فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
50

تَشَكُّل الضُّروب وآليَّاته عند المَدَّاحين المصريين

العدد 50 - موسيقى وأداء حركي
تَشَكُّل الضُّروب وآليَّاته عند المَدَّاحين المصريين
كاتب من مصر

ثَمَّ قول بديهي- في عمليَّات الأداء وتشَكُّلاتها - مفادُه: أن الإيقاع في الموسيقا هو الأصل قبل أن تتشَكَّل الهياكل اللحنيَّة وتتعدد موضاعاتها وأن هذه الهياكل اللحنية (والتي كانت صناعتها - عبر التاريخ- تخضع لمراحل تطور مختلفة) لم يتوافق فيها النَّغَم، وتستقيم مساراته، وتنتظم؛ إلَّاوفق بنية زمنية خاصة لايوفرها سوى الإيقاع.

ومن الطبيعي – ومدخلنا فولكلوري في هذا المقام – أن يكون مقصدنا المباشر البحث عن إجابة مقبولة لتلك التساؤلات التي راحت تنشأ في شأن دور الإيقاع في بناء الأشكال الموسيقية، مقابل الدور الذي تلعبه التوافقات النغمية بتراكيبها المتنوعة، وما إذا كان هذا الدور الإيقاعي قد تراجع أو انتقص من ميزة تفرده كبنية «زمنية تنظيميَّة»؟. ولذلك يكون من الطبيعي أيضًا أن ينصب اهتمامنا– في هذا المقام – على النشاط الموسيقي في دائرة الثقافة الشعبية، حيث مايزال هذا النشاط يضم العديد من العمليات الموسيقية التي ترتكز على قواعد فنية، ومواضعات اجتماعية من شأنها كشف الكثير من الغوامض المتعلقة بالإيقاع ومفاهيمه. ففي هذه الدائرة مايزال الأساس – في بنية الأعمال الموسيقية – ينشأ على ما يمكن تسميته بـ «المُقوِّم الإيقاعي» بتراكيبه المختلفة، وبضروبه المتنوعة1، ليس على مستوى الانتاج الموسيقي المرتبط بالأحداث والوقائع الاجتماعية عند عامة الناس فحسب؛ وإنما على مستوي الأعمال الموسيقية المرتبطة بالموسيقيين المحترفين وخاصة الذين توافرت لديهم الإمكانات الفنية من خبرة في الأداء، ومن تعدد في الأدوات، وتنوَّع في الآليات.

في هذه الدائرة من الاحتراف، والتخصص الموسيقي المتميز بَرَزَت فئة من المغنين حظيت بتوافر هذه الميزات وارتبط إبداعها الموسيقي بالمقوم الإيقاعي ارتباطا وثيقًا ومتميزًا، فضلا عن أنها (في مجال الابداع الموسيقي بصفة عامة) راحت تتبوَّأ- وباقتدار- قائمة الموسيقيين الذين اتخذوا من ممارسة الأداء الموسيقي التقليدي حرفة يتعيشون منها؛ تلك كانت فئة المداحين.

مدَّاحون من جنوب مصر
(مجموعة جيوفاني كانوفا)
والمدَّاحون؛ فئة من المغنين تنتمي إلى عوائل غجرية تعيش في مصر. وهي – من الناحية الفنية- تركت ميراثًا من الغناء القصصي عُرف باسم «قصص المدَّاحين»، نسبة إلى التسمية التي ظلت تُطلق على مؤدي هذا الصنف من الغناء وهم «المدَّاحون» أو «مدَّاحو الطَّار».

والمدَّاحون ليسوا جميعًا رجالًا، فمن بينهم عدد كبير من النساء راح يَبْرُز خلال العقود الماضية ويتصدر مجالات الأداء عند هذه الفئة من المغنين، بينما راح عدد المدَّاحين الرجال يتناقص في الحياة الفنية الشعبية، وبات من المعروف أن حِرْفة المديح إنما تُنْسب للنساء أيضا كما تنسب للرجال سواء بسواء .

والمدَّاحون، مغنون متجولون، يجوبون الأسواق، وينشدون على نواصي الحواري وعلى أبواب الدور طلبًا للعطايا. وبالرغم من أن قصص المدائح (أو الغناء القصصي) يقوم على الأداء الفردي والتوقيع على الدُّف في آن؛ فإن المَدَّاحة، أو المدَّاح غالبًا ما يصطحبا معهما نفرًا من الرجال أو النساء للضرب على الدُّف ولترديد أجزاء من المقاطع المُغَنَّاة، وقد يتبادل المصاحبون - مع المَدَّاحة، أو المدَّاح - الأداء أو يتداخلون بصوتهم مع صوتهما في كثير من مقاطع الغناء.
أما قصص المديح فقد شاعت منه طائفة كبيرة منها: « قصة أيُّوب وقصة فَاطمة بنْت برِّي، وقصة الخِتَام (أوالخَاتم)، وقصة سَعْد اليَتيم، وقصة السِّطيحَة، وقصة سَارَة والخليل إسماعيل، وقصة عَالْيَه الْعُقَيْلِيَّة، وقصة قَميص النَّبي، وقصة خَضْرَة الشَّرِيفَة، وقصة السَّيِّد أحمد البَدَوي»، وغيرها.

وثَمَّ علاقة بين المَدَّاحين وبعض شُعَراء السيِّرَة الهلالية، لا تقوم فقط على الصلة العرقية التي تربطهما ببعضهما البعض، وإنما تقوم على صلات فنية أيضًا، فإذا ما استثنينا حالات التدهور التي آل إليها المأثور الغنائي الذي عرفناه عند المغنِّين الشعبيين التقليديين، (والتي اختلطت فيها الأشكال وتكَسَّرَت، فضلًا عن تداخل بعضها مع بعضه البعض)، وإذا ما استثنينا أيضًا ما تشهده الحياة الفنية المعاصرة من تحرر واضح من تقاليد الأداء القديمة - إذا ما استثنينا هذا وذاك - نجد أن الصلات الفنية التي ربطت بين المدَّاحين وبعض شعَراء السِّيرَة، قامت في الأصل وفق مواضعات اجتماعية وضرورات فنية، فالموسيقيون الغَجَر يتواجدون في شكل أُسَر وعوائل تربطهم ببعضهم البعض صلة دَم ونسب، وفى ظل هذه الصلة تشكلت الْفرَق ومجاميع الغناء والعَزْف على الآلات الموسيقية، ولا مكان لغريب يمكن للغَجَر الاستعانة به في عملهم الموسيقي، ومن ثَم انغلقت دائرة الصُّحْبة الفنية على الغَجَر، وهذا ما يُبَرر استعانة بعض شعَراء السِيرَة بالْمَدَّاح لكي يسانده بالتوقيع على الدُّف، وربما بترديد بعض مقاطع السِّيَرة أيضًا. وبخلاف ذلك يستعين المَدَّاح بهذا الشَّاعر لكي يسانده بالعزف على الرَّبَابَة، وربما يقوم بجانب ذلك بترديد بعض مقاطع المديح. ووفق هذه الصُّحْبَة تداخلت أساليب الأداء الخاصة بالْمَدَّاح مع أساليب أداء هؤلاء الشُّعَراء، أو بالأحرى مع البعض منهم2.

في هذا الإطار الفني تشرب الموسيقيون الغَجَر فنون بعضهم البعض، وعلى الرغم من أن التَّوفُّر على قدر من التخصص الغنائي ظل مرهونًا بالإمكانات الفردية وبمدى ما يتحصل عليه هذا الفرد أو ذاك من محفوظ غنائي من ناحية، وبمدى ما يُظْهر من نجاحات وبراعات في المحفوظ الغنائي الذي راح يجربه ويؤديه أمام الناس من ناحية ثانية؛ فإن ثَمَّ تداخلًا قديمًا. بين تخصصات الغناء عند المؤدين الجوالين. راح يَظْهَر فيما ينشده المدَّاحون وبعض شعَراء السِّيرَة من موضوعات بعينها، فبالإضافة إلى تشابه المقدمات واللزمات الشِّعْرية التي يستهل بها هؤلاء المغنون غناءهم؛ هناك موضوعات غنائية مشتركة تدخل في محفوظ كل من المَدَّاح وبعض الشُّعَراء وتأتي في إنشادهم، فبعض الشُّعَراء ينشدون من قصص المدَّاحين قصة أَيُّوب وقصة مَامُونة وقصة قَميص النبَّي وغيرها. كما ينشد المدَّاحون بعضًا من أحداث سيرَة بَني هلال، وأكثر أجزاء السِّيرَة رواجًا في غناء المدَّاحين تلك التي تعرض لقصة أبي زيد الهلالي وعَالْيَة الْعُقَيْلِيَّة. وبجانب ذلك هناك وحْدَة في النُّظُم الإيقاعية التي يقوم عليها الأداء في السِّيرَة عند بعض الشُّعَراء وفي المدائح لاسيما وأن هناك طائفة من مؤديى السِّيرَة لا يستخدمون - في غنائهم - سوى «الدُّف» بكل ما يدور في نطاقه من استخدامات إيقاعية مشتركة بينهم والمدَّاحين وخاصة من حيث الشكل وطريقة التوقيع وأساليبه.

ومع تعدد الخصائص الفنية التي ربطت مُغَنِّي المدَائح بجانب من أساليب أداء السِّيرَة، (وخاصة السِّيرَة الهلالية)؛ بَرَزَت صفات مشتركة في الشكل عند كل من الفئتين وخاصة في الحالات التي يلجأ فيها المدَّاحون وبعض شعَراء السِّيرَة إلى الاعتماد على عناصر فنية بعينها ولاسيما في الغناء الذي يتخلله بعض السَّرْد والتعبير بالحركة الجسدية وبالإشارات والإيماءات وما شابه
لكن الإيقاع ظل – عند المداحين ومغني القصص الطويل- يمثل القاعدة النظرية والتطبيقية لبناء إبداعاتهم الموسيقية، لا لوزن الألحان، والتحكم في انتظام مساراتها فحسب، وإنَّما كنبض وازِن لرسم مساراتها، وتحديد مقدار الزَّمَن ونسبته بين كل نغمة وأخرى3. وتنسحب هذه المواضعة الفنية بوضوح على غناء المداحين.

من هنا لزَم الوقوف على الكيفية التي يجري بها تشكيل الإيقاع عند هذه الفئة من المغنين، وفهم آلية العمليات الفنية الخاصة التي يلجئون إليها في تشكيل الضروب وفي تطويعها. كما لزَمَ أيضًا التعرُّف (على نحو حتمي) على الأدوات والوسائل الإيقاعية التي يستخدمونها في التوقيع، والتعرف على الطرق والأساليب المتعددة التي يطيعون بها هذه الأدوات .

لقد تبين – من متابعة الأداء الحي لغناء المداحين – أن الغالبية العظمى منهم لاتستطيع تجسيد الإيقاع بالمفهوم الذي تقدم، إلَّا بأداتين أساسيتين هما: «الدُّف» (بأحجامه المتباينة) و«التصفيق بالأكف». أمَّا عن الأسباب الفنية والثقافية التي جمعت بين المداحين وهاتين الأداتين وحملتهم على التمسك بهما دون سائر الأدوات والوسائل الإيقاعية الأخرى؛ فيمكك التدرج في توضيحها على النحو التالي:

الدُّف/ الدَّف / الطَّار/ الرِّق4:
تأتي أهمية الدُّف، أو الطَّار (عند المدَّاحين)؛ من أنه آلة التوقيع الوحيدة التي يستعينون بها في أغانيهم القصصية، ولم يحدث أن استبدلوها بآلة إيقاعية أخرى إلَّا مانَدر5. ويبدو أن ارتباط الدُّف بغناء المداحين لم يتأسس في الأصل على مبدأ اختيار الآلة الموسيقية المناسبة لمصاحبة نمط غنائي بعينه6، خاصة وأن هذا المبدأ ينسحب على الآلات المُنَغِّمَة (التي تصدر ألحانًا) أكثر مما ينسحب على آلات النقر والتوقيع، ولذا يكون من الجائز إحالة هذا الارتباط إلى الأسباب نفسها التي جمعت بين الدُّف والعديد من الأنشطة الموسيقية التي تتطلب إحداث نقرات وضربات إيقاعية واضحة النَّبر. على أن استخدام الدف لإظهار نوع الضرب وتشكُّلاته لابد وأن يكون قد مَرَّ بمراحل فنية ساهمت في بلورة طرق الأداء وأساليبه على النحو الذي ميَّز كل طريقة وأعطى لها خصوصيتها7. كما لايوجد لدينا تفسير للتميز الذي اختص به ارتباط الدُّف بالمدَّاحين الغَجَر سوى أن يكون هذا الارتباط قد سار منذ مراحل قديمة في الاتجاه الذي اقتضته تقاليد العمليات الغنائية كل وفق تمايزها النوعي، ووفق تنوع فئات المؤدين وانتماءاتهم الفنية. والمعروف أن تشكيل الضروب المصاحبة للغناء يقصد به ضبط الوزن وتنظيم الضربات، لكن استخدام الموسيقيين الغَجَر الدُّف في غنائهم المعاصر راح ينطوي على وظائف فنية تجاوزت - في أحوال كثيرة - تلك القاعدة الأولية خاصة وأن الدُّف عند الغَجَر المصريين ارتبط - في أكثر استخداماته - بغناء الروايات القصصية الطويلة، ولا يُعرف على وجه التحديد كيف ارتبط استخدام الدُّف بهذا الصنف من الغناء، خاصة وأن هذا الارتباط يبدو أنه لم يتأسس في الأصل على المبدأ القائل: أن لكل غناء آلاته وأدواته، ولذا يكون من الجائز (وكما أوضحنا) إحالة سبب هذا الارتباط إلى العوامل التي جمعت بين الدُّف والأنشطة الموسيقية التي تتطلب تشكيل الضروب لضبط الوزن وما شابه.

واستخدام الدف لدي المدَّاحين (وكما ذكرنا) يتجاوز في كثير من الحالات مجرد كونه أداة لتشكيل الضروب ولوزْن الألحان ذلك أنه يتحول (في الغناء القصصي) إلى عنصر من عناصر العَرْض الغنائي، على أن الأمر يتطلب أولًا البحث في العلاقة بين أساليب التوقيع على الدف، والعوامل التي تهيئ للمغنِّي إظهار هذه الأساليب، ويُقصَد بذلك الإشارة إلى التركيب المادي (الفيزيائي) للدف، وطريقة حَمْله، وإمكاناته الصوتية.

لا يتقبل مُغَنِّيُ الدُّف ضربات أو نقرات إيقاعية ذات جَرْس صوتي يكون مخالفًا للجَرس الذي اعتادوا على صدوره من الدُّف،وحينما يفصح مغنيُّ القصص عن السبب الذي يحملهم على التمسك بهذه الأداة في صحبة الغناء وخاصة غناء القصص الطويل (كالسِّيرَة الهلالية على سبيل المثال)، يقول: «ان لقصة الهلايل طريقة وأصول»، والدُّف – وفق هذا المعنى - يساعد في تحقيق هذه الطريقة لدي المغنين، ويؤدي استخدامه إلى دَعْم هذه الأصول، وتوضيح خصائصها، على أن هذا القول يضيف - في الوقت نفسه - بُعدًا آخر للمَعْنَى الذي تنطوي عليه عملية التوقيع على الدُّف، ويتمثل هذا البُعد في الجَرس الصوتي العام الناتج عن المزاوجة الصوتية (أي الطاقة الناتجة عن دمج صوت المغني مع صوت الضربات والنقرات الإيقاعية)8 فلصوت الدُّف رنين مميز، خاص يجده المغني متآلفًا مع صوته، يحسه ويقدر أهميته، وقد حاول أحد رواة السِّيرَة تفسير هذا المعنَى بقوله: «وأنا بَقُول في أبو زيد لازِم الدُّف ِيِزْخِمْ يَمّ رِاسِي (أي بالقرب من أُذنه) وفي سياق آخر يقول «يدْوي يَمِّ رَاسي» ويأتي هذا القول ليؤكد المَعْنَى نفسه الذي أشار إليه العديد من المغنين المداحين الذين يستخدمون الدُّف.

ومُغَنِّي الدُّف (وخاصة الشعراء منهم) يرفض صوت «الدَّرَبِكَّة» ويرفض صوت الدُّف المزود بالصنوج (المزهر) لأنهما ينأيان به عمَّا يألفه من رنين و«يِتْكَلْبِشْ» (يتقيد) إذا صاحبته الربابة وإذا اضطر لذلك ترك أنغامها وراح يشق لنفسه طريقًا مغايرًا من النغمات التي يرسم مساراتها على النحو الذي يتآلف مع طبقة صوته، ومع توقيعاته من النقرات. ويقول أحد شُعراء السِّيرَة الذي ينشد أشعارها على الدُّف: إنه دائمًا ما يُوجد فارق بين الطريقتين في المصاحبة الآلية (على الرَّبَابَة وعلى الدُّف) حيث يختل الأداء إذا ما أنشد الواحد منهما بغير طريقته. ويذكر أحد شعراء السِّيرَة الذين ينشدونها على الرَّبابة (فــــي صعيد مصر): أن ثم فارقا كبيرًا بين أنشاد السِّيرَة على الربابة، وإنشادها بصحبة نقرات الدُّف وحده «لا أنا اعرَف أقول بطريقة الدُّف ولا شاعر الدُّف يقدر يقول بطريقتي، ولَمَّ اشتغل معاه بالربابة أقول لُه «الأنين دا» (يعزف على ربابته درجة صوتية واحدة ممدودة) وهُوَّ بقى يقول زيّ مايقول، ولَمَّا يِفْرِق عن الأنين (يبتعد) أضْبُط على صوته وامشِي وراه، وزَيْ ما يقول أقول وهو ما بيثبَتْشي على أنين واحد أبدًا (أي أنه لايثبت على طبقة صوتية واحدة مستقرة)».

والمدَّاح هو الذي يقوم بتصنيع الدف بنفسه، وإعداده للعمل، ومن ثَمَّ يتاح له مراعاة مواصفاة الإعداد الذي يُوَفِّر له الإمكانات الصوتية المطلوبة، والتي تتفق ومساعيه الفنية، كأن يكون الدف متسعًا قليلًا، أو ضيقًا بعض الشيئ، أو حادًا لامع الصوت، أو بصوت غليظ، أو بصوت يقع بين هذا وذاك .

ومهما اختلفت هذه المواصفات، أو تفاوتت من مغن إلى مغن آخر ؛ فإن الرواة المداحين يجمعون على أن مدَّاح الدُّف لايستطيع الغناء بدون الدُّف، وهو جعل بعضهم يذهب بالقول الى «أن موضوعات غنائهم القصصي وتفاصيل رواياتهم الغنائية إنما تخرج من مخاين الدُّف»9.

والدف يتخذ شكل إطار مجهز من الخشب الرقيق، شُدَّ على أحد أوجهه رقُّ من جلد الماعز10، يحمله المغني مُرَكِّزًا إيَّاه على راحة يده اليسرى في وضع رأسي قابضًا عليه بالإبهام، ويضرب عليه بكل راحة اليَد اليمني وأصابع اليَد اليسرى فيصدر عن ذلك ضربات ونقرات ذات أصوات متباينة في حدتها وغلظتها، ويمكن تمييز خطين أساسيين من هذه الأصوات بالرجوع إلى إلى العوامل المسببة لحدوثهما: فأصابع اليد اليسرى لاتنقر الرق الجلدي إلَّا في الموضع المتاخم للإطار الخشبي، وهو الموضع الذي تزداد فيه قوة شَد الرق الجلدي (بالقياس إلى قوة الشَّد الواقعة على بقية أجزاء الرق الجلدي)، وبطبيعة الحال كلما زادت قوة الشَّد زاد عدد الاهتزازات، ومن ثَمَّ يكون الصوت الصادر عن الضرب في هذا الموضع أكثر حِدَّة من الصوت الذي يحصل عليه بالضرب بأصابع اليد اليمنى على بقية سطح الرِّق الجلدي .

يوقع المغني على الدف بالنَّقْر على الرِّق بأصابع اليَد، أو بالضرب عليه براحة اليَد، أو بكليهما معًا بأعداد متوالية كثيرة الزخارف والحشوات الصوتية، تنتظم جميعها في وزن رباعي، أو ثنائي بسيط .

التصفيق بالأكُف:
عند تتبع العمليات الإيقاعية التي تجري بالتصفيق بالأكف لوحظ أنها لاتحدث إلَّا في نطاق الأنشطة الموسيقية التي يسمح بناؤها الإيقاعي بمسايرة التشديدات الإيقاعية، أو تأكيدها على نحو منتظم . كما لوحظ أن تلك العمليات ترتبط في أغلب الأحوال بما يعرف بالمشاركة الموسيقية الجماعية . ففي هذا الإطار ينتظم التصفيق وفق تشكيلات عديدة، منها ماهو أحادي المسار11، ومنها ماهو متعدد المسار12.وبالرغم من تعدد الأشكال الإيقاعيىة – التي تجري بالتصفيق – فقد لوحظ أنها تنطلق جميعًا من قاعدة واحدة أساسية، تتمثل في أن للتصفيق ضربة واحدة مشتركة تبرز كمبدأ إيقاعي منظِّم تستند عليه عملية الأداء، ولا يُعرَف للتصفيق – في إطار المشاركة الجماعية – نظام آخر يخرج عن دائرة هذه القاعدة .

التصفيق الخالص ( بدون مصاحبة آلية ):
من المعتاد ألَّا يحدث هذا التصفيق إلِّا بعدما يكون المدَّاح قد قطع شوطًا في الغناء يكفل له، ولمستمعيه، التَّكيُّف مع خطة وزْنيَّة عامة تحتوي الشعور بسرعة الأداء، وتستوعب نُظم الوقفات والاستهلالات..إلخ . ولذا تتضاءل أهمية الدور الإيقاعي الذي يلعبه التصفيق في هذه الحالة، فيأتي وكأنه يُذَكِّر بأن الأداء ما يزال في طور الغناء، وهو دور ثانوي إذا ما قيس بأهمية الدور الذي يبرز للتصفيق حينما يُستخدم للإثارة والتنبيه، وهو مقصد واضح منذ اللحظة التي يُلقي فيها المغَنِّي بالدُّف جانبًا ليبدأ بالتصفيق، وهي اللحظة نفسها التي يرتفع فيها صوت المغَنِّي تدريجيًّا وتزداد فيها سرعة الأداء مع وقوف المغنِّي على قدميه، وهو (عند المداحين وعند بعض شُعراء السِّيرَة القدامى) شكل من أشكال الأداء المروري من مقطع غنائي إلى مقطع غنائي آخر.

والتصفيق ليس منتظم الضربات دائمًا، فحينما ينتقل المغني بالتوقيع على الدُّف إلى التصفيق ؛ فإنه ينتقل من الحالة الغنائية التي تكثر فيها الألحان إلى حالة يسيطر عليها ما يُعرف بـ «الإلقاء المرنم» (ريسيتاتيف) وهي حالة الأداء التي تسمح بجنوح نبرات الصوت خفضًا أو رفعًا، كما تسمح أيضًا بدفعه إلى أي مسلك من مسالك توظيف الصوت البشري لأغراض فنية مختلفة13. وفي إطار هذا الأداء قد يتوقف التصفيق مرات عدة ,خاصة عندما يلجأ المغني إلى التلويح بيديه في حمية الوصف ليعبر عن موقف في القصة المُغَنَّاة، أو أن يصور حدثا من أحداثها14 . ويستمر الأداء بالتصفيق على هذا النحو، يتشكل بين معطيات الأداء الموسيقي ومتطلبات التغيير في طريقة الأداء .

التصفيق مع الضرب على الدُّف :
كان المدَّاح – وحتى وقت قريب- يلجأ إلى إحداث الضرب بطريقة مميزة تعود إلى تقاليد غنائة قديمة، ففي الحالات القليلة التي بقيت حتى مطلع السبعينات من القرن الفائت، (والتى كان المداحون يعمدون فيها الى التوقيع بهذه الطريقة)؛ كان المغني يجلس متربعًا واضعًا الدُّف بين فخذيه (بحيث تكون واجهة الرِّق الجلدي إلى أعلَى) ثم يضرب عليه بكف يمناه ضربات ثقيلة ( في مواضع النبرات الثقيلة « دُم» ) تتعاقب بفواصل ثابتة. وفي موضع كل فاصلة من هذه الفواصل يصفق المغني بكفيه تصفيقة واحدة (تتكرر في مواضع النبرات الخفيفة «تِك») ومن تعاقب الضربات الثقيلة والتصفيقات الخفيفة يتخلَّق الشكل الإيقاعي لهذا التوقيع. وعندما يريد المغني أن يتحوَّل بالتوقيع من هذا الضرب إلى أي ضرب آخر تراه يُمسك بالدف في الوضع الشائع المعتاد، أي مرتكزًا على راحة اليد اليسرى .

وقد يصطحب المدَّاح فردًا آخرا يقوم بالتوقيع بهذه الطريقة، وفي هذه الحالة لاينشغل المدَّاح – عادة- بمهمة إحداث الضربات الأساسية (النبرة الثقيلة والنبرة الخفيفة) لأن صاحبه سوف يضطلع بها، ومن ثم ينصرف المداح إلى النَّقْر بأنامله على الرِّق الجلدي مرتجلًا (على الوَزْن نفسه) العديد من الحليات والزخارف المختلفة . ونتيجة لذلك يتداخل معًا كل من الخطين الإيقاعيين الصادرين عن دُفّ المدَّاح ودُفّ صاحبه فيشكلان الضرْب الذي تميزت به هذه الطريقة في الأداء .

ويستخلص من أحاديث الرُّواة أن التوقيع بهذه الطريقة يجمع بين ضربين أساسيين لا يستغني عنهما المدَّاح، أحدهما يُعرف باسم «الفَرْد» أو «الفرْدي»15 يجمع فيه المؤدي بين الضرب على الدُّف والتصفيق معًا، بينما يُعْرَف الضرب الثاني باسم «الجوز» وهو الذي يصدر عن الضرب على الدُّف وحدُه.

ويسمى الضَّرب «فَرْد» أو «مفْرد» لأنه لا يظهر سوى الضربات الأساسية (الشديدة ْوالخفيفة) بينما يعتمد «الْجُوز» على الجمع بين تلك الضربات والحشوات الإيقاعية ( من زخارف وحليات ) في تشكيل واحد. وعلى الرغم من أن هذا التفسير يؤكد مع الشواهد الميدانية المتبقية. أن ضرب الْفَرْد يمكن أن يؤدى بالدُّف فقط؛ فإنه لا يوجد مع ذلك سبب فني واضح يحمل المؤدي على توقيع «الْفَرْد» بالدُّف والصَّفْق معاً سوى أن هذه الطريقة في التوقيع تنشئ خطًا إيقاعيًّا منتظمًا يتعاقب فيه صوتان متمايزان من ناحية اللون.

ويذكر الرواة في صعيد مصر أن هذه الطريقة في التوقيع تعود إلى زمن ما كان يعرف باسم «مَدَّاحين الْجَمْع» فهم الذين ابتدعوها وأولئك كانت لهم طريقة مميزة في تقديم فنهم، حيث كان يجلس منهم ثلاثة أو أربعة وسط الجمهور يتناوبون الغناء فيما بينهم وكل منهم يمسك بيده دُفًّا يضرب عليه، ومن كان منهم يأتي دوره في الغناء تراه يجلس مرتكزًا على ركبتيه وسط زملائه المداحين ويضرب على الطَّار، وأحيانًا كان يُغَيِّر من جلسته فيجلس القُرْفصَاء أو يهم واقفًا ويتنقل بين الجمهور ويستمر على هذا الحال بعض الوقت قبل أن يعود إلى حيث يجلس زملاؤه لينفرد مَدَّاح آخر بالغناء.

ويؤكد الرواة أن طريقة أولئك المداحين كانت تتميز بالجمع بين ضربي «الفْرَدْ» و«الْجُوز» وأن أداء هذين الضربين كان يأتي بالتبادل فإذا كان المُغَنِّي يوقع بطريقة «الْفَرْد» قام زملاؤه بالتوقيع بطريقة «الْجُوز» وإذا وقع زملاؤه بطريقة الْجُوز قام المغني بالتوقيع بطريقة الْفَرْد، وهكذا. وكان من المعتاد لدى أولئك المداحين أن يجلس أحدهم مُتَرَبِّعًا ويضع الدُّف بين فخذيه ويضرب عليه بالتعاقب عددًا من الضربات الثقيلة ويملأ فواصلها بتلك الصَّفَقَات16.
إن أهم ما يميز تشكيل الضرب على الدُّف (عند كل الذين يستخدمون هذه الأداة في صحبة الغناء الروائي الطويل) هو طريقة البدء التي تُظهر من اللحظة الأولى المبدأ المتبع في تشكيل الإيقاع،( أي في كيفية التعامل مع الضَّرب ومعالجة مفرداته وكذلك سرعاته) ويمكن النظر إلى طريقة البدء هذه على أنها خاصية أساسية من خواص تشكيل الضروب ومعالجتها في الغناء الطويل، فالمؤدون لا يبدأون بالتوقيع في كل مرة بضربة ثقيلة دائمًا أو بضربة خفيفة دائمًا، وليس هناك شاهد محدد - في آلية هذا التوقيع - يمكن اتخاذه معيارًا لقياس مدى الأهمية التي يوليها المؤدي لكيفية البدء، أو تحدد لماذا البدء بالضربة الثقيلة أحيانًا دون الخفيفة، ولماذا يحدث العكس دونما سبب واضح. على أن المؤدي حينما يبدأ بالتوقيع بالضربة الأولى، وسواء كانت هذه الضربة ثقيلة أو خفيفة ؛ فإن هذه البداية تعني في الوقت نفسه بداية تشكيل الضرب المصاحب للغناء، وهو المبدأ نفسه الذي يسمح للمؤدي أن يُغَيِّر من مواقع التَّشْديدَات داخل الغناء (وفق مايراه ملائمًا لحركات صوته أو ملائمًا لموضع معين في الأداء) ويحدث هذا التغيير عن طريق ملء مواضع هذه التَّشْديدَات بالعديد من الحشوات والزوائد الإيقاعية كالْحلْيَات والزَّخَارف.. إلخ. ومع ذلك فإن المؤدي - وبعد أن يبدأ الدخول إلى الغناء- يحافظ على مواضع كل من الضربات الشديدة والخفيفة وبحسب ما يقابلهما من تشديد أو تخفيف في إيقاع الشطرة الشِّعْرية، فإذا جاءت بداية الشَّطْرَة الشعرية في موضع الضربة الإيقاعية الشديدة حرص المُغَنِّي على إظهار هذا التشديد في موضعه دونما تأخير أو تقديم، وكذلك الأمر فيما يتعلق بالضربة الخفيفة وبداية الشطرة الشِّعْرية. وفي الحالات التي يلجأ فيها المُغَنِّي إلى تقديم أو تأخير موضع التشديد أو موضع التخفيف (أي إذا أراد أن يكسر هذه القاعدة عن عمد) لجأ إلى إظهار أساليب أخرى، وهذا لا يحدث عادة إلَّا من قبَل المُغَنِّي الذي يتمتع بخبرة وبمقدرة تسمح له بكسر هذه القاعدة وتقديم البديل الذي يجب أن ينضوي على قيمة فنية عالية. ومما يجدر ذكره أن هناك مقاطع في الغناء تأتي فيها كل شطرة من شطرات الشِّعْر في موضع الضربة الضعيفة وذلك بسبب طبيعة التكوين الإيقاعي للضرب في كل من اللحن والشِّعْر، ومثل هذا الأداء يُظهر أمرين، الأول: مقدرة المُغَنِّي على وضع كل من التركيب اللحني والشِّعْري في موضعه الموسيقي (الوَزْني) الصحيح. والثاني: أن هذا المَوْضع الموسيقي يُظهر في الوقت نفسه درجة وعي المُغَنِّي بموضع النَّبْرَ، (شديده، وخفيفه)، فكل موضع ثقيل في الضرب، أو خفيف يعد معيارًا لقياس الزمن الواقع بين الضربات وبعضها البعض. ولكي يُعَزِّز المُغَنِّي من سلامة الشكل الإيقاعي ويؤكد شعوره بالضربات الشديدة والخفيفة؛ يلجأ إلى تقطيع الشكل اللحني تقطيعًا إيقاعيًّا مختلف الأشكال في إطار الوزن الكُلِّي،

وثَمَّة ملاحظة جدير ذكرها في هذا السياق – تخص المدَّاحين الذين يلجئون الى الغناء بصحبة آلة الربابة على نحو خاص دون الحاجة إلى أية أداة أخرى لضبط وتنظيم الإيقاع -، فهؤلاء دائمًا ما ينحون بالأداء تجاه التحرر من الوزن بخصائصه المتعارف عليها17، وهذه الخصائص ليست مُمَثَّلَة في غناء هؤلاء المداحين إلَّا في مواقع معينة في الخط اللحني تقتضي طبيعة تكوينها النَّغَمي والعروضي التحرر من خاصية الالتزام بالوزن المنتظم انتظامًا قياسيًّا وهذه المواقع اللحنية تأتي ـ في الخط اللحني. إما كاستهلال، أو كمواقع مرورية تربط بين الأجزاء اللحنية ذات الإيقاع الموزون ببعضها البعض، وهي الأجزاء التي تسيطر -بطول متنها الشعري وشكلها اللحني- على عموم الأداء، وهذا يعني أن هناك اتجاهًا نحو وزن الإيقاع ويعني أيضًا أن لدى المؤدي وَعْي بالعلاقة بين النَّبْرَة الشديدة والنَّبْرة الضعيفة اللتين ينتظم بهما الوزن. ولاشك أن عدم التقيُّد بالوزن (في أجزاء معينة من الأداء) يعني في الوقت نفسه التقيد بإيقاع آخر غير الإيقاع الموزون، ومن ثَمَّ تبقى معالجة الإيقاع وَتَمَثُّل الوَزْن وكل ما يتصل بهما من مفاهيم لدى عازفي الرَّبَابَة المداحين - تبقى - من الملاحظات التي لا يستقيم فهمها فهمًا صحيحًا إن هي عُزِلَت عن فهم طبيعة التشكيل الإيقاعي العام الذي تدور حوله كل صور الإيقاع بما فيها من انتظام واختلال واختلاف في السرعة أيضًا.

ومن الملاحظات المهمة التي تبرز في إطار التشكيل الإيقاعي الموزون (وخاصة التشكيل الذي لايعتمد بالضرورة على استخدام أدوات ايقاعية) أنه يفتقد في بعض أجزائه المحافظة على تدفق النَّبْرَة الإيقاعية الشديدة بتوالي دائم ومنتظم، ومن ثم يبدو الوزن منكسرًا في تلك الأجزاء التي تأتي عادة في شكل مواقع مرورية ينتقل بها الأداء من شكل لحني إلى شكل لحني آخر أو من سرعة إلى سرعة أخرى، كما قد يحدث هذا الكَسْر الْوَزْنِي لأسباب أخرى أهمها عدم تطابق إيقاع اللحن بإيقاع الشِّعِر (التفعيلة) وهي الحالة التي يصعب معالجتها في إطار الوزن اللحني المنتظم.

ومن هنا يمكن القول أن أهم ما يميز خصائص الإيقاع - عند عازفي الرَّبَابَة المداحين- أن الإيقاع لا يبدأ بالضرورة بإظهار نوع النَّبْر شَدِيدُة من خَفِيفُة، ولا يعتمد في بداية الأداء (وفي أجزاء أخرى داخل الأداء) على مبدأ المحافظة على المسافات الزمنية التي تفصل بين النبرتين (الشديدة والخفيفة) فالمداح لا يُوْلي أهمية كبيرة لهذه الناحية. على أن تميز الشكل الإيقاعي وتحديد نوع ميزانه وسرعته لا يحدث عادة إلَّا بعد انقضاء وقت من بدء الأداء يكفي لإدراك التوقيع وانتظام تدفق النَّبْر حتى يمكن تحديد شكل العلاقة الزمنية التي تفصل بين النَّبْرَة والأخرى وفهم طبيعة الدور الذي تضطلع به النَّبْرَة الشديدة في تشكيل هذا الإيقاع ومن ثم يمكن تحديد نوع الوزن وتقدير سرعته.

أما حركة الإيقاع (وهي الناحية التي تُظهر مدى تمثل المؤدي لثبات أو تباين السرعة أثناء الأداء (Tempo) فإنها غير ثابتة، ويبدو أن عدم ثبات السرعة على درجة محددة (تتوافق مع ثبات سرعة بَنْدُول الساعة أو مع انتظام مقياس السرعة «Motronome») - يبدو - أنها سمة من سمات هذا الأداء الموسيقي الذي يستغرق وقتًا طويلًا والذي لا تُستخدم فيه أية أدوات للتوقيع. ولاشك أن المرونة وعدم الصرامة اللتين يبديهما المغني (عازف الربابة المداح) تجاه عدم ثبات سرعة الإيقاع تعني أنها ضرورة تستوجبها تقاليد أداء الغناء القصصي الطويل وخاصة في حالات الأداء التي يعتريها الوقوف على حَرْف أو مَدّ حرف أو التمهل عند مقطع والإسراع عند مقطع آخر.. إلخ، ومع ذلك يمكن القول أن هناك «نَبْضَة» أو «وحدة» إيقاعية مُنَظِّمَة للوزن يمكن إدراكها في أداء أولئك المغنين وإن كان الشعور بتأثير هذه النبضة يغيب أحيانًا في بعض المواقع وخاصة فيما يتصل بسرعة الأداء.

أما الموازين التي تصاغ عليها الألحان عند عازفي الربابة المغنين، فإنها لا تخرج عن الميزانين «الثنائي البسيط والرباعي» وقد يجري تشكيل الخط اللحني في واحد من هذين الميزانين لفترة من الأداء قد تطول أو تقصر ثم يتغير الإيقاع ليتحول بالأداء إلى الميزان الثاني. وقد يتشكل الخط اللحني على نحو لاتنتظم فيه مواقع النَّبْرَة الشديدة قياسًا بمواقع النَّبْرَة الخفيفة فينشأ عن ذلك شعور بأن كلًا من الميزانين يتداخلان معًا في موقع لحني قصير الزمن نسبيًّا. والمعتاد ألَّا ينتج عن الشعور بهذا التداخل أي نفور لأن كلًا من الميزانين ينتميان إلى أصل وزْني واحد، ويظل الفارق بينهما محدودًا بمواقع النَّبْر، وهو أمر لا يلتزم به المؤدي عادة كما سبق توضيحه، فضلًا عن أن الالتزام بمواقع النَّبْر يختلف من مؤد إلى مؤد آخر وخاصة في غياب الأدوات الإيقاعية الضابطة.

أما الألحان ومساراتها المتبعة في غناء قصص المداحين، فإنها دائمًا ما تأتي في حدود فاصلة الرَّابعَة الموسيقية وهي الفاصلة التي تتناسب (تقليديًّا)وخصائص الغناء الملحمي، أو الغناء الروائي الطويل، وقليلًا ما يلجأ المَدَّاح إلى تجاوز هذه المساحة الصوتية.

وفي تشكيل الألحان يلاحظ أن كل قصة من قصص المدَّاحين لها لحن مميز خاص بها ومع ذلك هناك تشابه وتقارب ليس فقط بين هيكلية هذه الألحان وبعضها البعض ؛ وإنما في مسارات النَّغم، ويرجع السبب في ذلك إلى أن الغناء القصصي (وخاصة الصادر عن مُغَن واحد بعينه) تبرز فيه وحْدَة الأسلوب الموسيقي الممثل لثقافة موطن المغنِّي ومرجعياته الفنية . يُضاف إلى ذلك أن المدَّاحين لهم طرق تقليدية في الأداء، أهمها تلك التي تتمثل في اختيار نوع الضَّرْب ونوع أدواته على النحو الذي سبق بيانه، كما يعمدون إلى طريقة واحدة متميزة في الأداء الجماعي الذي يأتي في الأجزاء التي تتطلب الرُّدُود أو التداخل الصوتي.

أما التكوين المقامي الذي تَجْري عليه الألحان فلا يخرج عادة عن جِنْس الجزْع لمقام الرَّاسْت، وهو التكوين «الرباعي» الشائع في الاستخدامات الموسيقية الشعبية لأسباب تتصل بطبيعة الثقافة الموسيقية التي حددت التكوينات المقامية المستخدمة في الموسيقا الشعبية عند المحترفين في نطاق تكوينة الرَّاسْت وفروعه في حدود قليلة.

حينما يبدأ المدَّاح الغناء يستهله بالتوقيع على الدف، (وهو جالس) مُحْدثًا ضربات من نعاقب النَّبْر الثقيل والنَّبْر الخفيف، وسرعان ما ينتظم هذا النَّبْر في وَزْن وسرعة محددتين. والمعتاد أن يبدأ المغني الأداء الموزون في سرعة معتدلة (وقد تميل إلى البطء) وينشد مقطعًا أو أكثر في مدح الرسول ثم يبدأ بعد ذلك في غناء وقائع القصة.

بعد فترة من الغناء الموزون (قد تمتد إلى عشر دقائق) يمكن ملاحظة مايطرأ على الأداء من تغيُّر، وخاصة التغيُّر الذي يتعلَّق بسرعة الأداء والطبقة الصوتية، ففي الأولى تزداد السرعة بينما يحدث ارتفاع ملحوظ في الطبقة الصوتية، وتلك التغيرات دلالة على أن المغني مايزال يتحسس طريقه لتحديد السرعة والطبقة الصوتية المناسبتين للأداء ولإمكانات صوته. وبعد أن يقطع المغني شوطًا في الأداء المستقر (سرعة وطبقة صوتية) يلاحظ – وربما لكثرة الاستطراد في أداء لحن واحد بعينه لمدة طويلة – أن هذا اللحن يَدْخل عليه بعض التغييرات المختلفة في درجتها تبعًا لعدد المرات التي يتكرر فيها، وقد يتغيَّر اللحن بلحن آخر(جملة لحنية مغلقة)18 ذي بنية مميزة، لكنه لايخرج عادة عن الإطار المقامي، والإيقاعي الذي يتحرك فيه الخط اللحني العام وإن كان تغيُّر السرعة أمرًا واردًا في هذه الحالة .

بعد فترة من الغناء المتواصل ( تصل إلى مايقارب نصف الساعة تقريبًا ) يتوقف المغني عن التوقيع والغناء ليَسْرِد : معقبًا على ماجاء في المقطع الغنائي، وقد يتابع بالسَّرد، قَص بعض من الأحداث التي سوف يصورها بالغناء بعد ذلك .

ومن تقاليد الأداء بطريقة السَّرد، أن المغنِّي قد يلجأ إلى التحدث بلهجة شخصيَّات القصة، أو يَعْمَد إلى تمثيل حركة الشخوص . وعند الانتهاء من فقرة الأداء بالسَّرْد يدخل المغني مباشرة إلى الغناء مع التوقيع على الدُّف، والمعتاد عندئذ أن يكون هذا الغناء بلحن آخر وبتوقيع آخر.وقد يعلو الصوت وتزداد سرعة الأداء إذا كان الشِّعر يصف معركة (على سبيل المثال)، كما يتخلل التوقيع حينئذ صوت ضربات ثقيلة، وتبرز قفزات نغمية حادة في حركة سريعة ومتعاقبة، أو تأتي من حين لآخر على غير انتظام. ويُنهي المغني هذا الجزء الغنائي السريع بقفلة قصيرة يؤديها بتوقيع بطيء، وقد لايصاحبها أي توقيع . وقد يتابع المغني الأداء بعد ذلك بطريقة السَّرْد، أو يتوقف عن الأداء بعض الوقت للراحة قبل أن يتابع الأداء مرة أخرى مستهلَّا إياه إمَّا بالسَّرد، أو بغناء مقطع في المديح النبوي، أو بالدخول مباشرة إلى أحداث القصة.

ومن التقاليد التي كانت متبعة لدى المداحين؛ أن المغني كان ينهض واقفًا وهو يتابع الغناء، وقد لايثبت في مكان واحد لفترة طويلة، فتراه يتنقَّل ببضع خطوات أمام ووسط المستمعين وبقدر ما يسمح به مكان العرض، وقد يُلْقي بالدُّف جانبا، أو على مقربة منه ويلَوِّح بيديه تارة، ويصفِّق تارة ثم يعود- بعد فترة من الأداء – إلى حيث ألقى بالدُّف، فيمسكه بيديه ويوقع عليه . وقد تَمُر فترة طويلة من الأداء يقطعها المغني بين الأداء واقفًا والأداء وهو جالس، وبين التوقيع بالدُّف، والتوقيع بالتصفيق، - وفي سرعة مفاجئة- يتوقف المغني عن التوقيع وينبعث – من حيوية الصوت – ذيل نغمي بطيء الحركة، يميل ناحية الغلَظ، يصاحب نهاية المقطع الشِّعْري أو نهاية الفقرة: «أفْضَل ما قُلْنَا نصَلِّي عَلَى النَّبي» أو: « يا عَاشِقْ الزِّين صَلِّي ».

الهوامش

1. -الضَّرب– في الموسيقا – هو عدد من النَّبَرات ( ضَربات)، منها ماهو ثقيل (دُم ،شديد)، ومنها ماهو خفيف (تِك، ضعيف)، تتوالى في ترتيب خاص، وفي عدد معين، ونتيجة لذلك ينشأ ما يُسَمَّى بـ: "الميزان" الذي يستقيم فيه التوقيع، وينتظم فيه الوزن. ويستخدم الضرب – على هذا النحولضبط حركة النغمات وتحديد مقدار الزَّمن الذي يربط أو يفصل بين كل نغمة وأخرى .ومن الضروب التي عرفتها الموسيقا الشعبية ( في مصر): "الواحدة والنصف" و"الواحد الكبير" و"الواحدة القاعدة" والواحدة الماشية " أو "الواحدة السَّايْرَة" و"الواحدة المقلوبة" و"الفلَّاحي" و"الصعيدي" و"الملفوف" و"الطاير" و"النِّزَّاوي" و"هوللي هوللي" و"النَّقرَشاد" و"البُرْمَة" و"الفرد" أو "المفْرد" و"الجوز " و " والمزاهري" و"المُخَمَّس" ويضاف إلى ذلك مجموعة أخري من الضروب تستخدم في طقوس الزَّار. وكل هذه الضروب ثنائية الميزان ورباعية فيما عدا الضروب النوبية الذي يأتي كثير منها في موازين مركبة . وثَمَّ مفهوم آخر للضرب معروف عند القبائل الأفريقية ولدى هنود أمريكا، وعند بغض قبائل أمريكا الجنوبية ؛ وهذا المفهوم يستند الى أن توقيع الضروزب ينشأ عند هذه الجماعات حاملًا خطابا موسيقيًّا ذاتيًّا وحضاريًّا ، ومستقلًّا عن دائرة الألحان وسائر الأشكال الغنائية .
2. الشعراء الذين نقصدهم في هذا المقام، هم الشعراء غير المتمكنين من أداء السيرة تمكنًا كاملًا وليسوا على مستوى عال في التخصص، وفي المقابل توجد فئة أخرى من شعراء السيرة على درجة كبيرة من التخصص ويجيدون أداء أجزاءها، ولهم أساليب خاصة في الأداء تختلف عن أساليب المداحين .
3. ليس شرطًا – وفق المفهوم العملي للإيقاع - أن تُسْمَع نبرات الضرب من أدوات التوقيع المتنوعة الصوت، والمثيرة لكي تتحقق هذه الوظائف وتنجلي معانيها، أو أن يتبين الأثر البنيوى للإيقاع؛ ذلك أن الإيقاع ُيْمكن ادراكه كنبض وازِن لاستقامة الألحان وتعدد سرعاتها، كما يمكن إدراك قوة تدفق النبض ومدى تأثيره على الألحان.
4. في تعريف اسم الدُّف يُذكر : أنه "كلمة صوتية تحاكي الصوت الذي تحدثه الآلة عند الضرب عليها، وتأتي هذه الكلمة من الفعل "دَف": بمعنى ضَرَبَ. وهي كذلك قد جاءت من الأصل نفسه الذي جاءت منه الكلمة العِبريَّة "تف"، أو أنهما بالأحرى كلمة واحدة، ويقال للدف "دايرة" وهي إشارة إلى الاستدارة عن طريق وصف شكلها (فيوتو، وصف مصر ،ج9- ترجمة زهير الشايب، ًص373). وفي حاشية رقم 3 بالمرجع نفسه يذكر المؤلف أن الأسبان يلفظون الدف: "أدوفيه" ويكتبونه في لغتهم: adufe.
5. لم يتوفر لدينا معلومات أكيدة تشير إلى أن ثم أداء غنائيا قصصي تقليديا كان يستخدم في صحبته آلة أخرى غير الدف، باستثناء أداء السيرة الشعبية التي ارتبط أدؤها بآلة الربابة فيما بعد لأسباب سيأتي بيانها في حينه .
6. يعتمد هذا المبدأ على العلاقة المباشرة بين الصوت الصادر عن الآلة الموسيقية وطريقة الأداء عليها من ناحية، ومجالات الاستخدام الموسيقي الفني من ناحية أخرى، وليس على الاستخدامات التي تتصل على نحو معين بمنـزلة الآلة من الناحية الرمزية أو الاعتقادية (ج. هـ. كوابينانكيتا التفاعل من خلال الموسيقا، ديناميات العمل الموسيقي في المجتمعات الأفريقية، ترجمة أحمد رضا محمد، المجلة الدولية للعلوم الاجتماعية، مركز مطبوعات اليونسكو1983، ص 53). وفيما يتعلق بالدلالة الرمزية للآلات الموسيقية أنظر أيضًا (چوليوس بورتنوي/ الفيلسوف وفن الموسيقا/ ترجمة فؤاد زكريا، مراجعة حسين فوزي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1974، ص104).
7. تنطوي الممارسات الموسيقية التي يستخدم فيها الدُّف على أنظمة إيقاعية متعددة ويرتبط كل منها بالتقاليد الموسيقية التي ينتمي إليها المؤدون ويمكن ملاحظة ذلك في التميزات التي تفرق بين نظم التوقيع عند كل من النوبيين، وسكان الواحات، وعند جماعات الطرق الصوفية وعند الفرق المنظمة للزار، وعند المداحين المتجولين وغيرهم.
8. أنظر ( ج.ه. كوابينا نكيتا. التفاعل من خلال الموسيقا. مرجع سابي، ص53) . و يُذكر أنه: في التوقيع المصاحب للغناء "ينقسم الأداء بين اليد واللسان وقد يكون عدد الضربات باليد عدد النطق باللسان أو يكون تكميلات أو تكثيرات لما قد يمكن أن تعجز عن أدائه الحلوق وعن استقصائه، والتنقير مع الغناء لا يزيد في الصوت ولا ينقص فهو الذي يقطع ويوصل وإذا خرج من الضرب شيء عن مرتبته فسد الضرب وفسد الغناء (الحسن بن أحمد الكاتب كمال أدب الغناء، تحقيق غطاس عبد الملك، القاهرة، 1975، ص129:130).
9. المْخَاَين ومفردها مَخَانَة (أو خَانَة) وهي المكان أو الموضع، لكنها في الدف هي الفراغ الذي يقع بين حَافَة الرِّق الجلدي من الداخل وبين شريحة رفيعة من الخسب ملفوفة على محيط الإطار الخشبي من الداخل، وهذا الفراغ يُعرف عند أغلب العازفين باسم "الخَزْنَة" ويعمل على زيادة الرنين ووضوحه.
10. يوجد الدف في أحجام ومقاسات مختلفة والأكثر انتشارًا منه هو ذاك المستخدم لدى المداحين في صعيد مصر، ويوجد أغلبه في حجم نمطي يطلق عليه اسم دَف أو طار، ويصل فيه طول القطر إلى 35 سم، وعرض إطاره الخشبي 9سم .
11. التصفيق أحادي المسار، هو الذي لايسمع – لحظة وقوعه – أي تصفيق آخر .
12. التصفيق المتعدد المسار، هو الذي يسمع – لحظة وقوعه – صوت تصفيقات أخرى تتداخل معه وتتقاطع مكونة محصلة الضرب .
13. هذا الأداء يأتي عادة في شكل حركات نغمية متكررة , وعلى نحو لايعمل عادة على خلق علاقات لحنية بنائية .
14. هناك مواقف في الأداء يرى المغني أنها تتطلب توظيف حركات الجسد، فيضع الدُّف جانبًا ويقوم بالإشارة بيده مع تطويح جسدة يمينًا ويسارًا، لاللتعبير فقط وإنما لوزن الإيفاع أيضًا، وقد يلجأ المغني إذ ذاك بالتصفيق بكفيه ثم يعود إلى حمْل الطار "الدُّف" والتوقيع عليه . وقد يتمشى وهو يغني .
15. تُعرَف طريقة "الفرد" أو "الفردي" لدى مدَّحي الوجه البحري في مصر باسم "الفردة" و"الفردي " و" المزاهري" (من مِزْهَر: أحد أسماء الدُّف) وكان التوقيع بالفردي يُؤدَّى على طبل "البازة " ويضطلع به مؤدٍي مبتديء، وبعد فترة من المران (يكون المؤدي أتقن فيها أداء هذا التوقيع ) يسمح له بالضَّرب على "الحانة " ( أحد أسماء الدُّف ) عندئذ يمكنه تؤدية بعض الحشوات بجانب أداء " الفردي" وبعد أن يتدرج في اكتساب المزيد من الخبرة يمكنه أن يلون في التوقيع، أو يضطلع بأداء الأدوار الرئيسية .
16. تُشير روايات المدَّاحين في الوجه البحري إلى طريقة قديمة في الغناء تعرف باسم "طريقة الطَّنْبُور" كان يتناوب فيها المدَّاحون الغناء فيما بينهم على نحو كان يتمايز فيه غناء "الرَّيِّس" عن غناء "النُّوتي" (المساعد) وكانوا لايستخدمون من الآلات الموسيقية سوى الدُّف، وأحيانًا كان المؤدي يضرب على الدُّف مع الصَّفْق وهو ما يعرف عند المدَّاحين باسم الطريقة الْمَزَاهري أو الْفَرْدي.
17. 1 المعروف أن خاصية التحرر من الوزن الإيقاعي تنحو تجاه قواعد الارتجال الموسيقي (أي التداعي الحر للخواطر الموسيقية وفق التقاليد الموسيقية الشائعة) وهذا الاتجاه في الأداء يبيح استخدام كافة العناصر والمفردات الموسيقية المتاحة وبذلك تتسع دائرة الاختيارات التي يفاد منها بهذه العناصر وتطويعها لخدمة الأداء. والأداء المرتجل لا يعتمد بطبيعته على الإعداد أو التفكير المسبق الذي يحدد سلفاً النظام الذي ينشأ عليه بناء موسيقي بعينه (من حيث ثبات الشكل والتكوين المقامي) إذ يكتفي في هذا الأداء المرتجل أن يتمثل المؤدي العمليات الموسيقية التي تجري عادة في هذا الإطار ومن ثم فإن هذه العمليات وكذلك ما ينتج عنها من تشكيل موسيقي لا تأتي متطابقة في حالة ما إذا تكرر الأداء، على أن خاصية التحرر من انتظام الوزن ليست ممثلة بهذا المفهوم لدى المداحين والشعراء إلَّا في نطاق ضيق ومحدود.
18. الجملة اللحنية المغلقة، أو التكوين اللحني المغلق ،هو : جملة لحنية واضحة التكوين وقائمة بذاتها تتخلل الخط اللحني العام لدى كل من المداحين وشعراء السيرة ويسهل تذكرها حينما تتردد من وقت لآخر. وهي مغلقة لأنها نادرًا ما تتعرض لعمليات التنمية الموسيقية أو التطوير الصريح ولايربطها بما قبلها وبما بعدها من لحن أية صلة بنائية، ولا يرجع ذلك لأسباب تتعلق بتكوين الجملة ذاتها، وإنما لأسباب تتعلق بطبيعة التقاليد الموسيقية التي تحكم الأداء. وقد شاعت هذه التكوينات اللحنية المغلقة لدى كل من المدَّاحين وشُعَراء السِّيرَة في كافة أنحاء الأقاليم المصرية ،وهناك بعض من المداحين والشعراء المشهورين قد اتخذوا من هذه الجمل المغلقة منطلقًا، وأساسًا لحنيّ لبناء الشكل الموسيقي العام للأداء الذي نُسب إلى أسمائهم.

المصادر :

- مجموعة تسجيلات ميدانية تمت بمعرفة المؤلف خلال السبعينات من القرن الفائت ( مودعة بأرشيف مركز دراسات الفنون الشعبية – أكاديمية الفنون ).
- مجموعة تسجيلات ميدانية تمت بمعرفة المؤلف خلال السبعينات من القرن الفائت (مجموعة خاصة ).
-
• المراجع :
-
- أرنيست فيشر , ضرورة الفن , ترجمة أسعد حليم . الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط 2( القاهرة ) 1986 م.
- الحسن بن أحمد الكاتب . كمال أدب الغناء . تحقيق غطاس عبد الملك . القاهرة 1975
- آيات ريان : فلسفة الموسيقا وعلاقتها بالفنون الجميلة، تقديم : صلاح قنصوة، الهيئة العامة لقصور الثقافة 2010.
- ج. ه. كوابينا . التفاعل من خلال الموسيقا . ديناميات العمل الموسيقي في المجتمعات الأفريقية . ترجمة أحمد رضا محمد . المجلة الدولية للعلوم الاجتماعية . مركز مطبوعات اليونسكو 1983.
- جوليوس برتنوي . الفيلسوف وفن الموسيقا . ترجمة فؤاد زكريا . مراجعة حسين فوزي . الهيءة المصرية العامة للكتاب 1974.
- فيوتو: وصف مصر، ج 8 ,ترجمة زهير الشايب , مكتبة الخانجي (القاهرة) 1981م.
- عبد الحميد حوَّاس "أغنية العمل والبنية الأولية للشعر ( السمات التركيبية لأغنية العمل الفلاحي )".أوراق في الثقافة الشعبية ، مركز البحوث العربية للدراسات العربية والأفريقية والتوثقيق ( القاهرة ) المجلس الأفريقي لتنمية البحــــوث الاجتماعيـــــة ( كوديسري – دكار) 255 سنة 2002 م .
- عبد الحميد حَوَّاس : مدارس رواية السِّيرة الهلالية في مصر , أعمال الندوة العالمية الأولى حول سيرة بني هلال : الحمَّامات يونية 1980, نشر المعهد القومي للآثار والفنون/ النشرة الأولى تونس1990 م.
- عبد الحميد حوَّاس . "النوع الجنسي والنوع الفني: المرأة والأغاني الشعبية النسوية ". أوراق في الثقافة الشعبية مركز البحوث العربية للدراسات العربية والأفريقية والتوثقيق (القاهرة ) المجلس الأفريقي لتنمية البحوث الاجتماعية (كوديسري، دكار ) سنة 2002 م.
- محمد عمران : موسيقا السيرة الهلالية – المجلس الأعلى للثقافة 1999م.
- محمد عمران: دراسات في الموسيقا الشعبية المصرية – تأسيس نظري وتطبيقات عملية . دار عين دار عين للدراسات والبحوث الانسانية والإجتماعية سنة 2005م .
- محمد عمران : سيد المغنى"الموال "، نشر المركز المصري للثقافة والفنون 2008 م .
- محمد فهمي عبد اللطيف : ألوان من الفن الشعبي ,سلسلة المكتبة الثقافية العدد رقم 111, نشر المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والنشر , وزارة الثقافة والإرشاد القومي, (القاهرة) يونيو 1964م.
19.

الصور
- من الكاتب.

أعداد المجلة