فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
60

سمات التشكيل الزخرفي للمساكن التراثية في مدينة زبيد

العدد 60 - ثقافة مادية
سمات التشكيل الزخرفي للمساكن التراثية في مدينة زبيد

 

تمهيد:

زبيد مدينة يمنية حضرية منذ بدايات العصر الإسلامي، أسسها الوالي العباسي محمد بن زياد عام 204ه1، ثم انفصل عن العباسيين وغدت المدينة عاصمة دولته الزيادية وعاصمة لعدد من الدويلات الإسلامية التي قامت على أنقاض دولة الزياديين. وقد مثَّلت زبيد أحد المراكز العلمية الهامة التي كان يقصدها طلاب العلم من مختلف أنحاء اليمن وحتى من خارجه، واشتهرت في فترة من الفترات بمدينة العلم والعلماء، وتقع مدينة زبيد في إقليم تهامة، حيث تبعد حوالي 100كم عن مدينة الحديدة العاصمة الإدارية للمحافظة التي تعد أهم موانئ اليمن على البحر الأحمر حالياً.

يعتبر الفن المعماري في زبيد نمطا فريدا في العمارة اليمنية، وتتبدى فرادته في جانبين: يتمثل الأول منهما في بساطة تكوين البيت الزبيدي، فهو يتكون في الغالب من فناء تطل عليه غرفة رئيسة أو أكثر. وأما الجانب الآخر فيظهر في المساحة الكبيرة التي يحتلها التشكيل الزخرفي داخل كل مبنى. ومن الواضح أن هذا الاتساع في مساحات الزخرفة ما هو إلا تعويض عن قلة مرافق المبنى، وهو ما يعكس نوعا من التعارض بين بساطة الشكل وثراء التشكيل الزخرفي، وهذا التعارض هو ما يعطيها هذا الملمح الفريد عن بقية أنواع العمارة في اليمن2. لقد سعى المعماري اليمني في زبيد إلى وضع حل لتجنب حرارة الطقس في مناخ شديد الرطوبة، وذلك من خلال زيادة ارتفاع جدران الغرف واتساع فتحات المناور التي تعلو الأبواب والنوافذ، فالسقف المرتفع والفتحات المرتفعة يساعدان على طرد الهواء الساخن وتلطيف جو الغرف. ولهذا الغرض أيضا لا يتم تبليط أرضية الغرف أو تقضيضها بل يتم فرش الأرضيات بالتراب الناعم سواء في الداخل أو في الفناءات وترش بالماء باستمرار من البئر الموجودة في أحد أركان الفناء لامتصاص الحرارة. كما تزرع الأشجار في الفناء لتلطيف الجو، ويستخدم اللون الأبيض في طلاء الأسطح الخارجية لتقليل من الامتصاص الحراري وفي زخرفة الواجهات الداخلية والخارجية.

عناصر الحيز الداخلي في مساكن زبيد:

يغلب على البيت الزبيدي البناء الأفقي للمرافق والمباعدة بينها لإتاحة المجال لحركة تيارات الهواء، كما توجد البيوت ذات البناء الرأسي التي من النادر أن تزيد عن طابقين، وهي ذات كلفة عالية لم يكن يقدر على بنائها سوى طبقة التجار وعلية القوم. وبناء على ذلك يمكن تقسيم البيت الزبيدي إلى نموذجين: أولهما البيت ذو الطابق الواحد، وتتنوع أشكال المساقط لهذا النوع، ويحتوي على فناء يسمى «قُبُل» تنفتح عليه غرفة يُطلق عليها «مُرَبَّعة» وأخرى تسمى «صَفَّة»، بالإضافة إلى «المَرْوَش» والحمام والمطبخ، والأخيران يتموضعان في أركان القبل وبدون سقف في الغالب، وأحياناً يحل ما يُعرف بـ«الليوان» بدلا من المربعة، ويُستخدم الليوان في الغالب كمجلس لاستقبال الضيوف، ونظرا لاتساعه وارتفاع سقفه فقد يبنى داخله «خرنة» يتم الصعود إليها عبر درج «خشبي» ويتم فيها حفظ فرش الليوان. ولا يكاد يخلو بيت من وجود بئر يحفر بالقرب من الحمام والمطبخ. والمسقط الأفقي لمنزل أحمد عمر حجينة شكل رقم (1) يوضح هذا النوع من البيوت . 

والنموذج الثاني من مساكن زبيد يتكون من: طابقين الطابق الأرضي وفيه المدخل والقُبُل (الفناء) يحتوي ليوان و مربعة وصفة ومخزن وأحيانا توجد مصبغة ( لم تعد مستخدمة حالياً) وغرفة استقبال توجد في بعض البيوت تسمى مبرز فضلاً عن حمام ومروش ومطبخ يتوزع في أركان القبل، شكل رقم (2). ويتكون الدور الأول في الغالب من غرفة تسمى خلوة وبجانبها رواق أو رواقان في بعض الأحيان، وتجواب وحمام، شكل قم (3). 

وأحياناً قد يستخدم الطابق الأرضي لغرض آخر غير الغرض السكني كمخزن أو محل أو محلج للقطن فيخصص الجزء الأعلى للسكن. وهناك مواقع أخرى المباني المخصصة بالتمثيل الإداري الموجودة بالقلعة، التي تتميز بتعدد الطوابق وفيها سلم داخلي، وتماثل من حيث أسلوب البناء تلك المباني في الجبال ذات التناسق الواضح مع البيئة المحيطة3 إلا أنها قليلة. ويتميز النمط المعماري لمدينة زبيد بالتشكيل الزخرفي في واجهات الكتل الرئيسة سواء داخلية أو خارجية، ونظام مبانيها المفتوحة تجاه الداخل والمغلقة للخارج، وأيضاً تميزت بالجدران السميكة، والسقوف العالية، والقاعات الفسيحة جيدة التهوية.

مواضيع الزخرفة: 

تميزت منازل زبيد بثرائها الزخرفي، فالزخرفة فيها تحتل كل المساحة المتاحة في الواجهة والحوائط الداخلية للغرف. ولقد اكتفى فنانو «زبيد» بمادة الجير، والموجودة على بعد كيلومترات من شمال المدينة. لإنجاز أعمالهم الفنية حيث تم النحت في الجير وفي الخشب بأسلوب النحت البارز والغائر. والزخرفة التي تتحلى بها واجهات مساكن مدينة «زبيد» تتكون من الأشكال الهندسية مثل الخطوط المستقيمة والمثلثات، وأيضا تكثر فيها الخطوط المنحنية الأشكال النباتية المجردة للأوراق والأغصان التي يتم بناؤها بالطوب أو المنحوتة في الجير و الخشب. أما الكتابات فلم تكن قائمة كزخرفة بحد ذاتها وما وجد من كتابات عبارة عن آيات قرآنية مثل آية الكرسي بغرض الحماية الإلهية للمنزل وأصحابه، وأحيانا كتبت بعض العبارات للترحيب بالضيوف أو كتابة تواريخ توضح تاريخ صناعة القطعة الخشبية أو بناء البيت4. يرى فراندا فرنادو أن الملمح المميز لمنازل زبيد كامن في جودة الزخرفة وكثافتها الماثلة في الجدران والأسقف والمداخل، ومن ثم يرجح أن هذه التأثيرات الأسلوبية ترجع إلى مصدرين اثنين: الأول مصدر محلي ذو صبغة ثقافية مرتبط بمدينة زبيد كمركز ثقافي، والآخر يعود إلى مهارة الصناع الهنود الذين تواجدوا بكثرة على ساحل البحر الأحمر حتى القرن التاسع عشر5.

طريقة التشكيل الزخرفي: 

تعتمد مساحة التشكيلات الزخرفية وعددها على ارتفاع المربعة أو الليوان فكلما ارتفعت المربعة زادت عدد الأفاريز، خاصة الأفقية منها، وما سنتعرض له من زخارف هنا هو الأكثر شيوعاً. 

وهذه التشكيلات الزخرفية تنقسم من حيث طريقة عملها إلى نوعين:

النوع الأول:

تشكيلات زخرفيه مبنية بالطوب والنورة الكدري6، وتسمى «نقش ياجور» ويقوم الأسطى بعملها أثناء البناء، سواء أكانت في الواجهات الداخلية أم في الواجهات الخارجية وهذا النوع من الزخارف يكون معمولاً من أصل البناء بقوالب الياجور، ويلبس بطبقة من النورة الكدري بغرض تسوية الحواف وتنعيمها، فيما يكون دور النورة الحجري (النورة البيضاء) إعطاء اللون الأبيض الناصع.

النوع الثاني:

تشكيلات زخرفيه بالنورة الكدري7، وتسمى «نقش صورة» وهذه التشكيلات الزخرفية يتم نحتها بعد البناء، حيث يقوم الأسطى بنحتها في مساحات فارغة حدد مكانها مسبقاً، وتكون بالنورة الكدري، وتغطى بطبقة من النورة الحجري، وأيضا يمكن تقسيم التشكيل الزخرفي إلى أفاريز أفقية وأخرى عمودية حتى يسهل التعرف عليها، وأحيانا تكون هناك زخارف ممتدة أفقيا وعمودياً.

تبدأ عملية التشكيل عادة بعد الانتهاء من صب السقف حيث يقوم الأسطى بالتلبيس من الداخل والخارج  وتكون بعدة مراحل وتشبه الى حد كبير أسلوب عمل «القضاض»8، حيث يقوم بتسوية الأسطح المخصصة لرسم الصور سواء كانت الصور داخلية أو بارزة. أما بالنسبة للزخارف والفتحات المعمولة بقوالب الياجور أثناء البناء يقوم الأسطى بتلبيسها بخلطة ناعمة من النورة الكدري وتقويم الحواف، وهذه العملية تكون بأدوات بسيطة جداً صورة رقم (2).

وتعتمد بدرجة أساسية على مهارة الأسطى والخبرات المتراكمة لديه، وبعد الانتهاء من عملية التشكيل الزخرفي صورة رقم(1)، يقوم الأسطى بطلائها بالنورة الحجري، وإلى وقت قريب كان يتم تجديد هذه المواضع كل عام احتفاءً بقدوم شهر رمضان. وكان قد أشار الرحالة الألماني كريستين نيبور إلى ظاهرة التجديد السنوية عند زيارته لزبيد في النصف الثاني من القرن الثامن عشر.

وحرص الفنان على إظهار المبادئ التصميمية التي تؤدي إلى إثارة الإحساس بجمال العمل الفني في واجهات زبيد ونذكر منها الآتي: 

1)    التشكيل البصري ومجال الرؤية:

لكي يستوعب جمال المعمار أو الجوانب التشكيلية للعمارة، فالصورة تتغير كلما تغير مجال الرؤية وممارسة التجوال داخل أجزاء المبنى، لأن كل ضلع من أضلاع الحيز الداخلي معالج بطريقة مختلفة عن الآخر سواء كان هذا الحيز المعماري مغطى أو فراغاً داخلياً مكشوفاً، فقد عولجت واجهاتة الداخلية بتنويع يعطي للنظر شعورا دائما بالثراء المستمر. ويبدو ذلك جليا من خلال: استعمال العناصر والكتل المعمارية وذلك بعمل تشكيلات وبروزات على الأسطح الداخلية للفناء كما في التجواب9 صورة رقم (3)، وهي تشكيلات تساعد على تنوع وثراء الواجهات التي ينظر اليها من خلال المنزل، فضلع عليه فتحات ضيقة وآخر عليه عقود كبيرة، كما في الصفة شكل رقم (4)، وثالث عليه نوافذ بأبعاد منتظمة كما في واجهات المربعات واللواوين. وهكذا نجد لغة قوية ذات مفردات كثيرة تعطي دائماً تنغيماً ناجحاً10. 

2)    التناظر أو التماثل: 

يكون التناظر في الوحدة الزخرفية شكلاً ولوناً، وفي توازن العناصر التشكيلية في اللوحة وتناسق تأليفها، وتكمن القيم الجمالية التلقائية عند الفنان في كون عمله يقوم على التوازن والتناغم بين الوحدات التشكيلية، وأهم مبادئ التشكيل في زبيد قائم على التأليف التماثلي وهو يقوم على مبدأ تشابه نصف العمل بنصفه الآخر لونا وشكلا، وأن هناك خطاً وسطيا وهميا يقسم العمل إلى قسمين متشابهين، والتأليف التماثلي يذكرنا بكمال خلق الله القائم على التماثل11، كما هو الحال في التكوين الجسدي للإنسان يوجد تماثل بين الجانبين الأيمن والأيسر دون ان يكون هناك تماثل بين الجذع العلوي والجذع السفلي. ومن هنا نجد تفسيراً لاستحسان التماثل بين الجزأين الأيمن والأيسر وهو في الواقع انعكاس للتكوين الجسدي للإنسان12 والتناظر موضوع  متكرر في العمارة الداخلية لمساكن زبيد حيث يوفر الهدوء والسكينة والصفاء وإلى جانب ذلك فهناك سيمترية واضحة في المقطع العرضي والمسقط الأفقي كما في ليوان عمر حجينة في الشكل السابق رقم (2). فقد استخدم التماثل في تنظيم العناصر الرئيسية وهذا التماثل في جانب منه قد يكون ضرورة لعوامل فنية، وذلك بسبب الطبيعة العضوية لمواد البناء المأخوذة من طوب وطين وأخشاب وغيرها من المواد. فالتنظيم المتناظر والتقابل والتجاور في العناصر المعمارية المتناظرة تعطي طاقة إضافية لمكونات العمارة الداخلية13.

إن المتأمل للسمات الرئيسية لمساكن زبيد، يلحظ مدى حرص المعماري اليمني على إظهار التماثل، فقد اهتم بالواجهة الخارجيه لليوان أو المربعة، فوضع المدخل منتصف الواجهة تماماً وفتحاته تكون متناظرة وهناك نافذة واحدة في كل جهة أو نافذتان في كل جهة، ويعلو كل فتحة سواء كانت باب أو نافذة فتحة مستطيلة أو ثلاث فتحات مدورة تسمى «منور» شكل رقم (5). أما الدكات والتي تكون أمام الباب فتوجد دكتان أو ثلاث دكات في كل جهة، إلى جانب ذلك فقد كانت التشكيلات الزخرفية فوق الأبواب متناظرة فيعلو الباب عقد مفصص كبير تعلوه تشكيلات زخرفيه تسمى «عرقه ويد»، وتتكرر فوق النوافذ أيضاً، ونلاحظها فوق العقود في الشكل السابق رقم (4). ويقابل المرء عند الدخول إلى الليوان أو المربعة جدار الصدر، والذي يزين بالطاقات وتكون موزعة بالتساوي على امتداده، وتخضع عدد الفتحات والتشكيلات الزخرفية في الخدين(الجدارن القصيران للمربعة أو الليوان) لهذا التناظر ففي كل خد خزرطان14 وأحيانا خزرطان في أحد الخدين، وفي الخد الآخر فتحة باب الخزانة، أو خزرطان وباب خزانة. ووزع الأثاث أو المقاعد بصورة متناظرة، ففي الصدر يوجد أربع منابر وقد تكون خمسة منابر أما في الخدين في حالة «المربعة» فيوجد منبر في كل جهة وأحيانا توجد ناموسيات، أما في «الليوان» فيوجد ناموسية في كل خد، غير أن جدار الباب في حالة المربعة يكون خالياً من المنابر، أما في الليوان فيوجد منبر في كل جهة.

وكذلك الأمر في الفتحات والزخارف والفتحات الداخلية سواء كانت نافذة أو غير نافذة حيث يبدو الاتزان الكامل واضحا فيها، فتتساوى عدد الفتحات في كل حائط مع الحائط المقابل له ويحتوي الجدار الطولي المقابل للمدخل على عدد من المشاكي (الطاقات) يعادل عدد الفتحات الموجودة على حائط المدخل، فإذا كانت هناك نافذتان تحيطان بالباب بالإضافة فتحة الباب، فستكون هناك ثلاث مشاكي على الجدار المقابل، وهذه هي الحالة الأكثر شيوعاً، وإذا أحاطت بالباب أربع نوافذ أي خمس فتحات، فسنجد على الجدار المقابل خمس مشاكي ، ويرى بول بونانفان «أن هذا التوازي والاتزان الكبير في مساكن زبيد ناتج من تأثير هندي وأنه سمة بارزة للمنازل الهندوسية شمال قوجارت، حيث تقضي الممارسات الهندوسية الإنشائية، بأن تكون المشاكي والكوات والأبواب والنوافذ متوازية في الغرفة لكي تبقى مصدراً للخير والتفاؤل، فكل مشكاة أو كوة ينبغي أن تكون لها مشكاة أو كوة أخرى مقابلة أو محاذية لها، وإلا كان ذلك نذير شؤم، فانعدام التوازن يمثل حالة من عدم الاستقرار وعدم الملاءمة، ويعتقد أن هذه الحالة تجعل سكان الدار غير قادرين على ملاءمة حساباتهم، والإنجاب حسب رغباتهم، أو التوافق مع العائلة الممتدة بل من الممكن أن تؤدي هذه الحالة إلى الوفاة»15.

3)    التكرار: 

التكرار» ظاهرة كونية، يقع تحت تأثيرها الانسان، أياً كان مكانه وزمانه، لأنها جزء من إيقاع هذا الكون منذ قديم الأزل وحتى تقوم الساعة، والتكرار في العمل الفني هو الإتيان بعناصر متماثلة في مواضع مختلفة16، وفي العمارة سمح التكرار بتغطية أكبر قدر ممكن من الأسطح المعمارية، أياً كان نوعها، ومن الناحية البصرية فإن تكرار العنصر الزخرفي أيا كان شكله- دائماَ ما ينتج عنه متعة بصرية. فالتكرار مرادف  للنظام، كما أنه يبعث على الراحة والاطمئنان، أما من حيث المعنى فإن تكرار العناصر الزخرفية مهما كان شكلها أو لونها، أو أسلوب تجريدها يسمح بتفسيرات متعددة القراءات17. ونلاحظ دائماً أن التغييرات المنتظمة وغير المنتظمة تكسب التكرار الأساسي تنوعاً جميلاً، ومن التكرار يظهر الإيقاع كقيمة واضحة في التعبير المعماري للواجهات الداخلية والخارجية18. فالتكرار أساس الإيقاع بجميع صوره ويكثر التكرار في واجهات «المرابع واللواوين»، وفي الأفاريز الزخرفية الرأسية والأفقية، وفي التشكيلات الزخرفية أعلى النوافذ والأبواب بتكرار وانتظام  وكأنها مقرنصات تتدلى من مدخل جامع. صورة رقم(4). 

ونظراً للعلاقة الوثيقة بين الأسطح الداخلية في العمارة وعناصر الأثاث الداخلي، فإن الأثاث وبفضل أسلوب التكرار يصبح استمراراً للجدران والعناصر المحيطة بها ويصبح كلاهما الأسطح المعمارية والأثاث استمراراً للآخر. وبفعل التكرار وتقسيم السطح الواحد إلى وحدات متكررة تزول الفوارق بين المكونات المختلفة للمشهد»19 كما نلاحظ في الصورة رقم(5) الانسجام بين ألوان وتشكيلات السقف والأثاث.

4)    الوحدة والتنوع: 

            يوجد تناسق في التشكيل الفني للواجهة، وذلك من خلال اعتبارين أساسيين أولهما: علاقة عناصر التشكيل ببعضها البعض، ونقصد هنا عناصر التصميم بأدواته من نوافذ وأبواب وعقود وزخارف وغيرها، وتتحقق هذه العلاقة بين العناصر بالأسلوب الذي يتألف فيه كل عنصر مع الآخر لخلق الإحساس بالانسجام والصلة المستمرة بين هذه العناصر. ثانيهما: علاقة كل عنصر بالآخر في المبنى المعماري ككل وهي علاقة مهمة إذ نجد أنه يوجد توافق بين هذه العناصر والمساحة الكلية للواجهة. كما يوجد تنوع بين العناصر المعمارية وهي تخلق مع الوحدة منتهى النجاح في العمل التشكيلي، فالوحدة والتنوع لا يلغي أحدهما الآخر، فبدون الوحدة لا يوجد الانتظام المريح للعين وبدون التنوع نشعر بالملل والضيق. وقد حقق المعماري بنجاح الوحدة والتنوع من خلال التغيير في مساحة بعض العناصر وهو ما تفرضة الوظيفية أيضاً، كمساحات النوافذ أو تغيير لونها أو في تشكيلاتها كما يحدث في أنواع المشغولات الخشبية، أو بروزات أو ردود عن السطح الأصلي كما في صدر المربعة او الليوان حيث يظهر ذلك في الرف والقرانيس والطاقات المنتشرة في الحوائط الداخلية والأفاريز الزخرفية المحيطة بها صورة رقم (6) وغيرها من التشكيلات الزخرفية في مساكن زبيد. فالعناصر المعمارية اليمنية لها شخصيتها المستقلة والمتميزة، تماماً عن جميع العناصر المعمارية الأخرى، وهي التي أكسبت الواجهات المعمارية اليمنية هذه السمة والشخصية الواضحة بين كل جيرانها20.

 يظهر التنوع  واضحاً في كثير من مفردات التشكيل في العمارة الداخلية، في الشكل السابق رقم (5) والذي يبدو متماثلاً تماماً، نلاحظ التنوع في الخطوط الرأسية والأفقية، ونلاحظها أيضاً في الصورة السابقة رقم (6) وهذا التنويع في اتجاه بعض الخطوط وفي سمكها أضاف قيمة فنية جديدة إضافة الى ما هو موجود في الشكل. وفي حالة تكرار وحدة زخرفية واحدة في واجهة داخلية لليوان أو مربعة يخلق الفنان التنوع من خلال البارز والغائر والضوء والظلال في هذه التشكيلات، صورة رقم (7). وفي بعض الحالات تتكرر وحدة تشكيلية واحدة مع التغير في اتجاه الوحدات بالنسبة لبعضها وهذا التنوع في الاتجاه يخلق للفنان إمكانيات لاحصر لها في إثارة أحاسيس متعددة لدى المتلقي21.

5)    اللون:

اعتنى الفنان في زبيد بشتى أنواع الزخرفة في المسطحات الرأسية الداخلية والخارجية، ومع هذا التعدد في الزخرفة التي تم شرح بعضها سابقا بقي اللون الأبيض الناصع هو المسيطر في واجهات زبيد سواء من الداخل أو الخارج، وهذه المساحات البيضاء تتخللها مساحات صغيرة من الأعمال الخشبية باللون الأحمر الداكن مثل النوافذ والخزرطنات. واللون الأبيض له دلالات رمزية عميقة لدى المسلمين، فهو رمز الصفاء والسلام، وهو في الإسلام لون رداء الإحرام للطواف حول الكعبة. وهو في القران الكريم رمز لأصحاب الجنة، قال تعالى {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } (ال عمران، آية106) وقال أيضاً {بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ} ( الصافات، آية 46) بالإضافة الى أنه يرمز إلى الكرم والنقاء والصفاء والشرف22. وفي بعض الحالات النادرة يلاحظ وجود بعض الألوان في المرابع واللواوين، ويكون بمساحات محددة يغطي فقط بعض التشكيلات الزخرفية كما في الصورة رقم (8) وقد أضيفت نقطة تميز هامة لتحقيق الشفافية وإثراء معالجة الأسطح وذلك من خلال إضافة عنصر اللون في الأسقف بدرجاته المختلفة وتناسقها بين الساخنة والباردة وفي تشكيل زخرفي متنوع23. كما في الصورة السابقة رقم(5)

النتائج:

1.    زبيد مدينة بنيت في العهد الاسلامي وتفردت على مستوى اليمن بنمط المنازل ذات الفناء.

2.    ارتفاع جدران الغرف واتساع فتحات المناور التي تعلو الأبواب والنوافذ، يساعدان على طرد الهواء الساخن وتلطيف جو الغرف.

3.    تتميز منازل زبيد بكثرة الزخرفة على واجهات الغرف الداخلية والخارجية.

4.    الاتزان سمة أساسية تجلت بوضوح في مساكن زبيد وواجهات المنازل الداخلية والخارجية.

5.    قام فنانو زبيد بتغطية كل مساحة الواجهات بالزخارف بأسلوب فطري من غير أية رسومات أو تخطيط مسبق.

6.    تنوعت مسطحات الواجهة بين الغائر والبارز والمفتوح والمصمت مما أعطى الواجهات قيمة جمالية إضافية.

7.    اعتمد أساطية زبيد مبدأ كثرة الزخارف في الواجهات الداخلية والخارجية، وجعل اللون الأبيض اللون السائد بينما ظهرت الألوان الأخرى بكثافة في الأسقف والمفروشات. كما استخدم اللون الأبيض في طلاء الأسطح الخارجية لتقليل امتصاص الحرارة.

8.    تنوعت مسطحات الواجهة بين الغائر والبارز والمفتوح والمصمت مما أعطى الواجهات قيمة جمالية إضافية.

 

 

 الهوامش :

1.    عبد الرحمن عبد الله الحضرمي، مدينة زبيد في التاريخ، الإكليل، وزارة الإعلام والثقافة، العدد 1، صنعاء، 1980، صـ97.

2.    بول بونانفان، أثر الهند في زبيد، حوليات يمانية، المعهد الفرنسي للآثار والعلوم الاجتماعية، صنعاء، 2003، ص59.

3.    Fernando veranda, The House in Tradition and Change in the Built Space of Yemen, Ph.D diss., University  of Durham, 1994, p97

4.    Paul Bonnenfant, Les Maisons De Zabid, Maisonneuve & Larose, 2008, p 313.  

5.    Fernando veranda, The House in Tradition and Change in the Built Space of Yemen, op.cit, p98

6.    مادة جيرية يتم استخراجها من باطن الأرض الطينية تستخدم كمونة رابطة.

7.    جير لونه ابيض ناصع ويستخدم كطبقة بياض نهائية

8.    القضاض نوع من الجص المخدوم بشكل طويل المدى بحيث يصبح اكبر صلابة ومقاومة لتسريب المياه الخدمة: ويقصد بها عملية دك النورة الكدري أو القضاض بحجرة مخصوصة لتنعيمة وتثبيته في موضعه.

9.    ويعرف ايضا بالدروه وهو الجدار الذي يحيط سطح المبنى ويعمل على توفير الخصوصية ويسمح باستخدام السطح من قبل سكان المنزل لأغراض مختلفة.

10.    محمد طلعت الدالي، خصائص العمارة الإسلامية وتميز المعمار اليمني، دراسات يمنية، العدد 35، مركز الدراسات والبحوث اليمني، صنعاء، 1989، ص262.

11.    أكرم قانصو، التصوير الشعبي العربي، عالم المعرفة، الكويت، نوفمبر 1995، ص142.

12.     عبد الفتاح رياض، التكوين في الفنون التشكيلية، دار النهضة العربية، ط5، القاهرة، 2000، ص30.

13.    Francine stone,  Studies on the Tihamah,  Longman, 1982,P94 

14.    الخزرطان: عبارة عن كوة أو فتحة غير نافذة في جدار الحجرة يتم عملها أثناء البناء، وتستخدم  لغرض حفظ الأشياء الثمينة، ولها درفة تتكون من إطار خشبي، وحشوات من الواح خشبية.

15.    حسن عبد الباسط، التكرار في الفنون الإسلامية ، جريدة الحياة اللندنية، عدد13025 1/11/1999.

16.    بول بونانفان، أثر الهند في زبيد، ص65.

17.    هاني محمد القحطاني، مبادئ العمارة الإسلامية وتحولاتها المعاصرة: قراءة تحليلية في الشكل، مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، بيروت، 2009، ص347

18.    http://faculty.ksu.edu.sa/71200/Documents/Books/High.../09-Chapter%20(6).pdf

19.    هاني محمد القحطاني، مبادئ العمارة الإسلامية وتحولاتها المعاصرة، ص357

20.    محمد طلعت الدالي، خصائص العمارة الإسلامية وتميز المعمار اليمني ، ص262.

21.    عبد الفتاح رياض، التكوين في الفنون التشكيلية، ص282.

22.    أكرم قانصو، التصوير الشعبي العربي، ص 110 - 111.

23.    محمد طلعت الدالي، خصائص العمارة الإسلامية وتميز المعمار اليمني، ص262.

 

 

قائمة المراجع: 

24.    أكرم قانصو، التصوير الشعبي العربي، عالم المعرفة، الكويت، نوفمبر 1995.

25.    بول بونانفان، أثر الهند في زبيد، حوليات يمانية، المعهد الفرنسي للآثار والعلوم الاجتماعية، صنعاء، 2003.

26.    حسن عبد الباسط، التكرار في الفنون الإسلامية ، جريدة الحياة اللندنية، عدد13025 1/11/1999.

27.    عبد الرحمن عبد الله الحضرمي، مدينة زبيد في التاريخ، الإكليل، وزارة الإعلام والثقافة، العدد 1، صنعاء، 1980.

28.    عبد الفتاح رياض، التكوين في الفنون التشكيلية، دار النهضة العربية، ط5، القاهرة، 2000.

29.    محمد طلعت الدالي، خصائص العمارة الإسلامية وتميز المعمار اليمني، دراسات يمنية، العدد 35، مركز الدراسات والبحوث اليمني، صنعاء، 1989.

30.    هاني محمد القحطاني، مبادئ العمارة الإسلامية وتحولاتها المعاصرة: قراءة تحليلية في الشكل، مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، بيروت، 2009.

31.    Fernando veranda, The House in Tradition and Change in the Built Space of Yemen, Ph.D diss., University  of Durham, 1994.

32.    Fernando veranda, Art of  Building in Yemen, first publication s, lispon, potugal, 1982. 

33.    Francine stone,  Studies on the Tehama,  Longman, 1982. 

34.    Paul Bonnenfant, Les Maisons De Zabid, Maisonneuve & Larose, 2008.

35.    http://faculty.ksu.edu.sa/71200/Documents/Books/High.../09-Chapter%20(6).pdf

 

 

الصور:

    -    من تصوير الباحث

    -    شكل رقم (1)

.    Paul Bonnenfant, Les Maisons De Zabid, Maisonneuve & Larose, 2008. 

    -    شكل رقم (2/3)

.    رفع ورسم: مختار عبدالصمد الكحلاني.

    -    شكل رقم (4/5)

.    Paul Bonnenfant, Les Maisons De Zabid, op.cit.  

5.    Paul Bonnenfant, Les Maisons De Zabid, op.cit.  

6.    Fernando veranda, Art of  Building in Yemen, first publication s, lispon, potugal, 1982 

8.    Paul Bonnenfant, Les Maisons De Zabid, op.cit.

 

أعداد المجلة