فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
55

من وحي تاريخ التصوف بالمغرب: طقوس صوفية شعبية تأبى النسيان (التصوف العيساوي أنموذجا)

العدد 55 - أدب شعبي
من وحي تاريخ التصوف بالمغرب: طقوس صوفية شعبية تأبى النسيان (التصوف العيساوي أنموذجا)

يكتسي البحث في تاريخ طقوس التصوف أهمية كبرى على عدة مستويات، كونه يكشف النقاب عن أن التصوف لم يكن دائما نزعات فردية تدعو إلى الزهد وشدة العبادة والاختلاء، بل كان أيضا عبارة عن طقوس تمارس في الزوايا والأضرحة، كشكل من أشكال تأطير المريدين والأتباع، حتى يتشبعون بالنهج الصوفي الذي ارتضاه شيخ الطريقة لطريقته. ويتم ذلك عبر مجموعة من الآليات منها التجمعات السنوية أو ما يطلق عليه بالمغرب بـ«المواسم الصوفية»، أو عبر حلقات «الذكر» التي تنظم بانتظام برحاب الزوايا، أو في مختلف المناسبات الدينية التي يحتفل بها المغاربة على غرار نظرائهم من باقي الشعوب الإسلامية.

من هذا المنطلق، آثرنا الغوص في رحلة تاريخية طويلة لرصد طقوس صوفية اتخذت طابعا شعبيا في ممارستها منذ النشأة الأولى لأحد أعرق الطرق الصوفية بالمغرب، وهي «الطريقة العيساوية» التي تأسست في بداية القرن السادس عشر الميلادي على يد أحد شيوخ التصوف آنئد وهو الشيخ «محمد بن عيسى»، الشهير في الأوساط المغربية بـ«الشيخ الكامل» و«الهادي بنعيسى». في فترة تاريخية شهدت تصاعد نجم الطرق الصوفية، وفيها أصبح لأرباب الطرق الصوفية والمجاذيب وأصحاب الحال سلطة معنوية ونفوذ قوي على كافة الفئات الاجتماعية، نتيجة ما نسب لهم من «خوارق»، خاصة في لحظات الأزمة الاقتصادية وما رافقها من ندرة وكفاف.

وللإشارة فقد كان لهذه النحلة الصوفية دور كبير في تفعيل المجال الجغرافي الذي تنتمي إليه، كما كان لها ولقرون طويلة حضور وازن في مختلف نواحي الحياة، روحيا واجتماعيا وسياسيا، عبر مشاركتها في التخفيف من وطأة الندرة والكفاف في مطلع العصر الحديث، والانخراط في تقرير مصير البلاد، إلى جانب باقي مكونات الحركة الطرقية بالمغرب، وتوفير الملاذات الآمنة للناس.

ويبدو أن ما نسب للأولياء ورجالات الصلاح عامة وشيوخ الطريقة «العيساوية»، من «قدرة» على رفع الأذى عن الفئات الاجتماعية الفقيرة، هو ما عزز من وضعهم في المجتمع. فالحماية المادية والمعنوية كانت مطلوبة ومرغوبا فيها بقوة، خاصة أن الخوف كان مزدوجا يشمل تسلط الإنسان وسطوة الطبيعة. وهو ما جعل الناس يعتقدون «ببركتهم» القادرة وفق منطق «العامة» على التصدي لمختلف مظاهر الأزمة، وعلى جل ما استعصى من الأمور، والانخراط بكثافة في طقوسهم وممارساتهم الصوفية.

إلى جانب ذلك، ارتبط وجود هذه الطريقة الصوفية بسيل من الحكايات المتداولة عنهم في أوساط المجتمع، وعن طقوسهم الصوفية المثيرة للجدل، والغير المألوفة في الواقع الصوفي المغربي، وعن جدهم الأول، الذي لازال حاضرا بقوة في الوجدان الشعبي المغربي. ولاغرو في ذلك فقد كانت هذه الطقوس والممارسات خير معبر عن الذهنية العيساوية، وصدى للفعل الجماعي «العيساوي»، وفي نفس الوقت شكلت ولا تزال جزءا رئيسيا من الهوية الجماعية لممارسيها، التي لم تؤثر عليها عوادي الزمن، وأضحت عصية على النسيان.

والشيء المؤكد، أن هذه الطقوس، التي سنأتي على ذكرها فيما يلي، أحدثت تحولا عميقا ليس فقط في بعض جوانب الثقافة المغربية، بل في إضفاء طابع شعبي على الممارسة الصوفية لـ«العيساويين»، وجعلها أقرب إلى الناس وأكثر ملائمة للعقلية المغربية.

أشكال التأطير عند «الطريقة العيساوية»:

يعتبر التجمع السنوي لمريدي الطريقة العيساوية المسمى في الأعراف الصوفية بـ«الموسم» الذي ينظم برحاب زاوية الشيح الصوفي «محمد بنعيسى» الملقب عند أتباعه ب «الشيخ الكامل» أو «الهادي بنعيسى» أحد أهم الأشكال التأطيرية المهمة، في تاريخ هذه الزاوية. ولا نجازف إذا قلنا إن شهرة عيساوة ارتبطت بهذا المحج، أكثر من ارتباطها بممارسات الطائفة، إذ في كل سنة، وبمناسبة عيد المولد النبوي يحج إلى مكناس وبالضبط إلى ضريح مؤسس الطريقة مختلف الطوائف العيساوية، من مدن البلاد وقراها. والهدف كما يقول أتباع هذه الطريقة تجديد «العهد» مع الشيخ المؤسس.

وقبل مباشرة الحديث عن هذه المناسبة، لا بد من التأكيد على جملة أفكار عامة بصدد الظاهرة. ذلك أن ظاهرة المواسم الدينية وإقامة الاحتفالات الدينية في الزوايا أو حول الأضرحة، ما هي إلا نتاج ثقافة صوفية حظيت بإقبال كبير من طرف المغاربة، والسبب في ذلك ارتباطها الوطيد بمعطيات الواقع المعيش، فضلا عن دلالتها الدينية والدنيوية.

وقد اكتسبت هذه المواسم بفضل ذلك قدسية كبيرة قل نظيرها، وعادت بالنفع العام على الزوايا المنظمة لهذه الاحتفالات، إن على المستوى البشري، خاصة ما يتعلق باتساع قاعدة الزاوية المنظمة، واستقطابها لمريدين جدد، أو على المستوى الاقتصادي، في مجال تنمية الموارد المالية للزاوية، وتنشيط الحياة الاقتصادية بالمدينة ككل.

وعلى مستوى التناول المعرفي لهذه التجمعات الدينية، وخاصة موسم «الشيخ الكامل»، يمكن القول إنها حظيت بنصيب وافر من الأبحاث والدراسات من طرف الكتاب الأجانب، الفرنسيين بالخصوص، منذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين1.

لا نحتاج للتذكير بخلفيات هذا التوجه، والذي تحكمت فيه بواعث سياسية محضة، ابتغى من خلالها دهاقنة الاستعمار الكشف عن أي مرتكز يمهد ويساعد على الاحتلال بأقل التكاليف الممكنة.

لكن، وعلى الرغم من خلفياته تلك، فقد ساعدتنا تلك الدراسات على الوقوف على بعض الظواهر التي تعرفها «مواسم عيساوة»، والتي ولا شك أنها تبدلت على مر تاريخ هذه الزاوية، أخذا بعين الاعتبار طول عمرها، هذا من جهة، ومن جهة ثانية نجد أن الدراسات والابحاث المغربية التي أنجزت بهذا الصدد اهتمت أكثر بوصف «الموسم» عامة، مركزة في الآن ذاته على الأشكال الفُرجوية، الغريبة والعجيبة، بعيدا عن أي تحليل لها أو تبيان لأصولها2، حيث شكل ذلك قاسما مشتركا بينها وبين دراسات الأجانب.

وإذا استحضرنا ما يقوم به المريدون المشاركون في هذا «الموسم»، من شطحات هستيرية، وتعذيب للنفس، والتعرض للسموم والنيران، وافتراسهم للحوم النيئة، واستعمالهم للأعلام والطبول والمزامير … إلى غير ذلك من الطقوس، أدركنا لماذا حظيت بكل هذا الاهتمام. لكن المؤكد أنها تطرح جملة من التساؤلات، حول أصلها، وعلاقتها بالتصوف العيساوي، من حيث شعائره، وممارساته، كما أرسى دعائمه شيخ الطريقة؟ وإلى أي حد يمكن الحديث عن هذا النشاط الديني، «الموسم «كتجمع سنوي على عهد الشيخ المؤسس، الذي تنتسب إليه، وتمارس حول ضريحه؟ وما حقيقة التضييق الذي تعرض له «عيساوة» خلال فترات معينة من التاريخ، إما من أطراف رسمية في شخص السلطة وممثليها بالمدن والأقاليم، أو أطراف دينية أخرى كان الفقهاء تعبيرهم الرئيسي؟

وتأسيسا على هذا سنحاول الوقوف على حقيقة هذه الطقوس، ومدى تأثيرها على مسار تطور الزاوية وعلاقتها مع محيطها؟

طقوس عيساوة بين شيخ الطريقة وخلفائه:

إن المدخل الحقيقي للتعرف على حقيقة طقوس هذه النحلة الصوفية، وحول ما إذا كان لها جذور تاريخية قديمة قدم الزاوية، يكمن في اعتقادنا أولا وقبل كل شيء في استحضار ملامح شخصية المؤسس، إذ عبرها وفقط نتمكن من معرفة مدى علاقتها بالنهج الصوفي لهذا الشيخ الذي كان الطابع الصوفي هو الغالب على حياته الروحية، الخاصة منها أو العامة وحتى في علاقاته مع مريديه. وحتى الكتب التي تصدت لسيرته، متفقة كلها على اعتباره صوفيا عالما ملتزما، بلا شطح ولا رقص، وقد استحق من جراء ذلك السلوك لقب «القطب» وهو كما نعلم أعلى مراتب الولاية في عالم التصوف.

وما يزكي هذا القول، ما أورده أحد كتبة سيرته وهو «المهدي الغزال» قائلا: «وكان الشيخ محمد بن عيسى المهدي كثير الاستقامة والأتباع، لا يفتر لسانه عن ذكر الله تعالى، تحليا بالحلال والكلام .. حلو الكلام كأن الله عجن طينة جسده من سائر المحاسن»3، وقال أحد قضاة القرن العاشر الهجري وهو «ابن عسكر» في حقه: «الشيخ العارف بالله مورد المريدين، ومفيد المسترشدين صاحب الإفادة والتنويه، والإشادة أبو عبد الله محمد بن عيسى المكناسي الفهدي، من فحول المشايخ الداعين إلى حضرة الحق…»4.

في نفس السيــاق يذهب هـو نفسه، أي «الشيخ بن عيسى»، إلى التأكيد على اجتناب البدعة، ففـي رأيه: «ما أفلح مـن أفلح إلا بمجالسة من أفلح، ولا أهلك من أهلك إلا بمجالسة من أهلك»5.

هذه النصوص وغيرها تبين بما لا يدع مجالا للشك غلبة تصوفه على غيره من الجوانب الأخرى. كما أن المصادر التاريخية كثيرا ما اعتبرته زاهدا، ناسكا، شديد الارتباط بالسنة، وأكثر الناس اتباعا لها6. وبالتالي ألا تفيد في القول بأن ما يُشاهد ويُعرف عن «عيساوة» من اشتغال بـ «الحضرة» كطقس صوفي، وما يصاحبها عادة من تصفيق ورقص وجدب وغيبة في أحوالهم، لم يكن معروفا زمن كانت الزاوية في أوائل أمرها، وتحت مسؤولية الشيخ المؤسس.

وإذا كانت المصادر التاريخية لا تؤكد بالقطع أيا من هذه الأشكال، في الفترات الأولى، فإننا نعتقد أن شيخ الطريقة ما كان ليسمح لأتباعه بممارسة طقوس تخل بنهجه الصوفي كما أراده هو، لسبب بسيط هو أن التجاءهم إلى هذه الأشكال الغريبة، قد يثير عليها نقمة المحيطين بهم، موظفي السلطة كانوا أم شيوخ الزوايا الآخرين، ذلك أن الأخيرين ومن منطلق المصلحة الذاتية، يتصيدون الأخطاء لبعضهم البعض، وهو أمر نراه مفهوما ومبررا على اعتبار أن الوسط الذي يجمعهم، يتميز بالمنافسات بين مكوناته.

ومما يعزز ما ذهبنا إليه من خلو الزاوية في بدايتها من أي ممارسة غريبة، أن أي مصدر لم يشر إلى تنظيم «موسم» كيفما كانت صيغته عهد «الهادي بنعيسى». بالمقابل ومن خلال قراءتنا لمجموعة من المرويات لأحد أشهر مريديه وهو «الشيخ أبي الرواين»، يتضح مدى حرص شيخ الطريقة على إقامة حفل بمناسبة عيد المولد النبوي، ولم يكن أبدا «موسما»، وبالتالي فهذا الطابع لم يكتسبه إلا في فترات متقدمة من عمر الطريقة.

وغالبا ما كان هذا الاحتفال، حسب المصادر العيساوية، يأخذ بعدا دينيا محضا، يعمد فيه شيخ الطريقة إلى ترؤس «مجالس الذكر»، والصلاة على الرسولﷺ. وهذا الحضور هو ما تحول مع توالي الفترات إلى العزف على الطبول و«البنادر» و«الغيطة» وغيرها، وقراءة ما يعرف بـ «الأحزاب»، خاصة «الحزب الرسمي»، «سبحان الدايم»، واعتماد «السماع» كوسيلة لتقريب الناس من «الذكر العيساوي».

ومن النقط المهمة في حياة الشيخ المؤسس، أنه كلما أحس أن مريديه قد أرسوا فعلا لا يتفق مع روح الإسلام يخاطبهم قائلا:«ما هكذا يحتفل بمولد الرسول، وما هكذا ذكره الصحابة»، لكن ما هي المظاهر المخالفة لما يجب التقيد به حسب شيخ الطريقة؟ ذلك ما لم نستطع الوقوف عليه، في كتب التاريخ التي اطلعنا عليها.

ورغم دلالة هذا العيد الديني عند عامة المسلمين، فقد اتخذ عند شيخ عيساوة أبعادا أخرى، حيث وُظف في توطيد أركان طائفته وطريقته، وتقوية هياكلها التنظيمية، كما شكل فرصة لاجتماع الوفود، ومحطة للقاء مع «مجلس العشرة» وتجديد العهد معهم، وتقييم أعمالهم منذ آخر احتفال، كما كانت المناسبة فرصة لتحديد دعاة الطريقة بين التجار وغيرهم، والذين يجوبون المناطق7.

ويعتبر «الذكر»8 أحد الأركان الأساسية في التصوف العيساوي، حيث شكل قطب رحى نحلتهم، وعلى أساسه استندوا في التعامل مع الناس. وتعتبر الاجتماعات بالزاوية التي يتردد صداها في الوسط العيساوي خير دليل على أهمية هذا العنصر، وبمعنى من المعاني، لم يكن له أن يخرج عما سطره غيره من أهل الله.

إن ما كان يسمى «موسما» لا يعدو أن يكون تجمعا للمريدين والأتباع، يتلون فيه الأذكار احتفاء «بذكرى المولد النبوي». وإذا كان هذا الاحتفال بالذكر يتم على هذا المنوال، ما سر ما اشتُهر به عيساوة من ممارسات في موسمهم السنوي؟ وعليه ألا يكون التحول في الممارسة الصوفية العيساوية قد طرأ بعد وفاة جدهم الأول؟ .

لا نحتاج إلى عناء تفكير للقول بمخالفة تلك الطقوس لما درج عليه شيوخ عيساوة في بداية عهدهم، لكن على الأرجح سيبدأ التحول في التبلور بعد وفاة شيخ الطريقة، إذ ستشهد الزاوية، تحولا كبيرا حاد بها عما سطره الشيخ الكامل لمريديه، من «محبة» كسلوك صوفي مقترن بالأدب، كما أنه ولأول مرة في تاريخ الزاوية، سيعتري تصوف بعض خواص مريديه، وتحديدا «أبو الرواين المحجوب»، بعض «الغرائب والعجائب»9، في اللحظات التي تتملكه فيها أحوال «الجدب»، وهذا النوع من السلوك لم يألفه عيساوة في فترات سابقة. ولما كان «لأبي الرواين» هذا مكانة متقدمة في أسلاك الزاوية، وبين خلصاء الشيخ المؤسس، فقد تأثر به العيساويون عامة، وللتذكير فهذا المريد اشتهر بغلبة أحوال «الجذب»، و«البهللة» و«الملامة» في تصوفه، ونعتقد أنه تحت تأثيره أصبحت تلك الأحوال تميز كثيرا من المريدين آنئد.

ولم يكن لهذا التحول أن يمر دون أن يثير انتباه فقهاء الوقت، وشيوخ التصوف الذين وجدوا فيه ربما فرصة للنيل من عيساوة، والتشكيك في مشروعيتهم الصوفية، وقد يكون ذلك تحت تأثير التطور الذي شهدته والاتساع في قاعدتها الاجتماعية. ومن هذا المنظار يمكننا فهم ما جاء عنـد أحد المتصوفة وهو «عبد الرحمان الفاسي» في كتابه «ابتهاج القلوب» حيث يقول: «وكثيرا ما ينتسب إلى الشيخ ابن عيسى أقوام يهتكون أستار الشريعة، ويحللون المحرمات، ويظهرون أفعالا لا تشبه العادات، ويدعون أن ذلك خصهم به (ابن عيسى) من البركات وما حاشاهم من ذلك، إنما هم زنادقة»10.

لكن كيف له أن يشنع بهذه الطائفة، وينكر عليهم سلوكهم، في الوقت الذي يجيب فيه بعدم المنع في الرقص، إذ يقول في أجوبته :«الرقص عند الصوفية تعبيرات الأعضاء، وهو من غير المحرم وليس بدعة، وإنه مما جرى عليه الشيوخ قرنا بعد قرن، وتجويزه كان بناء على كونه عليه الجمهور واتفق عليه الصوفية وبه عمل الناس شرقا وغربا»11، هل لذلك علاقة فعلا بتفشي سلوكات بدعية في الطريقة العيساوية، أم أنه ناتج عن غيرته عليها، وهو ما يفهم من تبرئته لذمة شيخها، محمد بن عيسى، أم أن هذا التحامل وإصداره حكما قاسيا بحقهم، الزنادقة، تدخل فيه اعتبارات أخرى. ويكفينا قولا أنه كان ينتمي لزاوية حضرية أخرى وهي «الزاوية الفاسية»، مع ما يعنيه ذلك من الدخول في منافسة بين الزاويتين.

وبطبيعة الحال، يبقى هذا الاحتمال واردا، لكن المهم في النص المذكور أنه يطلعنا على بعض مظاهر التحول في الممارسة العيساوية، كما يفيد القول إنهم تميزوا فيها عن كثير من الطوائف في القرن الحادي عشر الهجري وما بعده، أي القرن الذي تلا زمن تأسيس الطريقة العيساوية. ويمكن ربط ذلك بإحدى الحكايات التي يتردد صداها بين أوساط العيساويين، وهي حكاية «الطرد» الذي تعرض لـــه أجدادهم في إحدى الفترات، والتي قد ستساعدنا على استكناه خلفيات ما يقع في صفوف العيساويين12.

الواقع أن جل الكتب التاريخية التي عنت بالتعريف بمتصوفة المغرب، والتي من بينها «ممتع الأسماع» و«ابتهاج القلوب» تتفق على عدم وجود أي تشابه بين فترة مؤسس الزاوية، وما نشاهده اليوم في موسم الطريقة العيساوية. وهذا يعني أن تغيرا ما حصل في السلوك الصوفي العيساوي، ويبرر ذلك عادة عند عيساوة بـ:«أن الشيخ الكامل، كان محبوبا من طرف مريديه، هؤلاء لم يستسيغوا فراقه وحزنوا عليه حزنا عظيما، فأخذوا من جراء ذلك يندبون خدودهم ويكوون أجسادهم بالنار، ويأكل ما لا يأكل عادة من حجارة، وزجاج وغير ذلك، وبينما أطلق على هؤلاء اسم «كسياوة» احتفظ غيرهم ممن دأبوا على ترديد الذكر باسم عيساوة، وهذا ما جرت عليه العادة أيام الجد الأول»13. وبغض النظر عن مضمون هذه الحكاية، هل لها جذور في تاريخ الزاوية أم ملفقة، فأهم شيء تؤكد عليه هو حصول تغير في سلوك مريدي الزاوية، بعد وفاة شيخها المؤسس.

وأما، ما اعتبر «تصوفا غريبا» فهو كما جاء به عبد الرحمان الفاسي: «وكثير من عيساوة يمرون بالأسواق، فيخطفون الصابون، وغيره، فيأكله، ولا يرى تضررا، ويدخلون بيوت النار ولا يتضررون، ويشير بالهتك والبهج : إلى غير ذلك... «ثم يضيف مشككا في كل ممارساتهم، ومدى ارتباطها بـ «الحال» : «والحق أن ذلك من الحيل، كما شاهدناه من بعضهم ذلك أنهم يأخذون الشرناك، وهي شجرة معروفة يسمونها البلجح، وإذا أكلها البقر ماتت من مناعتها، ولا تضر غيرها من الحيوان، وإذا قطعت عروقها يخرج منها ماء أحمر كالدم، فيتتبعون عروقها بالحفر احترازا من تجريح لحمها، ولا يحسسونها باليد، ولكن بخرقة كتان نقية، ويجعلونها في العسل سبعة أيام حول مستوقد النار، ثم يفطرون عليه أو يضعونها تحت لسانهم، ثم يقع لهم شبهه سكر، فيثبون من المواضع العالية»14.

إذا كنا لا نستطيع أن نؤكد أن ما ورد في هذا النص يدخل في باب التحامل على الزاوية لكون مريديها حادوا عن قواعد تصوف محمد بن عيسى المهدي، أو العكس، فإننا نشدد على أهمية ما ورد فيه باعتبار أنه يتيح لنا إمكانية الربط بين ممارسات عيساويي اليوم في مواسمهم ولياليهم بأسلافهم بالأمس.

وعموما، أنه بغض النظر عن صدق عيساوة في أحوالهم، أو عدمه، فمن الصعوبة بمكان إنكار الطابع الصوفي على شعائرهم وطقوسهم، والتي تظهر عليهم وهم في حالة «سكر» أو ما يشبهه إلى درجة أن غيابهم عن الوجود الحسي يصير أقوى وأشد.

التجمعات الصوفية العيساوية:

1) الموسم:

تنطلق الاحتفالات عند عيساوة بحلول شهر ربيع الأول، ومع أن اليوم الثاني عشر هو يوم الاحتفالات الرسمية، فإنها تنطلق قبل ذلك بأيام عبر التجول في أزقة المدينة قصد جمع ما يسمى ب «الزيارة «والهدايا المقدمة للضريح 15 ويطلق على هذا التجوال اسم «الدورة».

وبالنظر لأهمية هذا الاحتفال بمكناس فقد حظي بقسط وافر في الكتابات الأجنبية، انصبت في مجملها على وصف الموكب العيساوي بالمدن المغربية عشية الانطلاق إلى مدينة «مكناس»، المدينة التي يتواجد بها ضريح الشيخ المؤسس للطريقة، حيث يقام الموسم السنوي، رغم ارتباط هذه الدراسات بأوائل القرن العشرين، فأهميتها تنبع من كونها تتيح إمكانية إقامة مقارنة بسيطة بين مضمونها وبين ما يحفظه عيساوة عن أجدادهم.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، بمدينة فاس 16، وعشية عيد «المولد» تنطلق الطوائف في موكب كبير متجهين صوب أحد أبواب المدينة العتيقة وهو «باب الساكمة»، حيث توجد الطريق الموصلة إلى مكناس، كل ذلك يتم على إيقاع زغاريد النساء المتحلقين فوق سطوح المنازل، وخلف «مقدم المقدمين»، نجد الهدايا المختلفة من شموع كبيرة، فوانيس نحاسية لتزيين «القبة الكاملية»، القماش الأخضر الذي سيغطي قبر الشيخ ، ثم حاملو الأعلام المختلفة الألوان : خضراء زرقاء، حمراء، صفراء… وكل لون يحيل إلى طائفة معينة، وعلى إيقاع أصوات الطبل، المزامير، الغيطة يستمر الموكب، محدثا صخبا كبيرا، ويسود خلاله جو من الشطح، وهنا يكون لـ«لمقدمين» ( رؤساء الطوائف) دور كبير في السيطرة على هذه الأجواء العيساوية من الانفلات إلى ما تحمده عقباه.

وإذا كانت بعض الطوائف تمارس «الحضرة» وبإيقاعات موسيقية مختلفة، فهناك من يمارسها على شكل «ألعاب» تقوم على تشخيص بعض الحيوانات: «الدياب» (الذئاب) «الجمال»، «السبوعا» (الأسود). وبمجرد أن تصل الطوائف الفاسية إلى مكناس تتم زيارة أحد أشهر صوفية مدينة مكناس وهو «سيدي سعيد المشترائي» قبــل الاتجاه إلى ضريح شيخ الطريقة17.

أما في شمال المغرب، وخاصة بطنجة الواقعة في أقصى الشمال، فيمكن التمييز بين استعداد الطائفة للذهاب إلى الزاوية الأم وبين التردد على المساجد والأضرحة في الفترة ما بين صلاة المغرب والعشاء لحضور قراءة «الهمزية» وبوردة «الشيخ البوصيري18، فضلا عن قراءة «حزب سبحان الدايم» بمقر الزاوية بالمدينة19.

وفي وسط المغرب، وخاصة بمدينة الدار البيضاء، ينطلق الموكب في اليوم الأول للعيد مارا بأزقة المدينة العتيقة، في اتجاه ضريح «سيدي علال القيرواني»، ثم إلى «سيدي أبي الليوث»، وما يعرف عند العامة ب «سيدي بليوط مول الدار البيضاء»، وبداخله يستسلم عيساوة لممارسة طقوسهم من شطح وجدب … وتكون آخر محطة يصلون إليها هي دار المخزن لاستسلام الذبيحة التي ستنحر تخليدا لهذه المناسبة20.

إلا أن هذه الأشكال الاحتفالية لا يمكن مقارنتها بموسم مدينة مكناس، باعتبارها مهد الشيخ المؤسس ومقر الزاوية الأم، حيث يتقاطر إليها الأتباع من كل صوب وحدب، الحواضر والبوادي، ويقيمون قرب الضريح وبالضبط ب «باب السيبة».

وقد اقتضت عادة «الموسم» قبل حلول العيد، وكشكل من أشكال التهيء لهذه المناسبة الدينية، أن يواظب العيساويون على قراءة «الحزب» بالضريح كل صباح، أما صحنه فيتخذ كفضاء لممارسة الحضرة رجالا ونساء.

وفي هذا الصدد يحكي المريدون، أن هذه الاستعدادات لم تكن مقتصرة فقط على ما ذكر، بل كانت أضرحة المدينة الأم تشهد حركة علمية نشيطة، يتم فيها الاجتماع على قراءة كتاب «دلائل الخيرات» للشيخ «محمد بن سليمان الجزولي» أحد شيوخ القرن التاسع الهجري، بالإضافة إلى تلاوة «أوراد» و«أذكار» و«أحزاب» الطريقة21، وفق تنظيم محكم ودقيق سنه مسؤولو الطريقة لدخول «الطوائف» إلى الحاضرة الإسماعيلية-مكناس- عبر أبوابها المتعددة22، وذلك ضمانا لمرور هذا التخليد في أحسن الظروف، وكان هذا الولوج يتم على الشكل الآتي:

- باب أبي العماير (بوعماير) مخصص لعيساويي مدينة فاس والمناطق المجاورة؛

- باب «تيزيمي» مخصص لعرب الدخيسة؛

- باب «البرادعيين» مخصص لـ «أولاد النصير» بالإضافة إلى طوائف الشمال مدينة طنجة ونواحيها)؛

- باب «السيبة» قديما، باب «الجديد» حاليا مخصص ل «أهل توات» من جنوب المغرب؛

- باب «الناعورة» مخصص لسكان «أكواري» و«بني مطير» و «المجاطيين» و«مكيلد الزيانيين» وهو قبائل أمازيغية؛

- بجوار الضريح تتمركز قبائل «سحايم» و «مختار» داخل خيام ينصبونها بعين المكان 23.

ولطالما ألهم «طواف» عيساوة من ضريح «سيدي سعيد» إلى «الهادي بنعيسى» شعراء الملحون، ك «أحمد الغرابلي» و «الرحيوي الفاسي»، فأجادوا علينا بقصائد تصور سير الطوائف العيساوية وهي متجهة صوب ضريح شيخ الطريقة مرورا بأزقة المدينة العتيقة لمكناس، حاملين الأعلام ذات الألوان المختلفة.

وعادة ما تكون عشية انطلاق «الموسم» مخصصة لزيارة قبة الضريح من طرف الطوائف العيساوية: أهل غرب المغرب من عرب «الخلط»، «الأوداية»، قبيلتي «مختار» و «سحيم»، في أجواء تتسم بترديد «الذكر» على إيقاع الموسيقى، وما يعرف ب «الركب الفيلالي» المشكل من سبعة إلى ثمانية طوائف عبر باب «أبي العماير»، بالمرور من زنقة «روامزين»، «السكاكين»، «باب الملاح»، ثم «سيدي سعيد»، وهذا الموكب ينقسم إلى قسمين: قسم يتجه إلى حرم الضريح، والآخر يتجه مباشرة إلى «زاوية فيلالة» بالمدينة العتيقة24.

وصبيحة يوم عيد المولد النبوي، تكون مخصصة في البداية لقبائل «سحيم ومختار»، الذين يتجمعون على شكل موكب صوب الضريح، يمزقون ألبستهم، يضربون صدورهم، وعند الوصول يتدفقون إلى داخل الضريح صارخين بالدارجة العامية المغربية: «اخرج البراني»، أي «أخرج أيها الغريب»، ويستمرون في ترديد اسم الله، وبعد أن ينال منهم التعب، يرجع «السحايم» إلى مواقعهم، في حين يبقى المختاريون بجانب القبر25.

ثم تأتي زيارة عيساويي المدن ك «الفاسيين»، و«المكناسيين»، و«الرباطيين»، والتي تنطلق زوالا من ضريح «سيدي عبد الله بن حمد»26، ثم ضريح «سيدي سعيد» الموجود بالحي الذي يحمل اسمه. وتنضاف هذه الطوائف إلى تلك التي اتخذت من المقبرة التي يتواجد بالقرب منها ضريح شيخ الطريقة مكانا لها، إذ تجده مكانا مناسبا لممارسة طقوسها.

على أن ما يميز «الموسم» أيضا، تقديم «الأضاحي» أو «النحاير» إلى الضريح، سواء من طرف الطوائف أو العامة أو الأشخاص النافذين، هاته الأضاحي تعكس قوة كل طائفة، بحيث قد تكون «خروف، عجل، ثور، أو دجاجة»، ويتم اقتياد هذه الهدايا على إيقاع الموسيقى والأعلام ترفرف في السماء27. وللإشارة فزيارات الطوائف للضريح تتكرر بشكل كبير وذلك قبل مغادرتها للموسم نهائيا، لكن هذه المرة تتم ببسط الأعلام، ومن دون الموسيقى المنبعثة من الطبول، والمزامير.

وأما عن الاختتام فيتم بحفلة خاصة تدعى «مبيعة الشمة» أو «الحنة»، وهي عبارة عن عملية بيع بالمزاد لمجموعة من الشموع، التمور المجففة، صحيح أن هذه الممارسات تبدو بسيطة، لكن قيمتها الرمزية أكبر بكثير، لهذا يحرص كل مريد حضر الموسم على الاحتفاظ بشيء منها. وبطبيعة الحال لكل اعتباراته في ذلك، منهم من يريد أن يحقق أمانيه ومنهم من يعتبر الأمر علامة على حبه وتقديره ل «لشيخ الكامل». أما المداخيل، فيستفيد منها أولاد الشيخ 28 حيث يوظفونها في صيانة الضريح وتوفير احتياجاته اليومية.

وهكذا وبعد مرور ثلاثة أيام ينتهي موسم «الهادي بنعيسى»، بعد أن تكون مدينة مكناس قد شهدت ديناميكية كبيرة، وانتعاشة اقتصادية، واكتظاظا بكل من تستهويهم مشاهدة عيساوة وطقوسهم المثيرة للجدل.

وعلى العموم، فهذا التجمع الصوفي العيساوي يكون فرصة لتحقيق نوع من الارتياح النفسي، من هنا دلالة القول المأثور المتداول عند العيساويين: «الميلود (عيد المولد النبوي) يلاقيني بأحبابي»، أي «عيد المولد مناسبة للالتقاء بالأحباب»، والالتقاء على أساس المحبة التي سنها مؤسس الزاوية لأتباعه، لتعود الطوائف إلى مدنها القريبة منها والبعيدة، بينما يعود المكناسيون إلى اهتماماتهم اليومية. ويبقى السؤال مطروحا حول دلالة استمرار هذا الاحتفال الديني العيساوي ما يربو عن ثلاثة قرون.

وفي هذا السياق نعتقد أن ظاهرة المواسم كشكل من أشكال الثقافة الصوفية المترسخة بعمق في المجتمع المغربي، ما كان لها لتستمر لولا ارتباطها بالواقع المعيش للمغاربة ولولا أن لها قدسية في أعينهم، وهذا ما جعلهم يرعونها باهتمام خاص قـل نظيره.

والواقع أن هذا النشاط الصوفي شهد عدة تغيرات في ملامحه وأشكال تخليده بعد تسرب مجموعة من الطقوس والممارسات، والتي وإن أضافت مظهرا آخر من مظاهر الغرابة على هذا الطقس الصوفي، فهي في نفس الوقت ميزته عن باقي التجمعات الصوفية للزوايا في المغرب.

لكن الإطار التاريخي لتسلل مثل هذه الممارسات إلى الزاوية، يظل مجهولا، والراجح أن أحسن فترة ملائمة لذلك هي وضعية الاضطراب التي شهدتها بلادنا في عدة مناسبات، حيث تركت انعكاسات عدة على جميع الأصعدة، لم تسلم منها حتى المواقع المحصنة كالزوايا، التي سرعان ما نمت وتطورت، وأوجدت لها عناصر مساعدة للاستمرار في تخصيب الطائفة العيساوية.

1) الحضرة العيساوية 29 :

تعتبر «الحضرة» أحد الأعمدة الرئيسية للنشاط الصوفي العيساوي، بالإضافة إلى «الأوراد»، و«الأذكار»، وقد كانت دائما مرتبطة «بالفقراء» حيث وجدوا فيها متنفسا لهم، وملاذهم الأخير للتعويض عما ألم بهم، خاصة وأنها تتضمن سمات طقوسية وشعائر، تحيلنا إلى القول إنها تعبر عن عدة أزمات مختلفة.

وقد كانت «الحضرة» شكلا من أشكال إحياء ذكرى وفاة شيخ عيساوة، وخضعت هي الأخرى لعدة تطورات في مقاماتها وإيقاعاتها ووزنها الخاص، إذ كانت مقتصرة على إنشاد الأمداح المصحوبة بنغمات إيقاعية بالضرب على الأكف والدفوف لتنضاف فيما بعض الآلات الموسيقية الأخرى ك «البندير» و«التعريجة». وفيها يتولى بعض العيساويين ترديد بعض القصائد المدحية في «سيدي محمد بنعيسى» لشعراء الملحون، الذين أبدعوا في مجالهم، ك «الحاج إدريس الملقب بالحنش» و«أحمد الغرابلي»، و«سيدي امحمد ابن ريسول» بمدينة فاس، وفي مدن أخرى كالرباط، حيث تحظى أشعار «سيدي المكي الريش» و«الشيخ حمان» بمكانة خاصة، وأخيرا بالدار البيضاء ومراكش. كما يصادفنا وجود عدة شعراء منهم «المخربق الزموري»30.

ويعد هذا الأمر قاسما مشتركا بين كافة الطوائف المنتشرة في المدن المغربية، كما يلاحظ أن غالبية الأشعار تكون عبارة عن أذكار معروفة، وأهم ما في الأمر أنهم جعلوا من تلك الأشعار الزجلية محور جلساتهم وعمودها الفقري. ومع اتساع القاعدة البشرية للزاوية، لم يعد استعمال الأمداح بالأفواه كافيا لإسماع صوت كل المشاركين في الحضرة، ولهذا عمل عيساوة على إدماج آلة «الغيطة»، وأخذت الأمداح توقع على نغماتها لتجعلهم يتخمرون ويجدبون حبا في الله وللشيخ الكامل. وتخضع الطقوس العيساوية لمراحل معينة 31:

- أولها: «العشوي» أو «المقيل»، وتشمل الفترة الممتدة من الرابعة زوالا إلى التاسعة ليلا.

- ثانيا: «التقصيرة»، وتبتدئ من التاسعة إلى منتصف الليل.

- ثالثا: «الليلة»، وتستمر الليل بطوله إلى مشارف الفجر.

والملاحظ أنه في كل هذه المراحل، يلتزم عيساوة بنظام خاص، بغض النظر عن مناطق انتمائهم، وهو الذي تخضع له ما يسمى ب «الليلة العيساوية». وأولى المراحل تتمثل في: «الدخلة العيساوية»: وهي قصيدة مدحية تستهل بـ: «العزيز ذو الجلال، يا الله، يا الله» تأتي بعدها قراءة «الحزب» الرئيسي للزاوية «سبحان الدايم»، ثم تلاوة مجموعة من الأذكار والأمداح من تأليف الشيخ «محمد بن سليمان الجزولي»، تنشد عادة في حلقة دائرية، مبتدئين بقوله: «سبحان الدايم».

تتلو ذلك مرحلة: «الذكر» حيث يتم تلاوة مجموعة من القصائد: «الدريسية الصغيرة والكبيرة»، وهي عبارة عن أمداح في شخص الرسولﷺ، وشيخ الطريقة ويطلق عليها عادة «الذكرات» وينشدها «ذكار» بمفرده، لتتبعه المجموعة بعد ذلك، والتي عليها الحفاظ على نفس اللحن كما ابتدأه «الذكار»، أما الإنشاد فيكون بإيقاع بطيء ما يلبث في التسارع ليصل إلى أقصى درجات السرعة، فيصبح الإنشاد جماعيا.

وقد ارتبطت مدة «الذكر» بعدد القصائد المدحية، وطبيعة النشاط الديني، إذ أنه خلال الأعياد الدينية الكبرى تصل القصائد المرددة من «الذكارة» إلى أكثر من ثمانية (08) قصائد، أما في الأيام العادية فنادرا ما تتجاوز الرقم ستة (06)32، وبعد ذلك يتم الانتقال إلى مرحلة «الرقص» و«الجدبة»33، وطيلة هذه المراحل تستعمل الموسيقى المنبعثة من:«الطبل»، «الطاسة»، «الغيطة»، «التعريجة»، «الماعون» البندير».

ونشير في هذا الصدد أن هناك طوائف وطرق أخرى اتخذت مواقف مضادة من «الرقص»، وهذا الأمر نصادفه عند «الزروقيين» (المنتسبين للشيخ زروق)، الذين انتقدوا تعاطي بعض الطوائف وضمنهم عيساوة للرقص والمبالغة في الجذب إلى حد تمزيق الثياب34.

وعن كيفية تسرب مثل هذه الآلات الإيقاعية إلى الحضرة العيساوية، فذاك ما نجهله، إذ لا المصادر العيساوية، ولا الدراسات الأجنبية قد أشارت إلى هذا الجانب، فقط اقتصرت على تتبع مراحل «الحضرة»، وبالتالي ظل المجال مفتوحا أمام الحكايات، كالتي ترتبط ب «الشيخ الشيباني». وعلى كل حال، فقد اختاروا إنشاد الذكر، وعملوا على مصاحبة ذلك بالضرب في الآلات، كالتي تعرضنا لها آنفا.

ومعلوم، أن توظيف الموسيقى في الجلسات العيساوية شكل أحد الأعمدة الرئيسية في كافة طقوسهم، ولا يمكن بأي حال من الأحوال القول بانفرادهم بذلك، بل نصادف طرقا وطوائف أخرى سلكت نفس المسلك وأصبحت ممارساتها مطبوعة بالألحان الموسيقية كما هو الحال عند «القاسميين»، الذين يتقاربون مع عيساوة منهجا وسلوكا في هذا الأمر35.

وقبل الانتقال إلى ملامسة طقس الحضرة، والتي يمكن اعتبارها أهم مرحلة في الليلة العيساوية تؤدى مجموعة من الفواصل، المستحدثة مؤخرا مثل: «التهديرة»، «حادون» و«الغازية» طبعا بمصاحبة الموسيقى، مؤكد أنه داخل هذا الطقس الصوفي يمكن التمييز من داخلها بين نوع «الرباني» و«الجلالي» ويكون على شكل افتتاح، عبر قصيدة مختصرة، وقد تكون مجموعة أدعية، أما المريدون في هذه الحالة فيصطفون في صف واحد أمام المقدم، ثم يأخذون في التمايل من الأمام إلى الوراء والعكس مرددين بعـض الأشعار المألوفة.

وتستدعي هذه الأنواع من «الرقص» أن تكون ضربات الأرجل متناسبة مع الإيقاع الموسيقي، وتستمر هذه الرقصة إلى أن تتوقف بإشارة من المقدم، للبدء في مرحلة ثانية تسمى بـ«الفتوح» الثاني، لنوع آخر وهو «الجيلالي» ترتفع فيه الإيقاعات الموسيقية وإيقاعات الشد، أما الأجساد فتشرع في تمايلها إلى الأعلى والأسفل، وهذا الشق الثاني «الرباني» يكون قصيرا وبدون توقف تستمر فيه «الحضرة» عبر ما يسمى «الفتوح» الثالث، ومن خصائصه عدم حدوث أي تغير في الرقص، والإيقاع لا زال طويلا، أما المريدون فلا يتوقفون على ترديد كلمات : «الله، الله، مع رفع الأيادي إلى الأعلى، فضلا عن وعيهم بضرورة الحفاظ على طاقاتهم للرقصة الموالية»، والــتي نظرا لتشابــك حركاتها وتعدد إيقاعاتها تفرض على ممارسيها استعدادا بدنيا خاصا، ويطلق عليها «المجرد» وهي كمــا يظهر من اسمها، من الأشكال التي يُفترض فيها التخلص من «الجلابة» و«البلغة» و«الرزة» إن كانوا يرتدونها، وهذا يعني إزاحة الملابس التي قد تعيق أداءهم للرقصة بشكل جيد36.

تعتبر رقصة «المجرد»، أهم شطر في «الحضرة» عند جميع الطوائف العيساوية، وهذا يعني أن الشطر الأول أي «الرباني» لا يعدو أن يكون مرحلة استعداديه، مدتها الزمنية لا تقل عن ساعة، وخلالها يتدخل مقدم «الفراسة» للقيام بحركات تقلد فيها عملية «الافتراس» مع ترديد «اسم الله» في كل مرة وحين، أما الراقصون فهم مصطفون بشكل متماسك، وأفواههم لا تسكت عن نطق بضع توسلات «أغير أ مولاي عبد القادر، أغير اسعيد، ابن عثمان، أولى الله، هاوا حد العار على ابن عيسى مولى مكناس، أبابا أ مولاي الغرادي نزور النبي»37.

وهنا يصل «الجدب» ذروته، وتستمر إيقاعات الطبول في التصاعد، أما الغيطة فيملأ صوتها الفضاء المحتضن «للحضرة» لحظات قبل النهاية، يسترجع مقدم «الحضرة» إيقاع الرباني أو الجيلالي، ربما لخلق نوع من التوازن ولإتاحة الفرصة للأتباع للراحة هنيهة.

وإذا كانت هذه المراحل تتم على صعيد الطوائف العيساوية المتواجدة داخل أرض المغرب، ماذا عن الطوائف الأخرى المتمركزة خارج البلاد، بالجزائر وتونس، حيث يستغل عيساوة بعض المناسبات للقيام بممارسات أقل ما يقال عنها أنها تتجاوز حدود العقل وحدود تحمل الألم، وعلى سبيل المثال: «تمزيق أجسادهم بأدوات حادة وقاطعة كالسيوف، غير عابئين لا بجروحهم ولا بالآلام التي تحدثها هذه الأدوات، وآخرون يمضغون قطع كؤوس من الزجاج، قبل ابتلاعها، وآخرون يتمرغون فوق أوراق الصبار الشائكة، وغيرهم يلتهمون حيوانات سامة»38.

وكل ذلك قد يحدث كنتيجة حتمية لتطورات «الجذب»39، إلى مواقف أكثر تعقيدا أو استعصاء على الفهم، يعبر عنها «بالحال»40، وقد تفضي إلى ولوج حالات أخرى «كالافتراس» مثلا. وهذه المرحلة المتقدمة، تسبقها فترة ولوج الطوائف بعد موكبها إلى مقر الزاوية وتوضع الأعلام، ثم تشكل دائرة من طرف المريدين، يرددون فيها أدعية وتوسلات في حق الشيخ الكامل مع قيامهم ببعض الحركات الخفيفة على إيقاع الطبول.

اللافت للانتباه، أن طقوس عيساوة في هذه المناطق تشهد حضورا قويا للرجال، أما النساء فدورهن يقتصر على الحضور دون المشاركة، لكن أثناء التجمع النسوي قد ينظمن حضرة خاصة بهن إذا كان النشاط الديني كبيرا. وتلك خاصية مشتركة حتى مع طوائف طائفة مكناس بالمغرب والتي إن صادف ونظمت هذه الفئة حضرة خاصة بهن، فإنها لا تختلف من حيث المراحل المشار إليها ابتداء من «الرباني» واتباعا «بالمجرد» ثم «الرباني»، لكن قد تكون ممارسة هذه الطقوس من طرف النسوة المعروفات باسم «لخواتات» أقل مهارة، بالنظر لجهلهن النسبي لتعقيدات هذا النوع من الشطح، والذي غالبا ما يختتم بفقرة تسمى «ذكر الله».

وبالعودة إلى نشاط «الحضرة «نجده قد يمتد في الزمن طويلا، لذلك يعمد المقدم إلى إيقاف الموسيقيين من أصحاب «الطبول» وأصحاب الغيطة رغبة في استعادة الكل لتوازنه، وهذا يعني أن الطقس الصوفي قد تفكك أو ما يصطلح عليه «تطياح الحضرة»، أي انتهاء الطقس الصوفي.

لكن ماذا عن طوائف البوادي؟

ما يلاحظ عنها، أنها مختلفة في شكلها عن الحضرة المدينية في بعض الجوانب. فعند عيساوة «بني أحسن» مثلا، خاصة «السحايميين والمختاريين» لا تستعمل مجموعة الآلات الموسيقية ك «البندير»، أو قد يجهلون في بعض الأحيان مسار «حضرة» عيساويي المدن، لكن قد يتمثلون بعض الفقرات منها، «كالمجرد» والذي يميلون إلى ممارسته أكثر من غيره، كما يشكل «الذكر» أهم فقرة لديهم، إذ يمكن تلاوته إما جالسين أو واقفين، وأثناء ممارسة رقصة «المجرد» يشكلون هم أيضا دائرة لكن هذه المرة حول «الخواتات» ويستسلمون لممارسة شطحهم ورقصهم41. ومن الأشياء الجديرة بالانتباه، أن «الذكر» أو «الحضرة» يكون مسبوقا بما يسمى «المهوني» وهي صيغة من صيغ الغناء المتداولة لدى العيساويين يردده أفراد قد لا يتجاوزون الثلاثة، أحدهم يسمى «الرداد» ومن يرد عليه يسمون «بالردادة».

وبدوره يخضع هذا «المهوني» لطقوس خاصة، إذ أنه غير مسموح لجميع «الفقراء» بترديده، فقط خاص بمن يريد الارتقاء في سلم الطريقة، حيث يلقن له مباشرة من أفواه المقدمين، وقصائد «المهوني» تكون متمحورة حول الشيخ الكامل بالأساس تستعرض تعاليمه، «مناقبه» و«وصاياه»، في بعض الأحيان تكون أدعية خاصة بالأولياء عامة.

أخيرا غناء «المهوني» غير مقتصر على فترة زمنية بعينها، بل قد يشمل مناسبات مختلفة، ضمنها «الميلود» وأثناء موسم الشيخ الكامل، وحتى الأعياد الدينية الأخرى والمواسم المحلية 42، كموسم «عامر» والسهول من أحواز سلا الذين يحجون إلى ضريح الشيخ أبي موسى الدكالي على شاطئ المحيط، ويضربون حوله خيامهم، والأنشطة الصوفية المقامة بأضرحة مدينة سلا بالقرب من الرباط، من طرف قبائل بني «أحسن» مثل سيدي «أحمد بن عاشر»، وسيدي «عبد الله بن حسون»، وسيدي «الحسن العايدي بوقطاية»43.

ويفهم مما سبق، أن الهدف المتحكم من تحويل مجالس الذكر العيساوية إلى طقوس تغلب عليها سمة «الحضرة»، وتوظيف الآلات الموسيقية على نطاق واسع، يتأطر ضمن نهج صوفي يعتمد على «الجذب» كخيار وحيد لاكتساب «الحال»، ومن تم ربط الصلة بالله، ومن شأن ذلك الارتقاء إلى عالم يسوده الصفاء والراحة، ونسيان كل الآلام التي تحط بكل ثقلها على عاتق الإنسان-المريد.

وصفوة القول، امتازت «الحضرة العيساوية» عن غيرها، من باقي الطوائف الصوفية الأخرى، بسيادة «الحال» على العديد من المريدين، بشرط أن يرتفع وطيسها، وحينها يستطيع المريد بلوغ هدفه، حتى وإن اضطر إلى تمزيق ثيابه، ومواصلة رقصه إلى درجة الإغماء، ولا بأس في ذلك ما دام الأمر يتعلق بالوقوف على سر إلهي لا يخص به إلا من جذبه الله اليه.

«اللمة العيساوية»

«اللمة» شكل آخر من أشكال التأطير المتبعة لدى عيساوة، والهادفة إلى جعل المريدين أكثر ارتباطا بطريقة شيخهم، تنظم عادة إبان الاحتفالات العائلية؛ وهكذا فبمجرد الإعلان عن تنظيم هذه الحفلة، يهرع «المقدم»، المسؤول عن فرع الزاوية في المنطقة، إلى جمع أعلام الطائفة، إن كانوا يتوفرون عليها، وقد يستعملون إحدى الخيام في حالة العكس، وبمجرد اجتماع أفراد الطائفة تقرأ الفاتحة ويتم الاتجاه صوب الخيمة-المنزل الذي دعا أصحابه إلى تنظيم هذا الشكل الديني، وخلف حاملي الأعلام المختلفة الألوان، يتم ترديد: «جا جا محمد» (جاء محمد) في حين يجيبهم آخرون: «قدامنا رسول الل».

وبعد ترديد الذكر وقوفا، يشرع المريدون في ممارسة «المجرد»، ثم «الذكر» لإطالة أمد «اللمة»، إلى منتصف الليل، ليستمر على هذا الإيقاع إلى طلوع الفجر، وطيلة هذا الوقت، قد يسقط البعض منهم مغمى عليه، من جراء طول المدة ومن كثرة ترديد الأدعية والتوسلات والأشعار، كما يسجل بالإضافة إلى ذلك الغياب المطلق للأدوات الموسيقية، كيف كان نوعها 44، وهذا يعني أن الذكر يشكل أهم حلقة في هذا الطقس الديني ومرتكزه الرئيسي.

من القبائل المعروفة مثلا بتنظيم:«اللمات» نجد قبائل «السهول» بالمنطقة القريبة من الرباط، حيث تدوم ثلاثة أيام، وتكون المناسبة على شكل «موسم»، حيث تمنع فيه كافة السلوكات السيئة كالسرقة وغيرها، وأثناء تنظيم هذا الموسم، تكون الفرصة مواتية لتجديد «العهد» مع شيخ الطريقة وذريته، من خلال قيام كل من «السحايم» و«مختار» بإيفاد مندوبين عنهم إلى مدينة مكناس حيث يوجد ضريح شيخ الطريقة، مصحوبين ببعض الأضاحي والهدايا 45. وعند استفسارنا عن هذا الشكل من الاحتفال أكد لنا البعض أنها تنظم على الخصوص في فصل الربيع، أو خلال شهر صفر الذي يسبق «الميلود» أي عيد المولد النبوي.

ولا يقتصر تنظيم «اللمات» على القبائل فقط، بل تنظم كذلك بالمدن الكبرى كفاس ومكناس بمقر الزاوية، ولكن بطريقة قد تبدو مخالفة لما يجري بالبوادي إذ بمجرد التحاق المريدين يشرعون في تلاوة «سبحان الدايم» ثم مائة مرة من «الهيللة» بإيقاع سريع، و «التصلية» أي اللهم صلي على سيدنا محمد، فضلا عن بعض الأشعار، لكن ذلك يتم بإيقاع سريع، لتختتم هذه الأدعية بترديد «الاسم المفرد».

ويمكن التمييز بين نوعين من «الحضرة «في هذه «اللمات» بـ «المجرد» ويسمى ممارسوه أهل «المجرد» و «الفيلالي» أو «الشنتري»، وأهله يطلق عليهم أهل «الشنتري» وبين كلا النوعين توجد اختلافات معينة.

فإذا كان «المجرد» يؤدي على إيقاع الغيطة والطبول، فإن الثاني، أي «الفيلالي»، فيتطلب أدوات موسيقية أقل صخبا، يتمثل في «الطاسة» و«الطابلة» و«التعريجة»، هذا ناهيك أن النوع الأول مخصص لأناس أقل ما يقال عنهم أنهم ذو مستويات اجتماعية، صوفية وفكرية أرقى، ويفضلون دائـــــــــما بذل جهد قليل في طقوسهم 46.

ويمكن اعتبار «الشنتري» أو «الفيلالي» تركيب لأنواع مختلفة من رقصات طوائف أخرى، كالغازية والحمدوشية والفيلالية، والجيلالية، الكناوية، وعلى هذا الأساس مجد أنه أثناء الحفلات الكبرى يعمد المقدمون إلى استدعاء هذه الطوائف للمساهمة في تنشيط «اللمة «أو طقس آخر.

وبعد الافتتاح الأول «للشنتري» من طرف بعض المرددين القلائل تنطلق الحضرة من خلال مجموعة من الأفراد يشكلون صفا أمام العازفين الأكتاف ملتصقة ببعضها البعض، يرددون اسم الله، الرقصة قد تكون بسيطة ببساطة حركاتها، لكنها قد تتعقد بعض الأحيان، خاصة عندما يكون مطلوبا من الراقصين ثني الأرجل، والقفز في نفس المكان دون مغادرته، وهنا يكون دور المقدم فاعلا، باعتباره مسؤولا عن «الحضرة» من بداياتها إلى نهايتها، ولبضعة أوقات محدودة يستريح الممارسون، ليعلن العازفون بدأ الشطر الثاني حيث يستمر الرقص من طرف جميع الحاضرين، وفق مسار محدد سلفا ومتحكم فيه موسيقيا من إيقاع بطيء إلى سريع إلى أسرع.

ومما يزيد من تعقد رقصة «الشنتري «دخول أنواع أخرى من الرقص ذات الصلة بطوائف أخرى كالغازية47، الحمدوشية، الكناوية.

وانطلاقا من أنه لكل طقس ديني ممارس من طرف عيساوة من بداية ونهاية، نجد أن اختتام الحضرة «الشنتيرية» يتم بقراءة «حزب» من «الأحزاب» وعلى وجه أخص حزب «سبحان الدايم لا يزول» الحزب الرئيسي في الطائفة.

وقصارى القول، أن مختلف الطقوس العيساوية التي برزت في سياق سيرورة الطائفة العيساوية، كانت تعاش لذاتها، باعتبارها خير معبر عن مدى ارتباط المريد العيساوي بالإرث الصوفي والروحي لهذه الزاوية وشيخها المؤسس.

لكن وجب التذكير، ان مختلف التحولات التي عاشتها هاته التجربة الصوفية، كانت المؤثرات الخارجية تحتل فيها الحيز الأوفر، حيث لم يكن للطائفة ولا لشيوخها القدرة الكافية على إيقاف زحفها، إما لضعف هياكلها التنظيمية، أو لاعتبارات بنيوية في ذات الطائفة. والواقع أن هذه التغيرات جرت عليها ويلات النقد والإنكار من عدة اتجاهات، وحكمت عليها بلعب أدوار هامشية اقتصرت على ما هو روحي.

على سبيل الختم

إذا كان لابد لهذا التأمل السريع لأحد نماذج الطقوس الصوفية الشعبية بالمغرب، أن ينتهي إلى خلاصات، فيمكن القول إن من أبرز الأسباب التي جعلت هذه الطقوس عصية على النسيان من طرف ممارسيها إلى يومنا هذا، أن الطريقة الصوفية العيساوية التي ابتدعتها حرصت على جعلها تتناسب وطبيعة الوسط الذي احتضنها، ومرونتها إذا ما قورنت بما كان يعتمل في طرق صوفية أخرى، والقدرة الاستيعابية لمريديها وأتباعها المنتمين في غالبيتهم لأصول اجتماعية متدنية، اللهم بعض الاستثناءات.

الخلاصة الثانية التي أود الإشارة إليها، تتعلق بكون أن الباعث على شهرة هذه النحلة الصوفية بأرض المغرب هو مساهمتها الروحية، ودورها الكبير في تنشيط وإثراء المجال الصوفي المغربي لمختلف الطقوس والممارسات، مقابل زوايا أخرى، اتضح أن شهرتها هو مجالسها العلمية الدائمة، وكراسيها، والعلماء الذين تخرجوا من رحابها.

الخلاصة الثالثة، تتمحور حول اعتبار أن مثل هذه الأبحاث تساهم في استجلاء جانب من جوانب ثقافتنا الشعبية المتعددة المشارب والاتجاهات، وإعادة الاعتبار لها عبر التأكيد على أن بعض الطقوس الصوفية الممارسة من طرف أتباع هذه الطريقة الصوفية تعاش لذاتها، وليس لمجرد إظهار التميز والمفاضلة في النسيج الطرقي بالبلاد، منذ أن طفت إلى السطح هذه الطرق في أزمنة تاريخية غابرة. وبالمثل لا يمكن اعتبارها فقط «دجلا أو شعوذة»أو سلوكا بدعيا تنبغي محاربته وإزاحته من المشهد الثقافي الشعبي المغربي.

الخلاصة الرابعة، تؤكد على أن ما أوردناه من معطيات تاريخية، ما هو إلا أرضية للنبش في تاريخ هذه الممارسات الصوفية ذات الطابع الشعبي، ولفت الانتباه إلى تجربتهم في الحقل الطرقي عامة، على اعتبار أن الخلفية التاريخية لهذه الطقوس أكبر من أن تظل مغيبة من دائرة التأليف الأكاديمي على المستوى التاريخي والسوسيولوجي والأنثروبولوجي، رغم أنه في بعض الأحيان تكون المعلومات التي نتحصل عليها غير كافية، لكن تكامل مختلف التخصصات المعرفية من شأنه إتاحة الفرص الكبيرة لرصد تاريخ هذه الطقوس الشعبية التي ارتبطت تاريخيا بفئات تنتمي في غالبيتها إلى أصول اجتماعية فقيرة بالأساس، وإلى مستويات فكرية وذهنية مختلفة.

الخلاصة الخامسة، تذهب في اتجاه الدعوة إلى الحفاظ على هذا الموروث الثقافي الشعبي بما حمله من طقوس وأفكار وممارسات، وصيانته، والبحث في خلفياته، وتثمينه. ومرد هذه الدعوة، أن الدفاع عنه هو دفاع عن ثقافات شعب تصارع من أجل العيش وسط بحر متلاطم الأمواج، يعمل قدر استطاعته على تدمير كل ما يمس الهوية الثقافية للشعوب بكل تجلياتها، ما لم نعمل على حمايتها من تداعيات العولمة الثقافية التي تعمل على تعميم نمط حضاري يخص بلدانا بعينها، وهي البلدان الغربية، على بلدان العالم أجمع، في محاولة حثيثة لإعادة تشكيل العالم وفق مصالحها الاقتصادية والسياسية والثقافية، في خرق سافر لكل المواثيق والعهود الدولية ذات الصلة، التي قوامها احترام الهويات الثقافية للشعوب.

رغم اختلاف زوايا النظر إلى الموروثات الثقافية الشعبية بالمغرب، ومن ضمنها طقوس الصوفية، فالأكيد أنها تطورت تبعا للحاجات الإنسانية والاجتماعية للجماعة البشرية التي أنتجتها، حتى صارت رمزا وتجسيدا لهوية جزء من الشعب المغربي المؤمن بالممارسة الصوفية وطقوسها.

خلاصة القول، إن الحاجة إلى تحصين موروثنا الثقافي، تفرضها طبيعة اللحظة التاريخية للشعوب، ومن ضمنها الشعب المغربي، التي تقاوم الزحف الكوكبي، وتحاول قدر استطاعتها حماية تنوعها الثقافي بمختلف مجالاته، في عالم أضحى سريع التغير على كافة الأصعدة .

 

الهوامش

1. Paquignon Paul: "le Mouloud au Maroc, Note sur les Aissaouas et les Hamadcha",Revue Monde Musulman, 1911. P P. 525-536.

- Brunel René , Essai sur la confrérie des Aissaouas, Paris, librairie orientaliste, Paul Genthner, 1926 . Brunel, P 123 et S.

2. من المصادر والكتب التي اهتمت بالحديث عن هذه المواسم نذكر:

- عبد الرحمان ابن زيدان، الدرر الفاخرة بمآثر الملوك العلويين بفاس الزاهرة، المطبعة الاقتصادية، الرباط 1937م، صص 181-182. وإتحاف أعلام الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس، مطابع إيديال، الطبعة الثانية، 1990، الدار البيضاء. الجزء الرابع، صص 14-15. ومحمد بن المؤقت المراكشي، الرحلة المراكشية أو مرآة المساوئ الوقتية، البيضاء، الجزء الأول، صص146ـ 147. ومحمد داوود: تاريخ تطوان، المجلد الثالث، المجلد السابع، المطبعة الملكية الرباط، 1990م، منشورات كلية الآداب الرباط 1962م، المطبعة المهدية تطوان، صص211-212. ومحمد الكانوني بن أحمد العبدي الأسفي: آسفي وما إليه قديما وحديثا، مطبعة المكتبة التجارية الكبرى، مصر 1934، ص103، والزياني أبو القاسم: الترجمانة الكبرى في أخبار المعمور برا وبحرا، حققه وعلق عليه عبد الكريم الفيلالي، دار نشر المعرفة، الرباط، 1991، ص 185.

3. الغزال أحمد بن المهدي: النور الشامل في مناقب فحل الرجال الكامل سيدي محمد بن عيسى، الطبعة الأولى، مطبعة الصدق الخيرية، القاهرة 1348، ص 5.

4. الشفشاوني ابن عسكر: دوحة الناشر لمحاسن من كان بالمغرب من مشايخ القرن العاشر، تحقيق محمد حجي، 1976، الطبعة الثانية، دار المغرب للتأليف والترجمة والنشر سلسلة تراجم 1 الرباط 1976، ص 75.

5. الإسماعيلي الحسني: رسالة مخطوطة في سيرة الشيخ محمد بن عيسى، ص 6، و إتحاف أعلام الناس، م س، ج4 ص 12.

6. Drague George: "A propos des Aissaouas" Revue, Afrique Asie, Année 1961, P. 8.

7. النور الشامل، م س، ص، 43.

8. اعتبر احد الباحثين، ان الذكر، أحد أهم أعمدة السلوك الصوفي بالمغرب، إذ ينهل مشروعيته من روح القرآن، وعلى هذا الأساس لم يتوان رجالات التصوف والولاية في الدفاع عنه، فالقشيري اعتبره أساسا قويا " في طريق الحق، بل هو العمدة في هذا الطريق، و لايصل أحد إلى الله إلا بدوام الذكر "

- القشيري: الرسالة القشيرية في علم التصوف، تحقيق معروف زريق وعلي عبد المجيد، بيروت، 1990، ص 221.

- وبنفس المنطق، ذهب أحد المستشرقين وهو "لوي ماسينون"، إلى اعتبار الذكر ميزة خاصة من مميزات التصوف الإسلامي.

- Essai sur les origines du lexique technique de la mystique Musulmane, Paris, 1954 , p. 104

- ابراهيم القادري بوتشيش: "ثقافة الوسطية في التصوف السني بالمغرب"، ضمن كتاب: التصوف السني في تاريخ المغرب، نسق نموذجي للوسطية والاعتدال، تقديم وإشراف إبراهيم القادري بوتشيش، منشورات الزمن، ط 2، 2010، ص 25 .

9. الفاسي محمد المهدي: ممتع الأسماع في ذكر الجزولي والتباع ومالهما من الأتباع، تحقيق عبد الحي العمراوي، 1989، صص 98 - 99.

10. الفاسي عبد الرحمان بن عبد القادر: ابتهاج القلوب بخير الشيخ أبي المحاسن وشيخه المجدوب، مخطوط بالخزانة العامة، الرباط رقم ك 326، ص 160 – 161.

- يعتبر الشيخ أبو زيد عبد الرحمان بن محمد الفاسي المشهور بالعارف مؤسس الزاوية الفاسية بفاس، التي ظل يسرها على نهج أخيه أبي المحاسن يوسف الفاسي في زاوية حي المخفية بفاس، إلى أن توفي فخلفه فيها حفيد اخيه عبد القادر بن علي بن أبي المحاسن. وقد عنى الشيخ عبد القادر بزاوية القلقليين عناية خاصة، ثم جددها له المولى إسماعيل ووسعها على النحو الذي هي عليه الآن.

- - محمد حجي، الزاوية الدلائية ودورها الديني والعلمي والسياسي، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء 1988، ص 62.

11. عبد الرحمان الفاسي، جواب، مخطوط رقم 2074، الخزانة العامة بالرباط، ص 474، نقلا عن أحمد الغزالي اليحياوي، ملامح التواصل الصوفي بين فاس وكندر والنواحي، مطبعة أبي عبد الله، فاس، الطبعة الأولى، سنة 2000، ص 79.

12. حسب إحدى الروايات الشفوية، والتي تحكي بصيغ مختلفة، أن سلطان الوقت وأرباب العمل بالمدينة الإسماعيلية تضايقوا من نفوذ الشيخ محمد بن عيسى، ومن إقدامه بالخصوص على استئجار الناس لمزاولة الذكر في زاويته، مما حدا بالمخزن في شخص الأمير إسماعيل إلى طرده من المدينة، ومن تم خرج مع مريديه إلى البادية، ولما أصابهم الجوع، ولم يجدوا ما يقتاتون به، شكوا أمرهم إلى الشيخ، فأجاز لهم هذا الأخير أكل ما يجدونه في الطريق من حشائش، ثعابين، عقارب، وأوراق الأشجار، والتي كانت بفعل كرامة الشيخ تتحول إلى طعام قابل للهضم، وغير مضر لصحته.

وإذا استحضرنا حادثة الطرد الواردة في الحكاية والتي لا نجد صدى لها في كتب التاريخ، ألا يمكن القول إن "الأمير إسماعيل" لم يكن إلا السلطان العلوي المولى إسماعيل وهذا الأخير عمد تحت ضغط الانتقادات إلى طرد عيساوة من المدينة، ذاك هو رأينا، ونضيفه إلى استنتاجات من سبقنا من الباحثين في هذا الموضوع.

وتجدر الإشارة أنه كثيرا ما يخلط العيساويون في مآثرهم بين فترة الشيخ الكامل، وفترة السلطان العلوي، وهذا من المستحيل تاريخيا، إذ الفرق بينهما كبير جدا، وبقدر ما تفيد الحكاية في القول بالتطور والتحول الذي شهدته الزاوية، بقدر ما لا تجيب عن مجموعة أسئلة تتعلق بمدى تضرر اقتصاد المدينة من عملية الاستئجار، وما يستتبعه ذلك من قلة اليد العاملة وعن كيفية ترديد الذكر وأمكنته، وإن كنا نرجح أنه يتم بالزاوية، وإذا استبعدنا فرضية معاصرة شيخ الطريقة للسلطان المذكور، فمن يكون يا ترى شيخ الطريقة المطرود؟ والذي بلغت في عهده الزاوية هذا المستوى من التغيير، وغياب خيط ناظم لذرية الشيخ الكامل، وطبيعة قيادتهم الجماعية للزاوية، يزيد من صعوبة إقامة تقابل بين التحول المذكور وإطاره الزمني.

13. ساق الباحث أحمد الوارث نص هذه الرواية، أثناء مناقشته المفيدة للتحول الذي طرأ على سلوك عيساوة، وقد أثرنا تثبيتها بهذا المتن لارتباطها بذات الموضوع قيد الدرس، وإن كنا قد سمعناها تتردد بين أوساط المريدين أثناء حضورنا للموسم.

- أحمد الوارث: الأولياء والمتصوفة ودورهم الاجتماعي والسياسي في المغرب خلال القرن 17-18م، أطروحة دولة في التاريخ مرقونة 1998، كلية الآداب عين الشق، الدار البيضاء. الجزء الأول، صص 74-76.

14. ابتهاج القلوب، م س، ص 160-161.

15. Brunel, Essai, Op- cit, P. 110.

16. Prosper "Le mouloud à Fès: la Aissaouas"Revue France Maroc,1917, P. 32-33

17. في دراسته حول طوائف فاس المشاركة في موسم عيساوة يقول:" ريكار " إن أول زيارة لأولياء مكناس، تكون "لسيدي سعيد "، باعتباره كان شيخا وأستاذا للشيخ الكامل، وهذا الأمر مجانب للحقيقة التاريخية… وربما اختلطت عليه الروايات فسيدي سعيد يعتبره عيساوة السبب في عودة الشيخ الكامل بعد أن طرده سلطان الوقت، من هنا مبعث تقديرهم لهذا الولي، وليس لكونه شيخه، وكما نعلم فشيوخه في التربية هم ثلاثة، سبق وأن تعرضنا لهم.

- راجع ايضا: لوطورنو، فاس قبل الحماية، ترجمة محمد حجي أحمد الأخضر، دار الغرب الإسلامي،1988، بيروت صص 873-875.

18. الهمزية والبوردة قصيدتان لشرف الدين محمد بن سعيد البوصيري (ت عام 696هـ/ 1296م في حين كانت ولاته سنة 608 ه / 1209 م ببصير مصر)، وهما في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، إحداهما ميمية، تعرف بالبردة وأخرى همزية ومطلعها:

- كيف ترقى رقيك الأنبياء

يا سماء ما ل طاولتها سماء.

- اعتنى بها المغاربة وتعددت شروحها منها، شرح الصومعي، مخطوط بالخزانة العامة بالرباط، رقم 232 ك.

- انظر: م. بن يعقوب الولالي، " مباحث الأنوار في أخبار بعض الأخيار "، دراسة وتحقيق عبد العزيز بوعصاب، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، الطبعة الأولى، سنة 1999، ص 260، ومحمد. حجي، الحركة الفكرية بالمغرب على عهد السعديين، جزآن، الرباط، 1977 – 1978، الجزء الأول ص 49.

- محمد سيد كيلاني: مقدمة تحقيق ديوان البوصيري، الباب الحلبي، القاهرة، 1955، الطبعة الأولى، ص 5 وما بعدها.

19. Ville et Tribus du Maroc: Tanger et sa Zone Tanger, 1921, XII,publié Par la direction des affaires indigènes et du service Renseignements.

20. Brunel, Op- cit, P. 111.

21. ibid, P: 112.

22. لما استفسرنا عن ماهية هذا النظام المتبع في توزيع مداخل الطوائف العيساوية، قيل لنا أنه يرتبط بتجنب الازدحام عبر هذه الأبواب، وبالتالي فالعملية لا تعدو أن تكون ذات طابع تنظيمي محض.

23. Brunel, Op-cit, P. 11

24. Brunel, Op- cit, PP. 114-115.

25. Ibid, P. 117 .

26. من الأضرحة المشهورة بأحباسها وأوقافها، كانت وفاته سنة 833هـ، وضريحه يوجد خارج باب "البرادعيين" بمدينة مكناس، إتحاف أعلام الناس، م. س، ج 4/ ص 500.

27. Brunel,Op- cit, P. 120.

28. Brunel,Ibid P. 122.

29. كانت الحضرة العيساوية موضوع العديد من الدراسات الأجنبية نذكر منها :

- Brunel, Op- cit, P. 93-101.et s

- Doutté Edmond: Les Aissaouas à Tlemcen, imp. Martin Frères. 1900, 31 pages.

30. عباس الجراري : القصيدة، نشر مكتبة الطالب، مطبعة الأمنية، الرباط 1971م. القصيدة، صص 656 – 684.

31. أمدنا بهذه المعلومات مشكورين مجموعـة من العيساويين أثناء زيارتنا لموسم الشيخ الكامل بمكناس

32. رواية شفوية مستقاة من عين المكان.

33. يحكي عيساوة أن توظيف الرقص جاء من الشيخ سيدي الشيباني بن عبد القادر أحد مريدي الشيخ الكامل، كان يريد أن يتملكه "الحال" فكان أن استعمل إحدى الآلات الموسيقية، وهو البندير أو الماعون، وسميت بالحضرة "الشيبانية"، نسبة إلى صاحبها.

34. إبراهيم حركات، "الحياة الدينية في العهد المريني" مجلة البحث العلمي، ع 23 ـ 3، 1979، السنة16، ص 227.

35. أحمد الوارث: تصوف العوام خلال القرنين 17و18، التيار الشرقاوي نموذجا"أعمال الرباطات والزوايا" ،ص249.

36. Brunel, Op- cit, P. 96.

37. Ibid , P: 97 .

38. Douté,op.cit, p: 1

- Monet et (ED):Les Confréries Religieuses de L’ islam Marocain, leur role religieux est Politique et Sociales, Revue histoire des religions , 1902 , P. 10-11.

39. "الجذب"، من هذه الكلمة أتت لفظة المجذوب وهو من اصطفاه الحق لنفسه واصطفاه بحضرة أنسه وأطلع بجناب قدسه ففاز بجميع المقامات والمراتب بلا كلفة المكاسب والمتاعب.

- الجرجاني علي بن محمد الشريف: التعريفات، الدار التونسية، تونس 1971، ص 107. ومباحث الأنوار، م .س، ص 144 .

40. "الحال " مفهوم صوفي المقصود به ما يرد على القلب من غير تعمد ولا اجتلاب ومن مميزاته أنه لا يدوم بل يزول.

41. Brunel, Op-cit, P. 99.

42. Ibid, PP. 100 –101.

43. مصطفى بوشعراء، م.س، ص 29.

44. Brunel, Op-cit, P.101.

45. Ville et Tribus du Maroc: rabat et sa Région, Tome. I .1918, PP 261 – 262

46. حسب ما يحفظه عيساوة في ذاكرتهم فهذا النوع من الحضرة يعود إلى أحد الأتباع، الشريف سيدي عبد الرحمان الطاغي الملقب بـ "الشنتري"، والذي يوجد ضريحه بحي حمام الجديد قرب الجامع الكبير بمكناس وكانت عادة الشنتري هذا الشطح والجدب على إيقاع الطاسة، ومع مرور الوقت انبرى عيساوة إلى تقليده وإعطاء تلك الحضرة اسم: " الشنترية".

47. Brunel, Op-cit, P. 108.

المراجع العربية:

- الفاسي عبد الرحمان بن عبد القادر: ابتهاج القلوب بخير الشيخ أبي المحاسن وشيخه المجدوب، مخطوط بالخزانة العامة، الرباط رقم ك 326.

- عبد الرحمان الفاسي، جواب، مخطوط رقم 2074، الخزانة العامة بالرباط.

- الشفشاوني ابن عسكر: دوحة الناشر لمحاسن من كان بالمغرب من مشايخ القرن العاشر، تحقيق محمد حجي، 1976، الطبعة الثانية، دار المغرب للتأليف والترجمة والنشر سلسلة تراجم 1 الرباط 1976.

- الغزال أحمد بن المهدي: النور الشامل في مناقب فحل الرجال الكامل سيدي محمد بن عيسى، الطبعة الأولى، مطبعة الصدق الخيرية، القاهرة 1348.

- محمد الكانوني بن أحمد العبدي الأسفي: آسفي وما إليه قديما وحديثا، مطبعة المكتبة التجارية الكبرى، مصر 1934.

- الفاسي محمد المهدي : ممتع الأسماع في ذكر الجزولي والتباع ومالهما من الأتباع، تحقيق عبد الحي العمراوي، 1989.

- عبد الرحمان ابن زيدان: إتحاف أعلام الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس، مطابع إيديال، الطبعة الثانية، 1990، الدار البيضاء. الجزء الرابع.

- عبد الرحمان ابن زيدان : الدرر الفاخرة بمآثر الملوك العلويين بفاس الزاهرة، المطبعة الاقتصادية، الرباط 1937م.

- لوطورنو روجيه، فاس قبل الحماية، ترجمة محمد حجي أحمد الأخضر، دار الغرب الإسلامي،1988م، بيروت.

- محمد داوود: تاريخ تطوان، المجلد الثالث، المجلد السابع، المطبعة الملكية الرباط، 1990م.

- القشيري : الرسالة القشيرية في علم التصوف، تحقيق معروف زريق وعلي عبدالمجيد، بيروت، 1990.

- محمد بن المؤقت المراكشي : الرحلة المراكشية أو مرآة المساوئ الوقتية البيضاء، الجزء الرابع.

- الزياني أبو القاسم: الترجمانة الكبرى في أخبار المعمور برا وبحرا، حققه وعلق عليه عبد الكريم

- الفيلالي، دار نشر المعرفة، الرباط، 1991.

- محمد بن يعقوب الولالي: مباحث الأنوار في أخبار بعض الأخيار، دراسة وتحقيق عبد العزيز بوعصاب، الطبعة الأولى،1999.

- محمد سيد كيلاني: مقدمة تحقيق ديوان البوصيري، الباب الحلبي، القاهرة، 1955، ط 1

- الجرجاني علي بن محمد الشريف: التعريفات، الدار التونسية، تونس 1971.

- عباس الجراري: القصيدة، نشر مكتبة الطالب، مطبعة الأمنية، الرباط 1971م.

- محمد حجي: الحركة الفكرية بالمغرب على عهد السعديين، الرباط، 1977 –1978، ج 1.

- محمد حجي: الزاوية الدلائية ودورها الديني والعلمي والسياسي، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء 1988.

- أحمد الوارث: الأولياء والمتصوفة ودورهم الاجتماعي والسياسي في المغرب خلال القرن 17-18، أطروحة دولة في التاريخ مرقونة 1998، كلية الآداب عين الشق، الدار البيضاء. الجزء الأول.

- أحمد الوارث: "تصوف العوام خلال القرنين 17و18، التيار الشرقاوي نموذجا" أعمال الرباطات والزوايا.

- أحمد الغزالي اليحياوي: ملامح التواصل الصوفي بين فاس وكندر والنواحي، مطبعة أبي عبد الله، فاس، الطبعة الأولى، سنة 2000 .

- ابراهيم القادري بوتشيش : "ثقافة الوسطية في التصوف السني بالمغرب"، ضمن كتاب: التصوف السني في تاريخ المغرب، نسق نموذجي للوسطية والاعتدال، تقديم وإشراف إبراهيم القادري بوتشيش، منشورات الزمن، ط 2، 2010.

- إبراهيم حركات، "الحياة الدينية في العهد المريني" مجلة البحث العلمي، عدد 23، سنة 1979.

المراجع الأجنبية:

- Doutté Edmond : Les Aissaouas à Tlemcen, imp . Martin Frères. 1900, 31 pages.

- Monet et ( ED). les Confréries Religieuses de l Islam Marocain, Leur role religieux Est Politique et Sociales, R. histoire des religions , 1902

- Paquignon Paul: "le Mouloud au Maroc, Note sur les Aissaouas et les Hamadcha", Revue, Monde Musulman, 1911. P P: 525-536.

- Prosper (Ricard), "Le mouloud à Fès: la Aissaouas"Revue .France Maroc, mars,1917

- Ville et Tribus du Maroc: Tanger et sa Zone,Tanger, 1921, XII, publié par la direction des affaires indigènes et du service de renseignements.

- Ville et Tribus du Maroc: rabat et sa Région, Tome. I .1918

- Brunel René , Essai sur la Confrérie des Aissaouas, Paris, librairie

- Orientaliste , Paul Genthner , 1926 .

- Essai sur les Origines du Lexique technique de la mystique Musulmane . Paris , 1954

- Drague George: "A propos des Aissaouas" Revue, Afrique Asie, Année 1961.

الصور

- من الكاتب

أعداد المجلة