فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
67

الوحـدة . . من حيث البدايات والنهايات المتماهية

العدد 11 - التصدير
الوحـدة . . من حيث البدايات والنهايات المتماهية
عضو الهيئة الاستشارية للمجلة

في البدء كانت الحياة، وكان الدليل عليها الإنسان، فكانت الدهشة، والدهشة هي منجم الأسئلة التي لا أجوبة لها، ومنجم الأجوبة التي لا أسئلة لها، ويبدأ الصراع بين الخيال و العقل، ويبدأ البحث عن تفسير لما يصعب فهمه أول الأمر. ويقف الإنسان في خضم التساؤلات، لماذا، وكيف؟! وتتكون التجمعات البشرية، تجمعات محكومة بمقدمات ونتائج، باحثة عن ثقافة ما، تتكون وتتوالد، وتنمو دون تخطيط، وتنبثق عشوائيا لتتشكل من خلال سيرورتها.

ومن هنا يكون الاستشراف ممزوجا بالحيرة، متطلعا إلى ما هو آت، وهذه بدايات تسويغ التفكير ومقاربة التفسير العقلي، وكانت من ذلك الخرافة. . وتعامل معها الإنسان من خلال فرديته وجمعه، على أنها الحقيقة الذاتية التي صدقها، وآمن بها، وهي في مرحلة ما تمثل الحقيقة الذاتية التي تتفجر منها محاولات الفهم والتفسير، ويبقى الإنسان رهنا لما يتخيل دون برهان، إلى أن تقدم في الفهم عبر آلاف السنين، وعبر آلاف التجمعات إلى ما هو أكثر قربا من منطقه، وتتطور الرؤية الشعبية، وتولد الأسطورة، وتتشعب العلاقات بين الحياة والخرافة والأسطورة بشكل يسهل البحث عن تصور لبواعث الدهشة، وتصير الأسطورة هي الحقيقة الذاتية التي تلي الخرافة. . وتبدأ ملامسة الأسباب . . مع مزيج من مخيلة الناس،وبجانب الفكر المولع بالبحث عن تفسير ما للظواهر، وبروز جدلية الخرافة والأسطورة، تظهر أمشاج جدلية أخرى أساسها الحاجات اليومية للإنسان في التكيف مع الحياة، وتولد الفعل التطبيقي استجابة لما هو متاح، من خلال كشف بالصدفة مرة وبالتجربة أخرى. وكانت النار، وكانت الكهوف، وكانت المغاور، وكانت الرحى، و الحجارة، والخطوط، وتكوين العلاقات والبحث عن تواصل الفرد مع المجموعة، و الفرد مع الفرد، وكانت عبقرية اختراع اللغة عبر المراحل المتعددة، خلال ملايين السنين، إشارات، وصور وعلامات ومن ثم أصوات، وصور للأصوات، كرحلة طويلة . . طويلة، تركت ملايين المفردات التي تكونت منها ثقافة الشعوب عبر ملايين السنين.

كان الإنسان يبحث عن تفسير لما يرى ويسمع، ويستجيب لما يحتاج من خلال ذهنية بدائية . . يتواصل مع الحياة ومع الآخرين . . ومع الكون.

ويلتفت الإنسان عبر هذه الرحلة الطويلة إلى أحاسيسه ومشاعره، التي تشكل عالمه الداخلي، كيف يصفها وكيف يعبر عنها، ويحاول بكافة المتاح له أن ينقل ما يحسه في (جوانياته) إلى (برانيات) الحياة . . فتكونت عوالم وأشكال ورسائل لا يمكن تتبعها أو حصرها . . بل يمكن الوقوف على شواطئها، و البحث المتواضع عن أعماق أعماقها. . هذا كله مع الزمن الممتد كثيرا . . هو المحصلة للثقافة التي نسميها بكل تواضع، الثقافة الشعبية، إنها البوابة التي إذا اقتحمتها سيرورة الإنسان فهي ترشحها إلى الوحدة، من حيث البدايات المتماهية والنهايات المتماهية، من البدايات وفي اتجاه النهايات تتدفق مفردات الثقافة الشعبية لتبرهن على أن الإنسان هو الإنسان في جوهره، وما التباينات سوى ذلك الشرر المتطاير من اللهب الذي يصهر الثقافات كما تصهر النار التبر ليصير في النهاية ذهبا.

ثقافات متعددة متنوعة متداخلة ومتفارقة، تؤدي وظيفة واحدة رغم تعدد الخصوصيات، بحسب الأزمنة والأمكنة.

إن ثقافة الشعوب برهان على وحدة البدايات، ومفرداتها هي التي تشكلت منها اللغة الثقافية المدونة في الذاكرة، أولا وفي اليد ثانيا وعلى ورق الحياة ثالثا. خطوط على الصخور، قناطر من الحجر، شحوف كالسكاكين، أسئلة وإجابات، رسوم على الحيطان الملساء، وعلى جدران الكهوف . .

ألعاب أطفال في الصين أو في اليمن أو في جنوب أفريقيا أو في أسبانيا . . أو تركيا .. أو جزيرة العرب . . هي ذاتها، وفلسفات أولية هي ذاتها. وحدة المنطلق والمنبثق، وتشابه التوجه، وكل البدايات يوم كان الإنسان في اشتباك مع الحياة والطبيعة والفكر . . والقلب.

من هنا تأتي أهمية البحث في عبقرية الثقافة الشعبية لكل الشعوب . . سعيا إلى توحيد المصائر . . يوما ما.

 

 

أعداد المجلة