فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
36

مؤتمران عربيان بمصر والإمارات رؤى وتحولات بالمنصورة ونوادر جحا بالشارقة

العدد 36 - جديد النشر
مؤتمران عربيان بمصر والإمارات رؤى وتحولات بالمنصورة ونوادر جحا بالشارقة
كاتبة من مصر

نعرض في هذا العدد لمجموعة جديدة من الأبحاث العلمية المتنوعة في مجالات عدة من التراث الشعبي العربي، وذلك من خلال التعرف على الأوراق البحثية التي تم عرضها ونشرها في مؤتمرين عربيين أُقيما في شهري سبتمبر وأكتوبر 2016 الأول ملتقى دولي بالإمارات العربية المتحدة بعنوان «جحا: تراث إنساني مشترك» ضمن ملتقى الشارقة الدولي للراوي والذي عُقد في الفترة من 26 إلى 28 سبتمبر 2016. والثاني هو مؤتمر علمي موسع بعنوان الملتقى الدولي «الثقافة الشعبية العربية: رؤى وتحولات» والذي أقيم بمدينة المنصورة بالدلتا المصرية في الفترة من 11-13 أكتوبر 2016. وقد شارك في المؤتمرين العديد من الدول العربية من مصر والسودان والإمارات والسعودية والبحرين والكويت والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين والأردن وليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا، وباحث من خارج المنطقة العربية في ملتقى الشارقة من «قيرغيزستان»

مؤتمر المنصورة:

الثقافة الشعبية العربية:

رؤى وتحولات

أقيم هذا المؤتمر من خلال كلية الآداب والمركز الحضاري لعلوم الإنسان والتراث الشعبي الذي يترأسه الدكتور محمد غنيم أستاذ الأنثروبولوجيا والتراث الشعبي، والذي أشار ضمن إشكالية المؤتمر إلى أن المجتمعات العربية المعاصرة تمر بمرحلة دقيقة من التحولات  تتغير بمقتضاها الموروثات الشعبية تغيرًا حاسمًا، ما يفرض علي الباحثين في الثقافة الشعبية التوجه إلى تناول هذا التغيير بالرصد والتحليل والتقييم. لذلك، فإن جامعة المنصورة في جمهورية مصر العربية قد أخذت علي عاتقها  من خلال كلية الآداب والمركز الحضاري لعلوم الإنسان والتراث الشعبي، متابعة ما قد بدأت به منذ سنوات من عقد مؤتمرات، وممارسة أنشطة لتفعيل هذا التوجه وترشيده، فكان مؤتمرها  الأول 5: 7 مايو 1998 عن «الثقافة الشعبية العربية بين الأصـالة والحـداثة»، ومؤتمرها الثاني 19 : 21 اكتوبر 1999 عن «الثقافة الشعبية العربية والتنمية»، ومؤتمرها الثالث 4 : 2 ابريل 2002 عن «الثقافة الشعبية  العربية: الهوية والمستقبل. وسوف يكون هذا المؤتمر الثامن بالاشتراك مع حلقة الحوار الثقافي في لبنان، والأول بالاشتراك مع المجلس الأعلى للثقافة ولجنة الفنون الشعبية والتراث الثقافي غير المادي. 

يهدف هذا المؤتمر إلى كشف خصوصيات الثقافة الشعبية، ومحاولة التعرف إلى ما تتعرض له من تحولات بغية استنهاض همم الشعوب العربية لمواجهة القيم الوافدة إليها من الخارج، والنظر إلى ما تمليه عليها العولمة من مؤثرات تطول تراثها، ولاسيما الجوانب الروحية والقيمية والنضالية. إن هذه المؤثرات لا تنفك ترسل إشارات واضحة إلي أصحاب القرار للاعتناء بثقافتنا الشعبية  ورعايتها، وعدم تركها  تتشوه أو تندثر وتفقد هويتها، بحجة ضرورة مراعاة المفاهيم الجديدة وموجباتها.  كيف إذًا تستطيع ثقافتنا الشعبية العربية الصمود في وجه الموجات المتتالية من المؤثرات الخارجية وتحديات التكنولوجيا. كيف تستطيع بعض مصطلحاتها ومسمياتها استيعاب الوافد، برفضه أو بالتكيف معه، إنها الإشكالية المهمة المطروحة علينا اليوم بإلحاح، ونرى أنها لا تأخذ مسارها إلى الضوء إلا بسعينا الدؤوب للكشف عن القيم الإنسانية العامة في خصوصيتنا الثقافية. في محاولة للإسهام في صوغ العالم المعاصر، بدلا من التقوقع داخل الذات، والتعصب للموروث، دون وعي التحولات الثقافية العالمية، وبالتالي هل يمكن للثقافة الشعبية  في كل بلد عربي أن تفسح المجال للتنوع الثقافي  ليصبح خلاقًا، فتجري حوارًا بناءً مع كل الثقافات الأخرى، لتسهم جميعها في تشكيل مجتمعات أفضل عافية وتماسكًا، وأكثر تسامحًا وانفتاحًا، وأشد قدرة علي مواجهة العنف؟  كيف نستطيع من خلال ثقافتنا  الشعبية أن نسهم  في حوار يدعم مشروع نهوض عربي  يأخذ التحولات الحاصلة في العالم بعين الاعتبار، ويتبع متطلبات الديمقراطية، للسير  نحو السلام وحرية الإبداع  وتفعيل ممارسة القيم الإنسانية وترسيخها والحفاظ علي الخصوصيات؟. 

وقد تضمن المؤتمر أربعة محاور الأول حول «الجذور والعناصر المشتركة للثقافة الشعبية العربية» وتناول موضوعات: أصول ومصادر الثقافات العربية الشعبية - الثقافة الشعبية العربية والتعددية  الثقافية - المؤتلف والمختلف في عناصر الثقافة الشعبية العربية. والمحور الثاني بعنوان «الهوية العربية والتحولات العالمية» وتناول موضوعات: الثقافة الشعبية العربية: الحوار مع الآخر ومتطلبات الديمقراطية - الثقافة الشعبية العربية: السلام والتسامح في مواجهة العنف- الثقافة الشعبية العربية: التطور المعرفي والتقني. أما المحور الثالث فحمل عنوان «الثقافة الشعبية العربية والقيم الإنسانية»، وتناول موضوعات: الثقافة الشعبية والإرث النضالي- الثقافة الشعبية وحرية الإبداع - الثقافة الشعبية والوحدة الوطنية والانتماء. والمحور الأخير «الثقافة الشعبية والشباب المعاصر» وتناول موضوعات: التواصل في الإبداع الشعبي- موقع الثقافة الشعبية في الحركة الفكرية والفنية المحلية والعالمية - الثقافة الشعبية وحوار الحضارات. 

إشكــاليـات نـظـريــة وتـطبيقـية فـي الثــقـافـة الشـعــبيـة

من هذه الدراسات البحث الذي قدمه خليل عودة (فلسطين) بعنوان: «الثقافة الشعبية بين الإقناع والإمتاع والذي تأسس على كون الثقافة الشعبية تتشكل في كل أمة وكل مجتمع نتيجة تجارب أفرادها وخبراتهم في الحياة التي يعيشونها، ويتم تقديم هذه الخبرات في أنماط شعبية مختلفة، منها الحكاية والمثل والموال والأغنية والألعاب الشعبية، وغير ذلك من الأنماط التي تحمل خبرات الأفراد وتقدمها بطريقة معينة فيها قدر كبير من التشويق والإمتاع من خلال اللغة المتناسقة والمختارة بدقة والتي تعتمد على أساليب البيان العربي الراقية من إيجاز وسجع وتشبيه، أو غير ذلك من وسائل التعبير التي تجذب انتباه المتلقي وتفرض المعنى عليه، ويحاول البحث إيجاد قواسم مشتركة في الثقافة الشعبية بين الإقناع والإمتاع في نماذج مختلفة بهدف تأكيد المنطلقات الأساسية التي تعتمد عليها الثقافات الشعبية في توجيه السلوك. أما جلال خشَّاب (الجزائر) فقد تناول موضوع «الثَّقافة الشَّعبيَّة، الرَّاهن والتَّحوُّلات»، مشيرًا إلى الهدف من دراسته والمتمثل في تقديم رؤية حول كيفية ترقية تراثنا الشعبي، والعمل على استثماره في مجالات شتى تبدأ من ثقافة الطفل، وتنتهي إلى عالمي العمران والاقتصاد، ملامسة فضاءات هامة وذات الصلة باهتمامات الفرد والمجتمع. وتخلص الدراسة إلى مجموعة نقاط مرتبطة بمجال ترقية التراث، وإشراكه في التنمية المستدامة التي تتطلع إليها العديد من الدول. كما قدم سعد حسن كموني (لبنان) بحثًا بعنوان «الثقافة الشعبية والحوار مع الآخر» تطرق لموضوعه من خلال بعض النماذج المرتبطة بسلوكيات الإنسان وموقفه من المكان والظواهر الطبيعية المتغيرة كما تبدو له، وبالمنظار نفسه يرصد الإنسان بوصفه موقفًا من الزمان، وكذلك يرى الإنسان بوصفه موقفًا من الإنسان فردًا أو تجمعًا. ثم يتساءل في نهاية بحثه: هل الاستقلال الثقافي ممكن؟ مناقشًا الموقف من خلال تحليل بعض الأمثال الشعبية في لبنان تحليلاً أسلوبيًا سيميائيًا، ليخلص إلى فهم الأرضية التي يمكن أن تكون علاقتنا بالآخر سواء كان هذا الآخر ثقافة أخرى، أو يمثل شاهدًا على التنوّع الثقافي في الجماعة الواحدة. واهتمت ورقة عاشور سرقمة المعنونة «التراث المادي واللامادي بمناطق الجنوب الجزائري بين المحلية والعالمية في ظل التحديات المعاصرة» بالتعريف بالموروث الثقافي الذي تزخر به مناطق الجنوب الجزائري والذي يعاني هذا التراث من عديد المخاطر التي تتهدده، من إهمال وعدم العناية خصوصاَ القصور والقلاع والقصبات وغيرها التي تضيع عديد ملامحها يوما بعد يوم، ويعاني التراث الشفهي من عدم التسجيل والتدوين، وبالتالي ضياع الكثير منه بموت حفاظه ورواته. كما ناقش عماد بن صولة (تونس) إشكالية «جدليّة الاختلاف والائتلاف في الثقافة الشعبية»، واستنادا إلى جملة من المعطيات الإتنوغرافية المستمدّة من الثقافة الشعبية بمجتمعات المغرب العربي تحديدًا، يسعى هذا العرض إلى إبراز الترابط العضويّ بين الائتلاف والاختلاف في الثقافة الشعبية بوجه عام، ذلك أنّ كلاّ منهما مشروط بوجود الآخر. وإذا كان الائتلاف يؤسّس للوحدة، فإنّ هذه الأخيرة لا تدرك ولا تعاش إلا بمفردات الخصوصية والحميمية، ومن ثمّة التمايز والاختلاف اللذين لا يباشران إلاّ في حدود ما هو مشترك ثقافيّ مكرّس للتّواصل بين الجماعات والمجتمعات.

وقدم فرحان صالح دراسة حول كفرشوبا - بيروت: التحوّلات والتبدّلات الريفية - المدينية» وهي دراسة عن منطقة «كفرشوبا» التي تتميز- كما غيرها من قرى محيطة فيها أو بعيدة عنها - في تعاون أهلها وتفاعلهم في مجتمعهم الصغير ومحيطهم المتنوع. حيث يرصد قصة نزوحهم من القرى إلى المدينة، واختلاف البيئتين حيث ابتعد الفلاحون عن أرض لهم ليعيشوا في أمكنة ليست لهم. هذه الأرض أصبحت حزينة على من تركوها، لقد أصبحت تلك الأمكنة دون أبنائها الذين كانت تعرفهم، أصبحت أمكنة للذكريات. أما في بيروت فحركة حياتهم الجديدة تقتضي اكتساب القيم المهنية ليس فقط الالتزام بالوقت وهو ما لم يتعرفوا عليه في قراهم، بل أيضاً في اكتساب عادات وتقاليد مدينية هي غيرها ما لم يعرفونها في القرى التي نزحوا عنها. أما محمد العريبي (لبنان) فقد قدم رؤية نظرية جديدة بعنوان «التراث من حيث هو قيمة جمعية»، وتسعى ورقته لتقديم مدخل للنظر في التراث من حيث هو قيمة جمعية على ضوء الدراسات السيكولوجية، وبشكل خاص مساهمات يونغ وأتباعه في الكشف عن أنماط أولية جامعة تتحكم بالسلوك البشري، وحصر الاختلافات في طرائق التعبير عنها، أدبياً وفنياً وفكرياً، مما يشكل الخصوصيات الثقافية للمجتمعات على أنواعها وتسمياتها. الأمر الذي قد يدعم تأصيل التراث ثقافياً وتنقيته من مغبة توظيفه السياسي وما قد ينتج عنه (السياسي) من تفكيك وتفريد للكيانات تؤدي إلى المزيد من التناحر والتدمير للقيم الوجودية الإنسانية الجامعة. أما محمد أمين عبد الصمد فقد حملت ورقته تساؤل: هل هناك (آخر) مصري؟: قراءة في بعض عناصر الثقافة الشعبية المصرية، مشيرًا إلى انتشار «المصطلح» وتوظيفه بشكل سلبي، وظهرت في مصر الكثير من الجمعيات والمؤسسات التي جعلت موضوع من الآخر مشروعهم الاستثماري الربحي، وبدلاً من أن يكون جهدهم في إطار فهم من هو الآخر؟ ما هي سماته ؟ لماذا هو الآخر؟ أين هو هذا الآخر؟ منتهيًا لإشارته إلى أنه يحق لنا أن نتساءل من هو الآخر - إذا كان هناك آخر - هل هو الآخر النوعي ؟ أم الآخر الديني؟ أم الآخر الاثني؟. كما قدم محمد جميل أحمد (العراق) ورقة بعنوان «الثقافة الشعبية العربية ودور الشباب المعاصر في عملية التواصل والإبداع» ويتمحور هدف بحثه في فهم دور الشباب المعاصر في عملية الإبداع والتواصل في مجال الثقافة الشعبية بما يؤدي الى بناء نموذج تنموي عربي يستند الى ماكنزيمات الثقافة الشعبية العربية في تحقيق تنمية ملائمة. كذلك هذا البحث سيوظف المنهج التحليلي لفهم الموضوع وأهميته في عالمنا المعاصر.

كما ناقشت نسرين محمد صادق (مصر) في دراسة لها بعنوان «بعض المحددات الاجتماعية والثقافية في ثــقــافـــة الــتســامح ومـــواجـــهه الـــعـنــف: الـخــطـاب الديني نموذجاً، الكشف عن التجديدات التي يجب أن يشهــدهــا الخطـاب الــدينـي مثــل (إعــداد القــادة - الخطبة). ودور الخطاب الديني تجاه ما يشهده المجتمع من أحداث اجتماعيه وسياسية واقتصاديه وغيرها، فضلاً عن اهتمام الخطاب الديني بنشر القيم الأخلاقية والاجتماعية كالتسامح والانتماء لمواجهه مشكلة العنف. وقدمت جميلة أمين حسين دراسة بعنوان «الثقافة الشّعبيّة كوعاء للمواطنة والشخصية الاجتماعية»، مشيرة إلى أن الثّقافة الشّعبيّة تمتد بجذورها نحو التّاريخ والأنثروبولوجيا ضمن نسق سوسيوثقافي، وتشكّل أداة للاتصال بين النّاس ووعاء لتمثّلات وتصوّرات المجتمع، ولعمليّات إنتاج الأفكار، ولذا تلعب الدّور الرّئيسي في صياغة الشّخصيّة الاجتماعيّة، بكل ما يترتب عليها من أبعاد ووظائف، مع ملاحظة أنّ تاريخ المجتمع هو التّاريخ الحقيقي، لأنّه ناتج عن حياة اجتماعيّة، كما أنّه انعكاس موضوعي للمشاغل اليوميّة العاديّة للأغلبيّة. وهذا ما يغفله التّاريخ المكتوب في بعض الأحيان، لأسباب تخصّ بعض الاعتبارات السّياسيّة. أما إسماعيل علي الفحيل (السودان) فقد قدم دراسة جديدة بعنوان «صُنّاع المطر: الدور المتجدد لأساتذة الجامعات في صون التراث الثقافي غير المادي، مشيرًا إلى أن صُنّاع المطر the rainmakers مصطلح قديم ومألوف في دراسات الأنثروبولوجيا عن أفريقيا واستراليا وأوقيانوسيا. لكن المصطلح انتقل خلال العقدين الأخيرين من الدراسات الاجتماعية إلى حقلي القانون والإدارة، ليصبح «صانع المطر» هو ذلك الشخص الذي يحقق نتائج استثنائية في مجال تخصصه أو تخصصها. وتركز الورقة على اسهام الجامعات في اثراء المعرفة بالتراث غير المادي وجمعه وتوثيقه والترويج له. وتناقش دور أساتذة الجامعات والمعاهد العليا في صون التراث على ضوء ما استجد من معارف بعد توقيع غالبية الدول العربية وغالبية دول العالم على اتفاقية اليونسكو للعام 2003 والخاصة بصون التراث الثقافي غير المادي. كما تحاول الورقة الإجابة على السؤال: لماذا عُزلت أو عزلت غالبية الجامعات العربية وأساتذتها أنفسهم عن اتفاقية صون التراث غير المادي؟ وهل هناك تعارض أو قصور في النظام الجامعي للرسائل العلمية وبين هذه الاتفاقية؟. أما علي بزي (لبنان)، فقد قدم ورقة بعنوان «جذورتراثية في ثقافتنا الشعبية»، استعان في دراسته ببعض النماذج العربية التي كانت مؤثرة وموحدة لشعوبنا كالعديد من أبيات المتنبي التي أصبحت مع الزمن أمثالاً وحكماً يستخدمها عامة الناس، وقصائد عنترة الشاعر الذي عاش في العصر الجاهلي وما تحمله من قيم، فضلاً عن شخصيات وسير موجودة لشخصيات أنتجها الوجدان الشعبي العربي وهم ينقسمون الى شخصيات لها طابع سلبي (عرقوب، ابو رغال، قراقوش....)، وشخصيات لها طابع إيجابي، (ذات الهمة، الزير سالم، أبو زيد الهلالي...). وكذا نماذج لعناصر من ثقافتنا الشعبية لها البعد القومي «القصة العربية، الف ليلة وليلة، البخلاء، كتاب الحيوان للجاحظ، كليلة ودمنه، والأدب الكبير والأدب الصغير، لإبن المقفع، الحكواتي وحكايته الشعبية، الأمثال الشعبية، الحرف الشعبية، الأسواق الشعبية والريفية، ثقافة الغذاء، (القهوة، الشاي، المأكولات الشعبية العربية...)، فنون الأداء، والقول، والقول المغنى، والموسيقى.. مواضيع متنوعة سلطت الدراسة عليها الضوء لإبراز مضمونها وبعدها الثقافي من حيث التقارب أو الاختلاف بين مجتمعاتنا».

كما تناولت إيمان محمود العيسوي (مصر) في بحثها موضوع «تحقيب الثقافة العربية ما بين التجديد والتبديد» مشيرة إلى الدور الحيوي الذى يلعبه توثيق التراث الأممى والثقافتين الشعبية والجماهيرية ودراستهما فى كشف بواطن الأمم وظواهرها بما يسمح بإدارة وتوجيه أفضل وأسمى بما فيه الخير والنفع للأمة، وبما يحافظ على خصوصية الطابع الثقافي والهوية القومية لأقطار الوطن العربي قاطبة. كما تناقش الورقة تعقب أنماط البحث والتحقيب فى الثقافة العربية وسبل التحديث فى ضوء ظروف التجديد والتبديد التي تمر بها الأمة العربية فى اللحظة الراهنة. وتناول محمد حسن عبد الحافظ (مصر) إشكالية «دمج الثقافة الشعبيَّة العربيَّة في المجتمع المدنيّ العربيّ»، فيبحث إمكانات مقاومة زحف المخاطر والتهديدات، الداخلية والخارجية، التي تستهدف - في الصميم - طمس الثقافة الشعبية العربية وتراثها ومأثوراتها وفنونها، وتتمثل أهم مقومات هذه المقاومة في حزمة من الإجراءات، تشمل: القراءة النقدية للتجارب الماضية؛ التخطيط الاستراتيجي للمستقبل؛ شبكات العمل الجماعي؛ ابتداع أفكار ومبادرات ملهمة لدمج الثقافة الشعبية في شؤون الحياة المعاصرة، ولدفعها إلى الاستمرار والنمو في المستقبل. أما حنان الصغير أبو القاسم، فقد ناقشت في بحثها «الثقافة الشعبية بين الواقع والأسطورة» أهمية الموروث الأسطوري، والمعتقد الشعبي كظاهرة اجتماعية تنتج عن تفاعل الأفراد في علاقاتهم الاجتماعية وتصوراتهم حول الحياة والوجود، كما أن الحكايات الشعبية تحتل مكانًا مميزًا في استلهام الشعراء والأدباء لها على مرالعصور، ومن ثم فإن التمسُّك بالموروث الشعبي نوع من أنواع المقاومة.

إشكالية التقنيات الحديثة والعولمة

ألقت العولمة وتكنولوجيا المعلومات بظلالها على بعض أوراق المؤتمر، فتناول العديد من الباحثين من عدة دول عربية الموضوع من منظور وطني وإقليمي، فقدم شعيب مڤنونيف (الجزائر) دراسة بعنوان «الثقافة الشعبية الجزائرية وتحديات العولمة الثقافية». والذي يشير إلى أن السؤال الذي لا بد من طرحه هو كيف يمكن المحافظة على الثقافة الشعبية كمنتوج ثقافي في إطار الاجتياح الكاسح لغول العولمة وإعادة التشكيل التي يعرفها عالمنا اليوم؟.. وهو ما حاول الإجابة عنه وتظهير آليات مواجهة العولمة الثقافية. انطلاقًا من عدة عناصر هي: مفهوم الثقافة الشعبية وعناصرها ومنزلتها - مفهوم العولمة - من الغزو الثقافي إلى الاختراق الثقافي تأثير العولمة على الثقافة الشعبية - سبل وآليات مواجهة العولمة ووسائل المحافظة على الثقافة الشعبية. كما تناول شمس الدين يونس نجم الدين (السودان) بحثًا حول «الهوية العربية والتحولات العالمية» تطرق فيها إلى أهم التحديات التي تواجه الهوية الثقافية العربية في ظل التحولات العالمية كما استعرض في الدراسة أهم الاستراتيجيات للحفاظ على الهوية والخصوصية الثقافية العربية على المستويين المحلي والعالمي. أما صالح جديد (الجزائر) فقد ناقش «تحولات الثقافة الشعبية الجزائرية في ظل تكنولوجيا الإعلام»، من خلال الوقوف على مسارات الثقافة الشعبية الجزائرية في ظل تكنولوجيا الإعلام الحديثة والمتطورة، محاولًا قدر الإمكان التركيز على ما حققته الثقافة الشعبية الجزائرية من خصوصيات محلية أو قومية أو عالمية، وإبراز العوائق والعراقيل التي تحول دون تمددها وانتشارها مع ما توظفه وتسخره من تكنولوجيات، ليختم هذا العمل بالكشف على رؤى الثقافة الشعبية الجزائرية كما حددتها الهيئات والمؤسسات الرسمية (وزارة الثقافة، مديريات الثقافة)، وغير الرسمية ( جمعيات المجتمع المدني التي تشتغل على الثقافة بكل تفرعاتها). كما تناول عبد الواحد مشعل (العراق) موضوع «التحديات التي تواجه الثقافة الشعبية العربية في زمن التنميط العولمي» من خلال تحليل وظيفة الثقافة الشعبية في الحفاظ على الهوية العربية، وقد لخص الهدف من بحثه في معرفة التحديات التي تواجه الثقافة الشعبية العربية وانعكاسها على الهوية العربية. مشيرًا إلى حماية الموروث الشعبي غير المادي في مواجهة العولمة. كذلك يعرض البحث إلى فهم التحديات التكنولوجية الاتصالية المتدفقة على الثقافة العربية بشكل متسارع والذي يهدد الهوية العربية وتشويه الثقافة الشعبية الموارثة وتقليل الاهتمام بها. كما قدم غسان مراد (لبنان) موضوعًا بعنوان «أثر تبسيط العلوم في الثقافة المعرفية الشعبية»، ناقش فيه أثر التقنيات في إرساء الثقافة العلمية إنطلاقاً من مبدأ تبسيط العلوم، مصطلح مبني على أساس وضع المعرفة العلمية على أنواعها بمتناول الجميع. ويرى مراد أن لتبسيط العلوم عدة عقبات أولها العقبة الابستيمولوجية، ثانيها العقبة اللغوية عند العلماء، ثالثها العقبة عند الجمهور المتلقي، رابعها العقبة عند المبسط بحد ذاته إذا ما كان مختلفًا عن العالم (المبسط العلمي والاعلامي العلمي وغيرهم). ومن هنا يتساءل: هل من أسس يرتكز عليها لتخطي هذه العقبات في العالم العربي؟ وهل من الممكن وضع بعض القواعد التي تساعد على ذلك وما أهمية هذه القواعد في الثقافة المعرفية الشعبية التي لها دور أساسي في بناء المواطن على أسس المواطنة وفي الديمقراطية؟.

وفي إطار بحث التراث الشعبي والعولمة قدم محمد شقشوق (تونس) بحثه حول «إشكالية الثقافة الشعبية في سياق معولم: جدلية التواصل والتلاشي» والذي وضع افتراضًا لدراسته مفادها أن الثقافة الشعبية العربية آخذة في التواصل من جهة وفي الإمحاء والتلاشي من جهة ثانية لصالح نسق ثقافي عالمي وافد. مشيرًا إلى أنه من الملح اليوم إقامة حوار بين مختلف الثقافات والحضارات وإعلاء مبدأ الاختلاف وإقراره على أنه يتنزل في سياق حق الاختلاف في الثقافة وفي التعبيرات الحضارية لأنه لا مناص من استقبال الوافد الإعلامي الذي أصبح حتمية كونية تهدد الثقافة العربية في بعدها الشعبي أو النخبوي. كما قدم محمد الجندي (مصر) دراسة حول «تأثير ثورة المعلومات على عادات وتقاليد المجتمع المصري» تناول فيها نشأة الثقافة الإليكترونية وكيف ساهم الاستخدام المتزايد لتطبيقات تكنولوجيا المعلومات في التأثير على ثقافة المجتمعات في الشرق الأوسط، خصوصا المجتمع المصري. كما تناول أيضًا الطبيعة المربكة لتكنولوجيا القرن الحالي وتفاعلاتها الاجتماعية المختلفة. كما قدمت عصمت نصر عبد الحميد سويدان بحثًا بعنوان «الثقافة الشعبية العربية والقيم الإنسانية - قراءة لغوية» سلطت خلاله الضوء لما تمليه العولمة من مؤثرات تطول تراثنا لاسيما الجوانب القيمية، ومن ثم تناقش موضوع عولمة «التنوع الثقافي» ومنظومة القيم الإنسانية (دلالات وعلاقات)، واللغة وترسيخ الوعي الثقافي الشعبي وقيمه. وفي هذا الإطار أيضًا قدمت عنان محمد علي (مصر) دراسة حول «التراث الشعبي كما تعكسه شبكات التواصل الاجتماعي»: دراسة حالة لبعض صفحات الفيس بوك، ألقت فيها الضوء على بعض أشكال العلاقة بين التراث الشعبي واستخدام أحد مظاهر التكنولوجيا الحديثة المتمثلة في شبكات التواصل الاجتماعي على الانترنت؛ حيث شمل هذا الاستخدام جمهور التراث الشعبي وجعلهم مستقبلين أكثر منهم مشاركين، فقد فتحت شبكات التواصل الاجتماعي الباب أمام الجمهور لتداول عناصر التراث الشعبي ونشرها، وأصبحت تمثل أيضاً مجالاً لحفظ هذه العناصر. وعلى هذا النحو تهدف الدراسة إلى محاولة فهم دور شبكات التواصل الاجتماعي في فتح مجال تفاعلي لنشر وتداول التراث الشعبي ودورها في إحياء التراث.

العــــادات والـــمـــعــتــقــدات والــمـــعـــارف الـشـــعـــبـيــة

تعرضت الأبحاث التي أُدرجت ضمن موضوع المعتقدات والمعارف الشعبية لعدة رؤى بحثية في أكثر من مجتمع عربي، ومنها ما نجده مشترك بين عدة ثقافات، وفي هذا الإطار قدمت رباب دبس (لبنان) بحثها حول «قديسون ونذور عابرة للطوائف»، وتعود أهمية الدراسة إلى إظهار اللاوعي الجماعي الذي يكشف عبر النذور المختلفة الاعتراف بالآخر وبدينه ومعتقداته، فالاعتراف بالقديس الآخر هو الاعتراف بأتباع ديانته. وقد تناولت الدراسة قديسين من أديان مختلفة، وأبرزت خصوصية بعضهم باعتباره شفيعاً لشفاء أمراض معينة وفي مكان معين. وانتهت الدراسة إلى أن «الدين الشعبي» - على حد قول الباحثة - هو واحد تقريبًا لدى جميع الطوائف في لبنان، لكن تبقى خصوصية كامنة في التفاصيل الصغيرة التي تدل على التمايز بين مجتمع وآخر، وقديس وآخر، ومقام وآخر. وفي إطار بحث المعتقدات الشعبية أيضًا قدم منير بهادي (الجزائر) دراسة حول «التصوف الطرقي والثقافة الشعبية الجزائرية»، وتحاول الدراسة تبيان الدور المركزي للتصوف الطرقي في الثقافة الشعبية في الجزائر وانصهار أفاقها من خلال إعادة تشكيل الرموز الثقافية الأمازيغية والعربية في شكلها العربي الإسلامي. ويركز البحث على نماذج وأشكال المقاومات الشعبية في القرن التاسع عشر والحركة الوطنية والثورة التحررية في خمسينيات القرن العشرين وإنقاذ الدولة الوطنية في تسعينياته، في مقاربة حضور الثقافة الشعبية من خلال التصوف الطرقي في بعض المراحل التاريخية المصرية في تاريخ الجزائر.

أما في إطار المعارف الشعبية فقد قدم نبيل عمران موسى الخالدي (العراق)، دراسة بعنوان «الصلح العشائري والثقافة الشعبية بالعراق»: تحليل سوسيولوجي، مشيرًا إلى أن الأفراد والجماعات في المجتمعات القبلية يفضلون العُرف ويرتضونه بينهم عن القانون الوضعي أو اللجوء إلى المحاكم الحديثة لما يجدونه في العُرف من سلامة في الأحكام وبساطة في الإجراءات وسرعة الفصل في المنازعات مما يحقق الأمن والطمأنينة بينهم ويعيد التوازن الاجتماعي داخل مجتمعاتهم، ومن ناحية أخرى يرى أن القائمين على الفصل في تلك المنازعات ما هم إلا قضاة عرفيون عاشوا بينهم وجميع أفراد المجتمع يعرفون سيرتهم الشخصية ومدى إخلاصهم لمجتمعاتهم وتفانيهم لها، وبالتالي انقيادهم لقراراتهم العرفية.

أما مجال العادات والتقاليد فبرزت فيه دراسة واحدة لإكرام الأشقر (لبنان)، تناولت موضوع «الهدية في الموروث الشعبي وتحولاتها»، مشيرة إلى أن عادة تبادل الهدايا في مختلف المناسبات كانت تساهم في تمتين أواصر المحبة بين أفراد المجتمع، وكانت من العادات المشتركة بين كل طبقات المجتمع. وكانت تشمل مختلف المناسبات الاجتماعية، كالخطبة والزواج والولادة والختان والنجاح في أمر ما، وعند زيارة المرضى كما تعرضت لعادة «تنقيط» العروسين وما يُعرف بطريقة «الشوبشة»، فضلاً عن نقوط المولود. أشارت إلى أن قيمة الهدية قديمًا كانت في رمزيتها وتعبيرها عن التوادد والتكافل والتضامن بين أفراد المجتمع، ونتيجة التحولات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية أخذت بعدًا آخر. أما أنيسة السعدون (البحرين) فقد عرضت لدراسة بعنوان «التعدّديّة الثقافيّة في فلكلور الخليج العربيّ»، ناقشت فيها أوجه التقاطعات في الثقافة الشعبيّة في دول الخليج العربيّ؟ وما أبرز الافتراضات الضمنيّة والاهتمامات التي تكمن وراء هذه التقاطعات؟ ثمّ ما محصّلة هذه التقاطعات على مفهوم التعدّديّة الثقافيّة، وذلك عن طريق الوقوف على بعض العادات والتقاليد والمعتقدات والممارسات الشعبيّة في دول الخليج العربيّ، من قبيل: تقاليد الزواج، والأعياد، واستقبال الغوّاصين، واحتفاليّة الحجّ، والحيّة بيّة...إلخ. ولعلّ تملِّي النظر فيما بينها من وجوهِ تلاقٍ وتباينٍ من شأنه أن يجلِّي الكثير من ملامح التعدّديّة الثقافيّة ومظاهرها، وما ينشأ عنها من أبعاد وعلاقات متنوّعة الدّلالات والمقاصد. كما شاركت نهلة إمام (مصر) بدراسة ميدانية بعنوان «تحولات ميكانيزمات التعبير في الشارع المصري: دراسة لظاهرة الكتابة على المركبات»، وتعتمد الدراسة على الجمع الميداني للعبارات والأشكال التي يحرص المصريون على إرسال رسائل من خلالها، وقد حرصت على مقارنة مادتها الميدانية مع ما قام به سيد عويس في دراسته «هتاف الصامتين» التي ظهرت في ستينيات القرن الماضي. وتتعامل الدراسة مع الظاهرة بوصفها وسيلة إعلام شعبية تحمل رسائل المصريين، والتي تحتاج إلى قراءتها ومحاولة فهمها لاستنباط ما يمكن أن تنطلق به من خطاب يعبر عن العقل الجمعي في المجتمع المصري اليوم.

تحولات ورؤى في الأدب الشعبي العربي

ارتبطت هذه الرؤى بعدة دراسات متعددة في مجال الأدب الشعبي من بينها إشكاليات نظرية على نحو ما قدمه كامل فرحان صالح (لبنان) في بحثه «الأدب الشعبي بين إشكالية «الرفيع» و«الوضيع» و«خجل الأجيال»، مشيرًا إلى آراء عرفها علم الفولكور ترى أن «حركة عناصر التراث الشعبي تتجه من أعلى إلى أسفل داخل الكيان الاجتماعي. وهي الظاهرة المعروفة في التراث الأوروبي بنزول التراث من الطبقة المثقفة أو الصفوة إلى الطبقة الأم أو الطبقة الدنيا للشعب». وفيما طبّق باحثون عرب هذه الفرضية على شواهد عديدة من الأدب الشعبي لاثبات صحتها، رفض باحثون آخرون المبالغة في هذا الادعاء، واعتبار كل أدب الطبقات الأدنى أدبًا «نازلاً» من الطبقات الأعلى. إن هذه الوضعية التي طرحت نفسها على أنها البديل من الأدب الشعبي، يمكن رؤيتها ومتابعتها من حيث الممارسة عبر مسارين: «الأول: في مغالاة البعض بالتقليد الأعمى للآخر، الثاني: مغالاة البعض الآخر بالعزلة، وفي احتقار ثقافة الشراكة داخليًّا وعربيًّا، ما أدى إلى تحطيم الكثير من التراكمات الإيجابية. كما تناولت جهينة الخطيب (مصر) موضوع «تأثر الأدب الشعبي العبري بالثقافة العربيّة دراسة مقارنة» ويشمل البحث عدة محاور رئيسية هي: تأثر الحكايات الشعبية العبرية بالقرآن الكريم من خلال إعطاء نماذج لبعض القصص - تأثر الحكايات الشعبية العبرية بالفولكلور العربي الإسلامي - الأمثال العبرية والعربية وصلة وثيقة - الأدب الشعبي العربي، العبري والتفات النوع.

كما تناولت الأوراق مداخل موضوعية محددة منها مجموعة أوراق تناولت المثل الشعبي حيث قدم زاهي ناضر (لبنان) دراسة بعنوان «المثل والسياسة والتراث النضالي»، وأرجع سبب اختياره لموضوع الأمثال الشعبية لما لها من حجم ثقافي وحضاري كبير، فهي «أمّ الحكمة التراثية وخلاصتها»، وتغطيّ كلّ مناحي الحياة، ولا يزال قسم منها يتردّد على ألسنة العامة والخاصة. وقد ركز في هذا السياق على ذلك الجانب من تلك الحكمة الذي يندرج في سياق ثقافي جدالي وتصارعي، ويعبّر عن منظومة معرفية مركّبة من شبكات موقفيه متنوّعة، ويصوغ نوعًا من الفلسفة السياسية يمكن الإفادة منها فيما يطرحه عصرنا من قضايا تدعم التحوّل نحو الأفضل. كما تناولت صونيا الأشقر (لبنان) في بحثها «المرأة في اللغة والحضارات» مشيرة إلى النظرة التقليدية للمجتمع، وانعكاس الأمثال الشعبية على مسيرتها الحياتيّة التي هي نتيجة لاختبارات الشعوب، أي ما ندعوه اليوم الحضارة التي تعتمد على الحداثة والمعاصَرة. لذا، فإن التكوين البيولوجي للمرأة أعطاها هذه القيمة الاجتماعية، رغم صعوبة الرحلات التي اجتازتها عبر العصور. وارتباطًا بالمدخل نفسه «المرأة والمثل» قدم علي العلي (لبنان) بحثًا بعنوان «وقوعات الأنثى في المثل الشعبي: الأمثال اللبنانية نموذجًا». وخلصت الدراسة إلى أن المثل الشعبي اللبناني يرى الأنثى تتجلّى في صورتين: صورة سلبية، هي الأكثر شيوعًا، وأخرى جليلة ولو كانت نسبتها إلى كمّ الأمثال ضئيلة. ولمّا كانت الأمثال الشعبية ذات المنحى الإيجابي بحقّ الأنثى يستهدف الأمّ بشكل أساسي، فإن هذا يعود إلى التربية الدينية المتوارثة في المسيحيّة والإسلام، من مهابة واحترام السيّدة العذراء، إلى الأم المبجّلة في الإسلام في العديد من الأحاديث الشريفة، فضلاً عن القداسة الموروثة للأمّ في اللاوعي البشري المتوارث عبر الأجيال. وفي رؤية لبنانية أخرى في بحث الأمثال الشعبية قدمت مهى مراد (لبنان) دراسة بعنوان «دور الأمثال الشعبية في مقدمات نشرات الاخبار وكيفية تلقيه: تحليل ألسني ودلالي»، مشيرة إلى معالجة هذه الظاهرة التي هي ليست بجديدة على المستوى الإعلامي. إذ لاحظت أن معظم البرامج التلفزيونية والإذاعية تستخدم الأمثال الشعبية وذلك بهدف إضفاء نوع من البلاغة على المعنى داخل النص، وكيفية استقبال المتلقي لهذه الأمثلة الشعبية المستخدمة، وفهمه لهذه الاستعارات، وهل يصل المعنى بشكل صحيح له، وهل باستطاعة الجمهور فكّ الرموز الموجودة داخل الاستعارات دون مواجهة صعوبة في ذلك.

وفي إطار الشعر الشعبي قدمت زينب الأعوج (الجزائر) دراسة بعنوان «الشعر الشعبي بين الديني والدنيوي»، وهو بحث يحاور بعض النصوص الشعرية الشعبية في الجزائر ويلامس أبعادها الفنية والجمالية وما تحمله من قيم وأبعاد إنسانية وأنماط حياتية واجتماعية. والنقطة المحورية التي يريد طرحها وتلمسها هذا البحث، تتمثل في تلك التقاطعات بين ما هو ديني وما هو دنيوي في نصين شعريين شعبيين، متداولين بكثرة على مستوى الجزائر وبعض المناطق في المغرب العربي إذ تغنى بهما أكبر المغنين على مستوى الجزائر. النص الأول بعنوان «قصيدة حيزية» وهو نص شعري ملحمي يسرد قصة عشق مأساوية، والتي دارت أحداثها كليا أو جزئيا في قرية سيدي خالد بمنطقة بيسكرة. والثاني بعنوان «قصيدة راشدة» والتي تروي قصة ومعاناة مريم العذراء وسيدنا المسيح عيسى عليه السلام. لكن اسم مريم في القصيدة يتحول إلى «راشدة». كما تناول صلاح مهدي الزبيدي (العراق) في ورقته بحث «أنماط من الشعر الشعبي العراقي: الرؤية والفـن»، مشيرًا إلى أن القصيدة الشعرية الشعبية تُشكل أطول أنواع الشعر الشعبي العراقي. ومن الأشكال الأخرى المعروفة بـ(الموال) ويسمى أيضا (الزهيري) وهو من سبعة أشطر. ويأتي بعد ذلك النوع المشهور المعروف بـ(الأبوذية)، وشبيهتها (العتابة) واشتق معناها من العتاب. وأخيرًا الشكل المعروف بـ (الدارمي). وهناك أنماط أخرى أقل شأنًا وشهرة مما ذكر. ويأخذ البحث في تفصيل هذه الأنماط وبيان خصائصها الفنية والموضوعية والأسلوبية بشكل من الإسهاب عبر أمثلة نصية منها؛ لإلقاء الضوء بشكل أكثر وضوحًا على هذا الفن الشعري الأصيل الذي يتغنى به في المهرجانات والمحافل الأدبية وتنظم منه الأغاني ويساهم في رفد الحياة اليومية بأنواع المعاني والحكم. وفي إطار بحث الأدب الشعبي أيضًا قدمت نضال الأميوني دراسة بعنوان «الشعر الشعبي يحاكي الوطنية والانتماء» مشيرة إلى أن الشعر الشعبي هبة من الطبيعة وهو عطيتها البكر والذي خصت به كل إنسان بنعمة الفطرة والذكاء، فالشعر الشعبي يحاكي الطبيعة وكأنها إنسان وهذا هو الانتماء والوطنية فهو إنسان يحس ويعي ويفكر وينفعل ويتصور ببساطة وعفوية.

وفي إطار بحث الحكاية الشعبية قدم مصطفى يعلى (المغرب) دراسة بعنوان «القصص الشعبي العربي: ائتلاف واختلاف»، وسعى في بحثه إلى تسليط الضوء على ما يتميز به العالم العربي، من ذخائرالقصص الشعبي الرائع؛ مبينة في نفس الوقت، ما يغتني به هذا القصص من تنويع، كما يسعى إلى استقصاء عينات نمطية دالة، من متن النصوص القصصية الشعبية العربية، من حكاية عجيبة، وحكاية شعبية، وحكاية خرافية، وحكاية مرحة، من أقطار عربية مختلفة، لتتخذ منها ما يسعفها للنمذجة لثنائية الائتلاف والاختلاف في القصص الشعبي العربي، موضوع هذه المداخلة. كما يقوم إجرائيا بعملية دراسة النماذج القصصية العربية دراسة نصية مقارنة، تستل منها ما هو مشترك وما هو مختلف، فيما بين رواياتها المتعددة بأقطار عربية معينة، مثل مصر والعراق وسورية وفلسطين والمغرب.

الموسيقى الشعبية والغناء

وفي هذا الإطار برزت مجموعة متميزة من الدراسات التي كشفت عن التنوع الثقافي في الإبداعات الشعبية، فكتب أمين الزواري (تونس) بحثه حول «السَّطمْبَالِي» بَيْن الثَابت والمُتَحوّل: شَكْلاً تَعْبِيريًّا ودَلاَلةً رَمْزيّةً ، إذ تعد موسيقى السَّطمْبَالِي من أكثر الأنماط الموسيقيّة التي استطاعت أن تتجذّر في التراث الموسيقيّ التونسيّ ذي البعد الديني، والتي بدأت دخيلة وافدة ثم تعايشت وتأقلمت، فتمازجت مع الأشكال والممارسات الموسيقيّة الشعبيّة القائمة وانتهت نموذجًا مُوسيقيا شعبيًا راسخًا في تقاليد المجتمع، يتفاعل ويتحرّك مع مُتغيّرات العصر وضمن الواقع الاجتماعيّ الثقافيّ المتحرّك بدوره. وقد توقف الزواوي عند هذا النمط في إطار رصد الثابت والمتحوّل في موسيقى السّطمبالي، وإلى وصف أشكالها التعبيريّة وأساليبها، وفكّ دلالاتها الرمزيّة. كما قدم جورج سعادة (لبنان) بحثه حول الفنون الشعبية والتحولات المحلية والدولية: الزجل اللبناني نموذجًا، مشيرًا إلى الزجل اللبناني فن شعبي يحمل خصائص تميزه وتمايزه فلابد من مواكبته من منطلق أمرين أساسّين مؤثّرين في تطوره وما آل إليه: أولهما: الحرب اللبنانية بما حملته من أحداث وما تركته من تبعات. والثاني: العولمة بما فرضته من جديد في التكنولوجيا، واللغة، والعادات، وأنماط العيش. فالزجل اللبناني ظهر منذ القرن الخامس عشر الميلادي، وكانت له ومضات متفرقة منذ القرن الرابع الميلادي، وسار متعثراً حتى النصف الأول من القرن العشرين حيث شهد الكمال جنينًا وولد على يد شحرور الوادي أسعد خورس الفغالي عام 1938 وبلغ أوجه في ستينيات القرن الماضي ، وظل مزدخراً حتى العام 1975 ، تاريخ نشوب الحرب اللبنانية فشهد تراجعاته الأولى.

وفي إطار بحث الرؤى والتحولات في الموسيقى والأغنية الشعبية قدم عبد الحقّ زريوح (الجزائر) بحثًا بعنوان «من فنون الثقافة الشعبية الجزائرية: الحوفي وأغنية الصّفّ، قراءة في الجذور التاريخية: الجذور والعناصر المشتركة للثقافة الشعبية العربية»، وهذان العنصران الموسيقيان يمثلان من العناصر الشعبية المعروفة في «تلمسان» وضواحيها الأول هو شعر نسوي يتمثّل بالأساس في لون يُسمّى «الحوفي»: وهو شكل غنائي نسوي تُشكِّلهُ مقطوعات شعرية متفاوتة الطول. وهو رباعي الشكل، مجهول القائل. والثاني يُطلق عليه «أغنية الصّفّ»: وهي عبارة عن أهزوجة مرتبطة أصلاً بلحن وإيقاع معينيْن، والدراسة قراءة في الجذور التاريخية لهذين العنصرين ستُجلي بشيء من التفصيل ماهيتهما. وفي هذا الإطار أيضًا قدمت فاطمة دالي يوسف زُهرة (الجزائر) بحثها حول «واقع الشعر الشعبي التلمساني بين الثابت والمتحول» متناولة جانبًا من القيم الثابتة والمتحولة من خلال تجربة الشعر الشعبي لمدينة تلمسان المعروفة باسم «الحوفي» تتناول مجموعة من الصور الخاصة الاجتماعية والثقافية وما تحمله من رسائل ذات أبعاد ثقافية يُعَّبَر عنها بالشعر الغنائي. وتسعى الدراسة على هذا النحو إلى تسليط الضوء الكاشف على ماهية الشعر الشعبي التلمساني كأصالة وتراث، وما طرأ عليه من تحولات مع بداية العولمة وتعاظم دورها، لنرى في خلاصة استنتاجية ما الذي استمر ثابتاً في هذا الشعر وما تبدّل فيه. فتراجع أو اضمحلّ أمام غزو العولمة وما أحدثته من تبدلات اجتماعية في العادات وأنماط العيش ووجوه الفنّ.

كما قدم عصام السعيد وشيرين عبد الحليم القباني (مصر) دراسة حول توثيق «كتابات وأغاني الحج: دراسة مقارنة بين العصر الفرعوني والعصر الإسلامي»، وقد عرضت الدراسة للموضوع تاريخيًا حتى العصر الإسلامي حيث حرص المصري على الاحتفال بمناسبة الحج بالإنشاد الديني وغناء الأغاني الشعبية، والتي عرفت باسم حنون الحجاج أو تحنين الحجاج، وهي تلك الأغاني التي ترددها النساء وكذلك بعض المنشدين الشعبيين قبل سفر الحاج وأثناء توديعه، وبعد عودته سالمًا، وتهدف الورقة إلى إلقاء الضوء على الأغاني والابتهالات التي ارتبطت بزيارة المعبودات المصرية القديمة، ومقارنة تلك الأغاني بالأغاني الشعبية التي يتغنى بها الحجاج وذويهم في مصر الإسلامية، ومحاولة استنباط أوجه الشبة والاختلاف بين العصرين. أما خطري عرابي فقد قدم دراسة بعنوان «تجليات الغزل العفيف في غناوي العلم: محاولة لربط الثقافة البدوية المعاصرة بالثقافة البدوية القديمة»، و«غِنِّاوة العَلَم» أشهر أنواع الشعر الشعبي البدوي الخالص، يمتاز بها البدوي عمَّن يدَّعي البداوة، وهي الوحيدة من الشعر البدوي التي يسِمُها البدوي بلفظة «غنِّاوة»؛ ذلك لاعتمادها على ترنيم الصوت وتكراره مراتٍ عِدَّة أكثر من اعتمادها على كلماتها، ومن هنا كانت كلمة غنِّاوة ألصق بها وأقرب إلى حقيقتها من كلمة أغنية. وتهدف الدراسة إلى التعريف بهذا النوع البدوي المتميز، وسماته الفنية، وقيمه الموضوعية، وطريقة أدائه، كما تهدف إلى حصر الموضوعات التي تتناولها «غناوي العلم» والوقوف على أكثر الموضوعات ثراءً، وهو موضوع «الغزل العفيف «، مع تلمُّس النقاط المشتركة بين الغزل العفيف في الثقافة العربية القديمة، ونظيره في غناوي العلم.

بحث الحرف والعمارة الشعبية

تناولت بعض الأوراق موضوع الحرف الشعبية، والرؤى والتحولات الخاصة بها، منها ورقة محمد الجزيراوي (تونس) حول «الحرف الشعبية في عالم متغير»، والتي تسعى إلى تناول هذا الموضوع من خلال نماذج تطبيقية لبعض الحرف التي قاومت التحديات التي فرضتها العولمة بالاستفادة مما وفرته هذه الأخيرة من انتشار مذهل لوسائل وتقنيات عمل عصرية دون أن يمس ذلك من جوهر الممارسة الحرفية، ولعل أهم مظهر من مظاهر صمودها ما أسماه الباحث «أسلوب إعادة ترتيب وظائف المنتج الشعبي».

كما تناولت علياء الزوابي (تونس) حرفة «صناعة الفَخّار في سجنان: تحف فنية بأنامل نسائية»، مشيرة إلى أن صناعة الفخّار انبثقت من الطبيعة وارتبطت بها في رحلة أزلية التقت فيها الحضارات والثقافات فتلاقحـــت وتمازجت وانصهرت لتجسّد في الأخيـر هويــة مجموعة إنسانية معينة في شتّى أبعـــادهــا، فالفخّار هو بمـثــابة مــفـتـاح لــتــاريخ الشعوب، مضيفة أن ماتتمّيز به صناعة الطّين بشمال تونس وبالتحديد منطقة سجنان من خصوصية وتفرّد من حيث طريقة الصنع وثراء الزخرفة يستدعي من الباحثين مزيد التعمّق والبحث خاصة وأنها منطقة ثرية بمخزون ثقافي متنوع.

في إطار بحث العمارة الشعبية قدم الباحثون مجموعة من الأوراق المهمة في أكثر من منطقة عربية، من بينها الورقة التي قدمتها إلهام كلاَّب (لبنان) حول البيت التراثي اللبناني: هوية وجماليات وقيم، كشفت فيها عن تميز العمارة اللبنانية التراثية بنماذج هندسية ثابتة في طرق تشييدها أو زخرفتها أو تأثيثها أو مفاهيمها، ومن أهم هذه النماذج: البيت ذو القاعة المركزية المغطاة بالقرميد الأحمر، والبيت ذو الإيوان أي القنطرة الكبيرة المفتوحة على الخارج، والبيت ذو الرواق أي الممر الطويل من القناطر المتتالية على واجهة البيت، والبيت ذو الفناء، ولعل أشهرها بيت الأقواس الثلاثة الذي عرف انتشاراً كبيراً وشهرة وتطوراً واستعادة منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وتبدو إمكانية تأهيل هذه البيوت أو تحويلها إلى مراكز ثقافية أو فنادق صغيرة مميّزة أو متاحف للتراث، فرصة لتواصل الأجيال مع هذا التراث الهندسي المتميّز العريق في جذوره وقيمه وجماليته وهناء عيشه ورحابة استقباله وفي أفقه الإنساني الوسيع.

استلهام التراث الشعبي وتوظيفه

وفي إطار بحث موضوعات الاستلهام لعناصر التراث الشعبي العربي وتوظيفه، ناقشت بعض أوراق المؤتمر هذه القضية من خلال عدة مداخل، منها الدراسة التي تقدم بها نبيل سليمان بعنوان «السرديات الروائية للجذور المشتركة للثقافة الشعبية العربية: البداوة أنموذجًا، وقد جاء الاشتغال الروائي على البداوة بدرجات متفاوتة، سواء في المستوى الفني أم في شمول النظر وعمقه كما يشير الباحث، ومن ثم فقد تناول في بحثه العديد من النصوص الروائية التي تجلت فيها مفهوم الرواية في كل من مصر والسودان والسعودية والإمارات وسوريا والأردن ولبنان وليبيا وموريتانيا، متسائلاً: لماذا هذا الحفر الروائي في زمن البداوة، بينما الرواية تذهب قدماً في الحداثة وفيما بعد الحداثة؟ هل هي الأكزوتيكا مثلاً، من بين ما يلفع الاشتغال الروائي على الثقافة الشعبية العربية؟ هل هو رثاء لعالم اندثر، أم استمطار لقيم ذلك العالم في معمعان اهتزاز وتقصف وتوليد القيم عربياً وعالميًا. وفي هذا الإطار أيضًا قدمت سمر سعيد شعبان (مصر) بحثًا بعنوان:«توظيف حرية الإبداع فى الرقصات الشعبية المصرية» مشيرة إلى دور الرقص الشعبي المصري وأهميتة فى عملية حرية الأبداع ومدى تأثيره فى الحفاظ على العناصر الحركية البيئية من التشويه والاندثار داخل محافظة أسوان وذلك من خلال بحث دور المؤدي فى الرقصات الشعبية، وأهم الحركات المميزة للرقصات الشعبية فى محافظة أسوان، وحدود الإبداع داخل الرقصات الشعبية، وتأثير البيئة على الرقصات الشعبية، وأهم الرقصات الشعبية فى محافظة أسوان وتوظيف دور الإبداع فيها. ثم قدم نبيل بن عبد الرحمن المحيش (السعودية) دراسة حول «الثقافة الشعبية والأدب النضالي»: قراءة جديدة في: «أقوال جديدة عن حرب البسوس» لأمل دنقل، إذ يكشف عن رؤية دنقل التي تجسدت في وعيه للسيرة، ووعيه لكيفية القراءة المعاصرة، التي تتماهى فيه تجربة الشاعر، بتجربته الشخصية التراثية، ففي السيرة رفض الصلح كامن وراءه تأكيد لفكرة الثأر التي عرف بها الإنسان الجاهلي، أما في القصيدة، والرؤية المعاصرة، فالرفض لا يسعى إلى تأجيج هذه النار، ولا إلى ترسيخ هذه الفكرة، وإنما كان السعي من أجل تحقيق العدالة، والقصاص من القاتل، وبرؤية الشاعر هي الدفاع عن الحق العربي المسلوب وعن المجد العربي المقتول .

كما قدمت مي هاشم (مصر) دراسة بعنوان «استلهام المأثور الشعبي في الأعمال الإبداعية: عبد الله الطيب نموذجًا» حيث قدمت نموذجاً لاستلهام المأثور الشعبي في الأعمال الإبداعية متمثلاً في كتاب «الأحاجي السودانية» للكاتب عبد الله الطيب، إذ تنبع ضرورات حماية الهوية وصيانة خصوصيتها الذاتية من التطور الحضاري الإنساني والتفاعل الحضاري الثقافي بين الأمم والشعوب، وكان لا بد من سبلٍ يمكن تطبيقها في ضوء الفرص المتاحة، وإن استلهام المأثور الشعبي في الأعمال الإبداعية أحد أنجع السبل للحفاظ على التراث الشعبي من الاندثار في ظل جميع التحديات، كما يستعرض البحث مسحاً وتحليلاً لارتباط الشباب بالموروث الثقافي ومقارنته من الجانب المفاهيمي والفكري والفني للجيل المعاصر من الشباب، وإلى أي مدى يمكن أن تؤثر الثقافة الشعبية في الحركة الثقافية لهذا الجيل.

كما تناولت فاطمة عبدالله غندور (ليبيا) موضوع «توظيف التراث الشعبي في المنتج الثقافي والفني»: الرواية الليبية (سريب - أحمد الفيتوري ) نموذجًا. والتي أشارت إلى أن توظيف الموروث الشعبي في الأدب الروائي الليبي المعاصر لم ينفصل في ذلك عن صنوه من الروايات العربية، مشيرة إلى بعض النماذج، غير أن ما لفت انتباهها في هذه الدراسة رواية (سريب: صدرت 2008) للروائي أحمد الفيتوري توظيفها جمعًا: بين موروث عالمي وعربي مع موروث محلي ذي خصوصية على صعيد الأمثولة الشعبية، والطقوس، والعادات والتقاليد، والملفوظ والنص الغنائي، عدا عن عتبات الرواية من عنوانها إلى إهدائها، إلى رسم خارطة السرد فيها كتوالد الحكايات حيث تسبح عوالم الرواية في فضاء البطل (الراوي) الذي يسترجع سيرة الطفولة مع جدته التي تواجه الفراغ والخوف بالسرد الذي لا يتوقف سواء في وحدتها أو رفقة حفيدها.

ملتقى جحا بالشارقة

جاء ملتقى الشارقة الدولي للراوي في دورته السادسة عشر، والذي التقي فيه حكواتيون وقوّالون ورواة من مختلف بلدان العالم، وقد أعلن عبد العزيز المسلم رئيس معهد الشارقة للتراث ورئيس اللجنة المنظمة للملتقى عن عنوان دورة هذا العام «جحا: تراث إنساني مشترك»، لإحياء تراثه ونفض الغبار عن نوادره وحكاياته المتداولة في العالم. مشيرًا إلى أننا جميعًا جميعنا يعرف جحا العربي، وجحا التركي، والإيراني، وهو هناك في بلغاريا أيضاً غابروفو المحبوب، وأرتين أرمينيا، صاحب اللسان السليط، وآرو يوغسلافيا المغفل، وغيرهم، وهو الذي أضحك ويضحك الملايين من البشر في شتى أصقاع الأرض، بنوادره الطريفة التي تحمل الدهشة والنكتة والسخرية والقصة والسرد اللافــت والجــاذب. لافتًــــا إلـــى أن هنــاك أيضًــا جحا الخليجي والإماراتي تحديدًا، مشيراً إلى أننا نحتاج في هذا الزمن إلى شخصيات مثل جحا، على أساس أن تكون قادرة على التهكم، لكن بظرافة.

أما جحا العربي فهو شخصية من الشخصيات التي اشتهرت بالظرافة والطرافة والفكاهة والنوادر، ويكاد لا يخلو مجلس أو سَمَر من ذِكْرِهِ واستحضار سيرته والاحتفاء بمسيرته التي طُبِعت بطابع الحمق والغفلة والخرافة والجنون حيناً، والذكاء والدهاء وقوة التخلّص وسرعة البديهة حيناً آخر. وقد اختلفت المصادر التاريخية والتراثية قديماً في اسم جُحا العربي ونسبته اختلافاً كبيراً، فقيل أبو الغصن دجين بن ثابت، وقيل اسمه نوح، وقيل عبد الله أو دجين، ولقبه جُحا، وكنيته أبو الغصن يُنْمى إلى قبيلة فزارة العربية، ومن خلال المقارنة بين المصادر المذكورة يمكننا أن نستشف أن اسمه أبا الغصن دجين بن ثابت اليربوعي البصري الفزاري، ولد في النصف الثاني من القرن الأول الهجري وتوفي سنة 160هـ. كما اختُلف في شخصيته على رأيين، رأي وصفه بالحمق والغفلة والجنون حتى إنهم يضربون به المثل فيقال: (أحمق من جُحا)، والرأي الآخر اعتبره واحداً من التابعين الأجلاّء الذين رووا الأحاديث النبوية الشريفة. وعلى الرغم من الاختلاف في التمييز بين جحا المحدّث وجحا صاحب النوادر، إلا أنه لا فرق بينهما، فهما شخصٌ واحدٌ حمل في ذاته السمات المحورية التي تتميز بها النماذج الفنية الشعبية المرحة، فكانت رمزاً نقل صاحبها من واقعه التاريخي إلى رمز فني ممتد. والحق أن جحا لم يكن أحمقًا، بل كان متحامقًا يتظاهر بالحمق، وقد زاد من شهرته، التي طارت في الآفاق، نوادره وحكاياته التي كان يعرضها أحيانًا في مجالس الخلفاء والقادة للتسلية والترفيه، كالخليفة العباسي المهدي، والقائد أبي مسلم الخراساني، وكانوا يتندّرون عليه. بيد أن جحا في الواقع كان رجلاً لمّاحًا، حاضر الجواب، سريع البديهة، حادّ البصيرة، ثاقب النظر وإن تظاهر بغير ذلك.

وصفوة القول أن جحا كان نموذجًا اتّسم بالأصالة تاريخًا والفرادة تراثيًا والتميّز شعبيًا، ممــا يؤكــد أسبقيته زمنيًا عـلـى جحا التركي الذي يدعى نصر الـــديــن خوجــة أو الخــوجة نصــر الــدين وغيره من الشخصيات الجحوية الأخرى التي انتشرت في العالم كالنار في الهشيم، مقتبسةً من سيرته ملامحها ومستلهمةً من شخصيته أبعادها الجوهرية، لذلك تعدّدت صورها وتداخلت مظاهرها وأشكالها وتمدّدت وانتشرت في ثقافات الدنيا.

وقد انطلقت إشكالية الندوة الفكرية من كون جحا تراثًا إنسانياً مشتركاً، لا تنفرد أي من الثقافات بالتفرد بتراثه. فكل الشعوب والثقافات تحتفظ بنفس الحكايات والنوادر والتصرفات الإنسانية لهذا الرمز الإنساني المشترك بين كافة ثقافات الشعوب. ومن ثم فإن جحا شخصية إنسانية فكاهية أخذت حظها من الانتشار في كثير من الثقافات القديمة، ونسبت إلى شخصيات عديدة عاشت في عصور ومجتمعات مختلفة. وجحا رجل فقير كان يعيش أحداثه بطريقة مختلفة ويتماشى مع تلك الأحداث شبه الحقيقية التي كان يعيشها، فهو يتصرف بذكاء كوميدي ساخر على الأحداث التي كان يعيشها، فانتشرت قصصه ومواقفه التي كان يتعامل معها في حياته اليومية، وكانت تنتقل قصصه من شخص إلى آخر مما نتج عن ذلك تأليف الكثير من الأحداث الخيالية على قصصه، فكل شخص كان يروي قصصه بطريقته الخاصة، ومنهم حتى نسب عمله لشخص آخر أو شخص خيالي. وقد ارتبطت الأوراق البحثية بمجموعة من المحاور هي: وجوه جحا وصورها وتنوعها في الثقافات الإنسانية - جحا في التاريخ والأدب الشعبي - استلهامات جحا في الفنون: الفن التشكيلي، السينما، المسرح، العرائس والدمى.

وقد اختار الملتقى المملكة العربية السعودية ضيف شرف هذا العام، تقديراً لما تمتلكه من رصيد غني وإرث كبير في عالم الرواة والسرد والقصص والحكايا. كما تم تكريم الأستاذ سعد الصويان أستاذ التراث السعودي، واسم المرحوم رجب النجار صاحب أول دراسة عربية حديثة عن جحا، وقد تم إعادة نشر كتابه «جحا العربي»، خلال الملتقى.وقد اشتملت الأوراق العلمية فضلاً عن المائدة المستديرة العديد من المداخل العلمية لدراسة شخصية جحا في التراث والتاريخ، فضلاً عن مقاربات حول الرمز الفني والبعد التاريخي ثم توظيف الشخصية واستلهامها في الفنون المعاصرة، على النحو الذي سنعرضه في الأبحاث التالية:

جحا في التاريخ والإبداع العربي

كانت بداية الأوراق من خلال الدراسة التي قدمها عمرو عبد العزيز منير (مصر) بعنوان «جحا فى التاريخ العربى: بين أسبقية الظهور، وأولية الإبداع» ناقش فيها أسبقية ظهور جحا في التاريخ، مشيرًا إلى أن شخصية جحا تظهر على أنها شخصية غير تاريخية، ومفارقة لأى واقع زمنى؛ ثم تتبع ظهور جحا في المصادر التاريخية المتعددة، وكيفية تناولها، مؤكدًا على أن شخصية جحا كانت، بأسبقية ظهورها وأولية إبداعها فى التاريخ العربي، علامة رمزية فارقة أثرت على مجتمعنا العربي حتى الآن، بل والمجتمعات المحيطة به، حتى امتد تأثيرها للعالم أجمع، فغدا شخصية إنسانية مشتركة، عابرة للثقافات المحلية، متعددة الوجوه، والأسماء، واللغات، والأزمنة، والأمكنة، فمثلما نعرف جحا العربي، الضارب جذورًا في التاريخ والأدب الشعبي، في إطار الثقافات المحلية والوطنية العربية؛ فإننا نعاين كذلك نظيره الفارسي، والتركي، والفرنسي، والألماني، والإيطالي، والإسباني، والآسيوي والأفريقي، وغيره/غيرهم، والظن، كل الظن، أن ثمة جحا مجهولًا، علينا دومًا البحث عنه، والتعرف عليه، في مجمل النتاج الثقافي الشعبي الإنساني، ومن حق كل جماعة إنسانية الاحتفاء بجحاها، وتقديمه إلى الثقافات الإنسانية بمختلف وسائل التوصيل، لكن ليس من حق ثقافة ما الاستئثار به. وليس معنى هذا أيضا، أن النموذج الجحوي العربى، قد فقد تفرده أو تمايزه بين النماذج الجحوية العالمية. بل كان أكثرها تفردا وتمايزا، لسبب بسيط، أنه أكثرها أصالة، وأقدمها تاريخا، توصلنا لذلك بناء على التتبع التاريخى لظهور النموذج الجحوي فى المصادر العربية، والتي كانت أسبق من كل ذكر لجحا فى غيرها من المصادر فى العالم أجمع شرقه وغربه. وهو الأمر الذى يعد متسقا مع هذا اللون من الإبداع الذى ظهر مبكراً فى الآداب العربية - النوادر - إذ ظهرت شخصيات عربية فى ذات الفترة التاريخية تحمل من الصفات، وترد عنها من الحكايات والنوادر، ما زاحم جحا، فى المبنى والمعنى، إلا أن الحس الشعبي آثر أن يخلد جحا، علما على كل هذه الشخصيات، ليبقى مادة فولكلورية حية نامية، ومرنة متطورة، تخضع للانتخاب والانتقاء، لتعبر فى كل مجتمع، وفى كل عصر، عن ضمير الطبقات الشعبية.

وفي إطار البحث عن تاريخ جحا قدمت منّـي بونعامة (الإمارات) دراستها أيضًا بعنوان «البعد التاريخي لشخصية جحا» مشيرة إلى أن التراث العربي عَرَف على امتداد العصور العديد من الشخصيات التي اشتهرت بالظرافة والطرافة والفكاهة والنوادر، ومن أشهر هؤلاء جُحا؛ ذلك الكائن الذي يكاد لا يخلو مجلس أو سَمَر منه ذِكْرِهِ واستحضار سيرته والاحتفاء بمسيرته التي طُبِعت بطابع الحمق والغفلة والخرافة والجنون حيناً، والذكاء والدهاء وقوة التخلّص وسرعة البديهة حيناً آخر. مشيرة لورود اسم جحا في عشرات المصادر التاريخية، في محاولة منها للتأصيل التاريخي لشخصية جحا وكشف النقاب عن ملامحها ومعالمها المائزة بالاتكاء على المصادر القديمة والاستظهار بما حوته من معلومات تؤكد أصالة الشخصية وفرادتها تراثياً على ما سواها من النماذج الجحوية التي ظهرت في بعض المجتمعات الأخرى.

الرمز الفني لجحا

أما الماز أبراييف (قيرغيزستان) فقد قدم ورقة بعنوان «جحا.. بين الواقع التاريخي واستلهام الرمز» الذي أشار إلى أن شخصية جحا شخصية شعبية لا تخضع للتراث الرسمي الذي يخضع للتدقيق والمساءلة، لتمتاز الشخصية كما يرى د. حامد طاهر بأنها «تركز على محتو ى ما نقل عنها دون التوقف على مَنْ أنتجه أو أبدعه، كما تزيد جرعة النقد والهجاء خلالها لكل ما هو قائم». ولعل الصفة الشعبية التي وسمت بها شخصية جحا جعلت منها ذيوعا وشهرة في مختلف الثقافات، إذ أصبحت وجودا خاصا في الضمير الجمعي للشعوب تتضمنها نقدها للواقع السياسي والاجتماعي والقيمي، علاوة على رؤيتها للأحداث العاصفة التي تمر بها. وعلى هذا النحو تقف الدراسة على الواقع التاريخي لشخصية جحا واستلهام الرمز من خلال عدة محاور، وهي: جحا الحقيقة والرمز الفني، جحا في الضمير العربي، شخصية جحا واستلهام الرمز.

وفي إطار بحث الرمز الفني لجحا عرضت أمينة جعفر الفردان (البحرين) دراستها بعنوان «ملخص الورقة: بين التاريخ والأدب الشعبي: «جحا الرمز». وتبحث الدراسة شخصية جحا «الرمز» بين التاريخ والأدب الشعبي وذلك من أجل التعريف بهذه الشخصية المهمة لإزالة الغموض عنها قدر المستطاع، من خلال محاور: جحا في الأدب الشعبي، حقيقة جحا من خلال ما ورد في الكتب والمراجع العلمية المتاحة، جحا ورمزية حضوره في التراث العربي، والمحلي بشكل خاص. كما تعرّج الورقة على ملامح الظهور ومكامن التوظيف لشخصية جحا في الإبداع الجمعي، وارتباط شخصية جحا بحرية النقد والسخرية، ثم تجليات هذه الشخصية في التراث البحريني، وأبرز نوادره التي شاعت وذاعت في المملكة البحرينية، والتي سارت مسرى المثل، وهي: وين أذونيك يا جحا، مسمار جحا، جحا وحماره.

توارث الحكي وفنون السرد

أما زهور كرام (المغرب) فقد تناولت في دراستها بعنوان «جحا وبلاغة المحكي المتوارث» مشيرة إلى أن حجا يُعد شخصية ومحكيًا وصوتًا رمزيًا من أهم الخطابات التعبيرية التي أصلت لفكرة «المُشترك الإنساني» عبر مختلف العصور. وتعود فكرة التأصيل إلى طبيعة العلاقة التفاعلية بين شخصية «جحا» التي تميزت بدقة التداخل الوظيفي بين الجدي والهزلي، الواقعي والمتخيل من جهة، ومحكي جحا الذي شكل خطابًا بلاغيًا من حيث التركيب والمحتوى. لهذا، فإن الخصوصية الثقافية التي ميزت شخصية جحا، وحولتها إلى مرجع للثقافات والحضارات الإنسانية، وجعلت محكي جحا مُتوارثا عبر العصور، تعود إلى هذه العلاقة الوظيفية بين تركيبة الشخصية و خطاب محكي جحا. ثم تعرض لمجموعة من التساؤلات البحثية في ورقتها: كيف يمكن تحديد هذه العلاقة؟ من الذي أصل لفكرة «جحا» هل الشخصية أم المحكي؟.. ما هي خصائص خطاب محكي جحا؟.. هل يمكن إنتاج وعي معرفي بمفهوم المؤلف من خلال شخصية جحا؟.. ما أسباب توارث هذه التركيبة المتداخلة بين الشخصية - المحكي في الثقافات الإنسانية؟.. ما هو الخطاب المعرفي الذي يمكن استثماره من شخصية - محكي جحا؟.. كيف يمكن استثمار شكل خطاب جحا(النادرة مثلا) في قراءة الأنواع الأدبية الجديدة؟. ثم تشير إلى أن هذه عينة من الأسئلة التي ناقشها البحث، وذلك باعتماد تحليل خطاب محكي جحا من جهة، ومن جهة ثانية من خلال بناء معرفي لمفهوم جحا - المُؤلف أو الصوت المُنتج لهذه البلاغة المتوارثة ثقافيًا.

كما قدم صالح هويدي (العراق) دراسة مهمة بعنوان «من قشرة الحكاية إلى لُبّها: قراءة في السرد الفكاهي العربي». أشار فيها إلى أن في تراث العرب أكثر من جحا، وأن بين هذه الشخصيات رجالًا ونساء، اشتهروا بما اشتهر به جحا، وبعضهم قدم حكايات وسرودًا فاقت ـ دون ريب ـ ما نُقل عن هذه الشخصية المشهورة لدينا. ولعل نظرة مدققة في تاريخ السرد الحكائي العربي كفيلة بأن تثبت لنا أن جحا ليس أشهر من عرف بهذا اللون من الحكايات. فها هو ابن الجوزي وحده، يذكر من هؤلاء المشهورين: هبنَّقة، وأبو غبشان، وأبو أسيد، وشيخَ مهو، وحمزةَ بن بيض، وعجلَ بن لجيم، وحجينة، وبيهس، ومالكَ بن زيد مَناة، وعَدي بن حُباب. ومن النساء حذنة، وريطة بنت عامر، ودغة بنت مغنج، والفزارية الحمقاء، والممهورة وسوى هؤلاء كثير. ومن ثم تسعى ورقة هويدي إلى تسليط الضوء على نماذج معدودة من حكايات الضحك أو الدعابة أو الفكاهة أو التندر، لتقديم قراءة سريعة لها، نخلص من ورائها إلى التنبيه إلى ضرورة إعادة النظر في هذا النوع السردي، وتصنيف الأقدمين والمحدثين له، استنادًا إلى قشرته الخارجية وظاهر ما يبدو منه من إضحاك، ويغلب عليه سخرية وحمق، بالدعوة إلى عدم وضع هذا الشتات المترامي من هذه الحكايات، في سلة واحدة. ففي كثير من نصوصه، لم يكن الظرف والتندر سوى قناع، يخفي وراء قشرته نقدًا وتعرية وكسرًا للتابوهات، على مستوى المضمون، مثلما يكشف لنا عن اقتراب، في التصوير الفني، من اتجاهات فنية تعبيرية، كالعبث والفانتازيا والسريالية.

أما محمد ولد أدوم (موريتانيا) فقد قدم ورقة بحثية بعنوان «جحا في الحكايات الشعبية الموريتانية: مقابلة بين «تَيْبَهْ» و«دَيْلولْ».. أشار فيها إلى أن الحديث عن جحا يحيل إلى استحضار هوياتٍ مختلفة عبر التاريخ، ولكن سواءً كان جحا عثمانيًا من مدينة اسطنبول يدعى نصر الدين خوجه، أو كان الرجل الظريف الذي عاش في العصر الأموي، أبا الغصن دجين بن ثابت الفزاري، أو كان أبا نواس البغدادي الفكاهي الذي اتخذه هارون الرشيد خلا، أو كان كل تلك الشخصيات مجتمعة فإنه مثل شخصية ثرية في التراث الإنساني، إلى حد أن كل أمة أو مجتمع صنع لنفسه «جحاه» الخاص به. ومن ثم تناقش ورقته ظلال جحا وملامحه في الذاكرة الشعبية الموريتانية من خلال الاستظهار بما حوت من قصص وحكايات ترمز له، حيث تتوزع شخصية جحا في الموروث القصصي الموريتاني ما بين الغباء والتغابي والذكاء والتذاكي ومن ذلك أن كل القصص والحكايات التراثية التي تناقلها الناس وتداولتها الجدَّات عبر التاريخ، والتي جُمعت في مدونة من ثلاثة أجزاء تحت عنوان «الحكايات والأساطير الشعبية الموريتانية» حافلة بالشخصيات التي تشبه جحا غير أن الباحث سينتقي منها تلك الشخصيات التي تشبهه كثيرا، ليحفر في هويتها، ويكتشف أواصر الشبه والقربى مع سيد الفكاهة في التراث العربي المشترك.

وجوه جحا في الثقافات الإنسانية

وفي هذا الإطار قدمت مها كيال (لبنان) دراسة بعنوان «الشخصيات الهزلية العابرة للزمان والمكان في الأدب الشعبي: حالة جحا «الأبله» الملتبس، تناولت فيها أهمية القصص والنوادر وحضورها في المخيال الشعبي اللاَّمادي، لا سيما أنها تعد وسيلة من وسائل التعبير عن الذات الثقافية المحلية بأسلوب غير مباشر (رمزي الشكل)، ينتقل شفاهة من جيل لآخر، وأهم ما فيها تلونها مع ثقافة المكان والزمان وخصوصياته المعيشية. فالنوادر التي تتميز بالإيجاز، الفكاهة والهزل من خلال قصة صغيرة أو موقف أو تسلسل من الكلمات التي تقال / تكتب / تشاهد دائماً ما تدور حول موضوع الحياة اليومية بغرض التأثير على المتلقي وجعله يضحك وفق مستويات قد تصل حتى البكاء والتفكر في الواقع المعاش. لهذا فإن لكل شعب شخصياته، أو الشخصية نفسها قد تنتشر بالتثاقف، وتتلون أثنياً وثقافيًا بتلون المجتمعات التي تتبناها، ليصل مدلولها بشكل مقروء فكريًا للمتلقي. وتركز ورقتها أيضًا على بعض الشخصيات الفكاهية، سواء تلك التي تمّ ابتكارها من الشعب نفسه أو تلك التي تشكلت من خلال الأدب وتحولت لاحقًا في المخيال الجمعي لشخصية يضرب فيها المثل في الحياة المعاشة، وذلك من أجل إبراز مهارات الشعوب وحكمها على لسان شخصياتها الشعبية، من أجل إظهار مدى التأثر والتأثير المتبادل بين الأدب الشعبي والأدب العالمي.

أما مسعود شومان (مصر) فقد جاءت ورقته بعنوان «جحا وتقنيات ارتداء الأقنعة»، وقد أشار بشكل مباشر إلى أنه بعيدًا عن الصراع المحموم حول جحا ونسبته إلى مكان أو زمان ما - مع إيماننا بإنسانيته وإنسانية حكاياه ونوادره - فهو يقدم مدخلاً لقراءة تقنيات القناع فى المأثور والتراث الشعبى الجحوي ممثلا فى بعض نوادره و حكاياه وأمثاله أو على وجه أكثر دقة فى التمثيلات الأدبية الشعبية التى صاغتها الجماعة الشعبية على لسانه أو نسبتها إليه منتخبة إياه معبرًا عن عاداتها وتقاليدها ومنظومة قيمها فى إطار يحقق تجانسًا بين إبداع الفرد وجماعته التى تتبنى نصوصه / نصوصها لتمارس أولى تقنيات التقنع حين تلبس الجماعة ثقافتها وسخريتها ورغبتها فى ممارسة الحكى والتندر على المواقف والأشخاص، فى لحظة تمارس فيها لعبة التخفي عبر تجليات لا تقف عند المثل الشعبى أو الحكاية أو النادرة، لكنها تتجاوزها لاستعمالات يومية تستعين بها على مواجهة القهر والفشل والغباء بالحيلة والسخرية، وهو ما يجعل شخصية جحا شخصية حية حتى الآن فى رصيد الجماعة الشعبية، ويعنى فى الوقت ذاته استمرار إنتاج الإبداع الشعبى الجحوي طالما احتاجت إليه الجماعات الإنسانية لتضيف إلى جحا كل يوم نوادر وحكايات جديدة تستعيرها من تراث أوسع من الشخص وتاريخه والأزمنة والأماكن التى عاش فيها. إذا كان حقيقيًا وليس شخصًا متخيلا ـ ليتبنى من خلال قراءة العارف منظومة القيم التى تقبل جماعته أن تصدق عليها.. ويضيف شومان: إن جحا يرتدى عددا من الأقنعة ليمارس رسالته النصية التى تراهن على تعددها الذى يراوح بين عدد من الثنائيات لعل منها: ثنائية الشفاهى والمدون- ثنائية اللغة (الفصحى - العامية). تتعدد اللغات التي ينطق بها جحا بتعدد البلدان التي ينتمى إليها أو بالأحرى تنسبه إليها ـ ثنائية التوجه (للصغار - الكبار).

كما قدم عبد الرحيم جيران (المغرب) ورقة مهمة بعنوان «تنقل النص الجحيّ والبنية التوالديّة» لخص هدفها بقوله أن هذه الدراسة تتناول مسألة المُشترك الذي يجعل من ثقافات مُختلفة مُنفتحة على النصّ الجحيّ، ومُدمجة إيّاه في تراثها السرديّ. وسنعمل في تحقيق هذا المسعى على تبنّي تصوّر مُختلف لتحديد النصّ الجحيّ من طريق تحريره من مأزق النشأة، ومن ارتباطه بالرؤية المركزيّة لثقافة بعينها، سواء أكانت هذه الثقافة عربيّة أم لا. وقد كانت الخلفية النظريّة التي وجهّت أسئلتنا - في هذا النطاق - ماثلة في التلقّي، لا بوصفه نمطَ قراءة، ولكن بوصفه آليات لتبنّي النصوص المُنتمية إلى ثقافات مُختلفة. كما كان الحرص في هذه الدراسة على مُعالجة المحلّي والكوني، وضبط المُستويات النصّيّة الجحيّة التي يتبدّى كلٌّ منهما فيها.

ثم اختتم محمد حسن عبدالحافظ هذا المحور بعنوان «جحا.. تراث إنساني مشترك» أشار فيه إلى أن الأمر المؤكد، حد اليقين، في شأن جحا؛ هو أنه غير واحد، ولم يكن واحدًا، ولا يمكن أن يكونه. لا يمكن أن يكون كل ما نسب إليه صادرًا عن جحا واحد، فرموز نوادره وحكاياته تشير إلى عصور متعاقبة، وبيئات متباعدة. الشيء الثابت حقًا أنه شخصية إنسانية مشتركــة، عـــابرة للثـقــافــات المــحــلـية، وأنه شخصية إنسانية متعددة الوجوه، والأسماء، واللغات، والأزمنة، والأمكنة. مثلما نعرف جحا العربي، الضارب جذورًا في التاريخ والأدب الشعبي، على تعدده هو أيضًا، في إطار الثقافات المحلية والوطنية العربية، فإننا نعاين كذلك نظيره الفارسي، والتركي، والفرنسي، والألماني، والإيطالي، والإسباني، والآسيوي والأفريقي، وغيره/غيرهم، والظن، كل الظن، أن ثمة جحا مجهولًا، علينا دومًا البحث عنه، والتعرف عليه، في مجمل النتاج الثقافي الشعبي الإنساني. من حق كل جماعة إنسانية الاحتفاء بجحاها، وتقديمه إلى الثقافات الإنسانية بمختلف وسائل التوصيل، لكن ليس من حق ثقافة ما الاستئثار به.

استلهام شخصية جحا

وفي هذا المحور قدم محمد حسان (مصر) دراسة بعنوان «جحا أو جحوات؟»، اشار فيها إلى أن جحا، ذلك الضارب في البرية يحمل عصاه المدببة كأنفه.. كلحيته كجسده النحيل يأتنس بالحمار وأحياناً بولده يشق الزمان مستنسخاً نفسه في كل مكان ينزل فيه فينطبع بطابع ناسها ومجتمعها فيصبح مِلكاً لجميع محبيه جحا العربي، جحا التركي نصر الدين خوجا، جحا الروماني، جحا في كل مكان وزمان، جحا إن هو إلا ثيمة - درامية سهلة متاحة كعجينة طيعة لدى الحَكَّاء. وسواء كان الراوي الناسج لخيوط القصة التي يتصدرها جحا بطلا، سواء كان حكَّاء شفاهياً أو كاتباً على الورق، وسواء كان هدف العرض جمع شعبي يستمعون للراوي مع آلة موسيقية أو فرقة مسرحية في النهاية جحا أظنه - وليس كل الظن إثما - ليس إلا نسجاً من خيال.. جحا ذلك الشعبي البسيط الحامل لحكمة الأسلاف وليس متجمداً عليها، بل يضيف من طبيعته التلقائية ما يدهش المتلقي لعفوية وبساطة ولظرف ما يتفوه به. ثم يؤكد على أن جحا ليس شخصاً حياً من الممكن تحري سيرته الذاتية ونسبه ونسله، بل شخصية شفاهية اخترعتها المخيلة الشعبية - العربية - العالمية، ولنا أن نقول أنه شخصية عالمية، ليس ملكا لقومية أو لبلد أو لقرية. جحا الذي نطالعه في المطبوعات ونشاهده في الوسائط المتعددة كان له حظ كبير في وطننا العربي على مستوى المخيلة والحكايات الأسرية الشفاهية، وعلى مستوى الاستخدام الدرامي (مسرح، سنيما، تلفزيون، كارتون - تحريك..)، ومن ثم تناقش ورقته استلهامات شخصية جحا وتجلياتها المختلفة في مستويات متعددة في الدراما المصرية.

ثم قدم محمد حسن (مصر) شاكر ورقة في المحور نفسه حملت عنوان «استلهام شخصية جحا ونوادره في المسرح العربي» أكد فيها على أن شخصية جحا ونوادرها تعد من أبرز روافد الاستلهام الفني عامة، والمسرحي على وجه الخصوص، فشخصية جحا، بخصائصها وصفاتها وأبعادها الدرامية، جعلتها تتربع في قلوب وعقول شعوب كثيرة حول العالم، ولقد صاغها المأثور الجمعي العربي والمصري في إطار فني ذي خصوصية ثقافية، جعلتها شخصية خيالية بجذور واقعية ذات قيم ومثل أخلاقية، تُدخل السرور على قلوب سامعيها، فمجرد ذكر اسم جحا مدعاة لجذب انتباه وأسماع الحاضرين؛ رغبةً في الترويح عن نفوسهم، وإمعانًا في فلسفته الرمزية التي ربما تماست مع واقعهم. لذا، تأهل المأثور الجحوي عن جدارة، وكان محط أنظار واهتمام كتاب المسرح العربي عامة، والمسرح المصري خاصة. ومن ثم فإن ورقته تبحث أهمية استلهام وتوظيف نوادر وشخصية جحا في المسرح المصري، لدور النصوص المستلهمة الفعال والمؤثر على الجمهور والمجتمع المصري والعربي. وتستهدف تحليل مضامين نصوص مسرحية عربية ومصرية مختارة استلهمت شخصية جحا ونوادره، واستقراء حبكتها الدرامية؛ بغرض الوقوف على مدى وعي مبدعيها بالتعامل مع مضامين المأثور الجحوي الراسخ في وجدان الناس، ومدى موازنتهم بين عدم تشويه التراث وتحميله ما لا يتحمل - منطقيًّا - من ناحية، وبين قضايا ومشاكل ودوافع أرقتهم، وحدت بهم إلى استلهام مأثورات جحا، من ناحية أخرى.

مناقشات وفعاليات حول جحا

اشتملت هذه الفعاليات لقاء «الطاولة المستديرة» التي ناقشت موضعي «التاصيل لشخصية جحا وتراثه» و«استلهام جحا في الأدب الشعبي» حيث عرضت مداخلات متعددة تركز على مظاهر استلهام جحا في الثقافة العربية والإنسانية في النصوص الإبداعية والمسرحية والسينمائية وغيرها كثير، مما يعبّر عن تواصل وارتباط الثقافة المعاصرة بالتراث الأصيل والعريق لشخصية جحا. كما حوت الفعاليات «المقهى الثقافي» شخصيات جحوية حيث استعرض المقهى شخصيات تراثية شابهت، في سيرتها، سيرة جحا العربي، من حيث الاتكاء على الطرفة والنادرة للفت انتباه العامة، والتظاهر بالغفل والحمق، وإضحاك الناس بالنكتة الخفيفة الظريفة التي تحمل أحياناً رموزاً ومدلولاتٍ ذات معنى عميق يتصل بحياة الناس ومعاشهم.. شخصيات من الخليج العربي لها مواقف جحوية وحكايات علقت في أذهان الناس، وشكّلت جزءً من وعيهم الثقافي وتاريخهم الاجتماعي، وما تزال قصصهم تروى وأحاديثهم تسرد ليل نهار، في المجالس العامة والخاصة، وتتحف بأخبارهم الأندية إذا غصّها الاحتفال.

ببليوجرافيا جحا وإنجازات النجار

عكف القائمون على ملتقى جحا على نشر كتابين على هامش الملتقى الأول: ببليوجرافية وصفية بعنوان «الإنتاج الفكري العربي حول جحا ونوادره» لمصطفى جاد، صادرة عن معهد الشارقة للتراث، اشتملت حوالي 400 دراسة وعمل منشور حول جحا منذ أربعينات القرن الماضي حتى الان غطت جميع الأعمال المطبوعة في صورها المختلفة: مقالات الدوريات - الأطروحات الأكاديمية - الكتب بما تشمله من معالجات متعددة لشخصية جحا: الدراسات التحليلية، الروايات والقصص، الأعمال المسرحية. غير أن الأعمال المخطوطة قد خرجت عن نطاق الببليوجرافية كونها تحتاج لجهد مستقل. كما اشتمل الإطار اللغوي والجغرافي جميع ما كتب باللغة العربية والمترجم إليها في أرجاء الوطن العربي. وقد شهدت الببليوجرافية أعمال منشورة بكل من مصر، والسودان، والإمارات، والكويت، وسوريا، ولبنان، وفلسطين، والأردن، وليبيا، وتونس، والمغرب.. ونأمل أن نجتهد في المرحلة المقبلة لإعداد ببليوجرافية عالمية حول «جحا» تضم جميع ما كتب عنه بعدة لغات وفي أماكن متنوعة من العالم. أما الإطار الموضوعي فقد صنفها المؤلف إلى أربعة موضوعات رئيسية هي: المصادر التراثية والمحققة - الدراسات الأكاديمية والأبحاث - النصوص المسرحية - الحكايات ومجموعات النوادر.ومن الطبيعي أن تتصدر مجموعات الحكايات والنوادر هذه الببليوجرافية، إذ أنها المادة الأساسية والمهمة حول هذه الشخصية. وتتميز معظم مجموعات الحكايات والنوادر بوجود اسم جحا في العنوان مقترنًا باسم الحكاية أو النادرة، مثال: جحا واللص- جحا وشجرة التفاح - جحا والحمار - جحا والسلطان - جحا والقاضى..إلخ. كما اشتمل هذا القسم على العديد من الكتب التي تحمل اسم «نوادر جحا»، وهذا هو الاسم الأشهر لهذ القسم، بل إن هناك سلسلة تحمل الاسم نفسه. ويبرز في هذا القسم أيضًا كُتاب ومبدعون كبار قدموا العديد من المعالجات الإبداعية حول جحا أمثال: محمد فريد أبو حديد، وﻋﻠﻲ أﺣﻤﺪ ﺑﺎﻛﺜﻴﺮ، ويعقوب الشاروني، وكامل كيلاني، وعبد التواب يوسف، وأحمد بهجت. كما كشفت الببليوجرافية عن كُتاب ومبدعين تميزوا بتعدد كتاباتهم حول «جحا» أمثال: شوقي حسن، ومحمود خليل، وهادي السيوفي، وفتحي إبراهيم، وعلي البتيري، وطارق البكري، وصابر توفيق، وإيهاب عبد السلام. وتبقى الإشارة هنا إلى أن بعض مطبوعات هذا القسم تميزت بتجاوز الناحية الأدبية إلى الناحية التشكيلية والرسم، إذ تبرز بعض المؤلفات التي تحمل عنوان: لون مع جحا، كما كشفت الببليوجرافية عن بعض السلاسل التي تهتم بهذا النوع من المطبوعات مثل: سلسلة قصص فكاهية ملونة- قصص عالمية ملونة - مجموعة قصص وأشكال ملونة حول جحا..إلخ. أما القسم الموضوعي الذي يأتي في المرتبة الثانية من حيث العدد فهو الدراسات الأكاديمية والأبحاث (48 دراسة) تضمنت أكثرها الكتب التحليلية (33 كتاب)، ثم يأتي بعد ذلك الدراسات العلمية بالدوريات (10 دراسات)، وفي المرتبة الأخيرة تأتي الأطروحات الجامعية (5 أطروحات).. وهو ما يشير إلى ضعف ملحوظ في الدراسات الجامعية خاصة، إذ أن خمس أطروحات (بثلاث جامعات هي: جامعة القاهرة، وجامعة عين شمس، ومعهد البحوث والدراسات العربية) لا تمثل من الناحيتين الكمية والكيفية تغطية موضوع «جحا» بما يشمله من عشرات المداخل التحليلية التي تكشف عن ملامحه، وخاصة الناحية التوثيقية لهذه الشخصية. وإذا كانت الدراسات المنشورة بالدوريات حول جحا قليلة أيضًا، فإن الكتب التي عرضناها بهذه الببليوجرافية، منها من عالج أصحابها شخصية «جحا» مباشرة، ككتاب رجب النجار حول «جحا العربي»، وعباس محمود العقاد «جحا الضاحك المضحك»، وعلي مصطفى «جحا في ليبيا: دراسة في الادب الشعبي»، وكاظم سعد الدين «جحا العربي وانتشاره في العالم»، كما يحوي هذا القسم بعض الكتب التي عالج أصحابها عدة موضوعات حول الفكاهة والنوادر والأدب الشعبي، ومن بينها «نوادر جحا» أمثال: أحمد محمد الحوفى «الفكاهة في الأدب: أصولها وأنواعها»، وشوقى ضيف «الفكاهة فى مصر»، وعبد الحميد يونس «الحكاية الشعبية»..إلخ. أما القسم الموضوعي الثالث فهو الخاص بالمصادر التراثية والمحققة (23 مصدر) من بينها كتاب إبن الجوزى «أخبار الحمقى والمغفلين»، والسيوطي «إرشاد من نحا إلى نوادر جحا»، كما برزت بعض الكتب حول جحا تأليف جحا نفسه منها: نصر الدين خوجة «نوادر جحا الكبرى: لصاحب الأخبار والنكات الشهيرة»..إلخ. كما اشتمل هذا القسم على عشرات المجموعات التي حققها أصحابها ونٌشرت باسماء المحققين أنفسهم. ويحوي القسم الرابع والأخير الأعمال المسرحية التي استلهمت موضوع «جحا»، وهي أعمال قيمة رغم قلتها (10 أعمال مسرحية) لكل من: أحمد الطيب العلج من المغرب، وأحمد سويلم وله مسرحيتان، والأدرع شريف، وطه جمعة، وعبد التواب (مسرحيتان)، وعبد الحكيم أبو ياسر، وعلي خليفة، ولحسن قناني. وقد تنوعت المعالجات المسرحية بين الفكاهية والسياسية والاجتماعية. وقد اعتمد المؤلف في جمع بيانات هذه الببليوجرافية على عشرات المصادر الببليوجرافية العربية المطبوعة والرقمية، وقام بمقارنة العديد من الطبعات لاعتماد البيانات الصحيحة، كما قام بجمع الطبعات الواحدة في بطاقة فهرسة موحدة. أما منهج الوصف الببليوجرافي للبيانات فقد اعتمد القواعد الأنجلو - أمريكية للفهرسة الوصفية، والخاصة بالكتب (المؤلف - العنوان - الطبعة - بيانات النشر: مكان النشر، الناشر، تاريخ النشر - عدد الصفحات - السلسسلة)، والأطروحات العلمية (اسم الباحث - عنوان الرسالة - مكان الطبع - الصفحات - المشرفون - مستوى الرسالة - الجامعة والكلية والقسم)، والمقالات (المؤلف - العنوان - اسم المجلة - السنة - العدد، المجلد - تاريخ النشر - الصفحات). فضلاً عن الرموز والاختصارات المستخدمة في الفهرسة الوصفية والمعروفة عالميًا.

أما الكتاب الثاني فكان بعنوان «محمد رجب النجار: مدرسة عربية في بحث التراث الشعبي»، وذلك تكريمًا لإنجازات النجار الذي ألف أول كتاب علمي حول شخصية جحا وتقديرًا لإنتاجاته الفكرية والأدبية في مجال التراث الشعبي، بوصفه من الأساتذة الذين تفرغوا لبحث التراث الشعبي والعربي من منظور منهجي عربي، مشيرًا إلى تخصصه بتدريس مناهج بحث الفلكلور العربي ومناهج البحث اللغوي والأدبي، فضلاً عن اهتمامه بتدريس النثر العربي القديم ومناهج الأدب في العصر المملوكي وسوسيولوجيا الفلكلور؛ إذ يشكّل ذلك تخصصه العام والدقيق. كما يلفت الكتاب إلى حرصه على تدريس المهارات الكتابية، إلى جانب الدراسات اللغوية والنحوية وقراءة النصوص الأجنبية والعربية والمكتبة الأدبية… من جانب آخر، يقدّم الكتاب لمحة عن مؤلفات الراحل في مجال التراث الشعبي.

إعادة نشر «جحا العربي” لرجب النجار

كما حرص الملتقى على إعادة نشر كتاب جحا العربي عن معهد الشارقة للتراث، وتعد دراسات النجار حول جحا العربي من نماذج البحوث الرائدة في مجال النوادر الشعبية العربية. ونلاحظ أن هذا المجال هو البداية العلمية التي شكلت فكره ومنهجه فجاءت أطروحته في الماجستير في مطلع السبعينات حول شخصية جحا وفلسفته في الحياة والتعبير، والتي نشرها بعد ذلك في طبعات عدة. وفي ضوء المفهوم العلمي للتراث بعامة، باعتباره كل ماهو موروث عن السلف من فكر وقيم ومآثر وفنون، والمعبر عنها قولاً أو كتابة أو عملاً، يقدم النجار هذه الدراسة لشخصية جحا ومأثوراته، كنموذج للدراسات الفولكلورية التي تؤكد الوحدة القومية في الوطن العربي. ويقول في مقدمة كتاب: ما من قطر عربي إلا وعرف جحا بسماته وملامحه وأسلوبه وفلسفته في الحياة والتعبير، فعرف في هذا النموذج القومي، عصا توازن في خضم تحدياته ومعوقاته، وتمثل نوادره زادًا فنيًّا ونفسيًّا بعيد الأثر، قد يدفعه إلى الابتسام والسخرية، أو يدفعه إلى الضحك والدعابة؛ لما فيها من انحراف عن المألوف أو تلاعب باللفظ أو خطأ في القياس، ولكننا لو تجاوزنا قشرتها الخارجية وتأملناها من الداخل، لوجدناها وسيلة حيوية من وسائل الدفاع عن الذات العامة باعتبارها النموذج والمثال، مؤكدة بالتناقض الظاهر والخفي، القيم الإنسانية العليا، والغايات القومية التي تعمل الجماعة كلها على تحقيقها.

وعلى الرغم من أصالة شخصية جحا في أدبنا الشعبي من حيث الواقع التاريخي - كما يشير النجار - فإن المأثور الجحوي لم يكن كله من تأليف أو إبداع جحا (أبي الغصن دجين بن ثابت الفزاري المتوفى سنة 160 للهجرة والمعروف بجحا)، بل كان تعبيرًا جمعيًّا من إبداع الشعب العربي، ترسيبا للتجربة، ونزوعا إلى السمر في آن معا. مؤكدًا أن جحا شخصية حقيقية ذات واقع تاريخي، ونسبه ينتهي إلى قبيلة فزارة العربية، وولد في العقد السادس من القرن الأول للهجرة، وقضى الشطر الأكبر من حياته في الكوفة. وعاش أواخر الدولة الأموية، واشتهر بين معاصريه بروحه المرحة، وحسّه الفكاهي حتى ضُرب به المثل، وورد في مخطوط «نثر الدُرر» لـ«الآبي» المتوفى سنة 423هـ أن الجاحظ حكى «إن اسمه «نوح»، وكنيته «أبو الغصن»، وأنه أربى على المائة. وبشهادة بعض معاصريه، كان يتمتع بذكاء وفطنة ودهاء، وإن ادعى غير ذلك، حيث اتخذ من الغباء أو التغابي، أو الحمق والتحامق أسلوبًا في الحياة. وكان مؤمنًا بفلسفة الضحك ودوره في التغلب على صعاب الحياة، وموهوبًا يجيد قول الفكاهة بألوانها المختلفة، قادرًا على السخرية حتى من نفسه، وحاضر البديهة، سريع الخاطر، حسن التخلص من المأزق، وقادر على قلب المأساة إلى ملهاة بأفضل تجليات السخرية، وذكر «الآبي»: «حدث أن مات له صديق فظل «جحا» يبكي خلف جنازته، ويقول: «من لي بصديق يحلف إذا كذبت، ويحثني على شرب الخمر إذا تبت، ويُعطي عني في الفسوق إذا أفلست؟! لا ضيعني الله بعدك، ولا حرمني أجرك!». وإذا كان الناس جهلوا أصوله العربية، فإنهم لم ينسوا نوادره، وسرعان ما انتقلوا به من عالم الواقع إلى عالم الخيال حيث أضافوا إليه من النوادر ما شاء لهم الخيال الشعبي على مر العصور.

وعلى هذا النحو، تعالج الدراسة موضوع جحا من ثلاث نواح: الناحية التاريخية، والناحية الموضوعية، ثم الناحية الفنية. ففى الباب الأول، وتحت عنوان «شخصية جحا بين الواقع التاريخى والرمز الفنى»، يتتبع الباحث كتب الأدب والتراجم والأخبار والسير في تراثنا العربي، ليصل إلى غايته وهي تأصيل شخصية جحا من الناحية التاريخية، لمعرفة تطورها من ناحية، وفى الوقت نفسه، لكي يحسم ذلك الخلط والاضطراب الذي لحق بهذه الشخصية وأصالتها في تراثنا العربي بعامة ومأثوراتنا الشعبية بخاصة.

ويقدم النجار ثلاثة نماذج لجحا؛ جحا العربي وهو شخصية حقيقية، يدعي أبو الغصن دجين بن ثابت الفزاني، ولد في العقد السادس من القرن الأول الهجري، وعاش في مدينة الكوفة في الشطر الأول من حياته، وقد وسمه العرب بالحمق، وطارت في الآفاق شهرته إبان حياته حتى كان يضرب به المثل في الحمق، غير أنه في أقوال أخرى كان يوصف بالتغابي والتحامق. أما النموذج الثاني لجحا، فهو التركي نصر الدين خوجه، وهو البطل الأشهر في قصص الذكاء و الغباء عند الأتراك دون منازع. وبالرغم من وجود عدد من الآراء المتضاربة حول هذه الشخصية من الناحية التاريخية؛ كهذا التضارب الذي لحق بجحا العربي عند التأريخ له، إلا أنه يُقال أن نصر الدين خوجه عاش في أواخر القرن الرابع عشر وأوائل القرن الخامس عشر الميلادي. وعلى أي الأحوال فمن المؤكد أن جحا التركي جاء بعد جحا العربي وتأثر به. ويقول الباحث «إن جحا العربي بنوادره التي تزخر بها كتب التراث، هو النموذج أو المثال الذي احتذاه الترك في انتخاب جحاهم نصر الدين خوجه، فنسجوا على منواله وأضافوا إليه تجربة الأمة التركية وحكمتها الشعبية، حتى صار هو الطراز الأخير للنمط الجحوى بشكل عام، والذى سرعان ما تلقفته؛ بأصوله العربية والتركيه معًا، البيئة المصرية بما أثر عنها من كلف بالسخرية والفكاهة». ثم ينتقل المؤلف إلى النموذج الثالث وهو جحا المصري. وجحا المصري ليس له واقع تاريخي مثل سلفية العربي والتركي، وإنما عرفته البيئة المصرية رمزًا فنيًّا فقط، اختارته لتعكس من خلاله جانبًا رئيسيًّا من جوانب التعبير عن آرائها وقضاياها التي كان يتعذر الجهر بها، سواء كانت هذه القضايا اجتماعية أو سياسية.

وفي الباب الثاني. وعنوانه «فلسفة النموذج الجحوي» يقدم النجار الكثير من النماذج لنوادر جحا النقدية التي تعكس فلسفته، وتقوم هذه الفلسفة على عنصرين أساسين هما النقد السياسي والنقد الاجتماعي، فيعرض نوادر جحا مع السلطان ومع القضاء. أما نوادره في نقد الحياة الاجتماعية فهي تعكس تجسيمًا حيًّا لما يختلج داخل الوجدان الجمعي. وعمومًا فهي تصور الحياة الاجتماعية بجوانبها المتعددة وتجاربها المختلفة. ومن هنا فإن الأمة العربية التي ابتدعت هذا النموذج ؛ جعلته في صورة رجل عادي من الناس، له مشاعرهم ومواقفهم وتجاربهم وآلامهم وآمالهم، وعليه أن يسعى في سبيل العيش، كما يسعى غيره، وهو ليس منفردًا بنفسه، بل هو رب أسرة، له زوج بينه وبينها مواقف وأحـداث، وله ابن ينشئه بحكمته، ويحاوره بفكاهته وسخريته. ولم تقتصر مواقف جحا على علاقاته بالناس، بل نجده يتخذ من حماره شبه صديق له فيتحدث إليه ويصب في أذنيه سخرياته اللاذعة في الحياة والأحياء.

وأخيرًا يقدم النجار في الباب الثالث «سمات النادرة الجحوية»، كما في الأدب العربي بشكل عام، وكما في الإبداع الشعبي خاصة. وهو يعرف الحكايات أو النوادر التي توسل بها النمط الجحوي أسلوبًا له في التعبير عن فلسفته بأنها: أقصوصة مرحة تتسم بالإيجاز، بل هي ممعنه في القصر، تتوسل بالنثر، يدور موضوعها حول الحياة اليومية وتياراتها العامة وتجاربها الإنسانية، كما يعكس في الوقت نفسه رأي الجماعة في الهيئة الاجتماعية والهيئة السياسية، وهي إنسانية الشخوص والأحداث، قلما يظهر فيها العنصر الخارق، نمطيه الأبطال والشخوص، خاليه من التعقيد، لها محور رئيسي واحد، يعمد إلى الإخلال المقصود بين التوازن أو التناسب الواجب للموقف أو الصورة أو للشخصية، وتعتمد على المفارقات التي يستحدثها الغباء أو البلادة أو الخدعة أو القول اللاذع أو جوامع الكلم أو اللغز أو التورية، وما إلى هذا من المغالطات المنطقية أو الحيل البيانية فتنتهي إلى موقف حرج.

وفي هذا السياق، يورد الكتاب إحدى نوادر جحا: يُقال إن جحا يومًا طبخ أوزة وحملها كهدية إلى «تيمور لنك». وفي الطريق، تغلب عليه الجوع فأكل منها فخذًا، ولما رأى السلطان أنها ناقصة، قال لجحا: وأين رجلها؟. فقال جحا: إن جميع أوز المدينة برجل واحدة، وهذا تلميح إلى عرج «تيمور لنك» ـ وإذا لم تكن تصدقني فانظر إلى الأوز على ضفة البحيرة أمامك، وكان الأوز عندئذ واقفًا في الشمس رافعًا إحدى رجليه ومخبئًا رأسه في صدره كعادته، فتظاهر السلطان بالاقتناع، وأمر الموسيقى السلطانية خِفيةً بأن تقترب من البحيرة وتضرب ضربًا شديدًا، فما هي إلا برهة حتى صدحت الآلات الموسيقية ودقت الطبول فجفل الأوز من الضوضاء وركض يمينًا وشمالاً مذعورًا فالتفت تيمور إلى جحا وقال له: كيف تكذب، أما ترى أن الأوز يمشي على رجلين..؟ فقال جحا: لكنك يا مولاي نسيت أن الرعب يأتي بالعجائب، فلو أخافوك مثلما أخافوه لجريت على الأربع!

وتؤكد النادرة الجحوية هنا على أن تحقيق العدالة وسيادة القانون في مجتمع ما رهن بطبيعة النظام السياسي ونزاهة القائمين عليه، فإذا كنا في عصور الاستبداد، كان القانون في إجازة، وكانت كلمة الحاكم المستبد هي القانون، وكانت مصلحته الفردية فوق المصلحة القومية، وحينئذٍ يفتقر الناس إلى المقاييس والمعـــــاييـــر والضـــوابـــط التــــي تــسـتـقـيـم بـهــا حـيــاتــهـــم ومجتمعهم وتصبح حياتهم جحيمًا لا يطاق.

ولم يتوقف ارتباط النجار ببحث فنون النوادر عند جحا فقط، حيث أسهم في نهاية التسعينات في تحقيق ودراسة واحد من عيون الأدب العربي، وهو كتاب «فاكهة الخلفاء ومفاكهة الظرفاء» لابن عرب شاه الذي ينتمي إلى القرن التاسع الهجري.

أعداد المجلة