فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
9

فنون المأثورات الشفاهية في الجزيرة

العدد 9 - أدب شعبي
فنون المأثورات الشفاهية في الجزيرة
كاتب من سوريا

«إن تراث أي أمة لا يقتصر على المدون المكتوب، وإنما يشمل جانباً مهماً في حياة الشعوب متمثلاً في التراث الشفاهي ، وهو تراث وثيق الصلة بنبض الجمهور توثباً وسكونا، ورجاء ويأساً، وقوة وضعفاً ، وهو بذلك يعبر عن ذاتية الشعب وهويته المتميزة، ولا غنى لجسم الأمة عن هذه الأعصاب المفرطة في الإحساس والدالة على رؤاها وتطلعاتها في إثبات شخصيتها والتعبير عن كيانها المتجذر عبر العصور».

يتناول الباحث أحمد الحسين هذه الفنون الشفاهية عبر سبعة فصول من خلال اهتمامه بالفلكلور في إطار الانتماء بالدرجة الأولى إلى البيئة التي شكلت الوعاء أو الحاضنة لهذا التراث.

الفصل الأول

مدخل إلى عالم الفلكلور والمأثورات الشعبية

تحدث المؤلف عن المصطلح والتعريف والدلالة والعلاقة بالعلوم والفنون الأدبية والتاريخية والميثولوجية ، وتتبع صدى الظاهرة الفولكلورية في التراث العربي القديم وقد كان انشغال العرب بالدراسات الفلكلوررية كثيراً، فكان الكسائي والأصمعي والجاحظ رواداً في هذا العلم لما جمعوه من مادة شعبية وفيرة من تراث البوادي والأعراب، وقد عرف الجاحظ بنزعته الشعبية ويبرز ذلك في مؤلفاته الموسوعية «كالحيوان»و«البيان والتبيين» و «البخلاء» فالمواد التي عرضها يصب محتواها في المأثورات الشعبية وإدراكه لهذه الخصوصية وقد قال:

«إذا سمعت بنادرة من نوادر العوام وملحة من ملح الحشوة والطغام فإياك أن تستعمل فيها الإعراب أو تتخير لها لفظاً حسناً..».

الفصل الثاني

ظواهر لهجية

يناقش المؤلف أهم اعتراضين يثاران على الفلكلور والتراث الشعبي وهما المشافهة والمشاعية ثم طبيعة اللهجة المحلية وعرض أهم الظواهر الصوتية واللغوية التي تميزت بها لهجة الجزيرة ونعني بالجزيرة أي ما امتد مابين نهري دجلة والفرات ثم فتتت هذه البقعة الجغرافية وسميت – سوريا – وتركيا –  والعراق، والآن تطلق الجزيرة على محافظة الحسكة في سوريا.

وقد عرفت الجزيرة عدة لهجات في إطار اللغة العربية، واللهجات متقاربة بين القبائل وقد تأثرت تأثراً كبيراً وواسعاً وبشكل خاص بـ«تميم وقيس» ومن خصائص لهجة الجزيرة:

التسكين : بهدف التخفيف ومنه تسكين أواسط الكلمة مثل: رسْل فخْذ عضْد في «رسل فخذ، عضد» وكذلك تسكين الحركة الإعرابية في أواخر الكلمات مثل: بعولتْهن بتسكين التاء وهذا ما اتفقت عليه لهجات تميم وبكر وربيعة ووائل، والتسكين شائع في الجزيرة وكذلك الاتباع، وكسر حرف المضارعة، والميل إلى الكسر، الميل إلى المعاقبة، والإدغام والإتمام والحذف، وتشديد الواو والياء  والقلب المكاني والنحت والإبدال في عدد من الحروف..».

إن الرواية الشفوية للمأثورات الشعبية تمدنا بقدر واسع من المعلومات حول تاريخ الجزيرة وحياة عشائرها وتنقلاتها ، وحروبها.. واللهجة العامية كانت الوعاء اللغوي لتلك المادة، و لهجة الجزيرة بشكل عام هي أقرب ماتكون إلى لهجة نجد.

الفصل الثالث

فنون الأدب

يستعرض الباحث فنون الأدب في الموروث الفلكلوري التي تعبر عن إبداعات البيئة الشعبية ومنها القصيدة ، والملاحم والأساطير ودلالاتها والأمثال والأحاجي والألغاز الشعبية.

القصيد :

وهو الشعر البدوي الموزون المقفى من حيث الروي والقافية ويقال في وصف الشجاعة والكرم وموضوعاته كثيرة ، وقد اشتهر في الجزيرة شعراء في فن القصيد من بينهم الشاعر «جلود الصيلبي» الذي تميز بقصيدته الفنية حيث سار على منوال القصيدة الجاهلية فوقف على الديار وانتقل إلى المديح والفخر والحكمة قال :

ركيت أنه بمعّلّماتْ المشاريف

ودموعّ عيني ســيْلنْ كلْ واد

البارحهْ عُرْيٍان واليوم ماشُوْف

وطلعْت بالديراْن بسْ الهـوادي

على ظعون أكفتْ اليوم ياحيْف

أكفو ضنى مذحج  فروخْ الهدار

أكفوا كما دحْوٍ تحدّرْ من الشيّف

بس الوثر بمراحهْم والشــداد

الملاحم والحكايات:

وهي من أشهر الفنون الشعبية لما تمتاز به من التسلية والتشويق وتنمية خيال الأطفال وما تحفل به من قيم اجتماعية وارتباطها ببيئة البادية ويطلق مصطلح «الخاروفة» على فن الحكاية التي تتميز بتنوع شخصياتها وعلى سبيل المثال  الحكاية التاريخية «كعنترة والزير سالم وحاتم وجحا».

الأمثال:

وهي تعبر عن منظومة من القيم والأخلاق والمعاملات، والأمثال في الجزيرة السورية عكست خصوصيات البيئة، وكان التعبير عن مكانة الرجال قول «الأصيل مايعيبو جلالو»والأمثال العربية تكاد تتشابه إلى حد ما في مفرداتها ومعانيها على نطاق الوطن العربي.

الفصل الرابع

الفنون الصوتية-الحركية

يتناول الباحث الفنون الصوتية – الحركية وهي الفنون المرتبطة بالغناء والرقص ومواكب الطقوس والاحتفالات ومن بينها: الغناء الذاتي والوجداني والحماسي والمدائح النبوية وأناشيد المحيا والطهور وأغاني الندب والنعي والدبكات والآلات الموسيقية والشعبية.

الغناء الذاتي الوجداني – العتابة :

وهو فن شائع الانتشار في بلاد الشام والعراق وتتنوع استخداماته في الشكوى والفخر والعتاب والغزل والوصف كما أنه وسيلة للتعبير عن العواطف والمشاعر الذاتية للإنسان ، يقول أحدهم:

أباتْ الليّلْ جن بِحْشاي كانونْ «موقد النار»

على الحاجب على المكرون كالنوْن «حرف النون»

يزرعْ الكلبْ ما يرْويْه كانونْ «شهر معروف»

النايل : وهو لون من ألوان الغناء الذاتي يجري على منهوك البسيط والنايل في الجزيرة من الفنون المستقلة بذاتها ويعبر به عن المشاعر الذاتية والقضايا الإنسانية والوجدانية إنه إبداع شعبي كقولهم:

البومه الـ بالجهف ساهرتها

وتكول يازي حزنْ دنياكْ ما دامتْ

الهوسة: وهي لون يثير الحماسة يؤدى بإيقاع جماعي ويسمــى أحياناً «الحندة» إذ يغني أحد الرجال مقطعاً ويردد الآخرون هذا المقطع من بعده كما قيل عندما دحرت بعض العشائر الفراتية القوات الفرنسية في تل خشام :

ربعي دوم  مونسين البر

عدايهْ  وجيابْه منسْــر

مسكين العُدوانْ من  مْر

كلهم  نشامى  ومسطـر

العنبوزي محارب  دولة

تبالي دفنكه ومشط مبحرْ

من رأس خشام أحدرناهمْ

تسمعيه  ومعمو  وياهمْ

الفصل الخامس

أغاني العمل

خصص هذا الفصل لأغاني العمل من رجال ونساء، ومن ذلك الأهازيج والأغاني التي تقام عند الحصاد وفلاحة الأرض وسقاية الماشية وغزل الصوف وإعداد بعض الأطعمة ، وأداء بعض الأعمال التي يقوم بها الناس في الجزيرة السورية والتي امتدت تأثيراتها المتبادلة إلى بيئات عربية مجاورة.

ورد الغنم: ويقصد بها سقاية الماشية والعمل شاق ومجهد يشترك فيه الرجال والنساء ويقصد بالغناء إثارة الحماسة لسقي الأغنام يقول أحدهم:

ورْدت الدعُـــــــــــــــــــوْم

عالجليبْ  تُحوم

لوْنيِ حاضِرْ ها

لدعْى المى يعُوم

 

الحصاد: اعتمد الفلاح سابقاً على جهده في أعمال الحراثة والبذار والحصاد ويستخدم الفدان وهو آلة من خشب تنتهي برأس حديدية يسمى سكة يربط على رقاب البغال، تقول فتاة في فدان حبيبها:

 كل الحواريْث حلّتْ

عيني على  فدانـو

يا سكتّو من  فضه

وغزلاْن يا ثيرانـو

وغناء المرأة من أجل حلب البقرة، حيث ترحب بالبقرة وتصف زينتها من أجراس وخرز تطوق به عنقها خشية عليها من عين الحاسد تقول:

جت تحكّكّ بالمراسْ

أم السنابل والجراسْ

الفصل السادس

طقوس المطر

وهي جزء من طقوس الخصب ذات الأهمية الكبيرة في حياة الجزيرة لاعتماده على الزراعة والرعي ويتجلى ذلك في أم الغيث وصلب العدة أو المحراث وحورة النساء والقرابين وصلاة الاستسقاء وأغاني هطول المطر.

طقوس المطر في الجزيرة: أشرنا سابقاً إلى أن الجزيرة ممتدة ما بين نهري دجلة والفرات وهي الجزيرة السورية والطقوس في الجزيرة تعد تراثاً شعبياً متنوعاً وفي مكوناته الأهازيج والأغاني والرقص، وتختلف الطقوس بمسمياتها.

1 – طقوس أنثوية: تؤديها المرأة من أشهرها طقس «أم الغيث» وهو مشهد غنائي.

2 – طقوس ذكرية: ويختص بها الرجال وأبرزها «صلب العدة» وهو يقوم على فكرة الاتصال والإيحاء، وطقس القربان حيث تعد الذبائح لوجه الله.

3 – طقوس الأطفال: ومنها أهزوجة «طلعة الشميسة» وهو طقس احتفالي غنائي راقص.

ونورد للقارىء أنشودة أم الغيث تبدأ بالدعاء ووصف الجدب ثم الرجاء لهطول المطر والتضرع لله أن يجود بالغيث، وهذا مقطع يحث النساء على بذل الصدقات بسخاء.

أمّ الغيثْ غيثيـنا

بلّي بشِيتْ راعينا

راعينا حمد أكرعْ

لو سنتين مايزرعْ

أمّ الغيـث يا ريّه

الفصل السابع

ألعاب الصبيان

أورد المؤلف ما يربو على الثلاثين مثالا  برزت فيها خصوصية الأداء الصوتي والحركي وعناصر البيئة والامتداد الجغرافي المعبر عن التواصل والانتشار ووحدة الطابع الفلكلوري العربي ، وتقاربه في البيئات العربية ومن هذه الألعاب «جوز ولا فرد» حبل بكر لعبة العجاب رن رن يا جرس وغير ذلك كثير ولعبة رن رن يا جرس يتحلق الصبيان على شكل دائرة ، ويحمل أحدهم وراءه منديلاً ويركض ويغني رن رن ياجرس ويردد الأطفال الجالسون بصوت عال ، وأن يحمل الخاسر الرابح على ظهره وهذه اللعبة تسمى في اليمن ((بيدان بيدان )) ويهتفون عند اللعب بها :

بيدان بيــدان

حالي  سـويدان

يا الله يا إخوان

نلعب بيـــدان

إن مادة هذا التراث تتقاطع في بعض جوانبها مع نصوص ونماذج غير عربية مما يعطيها عمقاً واسعاًُ وتفاعلاً ايجابياً يدل على انتقال الموروثات الشعبية عبر حدود الزمان والمكان وانتشارها بين الشعوب.

أعداد المجلة