فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
54

العادات والتقاليد التلمسانية في الأعراس: حمام العروس

العدد 54 - عادات وتقاليد
العادات والتقاليد التلمسانية في الأعراس:  حمام العروس
الجزائر
الجزائر

مقدمة:

يعد الحمام من المرافق الخدماتية التي تميز المدن عن غيرها من الحواضر باعتباره دليلا على تطور النظام المائي بها حسب ابن خلدون «توجد في الأمصار المستحضرة المستبحرة العمران، لما يدعو إليه الترف والغنى من التنعم، ولذلك لا تكون في المدن المتوسطة». علاوة على دوره في توفير النظافة الصحية للأشخاص اتصل بالترفيه والاستجمام والأفراح كحمام الطفل الرضيع الأول وحمام العروس. فهو فضاء عاكس لتقاليد وموروثات المجتمع وخصوصياته منذ العصور القديمة عند الرومان والإغريق الى غاية الفترات الاسلامية المتأخرة، لا بل الى يومنا هذا. ومسلك لفهم المجتمع وعكس تقاليده ومعتقداته الخاصة وقيمه وموروثه الحضاري، فقد خصت العروس التلمسانية عن بقية العرائس بجهازها وثيابها التي تلبسها في كل مناسبة، ومنها يوم الحمام فهو جزء لا يتجزء من مراسم العرس. ذلك ما دفعنا إلى محاولة البحث وفقا لرؤية أثرية لحمام العروسة بتلمسان من عادات وتقاليد ونوعية الألبسة ومواد الزينة والأدوات التي تأخذها العروس لحمامها الأول بعد العرس بيومين، بالإضافة الى المأكولات والمشروبات، ومن هذا المنطلق نطرح عدة إشكاليات والتي تمثلت في: ماهو حمام العروسة؟ ومتى وكيف يقام؟ وماهي الألبسة والأواني التي تأخذها العروسة معها؟ وماهي التقاليد المتوارثة عن حمام العروسة التلمسانية ؟ وماهي الدلالات التاريخية والاجتماعية لحمام العروسة وكيف نصون هذه الممارسات من الاندثار؟

الدلالة التاريخية والإجتماعية

للحمام عند المرأة التلمسانية:

ويعد الحمام أحد المرافق العمومية، التي تلعب دورا إجتماعيا التي توجد في كل حي فهو أحد الفضاءات الضرورية مثله مثل المسجد والمدرسة وغيرها من المرافق الاجتماعية، ما يستقبل النساء والرجال بالتناوب1. وكان للمرأة سابقا ارتباط وثيق بالحمام فهو يشكل بالنسبة لها فرصة ثمينة لممارسة حريتها أولا ولقاء صديقاتها ثانيا، خصوصا في بعض المناطق التي يعتبر فيها خروج المرأة محدودا أو يقتصر على الذهاب للحمام بغية تبادل الحديث حول مستجدات الأسبوع، وقد يتم أيضا الفصل في عدة أمور أساسية، كاختيار الزوجة أو الخطيبة إلى غير ذلك، ويمكن تفسير ذلك في كون المرأة غائبة عن الفضاء العمومي، لهذا فهي تحاول إنتاج فضائها الخاص دون مراقبة أو تدخل الرجل أو المجتمع عموما، ليصبح الحمام بالنسبة للمرأة فضاء لتحقيق الذات. بالإضافة إلى ذلك فهو فضاء للأفراح2.

لوازم العروس في الحمام:

تحمل العروس معها إلى الحمام مجموعة من اللوازم التي تقوم بشرائها وتزيينها. من بينها :

لوازم وأدوات الزينة والعناية بالبشرة الخاصة بالحمام:

1) مستحضرات التجميل:

ولم تتوقف زينتها عند الحلي، وإنما صنعت وصفات خاصة بالجمال، كوصفة تحمير الخدود، التي أطلقـت عليها الغاسول المتمثل في «دقيق الباقلا والكرسنة خمسة أجزاء ومن عروق الزعفران وبورق وحناء من كل واحد ربع جزء، ويغمر بذلك الوجه» يوضع أيضا لتطييب الرائحة وإزالة الكلف والنمش وترطيب الأطراف.

يذكر المقري أصـولها في خمسة أصناف، وهي :العنبر والكافور والمسك والعود والزعفران3.

بالإضافة إلى الحناء في الكفين والكحل في العيون. وتشير بعض النوازل الأخرى أن العروس تقوم بتزيينها المشاطة ليلة الزفاف ومن وسائل التجميل دهان جسدها ووجهها ببعض الطيوب والأصباغ التي تظهر جمالها وكل حسب مقدرته4.

2) الكاسة (المحكة):

وهي عبارة عن قفاز خشن الملمس نوعاما مناسب لعملية الحك التي تقوم بها امرأة بالنسبة للنساء ورجل خاص كذلك بالرجال ويتقاضون مبلغا ماليا مقابل عملهم بلإضافة إلى إكرامية

مقابل العمل الذي يقومون به كعملية «التكياس»5 وهي عملية تتطلب بعض اللحظات التي يمكن القول عنها أنها قوية وجدية، لأنها تسمح بالتخلص من البشرة الميتة، هذه التقنية التقليدية التي تتجلى في حك الجسم أو كل مكان فيه على حدة باستخدام6. كما أن هناك أدوات أخرى كالليف الذي يستعمل للحك به في الحمام7.

ملابس وأواني الاستحمام:

1) فوطة الحمام (الدخول):

ترتدي العروس ما يسمى «بالدخول» وهو ثوب مطرز يستر المرأة من تحت الذراعين إلى غاية الركبة يستعمل خصيصا للدخول إلى الحمام، وهو من الأثواب التقليدية المتوارثة في المنطقة وما يميزه أنه ثوب ساتر ومناسب للاستحمام، كما أنه غاية في الجمال ألوانه الزاهية وتطريزاته الفاخرة التي هي عادة من صنع يدوي تخص بصناعته نسوة تهتم بخياطة وتطريز جهاز العرائس8. ترتديها العروس أثناء الاستحمام، وعادة ما تكون من الحرير أي حريرية ووردية اللون بشرائط ذهبية.

2) فوطة الخروج (البشكير) :

أما فوطة الخروج فتكون من القماش الماص للماء وتكون مطرزة بالدانتيل والمطرزة بعناية بألوان زاهية كالوردي والأزرق السماوي.

3) التنشيفة (المنديل) :

هي قطعة من القماش مستطيلة الشكل، يبلغ طولها2.60 م ويتراوح عرضها ما بين 0.40م و0.50م . تغطي المرأة شعرها بها عند خروجها من الحمّام مباشرة وتجفّفه بها، عندها تنزِعها لتضع البنيقة9.

4) البنيقة:

وهي القطعة التي تضعها العروس على رأسها تغطي بها شعرها المبلل، وغالبا ما تكون بيضاء أو وردية اللون، مزينة بتطريزات متنوعة كغرزة الفل10.

5) الطاسة والمحبس:

سابقا كانت هذه المعدات والأدوات عادة ما تكون من الفضة بالنسبة للأثرياء ومن النحاس لمن هم أقل حظا، وتتكون المجموعة الخاصة بالحمام عادة من دلو مستحضرات العناية باالجسم والشعر11. وهما من أهم لوازم الحمام، فالطاسة إناء صغير مصنوع من النحاس، تستعمله العروس أثناء الاستحمام، إضافة الى استعمالها في تبليل الحنة. والمحبس، هو دلو أو إناء كبير من النحاس، تستعمله العروس في وضع لوازم الحمام بداخله. من صابون، شامبو وحبل. ويغطى بقطعة من الحرير المطرزة بأزهار وزخارف لإضفاء جمالية .

6) مقعد الحمام:

وهو عبارة عن مقعد من الخشب تجلس عليه العروس تدخل غرفة السخون لكي لا تتسخ من أرضية الحمام.

7) القبقاب:

وهو نعل خشبي ترتديه النسوة في الحمام والبيت شاع ارتداؤه في العالم الإسلامي، يصنع من خشب الزيتون يتصل بالقدم بشريط جلدي يشد مشط القدم تنتعله العروس اتقاء البلاط الساخن12.

ملابس العروس التي تلبسها بعد الحمام:

يختلف الزي التقليدي الذي ترتديه كل عروس تلمسانية عند ذهابها إلى الحمام الأول بعد زفافها فكل عروس تلمسانية ترتدي في حفل زفافها مايسمى بالشدّة ، وأهم ما يميـز هـذا الـرداء أنه مصنوع من خيـوط ذهـبيــة وعقـود مـن اللـؤلـؤ، إضـافـة إلـى التـاج الـمـذهــب الـــذي تضعه العـروس علـى رأسـها، وهو حلية ملكية من حلـي الــرأس، يلبسـه الرجـال والنسـاء، وقد ذكر إبن قزمان (554ه/1149م)، أن العروس كانت تلبسه لتتميز عن بقية النسوة والمـدعوين وكأنها ملكة في يوم عرسها13. إلا أنها ترتدي لباسا أقل تكلفا يوم الحمام مثل:

1) القفطان:

يعتبر القفطان من ملابس الأبهة والفخامة في المجتمع انتشر ارتداؤه في الجزائر عن طريق العثمانيين إذ لم يكن معروفا في الجزائر فحسب وإنما انتشر في بلاد المغرب مع العلم أن الأتراك أخذوه عن الفرس وقد لبسه الجنسان معا ولكنهما يختلفان من حيث الطرز والزخارف، ويحتوي على أكمام نصف دائرية قصيرة ومفتوحة لتسهيل الحركة. مفتوح من الأمام لتظهر الملابس الأخرى. يطرّز القفطان بالذهب والفضة في مستوى الكتفين ومن الأمام والأكمام، وهو مزوّد من جهتيه بأزرار كبيرة مصنوعة من الخيوط الذهبية أو الفضية موضوعة للزخرفة فقط ويغلق بزرين موضوعين في مستوى البطن. وبحلول القرن 13 ه/ 19 م تغيرّ شكل القفطان فأصبح طويلاً يصل إلى غاية القدمين14. ويصنع من الحرير والقطيفة وتعتبر القطيفة من المنسوجات الوبرية التي تختلف بوجه عام عن الأنسجة العادية من حيث مظهرها وذلك بوجود بروز وبري الشكل على سطحها نتيجة إضافة خيوط خاصة على سطح المنسوج. لقد تطوّرت طرق نسج القطيفة في مدينة جنوا كما سبق ذكره، حيث يمزج في صنعها خيوط الحرير والقطن والصوف والكتان والقنب والجوت، مع أن هذا الصنف من المنسوجات الحريرية غير الخالصة كان معروفا قديما، إلا أنه عرف انتشارا واسعا مع القرن 10 ه/ 16 م. عرفت القطيفة باسم «المخمل » وقد لقيت ازدهارا كبيرا في مدن الجزائر وشرشال وبرشك، وقد كان صانع القطيفة يسمى القديفاجي15.

2) البلوزة العربية:

وتسمى بالوهرانية ويقصد بها الإقليم الوهراني ويشمل عدة مدن من الغرب الجزائري،هي لباس تقليدي جزائري خاص بمنطقة الغرب الجزائري أو ما يسمى بالقطاع الوهراني، ظهرت في القرن السادس عشر وهي تمثل عراقة وهوية المرأة بالمنطقة مستوحاة من بلوزة سيدي بومدين. وتعد البلوزة الوهرانية من أحب الألبسة لقلب العروس في منطقة الغرب الجزائري إلى جانب الشدة التلمسانية وبلوزة المنسوج، وتكون البلوزة حاضرة في تصديرة العروس والأفراح، أخذ اللباس شهرة واسعة ورواجا كبيرا لدى السيدات حتى انتقل إلى الحدود الغربية للوطن وبالتحديد مدينة وجدة، حيث لا تستغني نساء وجدة عن بلوزة وهران. وهو فستان مرصع بالأرابيسك المذهب والأحجار اللاّمعة وبصدر يكون مفتوحاً إلى غاية الأكتاف والأكمام تكون عادة قصيرة. تطورت البلوزة مع مرور الزمن وتطورّت تصاميم الجزائريات لهذا اللباس التقليدي العريق.

3) جلطيطة :

تنورة تلبس فوق القمجة وتشد عند الخصر بواسطة رباط16.

4) الأحزمة:

تلبس الأحزمة من طرف الجنسين وهي عبارة عن أشرطة عريضة تنتهي بأهداب طويلة متكونة من ضفر خيوط السدى التي تترك حرة بعد عملية النسج تمزج في خيوط الذهب والفضة، بالإضافة الى رقاقات الزركشة المصنوعة من المعدن، كما تصنع الأزمة من الصوف، بحيث تنسج على حبال القنب وتعرف في هذه الحالة بإسم التكة17.

5) الحايك:

إن ما يميز المرأة الجزائرية هو ارتداؤها لذلك اللباس الذي يغطي الجسد من الرأس إلى القدمين في قطعة واحدة تشد بتقنية بسيطة مع مسكها بحبل أو حزام في وسط الجسم، وتختلف تسميته من منطقة إلى أخرى فهو يسمى : الحايك أو الملحفة.

مجوهرات العروسة:

فطرت المرأة محبة للزينة وحب الظهور، ولقيمة الذهب في نظر العالم ولمكانته الممتازة آثرت أن يتخذ منه زينتها وحليها، فاختارت القرط زينة لأذنيها، والسوار حلية لمعصميها، والقلادة ليزدان بها جيدها، ومن الخواتيم طية لأصابعها، وما إلى ذلك من مستلزمات حلي المرأة وزينتها في كل المناسبات وكانت المرأة أكثر اهتماما بالزينة، خاصة ما عرفت به من شغفها بأنواع الحلي، التي تشير إليها المصادر المختلفة، دالة في ذلك على أنه من زينة المرأة18، تبدأ الفتاة التلمسانية التحضير لجهازها بشراء مختلف المستلزمات حيث تحرص العائلات على شراء الحلي الذهبية للطفلة منذ صغرها لتكون جاهزة عند بلوغها سن الزواج، ومن العادات التي لا تزال سائدة في عدة مناطق من تلمسان ما تعلق بالمهور، وخلال فترة الخطوبة يقوم كلا الخطيبـين بتجهيـز نفسـه، مـن جهـة الخطيبـة تقـوم بتحضـير جهازهـا

حيث أن العروسة تقوم بأخذ مجوهراتها معها يوم الحمام لتتباهى بما قدم لها أهلها وأهل زوجها من مجوهرات19.

وقد وردت في دفاتر التركات، أنواع مختلفة لأسماء المصاغ، فوجدت الصرمة مذكورة في 118 حالة، والمقفول في 72 حالة، والونايس في 51 حالة، والمقايس في41 حالة، والمسايس في 27 حالة، والبزايم في 17 حالة، والسلسلة في 16 حالة، والشركة في 13 حالة، والفرد والحسك في 10 حالات والخواتم والمناقش في 09 حالات، والقلادة والزروف والمصوغ في04 حالات، والخلخال في ثلاث حالات والبرمة والمحبوب، وجعبة فضة، والجوهر والوقتية في حالة واحدة20.

وقد ذكر «حمدان خوجة» كيف كانت العائلات ميسورة الحال، تشتري المصاغ وتخصصه فقط لتعيره للعائلات الفقيرة والمحرومة أثناء حفلات زفافها، وهذا تعبير عن الحرص والتضامن بين فئات المجتمع من جهة، وأهمية المصاغ في مثل هاته المناسبات من جهة أخرى. كما أثبتت دراسة عقود الزواج الصادرة من المحكمة الشرعية، وجود الصداق الذي يتضمن أنواعا مختلفة من المصاغ21. وأهم ما يميّز العروس التلمسانية عن غيرها هو ارتداء عدد كبير من المجوهرات الثمينة ونذكر منها:

1) الكرافاش:

وهو حلي جزائرية أصيلة معروفة بالغرب الجزائري بكثرة سميت بعقدة الحب الجزائرية وكانت تستعمل من طرف النساء لرفع أكمام ملابسهن عند القيام بالأعمال المنزلية. يطلق على هذه الحلية في منطقة تلمسان بـ«كرافاش بولحية»، سمي بـ»كرافاش» لأن سلسلته غليظة ومفتولة كالحبل، و»بولحية» نسبة إلى الأهذاب التي تتدلى من القطعة التي تشبك السلسلة، وهي على شكل لحية .وهو جزء هام وضروري لتزيين العروس ولتكملة الشدة التلمسانية22 .

2) المسكية:

عبارة عن حلية ذهبية على شكل إجاصة عليها نقوش، وفي بعض األحيان فصوص تضعها العروس في سلسلة وتتزين بها، كما توضع فوق «الجوهر» المصفف على الصدر عند ارتدائها الشدة23.

3) الخامسة:

كما قد تحمل هذه السلاسل الطويلة أيضا «خامسة» وتكون كبيرة الحجم تستعملها العروس في الشدة، وهي آخر حلية تضعها على صدرها لتكون ظاهرة للعيان، وذلك لدرء العين عنها، وهذا تطبيقا للمقولة الشعبية القائلة: «خمسة في عين بليس»24 .

4) الخرصة:

أو «الونايس»، وهي تتكون من خيوط الجوهر، تتوسطها قطع معدنية، وألوان من العقيق الأحمر والأخضر والأزرق في مقدمتها سلسلة طويلة لتثبت على الشاشية، وفي مؤخرتها خيط أصفر لتشد بين الصدغين، وقد يرجع استعمال هذه الأقراط الكبيرة الطويلة، لإطالة عنق المرأة على أساس أن العنق الطويل دليل الجمال، وهو مقياس من مقاييس الجمال25.

الدماليج: يطلق عليها في تلمسان «الدمالج» أو «المنافخ» هي عبارة عن صفائح سميكة غليظة أحيانا تنقش عليها رسوم هندسية أو نباتية أو حيوانية وتحلى ببعض الفصوص، إلا أن الدماليج تختلف عن الأساور بحيث لا يمكن فتحها أو غلقها ولكن تدخل مباشرة في العضد26.

5) اللويز:

يعود أصله إلى لويس (LOUIS) وهو إسم الملك 19 من ملوك فرنسا أشهرهم . «اللويز» هو الإسم الجاري للعملة النقدية الفرنسية للذهب منذ 1092 . هذا بعد أن قرر لويس الرابع عشر (1012 – 1093م) إصلاح النظام النقدي الفرنسي وقد استعمل كحلي في الكثير من المجوهرات «كالجوهر»، «الدمالج»، «الخواتم» و«الحزازم»27 .

لوشي(ليلة الحناء):

ويجدر الإشارة إلى هذه المحطة بحكم أنها مهمة من مراسيم الزفاف حيث أن العروسة تقوم بالذهاب إلى الحمام قبل عرسها ويكون حمامها الأخير وهي عزباء وتسمى بالتشليل حيث تـذهب العـروس في الصباح إلى حمـام تقليـدي وتأخـذ معهـا بعـض النسـوة وبنــات العائلـة الموجــودات في البيـت ويكــون عـ ددهم مــن 15 إلى 20 إمرأة، تدخل من خلاله الفتاة عالم النساء الناضجات، ويتمثـل هـذا الطقـس في إزالـة شـعر خفيـف المنتشـر في وجه العروس وكـذلك الشـعر الـذي هـو في الشـفة العليـا، وتحـت الإبطـين، وعلـى السـاقين والـذراعين، والعانة. فيكون نزع الشعر هـو انتقـال مـن مرحلـة المراهقـة إلى مرحلـة النضوج . وبعد الخروج من الحمام تذهب إلى بيت أهلها وهنا تبدأ مراسيم اللوشي حيث تظهـر العـروس عاديـة جـدا دون أن تـزين نفسـها، بل ترتدي لباسا عاديا وتغطي شعر رأسها28.

يوم الحمام:

يقوم أهل العروسة والعريس بعزم أقاربهم المقربين للذهاب مع العروسة للحمام الذي يتم كرؤاه خصيصا ليوم معين فيكون تحت تصرف أهل هذه العروس ليخرج المعازيم في موكب خاص تملؤه الزغاريد إلى غاية وصولهم للحمام، وذلك للفت انتباه الناس بوجود عروس متوجهة للحمام29. يقومون بالاستحمام رفقة العروسة، وتحاط بقريباتها وصديقاتها اللاتي يعملن جوا من المرح، الغناء، الرقص والضحك، وسط أنغام خاصة بالطبل والزغاريد ومفعمة بالرقص.‎ ويمرحون سويا، ويقومون بتدليل العروسة، حيث تدخل العروس محاطة بالشموع الملونة وتشعل لها أعواد القماري والبخور لتحصينها من الأرواح الشريرة والعين، مغمورة بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .

تحميم العروس:

وتنتقل العروس بعد ذلك من غرفة تبديل الملابس الى البيت السخونة ثم إلى غرفة مخصصة لها تسمى غرفة العرائس وهي ركن في الغرفة الساخنة من الحمام مخصصة للعرائس اللواتي يأتين للاستحمام، تعتبر بمثابة مقصورة أو خلوة استحدثها المعمار المسلم

لإتمام الطهارة لبقية الجسد وتجنب كشف العورة عند المرأة والرجل، وصارت هذه الخلوات تعرف فيما بعد بـ« بيت العروس» ونجدها في أغلب الحمامات القديمة كحمام سيدي بومدين بتلمسان،30 فتجلس العروسة وسط الغرفة وتقوم إحدى قريباتها بتحميمها وذلك بداية بطلاء الجسم بأكمله بالصابون البلدي ومن بعدها تأتي عملية (التكياس)، هذه التقنية التقليدية التي تتجلى في حك الجسم بأكمله، كل مكان فيه على حده، وهذه التقنية تعد من المراسم الرئيسية للحمام ويستعمل لذلك قفاز خاص يسمى بـ«الكياسة»، وهو عبارة عن كيس صغير يغلف اليد بشكل جيد ويتم اقتناؤه بدقة وانتباه كبريين31 .

الخروج من الحمام:

تخرج العروسة من السخون إلى غرفة تبديل الملابس وسط أنغام و جمل شعرية شعبية متوارثة يتم تداولها من طرف نساء العائلة المتقدمات في السن كعمات العروس وخالاتها، ونفس الشيء يسير على أجواء الزفاف لدى أهل العريس، وعادة ما تتناوب سيدة من أهل العروس على إلقاء أول جملة شعرية شعبية من التقدام، تقابلها الجملة الشعرية المناسبة من قبل سيدة من أهل العريس. وكل هذا وسط زغاريد الحضور.

وضع الحناء:

وبعد الانتهاء من الاستحمام، تذهب العروس الى البيت الباردة لتتزين هناك وتتصدر وسط القاعة مرتدية نوعا من اللباس التقليدي الجزائري. ويبقى جو الفرح متواصلا بالغناء والمرح والتطبيل. لتنتهي الجلسة بربط الحنة التي تخلط عادة بالبيض، كونه رمزا للخصوبة، إضافة الى ماء الزهر، وهو رمز للطف والمودة، وتوضع على يد العروس مرشوقة باللويزة التي ترمز إلى الرفاهية. وتقوم برش العطر على كل الحاضرات معها خصوصا الفتيات العازبات، كرمز للفأل32.

المأكولات والمشروبات:

كانـت صـناعة الحلويـات التقليديـة في الماضـي القريـب حكـرا علـى النساء،33» يقوم أهل العروس بتحضير بعض الحلويات والمشروبات قبل الذهاب الى الحمام لتقدم هناك، غير أن هذه الإكرامية اليوم باتت ترتبط بالوضع المادي للعروس، وغالبا ما تكون هذه الحلويات عبارة عن تشكيلة من الحلويات، أبرزهـا الكعـك، المقـروظ، القريـوش، الصامصـة، كعـب غـزال، غريبيـة بالزيت الذي تقوم العروس بتوزيعه رفقة المشروبات34.

ثم تخرج العروسة من الحمام الى بيت زوجها وهي مغطاة بالحايك من الرأس إلى القدمين لكي لا يتسنى لأحد رؤيتها ولا يكشف وجهها35.

خاتمة:

يعتبر الحمام كالمقهى عند النساء حيث أنه المكان الذي تحظى به المرأة بحريتها وعفويتها، فإلى جانبه فضاء تنظيفي وخدماتي إلا أنه شهد الكثير من المراسم والأفراح التي تعد جزءاً لا يتجزأ من أصالة وهوية المنطقة، وكذلك هو الحال بحمامات مدينة تلمسان ومن ثمة كان ويبقى الحمام بتلمسان الموروث الثقافي والصحي والطهوري، الذي وفر دوما سبل العلاقة الانسانية والجسدية، كما كان دوما عالما للترفيه والفرجة، ومصدرا للالتذاذ وتطوير الذات واستخدام مختلف المواد التقليدية والتجميلية، لصناعة جسد وإلى جانب اعتباره عتبة للمرور من الدنس إلى الطهارة.

الهوامش

1. علال ركوك : فضاء الحمام المغربي – قراءة في بعض الممارسات والطقوس - مجلة الثقافة الشعبية فصلية علمية متخصصة ،البحرين، العدد رقم 16،2011م، ص11 .

2. فاطمة حاج عمر، الصقوس الإحتفالية والرباط الإجتماعي دراسة ميدانية للإحتفالات بمدينة تمليلي طقوس الخطبة والزواج أنموذجا، أطروحة مقدمة لنيل شهادة دكتوراه علوم في علم الإجتماع، 2016/2017م، ص60.

3. المقري أحمد بن محمد التلمساني ، نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، تحقيق إحسان عباس، دار صادر، بيرون، دط، 1986م، ،ص199.

4. أبو العباس أحمد بن يحي التلمساني، الونشريسي (914ه/1508م) : المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوي أهل افريقية و الأندلس والمغرب ، تح : محمد حجي و آخرون، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1987م،ج3 ،ص251،ج9 ،ص181-182.

5. الكياسة: و هي المرأة التي تقوم بعملية تقشير البشرة بواسطة الكاسة، من الصباح حتى فترة بعد الظهرية ، والكياس للرجال وحصتهم من بعد العصر إلى الليل. ويستفيدون من خدماته مقابل دفع مبلغ معين زيادة عن الخدمات الإضافية.

6. فاطمة حاج عمر، المرجع السابق، ص59.

7. مريم لعناني، المرجع السابق، ص135.

8. فاطمة حاج عمر،المرجع السابق، ص61.

9. شريفة طيان ، ملابس المرأة بمدينة الجزائر العثمانية،رسالة لنيل شهادة ماجستير في الآثار الإسلامية،1990/1991م، .ص 200.

10. المرجع نفسه، ص212.

11. فاطمة حاج عمر،المرجع نفسه،ص60.

12. وهيبة بغلي، الاحذية التقليدية الجزائرية، دار الثقافة,ط1, 2008م, ص46,

13.

14. ابن قزمان محمد بن عيسى القرطبي ، ديوان ابن قزمان، دراسة وتحقيـق ف كـورنيطي، المعهـد الإسباني العربي للثقافة، مدريد،دط، 1980م، ص 154 .

15. شريفة طيان، الفنون التطبيقية بالجزائر في العهد العثماني، ، دراسة أثرية فنية، أطروحة لنيل شهادة دكتوراه في الآثار الإسلامية ، ج 1، جامعة الجزائر، 2007 / 2008م ، ص251,

16. المرجع نفسه، ص196-197.

17. شريفة طيان، المرجع السابق، ص46.

18. المرجع نفسه، ص 252,

19. مريامة لعناني، الأسرة الأندلسية في عصر المرابطين والموحدين، مذكرة لنيل شهادة الماجستير تخصص تاريخ وحضارة الأندلس،جامعة منتوري، قسنطينة، 2012، ص109.

20. لبلق أسماء، التحولات الثقافية والرمزية لمراسيم الزواج في الأسرة التلمسانية، رسالة ماجستير في علم الإجتماع الثقافي،2014/2015، ص146.

21. سعد الله أبو القاسم، " دفتر محكمة المدیة الجزائر، أواخر العهد العثماني، من الحیاة الإقتصادیة في الولایات العربیة، جمع وتقدیم عبد الجلیل التمیمي، منشورات مركز الدراسات و البحوث، زغوان ، 1998، ص 141

22. خوجة بن عثمان حمدان، المرآة، تقدیم وتعریب وتحقیق محمد العربي زبیري، الجزائر، 1982 ، ص 51.

23. قدور فريدة، مساهمة الحلي التقليدية في التنمية بتلمسان، مذكرة لنيل شهادة ماجستير في الأنتروبولوجيا، 2011/2012، ص103.

24. المرجع نفسه، ص103.

25. المرجع نفسه،ص103.

26. قدور فريدة، المرجع السابق، ص100.

27. المرجع نفسه، ص 104.

28. قدور فريدة، المرجع السابق، ص102.

29. ص 161.

30. فاطمة حاج عمر، المرجع السابق، ص 59.

31. موساوي عربية سليمة، الحمامات الجزائرية من العهد الإسلامي إلى نهاية العهد العثماني، مذكرة لنيل شهادة ماجستير في الأثار الإسلامية، 1990/1991، ص- ص90،214.

32. فاطمة حاج عمر، المرجع السابق، ص 60.

33. فاطمة حاج عمر، المرجع السابق، ص61.

34. مريامة لعناني، المرجع السابق، ص114ص160

35. مؤلف مجهول، كتاب الطبيخ في المغرب والأندلس، صحيفة معهد الدراسات الإسلامية مدريد،1962م، ص231

36. لبلق أسماء،المرجع السابق، ص163.

الكتب:

- ابن قزمان محمد بن عيسى القرطبي ، ديوان ابن قزمان، دراسة وتحقيـق ف كـورنيطي، المعهـد الإسباني العربي للثقافة، مدريد،دط، 1980م,

- أبو العباس أحمد بن يحي التلمساني، الونشريسي (914ه/1508م) : المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوي أهل افريقية و الأندلس والمغرب، ج3/ج9 ، تح : محمد حجي و آخرون، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1987م,

- خوجة بن عثمان حمدان، المرآة، تقدیم و تعریب و تحقیق محمد العربي زبیري، الجزائر، 1982 م,

- سعد الله أبو القاسم، " دفتر محكمة المدیة الجزائر، أواخر العهد العثماني، من الحیاة الإقتصادیة في الولایات العربیة، جمع وتقدیم عبد الجلیل التمیمي، منشورات مركز الدراسات و البحوث، زغوان، 1998م,

- المقري أحمد بن محمد التلمساني، نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، تحقيق إحسان عباس، دار صادر، بيروت، دط، 1986م،

- مؤلف مجهول، كتاب الطبيخ في المغرب والأندلس، صحيفة معهد الدراسات الإسلامية مدريد،1962م,

- وهيبة بغلي، الاحذية التقليدية الجزائرية، دار الثقافة,ط1, 2008م,

الرسائل الجامعية:

- قدور فريدة، مساهمة الحلي التقليدية في التنمية بتلمسان، مذكرة لنيل شهادة ماجستير في الأنتروبولوجيا، الجزائر، 2011/2012م,

- لبلق أسماء، التحولات الثقافية والرمزية لمراسيم الزواج في الأسرة التلمسانية، رسالة ماجستير في علم الإجتماع الثقافي،2014/2015م,

- موساوي عربية سليمة، الحمامات الجزائرية من العهد الإسلامي إلى نهاية العهد العثماني، مذكرة لنيل شهادة ماجستير في الأثار الإسلامية، الجزائر، 1990/1991م,

- مريامة لعناني، الأسرة الأندلسية في عصر المرابطين والموحدين، مذكرة لنيل شهادة الماجستير تخصص تاريخ وحضارة الأندلس،جامعة منتوري، قسنطينة، 2012,

- شريفة طيان، الفنون التطبيقية بالجزائر في العهد العثماني، ، دراسة أثرية فنية، أطروحة لنيل شهادة دكتوراه في الآثار الإسلامية ، ج 1، جامعة الجزائر، 2007 / 2008م,

- شريفة طيان ، ملابس المرأة بمدينة الجزائر العثمانية،رسالة لنيل شهادة ماجستير في الأثار الإسلامية،1990/1991م,

- فاطمة حاج عمر، الصقوس الإحتفالية والرباط الإجتماعي دراسة ميدانية للإحتفالات بمدينة تمليلي طقوس الخطبة والزواج أنموذجا، أطروحة مقدمة لنيل شهادة دكتوراه علوم في علم الإجتماع، 2016/2017م.

المقالات:

- علال ركوك، فضاء الحمام المغربي – قراءة في بعض الممارسات والطقوس - مجلة الثقافة الشعبية فصلية علمية متخصصة ،البحرين،العدد16، 2011 م،

الصور

- الصور من الكاتبة.

1. https://i.pinimg.com/originals/10/5d/34/105d34b2198a3b5a04fe42557f5ae905.jpg

2. https://cdn.al-ain.com/images/2017/4/17/60-153341-algerian-costume-hayek_700x400.jpeg

3. https://ae01.alicdn.com/kf/H78558ad0fc5e462c84f8fcac08e9b779u.jpg

4. https://modo3.com/thumbs/fit630x300/19658/1592474195/%D8%AA%D9%82%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%B3_%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A7%D8%A6%D8%B1%D9%8A.jpg

أعداد المجلة