فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
42

التراث المعماري بالواحات المغربية بين إشكالية التدهور وجهود رد الاعتبار «واحات تافيلالت» نموذجا

العدد 42 - ثقافة مادية
التراث المعماري بالواحات المغربية  بين إشكالية التدهور وجهود رد الاعتبار «واحات تافيلالت» نموذجا
باحث من المغرب

تعتبر القصور والقصبات من أهم المعالم المعمارية والسوسيوثقافية المشكلة للمجال الواحي عامة وواحات تافيلالت بشكل خاص، لما تختزنه من إرث تاريخي يجسد تضحيات وتضامن وإبداع الإنسان المحلي ومدى ارتباطه القوي ببيئته سواء تعلق الأمر بمواد أو تصاميم البناء. إلا أنه خلال العقود الأخيرة، بدأ هذا التراث العمراني يفقد مكانته، بفعل مجموعة من العوامل الطبيعية والبشرية، الشيء الذي كان وراء اكتساح قوي للمباني الإسمنتية على حساب المباني الأصيلة التي أصبح العديد منها مهددا بالانهيار كليا أو جزئيا. وفي ظل هذا الوضع الذي لا يبعث على الارتياح بمستقبل أفضل للتراث المعماري بتافيلالت في ظل الاندثار التام لمجموعة من القصور والقصبات، بدأت تظهر خلال السنين الأخيرة بعض المبادرات العمومية المحتشمة الطامحة إلى رد الاعتبار لهذا الموروث الفريد في ظل الغياب الكبير للمبادرات الخاصة. كما لا يمكن إغفال المآثر العمرانية لمدينة سجلماسة التاريخية رغم الإهمال الذي طالها، والتي لازالت بعض الأطلال شاهدة على التقدم العمراني الذي وصلت إليه هذه المدينة قبل اندثارها خلال القرن الربع عشر ميلادي.

سنحاول في هذه المساهمة طرح إشكالية التراث المعماري بواحات تافيلالت كنموذج معبر عن واقع باقي الواحات المغربية، من خلال التعريف بأهميته مع الوقوف على أهم مظاهر وعوامل التدهور الذي طالته، ثم بعد ذلك سنحاول إبراز أهم التدخلات سواء الرسمية أو الخاصة التي عرفتها المنطقة لرد الاعتبار لهذا الإرث المعماري مع محاولة تقييم ذلك.

التراث المعماري بواحات تافيلالت وأهميته التنموية

1 - القصور والقصبات ركيزة التراث المعماري بتافيلالت:

يتشابه إلى حد كبير الموروث المعماري السائد حاليا بتافيلالت التي تنتمي اداريا إلى إقليم الرشيدية (الخريطة 1) مع الذي يوجد في مختلف المناطق الواحية بشمال إفريقيا سواء من حيث الوظيفة أو شكل البناء، إذ أن جميع القصور الصحراوية محاطة بأسوار وأبراج تختلف ارتفاعاتها وسمكها تبعا لأهمية القصر(1). وعموما، فإن القصر بواحات تافيلالت (الشكل1) هو سكن متجمع ومغلق داخل المجال الزراعي للواحة، يتخذ شكلا مربعا محاطا بسور أمني سميك يتراوح عرضه ما بين متر ومترين، وعلوه يتراوح ما بين خمسة وعشرة أمتار، تتخلله عدة أبراج كانت تخصص للحراسة مربعة الشكل تتعدد حسب مساحة ومكانة القصر مع وجود إثنان يحيطان بمدخله الرئيسي والوحيد. وبداخل القصر توجد ساحة واسعة تنطلق منها مختلف الأزقة، كما تضم بعض المرافق الاجتماعية والاقتصادية من خلال وجود مكان مخصص للاجتماعات الذي تتدارس فيه شؤون القصر، إضافة إلى بعض الدكاكين.

كما أن جل القصور تتوفر على مسجد للعبادة والذي تبنى بجانبه مجموعة من المرافق التابعة له، كمنزل الإمام وقاعات لتحفيظ القران الكريم وتدارسه. ويرجع تاريخ ظهور القصور والقصبات بتافيلالت إلى الفترة السجلماسية ومنها ما يعود إلى فترات لاحقة. إلا أن ما يجمعها هو اعتماد معظم مقوماتها المعمارية من مواد البناء الأساسية وحتى التصميم من المدينة الأم سجلماسة(2). كما يمكن أن يرجع سبب انتشار هذا النوع من السكن إلى القبائل التي هاجرت إلى تافيلالت ونقلت معها هذا النمط السكني بعد مرورها بالعديد من المجالات الصحراوية، التي أخذت العديد من أنماطها الحياتية والمعمارية قبل وصولها إلى المغرب(3).

وإذا كانت معظم القصور متشابهة من حيث التصميم ومواد البناء، فإنها تختلف إلى حد كبير من حيث التركيبة السكانية والوظيفة، حيث يمكن التمييز بين القصور الزوايا المرتبطة بزاوية معينة، والقصور اليهودية، والقصور المخزنية المخصصة لأبناء السلاطين والأمراء، والقصور العامة التي تضم أجناسا مختلفة ثم القصبات التي غالبا ما تسكنها عائلة واحدة حسب التركيبة السكانية والتي تنعكس على مساحة القصر. كما يمكن التمييز بين القصور الحرفية والقصور التجارية حسب وظيفة القصر(4). واعتمادا على الإحصاء المنجز من طرف المصالح التقنية لعمالة إقليم الرشيدية سنة 2005، فإن إقليم الرشيدية يحتضن أكثر من400 قصر وقصبة.

تنفتح المنازل المتجمعة داخل القصر بالواحات على السماء ومغلقة تماما عن الخارج، كما تتكون في الغالب من طابقين إلى ثلاثة تستغل حسب فصول السنة. ففي الطابق السفلي توجد ساحة صغيرة متصلة بباب الدار تدعى «السقيفة»، ومنها ينطلق الدرج الذي يؤدي إلى الطابق العلوي، وفي منتصفه يوجد المرحاض. كما يتم كذلك المرور إلى وسط الدار انطلاقا من «السقيفة»الذي تصل إليه أشعة الشمس عبر فتحة في السقف تدعى «عين الدار»، ويضم حجرتين واحدة للمواشي وأخرى للأدوات الفلاحية. أما الطابق العلوي فيخصص غالبا لسكن الأسرة وتتوزع على جنباته الغرف، وعلى إحدى زواياه الأربع يبنى الدرج الثاني الذي يؤدي إلى أعلى طابق في المنزل الذي يطلق عليه محليا «العلالي». أما مواد بناء المساكن فكلها محلية، وتتكون أساسا من سعف وجذوع النخيل للتسقيف والتراب الممزوج بالتبن لبناء الجدران.

2 - أطلال مدينة سجلماسة شهادة حية على عراقة المعمار بتافيلالت:

نظرا لقدم التعمير بتافيلالت وطبيعة الموقع الاستراتيجي الذي لعبته في التجارة الصحراوية بين المغرب وبلاد السودان، فقد عرفت ظهور مركز حضري متميز في تاريخ المغرب المتمثل في مدينة سجلماسة منذ النصف الثاني من القرن الثامن الميلادي. وكانت مدينة سجلماسة في بداية تأسيسها عبارة عن إمارة تعاقب على حكمها كل من المدراريين والمغراويين. ولقد استطاع أمراء سجلماسة خلال هذه الفترة الحفاظ على استقلالها بالرغم من النزاعات الداخلية والمؤامرات الخارجية، إلا أنه ابتداء من منتصف القرن الحادي عشر الميلادي وحتى نهاية القرن الرابع عشر للميلاد دخلت سجلماسة تحت سيطرة الحكم المركزي بالمغرب، فتحولت بذلك إلى ولاية أو إقليم تحت سيادة المرابطين ثم الموحدين فالمرينيين(5) ، كل هذا جعل مدينة سجلماسة تحتل مكانة متميزة داخل المغرب خلال هذه الفترة، سياسيا واقتصاديا وعسكريا. وقد أظهرت الحفريات التي قامت بها البعثة الأمريكية بموقع سجلماسة سنة 1988 إضافة إلى مجموعة من المصادر التاريخية على توضيح الطابع المعماري المتميز لهذه المدينة القديمة، التي عرفت تجديدا في البناء مع توالي الدول المتعاقبة على حكم المغرب. كما بينت أن المدينة تعد من بين المدن الإسلامية التي عرفت حضارة كبيرة من خلال معمارها العظيم، حيث كانت محاطة بسور كبير، ولها عدة أبواب، وبها عدة مساجد وحمامات، والعديد من المنازل والقصور والبساتين والأسواق، واستخدمت عدة عناصر في البناء من طين وحجر وجبس وخشب(6).

لكن بعد تراجع مكانة سجلماسة الاقتصادية وتحول الطرق التجارية الصحراوية نحو البحر، بفعل الاكتشافات الجغرافية وتأزم الأوضاع السياسية في المغرب نتيجة ضعف السلطة المركزية خلال القرن الرابع عشر الميلادي، اندثرت مدينة سجلماسة بشكل غريب اختلفت المصادر والروايات حول الطريقة، لكنها أجمعت على أن سكانها استقروا بضواحيها داخل القصور والقصبات، التي شكلت المأوى الجديد لساكنة هذه المدينة والتي لازالت مجالا لاستقرار معظم ساكنة تافيلالت. وتشهد حاليا مجموعة من الأطلال التي ظلت صامدة(الصورة1) رغم قدمها بالموقع الأثري لسجلماسة قرب مركز مدينة الريصاني على فترة أمجاد هذه المدينة سياسيا واقتصاديا وثقافيا، والتي انعكست بشكل واضح على وضعها العمراني.

3 - الأهمية التنموية للتراث المعماري بتافيلالت:

يشكل النمط العمراني داخل واحات تافيلالت رصيدا ثقافيا واجتماعيا، يمكن تثمينه بشكل أفضل بعيدا عن كل التأثيرات الخارجية في ظل الاكتساح الذي تمارسه العولمة. وهكذا فإن التراث الثقافي الواحي في شقه المادي يشكل كنزا ثمينا للتدخل التنموي، حيث يسمح باستغلال القصبات لحمايتها وإعطائها وظائف جديدة مثل متاحف الفن ومعارض بيع المنتجات المحلية(7) . وعموما، فإن هذا الإرث التاريخي بدأ يستغل كمنتوج ورأس مال ثقافي لخدمة الزبون السياحي الوافد على المنطقة، حيث أن الزائر يكتشف مجموعة من القصور والقصبات ذات المعمار الأصيل، والتي تغري إلى حد كبير بطابعها الهندسي الذي يتماشى مع طبيعة المناخ وأعراف سكان المنطقة. ومما يزيد من أهمية هذه القصور بالنسبة للسائح كون المنطقة تتوفر على قصور مختلفة التصاميم، وتعتبر القصور المخزنية بالريصاني التي يعود بناؤها إلى العهد العلوي باستثناء قصر أولاد عبد الحليم من أهم القصور التي يفضل زيارتها، نظرا لما تحويه من مكونات معمارية مميزة عن باقي القصور العمومية والتي بدورها تدخل ضمن أهم المسارات السياحية بتافيلالت. ويعد قصر أولاد عبد الحليم (الصورة2) من أهم وأقدم القصور المخزنية التي عاصرت مدينة سجلماسة، وقد احتفظ مدخله الرئيسي بزخرفة تعبر عن الفن الذي ساد خلال الفترة المرينية، كما ضم خلف أسواره العالية ساحة داخلية ذات شكل مستطيل بداخلها بستان شكل منتزها للأمير المريني المؤسس لها(8). كما يعد قصر الفيضة من أهم القصور العلوية بتافيلالت، حيث يرجع تاريخ إنشائه إلى عهد السلطان مولاي إسماعيل، وتمت إعادة بنائه من جديد بعدما تعرض للتخريب خلال فترة حكم السلطان مولاي عبد الرحمان، ومنذ ذلك التاريخ والقصر يقوم بأدوار طلائعية في توجيه المسار السياسي للمنطقة، حيث كان في بعض الأحيان مقر سكنى خليفة السلطان أو قائد تافيلالت إلى غاية سنة 1965م(9) . ونظرا للمكانة السياسية المتميزة لهذا القصر، فقد احتضن مجموعة من المعالم المعمارية من تصاميم ونقوش، تعكس مدى التطور الذي وصلت إليه الحضارة المعمارية العلوية في تلك الفترة.

وتعطي أطلال مدينة سجلماسة بجوار مدينة الريصاني رغم قلتها صورة عن المعمار الذي ميز تاريخ هذه المدينة خلال مرحلة أمجادها. وهكذا، يمكن استغلال هذا الموقع الأثري الذي لا يتم الترويج له بشكل يتناسب مع قيمته التاريخية كمحطة مهمة ضمن المسارات السياحية التي تضمها تافيلالت، بالتالي المساهمة في تنويع وإثراء المنتوج السياحي المحلي خصوصا في شقه المادي. كما تحتضن منطقة تافيلالت ضريح المولى علي الشريف جد السلاطين العلويين بالريصاني، والذي يتميز بمعماره المغربي الأصيل، بعد خضوعه إلى عدة عمليات إصلاح وترميم. وبالإضافة إلى استثمار التراث المعماري في خدمة السياحة فإنه يوظف أيضا كديكور في التصوير السينمائي، كما تم استغلال طرق ومواد بنائه في تصميم وتزيين مؤسسات الإيواء السياحي التي تنتشر بمجال تافيلالت.

تدهور التراث المعماري: المظاهر والعوامل

1 - تعدد مظاهر تدهور التراث المعماري بتافيلالت:

يشهدالتراث المعماري الذي تختزنه الواحات المغربية وتافيلالت بشكل خاص خلال العقود الأخيرة تدهورا واضحا وسريعا، حيث بدأ يطاله الإهمال والنسيان بذريعة الحداثة وتطور الحياة الاجتماعية والاقتصادية، إلى درجة أن هذا الوضع أصبح ينذر بمستقبل كارثي لما تبقى من المعمار المحلي. وتختلف حدة ووتيرة هذا الإهمال من قصر إلى آخر، بفعل التقادم واكتساح المباني الإسمنتية لها، الشيء الذي جعل العديد منها يفقد ملامحه وهويته الأصلية وأصبح مهددا بالانهيار كليا أو جزئيا. وقد زاد من حدة التدهور الذي يطال المعمار المحلي تماسك الدور فيما بينها داخل القصور وسرعة تأثر مواد بنائها، الشيء الذي يجعل انهيار دار واحدة يؤثر على الأخرى. ومن أهم مظاهر التدهور نذكر:

انهيار كلي لمجموعة من القصور والقصبات، حيث أن العديد منها أصبح عبارة عن أطلال أو ركام من الأتربة (الصورة3)، واختفت تماما إلى حدود الساعة حوالي من خمسين قصرا وقصبة بواحتي أرفود والريصاني(10)؛

انهيار جزئي لمجموعة من القصور والقصبات: انهارت بسبب أو بآخر مجموعة من المنازل داخل القصور أو المرافق التابعة لها (الصورة4)، الشيء الذي يؤثر بشكل سلبي على القصر بشكل عام نتيجة غياب إعادة بناء المباني المنهارة إما لارتفاع التكلفة أو للإهمال؛

تشقق وتآكل المباني: تعاني مجموعة من القصور من التشقق والتآكل الذي يؤثر على سلامة المباني المكونة لها (الصورة5)، وهذا ما يؤدي في الأخير إلى انهيارها بفعل غياب أو ضعف تدعيم وصيانة البنايات المتضررة.

- اكتساح المباني الإسمنتية: أصبحت جل القصور بتافيلالت تفقد أصالتها وهويتها، بفعل إعادة بناء دور جديدة ومجموعة من المرافق التابعة لها بتصاميم ومواد بناء مخالفة تماما للبناء الأصيل (الصورة6)، إضافة إلى فتح النوافذ والأبواب في أسوار القصر، الشيء الذي يجعلنا نقف أمام معمار جديد يخالف خصوصيات وأصالة المعمار المحلي، وبالتالي بداية سيادة معمار جديد لا علاقة له بالبيئة الواحية؛

انتشار السكن الفردي خارج أسوار القصر: أصبح مجموعة من السكان يفضلون ترك منازلهم داخل القصر وتعويضها بأخرى خارج أسواره (الصورة7)، موالين وجوههم صوب الطرق ومتنكرين لموضع السكن القديم ومواده وهندسته ووظائفه(11)، حيث يتم بناء الدور الجديدة بالإسمنت وبتصاميم عصرية مشكلين بذلك دواوير بجوار القصر، الشيء الذي جعل العديد منها يشكل سكنا هشا داخل مجال سكني شاسع. إلا أن تنامي السكن بجوار القصور الأصيلة بقدر ما توحي بنهايتها ظاهريا كنمط معماري وسكني، فإنها تكشف عن نوع استمرارية أدائها التنظيمي والاجتماعي سواء على مستوى العلاقات الأسرية أو من خلال التشبث بالموطن الأصلي(12).

هجر مجموعة من القصور: أفرغت مجموعة من القصور بتافيلالت بشكل كلي من سكانها (الصورة8) نتيجة الهجرة التي زادت حدتها مع جفاف ثمانينيات القرن الماضي، حيث أن أغلب المستقرين بالقصور حاليا إما غير قادرين عن العمل أو ليست لهم إمكانيات مادية تؤهلهم للحياة في المدينة. وقد وصل عدد القصور المهجورة بإقليم الرشيدية إلى حوالي 132 قصر من أصل 412 قصرا لازالت قائمة إلى يومنا هذا (الجدول1).

2 - تعدد وتداخل عوامل تدهور التراث المعماري:

أ - العوامل الطبيعية:

تساهم العوامل الطبيعية بشكل كبير ومباشر في تدهور التراث المعماري بتافيلالت ومن أهما:

الفيضانات الفجائية: تساهم التساقطات النادرة والمركزة في الزمان والمكان التي تعرفها تافيلالت، إضافة إلى تراجع الغطاء النباتي في المساعدة على وجود سيول جارفة وفيضانات مهولة من فترة لأخرى والتي تؤدي إلى إغراق العديد من القصور واختفائها بشكل نهائي. فالفيضان المدمر لوادي زيز خلال شهر نونبر سنة 1965 ترك 25 ألف شخص بدون مأوى(13)، بفعل انهيار مجموعة من القصور وتضرر العديد من المنازل.

زحف الرمال: يعتبر زحف الرمال من أهم الظواهر الطبيعية التي تساهم في هشاشة الوسط بواحات تافيلالت، حيث أدت هذه الظاهرة إلى تغطية مساحات زراعية شاسعة وما تتوفر عليه من تجهيزات هيدروفلاحية بالإضافة إلى اكتساح بعض القصور، كما حدث بمنطقة الجرف سنة 1977، حيث غطت الرمال حوالي 16 هـكتارمن الأراضي الزراعية وثلث مساحة قصر حنابو، مخلفة حوالي 78 أسرة بدون سكن لمدة طويلة(14).

طول فترة الجفاف: يعتبر الجفاف ظاهرة بنيوية بتافيلالت الشيء الذي دفع مجموعة من السكان إلى الهجرة اضطرارا، في ظل استنفاذ كل المجهودات يلتكيف مع هذا الواقع الهش والذي ازدادت حدة هشاشته مع طول مدة الجفاف وتراجع مردودية الإنتاج الفلاحي إضافة إلى ارتفاع متطلبات الحياة لدى السكان. وهذا ما أدى إلى هجرة جماعية للعديد من الأسر خصوصا منذ عقد ثمنينيات القرن الماضي، تاركين منازلهم داخل القصور عرضة للإهمال والضياع، وهو ما أثر بشكل كبير على عمران العديد من القصور.

الهزات الزلزالية: كان لزلزال سنة 1992 الذي ضرب تافيلالت والذي وصلت قوته إلى 5,2 درجة على سلم ريشتر، في تصدع مجموعة من البنيات وتغيير معالمها داخل القصور والتي أصبحت مهددة بالانهيار وغير صالحة للسكن.

الجدول1: توزيع القصور المسكونة والمهجورة حسب الجماعات بإقليم الرشيدية

الدائرة الجماعة مكان المشروع عدد الأسر كلفة المشروع (مليون درهم) مساهمة الجماعة (مليون درهم)
الرشيدية الرشيدية قصر تاركة 170 6.50 0
قصر أمزوج 600 8.00 0.80
قصر أيت باموحى 354 3.00 0.30
قصر انكبي 54 1.00 0.10
قصر أولاد تكير 120 2.41 0.21
الخنك قصر تزموريت 100 4.00 0.21
الريصاني مولاي علي الشريف قصبة م عبدالكريم 46 6.50 0
قصر أبو عام 236 5.70 0
قصر أخنوس 160 8.00 0
بني أمحمد سجلماسة قصر الفيضة 00 2.00 0
أولاد عبدالحليم 35 5.00 0
أرفود أرفود قصر الجرانة 100 5.80 0
عرب ص زيز قصر المعاضيض 493 0.85 0.05
كلميمة كلميمة كلميمة 373 9.93 0
ملعب ملعب 1500 15.00 1.35
فركلة العليا قصر أسرير 599 11.50 0
بو ذنيب أولاد النعام قصر أولاد النعام 297 7.00 0
المجموع 5237 102.19 2.81

المصدر: عمالة إقليم الرشيدية، 1995؛ بحث ميداني، 2016.

 

بـ - العوامل البشرية المساهمة في تدهور القصور بتافيلالت:

ساهمت مجموعة من العوامل في تدهور عمران قصور تافيلالت من أهمها:

النمو الديموغرافي: رغم التراجع الكبير للنمو الديموغرافي (الشكل 2) في العديد من قصور تافيلالت بفعل الهجرة المغادرة، فإن تأثيره كان له وقع كبير على السكان المستقرين، بفعل تعدد الأسر داخل البيت الواحد والتي كانت إلى زمن قريب تعيش في ظل أسرة ممتدة يتحكم في تسييرها الجد أو الأب أو الأخ الأكبر، وهذا ما أصبح في يومنا هذا شبه مستحيل، حيث أنه تم الانتقال بشكل سريع بتافيلالت نحو الأسر النووية التي أصبح فيها الأب هو المسؤول الأول والوحيد عليها، وبالتالي تزايد الطلب على الدور التي لايمكن أن يلبيها السكن المتوفر داخل أسوار القصر.

التوترات الاجتماعية:عرفت منطقة تافيلالت مجموعة من التوترات والصراعات التي كانت تنشب بين القصور أو بين سكان القصر الواحد(15)، والتي كان بعضها وراء تدمير مجموعة القصور (تاحسنونت الكبير، اجارتي، الفيضا العليا، مولاي الوليد، قصبة احملني، أولاد منصور، أولاد محمد...). كما عرفت المنطقة أيضا خلال فترة الحماية انهيارا كليا لقصر تغمرت قرب مدينة الريصاني الذي شكل مقرا للسلطة الاستعمارية بعد محاصرته من طرف السكان.

الهجرة المغادرة: أمام تزايد متطلبات الحياة لدى سكان القصور في ظل انفتاح المنطقة على التأثيرات الخارجية والتي لم تعد الواحة قادرة على تلبيتها، بدأت الهجرة المغادرة من تافيلالت تأخذ طابع الديمومة والجماعية، إذ أصبح هذا المجال بالنسبة لهم مجالا طاردا لأهله. فبمشيخة الغرفة مثلا بجماعة بني أمحمد بالريصاني تراجع عدد الأسر من 712 أسرة سنة 1994 إلى 458 أسرة سنة 2012، أي بنسبة انخفاض وصلت إلى 35.6 %، وقد وصلت في بعض القصور إلى 100 % كما هو الشأن بالنسبة لقصور تاوغرت، تغدوين،العنبري (الشكل 3)(16).

تفكك المنظومة الاجتماعية التقليدية: مع انفتاح تافيلالت على الخارج، بفعل الهجرة وكذا تطور وسائل الاتصال بمختلف أنواعها وسهولة الانخراط فيها، فقد تم إدخال مجموعة من العادات والتقاليد والسلوكات والقيم الجديدة إليها التي كان لها وقع كبير على المعمار المحلي. فالعلاقات الاجتماعية التي كانت تنظمها الأعراف المبنية على التآزر والتعاون والمتجسدة في تماسك المعمار داخل القصور واعتماد أعراف موحدة تنظم العلاقات الاجتماعية داخله، شهدت تراجعا كبيرا ومعها بدأ المعمار بدوره يتجه نحو الفردانية والانتشار خارج أسوار القصر.

جهود رد الاعتبار للتراث المعماري، تعدد المتدخلين وميزته الانتقائية

بدأت فكرة المحافظة على التـراث فـي المغرب منذ السنوات الأولى للفتـرة الاستعمارية، حيث صدر أول ظهيـرمتعلق بالمحافظة على المباني التاريخية والكتابات التاريخية في 29 نونبـر 1912 (17)، ثم ظهير 13 فبراير 1914(18) وظهير 21 يوليوز 1945 (19) . وخلال هذه الفترة لم تكن المحافظة على التراث الثقافي حاجة نابعة من البيئة المحلية بقدر ما كانت تهدف إلى دراسة المجتمع المحلي وفهم تاريخه لتسهيل السيطرة عليه(20) . وبعد الاستقلال لم يظهر هناك أي اجتهاد يذكر في هذا المجال حيث أن القانون 22-80 أستند على النصوص القانونية للفترة الاستعمارية، الشيء الذي جعل المغرب تابعا للمدرسة الفرنسية في حماية التراث ومعالجة إشكالاته، حيث ظل يفتقر لتصور واضح ولمنهجية مستقلة نابعة من الحاجات الحقيقية للمجتمع المغربي حول استثمار الرأسمال الأثري والمعماري الوطني(21) . وهكذا فإنه لم تعط للتراث المعماري المكانة المناسبة في السياسة التنموية بالمغرب بما في ذلك المناطق الواحية التي تزخر بتراث معماري مهم، حيث إن مشاريع التنمية المحلية بهذه الأخيرة لا تدرج هذا التراث ضمن أولويات التنمية المحلية، ولا ينظر إليها كمورد اقتصادي قابل للاستثماربل ينظر إليها كمورد ثقافي لا يخرج عن كونه مادة فلكلورية لجلب السائح وإثارة الإعجاب والرغبة في الاطلاع على معالم الصحراء(22) .

إن صمود جزء مهم من التراث المعماري بتافيلالت إلى يومنا هذا راجع إلى الإصلاحات والتدخلات التي كانت تخضع لها، سواء من طرف السكان أو من طرف سلاطين الدولة العلوية كما تشير بعض الوثائق الموجودة بالخزانة الملكية(23) . إلا أنه خلال العقود الاخيرة بدأ يلاحظ تدهور واضح لهذا الإرث التاريخي، نظرا لعدم اهتمام الساكنة المحلية بمنازلهم بفعل هجرها أو تعويضها بمنازل عصرية خارج القصر وفي ظل غياب سياسات عمومية واضحة في هذا المجال. ولكن رغم ذلك، فإن هذا التراث المعماري الواحي عرف بعض التدخلات من طرف عدة جهات رسمية مهتمة بقطاع التعمير والثقافة والتنمية المحلية لإنقاذه من الضياع رغم أنها كانت جد محتشمة. وكانت بداية هذه التدخلات مع وزارة الثقافة ثم مؤسسة العمران، إضافة إلى مساهمة بعض البرامج والمنظمات الدولية كبرنامج واحات تافيلالت. كما أن المشروع الوطني لإنقاذ وإعداد الواحات وقف على أهمية هذا التراث وركز على حمايته، حيث أوصى بدعم المبادرات في مجال التعمير التي تراعي مطابقة النمط المعماري الواحي(24) .

1 - تدخل وزارة الثقافة: تدخل محدود هم قصرين ذا صبغة ثقافية

نظرا للمسؤوليات المنوطة بوزارة الثقافة في مجال الحفاظ على التراث، فقد كان لها تدخل واضح في مجال الحفاظ على التراث المبني من خلال مديرية التراث الثقافي. فإلى جانب المدن العتيقة التي حظيت بالأولوية في مجال الترميم، فإن القصور والقصبات بدورها كان لها نصيب في هذا الجانب. وهكذا، فقد أعدت الوزارة سنة 1974 وثيقة حول التراث المعماري للجنوب المغربي بغية التدخل لإنقاذه، ولتحقيق أهدافها أنشأت لجنة أنيطت لها هذه المهمة. وفي سنة 1987 أدمجت قرية أيت بن حدو بإقليم ورززات من طرف منظمة اليونسكو ضمن لائحة التراث العالمي، وفي هذا الإطار أنشأت وزارة الثقافة بتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للتنمية سنة 1989 مركزا للمحافظة وإعادة بناء قصبات الجنوب بورزازات، وكان من بين أهدافه ترميم قصبة آيت بن حدو كتراث ثقافي وسياحي، والمحافظة على مهارات الصناعة التقليدية لإعادة إنتاج البناء الذاتي المحلي، وتحسيس السلطات والسكان بضرورة رد الاعتبار للسكن التقليدي الواحي.

كما حظيت قصور وقصبات تافيلالت هي الأخرى بتدخل وزارة الثقافة في مجال الحفاظ على التراث العمراني، لكن تدخلها كان جد محدود نظرا للعدد الكبير للقصور والقصبات التي تحتضنها المنطقة. وقد كان أول تدخل فعلي للوزارة في إطار ترميم ورد الاعتبار للقصور والقصبات بتافيلالت سنة 1994، وذلك بالتعاون مع عمالة إقليم الرشيدية. وشكل قصر الفيضة بدائرة الريصاني أول ورش استفاد من هذه العملية نظرا لدوره التاريخي، وتحول بعد الترميم إلى متحف للتعريف بمميزات التاريخ والثقافة والمعمارالمحلي بهدف النهوض بالسياحة. كما شهدت قصبة أبو القاسم الزياني أو ما يطلق عليها بقصبة الريصاني ثاني تدخل للوزارة في مجال ترميم القصور والقصبات بتافيلالت، التي رممت مختلف مرافقها وحول جزء منها إلى مركز للدراسات والأبحاث العلوية (الصورة8).

2 - تدخل مؤسسة العمران: انتقاء بعض القصور أغلبها بالأوساط الحضرية

أحدثت مؤسسة العمران التابعة لوصاية وزارة الإسكان سنة 2003 بعد اندماج مجموعة من المؤسسات التابعة لهذه الوزارة، ومن بين هذه المؤسسات التي أدمجت فيها نجد الوكالة الوطنية لمحاربة السكن غير اللائق، والتي بدأ تدخلها منذ سنة 1999 في ترميم مجموعة من القصور والقصبات بإقليم الرشيدية قبل أن تنتقل هذه المهمة إلى مؤسسة العمران بعد تأسيسها. وتهدف عملية الترميم إلى محاولة إعادة الاعتبار للقصر وجعله منافسا للسكن العصري، من خلال تزويده بالماء الشروب والكهرباء وربطه بشبكة التطهير وترصيف الأزقة وكهربتها، إضافة إلى خلق بعض المرافق الاجتماعية داخل القصر(دكاكين، مقرات لمحاربة الأمية، إنشاء جمعيات...) وخلق فرص شغل ولو مؤقتة من خلال إشراك الساكنة المحلية في عملية الترميم(25) . كما أن جهود إعادة التأهيل تأخذ بعين الاعتبار الجوانب التقنية والاجتماعية والثقافية والبيئية، من خلال إحياء دور القصر وتكييفه مع الاحتياجات الراهنة لسكانه والقضاء على أي تهديد قد يؤدي إلى تدهوره، إضافة إلى توعية ودعم السكان في جميع مراحل عملية إعادة التأهيل وتقديم تسهيلات لهم لتحسين ظروف معيشتهم.

عرف 17 قصرا بإقليم الرشيدية تدخل مؤسسة العمران في مجال الترميم ورد الاعتبار، حيث انتهت الأشغال في أكثر من 12 قصرا إلى حدود نهاية سنة 2015 (الصورة9). وقد همت هذه العملية أكثر من 5000 أسرة، بكلفة إجمالية تقدر بحوالي 100 مليون درهم(الجدول2).

إلا أنه يلاحظ أن تدخل مؤسسة العمران تميز بالانتقائية، حيث أن معظم القصور التي وقع عليها اختيار الترميم تنتمي إلى جماعات حضرية أو لها إرث تاريخي. وهذا يدفع إلى الجزم بأن عملية الترميم لم يكن هدفها الأساسي اجتماعي محض أو الحفاظ على المعمار المحلي، بقدر ما كان بهدف الاهتمام بالمجالات الحضرية والاحتفاظ بالمعمار المحلي داخلها. وبالتالي، فإن تدخل مؤسسة العمران استثنى بشكل كبير القصور والقصبات بالمجالات القروية والتي تضم أغلبها، وتعاني من تدهور كبير ينذر بزوالها مستقبلا في غياب أي تدخل.

بالإضافة إلى وزارة الثقافة ومؤسسة العمران، فقد اهتم برنامج واحات تافيلالت هو الأخر بتثمين الموروث الواحي المعماري، حيث تكلف بترميم قصر العشورية بالجرف. كما أن السكان المحليين كان لهم دور في ترميم منازلهم. إلا أن هذا الاهتمام بدأ يتراجع بشكل كبير نتيجة الهجرة وتفضيل البناء بالإسمنت المسلح عوض التراب والسكن خارج أسوار القصر. بالإضافة إلى ذلك، فإن المنطقة عرفت مجموعة من التدخلات الإستعجالية الأخرى من طرف الدولة لترميم وبناء مجموعة من المنازل والقصور التي دمرت أو تضررت بفعل الكوارث الطبيعية التي عرفتها تافيلالت كفيضان 1965 وزلزال 1992، لكن نتائج هذه التدخلات كانت هزيلة، بفعل تحويل جزء من الإعتمادات المالية المخصصة لهذا الغرض إلى مشاريع أخرى

الدائرة الجماعة مكان المشروع عدد الأسر كلفة المشروع (مليون درهم) مساهمة الجماعة (مليون درهم)
الرشيدية الرشيدية قصر تاركة 170 6.50 0
قصر أمزوج 600 8.00 0.80
قصر أيت باموحى 354 3.00 0.30
قصر انكبي 54 1.00 0.10
قصر أولاد تكير 120 2.41 0.21
الخنك قصر تزموريت 100 4.00 0.21
الريصاني مولاي علي الشريف قصبة م عبدالكريم 46 6.50 0
قصر أبو عام 236 5.70 0
قصر أخنوس 160 8.00 0
بني أمحمد سجلماسة قصر الفيضة 00 2.00 0
أولاد عبدالحليم 35 5.00 0
أرفود أرفود قصر الجرانة 100 5.80 0
عرب ص زيز قصر المعاضيض 493 0.85 0.05
كلميمة كلميمة كلميمة 373 9.93 0
ملعب ملعب 1500 15.00 1.35
فركلة العليا قصر أسرير 599 11.50 0
بو ذنيب أولاد النعام قصر أولاد النعام 297 7.00 0
المجموع 5237 102.19 2.81

الجدول2 : القصور المرممة والتي في طور الترميم بإقليم الرشيدية من طرف مؤسسة العمران.
المصدر: مؤسسة العمران مكناس، 2015

وعموما فإن تدخل الفاعلين الرسميين في مجال ترميم ورد الاعتبار لقصور وقصبات تافيلالت تبقى جد محدودة، حيث رممت بعض القصور فقط مقارنة بالعدد الكبير للقصور والقصبات في المنطقة، مع العلم أن جلها يوجد في وضعية جد متدهورة. كما أن عملية الترميم التي عرفتها هذه القصور المنتقاة المستفيدة كانت محدودة، إذ اقتصرت على الجانب الشكلي والثقافي من خلال ترميم مداخل القصور وبعض المرافق العمومية (المسجد، الساحات، الممرات...) وترميم المنازل الآيلة للسقوط لما تشكله من حظر على المباني المجاورة، في حين أغفل الجانب الوظيفي للقصور والمنازل. إضافة إلى ذلك فإن عملية الترميم شابتها مجموعة من العيوب منها، عدم الإشراك الفعلي للساكنة في هذه المشاريع واعتماد مكاتب دراسة ليست لها دراية بهذا النوع من المباني، وإدخال مواد البناء مغايرة لما هو معتمد في البناء الأصلي للقصور الشيء الذي يشوه شكلها الأصلي ويحول دون حماية التراث المعماري للمحلي. وهو ما دفع سكان بعض القصور التي شملتها عملية الترميم إلى الاحتجاج، كما هو الشأن بالنسبة لسكان قصر أبوعام بالريصاني الذين اعتبروا بأن عملية الترميم ماهي إلا عملية هدم، حيث توقفت العملية لمدة طويلة الشيء الذي جعل وضعه العمراني الداخلي يوحي بمخاطر حقيقية مستقبلية في ظل إهمال كبير من قبل الجهات المعنية، خيبت هذه المبادرة انتظارات سكان القصر لأنها لم تتعد إصلاحات شكلية همت بعضا من العمليات الجزء الخارجي بل وأفسدت جزء من مورفولوجيته ومعالمه العمرانية(26) .

ومما يزيد الأمر تعقيدا هو تداخل اختصاصات وأهداف المتدخلين في مجال الترميم، فمنهم من يراعي ويعطي الأولوية للمباني التاريخية باعتبارها إرثا تاريخيا يجب الحفاظ عليه، ومنهم من يراعي الجانب الاجتماعي من خلال إعطاء الأولوية للقصور المأهولة بالسكان، وأكثر من ذلك نجد من يعتبر كل هذا إهدارا للمال ويفضل إنتاج سكن عصري بأقل تكلفة. لكن رغم قلة مشاريع الترميم والانتقادات التي وجهت لطريقة تنفيذها فإنها تبقى بداية موفقة في انتظار فتح نقاش جدي بين الخبراء والباحثين حول الإشكالية التي يواجهها هذا التراث ورصد اعتمادات مالية كافية لهذه الغاية بهدف إدماجه في التنمية المحلية، وهذا ما أكدت عليه الندوة التي عقدت بمدينة أرفود يومي 10 و11 يونيو سنة 2011 تحت شعار «القصور والقصبات، من أجل استشراف واعد». 

خــاتمـــة

رغم الجهود التي بذلت في مجال رد الاعتبار للقصور والقصبات بتافيلالت من طرف مجموعة من المتدخيلن الرسميين مع تسجيل غياب اي تدخل يذكر فيما يخص بقايا أطلال الموقع الأثري لمدينة سجلماسة، فإن هذه المبادرات تبقى جد محدودة مقارنة بحجم الموروث المعماري الذي تزخر به المنطقة، في الوقت الذي تزداد فيه حدة تدهور هذا التراث أكثر من أي وقت مضى سواء من حيث وظيفته التي أنشئ من أجلها أو مكوناته المعمارية التي تتماشى مع طبيعة الظروف البيئية للواحة. هذا الوضع يفرض وضع استراتيجية واضحة وواقعية، من اجل إنقاذ هذا الإرث التاريخي الفريد من الضياع وإعادة تأهيله والتعريف به، وجعله موردا أساسيا يمكن استثماره فيما يعود بالنفع والفائدة للمنطقة.

إلاأن عملية تأهيل ورد الاعتبار للتراث المعماري لتافيلالت وجعله رافعة للتنمية، يجب أن تنطلق من رؤية شمولية، تأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات المحلية دون إغفال التأثيرات الخارجية التي تفرض نفسها بشكل كبير يوما بعد يوم. وهذا لا يمكن أن يتأتى إلا من خلال جعل القصور والقصبات فضاءات مناسبة للحياة المعاصرة ومكان جذاب للاستقرار السكاني، دون جعل دورها يقتصر فقط على منتوج سياحي يجعلنا نرمم البعض بشكل انتقائي ونبكي على أطلال البعض الأخر الذي أنهكه النسيان والإهمال وعدم الاعتراف بتاريخه المجيد.

 

الهوامش:

1 - مزيان أحمد، 2007: المجتمع والسلطة المخزنية في الجنوب الشرقي المغربي خلال القرن التاسع عشر (1845-1912)، منشورات وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، الرباط، ص70.

2 - تاوشيخت لحسن، 2008: عمران سجلماسة، دراسة تاريخية وأثرية، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ص599 .

3 - محمود إسماعيل عبد الرزاق، 1985: الخوارج في بلاد المغرب حتى منتصف القرن الرابع الهجري، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء ص300.

4 - بوعصب مبارك، 2011: مساهمة في دراسة قصور تافيلالت من سقوط سجلماسة إلى نهاية القرن العشرين، التاريخ والمعمار والإنقاذ، بحث لنيل الدكتوراه في التاريخ، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، سايس، فاس، ص225.

5 - تاوشيخت لحسن، 2008: مرجع سابق، ص100.

6 - للمعرفة أكثر عن معمار سجلماسة يمكن الرجوع إلى: تاوشيخت لحسن، 2008: عمران سجلماسة، دراسة تاريخية وأثرية، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء.

7 - أقديم إبراهيم، 2012: "توازنات الواحات المغربية وافاق تنميتها: مقاربة تأليفية". مجلة جيومغرب، رقم 8، ص9.

8 - حافظي علوي حسن ، 1997: "سجلماسة وإقليمها في القرن الثامن الهجري/الرابع عشر الميلادي"، منشورات وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية، مطبعة فضالة، المحمدية، ص 122.

9 - تاوشيخت لحسن، 2008.نفس المرجع، ص 544.

10 - بوعصب مبارك، 2011: مرجع سابق، ص 314.

11 - ايت حمزة محمد، 1990: ملام التحولات السوسيومجالية بحوض أسيف امكون، السفح الجنوبي للاطلس الكبير الاوسط، مجلة دراسات، عدد4، منشورات كلية الاداب والعلوم الانسانية أكادير، ص112.

12 - الطايعي مبارك، 2008: البنيات الزراعية والبنيات الاجتماعية وأفق الاستمرار والانقطاع في الواحات المغربية، واحات تافيلالت نموذجا. بحث لنيل الدكتوراه في علم الاجتماع، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط، ص359 .

13 - منوغرافية المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي لتافيلالت، 1995: ص5.

14 -Naas.k, 1999: Contraintes au développement agricole dans le Tafilalet –cas de l'érosion- revue de Oasis Tafilalet N° 1, p39

15 - بوعصب مبارك، 2011: مرجع سابق، ص305.

16 - بويحياوي عبد العزيز، 2014: اسهام في التشخيص الترابي لواحات تافيلالت: المقومات التدخلات والآفاق المستقبلية. بحث لنيل الدكتوراه في الجغرافية، كلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس، فاس، ص109.

17 - الجريدة الرسمية عدد 05 بتاريخ 29 نونبر 1912.

18 - الجريدة الرسمية، عدد 43 بتاريخ 27 فبراير 1914.

19 - الجريدة الرسمسة، عدد1715، بتاريخ 7 شتنبر 1945.

20 - صاديقي أبا، 2013: إشكالية التدبير التقني والقانوني للتراث المعماري بمنطقة محمية المحيط الحيوي لواحات الجنوب المغربي: (نموذج القصور)، ورد ضمن كتاب جماعي، التراث المعماري بالمغرب، منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، سلسلة دراسات وأبحاث، رقم 37، ص 207.

21 - صاديقي أبا، 2013: نفس المرجع، ص 207.

22 - صاديقي أبا، 2013: نفس المرجع، ص 209.

23 - بوعصب مبارك، 2011: مرجع سابق، ص 323.

24 - مديرية إعداد التراب الوطني.، 2006. "المشروع الوطني لإنقاذ وإعداد الواحات". وزارة إعداد التراب الوطني والماء والبيئة، الرباط، ص29.

25 - Almaouil, 2000 : Ksar Targa, projet de réhabilitation, Cahiers de l’Agence Nationale de lutte contre l’Habitat Insalubre, p8.

26 - جريدة بوابة قصر السوق الالكترونية www.ksarsouk.com/news439.html (30 ماي 2011).

المراجع

الطايعي مبارك، 2008: «البنيات الزراعية والبنيات الاجتماعية وأفق الاستمرار والانقطاع في الواحات المغربية، واحات تافيلالت نموذجا». بحث لنيل الدكتوراه في علم الاجتماع، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، أكدال، الرباط، 421 صفحة.

أقديم إبراهيم، 2012: «توازنات الواحات المغربية وافاق تنميتها: مقاربة تأليفية». مجلة جيومغرب، رقم 8، مطبعة آنفو-برانت، فاس، ص ص 1-23.

المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي لتافيلالت، 1995. «مجلة المكتب»، العدد 6،17 صفحة.

ايت حمزة محمد، 1990: «ملامح التحولات السوسيومجالية بحوض أسيف امكون، السفح الجنوبي للأطلس الكبير الاوسط»، مجلة دراسات، عدد4، منشورات كلية الآداب والعلوم الانسانية، أكادير.

بوعصب مبارك، 2010: «مساهمة في دراسة قصور تافيلالت من سقوط سجلماسة إلى نهاية القرن العشرين، التاريخ والمعمار والإنقاذ». بحث لنيل الدكتوره في التاريخ، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، سايس، فاس، 411 صفحة.

بويحياوي عبد العزيز، 2014: «إسهام في التشخيص الترابي لواحات تافيلالت: المقومات، التدخلات والآفاق المستقبلية». بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا في الجغرافية، كلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس، فاس، ص387.

تاوشيخت لحسن، 2008:»عمران سجلماسة، دراسة تاريخية وأثرية». منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 702صفحة.

محمود إسماعيل عبد الرزاق، 1985: الخوارج في بلاد المغرب حتى منتصف القرن الرابع الهجري، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء ص338.

مديرية إعداد التراب الوطني.2006: «المشروع الوطني لإنقاذ وإعداد الواحات».وزارة إعداد التراب الوطني والماء والبيئة، الرباط. 32 صفحة.

مزيان أحمد، 2007: «المجتمع والسلطة المخزنية في الجنوب الشرقي المغربي خلال القرن التاسع عشر (1845-1912». منشورات وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، الرباط، 626 صفحة.

L’Agence Nationale de lutte contre l’Habitat Insalubre, 2000 : Ksar Targa, projet de réhabilitation, Almaouil, Cahiers de l’Agence.

Naas. k, 1999: Contraintes au développement agricole dans le Tafilalet –cas de l’érosion, Revue de Oasis de Tafilalet. N°1, pp. 35-49.

الصور

* الصور من الكاتب .

أعداد المجلة