فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
33

مدخل لفهم فنَّيْ«الـصَّوْت» و«الصُّّوتْ»: مدلول المصطلحين وخصوصيات الممارسة الموسيقية بين الخليج العربي وتونس

العدد 33 - موسيقى وأداء حركي
مدخل لفهم فنَّيْ«الـصَّوْت» و«الصُّّوتْ»: مدلول المصطلحين وخصوصيات الممارسة الموسيقية  بين الخليج العربي وتونس

 

تمهيد:

انبثقت فكرة الكتابة في موضوع فنّ «الصّوت» عموما عن قراءاتنا المتعدّدة للبحوث والدراسات حول هذه الممارسة الموسيقية العريقة، وعن ملاحظاتنا للعديد من التفاصيل والجزئيّات الهامّة الخاصّة بهذا الفنّ التي من شأنها أن تحثنا على إعادة كتابة جزء من تاريخ المشهد الموسيقي العربي.

ونحن في هذا المبحث نهتمّ بـ«فنّ الصّوت» في مجالين جغرافيين تفصل بينهما آلاف الكيلومترات ولكن قد تجمعهما المماراسات الفنية بما لا يجعلنا نشعر بقيمة البعد الجغرافي، وهما:

- «البلاد التّونسيّة» من خلال البحث الميداني بصفتنا باحثين مختصيّن في العلوم الموسيقيّة.

- الخليج العربي عموما، و«البحرين» و«الكويت» و«اليمن» بصفة خاصة، انطلاقا من بحوث مختلفة واعتمادا على الدّراسة الميدانية ذات البعد الوصفي- التحليلي الأتنوموسيقولوجي، على غرار العمل الميداني الضخم الذي أنجزه «بول روفسنغ أولسن» في البحرين.

 وتأتي دراستنا هذه في إطار توضيح الفروقات بين فنّيْ «الصَّوْتْ» في الخليج العربي و«الصُّوتْ» في البلاد التّونسيّة انطلاقا من دلالات المصطلح وصولا إلى ما ارتبطت به من ممارسات موسيقية ذات أبعاد اجتماعية واقتصادية ونفسية.

في البـــدايــة، لاحظنـــا أنّ هـــذا المصطلــح الفنّــي غـــــيــر واضح الدّلالات في القطر التّونسي حتّى بالنّسبة لبعض الباحثين الموسيقيّين، لأنّ هذا الفنّ تختصّ به جهات معيّنة من هذه البلاد، حيث ينتمي إلى الرّصيد الموسيقي الشّعبي البدوي، فلا يقع تداوله نتيجة لذلك من النّاحية الأكاديميّة أو في البرامج التّعليميّة الرّسميّة لاعتبارات مختلفة أبرزها:

- الخيار السياسي الذي لا يرى أصحابه وممثلوه في الثقافة الشعبية - بمختلف قنواتها التراثية بما فيها الموسيقى - مقوّما من مقوّمات الحصانة وإثبات الذات إلاّ بما يخدم الخطاب السياسي في المحافل الدّولية، وهو خطاب مزدوج في أفقه، بحيث تُصدَّعُ رؤوسنا بالحديث عن الهوية والأصالة ويُنقَلَبُ عليها حال انتهاء المواعيد الرّسمية ونزع أربطة العنق.

- عدم فهم كنه هذه الممارسة الموسيقية وأبعادها ودلالاتها ورموزها نظرا لتشعبها وعدم سيرها في نهج الموسيقى التقليدية «الرّسمية».

- عدم قدرة «الأكاديمية» بآليّاتها المختلفة على احتواء الممارسات الفنية ذات الطابع الشفوي أو التقاليد الشفوية لأنها تسعى دائما - وربّما دون قصد - إلى التوثيق والكتابة متجاهلة قيمة الجانب الشفهي في تلك الممارسات والتي لا تتقدّم ولا تتواصل إلاّ به، فيصبح من العبث التوثيق دون محاولة الممارسة وفهم الدلالات والأبعاد للممارسة الفنية في إطارها المكاني والثقافي والاجتماعي والنفسي الأصلي.

 من جهة أخرى، يُعتبر «الصَّوتْ» في الخليج العربي أكثر وضوحا في مستوى الدّلالات والممارسة، ونتبيّن ذلك من خلال الدّراسات المختلفة الّتي كتبت في هذا الشّأن والتي نجدها بعيدة عن المقارنة بنظيرتها في تونس كمّا وكيفا وجودة:

- القاسمي، خالد بن محمّد، «الأواصرُ الموسيقيّة بين الخليج واليمن»، منشورات عويدات، بيروت - باريس، الطّبعة الأولى، 1987.

- أولسن، بول روفسنغ، «الموسيقى في البحرين: الموسيقى التّقليديّة في الخليج العربي»، ترجمة: فاطمة الحلواجي، وزارة الثّقافة والتّراث الوطني، مملكة البحرين، دار الفارس للنّشر والتّوزيع، الطّبعة الأولى، 2005.

- الكثيري، مسلّم بن أحمد، الموسيقى العُمانية: مقاربة تعـــــريفيـــــة وتحليلــــيـــة، سلــطــــــنة عمـــان، مــركـــز عُمــــان للموسيقـــى التقليـديـــة، وزارة الإعــــلام، 2005.

- الشيدي، جمعة بن خميس، أنماط المأثور الموسيقي العُماني: دراسة توثيقية وصفية، سلطنة عمان، مركز عُمان للموسيقى التقليدية، وزارة الإعلام، 2008.

 - خليفة، خالد عبد الله، «محمّد بن فارس المبدع في فنّ الـ(صوت) الشّعبي»، مجلّة الثّقافة الشّعبيّة، العدد الثّالث عشر، البحرين، ربيع 2011.

- الفــــرس، فهــد، والرّشــيد، يـــوســف عبـــد القـــادر، صُــوتْ السّهَـارى... عــوض دوخـــي، سلســــلـة منــارات ثقــافيّة كويتيّة 26، الطّبعة الأولى، صدر مع العدد 404 من مجلة عالم المعرفة، المجلس الوطني للثّقافة والفنون والآداب، الكويت، 2012.

- الهويرينـــي، سليـــمان، «سلـــمان العمـــاري... رائــــد فــــنّ الصُّــوتْ والمحـافظة على التّراث»، مجلّة الكويت، العدد 359، 2013.

خلاصة القول في هذا التقديم نقول إنّ بحثنا هذا تولّد عن اقتناعنا بوجود روابط وقواسم مشتركة بين المشرق والمغرب العربيّين(1) تتجلّى من خلال الخصوصيّات ذات العلاقة بمجال الموسيقى أو من خلال الممارسات الموسيقيّة المترسّبة من الماضي، كما نلتمسها من خلال الشّعر الشّعبي وأغراضه، وهو ما سنحاول التنبيه إليه من خلال فنّ الصّوتْ بين «تونس» و«البحرين» وعدد من بلدان الخليج العربي عموما.

بل إنّ المسألة قد تتعدّى مجرّد التنبيه إلى روابط حضارية وثقافية مشتركة بين مشرقٍ ومغربٍ إلى إمكانية رصد التحرّكات الثقافية عبر التاريخ من خلال الوثيقة السمعية أو السمعيّة - المرئية والتي من خلالها يمكن إبراز ما أهمله المؤرّخون واعتبروه خارج دائرة الأحداث التاريخية الهامّة على اعتبارهم يؤرخون للدّول والسياسات.

ولعلّ انشغالنا بما يفرّقنا هذه الأيّام أصبح مسيطرا على حياتنا أكثر من النظر والتبصّر أو حتّى الانتباه إلى ركائز الاشتراك بين المشرق والمغرب العربي على المستوى الثقافي والتراثي. غير أنه بقيت بعض التقاليد الشّفويّة التي تداخلت في المعجم اللغوي وفي الممارسات الفنية وهي تؤيّد توجّهنا، وتتجلّى في مبحثنا على مستوى المصطلح ودلالاته بما يدعو إلى مشروع ضخم وطريف وهو مراجعة كتابة التاريخ العربي انطلاقا من استنطاق «الوثائق» الموسيقية(2).

 

1. في مفهوم الصَّوتْ في الحقل الدلالي العربي القديم:

إنّ مصطلح الصَّوت مشحون بعدّة دلالات، فالصّوت لغة هو:»جمع أصواتٌ من صَاتَ يَصُوتُ ويَصَاتُ صَوتًا. وأصاتَ وصَوَّتَ به: كله نَادَى. ويُقَالُ: صَوَّتَ يُصَوِّتُ تَصْوِيتًا، فهو مصوِّتٌ وذلك إذا صوَّتَ بإنسان فدعاه. ويقالُ: صَاتَ يَصُوتُ صَوْتًا، فهو صَائِتٌ، معناه صَائِح. وكُلُّ ضَرْبٍ من الغِنَاءِ صَوْتٌ، والجمع أَصْوَاتٌ.»(3)

كما تحدّث أبو فرج الأصفهاني(284هـ/897م - 356 هـ/ 967م) في كتاب الأغاني عن «الصَّوْت» و«المائة صوت المختارة»(4). والصوت في سياق كلامه يعني عموما «اللحن» أو «النغمة» أو في معنى آخر «الغناء»، وهو ما يوحي به ما ذُكر في هذا الكتاب التاريخي القيّم عند اختلاف يحيى بن المنجم (241ـ 300هـ/855 ـ 912م) مع ما ذكره «أحمد بن جعفر جحظة» في الأصوات الثلاثة التي أمر الرشيد بأن يختاروها له «من جميع الغناء»(5). ولقد اختلف «جحظة» مع بن المنجم في صوتين من جملة الثلاث الأصوات. نذكر منها ما يلي:

- لحن معبد في شعر أبي قُطيفة وهو من خفيف الثقيل الأوّل ومن البسيط (ذكر ابن المنجم):

القصر فالنخل فالجمّاء بينهما

أُشهي إلى القلب من أبواب جَيرون

- لحن ابن محرز في شعر المجنون وهو من الثقيل الثاني وبحر الطويل (ذكره جحظة):

إذا ما طواك الدّهر يا أمّ مالك

فشأن المنايا القاضيات وشانيا

ولقد جاء في مؤَلَّف أحمد بن التيفاشي القفصي (مولود سنة 1184م) المعروف بمخطوط «متعة الأسماع في علم السّماع» ذِكْرُ الصَّوت عندما عرّج على طريقة غناء أهل المغرب والأندلس فقال:

«ونحن نذكر جانبا ممّا يتغنى به من الأشعار بالمغرب والأندلس وإفريقية ليقف القارئ عليها، فمن أشعارهم الملحنة التي يتداولون الغناء فيها في سائر هذا الإقليم، صَوْت:

ومنفرد بالحسن خلو من الهوى

عليم بأسباب القطيعة والعتب»

غير أنّ «الصّوتْ» - من حيث هو ممارسة موسيقية- يختلف في أيّامنا هذه من المشرق العربي إلى مغربه بين الرصيد التقليدي والشعبي، رغم اشتراكهما في جملة من الخصوصيّات الثّقافيّة.

 

 2. لمحة عن الصَّوتْ ومدلولاته في «البحرين» والخليج العربي عموما:

حول ظهور فنّ «الصَّوتْ» يُقال أنّه:

«نشأ بخضرموت وانتقل مؤخّرا إلى بلدان الخليج على يد الفنّان عبد الرّحمان العسيري الذي انتقل أوّلا إلى البحرين حيث تخرج عليه ثلة من الفنانين وقد شاع الصَّوت حسب ما ذُكر في مختلف المؤلّفات والدّراسات التي اطلعنا عليها بكامل الجزيرة العربيّة كما أسلفنا وتفرّع إلى أنواع أشهرها: السّامي، والكويتي، والصنعاني، والحجازي والعدني والشحري...، ولا يزال متواصل الإنتاج عليه نظما وتلحينا أما بالعربية الفصحى، أو بالشعر العامي المعروف بالنّبطي»(6).

فهو إذا منتشر بكثرة في الخليج العربي ومصطلح «الصَّوتْ» «يستخدم لوصف أنماط معيّنة من الموسيقى الصوتية (الملفوظة) المعروفة في منطقة الخليج، وتحديدا في المملكة العربية السّعودية وجنوبي العراق»(7) ، ولعلّ هذا ما يجعلنا نوشك أن نجزم بأنّ جذوره ربّما تعود إلى تلك الرّبوع. والصَّوتْ هو «من الألوان الغنائيّة الشّعبيّة المحبّبة في منطقة الخليج العربي لما يمتاز به من قيمة فنيّة كبيرة وثراء لحني، بالإضافة إلى قوّة التّعابير اللّغويّة في نصوصه»(8).

فالصَّوتْ في بلدان الخليج العربي هو شكل من أشكال الغناء، هذا ما يدلّ على أنّ هذا النّوع من الفنّ لا يطلق على نغمة موسيقيّة أو على وزن شعريّ، إنّما يمثّل بالنّسبة لهم أحد القوالب الموسيقيّة، وهذا القالب الموسيقي له أوصاله الثّابتة وهي: «التّحرير، الميانة التسليم، الإستماع، الصوت، توشيحة، الختام»(9).

و يكون أداء هذا القالب الموسيقي- خصوصا في الزّمن الحاضر - حكرا على بعض الفنّانين الّذين لديهم المقدرة على ذلك. وفنّ «الصَّوتْ» في دولة «الكويت» وربّما كذلك الشّأن بالنّسبة لبقيّة دول الخليج العربي هو «من الفنون الخاصّة بالرّجال من دون النّساء، فلا تجد امرأة تعاملت مع هذا القالب. لا في تاريخ الكويت القديم ولا الحديث، فهو فن اقتصر استعماله على الرجال فقط، ولو بحثنا عن الأسباب التي جعلت هذا الفن قاصرا على الرجال فلن نجد ما يفسر لنا هذه الخصوصيّة»(10).

ومن خلال اطّلاعنا على دراسة قدّمها الكاتب البحريني: «خالد عبد الله خليفة» اكتشفنا أنّ «هناك اختلافا كبيرا بين الصّوت البحريني والصّوت الكويتي من حيث أسلوب الأداء الفردي أو من حيث الصّياغة اللّحنيّة كذلك الاختلاف في النّبرات الصّوتيّة والحليات اللّحنية وطريقة الاستهلالات والنصوص الغنائيّة والجو الفني العام، ولكنّهما يتفقان في الجانب الإيقاعي»(11).

 ولكن أغلب الدّراسات التي اطلعنا عليها في هذا المبحث تشترك في كون أنّ مؤدّي هذا اللّون الغنائي في مختلف البلدان المكوّنة للخليج العربي يجب أن يتحلّى بجملة من المواصفات وهي:

- الصَّوْتْ الجميل والمساحة الصّوتيّة.

 - سلامة مخارج الحروف، والنّطق السّليم للنّصوص الشّعريّة.

 - المعرفة بكيفيّة التّعامل مع الكلمات الشّعريّة، والضّغوط الإيقاعيّة للإيقاع الصّوتي.

 - أن يكون عازفا متمكّنا على آلة العود، ولديه المقدرة على التّعامل مع الضّغوط الإيقاعيّة.

- أن تكون لديه ريشة في العزف معبّرة عن الضغوط الإيقـــــاعيّـــة، أي الضّــغــــط القـــــويّ والضّعـــــــيــف (الــدم والتــــك).

 - أن تكون لديه المقدرة في العزف على ملء الفراغات اللحنية،  وذلك من خلال العزف على آلة العود.(12)

فالصَّوتْ هنا هو ذلك «الكُلّ» المتكوّن من الصَّوت الجميل ذي المساحة الصّوتيّة وسلامة النّطق والعزف الجيّد على آلة العود. وهو ما يجعل أداء هذا القالب الموسيقي اليوم مقتصرا من حيث الأداء على البعض من الفنّانين.  

ويمكننا أن نذكر على سبيل المثال البعض ممّن أتقنوا أداء «الصَّوتْ» في بلدان الخليج العربي، ومنهم: الفنّان البحـــــرينــــي(13) «محمّـــــد بـــن فـــــارس»(14) و«محمّــــد زوّيـــــد»(15) والفنانون الكويتيون: «عبد اللّه الفرج»(16) و«يوسف البكر»(17) و«عوض الدّوخي»(18)، الفنّان الشابّ وأصيل الكويت «سلمان العماري» الّذي أجاد فنّ «الصَّوتْ» وقال حول هذا النّمط الغنائي: «فنّ الصّوتْ هو أحد ألواننا الشّعبية الأصيلة في الجزيرة العربية والخليج العربي لاسيما في الكويت، لكنّه فن ترفيهي وغير مرتبط بالعمل، فالفنون الغنائية الفلكلوريّة تنقسم لفنون مرتبطة بالعمل وأخرى للتّرفيه والإستمتاع»(19). ونجد في مؤلّفٍ آخر ما لا يتوافق كليّا مع هذا الرّأي الّذي يجزم أنّ فنّ «الصَّوتْ» ترفيهي وغير مرتبط بالعمل، فيقول صاحبه: «تعتبر أغلب أنواع الصّوت العربي الموروث في الخليج والجزيرة من الغناء التّقليدي الشائع رغم عدم معرفة ملحنها الأصلي ومشاركة الجميع في إبداع منظوماتها. وكانت مادة رئيسية للمجالس والأسمار وفنون البحر ورحلات السفر»(20).

ومثل جميع أنواع الفنون عرف «الصَّوت» بالخليج العربي تطوّرات لم تمسس بجوهره وأسسه الّتي انبنى عليها هذا النّوع من الفنون ويعتبر الفنّان «عوض الدّوخي»: «من أوائل الفنّانين الكويتيين الذين تطرقوا إلى تطوير غناء الصَّوت وذلك من حيث المقدمة الموسيقيّة، ومذهب وعدد من الكوبليهات، حيث يتبع أسلوب المدرسة الشّرقيّة في البناء اللّحني، مستخدما إيقاع الصوت العربي السداسي والشامي الرّباعي»(21).

وفي هذا السّياق نقدّم أنموذجا لـ صَوْت عربي وهو «قل للمليحة»:

قل للمليحة في الخمار الأحمر     

لا تجهري بدمائنا وتستري

مكنت من حب القلوب ولاية   

وملكتها بتعسف وتجبري

إن تنصفي فلك القلوب رعية

أو تمنعي حقا فمن ذا يشتري

سخرتني وسحرتني بنوافث

فترفقي بمسخر ومسحري        

إنّ عدم معرفة المبدع الأصلي لهذا الفنّ المسمّى بـ«الصَّوْت» وقابليّته للتجديد والتواصل يجعلنا نبحث عن نقاط مشتركة لهذا الفنّ في مختلف أنحاء البلدان العربيّة التي يتوافر معجمها الاصطلاحي الموسيقولوجي على كلمة «صَوتْ» ومشتقّاتها في الشكل النحوي. أليس من الممكن أن يتغيّر مفهوم «الصَّوْت» دلالة وممارسة باختلاف الجهة الّتي ينبع منها متأقلما مع مختلف العوامل الطّبيعة والثّقافيّة والنفسية المحيطة به ؟ للإجابة عن ذلك ننتقل لدراسة «الصُّوتْ» في البلاد التونسية.

 

3. الصُّوتْ في البلاد التّونسية

حسب العديد من المخبرين(22) الّذين تواصلنا معهم في لقاءات مختلفة فإنّ مصطلح «الصُّوتْ» - الذي يُنطق في البلاد التّونسيّة بـ«الصُّوتْ» وليس «الصَّوْتْ - منتشر بالسّاحل الشّرقي للبلاد التّونسيّة (أي لدى المهاذبة والـمثـاليــث(23) والـسّــواســي(24) وبـــالجنوب التّونسي. في حين نجد في جهات أخرى على خلاف المناطق التي ذكرناها تسمية أخرى لها مدلول يشابه مفهوم «الصُّوتْ» مثل مصطلح «الجُرّاد» (نمط غنائي نسائي) و«الطَّرقْ»(25)، لكنّنا في هذا الإطار لن نتعمّق ونخوض في مسائل تهمّ نقاط الاشتراك والاختلاف بين مختلف التّسميّات الملتصقة ببعض الممارسات الموسيقية في البلاد التّونسيّة.

ولقد انطلقت دراستنا من زيارتنا لمناطق مختلفة من السّاحل التّونسي الشّرقي وللجنوب (الشّرقي) من البلاد التّونسيّة، وتوصّلنا لمعرفة العديد من الجزئيّات حول مفهوم «الصُّوتْ» الّذي لم يقع التّعريف به في البلاد التّونسيّة - كما هو الشّأن بالنّسبة لـ«الصًّوْتْ» في الخليج العربي - في بحوث علميّة منشورة، وإنّما يتمّ التّطرّق إليه والبحث في بعض جزئيّاته خاصّة في المذكّرات أو الرسائل الجامعيّة التي تبقى عادة بين رفوف المكتبات الجامعية، أو بقدر من الضبابيّة - وهذا مما لا يعسر استنتاجه - في بعض المقالات من غير المختصين في المجال الموسيقي.   

و«الصُّوتْ» هو نمط غنائي شعبي خاصّ بسكّان بعض البوادي والأرياف، ولا يتداول هذا المصطلح في المدن بصفة عامّة إلاّ من قبل النّازحين من المناطق الرّيفيّة لغايات معيّنة أهمّها البحث عن الرّزق.

ولقد جرت العادة في البلاد التّونسيّة أن يتمّ أداء «الصُّوتْ»، إمّا بصَوْتْ الإنسان وقد يكون ذلك دون مصاحبة أيّ آلة موسيقيّة، أو بآلة موسيقيّة وتحديدا آلة «الڤصبة» دون إنشاد، ويكون أحيانا أخرى بمراوحة بين العزف على «الڤصبة» والإنشاد من قبل نفس العازف. ويؤدّى «الصُّوتْ» من قبل الرّجال أو النّسوة، ويختلف ذلك باختلاف مختلف جهات البلاد التّونسيّة وحسب الإطار الثّقافي.  

ومفهوم «الصُّوتْ» في المجال الجغرافي التّونسي يختلف في جوهره وطريقة أدائه عن «الصّوتْ» في الخليج العربي اختلافا واضحا. ولو أنّ العديد من المعطيات تجعلنا نتساءل عن جذور الصُّوتْ في البلاد التّونسيّة -وهذا في حدّ ذاته يمثّل إشكاليّة، فنعتقد طالما ليس لدينا ما يثبت عكس تصوّرنا أنّ جذوره تعود إلى الخليج العربي.

حسب ما اتضح لنا فإنّ المقصود بـ«الصُّوتْ» في البلاد التّونسيّة هو نغمة موسيقيّة وأسلوب في الغناء، لكن إلى أيّ مدى يمكن التّسليم بهذا؟ وهل دائما يكون مفهوم الصُّوتْ يعنى نغمة معيّنة، فيكون مستقلاّ عن «الكلمة»؟ أم هو في بعض الجهات يمثّل التّظافر والتّكامل بين اللّحن والكلمة.

على الأرجح أنّ مختلف التّسميّات للأصْوَات المنتشرة في بلادنا تنسبُ بأسماء تعود في الأصل إلى إسم المكان الجغرافي الّذي نبعت منه، أو إلى إسم قبيلة عُرفت بغناء هذا «الصُّوتْ»، فيقال: «صُوتْ دبّابي، نسبة إلى قبيلة أولاد دبّاب، وصُـوتْ شهيدي، نسبة إلى قبيلة أولاد شهيدة، وصُوتْ يعقوبي، نسبة إلى قبيلة أولاد يعقوب»(26). أو إلى شخص كان هو أوّل من غنّاه، على سبيل المثال نذكر «صُوتْ الصّالحي» الّذي تعود تسميته إلى شخص يدعى «الصَّالحي بن علي السَّلامي بن عمّار الحنشي المراحي المثلوثي» الّذي ولد بالحنشة سنة 1845 وتوفّي بالسّجن في تونس سنة 1912 وهو أوّل من غنّى هذا الصُّوتْ وأبدع في غنائه(27).

وبالتّالي لا نقول مثلا «صُوتْ عَالجنّات» نسبة لأنموذج صُوتْ يتغنّى بإمرأة تدعى جنّات أو «صُوتْ الحنّة» لأنّ هذا النوع من الصُّوت يُغنّى يوم الحنّة «وهذه أمثلة وجدناها في بعض الدّراسات»(28)، أي نسبة «الصُّوتْ» إلى موضوع الأبيات المغنّات أو إلى مطلع الأبيات الشّعريّة كما هو دارج في منطقة الخليج العربي.

حيث بالإضافة إلى ذكر «صوت عربي» أو «صوت شامي» نجد إشارة للصَّوْتْ بمطلع الأبيات الشّعريّة مثل صوت: «يقول بومعجب» وصوت «اغنم زمانك» و«دمعي جرى» وهذه الأصوات سجّلها الفنّان البحريني «محمد بن فارس» وقام بإعادة غنائها الفنّان الكويتي «عوض الدّوخي». إذ تجدر الإشارة إلى أنّ ذكر ذلك في البلاد التّونسيّة وارد ولكنه يعود «حسب ما يتضح من أيّ عمل ميداني قد ينجزه الباحث» إلى قلة خبرة لدى المخبرة أو المخبر في معرفة عمق فنّ الصُّوتْ والإلمام بالمصطلحات التقنية والفنية التي يمكن فهمها وانتقائها بدون عناء عند أرباب صناعة غناء الصُّوْت.

 

3. 1.  مجالات حضور الصُّوتْ في البلاد التونسية:

يتحتّم علينا في مثل هذا النّوع من البحوث التّنقّل إلى الأطر المكانيّة الّتي قمنا بتحديدها حتّى نتمكّن من التّعرّف على مجالات حضور «الصُّوتْ» بالبلاد التّونسيّة. فعيش الواقع الثّقافي للميدان المحدّد هو الّذي يضفي بنا إلى معرفة المناسبات الّتي يتواجد بها هذا النّوع الغنائي المدعوّ بـ الصُّوتْ.

وبناء على بحوثنا الميدانيّة وباطّلاعنا على بحوث أخرى في هذا المجال، توصّلنا إلى الجزم بأنّ «الصُّوتْ» في تونس يؤدّى في أطر ثقافيّة مختلفة. فلقد سجّلنا حضوره في:

 

3 .1.1.«الـمَحْفَلْ»(29):

العرس:

حيث نجد أداء الصّوت في سياقات مختلفة في عدد من جهات البلاد التونسية في مناطقها الريفية:

- النجمة(30): وهي أساسا ظاهرة ثقافيّة واحتفالية تُمارس من قبل مجموعة من النّسوة، يتمّ فيها الغناء في العديد من الأغراض الشعرية الشعبية بأسلوب التطويح(31)، نذكر منها مطلع النص التالي في غرض «المكفّر» (من الأغاني الدينية) والتي يُفتتح بها المحفل في «النّجمة»:

سَبڤناك لا سبڤنا حدْ معاك يا ربّي

سَبڤناك وسبّڤنا  الرّسول معاك يا ربّي

- الطريق: وهو برنامج غنائي متكامل معروف لدى «المثاليث» و«السّواسي» وفي امتداد جغرافي هام من صفاقس إلى أغلب جهات الساحل (المهدية والمنستير وسوسة) حيث استقرت هذه القبائل الهلالية في البلاد التونسية. ويختلف ترتيب هذا البرنامج الغنائي في بعض أجزائه من جهة إلى أخرى في المناطق التي ذكرنا، ولكنها تتّحد اليوم - على الأقل-في أداء صُوت الصالحي وصُوت العرضاوي (الذي يسمّى «نص» كذلك)، وهي التي تكون في مستهل «الطريق» ويتحدّد من خلاله الغرض (مكفّر - نجع، الأخضر - العكس....). وفي ما يلي «صالحي» من نوع مْسَدِّس(32):

يـــــاربّ مـــانــــي عبـــــــــيدك           ومــــن الطّــــين ملّـــيت ذاتــي

الشّطح والرّخف بيدك           وبـــســاعــــة الخــــــــير تــــــــاتـــي

وقفــة علـــى غيــــــــر بابك           تنقــص الثـلـث من حياتي

الختان:

يعتبر الختان كذلك من المناسبات التي تحضر فيه الممارسات الموسيقية الاحتفالية ويكون فيها الصُّوت جزءا لا بدّ منه. وقد يكون ذلك في بعض الجهات من خلال «الطّريق» الذي ذكرناه آنفا. أو في شكل أغاني منفردة. غير أنّه لم نعثر بشكل دقيق في عملنا الميداني على أغاني بأسلوب «تطويح الصُّوت» في هذه المناسبة، بل أغلب ما نجده هو نص شعري معروف جدّا في كامل تراب الجمهورية وهو الذي مطلعه:

طهّر يا لمطهّر           صحّ الله يديك

أو مجموعة من الأغاني النسائية التي تغنى بصفة جماعية أو بالتناوب بين الغناء الفردي والجماعي، مثل مطلع هذا النص الذي أورده باحث من منطقة «بنبلة» من ولاية المنستير في جرد قام به لحصر أنواع وأغراض الأغاني النسائية بمنطقته(33):

الطّهّار جانا وجاب مقص ذهب

طهّرلي أليدي خوذ ما تحب

الطّهّــــار جــــانــــا وجــــــــاب إمّـــاسوا

   طهّرلي أليدي تفرج ناســــو

الحج:

وهي مناسبة اجتماعية ذات بعد ديني عقائدي تبعث الفرحة والسعادة في من نوى قصد بيت الله الحرام سواء كان رجلا أو امرأة وفي أهلهما كذلك. وهو ما يفسّر حضور مظاهر الممارسة الموسيقية الغنائية فيها. ويُعتبر الصُّوت من بين أنماط تلك الأهازيج التي التصقت بهذه المناسبة. نذكر منها في ما يلي «صُوتْ الحج» بمعتمديّة الغريّبة من ولاية صفاقس(34):

نركب للحج إنّادي                           بلّغ سلامي للهادي

نركب للحج إنزورَهْ                          بلّغ سلامي لمنصوره

 

 3 .1. 2. في مظاهر مختلفة من الحياة اليوميّة:

 ويكون ذلك من قبل الرّجال والنّسوة. ولقد لاحظنا، اقتصار أدائه من طرف النّسوة في بعض الجهات من البلاد التّونسيّة مقابل أدائه من كلا الجنسين في مناطق أخرى.

ينتشر في بعض المناطق من الجمهوريّة التونسيّة هذه الجملة «تغنِّي النّساء بالصُّوتْ العَرْبِي» دون الدّلالة على تسمية هذا «الصُّوتْ». ويمثّل «الصُّوتْ» إجمالا وباختلاف أنواعه وسيلة تعبير تلجأ إليها المرأة - وبالتّحديد المرأة البدويّة أو الرّيفيّة - لتفصح بها عمّا يخالج صدرها من مشاعر وأحاسيس أثناء قيامها بمختلف مهامـها المنزليّة أو الفلاحيّة.

كما يؤدّي الرّجل «الصُّوتْ» ليعبّر من خلاله عمّا يخالج نفسه من هموم ومشقّة أثناء القيام بمهامّ فلاحيّة مختلفة أو أثناء الرّعي بالغنم ويكون ذلك بصوته أو بعزف ألحان توارثها عن السّلف على آلة «القصبه». ويساعد هذا النّمط الغنائي على قول ما لا يقدر الفرد على قوله علنًا فيقوله بـ«النّحو». كما أشار لنا ذلك المخبر «سالم الدّلنسي» أصيل منطقة «طينة» من ولاية «صفاقس».

الملالية:

برزت أغاني الملالية - كما يذكر ذلك الباحث أحمد الخصخوصي- متأخرة زمنيا مقارنة بأغاني المحفل وهي عبارة عن أصوات فردية غالبا ما تردّدها المرأة انفراديّا في الخلوات. وتبتدئ هذه الأغاني ضرورة بعبارة «يا لالا» ومنها جاء مصطلح «المرأة تلالي أو الرجل يلالي» وبالتالي «الملالية»(35).

ومن بين الأغاني التي ذكرها الباحث في معنى شكوى البنت لأمّها من زواجها دون رضاها تطبيقا لعرف العشيرة(36):

يا لالا يمة تدقديقي              تـــدقـديـق النـاقـة بحطــبها

صغيرة ومفارقة صاحبها

يا لالا يمة تدلويحي              تدلويح سلاسل الريحانة

عزوبة ولا زواج الهانة

الجحافي:

وهو عبارة عن صوت نسائي تتغنّى به النسوة في منطقة «طينة من ولاية صفاقس» (وأهلها من قبائل المثاليث) بصفة فردية أو جماعية خارج نطاق المحفل، إذ لا تغنّي النسوة جهرا في المحافل بمنطقة «طينة». ويُسمّى هذا الصُّوت عند الرّجال من أهل صناعة الغناء بـ«صُوت العرضاوي».

 

 3 .1. 3 . أغاني العمل:

التويزة:

يعتبر العمل بمختلف تنوّعاته في أرياف البلاد التونسية فرصة لإلقاء الأهازيج والأغاني التي تؤدّى في الغالب بأسلوب «التطويح» (وهو من خصوصيات غناء الصُّوتْ) المرتبطة بأنشطة العمل سواء كان فلاحيا أو تجاريا أو صناعيا. وتحتل «التويزة» - كممارسة غنائية نسائية بالأساس - أهمّ هذه الممارسات الغنائية التي مازالت موجودة (ولو أنها مهدّدة بالاندثار التدريجي) في بعض جهات الوسط التونسي (سيدي بوزيد والقبائل المجاورة لها).

غير أنّ أغاني العمل متأصّلة في الذاكرة الشعبية الفردية والجماعية في العديد من المناطق الريفية التونسية(السّاحل والجنوب)، وقد تختلف تسمياتها من جهة إلى أخرى، وليست «التويزة» إلاّ أحد نماذجها، فيقال «تويزة الحصاد»، «تويزة جني الزيتون»، «تويزة النسيج»، إلخ. ويمكن الرجوع في هذا السّياق إلى بحث معمّق أنجزته الباحثة «الزازية البرقوقي» ونشرت منه مقالا في مجلة «الثقافة الشعبية البحرينية» القيّمة.

ولقد أوردت هذه الباحثة عددا كبيرا من النصوص الغنائية نورد منها النص الشعري التالي الذي يمثل «تويزة» الرّحي (طحن الحبوب)(37):

هِــزِّي رَحَــــاتِــكْ والـلـيـلْ عْڤَــبْ

عَـــرْڤِي سْبَـــايِــبْ فـــــــي أُمِّيمْــتِي نِتْـــرَڤَّـــــبْ

الرَّحَى لِلْخَدَمْ وحَالْها ذَبَّلْني

لُوكان أُمِّيمْتِي في الدُّوار تَعْنَى وتْڤَابِلْنِي

من جهة أخرى نجد أنّ أغاني العمل متأصّلة في الذاكرة الشعبية الحضريّة كذلك وإن كانت لا تغنّى بطريقة «الصُّوت». ولا يسعنا إلاّ أن نسرد نصّا من بين النصوص الكثيرة التي ذكرها المؤرّخ «علي الزواري» في «معجم الكلمات والتقاليد الشعبية بصفاقس» في موضوع أغاني العمل، وهو نصّ شعري طريف كان أهل صفاقس (من الفلاّحة) يردّدونه قديما لجلب الريح النّافع:

يــا بــركة سيـدي جــبــلـة            جيــــب الـــــواري مــــن قــبــــلة

يا بركة سيدي منصور            جيـــب الــــواري مِ النّــاظــور

هــونـــي بــركتــهم لثـنــين            بـــــــابـــــا عـــــامــــر وأمّ الـــــزيــن

وبـوجــربـوع وبـو قبــرين            وسيدي ناصر حمر العين

هــونـي بــركة علـى بـركة            بـــــــركة مـــــــــن حـــــــــجّ وزكّـــــــى

بـركــة مــن طــاف بمــكّة             بــــركة مـــن طـــاف بــالجـّبل

نغرة يا سيدي عْمَرْ(38)

 

3. 2 . حول الصّوتْ وعلاقته بالشّعر الشعبي في تونس:

بناء على ما توصّلنا إليه من نتائج في البحث الّذي أنجزناه لنيل درجة الماجستير وهي بعنوان «دراسة أنتروبوموسيقيّة لـ«صُوتْ العَرْضَاوِي» في منطقة طينة(صفاقس) تأكّدنا من أنّ «الصُّوتْ» بصغة عامّة وذلك في بعض الجهات من البلاد التّونسيّة يتكوّن من التزاوج الحاصل بين نغمة موسيقيّة معيّنة والشّعر الشّعبي.  ومن خلال تعمّقنا في البحث حول «صُوتْ العَرْضَاوِي»(39) من خلال إطلاعنا على المؤلّفات المتعلّقة بالشّعر الشّعبي أو كذلك المصادر الشّفويّة الّتي تواصلنا معهم خلال البحث الميداني لاحظنا أنّ  مصطلح «العرضاوي» - على سبيل المثال- في حدّ ذاته، يقصد به من جهة «وزن شعري»(40) وهو أحد موازين «القسيم» أو كذلك «الملزومة» ومن جهة أخرى نغمة موسيقيّة.

وقد لاحظنا أنّ «الصُّوتْ» المغنّى يكون وجوبا مقترنا بالشّعر الشّعبي ولا يغنّى بالعربيّة الفصحى. كما أنّه يؤدّى دائما بنفس النّغمة الموسيقيّة الخاصّة بتسمية هذا الصُّوتْ. فمن الممكن أن تتغيّر الأبيات الشّعريّة الّتي تكون على وزن شعريّ شعبيّ متعارف عليه لدى البادية، لكنّ اللّحن لا يتغيّر، تتغيّر الأبيات الشّعريّة وتبقى النّغمة الموسيقيّة ثابتة، وهي مختلفة عن النّغمات الموسيقيّة المنتشرة بالمدن والتي خضعت للتّنظير والدّراسة والتّحليل.

فالنّغمة الموسيقيّة الخاصّة بكلّ «صُوتْ» تتمثّل في تركيبة لحنيّة متوارثة ولا نعرف من هو واضع هذه التّراكيب اللّحنيّة المتوارثة أبا عن جدّ. وهذه النّغمات نفسها هي التي يقع ترديدها بآلة القصبة دون إنشاد في بعض الأحيان خاصّة عند الرّعي بالغنم. وهي وإن تتغيّر تغيّرا طفيفا مع مرور الزّمن - هذا التّغير المتأثّر بتغيّر الظّروف المناخيّة والطّبيعيّة وطبيعة الحياة بصفة عامّة- فإنّ هناك هيكلا ثابتا لهذا الصُّوتْ تعطيه خصوصيّته الثّابتة عبر الزّمن.

خاتمة:

يبدو ان موضوع هذه الدّراسة يتطلّب المزيد من التعمّق في أبعاد «فنّ الصُّوت» الذي تُعتبر فيه الوثيقة السّمعية أو السّمعية - البصرية  العنصر الأساسي فيه، لأنّ ذكر النصوص الشعرية المغناة وعملية وصف أطرها الثقافية والإجتماعية أو حتّى تدوينها بآليات تدوين الموسيقى الغربية تبقى- رغم أهميّتها - منقوصة من الخوض في مسألة أهمّ من أن نحصرها مثلا في إبراز علاقة المشرق العربي بمغربه إذ تكفّل التاريخ السياسي بذكر ذلك وتفصيله. وهي أن نصل إلى مرحلة اعتبار تلك المسالك السمعية وثيقة شأنها شأن المخطوط او قطعة من الآثار، فنتمكّن من خلالها من الحفر في ذاكرة هذا التاريخ ولِمَ لا إعادة صياغته بطريقة تعيد الاعتبار لواقع المجتمعات وخصوصيات انماط عيشها.

 

 

الهوامش:

1. المقصود بالمغرب هو:«المنطقة الواقعة تحت حدود جغرافيّة متعارف عليها منذ القدم وحتّى اليوم. إذ يحدّها من الشّمال البحر الأبيض المتوسّط، ومن الجنوب الصّحراء الكبرى، ومن الشّرق برقة ومن الغرب المحيط الأطلسي».

- التّليسي، بشير رمضان، الإتّجاهات الثّقافيّة في بلاد الغرب الإسلامي خلال القرن الرّابع الهجري-العاشر الميلادي، المدار الإسلامي، الطّبعة الأولى، ليبيا، ص27.

2. المقصود هنا هي وثائق العمل الميداني من تسجيلات صوتية  ومرئية-صوتية بما تحتوي عليه من معطيات مترسبة عبر التاريخ من شأنها ان تكون أصدق من أي كتاب آخر في التاريخ لم يعتمد صاحبه فيه غير مرويّات الكتب التي سبقته .

3. ابن منظور، لسان العرب، تخقيق عبد الله علي الكبير ومحمّد أحمد حسب الله وهاشم محمّد الشاذلي، القاهرة، دار المعارف، المجلّد الرابع، الجزء28، ص2521.

4. الأصفهاني، أبو فرج علي بن حسين، الأغاني، تحقيق إحسان عباس وإبراهيم السعافين وبكر عباس، الطبعة الثالثة، بيروت، دار صادر، المجلد الأوّل، 2008، ص27.

5. الأصفهاني، المصدر السابق، ص27

6. المهدي، صالح، «تراكيب الموسيقى العربيّة»، مجلّة الحياة الثّقافيّة، العدد 31، تونس، 1984. ص37.

7. أولسن، بول روفسنغ،  الموسيقى في البحرين: الموسيقى التّقليديّة في الخليج العربي، ترجمة: فاطمة الحلواجي، وزارة الثّقافة والتّراث الوطني، مملكة البحرين، دار الفارس للنّشر والتّوزيع، الطّبعة الأولى، 2005، ص100.

8. الفرس، فهد، والرّشيد، يوسف عبد القادر، «صُوتْ السّهَارى...عوض دوخي»، سلسلة عالم المعرفة، منارات ثقافيّة كويتيّة26، الطّبعة الأولى، المجلس الوطني للثّقافة والفنون والآداب، الكويت، 2012، ص12.

9. القاسمي، خالد بن محمّد، الأواصرُ الموسيقيّة بين الخليج واليمن، منشورات عويدات، بيروت-باريس، الطّبعة الأولى، 1987، ص73.

10. الفرس، فهد، والرّشيد، يوسف عبد القادر، «صُوتْ السّهَارى...عوض دوخي»، سلسلة عالم المعرفة، منارات ثقافيّة كويتيّة26، الطّبعة الأولى، المجلس الوطني للثّقافة والفنون والآداب، الكويت، 2012، ص99-100.

11. خليفة، خالد عبد الله، «محمّد بن فارس المبدع في فنّ الـ(صوت) الشّعبي»، مجلّة الثّقافة الشّعبيّة، العدد الثّالث عشر، البحرين، ربيع 2011، ص148.

12. الفرس، فهد، والرّشيد، يوسف عبد القادر، المرجع السّابق، ص12-13.

13. تنتمي البحرين إلى دول الخليج العربي وهي:»دولة عربية مؤلفة من عدد من الجزر، تقع جميعها في وسط الخليج العربي تقريبا. تقع ست عشرة جزيرة منها بالقرب من الساحل القاري لدولة قطر، ويطلق عليها مجموعة جزر حوار، بينما تتمركز باقي الجزر الرئيسية على بعد 20 كيلومترا من الحدود الساحلية السّعوديّة. تصل المساحة الكلية للدولة إلى 690 كم2 على وجه التقريب. تتجمع الكتلة السكانية في أربع من هذه الجزر المذكورة، تشكل كل واحدة منها وجودا ذاتيا بطرق مختلفة: جزيرة البحرين، والمحرق وسترة والنبيه صالح. أكبر هذه الجزر حجما على الإطلاق هي البحرين، وهي تشتمل على العاصمة المنامة التي تظم معظم الوزارات والدوائر الحكومية.»

- أولسن، بول روفسنغ،  الموسيقى في البحرين: الموسيقى التّقليديّة في الخليج العربي، ترجمة: فاطمة الحلواجي، وزارة الثّقافة والتّراث الوطني، مملكة البحرين، دار الفارس للنّشر والتّوزيع، الطّبعة الأولى، 2005، ص61.

14. محمّد بن فارس: هو فنّان بحريني ولد بمدينة المحرق سنة 1895 ميلادي وتوفّي بها سنة 1948. وقد شهر بإتقانه لفنّ «الصُّوتْ».

15. محمّد زوّيد:»ولد بمدينة المحرق عام 1900م. تتلمذ على يد أستاذه الفنان الكبير محمّد بن فارس وحفظ منه أغلب أغانيه وألحانه وسجّلها فيما بعد. وهو مدرسة في غناء الصوت. أول بحريني يقوم بتسجيل أغانيه على إسطوانة وذلك ببغداد 1929م. كثير الإنتاج وعاصر التّطورات الإعلاميّة الكثيرة وإستفاد منها. زار العديد من البلدان العربيّة وسجل فيه وأقام الحفلات الغنائيّة. محبوب جدّا وله شعبيّة كبيرة وتلاميذ ينتهجون مدرسته الغنائيّة. توفي ودفن بمقبرة المحرق في 5 يونيه1982م».

- أنظر: العمّاري، مبارك عمرو، «الفلكي الشّاعر حسين زايد»،  مجلّة الثّقافة الشّعبيّة، العدد 21، السّنة السّادسة، ربيع 2013، ص69-70.

16.  هو رائد فنّ «الصّوت» بالكويت ولد سنة 1836م وتوفّي سنة 1901م.

17.  يعود له الفضل في تسجيل الأصوات الّتي حفظها عن «عبد الله الفرج» حيث: «إستطاع الأستاذ (أحمد البشر الرّومي) تسجيل تلك الأصوات للمرّة الأولى على جهاز تسجيل (حديث) في حينها في عام (1952م) بعد العديد من محاولات الإقناع التي قابلها الفنّان يوسف البكر في بادئ الأمر بقدر من التّردد، وكان حينها يبلغ من العمر ثمانين عاما حينما أنجز ذلك التسجيل في العام (1953) أي قبل وفاته بسنتين فقط، ويرجع لهذا التّسجيل الفضل في توثيق وحفظ ألحان الأصوات الكويتيّة من الضّياع، وهي في جوهرها الأصلي كما أبدعها الفنّان عبد الله الفرج.»

خليفة، خالد عبد الله، «محمّد بن فارس المبدع في فنّ الـ(صوت) الشّعبي»، مجلّة الثّقافة الشّعبيّة، العدد الثّالث عشر، البحرين، ربيع 2011، ص148.

18. عوض الدّوخي: هو فنّان كويتي الجنسيّة من مواليد سنة 1932 وتوفّي سنة 1979. أتقن قوالب موسيقيّة كويتيّة مختلفة وتميّز بأدائها وهي: قالب «الصُوتْ» وفالب»النّهمة» و»السّامري» و»الطّنبورة».

19. الهويريني، سليمان، «سلمان العماري... رائد فنّ الصُّوتْ والمحافظة على التّراث»، مجلّة الكويت، العدد 359، 2013، ص103-104.

20. القاسمي، خالد بن محمّد، المرجع السّابق، ص72.

21. الفرس، فهد، والرّشيد، يوسف عبد القادر، المرجع السابق، ص19.

22. المخبر في العمل الميداني هو الشخص الذي يتمّ الرّجوع إليه لاعتماد المعلومة في البحث العلمي إذا استحال انتقاؤها بين الوثائق والكتب، وفي الغالب فإنّ المخبر يكون قريبا جدّا من الممارسة الموسيقية وذلك إمّا ممارسا أو متذوّقا أو مترعرعا في البيئة التي توجد بها الممارسة الموسيقية. ولقد اعتمدنا في بحثنا حول الصُّوتْ على عدد من المخبرين، وهم:

- الحسين الحاج يوسف(من المنستير)/ خليفة الدريدي/ الأسعد الاديب/سالم الدلنسي(صفاقس)-رضا عبد اللطيف(دوز)-الناصر حكيمة (في لقاء معه ببنبلة).

23. يمثّل «الـمْثَالِيثْ» أحد القبائل الّتي تتمركز بساحل الوسط التّونسي والّتي إستقرّت به، وهم ينتمون إلى بني سليم الّتي «كانت منازلها في الجزيرة العربيّة في العهد الجاهلي تمتدّ من الطّائف إلى ما وراء المدينة المنورة فهلال منتشرون ما بين الطائف وضواحي مكة ومن منازلهم شمالا تمتد قبائل بني عمهم سليم إلى مشارف المدينة غربي سفوح جبال نجد.»

- أنظر: المرزوقي، محمّد، الأدب الشّعبي في تونس،ـ الدّار التّونسيّة للنّشر ، 1967، ص6..

24. أي من أولاد ساسي وهم ليسوا من المثاليث كما قد يقع فيه البعض من خلط.

25. الطرڤ هو نمط موسيقي معروف في عدد كبير من أرياف البلاد التونسية (خاصة عند قبائل الفراشيش/الشمال الغربي عموما) ويكون في غالب الأحيان موسيقيا بحتا دون مصاحبة الغناء وذلك بآلة الڤصبة(آلة هوائية شبيهة خارجيا بالناي ولكنها تختلف معه في تقنيات العزف بصفة كبيرة). «وقد تتخذ بعض الجهات بالبلاد البدوية التونسية كلمة «صُوتْ» للتعبير عن بعض الممارسات الموسيقية الآلية(قبلي/الحامة..). ومن أشهر الأطراق بالبلاد التونسية تلك التي ارتبطت بجزء من تغريبات بني سليم وهلال مثل «طرق الصيد» و»بعض الأطراق» الأخرى التي ارتبطت بتجمعات معيّنة عند «الفراشيش» فيُقال طرق الغيلاني» و»طرق الحركاتي». والموضوع ثريّ جدّا بما يجعل دراسة فيه أمرا ضروريا.

- كما ذكر كلّ من «أحمد الخصخوصي» و»نعيمة غانمي» في مؤلّفيهما «أغاني النّساء في برّ الهمامّة» حول مفهوم الطّرق:»الأطراق مفردها طرق، ومعناه الأصلي الصوت أو نوع من الأصوات أو النّغمة  أو اللّحن، من ذلك أنّه يقال: فلان هزّ الطّرق أي غنّى أو تعنّى، وكأنّ معنى الطّرق تمحّض في ما بعد شيئا فشيئا ليصبح دالاّ على النّغمة أو المقام في المصطلح الموسيقي.»

- أنظر: الخصخوصي، أحمد، وغانمي، نعيمة، أغاني النّساء في برّ الهمامّة، تونس، الأطلسيّة للنّشر، الطّبعة الأولى، جانفي 2010، ص83 .

في هذا الغرض يمكن العودة كذلك  إلى البحوث التّالية:

- الحاج سالم، قاسم، من مظاهر التراث الفني: طرق الصيد بجهة جبنيانة(دراسة أثنوموسيقية)، رسالة بحث لنيل شهادة الماجستير في الموسيقى وأثنولوجيا الموسيقى، جوان 2011، المعهد العالي للموسيقى بصفاقس، تأطير علمي: الدكتور عبد الواحد المكني.

- الخصخوصي، أحمد، و غانمي، نعيمة، أغاني النّساء في برّ الهمامّة، تونس، الأطلسيّة للنّشر، الطبعة الأولى، جانفي 2010

- الخصخوصي، أحمد، «أغاني المحفل والأطراق»، مجلة الثقافة الشعبية، البحرين، السنة1، العدد3، ديسمبر 2008.

- الأحمدي، سميحة، الطرق عند قبيلتي الفراشيش وماجر: دراسة أثنوموسيقية، رسالة بحث لنيل شهادة الماجستير في الموسيقى وأثنولوجيا الموسيقى، جوان 2007، المعهد العالي للموسيقى بصفاقس.

26. المرزوقي، محمّد، مع البدو في  حلّهم وترحالهم، الدّار العربيّة للكتاب، الطّبعة الثّانية، ليبيا-تونس، 1984، ص83.

27. إستقينا هذه المعلومات حول الصّالحي من أطروحة ماجستير الباحث فيصل القسّيس:

- القسيس، فيصل، الصّالحي من خلال الموروث الشعبي بالحنشة وجبنيانة (دراسة ميدانية تحليلية)، بحث لنيل شهادة الدراسات المعمقة إختصاص آثار وتراث، جامعة تونس، كلية العلوم الإنسانية والإجتماعية، 2002-2003، ص9-11.

28. راجع مثلا: زكري، فاطمة، «اللهجة الموسيقية في الأغنية الشعبية: دراسة تحليلية لنمط «الصّوت» نموذجا»، مجلة الثقافة الشعبية، البحرين، العدد26، 2014.

29. عرّف به «أحمد الخصخوصي»  فذكر أنّه: «من النّاحية اللّغويّة الصّرفيّة صيغة مشتركة بين المصدر الميمي واسم المكان تدلّ على الفعل بصفته حادثا معلوما كما تدل على الظّرف بإعتباره إطارا معيّنا يجري في حيّزه ذلك الحدث. والمحفل من حيث الإصطلاح عبارة عن موكب إحتفالي يُقام عادة بمناسبة الزّفاف أو الختان ويظُمّ مجموعة معتبرة من النّساء مرتديات أبهى ما لديهنّ من ملابس وحليّ متجمّلات بأدوات الزّينة يخطرن وراء الهودج وبجانبيه ويحمل هذا الهودج جمل هادئ بازل مكتهل أو مروّض للغرض، وتحيط بذلك الجمع المنظّم كوكبة من الفرسان من جهات مختلفة، وهم يطلقون بين الفينة والأخرى من بنادقهم النيران فتضفي على الموكب أجواء تمتزج فيها المظاهر الملحميّة بإيحاءات الشّعر وتبعث في الأنفس مشاعر النّخوة والبهجة.»

- أنظر:(الخصخوصي، أحمد، «أغاني المحفل»، مجلّة الحياة الثّقافيّة، تونس، العدد 182، أفريل2007، ص62.)

- كما ورد حول تعريف «الـمَحْفِلْ» ما يلي: «الـمحفل: مصطلح شعبي أجمع العامّة من سكّان الساحل على تداوله قصد الاشارة إلى الإطار العام الذي تغنّى في الأشعار في نطاق «الغَنَّايَة» .»

- أنظر: القسيس، فيصل، الصّالحي من خلال الموروث الشعبي بالحنشة وجبنيانة (دراسة ميدانية تحليلية)، بحث لنيل شهادة الدراسات المعمقة إختصاص آثار وتراث، جامعة تونس، كلية العلوم الإنسانية والإجتماعية، 2002-2003، ص54.

وقد أخذ الباحث فيصل القسيس هذا التّعريف عن:

- التّومي، المهدي، الغنّاية في خنيس، رسالة ختم الّدروس الجامعيّة، المعهد العالي للموسيقى بتونس، تأطير حافظ اللجمي، السنة الجامعيّة 1997- 1998، ص21.

30. «النّجمة» موروث ثقافي خاصّ بجهات دون أخرى في البلاد التّونسيّة، إرتبطت هذه الممارسة الثقافية أساسا ببعض القبائل وقديما كانت تتكوّن من:» سبعة أيّام قبل العرس، يوم العرس وسبع أيّام تليه، وتكون السّبع نجوم الأولى  عبارة عن متنفّس لما يقومون به في النّهار من تحضير لمراسم الإحتفال والذي يتعلّق عادة بالمكان واللّباس والأكل وكلّ متطلّبات هذه المناسبة. تكون نجمة العرس هي النّجمة المتميّزة والأكثر حضورا لأفراد القبيلة، بينما السبع أيّام الأخيرة هي تتويج للإحتفال ترافق فيها النّجمة عدد الأيّام التي تحتجب فيها الزّوجة ببيت زوجها. ولا تنتهي النّجمة إلاّ بخروجها في اليوم السّابع لزيارة أهلها. ولكن مع التّطور التاريخي والتغيرات الإجتماعيّة والثّقافيّة تقلّص عدد النجوم إلى سبع فقط(...) تسمية النّجمة مستنبطة من النّجمة الكوكب، إذ تشاركها في توقيت  الظهور أي أثناء اللّيل وكذلك من التّنويرة التي تفتتح بها النّجمة كلّ ليلة من ليالي الإحتفال فيشاهد نورها  من بعيد كنور النجمة الكوكب.» وتكون هذه الممارسة الثّقافيّة مصحوبة بجملة من الممارسات والطّقوس وما يهمّنا في هذا البحث هو أداء مجموعة من النّسوة المسنّات وعددهم خمسة، لمجموعة من الأنماط الغنائيّة النّسائيّة البدويّة الغير مصحوبة بآلات موسيقيّة.   

- أنظر: برقوقي، الزازية، «النّجمة ظاهرة ثقافيّة فنيّة طقوسيّة واحتفاليّة»، مجلّة الثّقافة الشّعبيّة، البحرين، السّنة الرّابعة، العدد الثالث عشر، ربيع 2011، ص ص98-100.

31. التّطويح في الصُّوتْ أي تطويله وتطريبهُ، وعادة ما يكون هذا الأسلوب غير مصاحب بآلات إيقاعيّة أو لحنيّة.

32. القسيس، فيصل، الطّريق من خلال الموروث الشعبي في الذاكرة الجماعية للمثاليث(دراسة ميدانية تحليلية)، أطروحة الدكتوراه في معرفة التراث والتنمية الثقافية، إشراف الأستاذ الدّكتور محمود قطاط، جامعة تونس، كلية العلوم الإنسانية والإجتماعية بتونس، 2012، ص193.

33. إبراهم، أيمن، الأغاني النسائية بمنطقة بنبلة: دراسة اجتماعية وتقنية، رسالة بحث لنيل شهادة الماجستير في العلوم الموسيقية، المعهد العالي للموسيقى بسوسة، إشراف الدكتور أنس غراب، السنة الجامعية 2013-2014، ص 49.

34. الغضبان، سعاد، الأغنية النسائية بـ»المنار»: دراسة تحليلية وصفية، رسالة ختم الدروس لنيل شهادة الأستاذية، المعهد العالي للموسيقى بصفاقس، إشراف الأستاذة نورة الشلّي، جوان 2009، ص30.

35. الخصخوصي، أحمد،» أغاني الملالية»، مجلة الحياة الثقافية، تونس، العدد174، جوان 2006، ص65.

36. الخصخوصي، أحمد، المرجع السابق، ص66.

37. البرقوقي، الزازية، التويزة ظاهرة اجتماعية فنية وعملية: فرق أولاد رضوان بمنطقة سيدي بوزيد نموذجا، رسالة بحث لنيل شهادة الماجستير في الموسيقى وأثنولوجيا الموسيقى، المعهد العالي للموسيقى بصفاقس، تأطير الدّكتور مراد السّيّالة، جويلية 2011، ص87.

38. الزواري، علي والشرفي، يوسف، معجم الكلمات والتقاليد الشعبية بصفاقس، صفاقس، 1998، ص274.

39. أنظر: العربي، علياء، «صُوتْ العَرْضَاوِي مقاربة أثنوموسيقولوجيّة»، مجلّة الثقافة الشعبية، البحرين، العدد22، 2013، ص.ص108-123.

40. يمكن هنا العودة إلى مُؤَلَّفْ «الشّعر الشّعبي التّونسي أوزانه وأنواعه» لمحي الدين خريّف.

 

المراجع:

1. ابن منظور، لسان العرب، تخقيق عبد الله علي الكبير ومحمّد أحمد حسب الله وهاشم محمّد الشاذلي، القاهرة، دار المعارف، المجلّد الرابع، الجزء28.

2.  إبراهم، أيمن، الأغاني النسائية بمنطقة بنبلة: دراسة اجتماعية وتقنية، رسالة بحث لنيل شهادة الماجستير في العلوم الموسيقية، المعهد العالي للموسيقى بسوسة، إشراف الدكتور أنس غراب، السنة الجامعية 2013-2014.

2.  الأحمدي، سميحة، الطرق عند قبيلتي الفراشيش وماجر: دراسة أثنوموسيقية، رسالة بحث لنيل شهادة الماجستير في الموسيقى وأثنولوجيا الموسيقى، جوان 2007، المعهد العالي للموسيقى بصفاقس.

3.  الأصفهاني، أبو فرج علي بن حسين، الأغاني، تحقيق إحسان عباس وإبراهيم السعافين وبكر عباس، الطبعة الثالثة، بيروت، دار صادر، المجلد الأوّل، 2008.

4.  أولسن، بول روفسنغ،  الموسيقى في البحرين: الموسيقى التّقليديّة في الخليج العربي، ترجمة: فاطمة الحلواجي، وزارة الثّقافة والتّراث الوطني، مملكة البحرين، دار الفارس للنّشر والتّوزيع، الطّبعة الأولى، 2005.

5.  البرقوقي، الزازية، «النّجمة ظاهرة ثقافيّة فنيّة طقوسيّة واحتفاليّة»، مجلّة الثّقافة الشّعبيّة، البحرين، السّنة الرّابعة، العدد الثالث عشر، ربيع 2011.

6.  البرقوقي، الزازية، التويزة ظاهرة اجتماعية فنية وعملية: فرق أولاد رضوان بمنطقة سيدي بوزيد نموذجا، رسالة بحث لنيل شهادة الماجستير في الموسيقى وأثنولوجيا الموسيقى، المعهد العالي للموسيقى بصفاقس، تأطير الدّكتور مراد السّيّالة، جويلية 2011.

7.  التّليسي، بشير رمضان، الإتّجاهات الثّقافيّة في بلاد الغرب الإسلامي خلال القرن الرّابع الهجري-العاشر الميلادي، ليبيا، الطّبعة الأولى، المدار الإسلامي.

8. الحاج سالم، قاسم، من مظاهر التراث الفني: طرق الصيد بجهة جبنيانة(دراسة أثنوموسيقية)، رسالة بحث لنيل شهادة الماجستير في الموسيقى وأثنولوجيا الموسيقى، جوان 2011، المعهد العالي للموسيقى بصفاقس، تأطير علمي: الدكتور عبد الواحد المكني.

9. الخصخوصي، أحمد، «أغاني المحفل والأطراق»، مجلة الثقافة الشعبية، البحرين، السنة1، العدد3، ديسمبر 2008.

10. الخصخوصي، أحمد،» أغاني الملالية»، مجلة الحياة الثقافية، تونس، العدد174، جوان 2006.

11. الخصخوصي، أحمد، وغانمي، نعيمة، أغاني النّساء في برّ الهمامّة، تونس، الأطلسيّة للنّشر، الطّبعة الأولى، جانفي 2010.

12. خليفة، خالد عبد الله، «محمّد بن فارس المبدع في فنّ الـ(صوت) الشّعبي»، مجلّة الثّقافة الشّعبيّة، العدد الثّالث عشر، البحرين، ربيع 2011.

13.  الزواري، علي والشرفي، يوسف، معجم الكلمات والتقاليد الشعبية بصفاقس، صفاقس، 1998.

14.  العربي، علياء، «صُوتْ العَرْضَاوِي مقاربة أثنوموسيقولوجيّة»، مجلّة الثقافة الشعبية، البحرين، العدد22، 2013.

15. العمّاري، مبارك عمرو، «الفلكي الشّاعر حسين زايد»،  مجلّة الثّقافة الشّعبيّة، العدد 21، السّنة السّادسة، ربيع 2013.

16. الغضبان، سعاد، الأغنية النسائية بـ»المنار»: دراسة تحليلية وصفية، رسالة ختم الدروس لنيل شهادة الأستاذية، المعهد العالي للموسيقى بصفاقس، إشراف الأستاذة نورة الشلّي، جوان 2009.

17. الفرس، فهد، والرّشيد، يوسف عبد القادر، «صُوتْ السّهَارى...عوض دوخي»، سلسلة عالم المعرفة،  منارات ثقافيّة كويتيّة26، الطّبعة الأولى، المجلس الوطني للثّقافة والفنون والآداب، الكويت، 2012.

18. القاسمي، خالد بن محمّد، الأواصرُ الموسيقيّة بين الخليج واليمن، منشورات عويدات، بيروت-باريس، الطّبعة الأولى، 1987.

19. القسيس، فيصل، الصّالحي من خلال الموروث الشعبي بالحنشة وجبنيانة (دراسة ميدانية تحليلية)، بحث لنيل شهادة الدراسات المعمقة إختصاص آثار وتراث، جامعة تونس، كلية العلوم الإنسانية والإجتماعية، 2002-2003.

20.  القسيس، فيصل، الطّريق من خلال الموروث الشعبي في الذاكرة الجماعية للمثاليث(دراسة ميدانية تحليلية)، أطروحة الدكتوراه في معرفة التراث والتنمية الثقافية، إشراف الأستاذ الدّكتور محمود قطاط، جامعة تونس، كلية العلوم الإنسانية والإجتماعية بتونس، 2012.

21. المرزوقي، محمّد، الأدب الشّعبي في تونس، الدّار التّونسيّة للنّشر، 1967.

22. المرزوقي، محمّد، مع البدو في  حلّهم وترحالهم، الدّار العربيّة للكتاب، الطّبعة الثّانية، ليبيا-تونس، 1984.

23. المهدي، صالح، «تراكيب الموسيقى العربيّة»، مجلّة الحياة الثّقافيّة، العدد 31، تونس، 1984.

24. الهويريني، سليمان، «سلمان العماري... رائد فنّ الصُّوتْ والمحافظة على التّراث»، مجلّة الكويت، العدد 359، 2013.

 

أعداد المجلة