مشروع ذاكرة العالم العربي
العدد 5 - شهادات
يعد مشروع ذاكرة العالم العربي من بين أهم المشاريع العربية التي تهتم بتوثيق التراث الحضاري والطبيعي بما في ذلك التراث الشعبي بمختلف تشعباته من أمثال وحكم وحكايات وقصص خرافية وقصائد وأشعار وغير ذلك مما يقع ضمن دائرة التراث الشعبي.
وتزداد أهمية مشروع ذاكرة العالم العربي كونه مشروعا إقليميا عربيا يهتم بتوثيق وربط التراث العربي ونشره على شبكة الانترنت للتعريف به على المستوى العالمي. ويقوم بتنفيذ المشروع مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي بجمهورية مصر العربية التابع لمكتبة الإسكندرية لما لهذا المركز من خبرات طويلة في توثيق التراث.
يهدف المشروع إلى توثيق التراث المشترك للعالم العربي بأبعاده المختلفة، ليكون متاحاً للعامة في العالم كله من خلال وسائط اتصال متنوعة، إلى جانب شبكة المعلومات الدولية (الانترنت) وذلك باستخدام أحدث وسائل تكنولوجيا المعلومات في التوثيق. ويستغرق تنفيذ هذا المشروع زهاء أربعة أعوام كما رسمت له، بدأت من شهر يوليو في عام 2007م.
جاء هذا المشروع بعد موافقة مجلس الوزراء العرب للاتصالات والمعلومات في شهر يونيو عام 2006م على إدراج مشروع ذاكرة العالم العربي ضمن مشروعات الإستراتيجية العربية للاتصالات والمعلومات. وقد وافق فريق بلورة الإستراتيجية في اجتماعه العاشر في شهر مارس من عام 2007م على أن يتولى مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي بجمهورية مصر العربية تنفيذ هذا المشروع الذي يسعى إلى توثيق التراث لكافة الأقطار العربية ما يعكس وحدة التراث العربي ويثري العلاقات الوطيدة بينها.
ويعمل مشروع ذاكرة العالم العربي على:
- الحفاظ على الذاكرة التراثية للعالم العربي، وتعريف الأجيال الجديدة بها.
- توثيق التراث العربي بشتى جوانبه المختلفة.
- استثمار ما أنجزته المبادرات العربية والإقليمية في مجالات توثيق التراث.
- استخدام أحدث تقنيات الاتصالات والمعلومات في توثيق التراث العربي.
- التوثيق الالكتروني لربط الذاكرة التراثية المشتركة.
- ربط التراث العربي بالتراث الإنساني بصفة عامة.
ومنذ أن أسندت إلى مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي مهمة تنفيذ المشروع بدأت العجلة في الدوران. فقد التقت مجموعة العمل التابعة للجنة الدائمة للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في جامعة الدول العربية من أجل تحديد الآليات السليمة التي تتضمن تمويل المشروعات الإقليمية العربية التي تتقدم بها الدول العربية.
كما وافق برنامج “ذاكرة العالم” الذي تنفذه اليونسكو على المشروع باعتباره خطوة مهمة باتجاه ذاكرة متكاملة جامعة، وكمشروع واعد يضمن التعاون والشراكة بين الأقطار العربية من أجل توثيق ونشر التراث العربي، بخاصة وأن هناك أرضيات مشتركة تربط هذا المشروع ببرنامج “ذاكرة العالم” لليونسكو.
ومن الجدير ذكره أن الحاجة إلى هذا المشروع برزت في ضوء اتساع نطاق الشبكة العنكبوتية (الانترنت) وتزايد أعداد مستخدميها، إلى جانب قلة حجم المحتوى العربي على شبكة الانترنت وصعوبة الوصول إلى معلومات دقيقة وحديثة عن التراث الحضاري العربي على الشبكة، ما أدى إلى بروز هذا المشروع الذي تتمثل الغاية الرئيسية من وجوده على المدى البعيد في زيادة المحتوى العربي الالكتروني على شبكة الانترنت، وإيجاد مصدر موثوق به للمعلومات عن التراث العربي يقدم لكافة المجموعات المستهدفة وبخاصة الشباب العربي.
من بين أهداف المشروع الحيوية توفير قاعدة معرفة تعزز مشاركة المنظمات الحكومية وغير الحكومية، الدولية والإقليمية والمحلية. وتتمثل الحاجة الأولية في هذه المرحلة من التأسيس في إعداد خريطة باحتياجات ومتطلبات المجوعات المستهدفة، فيما يتعلق بالتوثيق الالكتروني للتراث الثقافي والحضاري، وهي في الواقع خطوة ضرورية من أجل فهم وضع التوثيق الالكتروني للتراث العربي على الشبكة والارتقاء به.
تطلب إعداد تلك الخريطة قيام مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي تنظيم ورشتي عمل. أقيمت الورشة الأولى في نوفمبر من عام 2005م بعنوان “نحو رقمنة ذاكرة العالم العربي، هيكل التعاون” تم فيها تحديد الجهات التي توثق التراث العربي رقيما وتسعى إلى حفظ الثقافة والهوية العربية.
وأقيمت ورشة العمل الثانية في شهر ابريل من عام 2007م، بهدف تجميع مراكز توثيق التراث بالعالم العربي، ومناقشة سبل التعاون من أجل إثراء المحتوى الالكتروني للتراث على شبكة الانترنت. وتم في هذه الورشة إبراز جهود مختلف الدول العربية في توثيق التراث العربي. كما تمت مناقشة البنية الأساسية اللازمة لبدء انطلاق مشروع عربي مشترك لتوثيق الثقافة والتراث تحت اسم “ذاكرة العالم العربي”، كما ذكر تقرير الورشة أهداف المبادرة الإقليمية وأوجزها في الآتي:
- بناء ودعم المصادر الالكترونية وقواعد المعلومات وفق المعايير الدولية كأساس لزيادة المحتوى الالكتروني العربي على شبكة الانترنت.
- تكوين وإنشاء شبكة من الخبراء العرب في مجالات التراث ذات الصلة بالعالم العربي.
- تجميع وتوثيق ورقمنة ونشر التراث العربي، من خلال بوابة ألكترونية باللغتين العربية والانجليزية.
وجد الخبراء العرب في توثيق التراث إن قلة مراكز توثيق التراث تؤدي إلى تشتيت المعلومات على شبكة الانترنت. كما أن تفاوت التوثيق الرقمي للتراث العربي على الشبكة بدرجة كبيرة بين الأقطار العربية يتطلب احتياجات تدريب مختلفة في إطار التعاون المتبادل. وخلصوا إلى أن المصادر الموثوقة التي تتناول التراث العربي المشترك على الشبكة العنكبوتية غير متوافرة، وهذا ما أدى إلى بروز الحاجة إلى تشجيع المنظمات الأهلية على التعاون مع المنظمات الحكومية في رقمنة التراث.
ومن أجل تحقيق الأهداف التي رسمت لمشروع ذاكرة العالم العربي فقد قام مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي بعقد ثلاث اجتماعات للجنة التنفيذية للمشروع. عقد الأولى في إمارة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة في نوفمبر من عام 2007م وتم فيه إعلان (برتوكول الشارقة). ويحدد هذا البروتوكول غاية المشروع وأهدافه، ويعد (البروتوكول) وثيقة ملزمة لكافة الشركاء الموقعين عليه في تطبيق بنوده، والوفاء بتنفيذ أهداف المشروع،
وينص الإعلان على ما يلي:
- تعزيز العمل العربي المشترك لدعم تنفيذ المشروع وترسيخ أهدافه ومخرجاته بشتى السبل الداعمة المتاحة.
- العمل سوياً، أو فرادى، من أجل تعبئة الموارد البشرية والمالية اللازمة لخروج المشروع إلى حيز الوجود.
- تعزيز التعاون مع شتى المنظمات الثقافية الدولية والإقليمية والوطنية للاستفادة من خبراتها البشرية والتقنية، في تنفيذ المشروع.
- تعزيز التعاون مع منظمات المجتمع المدني العربية العاملة في مجال توثيق التراث العربي، للاستفادة من خبراتها في هذا المجال وبما يساعد على تنفيذ المشروع وتحقيق أهدافه.
وعقد الاجتماع الثاني بدمشق العاصمة السورية في مايو 2008م وصدرت فيه عدة توصيات، أهمها دعوة الدول العربية إلى مواصلة العمل في مجال التوثيق الالكتروني للتراث العربي وذلك حفاظا على هويتها العربية والإسلامية، كما دعت الجهات الحكومية والمنظمات الأهلية في الوطن العربي للمساهمة في إنجاز مشروع “ذاكرة العالم العربي” الذي يهدف إلى توثيق تراث الأمة العربية والإسلامية بجميع جوانبه.
جاء الاجتماع الثالث في شهر يناير من عام 2009م بالقاهرة والذي يعد من أهم الاجتماعات نظراً للحضور الكبير من الدول العربية التي لم تحضر في الاجتماعين السابقين. فقد شارك في الاجتماع مئة من الخبراء والمسئولين من المراكز العلمية والثقافية والمكتبات الوطنية من عشرين بلداً عربياً، بالإضافة إلى بعض المنظمات العربية والأجنبية المعنية وهي: منظمة اليونسكو، منظمة الاليكسو، منظمة الايسيسكو، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، ومنظمة المدن العربية.
تم في الاجتماع الثالث تقديم الأوراق المتعلقة بدور منظمة اليونسكو، ومنظمة الاليكسو، ومنظمة الايسيسكو في الحفاظ على التراث. كما تم تقديم الأوراق الخاصة بتوثيق التراث الشعبي. وعقدت ورش عمل تناولت التراث الشعبي والتراث المعماري وخط الزمن، وورشة عمل المخطوطات. وانصب الاهتمام على توثيق الأمثال الشعبية باعتبارها تمثل تراثاً حضارياً وثقافياً، بخاصة وأنها متداولة بين الجميع. وقد اتضح أن هناك الكثير من الأمثال الشعبية المتشابهة والمتداولة في بلدان الوطن العربي، ما يعني مدى أهمية جمع تلك الأمثال وتوثيقها وفق بيانات دقيقة تشمل: نص المثل، وموضوعه، ومعناه، وسياقه، ومصدره، مع الاستعانة بالتصنيف الموضوعي للأمثال الشعبية من مكنز الفولكلور وذلك لتسهيل توثيق موضوع المثل وفق منهجية علمية.
إن مشروع ذاكرة العالم العربي يعد الدعامة الأساسية لبناء قاعدة معلومات متكاملة توثق التراث العربي بمختلف أشكاله وتحافظ عليه، وتقدمه إلى الأجيال العربية عبر وسائط تقنية متطورة تساعد على بث ثقافة التراث ونشره بين أبناء الأمة العربية.