فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
35

الحيّه . . بيّة طقس شعبي متوارث

العدد 35 - لوحة الغلاف
الحيّه . . بيّة طقس شعبي متوارث
كاتب من البحرين

منذ أقدم الحضارات توارث الإنسان بهذه المنطقة العربية من العالم العديد من العادات والتقاليد الاجتماعية والدينية المرتبطة بأهم المظاهر والممارسات والظواهر الطبيعية. كان الماء والنبات محورها الأهم فعلى ضفاف الأنهر وسواحل البحار نشأ أعرق نشاط إنساني كون العديد من الحضارات الممتدة. وقد تبدو إحدى العادات المتوارثة بسيطة وعابرة إلا أنها في الواقع امتداد لما هو أعمق وأكثر امتدادا إلى الجذور.  

فمع بداية شهر ذي الحجة من السنة الهجرية، وسفر الحجاج لأداء فريضة الحج إلى بيت الله المعمور، يبدأ الصغار في البحرين والخليج العربي بتجهيز قفة من سعف النخيل تعلق بخيط أو بحبل من طرفيها، يبذرون بالتربة فيها شعيرا أو قمحا، ولكل طفل وطفلة أن يعتني شخصيا بما زرع. . يسقيه ويتابع نموه مباهيا أقرانه بكثافة سيقان ما أطلعت بذوره، إلى أن يأتي يوم وقفة الحجاج بعرفة مساء ليلة عيد الأضحى المبارك، يقوم كل طفل بوضع لقمة من عشائه في قفة زرعه، وتخرج العائلات صحبة الصبية من مختلف الأعمار كل منهم يحمل قفة زرعه التي تسمى شعبيا «حِيّه» متوجهين إلى سواحل البحر في تجمهر شعبي يغلب عليه الطابع النسائي لأداء طقس «الحيّه.. بيّه» السنوي حيث يقوم كل طفل بمرجحة قفته المدلاة من وسطها وهو يردد أنشودة أو أغنية ذات لحن خاص تقول:


حيّه.. بيّه.. راحَتْ حِيّه..
وجات حِيّه
                           على درب الحنينيّة   «الحنينية عين ماء عذب»
يا حيّتي، عشّـيـتـكْ .. غـدّيــتـكْ
نهار العيد لا تدعّين عليّه


     هناك، بكل تأكيد، أكثر من تفسير لمعنى الأغنية وارتباطات كلماتها، ومغزى ورمز أن يتم تقديم الرز أو الخبز طعاما لعشاء زرع سيتم إلقاؤه في البحر، وأن يقدم الطفل زرعا نابتا في قفة من سعف النخيل إلى البحر، وما هو يا ترى مغزى ربط ماء البحر المالح بالماء العذب ؟ ولماذا خوف الطفل من أن يناله سوءٌ من قبل من تولّـى رعايته وإطعامه.
ومما يقوله الرواة : أن أصل بعض كلمات «حيِّه.. بـيّـه.. راحت حيه.. وجات حيه» في الأغنية المتداولة في البحرين شامي، ورد إلى الخليج، ربما من سوريا، بمعنى «حيّا الله أبي القادم من الحج.. أدى فريضة حجّهِ وستأتي إليه فرصة حج أخرى: حَـيـّـِه.. بَـيِّـه.. راحت حجه.. وجات حجه»، وقد قُـلبت جيم كلمة (حجة) ياء وأضيفت إليها كلمات من البيئة المحلية في البحرين.
كل ذلك ما أثارته صورة الغلاف الأمامي لهذا العدد للفنان محمد صادق العصفور، وهي لطفلتين وطفل على أحد سواحل البحرين، قبل مجيء الليل يؤديان طقس الحيّه.. بيّه، فهنيئا للبحر بما يناله من الأطفال.

أعداد المجلة