الشعر الشعبي الجزائري قراءة تأثيلية في المفهوم والتطور وأشهر الأعلام.
العدد 43 - أدب شعبي
إن الحديث عن الأدب الشعبي حاجة ملحة فرضتها إشكالية البحث في القيم الثقافية والاجتماعية والفكرية الأصيلة للشخصية الوطنية، فالأدب الشعبي يعد أهم الركائز الثقافية الوطنية والبحث في مجاله بحث أصيل مرتبط بالكيان الثقافي لأية أمة من الأمم البشرية لأن من لا تراث له لا حاضر ولا مستقبل ولا بقاء له.
وهذه الحاجة الملحة بدون شك يمليها الواجب ومسؤولية إثبات الذات وتحديد هويتها و تدعيم بقائها واستمرارية صمودها في خضم هذا التهافت الفكري والسياسي والثقافي والإيديولوجي والتكنولوجي.
والأدب الجزائري كغيره من آداب الأمم الأخرى يمتاز بالتعددية والتنوع في أشكاله التعبيرية (عربية فصحى ولغات أجنبية ولهجات محلية وألغاز وأمثال وسير وشعر ملحون...الخ)، تلك الأشكال والأجناس مرتبطة ارتباطا عضويا بهموم وآمال الإنسان في حركيته الاجتماعية والسياسية والنفسية داخل الوطن، وليس غريبا أن يكون للغة العامة أدب شعبي يعبر عن حاجات وعواطف الطبقة المحرومة كما للغة الرسمية أدب، وإنما الغريب أن يبقى هذا الأدب بعيدا عن ميدان الدراسة والبحث والاعتراف به من قبل المؤسسات العلمية إلا ما قل وندر، زد إلى ذلك غض الطرف عنه والإقلال من أهميته عند بعض الأكاديميين الرسميين كما ينعتون لأن هذا في نظرهم هو التقليل من أهمية العربية وتشجيع على إثارة النعرات وإحياء للهجات الأقليات والأمر ليس كما يظنون.
فالأديب الشعبي الأصيل هو بمثابة الطاقة المحركة لوحدات الشعب والقادرة دوما على تحويل الجراح والنكبات إلى نصر، فهولا يخوض المعارك بسيفه بل يسجل الانتصار بأمانته مثلما يصف الهزيمة بألم و حسرة.
وتبحث ورقتنا البحثية هذه في تسليط الضوء على الأدب الشعبي الجزائري وأهميته والوقوف عند مضامينه وقيمته وفنيته وجماليته وأدبيته، والتعريف بشعراء الشعر الشعبي الجزائري وبعض النتف من شعرهم، وإماطة اللثام عن أدبنا الشعبي الجزائري وخاصة النص الشعري الذي ما يزال يحتاج إلى الدراسة والتحليل ونفض غبار التهميش والنسيان عنه.
ماهيـة الشعـر الشعبـي
يعد التراث الشعبي وعاء ثقافيا وفكريا يحوي اللغة والدين والمعتقدات وكل ما له آصرة بالفولكلور، فهو ينهل من جميع هذه العلوم، ولكنه لا يتبع منهجا علميا محددا يتقاطع مع كل هذه المعارف ليصل إلى صورة معبرة عن أحاسيس الشعب ومشاعره الناتجة عن بيئته وواقعه الاجتماعي.
اختلف الباحثون في تحديد مفهوم الأدب الشعبي، سواء كانوا مختصين في المجال أو باحثين في الأدب بصفة عامة، نورد بعضا منها: يقول عبد الحميد يونس: «الأدب الشعبي هو القول الذي يعبر به الشعب عن مشاعره وأحاسيسه أفرادا وجماعات، فهو من الشعب وإلى الشعب يتطور بتطوره وهوغذاؤه الوجداني الذي يلائمه كل الملائمة وليس ينفعه غيره وهو يمتاز عن سواه بسمات نجدها في سائر أنواع القول وأقسامه التي تناقلتها الأجيال وتعتز بها المَواطن والشعوب»1.
فالقول هذا يكشف السمات التي تميز الأدب الشعبي عن غيره من الآداب كونه قادرا على نقل حاجات الفرد والجماعات حتى إنه ليعتبر الغذاء الرئيسي المتوافق مع أفكارهم، وهو ما جعلهم يتفاعلون مع نصوصه ومن ثم نقله وتناقله وحفظه عبر الأجيال.
الأدب الشعبي أدب متوارث جيلا بعد جيل بالمشافهة والحفظ في الصدور قبل أن ينتقل اليوم إلى السطور وحدد له البعض أربع خصائص وهي كونه:
مجهول المؤلف.
متوارث جيلا عن جيل.
عامي اللغة.
يتناقل بالرواية الشفوية.
بينما يذهب آخرون إلى أنه تعبير عن مشاعر الشعب في لغة عامية أو فصحى، وقد عرفه محمد المرزوقي «ذلك الأدب الذي استعار له الشرقيون من أوروبا كلمة (فلكلور) على خلاف في صحة إطلاق الكلمة على ما نسميه بالأدب الشعبي بالضبط»2.
ولا يمكن إغفال الرأي الذي قال به سلامة موسى في النص الشعبي على أنه «إحساسُ إحساسِ الشعب»3.
الشعر الشعبي فرع من الأدب الشعبي له مميزات عدة من بينها الصدق في كونه يصدر من النفس دون مراوغة، وهو يضم الحرارة في العاطفة لأنه مصدر القلب وهو معبر عن حياة الشعب بما فيها من بساطة وتعقيد لأنه نابع من أعماقها لا من سطحياتها، ويشمل جميع شرائح المجتمع ويركز أيضا على اللغة الشعبية التي يوظفها الشاعر الشعبي، والتي وجب أن تكون لغة القوم التي يفهمونها ويتواصلون بها.
علاقـة الشعـر الشعبـي بالشعـر الفصيـح
يذهب بعض الدارسين إلى أن الأدب الشعبي هو الأدب المعبر عن الذاتية (الشعب)، والمشكل الذي يطرح نفسه هو كيف يعبر الأدب الشعبي تعبيرا عن ذاتية الشعب؟ فكلمة - ذاتية- لها مدلول عام، لا تميز الأدب الرسمي عن الأدب الشعبي، كما أن هذا الأخير يستهدف تقدم الشعوب وخدمة مصالحها على الرغم من أنها خاصية تتجلى بصورة أوضح في الأدب الرسمي منها في الشعبي، وليس في مقدوره أن يرقى إلى الصورة التي يمتلكها الأدب الرسمي في رؤيته الفكرية وثقافته الحضارية رغم مواكبته للتطور واستندوا في توضيحهم لهذه العلاقة بقولهم «فيه أدب الفصحى وأدب العامية يقتضي الخيار في استخدام اللغة التي يريدها الأديب الرسمي يضاف إلى تجاهل دور اللغة الفوارق الثقافية بين الأديب الرسمي والأديب الشعبي، بحيث لا يبقى مبرر للقول بوجود أدب شعبي وأدب رسمي»4.
و هذا قول يتنافى وواقع الأدب الشعبي المعبر عن الحياة الاجتماعية البسيطة التي تترجم بيئته التي ينتمي إليها، فهناك عدد كبير من الأدباء الشعبيين لم يلتحقوا بالمدارس إلا أنهم أتوا ربما بما لم يأت به البعض في الأدب الآخر (الرسمي)، كون الأديب الرسمي يتصل بالفكر المعاصر عن طريق الكتاب والمجلة والصحيفة وغيرها من وسائل الاتصال، فهم بهذا القول يستبعدون دور اللغة في الأدب الشعبي على الرغم من اعتبارها الوسيلة المهمة في إيصال المعاني والأحاسيس النفسية، وليس ملزما على الأديب الشعبي أن يعبر لغة معربة، ويرتفع إلى مستوى الأديب المدرسي، ولكنه مجبر على استخدام العامية التي يتقنها ويفهم معانيها هو ومن يتحدث عنهم أو إليهم.
فالأديب الشعبي عموما يتميز بالواقعية والصدق في التعبير بطريقة أفضل من الأديب المدرسي باعتباره أقرب إلى الطبقات الشعبية، والصدق بآلامها وهمومها، على عكس الأديب المدرسي، أضف إلى ذلك الاختلاف البارز في أسلوبه وبلاغته عن أسلوب الأديب الرسمي، وفي هذا الصدد يقول عبد الله الركيبي في كتابه (الشعر الديني الجزائري): «ومع هذا نجد أرضية يلتقي فيها الشاعران الرسمي والشعبي، ومن يتلقى شعرهما أميا أو متعلما، وهذه الأرضية ما يمكن أن يطلق عليها الإطار الحضاري الواحد الذي يضم هؤلاء جميعا حيث يتقاربون في النظرة وفي الإحساس والتفكير والذوق»5.
وهناك من يرى أن الإطار الثقافي والحضاري الذي ينهل منه الشاعر الشعبي والشاعر المدرسي مشترك بينهما، مما يستدعي وحدة الرؤية والتصور، وهو اعتبار خاطئ، لأن الاشتراك في الإطار الثقافي والحضاري لا يولد بالضرورة وحدة الرؤية، ولتوضيح هذه الفكرة يمكن أن نسوغ المثال الآتي: إن الشاعر الشعبي الأمي عند مشاهدته لفيلم «الرسالة» ويرى عبد الله غيث يؤدي دور سيدنا حمزة فسوف يتبادر إليه أنه هو لا محالة، على خلاف الشاعر المدرسي عند مشاهدته لنفس الفيلم يتبادر إليه مجموعة من التساؤلات، من بينها إذا كان قد أدى عبد الله غيث الدور جيدا أم لا، ويقابل بين حوار الفيلم والتاريخ الإسلامي، وهل تقيد الحوار بالأحداث التاريخية بصورة أمينة التي تناسب أغراض الفيلم؟ إلى غيرها من الأسئلة6.
فالشاعر المدرسي يوظف مجموعة من المعارف عند مشاهدته للفيلم بغية تقسيمه وفهمه بينما يقف الشاعر الشعبي من الفيلم موقفا سطحيا، وحين تصفح نماذج من الشعر الشعبي نلاحظ أن السمة الغالبة عليه هي اتباع الشكل التقليدي للشعر العربي الرسمي، سواء من حيث الصيغة والمفردات والتراكيب، وكذلك اعتماد الشاعر للقافية الواحدة، وهو يتخذ شكل القصيدة المعربة حيث إنه لا يختلف عن الشعر العربي الرسمي مخالفته لقواعد الإعراب، واعتماده على طريقة التسكين التي يستخدمها الشعبي بكثرة7.
ومن هنا يمكن القول: إن الشعر الشعبي يعتبر امتدادا للشعر الرسمي حيث إن الشاعر الشعبي استطاع أن يقلد ويسير على نمط القدامى من حيث الأغراض من مدح ورثاء وغزل وغيرها وتباين وجهات النظر في تناولها، حسب الظروف الخارجية أو الداخلية وهذا أحمد أمين يدلي برأيه في هذه النقطة يقول: «من هنا استطاع الشاعر الشعبي أن يقلد كل أغراض الشعر مدحا ورثاء وهجاء وحماسة مع اختلاف في الرؤيا وتباين في الأسلوب واختلاف التصوير»8.
الشعر الشعبي و فوضى المصطلحات :
أطلق الدارسون على الشعر الشعبي تسميات كثيرة، تختلف حسب الإطلاق الذي شاع في بيئة دون سواها، أو حسب اختيار الباحث لهذا المصطلح و ذاك، وهو أمر مرده إلى اختلافهم مصطلح الشعر في حد ذاته، فلكلٍّ وجهةٌ هو مُولِّيها في اختيار المصطلح وإيمانه به بحجج وتبريرات يستدل بها على هذا الاختيار.
ويمكن إرجاع التباين في الرؤى إلى عدم تحديد مفهوم –الشعبية- في الأدب فهناك من يعرف الشعر الشعبي بالفن الذي جهل قائله بينما يرى آخرون قصره في العراقة والقدم وإخراجه من دائرة الشعر الشعبي الذي عرف قائله.
و من بين التسميات التي أطلقت على الشاعر الشعبي (الملحون) التي دار حولها الجدل فقد أطلقها البعض على الشعر دون النثر مع أن اللحن من خصائص الأدب الشعبي شعرا ونثرا.
ويرى محمد المرزوقي أن إطلاق مثل هذه التسمية على الأدب الشعبي والشعر الشعبي كلاهما تسمية خاطئة، ولابد من تصحيحها ويضيف أن أحسن ضبط لذلك ما قاله حسين نصار: «الأدب الشعبي هو الأدب المجهول المؤلف، العامي اللغة، المتوارث جيلا بعد جيل بالرواية الشفوية»9.
ومما سبق الإشارة إليه هو أن الرواية والتوارث وجهل المؤلف ليست قيدا لمفهوم الأدب الشعبي، فالرواية مثلا لا تختص بالتعبير الشعبي فقط، وإنما هي عامة وتشكل الأدب الرسمي أضف إلى ذلك أن القول بجهل المؤلف أو معرفته لا يحددان مفهوم الشعبية في الأدب بل يجب دراسة النصوص، والبحث فيما إذا كانت قد استوفت المقاييس المطلوبة، فهي أدب شعبي وإلا العكس، وبالرغم من ذكر هذا فهي تبقى جزءا من تاريخ الأدب الشعبي، ومن بين الذين أرجعوا شعبية الأدب إلى العراقة والقدم -عبد الله الركيبي- وهو أمر لا يختلف عن القول بجهل المؤلف ويضيف إلى ذلك أن الاهتمام بالنصوص يساعد أكثر في تحديد شعبية الأدب أكثر من التمسك بصاحبه، والحقيقة أن القارئ والمتتبع للنصوص الشعبية يوجه تركيزه إلى النوع الذي يجيد في التعبير عن همومه ومشاكله، دون أن يولي أية أهمية لقائلها سواء كان معلوما أو مجهولا، على الرغم من أن العلم به يعد من أهم العوامل المساعدة على شيوع شعره و انتشاره بين الشعوب، ولا يمكن الحكم على أشعار عبد الله بن كريو أو سيدي لخضر بن خلوف أو الشيخ السماتي أو محمد بن سهلة وغيرهم أنها ليس شعبية بحجة العلم بأصحابها.
وهناك من ذهب إلى حصر كلمة (الملحون) في موضوع النطق على خلاف قواعد الإعراب بينما يعممها آخرون لتشمل «ما له صلة بالقصيدة من حيث أنواعها وأشكالها ولغتها ونحوها وقوافيها ومن حيث ما فيها من صور فنية ثم من حيث بناؤها أيضا»10.
ويرى محمد المرزوقي أن الشعر الملحون أعم من الشعر الشعبي أي يشمل كل منظوم بالعامية والملاحظ عنه أنه لم يهتم باستخدام هذه الكلمة على الشعر الشعبي، وإنما بتاريخ دخول اللحن إلى اللغة العربية، ومن بين الذين تطرقوا إلى إعطاء التصور الصائب بإطلاق هذه الكلمة (الملحون) على هذا النوع من الفن هو عباس الجراري وهو في مقام الرد على أصحاب الرأي القائل بأنها ترجع إلى الغناء، فقد وجد نفسه حائرا بين أمرين، أحدهما يرى أن الغناء يأتي في المراحل الأخيرة من نظم الشعر، ويذكر أيضا أنه أطلقها القدامى على ما يقابل الشعر المعرب، وقد ورد له قول في هذا الصدد يدعم به رأيه مفاده أن ابن سعيد يقول متحدثا عن بعض الشعراء، وله شعر ملحون على طريقة العامة .
ويعلل عبد الله الركيبي اختياره لإطلاق كلمة الملحون على الشعر الشعبي الجزائري دون غيره من المصطلحات كالشعبي والعامي راجع إلى ما شاع في بيئة المغرب العربي التي عنيت بدراسته وإيجاد الدارجة أداة له، وباستطاعته التعبير عن مزاج العامة.
وهناك قسم آخر من الفنون الشعبية ألا وهو الكلام المنظوم الذي قام جماعة من الدارسين من استبعاده عن هذا الفن، رغم اعتماده على النظم، واعتبروه شعرا عاميا وليس شعبيا.
ومن بين التسميات التي أطلقت على الشعر الشعبي أيضا (العامي)، وهي تسمية خاطئة كذلك في رأي البعض لاحتوائه على خصائص لا نجدها في العامي الذي يمكن اعتباره كلاما عاديا.
وقد ينطبق مصطلح (الزجل) الذي أطلقه البعض في بيئة دون سواها لاختلاف الأوضاع الثقافية والسياسية التي تؤثر في التعبير الشعري.
إنه بالرغم من إطلاق النقاد ودارسي الأدب هذه التسميات المختلفة على الشعر الشعبي، نجد أن هذه الكلمة الأخيرة (الشعبي) تتطابق مع مفهوم الطبقات الشعبية لهذا الفن دون غيرها من المصطلحات، كالملحون والزجل، ذلك لأن صفته الشعبية ينبغي أن تستند إلى خصائص و مقومات الشعر الشعبي نفسها.
الشعر الشعبي و ظهوره في الجزائر
الحديث عن نشأة أنماط الثقافة الشعبية عموما والشعر الشعبي خصوصا صعب التحديد، وما وصلنا من نصوص الأدب الشعبي شفاهيا، يرتبط بالثقافة الإسلامية موضوعا ومحتوى بحيث يصعب على الدارس تحديد ما كان متداولا قبل دخول الفتح الإسلامي إلى بلدان المغرب العربي.
وما يعرف عن ظهور هذا النوع من الإبداعات الشعبية في أقطار المغرب العربي يرجع إلى الفترة التي دخل فيها الهلاليون إلى إفريقيا في منتصف القرن الخامس الهجري حيث إنه قيل بعدم - في حدود معرفتنا واطلاعنا- توفر نصوص من الشعر الشعبي سابقة لهجرة القبائل الهلالية، ولا بد لذلك من أسباب لهذه الظاهرة وهي طروحات تبقى مجرد احتمالات واردة لا تعبر عن الحقيقة بصورة قطعية، ومن بين تلك الاحتمالات القول بأن انقراض الشعر الشعبي الذي كان موجودا قبل القرن الخامس الهجري بما يرجع إلى أن الشعر تعبير ذاتي يرتبط بأغراض حاربها الإسلام لأنها تخالف مبادئ الشريعة الإسلامية وتتعارض مع الدعوة إلى تكوين أمة موحدة، ومن تلك الأغراض الشعرية نجد - الفخر - بالأنساب والمرأة والتغزل بها أضف إلى ذلك تمجيد الروح القبلية، وهاته الأغراض هي التي تتيح للشاعر أن يعبر عن وجدانه وعواطفه بالطريقة التي يريدها ولو على حساب الأخلاق والمبادئ التي تسيء إلى العلاقات الاجتماعية.
وهناك احتمال آخر مفاده أن الشاعر الشعبي كان أميا ولا يحسن تدوين ما ينظمه ولما هجر الشعراء الشعبيون نظم الشعر الشعبي انقرضت نصوصهم .
ويذهب محمد المرزوقي إلى أن الشعر الشعبي ظهر في بلدان المغرب العربي بعد استقرار بني هلال وسليم في إفريقيا و قد ورد في تعليله قوله: «لم يترك لنا التاريخ أي أثر لشعر منظوم باللغة الدارجة الشعر الشعبي قبل منتصف القرن الخامس الهجري إلى أي قبل الزحفة الهلالية سنة 443هـ»11.
ويضيف أيضا «إن دخول الهلاليين إلى المغرب العربي وما قاموا به من حروب دينية كان له أثر كبير على الحياة الثقافية والفكرية في المغرب العربي»12.
ويشير محمد المرزوقي إلى جانب ذلك التأثير كثرة أولئك الأعراب وتغلبهم على إفريقيا و انتشارهم في مناكبها.
والمعلوم أن بني هلال كانوا خليطا من القبائل العربية ذات اللهجات المختلفة، وكانوا ينظمون الشعر بهذه اللهجات، ومن هنا وجد الأفارقة في شعر الهلاليين ما شجعهم على نظم الشعر الشعبي من جديد، ويرى محمد المرزوقي إرجاع ظهور الشعر إلى استقرار بني هلال في المغرب العربي، ومن غير المنطقي أن يصنع الهلاليون من أبناء المغرب العربي شعراء لم تكن موهبة الشعر للسكان أصلية، لهذا يمكن القول بأن تطور الظروف الاجتماعية والسياسية وما أدخله الهلاليون من لهجات غير معربة كان من العوامل التي ساعدت على عودة الشعر الشعبي من جديد.
ولعل من أهم العوامل المساعدة على انتشار هذا النوع من الفن أي الشعر الشعبي في البلدان العربية هو تأثير الأندلسيين ولا نذهب بعيدا عن هذا الرأي الذي لا توجد أدلة قاطعة تؤكده، نجد فن الزجل فهو من ابتكار أهل الأندلس وقد اشترط في نظمه اللهجة العامية، وهو ما سهل على الشاعر الشعبي تقليده والنظم على منواله، ولازال تأثيره قائما حتى اليوم، نجد مثلا الفرق الأندلسية إلى غيرها من الأسماء التي تبين مدى تأثير هذه الهجرة في مثل هذا الفن، وقد جاؤوا فرارا من الظلم والاضطهاد بعد سقوط الأندلس، على عكس بنو هلال الذين دخلوا البلاد العربية من أجل تطبيق خطة سياسية للوصول إلى هدف معين.
إن معرفة نشأة الشعر الشعبي الجزائري من الصعب الوصول فيها إلى رأي قاطع، لأن الدراسات التي تناولته أي تناولت موضوع الأدب الشعبي في الجزائر تكاد تكون معدومة على حد قول دارسيه.
وعند دراسة النصوص الشعرية الشعبية الجزائرية يتضح أنها مصطبغة بصبغة الروح الإسلامية وهذا لا يعني النفي القاطع لوجود هذا النوع من الشعر قبل الفتح الإسلامي في الجزائر، فالمجتمع الجزائري له لغته وعاداته وطقوسه، ويستدعي ذلك بالضرورة وجود شعر يعبر عن وجدانه وحاجاته، وقد كان للنظرة الجديدة إلى الحياة الاجتماعية التي أتى بها الإسلام أدى إلى تخلي الشاعر عن نظم شعر لا يتماشى ومبادئ العقيدة، وإضافة التأثير الديني في الشعر، نجد التفاعل بين اللهجات العربية الواحدة مع العرب الفاتحين وكان لها تأثير أوسع من تأثير لغة الخاصة أو اللغة المعربة التي تحتاج إلى وقت لتعلم القراءة والكتابة، وهذه كلها عوامل ساعدت وتظافرت مع ظهور الشعر الشعبي الجزائري.
وقد ذهب عبد الله الركيبي يقول: «بالنسبة للجزائر يمكن القول بأن الشعر غير المعرب جاء مع الفتح الإسلامي، ثم انتشر بصورة قوية واضحة بعد مجيء الهلاليين (469ه ـ1047م) إلى الجزائر حاملين معهم لهجاتهم المتعددة حين تغلغلوا في الأوساط الشعبية وساهموا في تعريب الجزائر بصورة جلية اعترف بها كثير من الدارسين بحيث أصبح الأدب الشعبي منذ ذلك الوقت ثمرة من ثمار الثقافة العربية»13.
تمثل الشعر الشعبي في جنوب الجزائر بصورة كبيرة أضف إلى ذلك احتفاظ الشعر الصحراوي خاصية استقرار بني هلال في أول الأمر بالمناطق الجنوبية كما أن سكان هذه الأخيرة لم يختلطوا كثيرا بأهل المدينة التي سادت عندهم الحضارة البربرية، ولذلك نستطيع القول بأن الشعر الجنوبي مثّل روح الشعر البدوي، والذي يهتم فيه الشاعر بالصورة الشعرية الحاملة للشهامة والعزة، غير أنه يوجد في الشعر الحضري لون آخر تقل فيه الصورة الفنية ويتم فيه انتقاء الألفاظ التي تلبي حاجات مجتمع تهمه المتعة ويتلاءم والغناء والطرب14.
وكان الشاعر الشعبي يجالس العلماء، يستمع منهم ويحضر دروس الفقهاء ويستفيد منها وقد أكسبه هذا الكثير من المفردات والمسائل الدينية، ومن بين الأشكال الممارسة في الأدب الشعبي فن الموشحات الجزائرية، التي هي في اعتقاد البعض أقرب إلى الشعر الشعبي منها إلى الشعر المعرب سواء من حيث لغتها وتراكيبها ...، يقول التلي بن الشيخ: «ونحن نتفق مع بعض الدارسين في إدخال الموشحات الجزائرية ضمن حظيرة الشعر الشعبي»15.
يرجع تأثير هذه الأشكال التعبيرية في الشعر الجزائري إلى طبيعة المؤثرات الثقافية من جهة وإلى تاريخ هجرة أنماط الثقافة العربية إلى الجزائر من جهة أخرى.
وقد سبق دخول الموشحات والأزجال الأندلسية إلى الجزائر تأثير القصيدة المعربة التي عززت الهجرة الهلالية خصوصا في المناطق الجنوبية، وساعد على انتشار هذه الموشحات والأزجال إلى جانب الهلاليين هجرة الأندلسيين إلى أرض الوطن الأم وكان تأثيرهم بواسطة ما حملوه معهم من أنماط غناء وطرب.
و قد لعب الشعر الشعبي دورا خطيرا في مجالات عدة منها التبليغ في ظل ظروف انعدمت فيها وسائل التبليغ، مثلا إيصال أخبار الثورة إلى المواطنين ورغم الصعوبات التي كانوا يواجهونها خلال بعث رسائلهم وكذلك استطاع الشاعر الشعبي تصوير فترة الاحتلال الفرنسي تصويرا صادقا، ومن بين الأدوار التي قام بها أيضا، مواكبة تطور المقاومة الجزائرية وحفاظه على استمرار اللغة والثقافة العربية في الجزائر، فقد لعب الشعر الشعبي دورا دعائيا إعلاميا لا يستهان به في صد وطرد الغزاة في جميع مراحله والدعوة إلى إثبات الذات الجزائرية بمقوماتها العربية والإسلامية والأمازيغية والحفاظ على الهوية الوطنية رغم صعوبة الواقع.
أعلام الشعر الشعبي في الجزائر
يزخر الأدب الشعبي الجزائري بمجموعة كبيرة من شعراء الشعبي نذكر بعضا منهم على سبيل المثال لا الحصر:
1 - الشاعر سيدي لخضر بن خلوف16:
هو الأخضر بن عبد الله بن عيسى الشريف الإدريسي، المغراوي نسبة، فهو شريف النسب ، ينتهي إلى سلالة الإمام علي كرم الله وجهه ، وفي هـذا الصدد يقول عنه الحاج محمد بن الحاج الغوثي بخوشة: «فهو شريف إدريسي، أما مغراوة فإنها بلاد نشأته ، وقد صرح التاريخ بأن المغراوة بطن من زناته، وأن الرئاسة كانت لها قبل الإسلام، و في صدره إلى عهد الموحدين، واشتهر منهم ملوك تلمسان ووهران وشلف ومعسكر والأغواط ويقول الإدريسي: وحِسَان النعمان بعروبتهم ولكنهم تبربروا بالمجاورة ...»17.
و يضيف محمد بخوشة قائلا : «يرجع نسب سيدي الأخضر بن خلوف إلى مولى إدريس الأكبر رضي الله عنه، فهو مغراوي الأصل، شريف النسب ، يلتحق بجده عيسى الـذي انتقل إلى منطقة الشقران ناحية مستغانم، و إليك سلسلة حسب ما ذكرها الإمام السيوطي رضي الله عنه : هو عيسى بن الحسن بن يعقوب الشريف بن عبد الله بن عمران بن صفوان بن يسار بن موسى بن يحي بن موسى بن عيسى بن ادريس الولد بن ادريس الأكبر بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن البسيط بن علي كرم الله وجهه، نعم، إن سيدي الأخضر بن خلوف مغراوي الأصل شريف النسب...»18.
إن هذه الشهادة لتؤكد بوضوح نسب الشاعر سيدي الأخضر بن خلوف الشريف، فهو من سلالة الإمام علي كرم الله وجهه، ولقد كان في كل مرة يعتز بهذا النسب من خلال شعره المرصع بآيات الحكمة والعظة والرشاد.
نشأ سيدي الأخضر بن خلوف في بيئة تشتهر بخصال حميدة من جود وكرم وحسن ضيافة، وهي قيم مستمدة من تعاليم الدين الإسلامي، والبيئة العربية المشهورة بخصال العرب الحميدة، وفي هذا يقول محمد بخوشة: « نشأ سيدي الأخضر بن خلوف في ناحية من جبال مغراوة الجزائرية في وسط كريم، مشهور بخصال العرب، عندئذ كان أول عصر الحكم التركي ...»19.
إن العصر التركي الذي نشأ الشاعر بين أحضانه تميز باضطرابات سياسية داخلية، وتحرشات القوى الغاصبة من الخارج مثل إسبانيا وحليفاتها، إضافة إلى الفوضى والقلاقل والهزات الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، ولم يعرف لحد اليوم تاريخ مولد الشاعر سيدي الأخضر بن خلوف بيوم محدد ولا شهر معين ولا سنة مضبوطة، والمشهور والمحفوظ عنه أنه ولد في أوائل الحكم العثماني للجزائر أي في أواخر القرن الثامن الهجري.
إن الشاعر سيدي الأخضر بن خلوف كان عالما كبيرا بين أبناء عصره إذ كان حافظا لكتاب الله، ومطلعا على كتب السيرة والحديث والفقه والأدب والتاريخ، كما كان عارفا بقصص الأنبياء والرسل، وقصص الأولين، وكان له الباع الطويل في الثقافة الإسلامية والتاريخ الإسلامي كما كان أيضا دائم الحضور لحلقات الذكر والفقه الحديث ومجالس تدارس القرآن الكريم وتفسيره، وهذا ما أكده غير ما مرة في قصائده.
قضى الشاعر لخضر بن خلوف أيام صباه في منطقة مزغران، كانت المنطقة هذه مصدر عيشه ، ومأوى عائلته وأهله، ويذكر في قصيدة له أنه كان يحب هذه المنطقة وقد أمضى أحلى أيام شبابه بها قائلا:
حسراه يا الدنيا كاللي مـا كانت
عديت شبوب صغـري في مزغران
سيفي مجرده وأنا نضرب في الاعدا
و الناس ضاجه من زجر ي بالخوف20
ولما بلغ أربعين سنة ودع حياة الشباب، واستقبل حياة أخرى كلها زهد وورع وتصوف ومدح للرسول ﷺ، وغادر منطقة مزغران - قرية صباه وشبابه - ليستقر في المكان الذي يحمل الآن اسمه غير بعيد عن مزغران، وهناك انقطع للعبادة والذكر والبكاء على ذنوبه والتحسر على شهوات الدنيا وملذات الحياة ووسواس النفس والهوى والشيطان، ولقد قدم من مزغران إلى المكان الذي يسمى الآن باسمه، وليس معه شيء من مال أو غيره، سوى معرفة الفقه والعلم وكل ماله صلة بالثقافة الدينية والأدب والتاريخ .
أخذ الشاعر العلم عن مجموعة من المشايخ و الفقهاء والعلماء من بينهم: «سيدي بلقاسم بوعسرية، وكان من النجباء والطلبة المشهورين، وتتلمذ كذلك على يد أستاذه سيدي محمد بن شاعة العالم الفقيه»21. كما أخذ كذلك عن الشيخ محمد بن الأكحل.
حفظ سيدي لخضر بن خلوف القرآن عن شيخه وصهره في نفس الوقت «سيدي عفيف، الذي رأى فيه الخلال الحميدة وحسن الخلق، وقوة الذاكرة فبادر إلى أن يزوجه ابنته (قنو) فتزوجها الشاعر سيدي الأخضر طاعة لشيخه وإرضاءً له »22، ولقد كان في زمانه يسمونه شيخ الشيوخ، وفقيه الفقهاء وإمام الأئمة لسعة علمه وسرعة الحفظ وقوة الإقناع بالحجة والبرهان والدليل»23.
ولهذا ذاع صيت الشاعر واشتهر اسمه وعمت مناقبه من خلق حسن، وعلم كثير وتصوف وزهد وتواضع، كل هذه الصفات جعلت منه وليا صالحا يقتدى به في الحكمة والموعظة والصلاح والرشاد، وزاد من شهرته شعره الرائع الذي خلده وحفظته الأجيال، «فأقدم ديوان شعري في الشعر الشعبي الجزائري ينشر في بلادنا كان قد قام به الأستاذ بخوشة محمد رحمه الله سنة 1958م»24، حيث جمع إحدى وثلاثين قصيدة قدم لها وذيلها بتعاليقه وآرائه وشروحاته.
تعتبر قصيدة «ابقاوا بالسلامة» سيرة ذاتية مختصرة لحياة الشاعر، وربما تكون آخر قصيدة قالها الشاعر في حياته، لأنه يودع فيها أبناءه وأهله ويوصيهم خيرا بأنفسهم وبمن حولهم ويجمع أبناءه فيورثهم رزقه وتركته، حتى لا تكون النية سيئة بعد مماته فيتباغضون ويتخاصمون فيما بينهم، وحفاظا على العشرة والمودة بينهم وصونا كذلك لشرف العائلة الشريفة، يقول:
الموت تابعتـني و الأرض الباردة
ابـقاو بالـسلامة يا أولاد خلوف
أنـت يا مـحمد اتهلى في خيمتـي
أنـت كبير داري و أنت مولاها
وأنت يا أحـمـد خذ أدي سبحتـي
بـها تفكرنـي وقت تقراها
وأنت يا بلـقـاسم عمم بـعماتي
تـضحى لك هـيـبة لمن يراهـا
وأنت يا الحبيب ولدي نطفة من الكبدة
خد شمـلتـي و بـرانيس الصوف
اتـهلاو في بعضكم لا تشفوا في العدا
قـوموا جنازتي و اعطوا المعروف25
نعم، هذه هي التركة التي خلفها الشاعر وقام بتقسيمها على أهله، خيمة لابنه الأكبر محمد، وسبحة لأحمد، وعمامة لأبي القاسم، وشملة وبرانيس لابنه الأصغر الحبيب، وهي في الحقيقة رموز صوفية، وكل شيء من هذه الأمور له دلالة خاصة لا يعرف أسرارها إلا من تخصص في علم الصوفية والتصوف، وفي آخر البيت وصية بالتكاتف والتآزر والتعاون بينهم وإكرام وإحسان للحضور يوم الجنازة ثم يذكرهم بأختهم الوحيدة المطلقة حفصة، ويوصيهم بأن يبروا إليها ويحسنوا إكرامها والإنفاق عليها حيث يقول:
بروا يـا أولادي بـخيتكم هجالــة
حفصة بنت الأكحل مداح الرسول
الـبنت يـاك تـنهان بلا رجـالــة
انتما ارجالها يـا سـابـقيـن الخـيـر
إذا بكـاتني معذورة في حالهـا
تبكي علـى الخلوفي بوهـا لا غير26
كان الولد البار سيدي الاخضر يدعو لوالديه ، ويعتز ببنوته لهما، فأمه هي لالة خولة أو كلة اليعقوبية، وأبوه هو عبد الله ولد خلوف حيث يقول عن أمه:
محال كالخلوفي تولد شي والدة
غر العجوز كلـة حملت بالجوف
الناس ياك تولد شـي ولـدان معبرة
من غيـر من كلة شباح النسوان
وكلة العجوز ولدت مداح خيـر الورى
محمد الشريف النبي العدنان27
ويدعو لوالديه قائلا:
الله يـرحم قـايل الأبـيـــات
الآكحل وآسم بوه عـبـد الله
المشهـور آسـمــه مـن الـفيـات
مغراوي جـده رسول الله
وآمه من بيت محسنات
اليـعقوبية لالـة خولـة28
واختار الشاعر مكانا يدفن فيه بعد موته، وسيكون قبره حذو تلك النخلة التي ستقيه من حر الهجيرة التي يقول عنها :
نخلة مثبتة تلقح بعد اليبوس
احذاها يكون قبري يـا مسلمين29
ويقول :
النخلة مـنـزلها حذايا
نـظلل في ظلها البعيدا30
مات الشاعر سيدي لخضر بن خلوف تاركا شعرا لا يزال حاضرا يرن صداه ويحفظ ويدرس في مختلف المؤسسات التعليمية كالزوايا والمساجد والجامعات رغم طول الزمان بيننا وبينه بعد ما قضى «عمره الطويل في إرشاد العباد، فقدم لهم عصارة فكره وما استنتجه من حكم ومواعظ عبر عمره المديد ليموت فقيرا معدما، ويدفن تحت جذع نخلة مقوسة لا تزال ظلالها وارفة تقي ضريحه من حر الهجيرة»31.
عاش سيدي الاخضر بن خلوف أكثر من مائة وخمسة وعشرين سنة، كما ورد في شعره، إنه عمر طويل عرف فيه الشاعر تطورات تاريخية وأحداث بارزة، أهمها الغزو الإسباني على أرضه التي كان يحبها ويعزها ويمجدها، وحبه هذا كان نابعا من روح عربية مسلمة واعتزاز فياض، ومن هنا تكمن أصالة الشعر الشعبي»والأصالة تعني الاعتزاز بالكيان والشخصية، وبالتالي الوقوف ضد المساس بهذه الأصالة التي تعني الانتماء للوطن»32.
وسيدي الاخضر نموذج في الوطنية لكونه رفع لواء الجهاد ضد الغزاة الإسبان «ففي معركة مستغانم بين المسلمين والإسبان سنة 965هـ/1558م المعروفة بواقعة مزغران، شارك الشاعر الشعبي الشهير الأكحل بن خلوف المعروف بالاخضر شخصيا، وقد سجل فيها قصة المعركة في قصيدته التي مطلعها:
يـا سايـلني عـن طـراد الـروم
قصة مزغران معلومـة33
أراد الشاعر من التاريخ لهذه المعركة أن تكون «عظة للأجيال، معركة كانت بالفعل أفجع هزيمة عرفها الجيش الإسباني في تاريخه للاحتلال... فأصبحت وثيقة تاريخية هامة لأبطالنا الكرام»34، ومن دون شك فواجب أن نضع لمثل هذه النصوص الشعبية مكانا أقدس في القلوب، قبل أن تكون وثائق تاريخية في المتاحف والمكتبات والأرشيف لأنها كتبت بالدماء، ودبجت بالدموع ودونت في ساعة الفرج بعد محن ونكبات أرادت مس الكرامة ودس الشرف ومحو أصالة الشعب الجزائري العربي المسلم، يقول ملخصا حياته:
جوزت مائة وخمسة وعشـرين حساب
وتميت من ورا سني ستة اشهور35
ويذكر بأنه ولد في أواخر القرن الثامن الهجري، وأنه أتم القرن التاسع بأكمله:
من قرن الثمانية أديت سنين اوزايع
والأيام هاملـة والجالب مجلوب
بفضل النبـي تميت القرن التاسع
و الفلك ينثنى والحاسب محسوب36
ومثلما لم تحدد سنة ميلاد الشاعر، فكذلك لم تحدد سنة وفاته بالتحديد لقلة المصادر التاريخية التي تؤكد ذلك.
2 - ترجمة عن حياة الشاعر بن كريو37:
هو التخي عبد الله بن محمد بن الطاهر القاضي وأمه التخي أم النون من نفس الأسرة، ولد عبد الله بمدينة الأغواط واختلف في تاريخ ولادته، فالشائع في ذلك أنه سنة 1860م، وذلك ما نقش على قبره، لكن بعض الدراسات تذكر أن ولادته كانت سنة 1869 38، كان والده قاضيا وبعد أن أتم الشاعر دراسته وصار مؤهلا لأن يحتل منصب قاضي ويكون خير خلف لخير سلف محققا بذلك آمال والده فيه.
كان عبد الله بن كريو اجتماعيا، يحب المجالس الأدبية والمناقشات الثقافية التي كانت تجمعه بأصدقائه من الفنانين والشعراء والقضاة، كما عرف بميله الشديد إلى مجالس الأنس التي كان يرتحل من أجلها إلى مختلف المدن وبالإضافة إلى ثقافته الدينية التي أهلته لأن يكون قاضيا، كثير النظر في كتب التاريخ والأدب، وكان يملك مكتبة يقال إنه أحرقها بنفسه بعد فقدانه لبصره، وبالتالي سوء حالته المادية، وقد كانت تلك المكتبة تحوي الكثير من أشعاره التي دونها بنفسه ورفضه إذاعتها بين الناس تتسم أشعاره باحتوائها الكثير من التراث العربي الإسلامي، كما أن لغته قريبة من لغة الشعر العربي القديم.
وقد روي أنه كان يقوم بتجارب تطبيقية في علم الكيمياء للتوصل إلى صنع (الويز) أي الذهب بالعامية المحلية الجزائرية، وقد أكد شعره الذي يذكر فيه أسماء الرواد والعلماء الذين مارسوا هذا العلم كأفلاطون أنه كان مهتما بهذا العلم اهتماما بالغا.
وفي سنة 1921م تدهورت حالة الشاعر الصحية والنفسية نتيجة الفقر وسوء التغذية وانتشار الحمى الصفراء في مدينة الأغواط التي لا شك في أنه قد أصيب بها هو الآخر، توفي الشاعر يوم 21 أكتوبر 1921 39.
ومن أشهر ما قال الشاعر عبد الله بن كريو هذه النتف:
يا مرسولي سر بجوابي وديه
يمكن بيد الظريف وعنــالي
ياهات اخبار الخير لنا كن انبيه
والمراه اللى بيننا وريهــالي
سال على محبوب قلبي سال عليه
سال عليها سال شاطنة حـالي
قل لها وعلاه محبوبك تنسيه
غيظانه شكيت ما كيش تسالي
قداش ان مرسول لي شقيتيه
كرهوك الحساد بغضه على جالي40
ويقول عبد الله بن كريو في قصيدته المشهورة «قمر الليل» التي يعرفها كل جزائري:
قمر الليل خواطري تتونس بيه
نلقى فيه اوصاف يرضاهم بالي
يا طالب عندي حبيب ماليه شبيه
من مرغوبي فيه سهري يحلالي
انبات انقسم في الليالي ننظر ماليه
يفرقني منه الحذار التالـي
خايف لا بعض السحابات تغطيه
إذا غاب ضياه يتغير حالـي
ياسايل عن خاطري واش رامسهيه
اللي جلى قلبي جالـي41
3 - ترجمة عن حياة الشاعر بن سهلة:
ولد بومدين بن محمد بن سهلة بتلمسان التي كان الأطفال فيها يقضون صباهم بين المسيد (المسجد أو الكتاب) أو المدرسة والحانوت (المتجر) أو العمل، حيث كانت العادة تقتضي تعليم القراءة والكتابة والمهنة الضرورية لضمان رزقه، وتعتبر مهنة الحياكة (الدراز) هي الرائجة آنذاك، فاشتهر أهل المدينة بالإجادة فيها42.
اهتم الشاعر بومدين بن سهلة بالطرب والغناء، وقال الشعر مبكرا، وكانت ملهمته فتاة تدعى (بدرة) تهوى الاستماع لأشعاره، وهو ما فجر قريحة الشاعر، وصار يكتب أشعارا يخاطب بها فتاة أحلامه التي هام بها، ووجه شعره لها مباشرة، فنظم قصائد في محبوبته (بدرة)، وتعلقه بها كان سبب عبقريته في نظم الشعر، وكانت هي تحفظ شعره وتصغي إليه خصوصا القصائد التي قيلت فيها43.
كان الشاعر يتمتع بصفات جميلة، كحسن العشرة وخفة البديهة، وله قدرة على التعبير، حيث يردد الكثير من القصائد في الأعياد والمناسبات الدينية بتلمسان، وقد أتاحت له البروز والنجاح في مجالس اللهو التي طالما شغف بها الشاعر على غرار الشعراء الآخرين فيقول:
العود والأوتار في الرأس القوس والرباب والكأس
مع جميع بناين الناس يزهى كل زهواني
وأنا قاطع لياس ماصبت مــن يزهيني44
وبحكم وجوده في بيئة راقية ووافرة الرخاء، تتوفر فيها جميع أسباب الحضارة والازدهار، إلا أن الطبقة الشغيلة الكادحة تعاني الفقر والحرمان نتيجة سوء تصرف الحكام في المنطقة وجشع الأغنياء، فنجده يعاني هذه الحالة المزرية، فأثر شعره في الرأي العام، وأحس بعضهم عليه، فارتحل إلى أقصى غرب الشمال الجزائري، وواصل مهاجمة الحكام بأشعار منها قوله:
راني من حبك يا إمــام الغيــد
مثل الطير اللي حاصل في الأسجان
عابد غير التخمام و التنكـــيد
هايم مهموم مريـض في الأحـزان
ما نرضى شي عمري نبوس الإيد
وعلى وجهك جرعت كل أمحان45
يغلب على أشعار بومدين بن سهلة الرمز وذلك راجع إلى طبيعة الحكم السائد في عهده فقد عبرت معظمها على مرارة الواقع المعاش وبذلك لقيت تجاوبا من طرف الشعب فعرفت انتشارا واسعا، وراح يرددها الحضري والبدوي، ولم تقتصر على غرض واحد، بل راحت تتلون وتتعدد بين اللزوميات والاستعطاف والشكوى والفخر والغزل والتوسل والابتهال....الخ، وما إلى ذلك، وأروع ما أبدع فيه كان الوصف مع أنه لم يكن من أصحاب التنميق والزخرفة والتأنق اللفظي46.
4 - محمـد بلخيــر:
تختلف الروايات في شأن مكان وتاريخ ميلاده، وهذا ليس غريبا في منطقة لم تعرف نظام الحالة المدنية آنذاك، إلا أن القاسم المشترك بين المؤرخين هو أن المنطقة التي كانت موطنا لقبيلته هي بلدة الرزيقات، قرب البيض والذي يعود إلى فخذ من أفخاذها السّبع47 وهم من أولاد داود.
والرواية الأقرب إلى الحقيقة بشأن مكان وتاريخ مولده هي التي اتّفق حولها بعض المقربين من الشاعر48، حيث حدد مولده سنة 1822م بالواد المالح الواقع ما بين وهران وعين تموشنت قرب العامرية حاليا، هذا التاريخ يؤكده الشاعر وهو في سجنه بكالفي سنة 1884م:
محمد قال عليك من الشباب ولى شيباني
بعد اثنين وستين مابقي ليا ما ينزاد
ومن المفروض أن يلد في مراعي الرزيقات حسب عادة البدو، لكن الظّروف الطبيعية القاهرة وخاصة في السّنوات الشداد كانت القبائل ترحل نحو التّل طلبا للقوت والعمل في مواسم الحصاد، حيث يزداد الطّلب على الشوالة واللقاطة، هذا ما جعل عائلته تنتجع نحو الشمال حيث الكلأ والماء والعمل.
ترعرع الشّاعر وسط مجتمع معروف بخصال وشمائل كثيرة كالكرم والوفاء بالعهد وحبّ الحرية والصّبر على الشّدائد والذّود عن الأرض والعرض، فأكسبته هذه البيئة الكثير من التجارب والخبرات التي يتمتع بها أهل منطقته مما نمّى من معرفته وصقل موهبته، وقد لازم منذ نعومة أظافره الطلاب والكتاتيب لحفظ القرآن الكريم، كما عاشر بعض الشعراء والمداحين والقوالين، وتأثر بهم فتفتقت قريحته الشعرية وتحركت فيه الأحاسيس والمشاعر الوجدانية وتدفقت عواطفه سيلا من القوافي والكلام الموزون المعبر، تزوج وهو ابن العشرين من فاطمة بنت بوقفدة وأنجب منها عدة أطفال منهم لخضر وعبد القادر نسبة إلى سيدي الشّيخ:
سميت ولدي من عزّك بإمام عرباني
في البيت عند مزراقك ما انكونش جاحدوا
وكان له ارتباط متين بسيدي الشيخ الذي يعتبره الدليل والمرشد والقائد الهمام في حياته وهو بذلك ينتمي إلى الطريقة الشيخيّة49.
كان محمد بلخير كريما شجاعا وفارسا مقداما لا يهاب الأعداء، وكان يفضّل أن يستشهد في سبيل الله ودينه ووطنه وعرضه على أن يعيش في بحبوحة من العيش في ظل الخضوع للنفوذ والهيمنة الاستعمارية، ولهذا فإنه يعد من رجال الحروب والمعارك حيث روّض حصانه الملقب بالأزرق للوغى إلى أن سقط (الحصان) في ميدان الشرف، وقد خلد ذلك الحدث في عدة قصائد، أما أسلحته فهي البندقية مزدوجة -الزويجة- مع مسدسين (كوابيس رديف).
حين نكبت الجزائر بالاحتلال الفرنسي، وتوسّع كالمـرض الخبيث فـي جسم الأمّة، اندهش الشّاعر محمد بلخير من هذه الظّاهرة الغريبة ونظم حول ذلك عدة قصائد بيّن فيها طغيان هذا الأجنبي الفرنسي إلى أن كانت مقاومة أولاد سيدي الشيخ 1864م الّتي وجدته كهلا وهو ابن الأربعين فانخرط فيها واجتمعت عنده الفروسية وقول الشعر، وكان لشعره الأثر الأقوى على الفرنسيّين وأتباعهم ، فأصبح من المطلوبين بالقبض عليه.
ومن بين المعارك التي شهدها، عوينة بوبكر والتي قتل فيها العقيد - بوبيرتر- ومعركة ابن الحطاب ومعركة غارات سيد الشيخ في فيفري 1965م، والتي استشهد فيها زعيم الثورة سي محمد بن حمزة وهو في ريعان شبابه، كما شارك في معركة عين ماضي أو القارة العشوى في عهد ثورة بوعمامة، بعد مسيرة قتالية جهادية بطولية طويلة، مع ثورة أولاد سيد الشيخ الأولى والثانية، هاجر محمد بلخير مع الثوار أو أولاد سي حمزة بن بوبكر إلى الوادي الغربي ومنه إلى قير ثم إيغالي وتينقورارين وبعد برهة حصل نوع من الخلاف ما بين بن حمزة المؤيد للتفاوض مع الفرنسيين وأخيه قدور بن حمزة، قائد الثورة، حينذاك والمتحمس لمواصلة الجهاد مع عمه سي الأعلى لكن محمد بلخير لم يقف موقف المتفرج من الأحداث التي تجري حوله أو تصيب إخوانه، إنما كان يجول خائضا كل الغمار طارقا كل باب متصديا لكل حالة، يحث ويحاول ويشجع ويذكر، وبعدها اضطر الشاعر إلى مغادرة معسكر الخلاف لينتقل إلى المنيعة لحث أولاد زايد والشعانبة على استئناف الجهاد المقدس، غير أنه لم يوفق في مهمّته فاتّجه صوب مخيمات ومراعي الرزيقات عند عشيرته وقبيلته إلاّ أنّ السلطات العسكرية التابعة لحامية البيض أخذت عائلته كرهينة ونقلتها إلى الثكنة تحت حراسة مشددة من جنود مسلحين وكان محمد بلخير يعلم أن من بين أفراد عائلته أخ له مريضا فتقدم إلى المركز العسكري باذلا نفسه للعدو مقابل الإفراج عن عائلته فألقي القبض عليه50، وأخضع للتحقيقات والاستجوابات وبعد ذلك سيق إلى السجن وقضى به عدة أيام ثمّ نقــل تحت حراسة مشددة إلى معسكر، حيث التأم مجلس حكمه الذي أصدر حكمه بسجنه 10 سنوات مع نفيه إلى جزيرة كورسيكا سنة 1884م، انتشر خبر هذا النفي كالنار في الهشيم في كل الأنحاء لأنّ اسم محمد بلخير ومسيرة حياته قد ارتبطتا بتاريخ المقاومة الشعبية في الجزائر خلال الاحتلال الفرنسي للجنوب الوهراني والذي دام أكثر من ربع قرن، وبعد قضاء فترة بسجن معسكر أخذ إلى وهران ومنها أبحر إلى مرسيليا، ثم حول إلى جزيرة كورسيكا ليسجن بقلعة كالفي الرهيبة، اعتقد الشاعر أنه اجتاز بحرين من وهران إلى مرسيليا ومنها إلى كالفي كما ورد ذلك في قصيدة له:
فيوك يا خلقي تعوّل
سلاك الحاصلة تفك من البحرين51
وكم قتلت قلعة كالفي وقلاع سان موغريب وكاليدونيا وغيرها من أرواح جزائرية كانت متفائلة مبتسمة52.
كان الشاعر محمد بلخير في سجنه يطلب من الله تعالى أن يفرج عنه ليرجع إلى أرض الجزائر الطاهرة، دار الإسلام ومما يؤلمه أيضا داخل السجن هو الإذلال الّذي كان يشعر به من شدّة المهانة وفقدان الكرامة والإنسانية وهو الفارس الشهم، فرغم العذاب الجسدي المتمثل في الأعمال الشاقة، فإنّ آلامه النفسية كانت أشد، وقد دوّن الشّاعر أروع القصائد في هذه الظّروف، وقد وصل البعض منها إلى الجزائر رغم الستار الحديدي المضروب عليه، وقد جمع جزءا منها الأستاذ بوعلام بسايح وسي حمزة بوبكر، وبقيت مخزونة لدى الذاكرة الجماعية لدى أهل المنطقة ويرددها بعض المولعين بالشعر الشعبي أمثال بن حاجة محمد وحفيد الشاعر محمد بلخير الحاج عبد القادر53.
أفرج عن محمد بلخير 1894م فرجع إلى أرض الجزائر ولم يسمح له بزيارة أهله بالبيض، فتوجه إلى الأبيض سيد الشيخ عند القبة وأقام بعض الوقت وحاول أولاد سيد الشيخ أن يعوضوه عن معاناته فقدموا له هدايا ثمينة من ملابس فاخرة وحصان جميل بسرج مطرز بالخيوط الذهبية... أمضى بقية حياته في قول الشعر الذي يفضح فيه أعمال الاحتلال الفرنسي في الجزائر، ولم يمكث في مكان واحد بل كان رحالة كثير التجوال عبر الجنوب الوهراني، وحين تقدم به العمر أصبح يصاب من حين لآخر بوعكات صحية تلزمه الفراش، حتى فارق الحياة سنة 1904م أو 1906م، ودفن في مقبرة القناطر، لكن بعد الاستقلال قام أحبابه وأقاربه بنقل رفاته إلى مقبرة الشهداء بدائرة بوعلام قرب البيض من جديد بجانب شهداء ثورة التحرير الكبرى.
محمد بلخير الذي نحتته البيئة فصنعت منه شاعرا مميزا عن بقية الشعراء الشعبيين فهو فارس ومجاهد وشاعر الثورة والحب عشق المرأة وعشق الثورة وعشق سيد الشيخ، فقد كان لتنقلاته الكثيرة في مناطق الهضاب العليا والصحراء ومجالسة الفقهاء وأهل الرأي والحكمة الأثر البارز في اكتسابه لكثير من المعلومات والمعارف في الشريعة والتصوف والتاريخ رغم أميته، إن أميته - إن صح التعبير- رفعت من قيمته بفضل ثقافته الشعبية، كان ذا قلب سخيّ وروح سامية فقد كان بداخل هذا الرجل البدوي ملكة شعرية أهلته لأن يكون شاعر القبيلة وفارسها، لقد قال الشعر قبل أن يبدأ في الصوم ويقر أنّه لم يتعلم القراءة والكتابة بتاتا:
ما اقريت مع طلبة بني عشير
ولا كتاب ابن خلدون جا في يدي
ويوضح مصدر ملكته بما منحه الله من ذكاء وفطنة وموهبة وبما ألهمه الله من معارف حيث يقول:
اقريت بلا كتوب من عند الرحمن
ما زينها يا ناس طاعة54
تميز شعره في صغره بالغزل، فقد تناول عدة نساء في غزلياته إلا أنه سعى إلى تطعيمه بالحكم والنّصائح، يقول عنه جاك بيرك «وإذا ما أرقه الشوق والحنان فيتمتع بسحر شعوره كمراهق لينساب شعره في صفاء واحتشام وبلغه شعبية مشحونة بالعبر والأمثال»55.
كما أنّ تجربته الغنية في الحياة من جراء احتكاكه بالمجتمع وأهل الدراية والعلم والخبرة مكنته من إدراك كنه الكثير من الأحداث فكانت له فلسفته في الحياة تنم بنظرة صائبة وحكمة حاضرة.
ما نيشي بادع للكلام نحسب قولي مداوي
نهدر لك بالمعنى إذا تكون للجلوس عقول
دنق للعرف إذا طال ذاك من الشجرة راوي
والقاصف بعدما تكمله يسمى موصول
الرقبة بعد ما تكنه للبارود القاوي
دنق جهد البارود قاع من صال عليـه يصول
الجايح بعدما تعظمه ما يرجع شي ساوي
دنق للي مبداه شين ما مات إلا مذلول56
ويقول:
ما تدوم أيام الشدة يحن ربي بـأيام الخير
مـا تدوم سموم البلدة مقابلتها ساعة تبرير
ويصف إيمانه بالله وبقضائه ويدعو الله بالمغفرة له ولوالديه ولجميع من معه، على أمل أن يفك سجنه ويتغير حاله بفضل الله.
أمر الله قريب ويدور المشوار
ربي قال أظن عبدي نوفيـه
اغفريا لغفار لجميع الحضار
ونـاظـم لشعار ولـوالديه
وفي قصيدة أخرى:
ربـي غفـار للزلازل
يغفر ذنبي مع ذنوب الصالحين
ابغيت من الرخا نكيل
يرعى نحلي نوار جنـة العدنين57
انسحب محمد بلخير مع رفاقه، بعد معارك عديدة إلى المـغرب واستقر في تافيلالت، لم ينقطع عن قول الشعر والتغني به، ولكن قصائده هذه المرة موضوعها الكفاح والاستنفار للحرب، وليس يخل بالشعر مطلقا أنّه يتحول سلاحا قويا في يد الإنسان يفتح به طريق السعادة والعدالة الاجتماعية التي تزول فيها كل أنواع السيطرة والاستغلال والعبودية، وقد احتل الحصان فيها مكانة مرموقة لا يدانيه فيها إلا البندقية، وما إن يرسم خياله لوحة لجواد أو بالأحرى لجياد، أي حركة موكب خيل جامحة مطلقة العنان، حتى يمزجها برائحة البارود، يقول:
واش يجيب إجبال كسال للفيلالـي
بكري كان يجيني طيـر حرّ يحـوم
في ذاك المضرب ضاري انحرق خيلي
ويستنى عودي حتى اتجيـه القـوم
هذي تحريكة تغدى وذيك اتوالي
و من درك العلفة بارودها كمكوم
يطلع في راسي حمان به انشالي
و يلعب عودي لعب إزفافني ملطوم
ومثل هذه السمات لا نجدها إلا في الشعر الجاهلي عامة وفي شعر عنترة بن شداد خاصة الذي يلتقي مع شاعرنا رغم بعد المسافة الزمنية في الجمع بين السيف وركوب الخيل والقلم، يقول عنترة في هذا المجال:
والخيل تعلم والفـوارس أننـي
شيخ الحروب وكهلها وفتاها
ستذكرني قومي إذا الخيل أشبعت
تحول بها الفرسان بين المضارب
فإن هم نسوني فالصوارم والقفـا
تذكرهم فعلي ووقع مضاربي
أمّا محمد بلخير فيقول :
قولي ناصره ربي وادعاوي الناس
نقرا الحرف بغيـر لوحة
الي قال أنا رجيل يغـزى معاي
يعرف خوك اسطـر ولا اهرب
الكلام يواتي الأعقاد
يـؤكد ويوم المشليه
كما يفخر الشاعر بمآثر قومه وجودهم وكرمهم فلما كان حسن الضيافة من الفضائل التي يحتفي بها بلخير كل الاحتفاء، لا لأنه مطلب من مطالب الخلقية وصنيع جميل وحسب، بل لأنّه كذلك عمل يحفظ العلاقات الشخصية ويصونها ويستديم الحوار ويتيح الصلة والتواصل، فالاتّصال أو التواصل في تلك السهوب الجرداء يكف الصمت ويؤنس الوحشة ويكسر العزلة ويوصل الخطاب ويبلغ الرسالة ويرعى حق الأخوة.
نهفي وانبان كالسراب تحت الغيوم
حارز عرضي ولساني
للي قاتل بوي انضيفوا بالطعام
نضحك للي عاداني58
هنا يذكر أنه ليس لنا أن نختار ضيفنا بالضرورة فكل وافد علينا يجد لدينا الترحاب والتكريم الدائم، مهما يكن اسمه ومركزه في المجتمع إن وجوده بيننا ليفرض احترامه ويوجب ضيافته وإكرامه، وكل من يخل بهذه القاعدة ويخالفها وكل من يشوه معـــناها أو يحرفه، وكل من يخلط بها أو يقصد من ورائها أغراضا أخرى تمحى شهرته ويضمحلّ صيته وهذا تصور بلخير:
متربص ولبيق حـافظ بلاقـراي
نعطـي حـق النـاس والواجـب
عمري ضيفي ما يبور وأنا هنـاي
عرضـي خفـت عليـه ينغتـب
وفي هذا يقول (جاك بيرك): «إن بلخير منشد الشجاعة البدوية، شادي بطولة البدو الرحل والشوق الأبدي ليقترح علينا فيما يمليه من صيغ خالصة خطاب الغد ورسالة الأبد»59.
كما أن بلخير الشاعر وبلخير المتيم كان يحب وطنه ويهيم به كان يحبه كما يمكن أن يحبه بدوي قوي القنا شديد البطش في الهيجاء، يتضح ذلك عند ما صرح بموقفه بكل صرامة ولو تعلق الأمر من منحهم ولائه، إذا بدا ما منهم ما يسيء إلى الوطن ولذلك يعتبر سليمان متخاذلا وخائنا فيفضحه قائلا:
والله مـا قعـدوا مـزان هنـاي
من غير سليمان خـان العاهـد
كما يفضح موقف عطا الله الذي صار يتجرّأ على إصدار الفتاوى في صالح الاستعمار وإلزامية إدانة المقاومين وإثبات خروجهم عن الطاعة وتأكيد ضرورة معاقبتهم:
قولو لعطا الله واش كلفك ياحزين
ولاه تشمت في اللي ما لداهم قران
لعبت بك الدنيـا أيامهـا فانييـن
ولعبت بيك القهوة وصـار الأثمان
شوف كتبك تلق أقوال متخالفيـن
من خير أنت ولا كلاب رحمان
وهذه المواقف العملية هي التي كلفته حجز عائلته من طرف الحكام وكلفته حياة ظلّت مضطربة فلم ينعم بالاستقرار، مرة في تافيلالت جنوب المغرب ومرة في المنيعة وأخرى في المنفى بكالفي، في جزيرة كورسيكا وقد أخذ المنفى جزءا غير يسير من حياته بعيدا عن الأهل والوطن.
إن روح المقاومة التي كانت تلاحق الشـاعر محمد بلخير قد كلفته التضحية بشيء غال، إنها الغربة، غربة في وطنه بسبب الاستعمار وغربة في السجن بسبب الاستعمار أيضا، ومن هنا كان لموضوع الغربة نصيب في شعره.
وقال وهو في منطقة تافيلالت بالمغرب:
الدنيا ضاقت وأنا رحيلـي تالـي
من تفكار حبابي خاطري مهمـوم
الدنيا ليلهـا قـمر بـدر يلالـي
وليلة فيها ظلمة وتـبان النجـوم
واش يجيب جبل كسال للفيلالـي
بكري كان يجي الطير حر يحوم
وقال وهو في المنيعة:
نعشى بلاد الناس في طلـب ا لعلا
وبـلادنـا متـروكـة للنــاس
ونكاد تفترش الثـرى وبأرضنـا
للأجنبـي مـوائـد و كـراسـي
وطني أحب إلى من كـل الدنـى
وأعز ناس في البريـة ناسـي
***
ما درت الطّايحة هجرت على ليمان
مـا هـي سرقـة ولا خـديعـة
هربت نفسي من النصارى والشيطان
وارضات لصـاحب الشفـاعـة
أما في سجن (كالفي) فكان يقول:
مـن حبـه خـاطـري امهـول
وحش أولادي وحب سيدي جاو ثنين
رانـي فـي كـالفـي مـجـول
أنا والشيخ بن دوينة مرهونين 60
5 - ابن مسايب:
هو أبو عبد الله الحاج محمد بن مسايب، أحد أبرز شعراء الشعر الملحون، من مواليد الربع الأول من القرن الثاني عشر الهجري (12هـ)61، من أصل أندلسي استقر بتلمسان في حي باب الزير حيث نشأ والتحق في البداية بالكتاتيب القرآنية، فتعلم الفقه والنحو وحفظ القرآن الكريم، لم تثبت الدراسات المتتبعة لحياة الشاعر دلائل واضحة عن مولده وحياته التي ساهمت في تكوين هذه الشخصية الفذة وذلك لنقص ما دوّن عنه، رغم أهميتها البالغة في رفع الإبهام الذي يخيّم على حياته.
ويعتبر محمد بخوشة صاحب الفضل في جمع ونشر بعض أشعار ابن مسايب في شكل دواوين، وقد احتوت القليل مما رواه، حتى إنها قدرت بما يفوق ألفي قصيدة62.
لقد أمضى ابن مسايب شبابه في ممارسة مهنة النسيج التي ساهمت على ما يبدو بطريقة أو بأخرى في تنمية ذوقه الفني، وقد اتهم أيضا بالانحلال الخلقي وكثرت الإشاعات عن تعرضه بالتشبيب بالنساء وتلك هي الأسباب التي دفعت به إلى الهجرة إلى المغرب، بحيث نال حظوة و شأنا لدى أحفاد وأولاد «مولاي إسماعيل الذهبي» .
وقد نقل لنا ابن مسايب في شعره تلك الرحلات الطويلة حيث رسم خريطة أسفاره التي جاب بها كل أنحاء الجزائر والمغرب الأقصى، ويمكن القول: إنه لم يكن شخصية عادية، بل اجتهد ليكتسب شيئا من المعرفة ولم يبخل بها عن معاصريه الذين شهدوا له بالعلم و اعترفوا له بالولاية، فذهب راضيا واستسلم لنداء الأجل عام 1190هـ الموافق لـ 1768م بعد أن عمّر طويلا، دفن أمام ضريح الموحد الشيخ السنوسي رحمهما الله بمدينة تلمسان.
كرس ابن مسايب جل أشعاره في المرأة، من الطبيعي أن نجد وقوف الشاعر على الحبيبة بغزله ونسيبه أكثر من قوله في باقي النساء، فقد قيل في الحبيبة أكثر مما قيل في الأم والزوجة، في نوعه و كمه وقوة عاطفته ووجده، وربما جاءت كثرة الأشعار في الحبيبة، لأن أغلب الشعراء عاشوا عيشة هنيئة مترفة في ظل المرأة التي ملكت قلوبهم، فمن الشعراء من أحب حبا صادقا ومنهم من تمتع بوهم الحب ولهاً.
ولأن الشاعر من أصل أندلسي، فإن الغزل كان ينساب على شفاهه ويدعو إليه لما كانت تتمتع به الأندلس من طبيعة جميلة وحياة حضارية ناعمة، ومجالس أنس ورخاء وغناء63.
والبيئة التلمسانية شبيهة تماما بالبيئة الأندلسية في طبيعتها الخلابة وفي حضارتها وعاداتها وتقاليدها، هنا نشأ ابن مسايب، ممتهنا حرفة الحياكة بالحارة الشعبية باب الزير، كان على دراية بمزج الألوان، فما من شك أن مشاهدته للألوان وتناسقها بمعمل الدراز قد ساهمت في تكوين أسلوبه وذلك منذ فترة الطفولة التي قضاها بالمعمل، وهو يئن تحت وطأة اللوعة، شاعر عاشق للحسن والجمال أحب الجمال وهام فيه، له معشوقة معروفة شهر بها في أكثر من قصيدة ملمحا تارة، ومصرحا أخرى، يقول:
عزامك يا عايشة سِـرْ قَلبـي فشـا
في عروقي يتمشى هواك راه في الحشـاش
داهش منك دهشة لوح عودي أرشــا
ماننساك يا عايشة حتـى في النعــاش64
والشاعر محمد بن مسايب رغم أنه لم يشتهر كشاعر صوفي إلا أن قصائده مفعمة بالروح الصوفية والمصطلحات الدالة على ذلك المتمثلة في المديح النبوي ومدح الأولياء الصالحين، والمعروف أنه منذ شبابه المبكر أصيب بغرام فتاة اسمها عائشة لكنه أصيب بخيبات عاطفية عديدة دفعته إلى قطع علاقته مع الحب الدنيوي، حيث لم يكن أيضا بعيدا عن معاناة البسطاء من الناس، وهو لا يخفي غضبه ومخاوفه إزاء محيط فاسد في أعماقه جراء ظلم الولاة آنئذ، هذه العوامل هي التي حولته من شاعر الحب الدنيوي إلى شاعر الحب الإلهي.
و من القصائد التي توحي بخوض بن مسايب في المجال الصوفي نذكر قصيدة (ما وافى شي طلبي)، وهي قصيدة يوحي ظاهرها عند قراءتها بأنها غرامية غير أنه يقول في آخرها:
نمدح جد الشرفا
صاحب الحوض أحمد سلطاني65
والمتمعن في نص هذه القصيدة يجد فعلا تعابير غرامية كثيرة ليست الحسية فحسب بل الجسدية أيضا ويتجلى ذلك في قوله:
محبوبي كحل العين
والشفر و الحاجب و السالف66
و عند القراءة يتبادر إلى الأذهان وكأنه يصف امرأة لا رجلا، وهذه هي سمة شعراء الصوفية في تعابيرهم المفعمة بالحب تجاه الله ورسوله الكريم عليه الصلاة والسلام.
وابن مسايب في قصيدته (بدر الدجى) يمدح الرسول صلى الله عليه وسلم ويطلب فيه الشاعر النديم أن يملأ الكؤوس بخمر سماوية على شرف محبوبه ويصف أيضا جماله المادي.وهو في هذا يقتدي بالشعراء الصوفية الذين ليست لديهم مشكلة أو عقدة من التحدث عن العشق وهو درجة عالية من المحبة لله تعالى أو الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول:
بدر الدجا عسعـاس والليل راح
يحلى الطرب و الكاس بين الملاح
قم يا نديم فـم دِرْ الكيوس67
و في قوله أيضا:
محمد نور مافي صلى الله عليه قدر ما شرفوا 68
وفي قصيدة (الحرم يا رسول الله) الشاعر بالمدينة المنورة في مقام التائب، المتضرع إلى الله سبحانه وتعالى، طالبا شفاعة رسوله الكريم يقول فيها:
الحرم يا رسول الله
الحرم يا رسول الله
خيفان جيت عندك قاصد
الحرم يارسول الله
خيفان جيت عندك قاصد
يا صاحب الشفاعة الامجد
خوفي بزلتي نتمرد
يوم الوقوف عند الله69
ويقول أيضا:
يا إله اغفر لي ما فات
و اغفر للناظم ذي الأبيات 70.
ومن بين الموضوعات التي استرعت اهتمام الشاعر ابن مسايب موضوع الوطن، فصور لنا هجرته عن وطنه الحبيب وما عاناه من آلام و لوعة الفراق جراء هذه الغربة، فهو لم يغادر الجزائر سائحا الحالة السيئة التي آلت إليها أحوال المجتمع، تحت وطأة وجبروت الأتراك آنذاك، ورغم ما عاناه الشاعر في هجرته تلك من غربة إلا أنها أثرت تأثيرا ايجابيا انعكس على سلوكه فغير نظرته إلى الحياة، ومن بين ما قاله الشاعر في الوطن قصيدة سجل فيها أسفه ولوعته لمدينة تلمسان، وما آلت إليه في القرن السادس عشر، نظم قصيدة «ربي قضى» فقال :
الناس كل من يدخلها
يستحسن الوطن والبقعـا
بالعلم مرفوع و الحكة اكمله
باشعال من اتقان الصنعــــا
خلي الحنادق ونزلها
بين البعل و بين القلعا
في مواسط الجبـل و عرها
وبناها و عمل اسوار وبرج و تبيان 71.
من هنا فالشعر الشعبي الجزائري كان وسيظل يعبر عن آلام وآمال الطبقات الشعبية بكل درجاتها ومراتبها، يعبر عن أمانيها وهمومها عن أفراحها وأقراحها، عن رقيها وانحطاطها، إنه باختصار نابع من عمق المجتمع نفسه، فهو خالد خلود المجتمع ويكتسي حلة خاصة و طابعا متميزا، ولقد أخذت دائرته تتسع بفضل جهود أهل الاختصاص وذوي الكفاءة في هذا الميدان من باحثين ومنظرين وكتاب وشعراء وقراء ومبدعين على اختلاف مناهجهم ومناهلهم، وجهودهم لا تزال متواصلة والبحث في هذا الحقل لا يزال في مرحلة البداية، إذ ينبئ عن نظريات وآليات ومناهج جديدة ستكشف عنها البحوث والدراسات المستقبلية.
هذا قليل من كثير حول موضوع الشعر الشعبي الجزائري وشعرائه الفحول المشهورين بالجزائر الذين تركوا تراثا شعريا ضخما لا يزال الكثير منه مدسوسا في الخزائن والحقائب وفي الرفوف والأدراج وفي المخطوطات والكناشات وربما ضاع الكثير منه بسبب الإهمال واللامبالاة، ولعل ما وصلنا من شعرهم إلا القليل الذي كان محفوظا في ألباب الذاكرة الشعبية ومكنونا عند بعض المهتمين من أمثال: الحاج محمد بن الحاج الغوثي بخوشة والحاج محمد الحبيب حشلاف كما أن هناك مخطوطات ماجستير ودكتوراه للكثير من الباحثين الأكاديميين في الجزائر في قسم الثقافة الشعبية بمدينة تلمسان الذي يضم كما هائلا من دراسات التراث الشعبي المغاربي وخاصة الجزائري، منها ما يتعلق بالجمع ومنها ما يتعلق بالتنظير ومنها ما يتعلق بالجوانب الإجرائية، وكذا أقسام الأدب الشعبي في مختلف جامعات الوطن الجزائري قام فيها الباحثون بدراسات ميدانية حول بيئة وتراث شعراء الشعبي القدامى والمحدثون، حيث حاوروا وسجلوا وسألوا وساءلوا بالصوت والصورة والكتابة والدراسة كل من له علاقة من قريب أو من بعيد بالشخصيات الشاعرة، من أحفاد وأعيان وباحثين ورواة ومهتمين بالتراث، دون أن ننسى المتخصصين في تراث البلد منهم على سبيل المثال لا الحصر: الأستاذ الدكتور عبد المالك مرتاض والأستاذ الدكتور عبد الحميد بورايو والأستاذ الدكتور رشيد بن مالك والأستاذ الدكتور سعيدي محمد، والأستاذ الدكتور أوشاطر مصطفى، وعبد الحق زريوح وجعلوك عبد الرزاق وشايف عكاشة ...الخ، فنتمنى أن نكون من خلال هذه الدراسة قد عملنا على نفض الغبار عن تراث منطقة الجزائر وإخراجه إلى النور، والتشهير أكثر بشخصيات كبيرة ومجهولة حتى - بيننا- في هذا الوطن، وإخراج شعرهم إلى دوامة البحث وعالم المعرفة المستمرة، ومن جهة أخرى تبيان دور الشعر الشعبي وأهميته في تحديد وتسجيل جانب مهم من تاريخنا المجيد، ومساعدتنا على الفهم الصحيح والسليم والسديد للعديد من الجوانب الغامضة التي أهملها الباحثون والمؤرخون أو تناسوها لسبب أو لآخر.
الهوامش
1 - أحمد قنشوبة: الشعر الغض: قراءات في الشعر الشعبي الجزائري، دار الفارابي، لبنان، 2008، ص 12.
2 - عبد الله دحية: تجليات الحس الوطني في الشعر الشعبي، مخطوط ماجستير في الأدب الشعبي، جامعة الجزائر، كلية اللغات والآداب، 2004-2005، ص 18
3 - أحمد قنشوبة، الشعر الغض، قراءات في الشعر الشعبي الجزائري، ص 12.
4 - للتفصيل في الموضوع يراجع: التلي بن الشيخ: دور الشعر الشعبي الجزائري في الثورة (1830-1945)، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1983، ص 81-82.
5 - التلي بن الشيخ ، دور الشعر الشعبي الجزائري في الثورة ( 1830-1945) ، ص 81-82.
6 - التلي بن الشيخ: منطلقات التفكير في الشعر الشعبي الجزائري، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1990، ص 30.
7 - التلي بن الشيخ: دور الشعر الشعبي الجزائري في الثورة ( 1830-1945)، ص 399.
8 - بولرباح عثماني: دراسات نقدية في الأدب الشعبي، الرابطة الوطنية للأدب الشعبي، الجزائر، الطبعة الأولى، ص 34.
9 - التلي بن الشيخ: دور الشعر الشعبي الجزائري في الثورة ( 1830-1945)، ص 367.
10 - للتفصيل في الموضوع يراجع: العربي دحو: الشعر الشعبي و دوره في الثورة التحريرية الكبرى بمنطقة الأوراس (1954- 1962) ، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، ج 1، ص ص25- 32.
11 - التلي بن الشيخ: منطلقات التفكير في الأدب الشعبي الجزائري، ص 25.
12 - أحمد قنشوبة: الشعر الغض، قراءات في الشعر الشعبي الجزائري، ص 23.
13 - التلي بن الشيخ: دور الشعر الشعبي الجزائري في الثورة ( 1830-1945)، ص 391، والعربي دحو: الشعر الشعبي ودوره في الثورة التحريرية، ج1، ص 36.
14 - المرجع نفسه، ص 395.
15 - التلي بن الشيخ: دور الشعر الشعبي الجزائري في الثورة، ص 392.
16 - لمعرفة التفاصيل حول الشاعر سيدي لخضر بن خلوف يراجع: بخوشة محمد بن الغوثي: ديوان سيدي الأخضر بن خلوف، شاعر الدين الوطن، مطبعة الشمال الإفريقي، الرباط، المغرب، 1958، ص 37، وكذا:جلول دواجي عبد القادر: الخطاب الشعري عند سيدي لخضر بن خلوف، مخطوط ماجستير، جامعة تلمسان، الجزائر، 2003/2003. وكذا مقال بمجلة الثقافة الشعبية لجلول دواجي عبد القادر بعنوان: قراءة في سيرة الشاعر الشعبي سيدي لخضر بن خلوف، عدد 33، 2016م، البحرين، ص ص 70-86.
17 - بخوشة محمد بن الغوثي: ديوان سيدي الأخضر بن خلوف، شاعر الدين الوطن، مطبعة الشمال الإفريقي، الرباط، المغرب، 1958، ص 37.
18 - المصدر نفسه: ص 12 (ينظر هامش الصفحة في المصدر).
19 - المصدر نفسه: ص 03.
20 - بخوشة محمد: الديوان، ط2، ص 191.
21 - المستغانمي عبد القادر بن عيسى: مستغانم وأحوازها عبر العصور تاريخيا وثقافيا وفنيا، المطبعة العلاوية، الطبعة الأولى، مستغانم، 1996، ص 40 و ص 95.
22 - من مقابلة مع الحاج لخضاري الحاج مروان، أحد الشيوخ الذين يحتفظون بأشعار الشاعر في أحد مخطوطاته.
23 - من مقابلة مع بوفرمة الحاج، أحد أحفاد الشاعر مهتم بتراث منطقة سيدي الأخضر.
24 - المستغانمي عبد القادر بن عيسى: مستغانم وأحوازها عبر العصور، ص 276.
25 - ينظر جلول دواجي عبد القادر: الخطاب الشعري عند سيدي لخضر بن خلوف، مخطوط ماجستير، جامعة تلمسان، 2002/2003، ينظر: الملحق الشعري: قصيدة «ابقاوا بالسلامة».
26 - ينظر جلول دواجي عبد القادر: الخطاب الشعري عند سيدي لخضر بن خلوف، مخطوط ماجستير، الملحق الشعري: القصيدة بعنوان «ابقاو بالسلامة».
27 - جلول دواجي عبد القادر: الخطاب الشعري عند سيدي لخضر بن خلوف، مخطوط ماجستير، ينظر الملحق الشعري: قصيدة (ابقاو بالسلامة).
28 - بخوشة محمد: الديوان، ط2، ص 187.
29 - بخوشة محمد: الديوان، ط2، ص 193.
30 - نفسه، ص 94.
31 - غارودي محمد: من التراث، قصة مزغران معلومة، الجمهورية اليومية، صحيفة جزائرية، عدد 1031، 18/08/2000م، ص 21.
32 - سونك: الديوان المغرب في أقوال عرب إفريقيا والمغرب، المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية للنشر، الجزائر، 1994م، ص09.
33 - ينظر القصيدة كاملة في: محمد بخوشة: ديوان سيدي لخضر بن خلوف، ط2، ص 182.
34 - المستغانمي عبد القادر بن عيسى: مستغانم وأحوازها عبر العصور، ص 39.
35 - بخوشة محمد: الديوان، ط2، ص 193.
36 - المصدر نفسه: ص 190 وما بعدها.
37 - عبد الحق زريوح، دراسات في الشعر الملحون الجزائري، دار الغرب للنشر والتوزيع، وهران، 2008م، ص 72 -73
38 - أحمد أمين، صور مشرقة من الشعر الشعبي الجزائري، دار النشر الحكمة، الجزائر، 2007، ص 166.
39 - أحمد أمين: صور مشرقة من الشعر الشعبي الجزائري، ص 182.
40 -مجلة آمال: مجلة أدبية ثقافية تصدر عن وزارة الاتصال والثقافة، الجزائر، العدد 68/2000م.
41 - ينظر القصيدة كاملة في كتاب: التلي بن الشيخ: دور الشعر الشعبي الجزائري في الثورة (1830م-1945م)، ص515.
42 - محمد الحبيب حشلاف: ديوان الشيخ التلمساني بومدين بن سهلة، تحقيق محمد بن عمر الزرهوني، المؤسسة لوطنية للاتصال وللنشر والاشهار، الجزائر، ط1، 2001م، ص19.
43 - المصدر نفسه، ص19.
44 - بومدين بن سهلة، ديوان الشيخ التلمساني، ص 20.
45 - بومدين بن سهلة، ديوان الشيخ التلمساني، ص21.
46 - المصدر نفسه، ص ص 21-25.
47 - Si Hamza Boubakeur: Trois poèmes Algériennes. Edition moissonneuse et l’arrose. 1991 Tome II. P 32.
48 - Ibid. P21
49 - حشلافي لخضر: مظاهر المعتقدات الشعبية في شعر محمد بلخير، دار نون والقلم للطباعة والنشر والتوزيع، الأغواط، الجزائر، 2014، ص29.
50 - بوعلام بالسايح، «محمد بلخير»، مجلة الثقافة، مجلة تصدرها وزارة الثقافة والسياحة، عدد 92، جمادى 2 رجب 1406هـ، ص 16، مارس/أفريل 1986.
51 - حشلافي لخضر: مظاهر المعتقدات الشعبية في شعر محمد بلخير، ينظر الملحق الشعري (قصيدة كالفي)، ص206.
52 - أبو القاسم سعد الله: «تاريخ الجزائر الثقافي»، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1981م، ج8، ص 330. -
53 - حشلافي لخضر: مظاهر المعتقدات الشعبية في شعر محمد بلخير، ص32.
54 - حشلافي لخضر: مظاهر المعتقدات الشعبية في شعر محمد بلخير، ينظر الملحق الشعري، قصيدة «يوم في القارة القشوى» ص199.
55 - Boualem Bessaih. Etendard interdit. Poèmes de guerre et l’amour de Mohamed Belkhir. Préface de Jacque Berque. Edition bilingue. La bibliothèque Arabe Sindibad. Paris. 1976. P15.
56 -. Ibid. p 145.
57 - حشلافي لخضر: مظاهر المعتقدات الشعبية في شعر محمد بلخير، ص34.
58 - حشلافي لخضر: مظاهر المعتقدات الشعبية في شعر محمد بلخير، ص35.
59 -Boualem Bessaih. Etendard interdit, p 138.
60 - حشلافي لخضر: مظاهر المعتقدات الشعبية في شعر محمد بلخير، ص35 من قصيدة «كالفي» في الملحق الشعري، ص206.
61 - أبو عبد الله محمد بن أحمد: ديوان ابن مسايب، تح: أمقران السحنوني وأسماء حفناوي، وزارة الثقافة، الجزائر، 2007، ص 08.
62 - المرجع نفسه، ص 10.
63 - جودت الركابي: في الأدب الأندلسي، مطبعة دار المعارف، القاهرة، ص 121.
64 - ابن مسايب: الديوان، تحقيق: محمد بخوشة، نشر مطبعة ابن خلدون، تلمسان، الجزائر، دط، ص 63 وما بعدها.
65 - المصدر نفسه، ص 131.
66 - المصدر نفسه، ص 130.
67 - بن مسايب: الديوان، ص132.
68 - المصدر نفسه، ص 146.
69 - بن مسايب: الديوان، ص158.
70 - المصدر نفسه، ص 11.
71 - العربي دحو: الشعر الشعبي ودوره في الثورة التحريرية الكبرى لمنطقة الأوراس، المؤسسة الوطنية للكتاب، ج1، 1989م، الجزائر، ص 46.
الصور
1 - https://i.pinimg.com/originals/b9/e1/fe/b9e1feeac01e6eff5d9d16d9fc6a8e72.jpg
2 - https://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/c/ce/Bensari2.jpg
3 - https://i.pinimg.com/originals/fa/8e/30/fa8e30875e9b2c3dde7b2dd146b3d20e.jpg
4 - https://i.pinimg.com/originals/fa/8e/30/fa8e30875e9b2c3dde7b2dd146b3d20e.jpg
5 - https://www.pinterest.com/pin/785737466210464986/visual-search/?x=12&y=2&w=530&h=305