه، ص 142.
26 - الوحوش، محمد شحدة. حلحول- الأرض والشعب. عمان، دار الصباح للنشر. الطبعة الأولى 1992. ص323.
27 - المزين، عبد الرحمن. موسوعة التراث الفلسطيني. ص143.
28 - عبد الهادي، تودد. دليل الزي الشعبي الفلسطيني. 1974.  ص33.
29 - المصدر نفسه. ص33.
30 - المصدر السابق. ص 35.
31 - الوحوش، محمد شحدة. حلحول- الأرض والشعب. ص  323.
32 - نمر، عباس.  كي لا ننسى.من القرى المدمرة...(مغلس) قضاء الخليل. جريدة القدس 29-5-2010
33 - أبو عمر، عبد السميع. التراث الشعبي الفلسطيني تطريز وحلي. القدس، مطبعة الشرف. الطبعة الثانية 1987. ص 53.
34 - الوحوش، محمد شحدة. حلحول- الأرض والشعب. ص  323.
35 - المزين، عبد الرحمن. موسوعة التراث الفلسطيني. ص 138.
36 - الوحوش، محمد شحدة. حلحول- الأرض والشعب. ص  324.
37 - الصقور، جمال. نوبا، اطلالة على الريف الفلسطيني. مركز حمو للطباعة. الطبعة الاولى 1999. ص189.
38 - الوحوش، محمد شحدة. حلحول- الأرض والشعب. ص  323.
39 - قعوار،وداد وآخرون. التطريز الفلسطيني. بيروت : المؤسسة العربية للدراسات والنشر. الطبعة الاولى 1996.ص 63  
40 - عبد الهادي، تودد. دليل الزي الشعبي الفلسطيني. ص 34.
41 - أبو عمر، عبد السميع. التراث الشعبي الفلسطيني تطريز وحلي. ص 50.
42 - الصقور، جمال. نوبا، اطلالة على الريف الفلسطيني. ص 189
       انظر أيضاً :
                      أبو عمر، عبد السميع. التراث الشعبي الفلسطيني تطريز وحلي. ص49.
                      عبد الهادي، تودد. دليل الزي الشعبي الفلسطيني. ص 34.
43 - الصقور، جمال. نوبا، اطلالة على الريف الفلسطيني. ص 189، 190.
44 - البطمة، ناديا. الأبعاد النفسية والجمالية والاجتماعية والاقتصادية للثوب الفلسطيني. مجلة التراث والمجتمع.  البيرة، جمعية انعاش الأسرة. العدد 22، نيسان 1993. ص 32.
45 - الوحوش، محمد شحدة. حلحول- الأرض والشعب. ص 326.
46 - الصقور، جمال. نوبا، اطلالة على الريف الفلسطيني. ص 190.
47 - أبو عمر، عبد السميع. التراث الشعبي الفلسطيني تطريز وحلي. ص 53.
48 - الصقور، جمال. نوبا، اطلالة على الريف الفلسطيني. ص 190.
انظر أيضاً :
              الوحوش، محمد شحدة. حلحول- الأرض والشعب. ص 325.
49 - كناعنة، شريف وآخرون. الملابس الشعبية الفلسطينية. البيرة، جمعية انعاش الأسرة.982. ص 193.
50 - المصدر نفسه. ص 193.
51 - المصدر نفسه 194.
52 - المصدر نفسه 194.
53 - المصدر نفسه 194، 195.
54 - المصدر نفسه، 191.
55 - جودي، محمد حسن. تاريخ الأزياء الحديث. عمان، دار صفاء للطباعة والنشر. الطبعة الأولى 1997. الجزء الثاني. ص 61، 63.

المصادر والمراجع
1 - ابن منظور. لسان العرب. بيروت، دار صادر للنشر، 1968.
2 - مصطفى، ابراهيم  وآخرون. المعجم الوسيط. استانبول، دار الدعوة، 1989.
3 - مؤمن، نجوى شكري،وجرجس، سلوى. التراث الشعبي للأزياء في الوطن العربي. القاهرة، عالم الكتب. الطبعة الأولى 2004.
4 - كناعنة، شريف.  أنواع الثقافة والفنون الشعبية المادية ونماذج منها. مجلة التراث والمجتمع. العدد48  شتاء 2008 .
5 - هارون، عبد السلام. التراث الاسلامي. القاهرة، دار المعارف. 1978.
6 - سرحان، نمر. موسوعة الفولكلور الفلسطيني. عمان البيادر الطبعة الثانية 1989.
7 - الخادم، سعد. تاريخ الأزياء الشعبية في مصر. دار المعارف، القاهرة 1959.
8 - مصطفى، فوزية حسين. الأزياء الشعبية للمرأة المصرية في محافظة الجيزة والابتكار منها لأزياء عصرية. رسالة دكتوراة غير منشورة جامعة حلوان ـ 1979.
9 - http://www.alqudslana.com/index.php?action=article&id=1468
10 - المزين، عبد الرحمن. موسوعة التراث الفلسطيني. بيروت، مؤسسة صامد. الطبعة الأولى، 1981.
11 - الوحوش، محمد شحدة. حلحول- الأرض والشعب. عمان، دار الصباح للنشر. الطبعة الأولى 1992.
12 - نمر، عباس.  كي لا ننسى.من القرى المدمرة...(مغلس) قضاء الخليل. جريدة القدس 29-5-2010.
13 - أبو عمر، عبد السميع. التراث الشعبي الفلسطيني تطريز وحلي. القدس، مطبعة الشرف. الطبعة الثانية 1987.
14 -  الصقور، جمال. نوبا، إطلالة على الريف الفلسطيني. مركز حمو للطباعة. الطبعة الأولى 1999.
15 - قعوار،وداد وآخرون. التطريز الفلسطيني. بيروت : المؤسسة العربية للدراسات والنشر. الطبعة الأولى 1996.  
16 - البطمة، ناديا. الأبعاد النفسية والجمالية والاجتماعية والاقتصادية للثوب الفلسطيني. مجلة التراث والمجتمع.  البيرة، جمعية إنعاش الأسرة. العدد 22 ، نيسان 1993.
17 - كناعنة ، شريف وآخرون. الملابس الشعبية الفلسطينية. البيرة ، جمعية انعاش الأسرة.1982.
18 - جودي ، محمد حسن. تاريخ الأزياء الحديث. عمان ، دار صفاء للطباعة والنشر. الطبعة الأولى 1997.

أعداد المجلة