فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
34

إمتدادا .. ربما لآخر الأجيال

العدد 34 - لوحة الغلاف
إمتدادا .. ربما لآخر الأجيال
كاتب من البحرين

حرفة أو مهنة النسيج اليدوية التقليدية، هي حرفة حياكة قطع قماش من الخيوط القطنية، في الغالب، وذلك باستخدام آلة مركبة تعمل بصورة يدوية. وتعتبر مهنة النسيج واحدة من أهم الحرف التقليدية، التي عرفها شعب البحرين منذ القدم فجذور هذه الحرفة ضاربة في أعماق التاريخ؛ حيث تم العثور في قبور يرجع تاريخها لقرابة القرن الرابع قبل الميلاد، على مخارز ومغازل وفلكات المغازل وهي أدوات تستخدم لحلج القطن أو الصوف لتحويلها لخيوط قبل أن يتم نسجها، كما تم العثور على العديد من بذور القطن في موقع قلعة البحرين والتي تعود لفترة دلمون المتأخرة. وهذه دلائل تشير بوضوح لقدم هذه المهنة في البحرين.


ومنذ حقبة دلمون وعلى مدى قرون استطاعت صناعة النسيج أن تلبي معظم حاجيات سكان البحرين من الملبوسات ونسج الأشرعة للسفن البحرية وغيرها من الأدوات، وقد اشتهر العديد من القرى في البحرين بصناعة النسيج وذلك لأهمية هذه الصنعة في إنتاج أشرعة السفن. هذا، وحتى نهاية النصف الأول من القرن العشرين، كانت هناك قرابة تسع قرى، على الأقل، اشتهرت بحرفة النسيج، منها ما كانت تعمل في نسج العبي ونسج أشرعة السفن وهي: بني جمرة، أبو صيبع، المرخ، الدراز، القريّـة والجنبية، ومنها ما تخصص فقط في صناعة أشرع السفن وهي: كرزكان وشهركان ودار كليب.

وفي الأربعينيات من القرن المنصرم، وبالتحديد، بعد الحرب العالمية الثانية، حدثت انتكاسة في مهنة النسيج، وتقلص عدد القرى التي كانت تعمل في النسيج، ولم يعرف من هذه القرى إلا ثلاث، هي بني جمرة والمرخ وأبو صيبع. وفي نهاية الأربعينيات من القرن المنصرم، انحصرت مهنة النسيج في قرية بني جمرة فقط.

منذ بداية الخمسينيات وبني جمرة تكاد تكون القرية الوحيدة المشهورة بمهنة النسيج، وقد كان بها، في هذه الحقبة، قرابة 50 مصنعاً للنسيج، ولا تكاد تكون عائلة في بني جمرة إلا وعمل أحد أفرادها في مهنة النسيج. وبالرغم من ذلك لم تتطور مهنة النسيج بسبب وجود عدة مشاكل أهمها عدم وجود رؤوس أموال لدى المشتغلين بهذه الصناعة،  وعدم توافر الكثير من أنواع الغزل اللازم.

بعد الخمسينيات من القرن المنصرم، استمر بعض رجال بني جمرة في مزاولة مهنة النسيج، إلا أنها أخذت تتقلص شيئاً فشيئا، ولم يبق من خمسين مصنعا صمدت حتى العام 1951م إلا ثلاثة عشر مصنعاً وذلك في بداية الثمانينات، وفي الوقت الراهن لا يوجد إلا مصنع واحد للنسيج في بني جمرة، وهو الوحيد في البحرين.

على الغلاف الأمامي لهذا العدد لقطة من مهرجان التراث بمملكة البحرين للعام 2016، يبدو فيها الحاج عبدالحسين نجم، من قرية بني جمرة، وقد تجاوز عمره السبعين عاماً، ولا يزال يزاول مهنة النسيج بهمة ونشاط، منذ أكثر من سبع وعشرين عاماً. . إمتدادا ربما لآخر الأجيال بهذه المهنة العريقة.

أعداد المجلة