فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
61

عرض كتاب المناداة في الأسواق والهبطات

العدد 61 - فضاء النشر
عرض كتاب المناداة في  الأسواق والهبطات

 

يرصد كتاب «المناداة في الأسواق والهبطات» لمؤلفه زاهر بن سعيد السعدي، الصادر عن وزارة التراث والثقافة العمانية عام 2019م، واحدة من أحد أهم عناصر التراث الثقافي العماني غير المادي وهي المناداة في الأسواق والهبطات العمانية التقليدية، من خلال توثيقه للتطور الحضاري الذي شهدته الأسواق الشعبية العمانية، مع التركيز على دراسة ثلاثة من أبرز هذه الأسواق، وهي أسواق نزوى والرستاق وسناو.

وقد تطرق المؤلف في دراسته هذه إلى أهمية الأسواق العمانية التقليدية وممارسة نشاط المناداة في الوقت الراهن، والتغيرات التي طرأت عليها في ظل نمط الحياة العصرية السريعة، وتأثيرات التقدم الاقتصادي والاجتماعي والتكنولوجي المتلاحق.

ويشير المؤلف إلى أن المناداة في الأسواق والهبطات تعد جزءًا أصيلًا من شخصية المجتمع العماني وتراثه الثقافي، وهي نظام اقتصادي متكامل للبيع والشراء ما زال معمولًا به إلى وقتنا الحاضر في الأسواق العمانية التقليدية، وذلك في مختلف محافظات وولايات السلطنة، سواء في الأسواق الشعبية داخل ما يسمى بالكبرة أو العرصة، وكذلك خارج هذه الأسواق خاصة في مواسم هبطات العيد وطناء النخيل وبيع الأسماك وغيرها من البضائع.

ولهذا الموروث الحضاري أبعاد اقتصادية واجتماعية مهمة، حيث يعكس الواقع الاجتماعي العماني المعيشي، ويمثل جانبًا من هوية المجتمع العماني وأصالته وتاريخه. كما أنه يسهم في زيادة الترابط بين أفراد المجتمع من خلال اللقاء اليومي في الكبرة أو العرصة، أو من خلال اللقاء السنوي الموسمي عند طناء النخيل.

وقد استعان المؤلف بمصادر ومراجع متنوعة لإثراء الدراسة، ومن أهمها اللقاءات الشفوية للممارسين من كبار السن والقائمين والعارفين بهذا الموروث.

و المناداة كما جاءت في الكتاب هي عبارة عن مزاد علني على البضائع والسلع والمنتجات والأملاك المختلفة المنقولة وغير المنقولة، وتقام في الأسواق المعروفة كما تقام أيضًا في خارجها. وهي كمصطلح مأخوذ من النداء، ويقوم الدلال أو السمسار بتنظيم المزايدة بصوت مرتفع، ويتحلق حول المعروض الراغبون في الشراء، ومن هنا جاءت تسمية هذا النوع من التجمع بالحلقة.

وتبدأ المناداة عادة بعد طلوع الفجر وتستمر حتى نهاية المعروض من البضائع والسلع في ذلك اليوم، وفي مواسم الأعياد تمتد المناداة إلى وقت العصر.

وتختلف طريقة المناداة حسب نوع المعروض للبيع إن كان مواشي أو أسماكا أو خضراوات أو فواكه أو قعد مياه الفلج أو سلعًا أخرى. 

فالمناداة على الماشية تتم في عرصات أو حلق مخصصة ويقود الدلال الماشية التي تتم المناداة عليها في جميع العرصات أو حلق البيع عكس عقارب الساعة. وكل عرصة تحتوي على ممر دائري أو شبه دائري، ويختلف اتساع هذا الممر أو عرضه من سوق إلى آخر، ويتحلق حوله الراغبون في المزايدة والشراء، ويأتي بعض الحضور إلى الحلقة بدافع المشاهدة والفضول.

وتبدأ عملية المزايدة بأن يطلب الدلال تحديد الرسم المبدئي للماعز أو الغنم التي يريد المناداة عليها، وذلك بعد الاتفاق مع البائع الأصلي أو صاحب الماشية، قائلاَ: «كم قسم الله؟ كم قسم الله؟ كم قسم الله؟»، أو يقول: «كم الرسمة؟ بكم أنادي؟ بكم أنادي؟».

ويحدد أحد المزابين القيمة التي تبدأ عندها عملية المزايدة، ثم تستمر المزابنة (مفردها: زبنة، وهي المزايدة في السعر)، وعندما ينادي الدلال على سلعة معينة، فإنه يرفع صوته قدر استطاعته ليسمعه المتحلقون حول العرصة أو الحلقة، ويكرر باستمرار ترديد القيمة التي وصل عندها المزاد العلني، ويستعرض الدلال صفات ومميزات السلعة التي ينادي عليها، وأحيانًا كثيرة يلجأ إلى أسلوب التشبيه والمبالغة في الوصف والترويج، ويدعو الحضور أو الراغبين فيها إلى الإقبال والشراء، وتختلف بطبيعة الحال طريقة كل شخص في الترويج والعرض.

وخلال الأيام الثلاثة التي تسبق عيدي الفطر والأضحى من كل عام تقام الهبطات في الولايات العمانية ويطلق عليها «هبطة العيد»، وتستمر حتى التاسع والعشرين من رمضان بالنسبة لهبطة عيد الفطر، والتاسع من ذي الحجة بالنسبة لهبطة عيد الأضحى.

 ويختلف موعد إقامتها في كل ولاية، وتقام في الولاية الواحدة أحيانًا أكثر من هبطة، ويباع في هذه الهبطات جميع مستلزمات العيد مثل: الملابس، والخناجر والعصي، وأضاحي العيد، والحلوى العمانية، والأدوات التي يتطلبها الشواء وأوراق الموز الناشف، والحطب، والبهارات، بالإضافة إلى ألعاب الأطفال المختلفة.

وتبدأ هبطات العيد في الصباح الباكر قبيل شروق الشمس، وتستمر حتى قرب موعد آذان الظهر، وتقترن الهبطة بالعيد فهي أولى فعاليات العيد في سلطنة عمان، ويحتفي العمانيون بالهبطة احتفاءً كبيرًا، لما لها من أهمية ومكانة خاصة عند كافة أفراد المجتمع، ودائمًا ما تشهد إقبالًا كبيرًا ومتزايدًا لكونها تلبي احتياجات جميع شرائح المجتمع العماني.

وبالنسبة لأعراف المناداة، يذكر المؤلف أن الناس تعارفوا على جوانب كثيرة في مهنة المناداة، ومنها ما يتعلق بأجر الدلال، ورسم قعد السوق، وأحوال رسو السعر، ورد البضاعة المشتراة، وكيفية دفع ثمن البضاعة، والصفات التي يجب أن يتحلى بها الدلال.

وقد أوصى المؤلف في نهاية الدراسة بتنظيم ممارسة مهنة المناداة عن طريق حصر وتحديد أسماء الممارسين، ووضع الضوابط اللازمة لهذه المهنة بما يحفظ حقوق كل من البائع والشاري والدلال وصاحب العقد.

ختامًا يعد هذا الكتاب إضافة جديدة لدراسة وتوثيق عناصر التراث الثقافي العماني غير المادي، من خلال رصده لمعالم الأسواق العمانية التقليدية وأنظمتها الإدارية وتكوينها المعماري، وكل ما يتعلق بها من جوانب متعددة كالسلع والنقود والأسعار والأجور والضرائب والصناعات والحرف والمهن السائدة، بالإضافة إلى دراسة البعد الاجتماعي ومدى تأثيره على الأسواق في سلطنة عمان. وكما أكد المؤلف أن المناداة تعد شكلًا راقيًا من أشكال التعبير عن الثقافة العمانية والقيم المحلية، كما أنها تسهم في تعزيز التماسك والتعاون بين أفراد المجتمع.

 

أعداد المجلة