فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
36

المفارش السعفيَّة (البِرُوش) في الموروث الثقافي السوداني بالمنطقة الشمالية؛ البِرِشْ الأبيض والبِرِشْ الأحمر نموذجاً

العدد 36 - ثقافة مادية
المفارش السعفيَّة (البِرُوش) في الموروث الثقافي السوداني بالمنطقة الشمالية؛ البِرِشْ الأبيض والبِرِشْ الأحمر نموذجاً

إذا ألقينا الضوء على حرفة الأعمال السعفية، ولنأخذ منها على سبيل المثال ضفيرة البِرُوْشْ أي المفارش، نجدها متجذرة في التاريخ القديم، فبالرجوع إلى السجل الآثاري، أثبتت الدلائل أنها استخدمت منذ فترة العصور الحجرية، واستمرت خلال الفترات التاريخية المختلفة والمتعاقبة، مروراً بحضارة كرمة، ونبتة ومروي والفترة المسيحية والاسلامية، ولم يحدث بها أي تغيير يذكر، مما يؤكد مدى العمق التاريخي والبعد الحضاري والاستمرارية في تاريخ السودان القديم، وارتبطت بحياة الناس من خلال عاداتهم وتقاليدهم، حيث نجدها في التاريخ القديم مرتبطة بعادات دفن الموتى، فقد تم اكتشاف متوفى حُفِظ بفعل الطبيعة ملفوفا ببرش يعود إلى فترة العصر الحجري الحديث، وفي مواقع أخرى وجد أن الميت يرقد على البرش، وفي غيرها مغطى به، وتمت صناعتها من سعف النخيل(1).

في فترتي نبتة ومروي استخدمت البروش لأغراض مختلفة، منها استخدامها في تقنيات صناعة الفخار، حيث تم العثور على عدد كبير من الأواني التي يظهر على سطحها طبعات ضفيرة البروش، وتستخدم البروش بفرشها على حفر صناعة الأواني الفخارية، ويتم تبليلها بالماء، ومن ثمَّ تأخذ شكل تلك الحفر، ويتم بناء الأواني عليها بالطين، وبالتالي تأخذ هذه الأواني شكل الضفيرة في سطحها من الخارج(2). وهذا يؤكد الوجود الأثري للبروش واستخدامها في فترتي نبتة ومروي.

استمر استخدام البِرُوْش حتى الفترة المسيحية، وتعددت وظائفها حيث تم العثور من خلال المكتشفات الأثرية الحديثة بمنطقة الضانقيل، في حفريات الهيئة العامة للآثار والمتاحف في موسم 2014م، على هيكل لمتوفي ملفوف ببِرِوشْ، يعود إلى الفترة المسيحية، «انظر الصورة رقم (1)».

استمر هذا التقليد في الفترة الإسلامية، حيث أصبح يُحمل المتوفي على عنقريب، عبارة عن سرير خشبي، مفروش عليه بِرِشْ أبيض يعرف بـ«بِرِشْ العَوَجَة»(3)، فنجد أنَّ هذا الارتباط بعادات الدفن مازال مستمراً، واستخدام البِرُوش ليس فقط في حالة الموت، بل تستخدم أيضاً في حالات الميلاد والختان والزواج، فالبِرِشْ نجده يرتبط بدورة حياة الإنسان منذ الميلاد وحتَّى الممات، حيث نجد أنَّ المرأة النفساء يفرش لها برش أحمر لترقد عليه بعد الولادة، والطفل المختون أيضاً يفرش له بِرِشْ أحمر، وكذلك عند الزواج لابد من أن يُفْرَش للعريس في ليلة الحناء على «العَنْقَريْبْ» الـــذي يجـلــس عـلــيه بِرِشْ أحمر، وكذلك يُفرش على العنقريب الذي يــجـــلــس علــيه الــعــروســــين لأداء طــقوـس «الجَــرْتـــــقْ». فاللون الأحمر أيضاً له دلالة معتقدية في الثقافة، وذلك للإعتقاد أنَّ اللون الأحمر يساعد في الشفاء من ما يعرف بـ«دم التاير»(4).

البروش أي مفارش السعف نجدها مختلفة الأشكال والأحجام ولها وظائف مختلفة، وتقوم بصناعتها المرأة وبرعت في هذه الصناعة التي تبدأ بضفيرة السعف لعمل ما يعرف بـ«القَديْقَة»(5)، وتختلف أنواع الضفيرة، بحسب نوع الأداة التي تريد المرأة صناعتها،؛ لذلك اختلفت أشكال وأحجام البروش؛ التي منها البرش الأبيض، أي برش «العَوَجَة»، الذي يفرش على سرير الجنازة «العَنْقَريْب»، والبرش الأحمر الذي يستخدم في ممارسات دورة حياة الإنسان منذ الميلاد والختان والزواج، وفي السطور أدناه أقدم شرحاً لمراحل إنتاج هذه المفارش، البِرِش الأبيض، البِرِش الأحمر، وقبل ذلك نوضِّح طريقة إعداد السعف.

 

طريقة إعداد السعف:

يتم قَطْع السعف من قَلْبْ النَّخْلَة باستخدام أداة المُنْجَلْ، وبعد إحضاره تُجْرَى له بعض المعالجات، بحيث يتم تقطيعه إلى سَلْخَاتْ، ووضعه تحت أشعة الشَّمس لتجفيفه، لمدَّة يومين، ثمَّ تشقيقه، وكسر قعوره، ثمَّ بعد ذلك يتم استخدامه بعد بَلِّه بالماء، ووضعه في ما يعرف بـ«الْبَلَّالْ»، وهو عبارة عن جَوَّال من «الخَيْشْ»، وهو من نوع الجَوَّالاتْ التي يعبَّأ فيها التَمْرْ، ثمَّ تبدأ المرأة بعمل ما يعرف بـ«الضَّفِيْرَة»، والتي تستخدم لإنتاج الأدوات المُختَلِفة.

هذا النَّوع من السَّعَفْ، وكيفيَّة معالجته توضِّحَها لنا الرَّاويَة سعاد سيد أحمد حمد وتقول:

«بِنْجِيْبْ الْسَّعَفْ حَقْ تَمُرْ الْمُشْرِقْ وَلَّا الْمَدِيْنْ وَلَّاْ الْقُنْديْلَا نَقْطَعْ الْقَلِبْ الْسَعَفْ الَّبْيَضْ وُجَنْبُوْ بِنَقْطَعْ مِنْ الْأَخَدَرْ الْبِكُوْنْ مُتْفَرِّعْ مِنْ الْقَلِبْ وَالْقَلِبْ دَاْ بِكُوْنْ فِيْ نُصْ التَّمْرَهْ بِنَقْطَعْ مِنُّوْ وَاْحِدْ أَبْيَضْ بيْ الْمُنْجَلْ يَاهُوْ نَجِيْ نَسَلِّخُوْا نَخَلِّيْ إِنْشَفْ نَمِسْكُوْ نَشَقِّقُوْ نَطَلِّعْ مِنُّوْ الْحَنْقُوْقْ اللَّيْلُوْ دَاْ وُنْكَسِّرْ قُعُوْرُوْ دِيْ وُبِنْشَفْ فِيْ يوْميْنْ بَسْ نَشُرُّوْا اللّيْلَهْ فِيْ الشَّمِشْ نَمِسْكُوْا بُكْرَهْ نَشَقِّقُوْا نَاعِمْ وُنَبِلُّوْا فِيْ الْبَلَّاْلْ هِنَا وُ نَجِيْ نَضُفْرُوْا»(6).

ولبيان ذلك، «انظر الصور رقم: (2)، (3)، (4)، (5)، (6)، (7)، على التَّوالي».

 

 

ضَفِيْرَة السَعَفْ:

تقوم المرأة بضَفِيْرَة السَّعَف، وهي أنواع مختلفة، بحسب نوع الأداة التي تريد إنتاجها، وطريقة الضَّفِيْرَة واحدة، لكنها تختلف في عدد السَّعف، وبالتَّالي عرضها، كما تختلف أيضاً في أطوالها. ومن أنواعها؛ (أُمْ إِتْنيْنْ)، وتعني استخدام سَعَفَتين، و(أُمْ تَلَاْتَهْ)، وتعني استخدام ثلاث سَعَفَاتْ، و(أُمْ أَرْبَعَهْ)، وتعني استخدام أربع سَعَفَاتْ، ونلاحظ أن التَّسمية تطلق على نوع الضَّفِيْرَة، بحسب عدد السَّعَفْ الذي تقوم المرأة الحرفيَّة بطيِّه في عمليَّة الضَّفِيْرَة، لكن بعد بداية الضفيرة يظهر عدد السعف مضاعف، أي ما يعرف بـ (الْقَلْبَهْ). وعن أنواع الضَّفِيْرَة تتحدَّث الرَّاوية فاطمة فضل المولى سليمان وتقول:

«الضَّفِيْرَهْ دِيْ أَنْوَاعْ فِيْ أُمْ إِتْنيْنْ بِكُوْنْ عِنْدَهَا أَرْبَعَهْ سَعَفَاْتْ إِتْنيْنْ بيْ هِنِيْ وُ إِتْنيْنْ بيْ هِنِيْ وُأُمْ تَلَاتَهْ عِنْدَهَاْ سِتَّهْ سَعَفَاتْ تَلَاتَهْ بيْ هِنِيْ وُ تَلَاتَهْ بيْ هِنِيْ وُ أُمْ أَرْبَعَهْ دِيْ بِكُوْنْ عِنْدَهَاْ تَمَاْنْيَهْ سَعَفَاْتْ أَرْبَعَهْ بيْ هِنيْ وُ أَرْبَعَهْ بيْ هِنيْ بِنْسَمِّيْهَا بيْ الْقَلْبَهْ يَعْنِيْ بالْعَدَدْ بِتَاْعْ الْسَّعَفَاْت الْبِنَقْلِبِنْ ديْلْ وُديْلْ كُلَّهِنْ بِنَضْفُرِنْ وُأَيِّ حَاجَهْ ضَفِيْرَتَا بَرَاْهَا الْهَبَّابَاتْ ديْلْ والْمُعْلَاْقْ بِنَضْفُرْ أُمْ إِتْنيْنْ والْقُفَّهْ أمْ تَلَاتَهْ وُأُمْ تَلَاتَهْ دِيْ بِنَعْمَلْ مِنَّهَا الْتُّبَابَهْ بِنْتَبِّبْ بيْهَا الْبِرِشْ اللِّيْلْ الْصَّلَا دَا والْبِرِشْ اللَّبْيَضْ بَرْضُوْ وُ أُمْ أَرْبَعَهْ للْبِرُوْشْ أهَا أَيِّ ضَفِيْرَهْ مِنْ ديْلْ بِنَعْمَلَاْ نَضْفُرْ وُ نَلِفْ نَضْفُرْ وُ نْلِفْ لَاْمِنْ تَتِمْ الْقَديْقَهْ وُ بَعَبِرْ بالْبَاعْ زَيْ تَلَاتَهْ ضُرَاعْ كَدِيْ الْشّوْط وُكُلُّ حَاجَهْ عِنْدَهَا مَقَاسْ بِنْقِيْسُوْا بالْضُّرَاعْ نَبَيِّعُوْ كَدِيْ والْبِرُوْشْ دِيْ بِنْقِيْسَا بالْشّوْطْ»(7).

هنا شرحت لنا الراوية فاطمة، أنواع الضَّفيرة، مبيِّنَة أنَّ عدد السَّعَفْ يكون ضعف، عدد النَّوع، وأنَّ النوع سمي نتيجة لعدد السَّعف المستخدم في الضَّفِيْرَة؛ وذلك لأنَّه دائماً ما يتم طيَّه لضَفْرَه؛ لذلك يظهر العدد مضاعف، «انظر الصور رقم: (8)، (9)، على التوالي».

نستنتج أنَّ نوع الضَّفِيْرَة تُسَمَّى بِعدد السَّعَف الذي حدَّدته الحرفيَّة لعمل ضَفِيْرَتَهَا، بِحَسَبْ نوعْ الأداة التي تريد عملها، كما بيَّنَتْ الرَّاوية فاطمة، وأضافت الراوية بأنها تَضْفُرْ، وكلَّمَا طالت ضَفِيْرَتَهَا، تقوم بِطَيِّهَا، في شكل دائرة، تسمَّى بـ«الْقَديْقَة»، «انظر الصَّوْرة رقم(10)».

ثمَّ تقوم بقطع المقياس الذي يكفيها لعمل الأداة، إذا كان مُعْلَاْقْ، أو قُفَّة، أو غيرها. و تمارس المرأة عملها في منزلها، وتقوم بعمليَّة الضَّفِيْرَة، في أوقات فراغها من أعمالها المنزليَّة، وتقول الراوية سعاد سيد أحمد:

«أَنَا بَضْفُرْ فِيْ أَيِّ وَكِتْ أَكُوْنْ فَاضْيَهْ فِيْوْ مَا عِنْدِيْ شَغَلَهْ بَسْ أَقَنِّبْ فِيْ سَعَفِيْ دَاْ وُ كَاْنْ عِنْدِيْ حَاْجَهْ بَخَلِّيْ فِيْ بَلَّاْلُوْ دَاْ بَجِيْ بَلْقَا سَمِّحْ مَاْ عِنْدُوْ عَوَجَهْ يَعْنِيْ أَنَاْ فِيْ الْبيْتْ بَشْتَغِلْ وَكِتْ فَرَاْغِيْ بَسْ وُبَضْفُرْ أَيِّ نوْعْ بَعْمَلْ كَمْ قَديْقَه وُبَخلِّيْهُنْ وَكِتْ مَا أَكُوْنْ دَايْرَهْ أَعْمَلْ الْحَاجَهْ الْدَّايْرَاهَا بَعْمَلَا مِنَّهُنْ أُمْ إِتْنيْنْ دِيْ بَعْمَلْ مِنَّهَاْ الْمُعْلَاْقْ وُبَعْمَلْ مِنَّهَاْ الْهَبَّابَهْ وَ الْقُفَّهْ دِيْ بيْ أُمْ تَلَاْتَهْ وُكُلْ حَاجَهْ عِنْدَهَاْ قَديْقَهْ بَرَاْهَاْ بَسْ الْمُعْلَاْقْ حَقَّتُوْ دِيْ مَاْ كَبِيْرَهْ الْمُعْلَاْقْ كُلَّهَاْ إِكُوْنْ بَاْعيْنْ تَلَاْتَهْ شيْطَاْنْ بِنَعْمَلْبَهُنْ الْمُعْلَاْقْ وَالْهَبَّاْبَهْ شوْطْ وَاحِدْ بِيْعْمَلْ الْهَبَّاْبَهْ وَالْقُفَّهْ دِيْ سَبْعَهْ بَاْعْ تَمَاْنْيَهْ بَاْعْ وُ أُمْ أَرْبَعَهْ دِيْ بَعْمَلْ مِنَّهَاْ الْبِرُوْشْ دِيْ كُلَّهَاْ بِرْشْ الْعَوَجَهْ وُبِرِشْ الْدُّخَاْنْ والْتَقَروْقَهْ اللَّتْ الْصَّلَاْ وَالْبِرِشْ اللَّحَمَرْ بِرْشْ الْحِنَّاْ»(8).

نَستَنْتج أيضاً من قول الراوية، أنواع الضَّفِيْرَة كما ذكرت لنا الراوية فاطمة، وتضيف الراوية سُعاد أنَّ أيِّ نوع من أنواع الْضَّفِيْرَة يستخدم لعمل أداة محدَّدة، مثلاً الهبَّابَة، والْمُعْلَاق، يُضْفَر لهما ضَفِيْرَةْ أُمْ إِتْنيْنْ، والْقُفَّة، أُمْ تَلَاْتَهْ، وجميع أنواع البِرُوْشْ، بأمْ أَرْبَعَهْ، والأطوال تختلف بحسب نوع الأداة، يتم طَيَّهَا بعمل الـ«قَديْقَةْ»، أي لّفَّة الضَّفِيْرَة؛ لكن هنالك ثوابت، في أنَّ هذه الأطوال التي تستخدم، يتم قياسها بما يعرف بـ«البَاْعْ»، وهو مقياس بِمِقْدَار طول اليَدَيْن، وهي مَفْرُوْدَة بشكل مستقيم، ويُعَادِل البَاْعْ ثلاثة أَزْرُع، أي (ضُرَاْعْ)، ويعادل طول اليد الواحدة، كما ذكرت الرَّاوية سُعَاد. والباع يعادل (180سم) تقريباً، فكل أداة لها مقياس محدَّد يُقاسْ بـ «البَاعْ»، ويتم طيَّه، بلفة «الْقَديْقَةْ». وطريقة الضَّفِيْرَة متشابهة في كل الأدوات؛ لكنها تختلف في عدد السَّعَف، فبعد أن تحدِّد الحرفيَّة نوع الأداة التي تُريْد صُنْعَهَا، تحسب عدد السَّعَفْ للْضَّفِيْرَة، ثمَّ تقوم بوضع، السَّعَفْ ليكون متوازياً، مُمْسِكَةٌ بأطرافه، ثمَّ تقوم بِطَيْ سَعَفَة في وسط سَعَفْ الضَّفِيْرَة المرصوف بشكل طولي ومتوازي، ووظيفة هذه السعفة العرضية، تثبيت السَّعَفْ، وذلك بتمريرها بشكل لَوْلَبِيْ، بحيث تربِط السَعَفْ وتُقَسِّمْه إلى نصفين متساويين، ثمَّ تبدأ الحرفيَّة في طي الجزء الأيمن من السَّعَفْ بالترتيب، بحيث تطوي السَّعَفَة الطَرَفِيَّة أوَّلاً، وتقوم بتشبيكها في بقيَّة السَّعَفْ، بحيث تُنْزِلْ سَعَفَتين، وتَرْفَع السَعَفَتَيْن التَّاليَتَيْنْ لها، إلى آخر سَعَفَة، وبالطريقة نفسها تطوي التي تليها، والتي تليها، حتى تكمل سَعَفْ الجزء الأيمن، ثمَّ تكرِّرْ العمليَّة نفسها في سعف الجزء الأيسر، لتكون الحركة معكُوْسَة، وبهذه الطريقة يكون السَّعَفْ أخذ شكل الرَّقم سَبْعَه، وتمسك به المرأة من الوسط، وتستمر في تشبيك كل مجموعة، على التَّوَالي، على اليمين أوَّلاً، ثمَّ على اليَسَار، بالتَّبَادُل، وهذه هي طريقة الضَّفِيْرَة، «انظر الصور رقم: (11)، (12)، (13)، على التَّوالي».

تستمر المرأة بعد ذلك في مواصلة عمل الضَّفِيْرَة، وكل ما تُكْمِل سَعَفَة، تقوم بإدخال سَعَفَة في مكانها، ويكون بجانبها كميَّة من السَّعَفْ المَبْلُوْلْ بالماء في ما يعرف بـ«الْبَلَّالْ»، وبهذه الطريقة يزيد طول الضَّفِيْرَة، وكلَّما زاد طولها تقوم الحرفيَّة بطيِّها، وبذلك تتكوَّن لفَّـــة الْقَـــديْقّـــة، «انظر الصـــورة رقــم (14)». وتــســتـمـر الحرفيَّة في الضَّفِيْرَة إلى أن تكتمل القَديْقَة، وتقوم بقياسها بـ«البَاعْ»، لتحديد الطول المناسب للأداة التي تُريْد صُنْعَها.

طـــريـــقــة عـــمـــل البِــــرِشْ الأَبْيَـــضْ (بِرِشْ الْــعَـــوَجَـــة):

البِرِشْ الأَبْيَضْ، هو عبارة عن مفرش من سَعَفْ قَلْبْ نَخِيْلْ الْجَاوْ؛ لأنَّه يمتاز بشدَّة بياضه، ويستخدم بفرشه على سرير عَنْقَريْبْ الجَنَازَة، الذي يحمل عليه المَيِّت؛ لذلك سُمِّيَ بِـ«بِرِشْ الْعَوَجَة».

طريقة عمل البِرِشْ الأَبْيَضْ، من هذا الإسم؛ لابد من استخدام سَعَفْ قَلْبْ نَخْلَة الْجَّاوْ، لأنَّه يمتاز بشدَّة بياضه، وتتم معالجته بالطريقة التي وضَّحها الكاتب في بداية حديثه عن إعداد السعف والضفيرة، وتقوم المرأة بضَفِيْرَة، قَدَيْقَتَيْنْ بنوع ضَفِيْرَة (أُمْ أَرْبَعَة)، وطول الواحدة (24 ضُرَاعاً)، ما يعادل (15,85متر)، وعرضها (7 سم)، «انظر الصورة رقم (15)».

يتم فرش مفرش، عبارة عن جوَّال كبير على الأرض، وإحضار إناء به ماء، عبارة عن صَحْنْ كبير الحجم، وتقوم المرأة بِبَلْ القَدَيْقَتَيْنْ بالماء جيِّدَاً، وتضعهما في البَلَّالْ، لمدَّة نصف ساعة، حتى تتشرَّبان بالماء، «انظر الصورة رقم (16)».

تقوم المرأة بفرد القَديْقَتَيْن بمقياس مترين على المفرش بشكل متواز بحيث يكون وجه الضَّفِيْرَة على الأرض، وظهرها لأعلى، بِتَلَاقِي رأسيهما، وتثبيتهما بحجر، تمهيداً لحياكتهما مع بعضهما البعض، من اتِّجاه لَفَّتَيْ الضَّفِيْرَة، ولابد من التقاء (عِيُوْنْ الضَّفِيْرَة)، لحياكتهما مع بعضهما، وتجلس المرأة عليهما، لعمليَّة الحياكة، وتستخدم لذلك سَعَفْ حَنْقُوْقْ الدّوْمْ، «انظر الصور رقم: (17)، (18)، على التَّوالي».

تستمر المرأة في الحياكة، حتَّى تصل إلى رأس القَديْقَتَيْنْ، وتلف الجزء الذي تمَّت حياكته، ثمَّ تفرد القَديْقَتَيْنْ مرَّة أُخرى، وتواصل في عمليَّة الحياكة هكذا، حتَّى تكمل حياكة القَديْقَتَيْنْ مع بعضهما البعض، «انظر الصورة رقم (19)».

بعد حياكتهما تتحولان إلى قديْقَة واحدة، عرضُهَا ضَفْرَتَانْ، وتقوم المرأة بلَفِّهَا، ثمَّ تفرد منها جزءاً تقيسه بطول السَّرير، وتقطعه باستخدام أداة المُنْجَلْ، ويسمَّى الجزء المقطوع الشَّوْطْ، وتقيس عليه باقي أشواط البِرِشْ، ويمثِّل طول البِرِشْ، «انظر الصور رقم: (20)، (21)، على التَّوالي».

يتم فَرْدْ الشَّوْطْ المَقْطُوْع على مفرش الأرض، ثمَّ تَفْرِدْ المرأة القَديْقَة إلى جانبه، من النَّاحية اليُسْرَى، بحيث تكون موازية له، تمهيداً لحياكتهما مع بعضهما البعض، وتتم الحياكة بالطريقة السَّابقة نفسها، بعد أن تقوم المرأة بتبليل أطراف القَديْقَة والشَّوطْ، بالمسح عليهما باستخدام قطعة قماش مبلولة بالماء؛ وفي عمليَّة الحياكة لابد من وجود إناء به ماء وبداخله قطعة القماش؛ لاستخدامها باستمرار، أثناء عمليَّة الحياكة التي تتطلَّب ليونة أطراف الضَّفِيْرَة؛ حتَّى لا تتكسَّر في الحياكة، «انظر الصورة رقم(22)».

بعد إكمال الحياكة، يتم قطع الشَّوْط المُحاك من القَديْقَة، باستخدام أداة المُنْجَلْ، ويتم فرد ما تبقَّى من القَديْقَة، وفي هذه المرَّة تكون من الناحية اليمنى للجزء المُحاك، وتستمر المرأة في الحياكة هكذا، وتتكرَّر عمليَّة الحياكة، من الناحية اليسرى، ثمَّ اليُمنى، إلى أن تكمتل عمليَّة حياكة أشْوَاطْ البِرِشْ الأبْيَضْ، وهذه الطَّريقة في الحياكة تمكن من وزن استقامة الأشواط المُحاكة مع بعضها البعض، وبالتَّالي يكون عرض البِرِشْ مستقيماً، ويكون عدد الأشواط المُحاكة ثمانية، والأشواط الفرديَّة ستَّة عشر شَوْطاً، «انظر الصورة رقم(23)».

تأتي بعد ذلك مرحلة «التُّبَابَة»(9)، وتكون الحرفيَّة أعدَّت لها ضَفِيْرَة قَديْقَة، بنوع «أُمْ أَرْبَعَة»، بطول (9 ضُرَاعْ)، ما يعادل (6.10 متر)، ولابد من أن تكون كبيرة العرض، بحيث يُضْفَرْ سَعَفِهَا، دون تشقيقه، ومقياس عرض الضَّفِيْرَة (7 سم)، ويتم تلوينها بـ«التِّفْتَة» السَّوداء اللَّون، بحيث يتم الحصول على هذا اللَّون بإضافة اللَّون الأحمر إلي ماء بعد غَلْيِه في النار في إناء مخصَّص لذلك، وخلطه باللَّون الأخضر، وتُعْطي هذه الخلطة اللَّون الأسود، ثمَّ توضع عليه قَديْقَة «التُّبَابَة»، وتُلَوَّن بهذا اللَّون، «انظر الصورة رقم (24)».

تترك القَديْقَة لمدَّة (15دقيقة)، ويتم قلبها من الجَّانبين، ثمَّ يتم إخراجها، وتوضع على جوَّال مفروش؛ لجفافها بالهواء، لمدَّة نصف ساعة، ثمَّ تتم حياكتها، وتسمَّى عمليَّة الحياكة «الحِضَايَة»، وتتم بطَيِّها على أطراف البِرِشْ، من جوانبه الأربعة الطوليَّة والعرضِيَّة، وحياكتها بإبرة المَسَلَّة، وسَعَفْ الـــدّوْمْ الملـــوَّن بــالتِّفْــتَة الحـمـراء والخـضـراء، وتـبـــدأ بـــإدخــال السَّعَــفَــة في المَسَـــلَّــة بطــرفــهـا الرَّفِيْع، وربطه عليها، ثم تقوم المرأة بربط الطَّرف الآخر من السَّعَفَة، وبذلك تكون سَعَفَة الدّوْمْ أُعِدَّت للحياكة، ويكون بجانب المرأة إناء به ماء وبداخله سَعَفْ الدّوْمْ الملوَّن؛ حتَّى يكون ليِّنَاً، ومتيناً، وحياكة التُّبَابَة تكون من اتِّجاه واجهة البِرِشْ، تقوم بها المرأة وهي جالسة على البِرِشْ، وتأخذ بطرف قَديْقَة التُّبَابَة، مفردةً لها وتمسك بطرفها، وتطويه على زاوية البِرِشْ العرضيَّة، من ناحية يدها اليمنى، وتبدأ في حياكة التُّبَابَة، «انظر الصورة رقم (25)».

تستمر المرأة في الحياكة، وبعد إكمال سَعَفَة الدّوْمْ الخضراء، تدخل سَعَفَة حمراء في المَسَلَّة، وتواصل بها عمليَّة الحياكة، وتستبدل لون السَّعَفَة في كل مرَّة، وتأخذ الحياكة شكل زقزاق، «انظر الصورة رقم (26)».

تستمر المرأة بحياكة التُّبَابَة، بطريقة طي القَديْقَة، على أطراف البِرِشْ الأربعة، وحياكتها بالمَسَلَّة، وسَعَفْ الدّوْمْ المُلَوَّنْ، وفي زوايا البِرِشْ، تقوم بطي قَديْقَةْ التُّبَابَة، بحيث تأخذ شكل زاوية قائمة مع زاوية البِرِشْ، ومن ثمَّ تقوم بِلَمْ أطرافها من ناحية الجزء الغير محاك، إلى الجزء الذي تمَّت حياكته، وتقوم بالطعن عليه بالإبرة ، عدَّة مرَّاتْ، لتثبيته، «انظر الصورة رقم (27)».

تستمر المرأة في حياكة التُّبَابَة، حتَّى تكمل أطراف البِرِشْ الأربعة، وعند ملاقاة التُّبَابَة في النِّهاية تقوم بقطع الجزء الزَّائد من قَديْقَة التُّبَابَة، باستخدام أداة المُنْجَلْ، وترك جزء صغير بمقياس (5سم)، وتقوم الحرفيَّة بطي هذا الجزء للدَّاخل، على طرف بداية حياكة التُّبَابَة، وتحيكهما بالمَسَلَّة وسَعَفْ الدّوْمْ عدَّة طعنات؛ لتثبيتهما مع بعضهما البعض، «انظر الصور رقم: (28)، (29)، (30)، على التَّوالي».

بعد ذلك تقوم المرأة بقَلْبْ البِرِشْ ليكون ظهره إلــــى أعلــــى؛ لقــطـــع السَّــعَــفْ الــزَّائــد، بــاستخدام أداة المُنْجَـلْ، والغرض نظافته من النُّتوءات، «انظر الصورة رقم (31)».

بهذه المرحلة تكون المرأة أكملت إعداد البِرِشْ الأبيض، الذي يكون طوله (2متر)، وعرضه (90سم)، «انظر الصورة رقم (32)».

الزمن الذي تستغرقه المرأة لعمل البِرِشْ الأَبْيَضْ، ستَّة أيام، (ضَّفِيْرَة القَدَيْقَتَيْنْ، وضَفِيْرَة قَديْقَة التُّبَابَة، ثلاثة أيَّام، والحياكة، ثلاثة أيَّام)؛ وذلك لأنَّ المرأة دائماً ما تمارس عملها في أوقات فراغها من واجباتها المنزليَّة، وغالباً ما يكون زمن العمل، عقب وجبة الإفطار في أثناء ساعات النِّهار، وبعد العصر.

يستخدم البِرِشْ لفرشه على عَنْقَريْبْ الجَنَازَة؛ ولذلك سُمِّيْ بـ (بِرِشْ العَوَجَهْ)، ولابد من وجوده في كل بيت، ويتم حفظه بطيَّه ووضعه داخل جوَّال، وتعليقه ليتدلَّى من على سقف الغُرْفَة، ولابد من أن يكون لونه أبيض، كـــالــكـــفـــن الـذي يكفَّن به الميِّت؛ ولذلك يستخـدم سَعَفْ قَلْبْ نَخْلَة الجَّاوْ الأبيض؛ حتَّى يكون ناصع البياض.

تعرض النساء إنتاجها من البِرُوْش، بسوق مدينة كَرِيْمَة، والأسواق القريبة بمَرَوِي، وتَنْقَاسِيْ، وسعر البِرِشْ (25جنيهاً).

طريقة عمل البِرِشْ الأَحْمَرْ:

تقوم المرأة بضَفِيْرَة قَدَيْقَتَيْنْ، طول الواحدة (30 ضُرَاعاً)، أي (10 أشواط)، ما يعادل (17.40 متراً)، بنوع ضَفِيْرَة (أُمْ أَرْبَعَة)، وتقوم الحرفيَّة بحياكتهما مع بعضهما البعض بمقياس، (8 أشواط)، أي (24ضُرَاعاً)، وتقوم بقطع هذا الجزء، ثمَّ تحيك القَديْقَتَيْن بمقياس، (6 أشواط)، أي (18 ضُرَاعاً)، وتقطع هذا الجزء أيضاً، وما تبقى من القَديْقَتَيْنْ، ثم تقوم بتقطيع ستَّة أشْوَاطْ فرديَّة منها. والحياكة تتم بالطريقة نفسها التي تمت بها حياكة البِرِشْ الأبْيَضْ؛ لكن الاختلاف هنا بعد أن تحيك المرأة المقياس الذي تريده تقوم بقطعه؛ وذلك لأن كل مقياس من هذه الأطوال يتم تلوينه بلون محدَّد، وفي البِرِشْ الأبْيَضْ يتم حياكة القَديْقَتَيْن بقرنهما مع بعضهما البعض بطولهما دون تلوين.

بعد عمليَّة تقطيع كل الأشْوَاطْ التي تحتاج إليها المرأة لحياكة البِرِشْ الأحْمَرْ، تقوم بعمليَّة تلوينها بمادَّة (التِّفْتَه)، ويلوَّن كل مقياس بلون، بحيث تلوِّن الـ(8 أشْوَاطْ)، باللَّون الأحْمَر، والـ(6 أشْوَاطْ)، باللَّون الأخضر، وأربعة من الأشْوَاطْ الفَرْديَّة، تلوَّن باللَّون الأسود، والذي يتم مزجه من اللَّونَيْن، الأحمر والأخضر، وشوطان من الأشواط الفرديَّة، تتركهما المرأة دون تلوين، أي يكونان بلون سَعَفِهِما الأبيض.

يتم التَّلوين بالتِّفْتَة بإضافة اللَّون الذي تريده المرأة، بعد أن تقوم بغلي ماء في الإناء الخاص بهذه العمليَّة، وهو عبارة عن حلَّة كبيرة نسبيَّاً، وبعد تذويب اللَّون تقوم بإدخال لفَّة الضَّفِيْرَة، بعد ربطها بالسَّعَفْ، وبعد إخراجها، تُدْخِل حزمة مربوطة من سَعَفْ الدّوْمْ، لتلوينها بلون لفَّة الضَّفِيْرَة نفسها، فغالباً ما تبدأ باللَّونْ الأحمر، وتلوِّن به لفَّة الـ(8 أشْوَاطْ)، ثمَّ اللَّون الأخضر، وتلوِّن به لفَّة الـ(6 أشْوَاطْ)، ثمَّ اللَّون الأسود، والذي تخلطه من الأخضر، في الإناء بإضافة لون أحمر له، وتلوِّن به أربعة أشْواطْ فرديَّة، وفي كل لون تدخل مع لفَّة الضَّفِيْرَة حزمة ملفوفة من سَعَفْ الدّوْمْ، والذي تستخدمه المرأة في عمليَّة حياكة التُّبَابَة، «انظر الصور رقم: (33)، (34)، (35)، (36)، (37)، على التَّوالي».

بعد ذلك تقوم المرأة بفرش مفرش عبارة عن جوَّال كبير الحجم، وعليه تتم عمليَّة حياكة البرش، وتقوم بتجهيز، إناء به ماء، وبداخله قطعة قماش، ويستخدم لتبليل أطراف الضَّفيرة أثناء الحياكة، وتضع حِزَم السَّعف الملوَّن بداخلها، ليكون لَيِّناً، حتى يسهل استخدامه في حياكة التُّبَابَة. ثمَّ تستخدم لفَّة الضَّفِيْرَة الخضراء اللَّون، وتقوم بفردها، واضعة طرفها تحت قدم رجلها اليمنى، وتقوم بشدِّها باستخدام يديها بفردهما إلى أعلى وهي ممسكة بطرفها الآخر، «انظر الصورة رقم (38)».

ثم تقوم المرأة بقياس شوط من لفَّة الضَّفِيْرَة الخضراء، بالسَّرير الذي يوجد في الغرفة التي تعمل بها، وطوله (190 سم) وتقوم بقطعه، باستخدام أداة المُنْجَلْ، وتفرد هذا الشَّوط على المفرش بالأرض، وتثبِّت نهايتيه. وعليه تُحاك كل أشواط البِرِشْ، ويعتبر هو المقياس لباقي الأشواط، «انظر الصور رقم: (39)، (40)، على التَّوالي».

بعد ذلك تبدأ عمليَّة حياكة الأشواط، وأوَّل شوط تتم حياكته؛ لقرنه مع الشَّوْط الأخضر، هو شوط أبيض، تقوم المرأة بفرده، من لفَّة الضَّفِيْرَة المُنْفَرِدَة، على الجِّهة اليسرى، لاتِّجاه الحرفيَّة، وتبدأ في حياكته بطريقة حياكة أشْواطْ البِرِشْ الأبْيَضْ نفسها، باستخدام سَعَفْ حَنْقُوْقْ الدّوْمْ، بعد محاذاة رأس الشوطين، وفرد الشَّوْط الأبْيَضْ، على امتداد الشَّوط الأخضر، وتثبيت لفَّة الشَّوط الأبيض، مع رأس الشَّوط الأخضر، وتبدأ الحياكة من هذا الاتِّجاه، لتنتهي عند ملتقى رأس لفَّة الشوط الأبيض برأس نهاية الشَّوْطْ الأخضر، والحياكة تكون من اتِّجاه ظهر الضَّفِيْرَة، «انظر الصور رقم: (41)، (42)، على التَّوالي».

 

يتم فرد لفَّة اللَّون الأحمر بشَدِّها بطريقة شد لفَّة اللَّون الأخضر نفسها، باليد والرِّجل، وحياكتها من رأسها بمحاذاة شوط اللون الأبيض، وقطع ما تبقَّى من اللَّفة باستخدام أداة المنجل. ثمَّ حياكة شوط من لفَّة اللون الأسود، ثمَّ شوط من اللون الأخضر، ثم شوط أسود، ثمَّ أخيراً حياكة شوط أحمر. كل هذه الأشواط تتم حياكتها من الجانب الأيسر على التَّوالي. وبعد ذلك تبدأ المرأة في تكرار الترتيب نفسه من الأشواط بألوانها من الجانب الأيمن، الشَّوط الأبيض المفرد، على يمين الأخضر الأساس، أول شوط تمَّ فرده، ثمَّ الشَّوط الأحمر، ثمَّ الشَّوط الأسود المفرد، ثمَّ الشَّوط الأخضر، ثمَّ الشَّوط الأسود المفرد، ثمَّ أخيراً الشَّوط الأحمر. وبذلك تكون حياكة أشواط البِرِشْ الأحمر قد اكتملت، «انظر الصورة رقم (43)».

بعد ذلك تقوم المرأة بحياكة التُّبَابَة، والتي تَعِدُّ لها قَديْقَة ضَفِيْرَة «أُمْ أَرْبَعَة»، بطول (9 ضُرَاعْ)، ما يعادل (6.80 متر)، ويتم تلوينها بالتِّفْتَة السَّوداء، وهي التُّبَابة نفسها التي تعمل للبِرِشْ الأَبْيَضْ، وتحاك بالطريقة نفسها، والخطوات نفسها، وتستخدم إبْرَة المَسَلَّة، وسَعَفْ الدّوْمْ، الذي تمَّ تلوينه بألوان التِّفْتَة مع لفَّات أشواط البِرِشْ الأحمر، وعمليَّة حياكتها تسمَّى «الحِضَايَة»، ويتم تبادل الألوان، وتحاك بطريقة الزقزاق، «انظر الصور رقم: (44)، (45)، على التَّوالي».

الزَّمن الذي تستغرقه المرأة لإنتاج البِرِشْ الأَحْمَرْ، عشرة أيام، كالآتي: (ستَّة أيام لضَفِيْرَة القَديْقَتَيْنْ، ويوم لقَديْقَة التُّبَابَة، ويوم للتلوين بالتِّفْتَة، ويومان للحياكة). ويتم تسويقه بسوق مدينة كَرِيْمَه، أو الأسواق القريبة، بسوق مدينة مَرَوِيْ، أو سوق تَنْقَاسِيْ، وأحياناً يتم طلبه من الحرفيَّة، خصوصاً في مناسبات الزواج، وسعره (60جنيه).

يستخدم البِرِشْ الأحْمَرْ في المناسبات المرتبطة بدورة حياة الإنسان من الميلاد، حيث يفرش للمرأة النَّفساء طيلة فترة الأربعين، وفي الختان يحنَّن عليه المختون، بعد فرشه على سرير العَنْقَريْبْ، وفي الزَّواج يحنَّن عليه العريس أيضاً بجلوسه عليه بعد فرشه على سرير العَنْقَريْبْ، وتستخدمه العَرُوْس أيضاً طيلة فترة حَبْسَها قبل ليلة الدُّخلة، وتستخدمه كفِرَاش؛ لتجلس عليه وتنام عليه.

تقوم النساء عادة بضفيرة البروش في أوقات فراغهنَّ، ويحصلن على عائد مادي من بيعها، يساعد في زيادة دخل الأسرة، فهذا يشكل بعداً اجتماعياً واقتصادياً هاماً، حيث أنَّ هذه الحرفة تشكل فرصة عمل كبيرة لقطاع النساء الذي يمثل نسبة كبيرة من القوى العاملة بمنطقة مروي، والتي تنعدم فيها فرص العمل الأخرى بالنسبة لهذا القطاع. ومن الناحية الاجتماعية تحقق مساهمة المرأة في ميزانية الأسرة عن طريق الدخل الذي تجنيه في تعزيز دورها ومكانتها في الأسرة والمجتمع، وهو عمل فيه إبداع جمالي وفنِّي، ولا تزال هذه الحرفة رائجة، ويقبل عليها الناس لحاجتهم لوظائفها العملية والاجتماعية والثقافية والجمالية التي لا تزال مستمرة في المجتمع. وتستخدم المرأة كما ذكرنا سعف نخيل الجاو، أو المُشْرِقْ، أو المَدِيْن، وهذه مسميات أنواع النَّخيل بالمنطقة الشمالية من السودان، بالإضافة إلى سعف ذكر النخيل، ويتم قطع هذا السَّعَفْ من قلب النخلة باستخدام أداة المنجل، وهو من أدوات الزراعة التقليدية التي تستخدم لإزالة الحشائش، وأغراض أخرى، وتستخدمه المرأة لقطع السعف، وهو كمادة خام تحصل عليه المرأة في أي زمن ومجاناً، فحينما تحتاج إلى السعف لصنع تلك الأدوات ما عليها إلَّا أن تذهب إلى أقرب مزرعة نخيل بالنسبة لها، وكل الذي تقوم به تستأذن المزارع مالك النَّخيل، وهو يسمح لها بذلك دون تردد؛ لذلك فإنَّ هذه الحرفة لا تحتاج إلى رأس مال حتى تدخل الحرفية في مشكلة الحصول على المواد الخام، وبعد أن تُحْضِر الحرفية سعفها، تقوم بتشقيقه وتجفيفه بأشعة الشمس، مستخدمة لذلك يديها، وتقوم بتخزين هذا السعف الذي يكون بكميات كبيرة، وبعد ذلك تستعمل منه الكمية التي تريد ضفيرتها، مستخدمة لذلك أداة (البَلَّالْ)، وهو عبارة عن جوَّال من (الخَيْشْ) الذي يستخدم لتعبئة التمر في أيام الحصاد، ويمكن أن يكون أيضاً عبارة عن بِرِشْ قديم، ووظيفة الْبَلَّالْ هي بَلْ السعف بعد وضعه بداخله ورشه بالماء، كما يبلَّل أيضاً السعف بالماء، ويحافظ البَلَّال على السَّعف ليِّنَاً وطائعاً، ويسهل استخدامه في الضفيرة، وتعمل الحرفيَّة في منزلها، في وقت فراغها، حيث تضفر عددا من لفات السعف المختلفة، بحسب نوع الضفيرة، (أُمْ إِتْنيْن)، (أُمْ تَلَاتَة)، (أُمْ أَرْبَعَة)، وكما بين الكاتب هي بحسب عدد سلخات السعف، وتسمَّى لفة الضفيرة (القَديْقَة)، وكل نوع ضفيرة له استخدام لصنع أداة محددة، وتستعمل نوع ضفيرة أم أربعة لعمل البِرُوْشْ بأنواعها، ونجد أنَّ المرأة بشكل عام تملأ وقت فراغها وتمارس عملا إبداعيا وجماليا، وله وظيفة عملية في المجتمع، وتتكسَّب من هذا العمل، ويشكل لها مصدر دخل مادي، تساهم به في دخل الأسرة، مما يعزز دورها في محيطها الأسري والاجتماعي، كما أنَّ هذا العمل يعبِّر عن ثقافتها، ويمثل هويتها التي تعتز بها، لأنَّ لهذا العمل تاريخا طويلا في الموروث الثقافي بالمنطقة.

حرفة صناعة المفارش السعفية تمثل نشاطاً اقتصادياً مهماً للمجتمع؛ لأنها وسيلة وعنصر مهم من عناصر الإنتاج، فهي تلبي احتياجات الناس في المجتمع، ووسيلة لكسب العيش، وتوفر الاستقرار لشريحة كبيرة في المجتمع، وتُبعد عنهم شبح البطالة، كما تساعد في تقوية العلاقات الاجتماعية بين الناس، ولهذا نجدها تساعد في استقرار الفرد والمجتمع، كما تسهم في حل مشكلات عديدة تواجه المجتمع؛ مما يؤكد أهميتها الاجتماعية والاقتصادية.

 

الهوامش

1 الفريد لوكاس، المواد والصناعات عند قدماء المصريين، ترجمة: زكي اسكندر، محمد زكريا غنيم، القاهرة، مكتبة مدبولي، 1991، ص، 231.

2 Virot C. , Lapoterie africaine, les techniques céramiques en Afrque noire, Banon, 2005, P. 266.

3 تعني كلمة العوجة الموت، وبِرِشْ العَوَجَة، بمعنى بِرِشْ الموت.

4 أحمد الصافي، الحكيم من أجل أطباء أعمق فهماً لمهنتهم ولثقافات مجتمعاتهم وأكثر وعياً ببيئتهم وأحوال أهلهم، الخرطوم، شركة مطابع السودان للعملة المحدودة، 2013م، ص، 250.

5 القَديْقَة هي لفَّة ضفيرة السعف.

6 الرَّاوية سعاد سيد أحمد حمد، شريط رقم: م دأأ/ 4549، كَرِيْمَة، (مربع،4)، 9/10/2013م.

7 الرَّاوية فاطمة فضل المولى سليمان، شريط رقم: م دأأ/ 4544، شِبَا، 1/10/2013م.

8 الرَّاوية سعاد سيد أحمد حمد، شريط رقم: م دأأ/ 4549، مصدر سابق.

9 التُّبَابَة؛ تعني الإطار الذي يعمل بحياكته بأطراف البِرِشْ.

الصور

تصوير الكاتب

1 المصدر: الهيئة العامة للآثار والمتاحف، موقع الضانقيل، مقابر الفريخة كوم (1)، نوفمبر، حفريات موسم 2014م.

أعداد المجلة