فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
53

مهرجان الغربوز ببني خداش ملخّص حول فعاليات الدّورة الثالثة من مهرجان الغربوز ببني خداش ولاية مدنين من الجمهوريّة التّونسيّة

العدد 53 - أصداء
مهرجان الغربوز ببني خداش  ملخّص حول فعاليات الدّورة الثالثة  من مهرجان الغربوز ببني خداش ولاية مدنين من الجمهوريّة التّونسيّة

انعقدت أيّام 27و28و29 أوت2020 فعاليات مهرجان الغربوز ببني خداش متحدّية جائحة الكورونا ومثبّتة تأصّل الإنسان في ثقافة المكان انشدادا إلى شجرة التّين جذرا واستمرارا بثمرة الكرموس فعلا، واستثمارا لمنتج الغربوز تسويقا واعدا بالسّوقين الوطنيّة والعالميّة.

أسّست هذا المهرجان جمعيّة صيانة القصور والمحافظة على التّراث ببني خداش ببحوثها الأكاديميّة ودراساتها الميدانيّة المجمّعة في كتابها «إحياء ثقافة التّين ببني خداش» المنشور سنة2013، مراهنة على تثمين التّراث الغذائيّ بالمنطقة، ورفعت شعارها الاستراتيجي للتنمية المحليّة: فلاحة+ثقافة=سياحة (CULTE+CULTURE+ACCULTURATION)، وتعاونت مع دار الثّقافة ببني خداش وخليّة الإرشاد الفلاحيّ ببني خداش في إحداث مهرجان ثقافيّ فلاحيّ سياحيّ يثمّن هذا التّراث المحلّي المنعقد حول صناعات الغربوز فكانت الدّورة التأسيسيّة سنة2018، وأثمرت دورة فعليّة سنة2019، لتكون هذه الدّورة الثّالثة دورة الانطلاق ومعانقة الآفاق بالإبداع والإمتاع والإشعاع صيف2020.

لقي المهرجان كلّ الدّعم والمساندة من وزارة الشؤون الثّقافيّة بتونس ومن وزارة الفلاحة والصيد البحري ومن مندوبيّة الفلاحة بمدنين ومندوبيّة الشؤون الثّقافيّة بمدنين ومن جامعة السياحة وجهة الظّاهر، ومن ولاية مدنين ومن بلديّة بني خداش، ومن ممثلي المجتمع المدني بكامل معتمديّة بني خداش إلى جانب مساهمين خواص ومثقفين مبدعين، فتعاضدت الجهود ليكون المهرجان عرس التّحدّي للكورونا ولصعوبة الجبال وتقطّع السّبل.

الغربوز كلمة محليّة ذات أصول أمازيغيّة تعني التّين المجفّف وللجماعات الجبليّة بالجنوب التّونسيّ والغرب اللّيبيّ تقاليد وثقافات في تجفيف التّين وتشريحه وعنقدته وتحويله إلى منتجات غذائيّة ذات قيمة بيولوجيّة مميّزة، وفي تصنيع أدوية منه صالحة لمعالجة عدّة أمراض. لذلك اُعتبر الغربوز عنوان ثقافة محليّة موغلة في القديم ورهان تنمية مستقبليّة واعدة في مناويل التّنمية المحليّة المعتمدة بهذه المناطق الدّاخليّة المتاخمة للصّحراء من البلاد التّونسيّة.

احتوى المهرجان عدّة فقرات مميّزة عمودها الفقريّ معرض الغربوز، معرض هبّ لتنشيطه وإثرائه جملة من المنتجين فلاّحي الجسور والمصارف بالمنطقة الجبليّة جنوب شرق تونس فشهد مشاركات من جلّ قرى معتمديّة بني خداش، ومن جوارها الشمالي بكلّ من توجان وزمرتن، ومن جوارها الجنوبي في تطاوين والدويرات وغمراسن. لقد كان عرضا ثريا منوع المنتجات التّصنيعيّة المنعقدة حول الغربوز وعرف تسويقا مهما لهذه المنتجات فخلق ديناميكيّة اقتصاديّة حوّلت بني خداش عروس الجبل.

افتتح المعرض بعروض فنيّة أمّنتها فروع الاتحادات النسائيّة بالمنطقة وزيّنتها زهرات المهرجان بنات حسناوات يحملن عناقيد الغربوز ويروّجن لبضاعته ويعرّفن بجودته في أزياهُن التقليديّة الحاملة لتراث المنطقة والمخزّنة لعادتها. وإلى جانب ذلك قدّمت عارضات الصّناعات التقليديّة آخر ابتكاراتهنّ في صناعات الصّوف والوبر والحلفاء والشّعر فزيّن الفضاء بتحف وإبداعات ومهارات دلّت على ثراء خيال المرأة في هذه المناطق الجبليّة وعلى قدراتها الواعدة في كسب رهانات التنمية الفلاحيّة من خلال الجمع بين الفلاحة والثقافة والسّياحة لتأمين استقرار القرى الجبليّة بهذا الفضاء المميّز خزّان تاريخ تونس:جبل دمّر جبل التّين والزّيتون في جسوره المعمورة، وجبل العلم والدّين في جوامعه المحفورة.

يستمدّ المهرجان قوّته ويكتسب إشعاعه من النّدوة الفكريّة الّتي ترسم له سبل التّطوير، وتصنع الآفاق وتستشرف التّثمير، وتناقش مناويل التّنمية المقترحة وسبل تحقيقها. ندوة هذه الدّورة كانت تحت عنوان «الغربوز رهان التنمية بالمناطق الجبليّة» وقد سمّيت باسم المهندس فقيد المهرجان ومؤسّسه المرحوم عبد الرؤوف الحسايني، تداول فيها على الكلمة جملة من باحثي المعهد الوطني للتّراث بتونس ومعهد المناطق القاحلة بمدنين والجامعة التّونسيّة وباحثي مشروع التنمية الزراعيّة والرّعويّة بمدنين(PRODEFIL)

كان حضور كلّ من السيّد الدكتور عماد بن صولة، والسيّد المهندس العام ووزير الفلاحة السابق سعد الصدّيق حضورا مميّزا وموجّها لنتائج النّدوة نحو تفعيل محورين مهمّين لتثمين الغربوز: تسجيل الغربوز ضمن القائمة الدّوليّة للتّراث العلمي غير المادّي، وترسيخ مشاريع تنمية زراعيّة موجّهة نحو تشغيل المرأة الرّيفيّة في غراسة التّين وتصنيع الغربوز بتمويل من المانحين الدّوليين. لقد مثّلت النّدوة الفكريّة مجالا مهما لبلورة الرّؤى التنمويّة، ولرسم الخطط التّنمويّة وكان تكريم جملة من الفاعلين في الحقل الفلاحيّ فيها منارة أخرى لتشجيع الشّباب على عزق الأرض وغرس التّين لتثمير الغربوز.

تميّز المهرجان هذه السّنة بتنظيم ورشات تكوينيّة في الاقتصاد التضامني ورشات أمنها المنشّط عبد العزيز البارودي سليل المنطقة ومنبع فخرها وقد فتحت آفاق الشباب المستفيد منها على بناء مشاريع تنمويّة بكلفة منخفضة ضمن استراتيجيا تنموية محليّة واعدة.

احتوى المهرجان سهرات فنيّة تراثيّة وطنيّة ومحليّة من أهمّها سهرة الزمالة حمّالة تراث مدينة القيروان من تنشيط فرقة عبد اللطيف الغزّي وسهرة البمبر من تراث جزيرة جربة ينشّطها توفيق الجبالي، إلى جانب سهرات فنيّة لفرق محليّة مثل فرقة مقام للموسيقى بقيادة الفنان الشّاب شفيق المحمدي. كانت السهرات فرصة الفرح والمرح في أجواء من السّحر واللّحن وأصداء للوتر في عالم الغربوز

نجمة السّهرات السّهرة الشّعريّة من تنشيط الإعلاميّة عفاف البرهومي ومن تنظيم الشّاعر فرحات السّعداوي سهرة كرّمت راعي الشعراء الإعلاميّ الجنيدي الجامعي، وعرّفت بالفنّانة الواعدة ندى البارودي ابنة المنطقة وحاملة حملها التنموي في صوتها الشجيّ، وقد سبقتها أمسية شعريّة ترحّمت على روح فقيد الشعر الشّعبيّ بالبلاد التّونسيّة الشّاعر مبروك الحمدي أصيل بني خداش وصوتها الصدّاح حتّى نهاية القرن الفارط. لقد كان الشّعر حاضرا بقوّة القافية ورونق الصّورة للوفاء والذّكرى وللطرب والانتشاء فزاد المهرجان إشعاعا وإمتاعا.

احتوى المهرجان كعادته مسابقات في أحسن حقل منتج للتّين وأحسن منتوج مصنّع للغربوز وقد نال جائزة أحسن حقل الفلاّح ضو الحمروني، ونالت شركة البركة للخدمات الفلاحيّة ميداليّة أحسن منتوج تصنيعيّ للغربوز. هذه المسابقات ربطت بينها رحلة سياحيّة بين قصور الخزن في بني خداش كانت فرصة لتقديم عروض تقليديّة في الفروسيّة وتصنيع الحلفاء والغناء الشّعبيّ وعروض الأزياء فنشطت القرى والطرقات احتفالا بعرس الغربوز. ولمن شاء أن يستمتع أكثر فليزر هذا الموقع برابطه التّالي:

- https://www.facebook.com/festival.el.gharabouz2019bkh

تنوّعت أنشطة المهرجان وحقّقت إشعاعها بفضل جهود شباب المنطقة من المصوّرين والمدوّنين والمتعاونين من فتيات الجمعيّة والساهرين على تفعيل أنشطة المجلس المحلّي للأمن ببني خداش جملة من المتطوّعين الغيورين على الغربوز والمفتخرين بهذه الخصوصيّة التنمويّة الواعدة، وبفضل عمل هيأة المهرجان طيلة ثلاثة أشهر في الإعداد والاستعداد...

مهرجان الغربوز بهم جميعا فتيات وفتيانا رهان بقاء واستمرار وعنوان تأصّل واستثمار تلتقي فيه سياحة ثقافيّة واعدة وفلاحة بيولوجيّة رائدة وثقافة كونيّة واعية تستثمر التّثاقف البنّاء في تحقيق مقاربة تنمويّة محليّة ميّزت جبل دمّر عبر تاريخه الطّويل: جبل يشرف على العالم بعلمائه فيشاركه الأتراح بتخفيفها، عندما ينشر الأفراح ويبشّر بالآمال زمن الأسى والإهمال متحدّيا جائحة الكورونا بجامحة الغربوز.

 

الصور

الصور من الكاتب.

 

أعداد المجلة