فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
32

بيوت الغمس في حماه السورية وريفها

العدد 32 - ثقافة مادية
 بيوت الغمس في حماه السورية وريفها
كاتب من سوريا

 

تمهيد:

- يعد التراث العمراني أحد الرموز الأساسية لتطور الإنسان عبر التاريخ، ويعبر عن القدرات التي وصل إليها الإنسان في التغلب على بيئته المحيطة، والتراث يعني توريث حضارات السلف للخلف، ولا يقتصر ذلك على اللغة أو الأدب والفكر فقط، بل يعمُّ جميع العناصر المادية والوجدانية للمجتمع من فكر وفلسفة ودين وعلم وفن وعمران.

ويعتبر العمران أحد أهم العناصر الأساسية للتراث، ويتميز عن غيره من العناصر التراث بوجوده المادي مجدداً بذلك وجود حضارات الأجيال السابقة بصورة مباشرة، لا تقبل الشك أو الجدل، كما يبرز تتابع لتجارب وقيم حضارية واجتماعية ودينية بين الأجيال.

 

 

ومن هذا المنطلق، فإن التراث العمراني القائم يبرز لنا صورة متكاملة عن العمارة التقليدية، بكل ما تحتويه من حلول جيدة عكست ظروف البيئة المحلية (مناخية، جغرافية، اجتماعية)، وكذلك ما تحتويه من حلول تصميمية منسجمة مع احتياج الفـرد والمجتمـع مـن حيث العادات والتقاليد الضاربة في أعماـق هـذا الوطـن.

والتراث تـوأم الإرث، ومـا التشـابـه المصطلـحــي بينهمــا محض مصادفة، فمصدرهما واحد، هو ما ورثناه من الأجيــال التــي سبقـتـنــا، عليـنــا تـوريـثه لـلأجــيـال الآتــية سليماً محصناً من كل تشويه أو أذى، بل هو الثروة المادية والفكرية والروحية التي ينبغي صيانتها بدراستها، وفهم أبعــــادهــــا الفكـــريـــة والجمــالــية وتــطويـــرهــا، والبـــناء علـــيها كـــي يتســـــنـى لهــــا أن تحفــــــر بصمتـــها في صــــرح الحضــــــــارة الإنسانية(1).

 وقد يتساءل أحدهم: ماذا كان قبل بيت الغمس؟ وأين كان يسكن الإنسان؟ وكيف انتقل إلى بيوت الغمس؟ كل هذه الأسئلة يمكن الإشارة لأجوبتها من خلال الحديث عن المغاير و السكن الأول للإنسان.

 المغاير والكهوف  ...السكن الأول للإنسان:

في الأيام الغابرة والسكن الأول عند أجدادنا، حفروا المغاير و الكهوف  في أعلى الهضاب الصخرية، وهذه المغاير متعددة الأشكال والأطوال وفقاً لعدد أفراد الأسرة، والحاجة المطلوبة منها، وخاصة أن أغلبهم كان يربي المواشي والطيور ، وإن الظروف في تلك الأيام أجبرتهم على ذلك منها: غزو اللصوص، وهذا حتَّم عليهم تحصين أنفسهم ضمن هذه المغاير، حيث تجد في المغاير توزيع الغرف بشكل مناسب، وفتحات التهوية، وتجد أكثر من باب في بعض الأحيان، وبعض النتوءات لوضع الأشياء عليها، وتوجد في جدار المغارة خلجان لتخزين بعض المواد الغذائية في داخلها، والشيء الجميل أن المغارة مثل بيوت الغمس دافئة في الشتاء وباردة في الصيف، وكان السراج له أهمية كبيرة في تلك المغاير ،لأن العتمة كانت تحمل إيقاعا «سلبيا» في ذاكرة الناس عبر الحديث عن الجن والشياطين.

 ومن أجل الحماية والتعاون للوقوف في وجه اللصوص كان الأجداد يتركون فتحات بين مغارة ومغارة ثانيــة تجـــاورهـــم، مـــن أجل الاستنـــجاد بالجــــار لمســـاعـــــدة جاره، ورد الخطر عنه، واستطاع الأجداد التكيُّف مع هذه الحالة لفترة طويلة، ثم أصبحوا يبنون بيوت الغمس فوق الأرض.

بيوت الغمس و عبق الماضي :

 يمــــر البيـــت الحجري بثلاث مراحل إلى اليوم مرحلة سكن المغارة، ومرحلة بيت الغمس، ومرحلة بيت الحديث المسلح بالحديد والباتون، وهذا الانتقال أحضر معه أمورا جديدة تتناسب مع البيت الجديد في كل مرحلة، وقبل أن تزول بيوت الغمس أمام التوجه العمراني الجديد، رأينا أن نقوم بدراسة هذه البيوت من عدة جوانب قبل ضياع الهوية العمرانية، واندثار التراث والبيوت وضياع خصوصية البيئة لأنه مع الأيام أخذت بيوت الغمس تتهــــاوى واحـــدا بعــــد الآخـــر دون أن نوظفهــا في مشــروع سياحي كنوادٍ ثقافية شامخة تصدح بعبق الماضي، تلك البيوت التي بقي منها بعض الآثار والأحجار وبقايا جدران حيث تجد أغلب  البيوت راحت  تتهالك وتتساقط مع الزمن بفعل العوامل الطبيعية. أو بفعل الإنسان وبفعل الإهمال وعندما وجَّه الإنسان الجرافـــة لهـــدم بيـــوت أجــــداده الـــتراثية فــلم يضــــع في الحسبان ماضي المكان وعظمة التراث وميراث الأجداد  بينما تحوَّلت بيوت الغمس في بعض المدن إلى متاحف واستراحات رائعة تشد الزائرين وكلما تلتقي البيئة البشرية مع البيئة الطبيعية وتنسجم في إطار جمالي يحلِّق المكان وتسمو المحبة. ففي مدينة حماه وريفها حالة عمرانية جميلة وخاصة دور العبادة وبيوت بعض الميسورين المشادة منذ قرن من الزمن. وحول البيوت القديمة تطالعك الأزقة والدروب الضيقة، لكنها حملت الحنين والمودة واتساع القلوب وإن ضاقت الدروب فهي تدل على الألفة والقرب بين الناس في الإيقاع الوجداني وبيوت الغمس القديمة وما تحمله من أصالة  لها بُعدٌ لا يقاس من خلال النوافذ والأبواب والأدراج الحجرية وشكلها وأقسامها وعناصرها.

 شكل بيت الغمس و أقسامه  ومواده:

 وفي التراث المادي تسمّى «بيوت الغمس» عدة تسميات منها «الدار العربية، أو البيت التقليدي أو بيت العقد أو بيت العائلة»، وقد انتشرت بيوت الغمس في بعض المدن السورية  وريفها قبل استخدام الاسمنت والحديد في البناء. ومادة البناء في بيت الغمس مكوّنة من الحجر والكلس والطين والتبن حيث يمنع التبنُ الطينَ من التشقق. وبيوت الغمس تتسع لحالة من التجمّع الرائع في إطار القناعة والبساطة حيث  كانت قلعة للمحبة والمودة، تلك الدار التي تضمّ الغرف الكبيرة (8×5) والصغيرة (4×5) بينما دور العبادة منها ما تجاوز مساحته الخمسمائة متراً مربعاً، ولتلك البيوت سور في بعض الأحيان، وللسور باب واحد، باب كبير بدرفتين، وفي الصرعة  اليمنى  هناك باب صغير لإدخال رجل واحد، فأهل الدار يسمّونه (خوخة)، وسطوح الدار في بعض الأحيان  متلاصقة، ترسم مستطيلاً، وفي وسط الدار ساحة واسعة، فيها مساطب لجلوس أهل الدار عليها، وقرب الباب الكبير هناك بئر ماء، وخزّان يكفي سكان الدار الكبيرة، أو يكون بيت الغمس منفرداً لعائلة واحدة يضم بيتاً واحداً وتوابعه.

الدار تُبنى بحجر كلسي، وبعض الأحجار البازلتية، وخلف الأحجار طبقة من التراب والطين،  وصل عرض جدران البيوت إلى سماكة مترتقريباً، واعتمدت البيوت القناطر المتقاطعة، ويصل مساحة البيت إلى 40 متراً مربعاً أو أكثر، وسُميت ببيوت الغمــــس لأنه أثنـاء البناء يتـــمّ غمـــــس وغمـــر الـحـجـر بـالـطـين ولـصــق الـمـداميك، والحامل الأساسي للبيت هو القناطر المتصالبة والمتقاطعة قرب بعضها بعضاً وكل قنطرة تشكل عقداً من القطع الحجرية ولكل قنطرة قفل والقفل هو الحجرة الأخيرة في العقد (القنطرة المنحنية كما في الصور المرافقة للبحث)، وهي بمثابة الأعمدة الإسمنتية في الوقت الحاضر، والقناطر من الحجارة المنحوتة. وترى السطوح وكأنها مروج من العشب في فصل الربيع لأن الطين بعد سقوط المطر عليه يسمح لنمو الأعشاب فوقه، وهذا ما يستدعي جذب الناس للجلوس عليه، وجذب  بعض الحيوانات لتأكل العشب وترعى على السطوح في بعض البيوت المتلاصقة والتي فيها درج يسمح بذلك وهي حالات نادرة.

كان أفراد العائلة يعيشون في بيت، ويجعلون بيتاً للمواشي والأدوات الزراعية، ومونة البيت. وفي بيوت الغمس نجد السور أو الطابق الثاني من البلوك الترابي الذي يرافق تلك البيوت وذلك لخفته. وهذا البلوك الترابي مكون من (تراب وتبن)، يتم مزجهما بالماء ليصبحا كالوحل المتماسك ويتم تصنيعه ضمن قوالب خشبية، حيث لا يتجاوز سماكة البلوكة أكثر من 15سم في تلك الأيام، ويتم تصنيعه محليا «مثل التنانير والجرار والأباريق وغير ذلك، وبيت البلوك الترابي  دافئ وحنون. وهذه الجدران مثل سطوح بيوت الغمس، تنبتُ عليها الأعشاب، وتغد ومرجا أخضر». ويجلس على تلك المروج السندسية أهل الدار ومن يزورهم، وعبر هذه البساطة الجمالية تحلو الجلسات وتشمخ الكلمات وتصلى الآيات وتطلُّ المساجلات الكلامية والشعرية الشعبية ويموج المكان وخاصة في زمن المناسبات، ويسقف بيت البلوك الترابي   غالباً بالأعمدة الخشبية، وبيت البلوك الترابي  فيه عودة إلى الطبيعة والعفوية والمحبة تدق باب السماء، وتسمو الثقافة الشعبية بين أهل المكان.

 ومنذ القديم اخترع مهندسو العمران في الماضي مسألة القناطر المتقاطعة وذلك لضرورات بنائية تعود لعدم وجود الحديد في البناء. فالقنطرة عبر حصر الأحجار تصبح وكأنها سقف يحمل ما فوقها. وهذا الالتصاق المحصور هو من يحمل السقف وما حوله وهناك نوعان من القناطر صغيرة وكبيرة، وهي مختلفة الأشكال والتصاميم ولون الحجارة، وتكون القناطر في بيوت الغمس متصالبة ومنحنية كالقوس والقناطر تشاهد من خلالها إطلالة رائعة الجمال للبيوت القديمة والحديثة والتي تحمل إيقاع الجمال، والقناطر لعبت دورا كبيرا في عملية البناء وفي رسم لوحات الجمال في العمران منذ الماضي .

و يقول المهندس «مصعب الحسني» مؤكداً هذا حول بيت الغمس: (كل غرفة منه تتألف من أربع ركائز تبنى على شكل أقواس إلى نقطة التقاء في السقف وتكون الركيزة أحياناً بعرض المترين، ولعدم وجود قالب يتحمل كل هذا الضغط يتم البناء بوضع التراب في داخل الغرفة، وكلما بني متر يوضع التراب لكي يحمل السقف، وبحيث تملأ الغرفة بالتراب، وبعد أن يجف الطين الذي هو عبارة عن تراب وماء مخلوط «بالتبن» مع الحجارة في السقف، يتم تعزيل البيت من التراب).

ويتابع «الحسني»: «وهناك أنواع للجدران الخارجية منها ما هو من الحجر المنحوت بعناية، وفيه بعض الأشكال الهندسية حول الأبواب والنوافذ كتلك الموجودة في المدن الأثرية القريبة، ويكتب عليها باني البيت، والعام وبعض الرسومات، ويكون فيه إطار من الحجارة المنحوتة بشكل واحد تقريباً على أطراف الجدار ومن كافة الجوانب، والنوع الثاني هي البيوت القديمة التي بنيت قبل الاعتناء بالشكل الخارجي والتي تهدم جميعها الآن، جدرانها تكون من حجارة عادية غير منحوتة، وغير قوية لعدم تناسب الحجارة ومعظم بيوتها غير متينة، وربما هي قبل وجود «الشاحطة» التي تنحت فيها الحجارة بشكل يدوي، على اعتبار أن الجدار يكون بعرض المتر تقريباً ويزيد عرضه مع الارتفاع، ومبني من التراب والحجارة تتم عملية العزل بشكل علمي بحيث يكون بارداً بالصيف ودافئاً بالشتاء لوجود الموقد»(2).

بيت الغمس من الخارج ومحتوياته:

لقد راحت الجدران في بيوت الغمس، تحدثنا عن تفكير الأجداد، وذوقهم الفني والعمراني، من حيث روعة البناء والحالة الصحية والفناء الواسع والهواء النقي الذي يلعب في أرجائه وقوة البناء وجبروت الأجداد على بناء هذا (الهرم الصغير) الذي له أربع ركائز، وكل ركيزة تسمى بالإيقاع الشعبي المحلي (بغلة أو عمود أو شمعة)، وراحوا يرسمون عبر الجدران الرموز المختلفة  ضمن البناء، عبر أحجار تختلف في لونها عن باقي المداميك، وهناك القناطر المميزة المتقاطعة، وفي تلك الجدران تجد النوافذ المختلفة الأشكال  وفي الجدران زُرعتْ فيها السكك الحديدية لربط الخيول والمواشي، وتجد قرب الجدران المعالف للماشية وكل ذلك من مادة الحجارة المتنوعة، وتجد الرموز المنقوشة على الجدران والمعبرة عن الإيمان، و هي رسالة للأحفاد للتمسك بكل شيء جميل في هذا المكان، وتجد في البيت فتحة صغيرة في السطح لإنزال الحبوب من السطح بعد سلقها وتجفيفها من أجل البرغل.

وترى في الجدار بعض الأحجار المثقوبة، وهي ذات نتوء، وهذا الثقب من أجل ربط الحيوانات، حتى لا تبتعد عن المكان، وتضيع. وبعضهم يجلب صخرة كبيرة، فيها ثقوب كثيرة يستخدمها من أجل هذه الغاية، وتكون ملاصقة للجدار، وتدعى (خرامه) أي مخرومة مثقوبة. وهناك  المساطب الطينية أمام بيوت الغمس، ترتفع عن سطح ساحة الدار حوالي نصف متر. وهي ملاصقة لجدران البيت، ويكون اجتماع أفراد البيت  شباباً وصباياً  و نسوة و أطفالاً ورجالاً في الصباح وفي المساء على هذه المساطب، يأكلون المغربلة (القضامة - الحبوب المحمصة) والزبيب (حبات العنب المجففة) في جلسات المودة والصفاء وعندما يعلمون أن أحد الشباب يريد الزواج أو يريد أن يبني بيتاً يستعدُّ سكان القرية لمساعدته و في أقل من أسبوع يتمّ إنجاز البيت.

وهناك الأبعاد العمرانية في تراثنا من وجهة النظر الذاتية حيث أن العمران التقليدي غنيٌّ بإيقاعات الجمال تجد التنوع في المهام، منها الروحية والتربوية والجمالية والاقتصادية والصحية: من حيث البعد الروحي تجد الرسوم ذات الدلالات الدينية  على الأحجار الملونة بالأسود والأبيض (أي الأحجار البازلتية والكلسية )، على يمين الباب وعلى يساره. ومن حيث البعد التربوي نجد سطور المداميك البيضاء المستقيمة ربما تعطي البعد التربوي.

ومن حيث البعد الجمالي نجد تلك الزخرفات الموجودة على باب الخشب والرموز الموجودة على الجدار، وكأن من قام بالنقش والرسم هو فنان مبدع ويعشق الجمال. ومن حيث البعد الاقتصادي هناك ما  يجسد هذا البعد: تشاهد في الجدار طاقة لتربية الحمام وتشاهد النتوء لوضع الأشياء، وتشاهد المسكبة أو المسطبة على يمين الباب لوضع الأشياء أو الجلوس، ومن حيث البعد الصحي نجد تلك الكوة فوق «الباب مباشرة» لإدخال حبل الشمس إلى وسط الغرفة والتهوية اليومية وهذه الكوة لإدخال الهواء النقي.

وكمـــا تجـــد علـــى شــــاطـــئ البــحر الـــرؤوس والخلجان  كـــذلك نجد مثل هذه الحالات في الجدران، فالنتوء الذي يخرج من الجدار نسميه رفا، بينما الفراغ الذي يدخل الجدار نسميه نافذة أو كوة أو طاقة. وقد تفنن الأجداد في هذه الكوات  «بعضها كان دائريا وبعضها كان مستطيلا» أو مـــربعا ولهذه الكوات فوائد كثيرة أهمها:  استحضار النور والهواء النقي مع المحافظة على سلامة البيت من اللصوص لأن السارق لا يستطيع المرور من الكوة المفتوحة دائما وبدون قفل. وما يلفت الانتباه أن الكوات فوق الأبواب مباشرة. ومن طرائف هذه الكوات أنها تجذب الطيور (العصافير) لبناء الأعشاش فيها. وربما وظَّفها صاحب البيت تلك الأيام لتربية الحمام .ونقدر لأجدادنا تلك الهندسة العفوية لبيوتهم (الغمس) التي حملت الحنين والحميمية في إيقاع عفوي من المحبة والبساطة.

ولا ينســــى بعضهــــم أن تـــكـون في جـــدار بــيـــتــه حــجـــرة نُحت عليها صورة أو إشارة يحبُّها، نحتها من ملك الفن الفطري، وبعضهم سجّل على حجرةٍ تاريخ تشييد البناء أو اسم العائلة وتكون فوق الباب الرئيسي.

وهذه  القطعة الحجرية  فوق باب الدار تتحدث عن تاريخ بناء هذا البيت، أو هناك حكمة معينة أو دعاء، وكانت هذه القطعة من الحجارة المنقوشة تتحدث لنا عن ماضٍ عمل به الأجداد، وحاول الأجداد إيقاف الزمن من خلال هذه اللوحة حيث يكون تاريخ البناء والتشييد مسجلا على قطعة الحجر وُضعت فوق الباب مع رسم له بعد ديني أو حكمة معينة مثل (رأس الحكمة مخافة الله) أو دعاء (يارب بارك هذا البيت أو (هذا من فضل ربي) وغيرها ونجد مع الصورة الدعاء والحكم والتواريخ وفق رؤية النحاتين.

ونجد أن من يعشق الطبيعة يستحضرها إلى جواره عبر حديقة مجاورة لبيت الغمس ويترك فسحة في الحديقة  يزرع فيها ما يشاء  وهذه حالة حضارية. ومن الظلم أن تزرع المكان كاملا بالبناء لأن البلاد العربية تتمتع بأجواء معتدلة حيث تجد الشمس في أغلب الأحيان ساطعة. ومن هنا يخرج صاحب المنزل إلى حديقة البيت، ليتأملها ويتمتع بمزروعاته من شجر وزهور وغيره  فدوالي العنب صنعت خياما رائعة الجمال  في بعض البيوت  ويستظل في فيئها الإنسان. وهي رئة للبيت لأن الطبيعة تنقي الهواء. ومن حدائق البيوت نعرف إيقاع الجمال .

وقد تم توظيف الحجر في عدد من الأدوات والملحقات في بيت الغمس منها: الأجران الحجرية في البيوت   والأزقة الحجرية التراثية و المعصرة الحجرية و النحت على الحجر من رسوم وتواريخ واسم صاحب البيت و الرحى أو حجر الطاحون و الأبواب الحجرية و الموقد و الدكة الحجرية وغير ذلك .

بيت الغمس من الداخل ومحتوياته:

في مدخل بيت الغمس تجد عتبة لوضع الأحذية أو من أجل التغسيل بمساحة متر أو مترين، وقد نزلت عن مستوى سطح البيت بحدود عشرين سنتمتر. وفي زاوية الغرفة هناك جرّة ماء، وفي منتصف الجدار تجد النتوء المخصّص لوضع السراج، وفي مكان آخر هناك الموقد المحمول على طاولة حديد صغيرة. لها في سطحها حاجز على محيط السطح يرتفع من 10 إلى 20 سنتمتر ويسمّى (الكانون)، وتجد قربه الأباريق، وفي جدار صدر البيت فراغ مربع لوضع فرش النوم والجلوس، ووضع المساند والبسط. وهناك فراغ لوضع الأشياء وهي عبارة عن خزن متنوعة. وعلى الجدار هناك بعض الصور المعلقة للراحلين  ومرآة ويبدو أن الغرف كلها قد صمّمت بنفس الطراز والعمران بوقت واحد، فيها روعة من الجمال، وحسن في التنسيق.

وتجد الفائدة والجمال في ترتيب بيوت الغمس من الداخل، و من يدخل إلى بيوت الغمس يرَ كيفية توظيف الجدران بشكل رائع، حيث يجد أيضاً مكاناً لوضع بعض الأغراض التراثية من الأباريق ودلال القهوة وغير ذلك  وحتى النوافذ تُستغل وتوظَّف لوضع بعض الطاقات من الورود والأزهار، وهناك من يوظِّف خليجاً داخل الجدار لصنع مكتبة صغيرة. وكل هذه الأمور نراها في البيت التراثي من الداخل، حيث الجلوس على السجاد وهناك صف من المساند يسوِّر جدران البيت. وهذا الترتيب الرائع يدل على ذوق أجدادنا وحسن توظيف المكان بشكل مميز. وقد وجدنا أن الترتيب الجميل في داخل بيوت الغمس فرضته الظروف والحالة والحاجة من أجل تحقيق الاستفادة والجمال في حياة الأسرة.

وهنا أشارت السيدة «دنيا الشعيب» قالت: يتم بناء رفوف طينية بأشكال هندسية، يوضع فيها بعض الأشياء الصغيرة التي يحتاجها الشخص كثيراً، ويوجد فيه خلايا لحفظ الحبوب و«مونة» الطعام، وفي بعض الحالات إذا كان البيت من طابقين بحيث يكون أحدهما تحت الأرض مخصص للحيوانات يتم وصلهما بفتحة ينزل منها الشخص دون الخروج من البيت، ويوجد أيضاً مدفأة مبنية داخل الجدار وفتحتها للسقف وتكون كبيرة نوعاً ما تستعمل للطبخ والتدفئة معاً، و«الدولاب» هو خزانة الملابس حالياً يتم بناؤها أيضاً داخل الجدار ولها باب، وذلك بحيث تكون كل غرفة تحوي كافة الاحتياجات دون الانتقال إلى غرفة أخرى(3).

ومن أثاث بيت الغمس في الداخل «هناك ما يعرف بـ(العتبة)، وهي منطقة منخفضة تقع عند باب الغرفة، ولها وظيفتان الأولى وظيفة الحمّام، حيث يتمّ غلي الماء بطناجر النحاس، أو بما عرف مؤخراً بـ(الدست) إمّا على نار الحطب أو على (بابور) الكاز المستخدم لاحقاً للاستحمام، وبجانب (العتبة) توضع (خابة) الماء المصنوعة من الفخار، والتي تساعد على حفظ الماء بارداً في فصل الصيف، وكذلك في العتبة يتمّ خلع الأحذية في فصل الشتاء. ومن أثاثه أيضاً المدفأة الحجرية، حيث يتمّ بناؤها داخل الجدار، ووصلها بمدخنة حجرية تنتهي إلى أعلى السطح، وتوقد بالحطب، أو ببقايا روث الأغنام، أو بقش القمح والشعير، وأيضاً في كلّ غرفة ريفية هناك الرف الطيني الموجود على الجدار المواجه للمدخل هذا الرف الذي حافظ على مادته الطينية برسوماته، وتزيناته التقليدية، وبطلائه بمادة (الحوّارة) كما كانت تسميها نساء الريف»(4).

ومن داخل البيت وخارجه تشاهد القناطر المتقاطعة التي وُجدتْ لضرورات بنائية، تعود لعدم وجود الحديد في البناء، فالقنطرة عبر حصر الأحجار تصبح وكأنها سقف يحمل ما فوقها. وهذا الالتصاق المحصور هو من يحمل السقف وما حوله وهناك نوعان من القناطر: صغيرة وكبيرة ومختلفة الأشكال والتصاميم ولون الحجارة  وتكون القناطر في بيوت الغمس رائعة الجمال تشاهد من خلالها إطلالة تحمل إيقاع الجمال، و القناطر لعبت دورا كبيرا في عملية البناء وفي رسم لوحات الجمال في العمران منذ الماضي.

وعن أسباب هدم بيوت الغمس يقول: السيد «موسى العيسى» الذي يقوم بهدم بيت عائلته القديم صاحب  الرأي المؤيد للهدم: «نتيجة التطور الحاصل في الأبنية وقلة المساحات المعدة للبناء والاتجاه نحو البناء الطابقي، الذي يتسع لعدد سكان أكبر، اتجه الناس نحو هدم البيوت القديمة وإقامة بناء يتسع لأفراد الأسرة، هذه هي حال الدنيا فمن غير المعقول أن تترك هذه البيوت والناس لا تجد مكانا تسكن فيه، وبيتنا يقع في السوق الرئيسي ومحاطا بعدد من الأبنية الحديثة، وسنبني بيتا من أربعة طوابق لي ولإخوتي، وبالعكس سنكمل جانب السوق ببناء جميل»(5).

والرأي المعارض للهدم  كان للسيدة «دنيا الشعيب» حيث قالت: (كنا نسكن في بيت «غمس»، كان متينا جداً وكبيرا أيضاً وما زال إلى الآن يحتفظ بمتانته وشكله الخارجي، كان بارداً في الصيف ودافئاً في الشتاء، وعمل في بنائه كل من كان موجودا في ذلك الوقت دون أي مقابل، وعندما انتقلنا إلى هذا البيت منذ خمسين عاماً تقريباً، جدرانه ليست قوية وفيها شقوق كثيرة وربما لن يستمر طويلاً، وسيهدم قبل ذلك البيت القديم)(6).

التحديث في الشكل والمواد والعناصر له أسبابه وترجمته، كما رآها الكاتب نزار طه شاهين بقوله: (يقوم العمل المعماري نظرياً على التقاء ثلاثة عوالم: عالم الواقع المرئي الذي ينطلق منه العمل ومنه تستعار مواده، وعالم الصيغة: أي الضرورات التي أوجدت العمل والمادة التي يبنى بها العمل. وعالم المشاعر والخواطر التي تدفع وتطبع المعماري والإنشائي الذي يريد تنفيذه. أما الواقع الخارجي فيفرض على المعمار منذ البدء، بل يقدم له أحياناً برنامج عمله، كل ذلك  لا يتم إلا بإبداع المعمار، وجرأته وتطوره، ومن هنا يمكننا القول: إن العمارة التراثية كانت وليدة الحاجة، لأنها عكست نمط الحياة المعاش في حينها، رغم أن أساليب العمارة قد تنوعت حسب الاحتياجات البشرية، وتنوعت موادها ابتداء من الطين، وحتى المعدن والزجاج، إلا أنها جميعها خرجت من التكوين الأول للبناء الذي اعتمد أغصان الشجر، والقش والطين وحلَّت العمارة الشاقولية محل العمارة الأفقية، وارتفعت الأبراج تناطح السحاب، وقد بدأ نمط جديد من التخطيط، غيَّر من بنية العمارة التراثية، وذلك من خلال دخول ثورة النقل والمواصلات والاتصالات والنمو البشري،وتعدد الاحتياجات للسكن واستخدامه)(7).

ويضيف الكاتب شاهين السبب الأساسي من التحديث بقوله: (وقد تلقف تجار البناء هذا الاحتياج، ليقوموا وبشكل حثيث باجتثاث المباني التراثية القديمة، ليقيموا في أماكنها أبنية حديثة ذات أبراج، وبدأت مدارس جديدة في العمارة تبرز منها الحداثة، وما بعد الحداثة. والتقنية المتقدمة (الهاي تيك) والعمارة التفكيكية، وبرزت أنماط من الخطاب المعماري المعاصر، شكَّل قطيعة معرفية مع مقاربات العمارة التراثية لدرجة أنها ذهبت إلى اجتراح نمط تماهى مع مركبات الفضاء، وكتل المعامل المعدنية، وخير مثال على ذلك مركز (جورج بو مبيدو) للفنون في باريس ونظراً لغرابة اللغة المعمارية في بنائه، لاقى تهكماً وسخرية لدرجة تشبيهه بمعمل لتكرير النفط. إلا أنه بدأ التنبُّه إلى أهمية العمارة التراثية، وبدأ اتجاه جديد للحفاظ على هذه العمارة وتسجيلها كإرث إنساني يجب المحافظة عليه.

إن العمارة التراثية العربية استمدت مفرداتها من روح الإسلام، ورغم مفرداتها وأساليبها. إلا أنها شكلت الحاضن  الرئيسي لنمط الحياة الاجتماعية، وعكست احتياجات الساكنين لمفردات البيت، وتنوُّع الفراغات فيه وإشغالها ابتداء من غرفة الاستقبال وحتى غرفة الخدم.(8)

تحديث وتوثيق التراث العمراني

وما قدمنا هذا الاهتمام ببيوت الغمس إلا من أجل رؤية تحديث وتوثيق لهذا التراث وحفظ  المبدع والمفيد منه والذي يستطيع مواكبة العصر. ويكون الاهتمام بالتراث عبر خطط وأدوات وبرامج تنفيذية تقوم بها جهات رسمية وفردية من أجل تحديد الشخصية الوطنية لتراثنا ضمن دراسة موضوعية تستهدف التكامل. وبذلك سيسهم التراث في إرساء مقومات الفرد العربي الجديد الذي يحمل عنفوان الماضي ويؤصّل الحاضر، وصولاً إلى ديمومة المستقبل.

وهذا الالتفات إلى الماضي له دوره في رسم صورة الحاضر والمستقبل، و(في أوقات المحن والأزمات وتشظّي الروح يتلفّت الإنسان إلى ماضيه، إلى ذلك الزمن الفردوسي المحفوف دوماً بالحنين، ذلك الماضي في وجه من وجوهه هو التراث. هو الثقافة التي أنتجها عقل جماعي، هي ذاتها الثقافة الفطرية البكر بكل مفرداتها ورموزها. وفي الأزمان الصعبة يقبض الإنسان على تراث، وعلى ثقافته الشعبية، ذلك لأنّ تهديد هذا التراث، وهذه الثقافة هو تهديد للشخصية والهويّة. تهديد للتعيين والكينونة والحضور في الخريطة البشريّة)(9).

وفي هذا المجال  ندرك رأي «عادل الراشد» رئيس تحرير مجلة تراث في  دولة الإمارات العربية المتحدة الذي بيّن كيف يصمد التراث أمام هذه التغيرات التي تجتاح العالم وبيّن تجربتهم بقوله: (إن العالم الآن أصبح منفتحاً بشكل لم يسبق له مثيل، والتغييرات تكاد تشمل كل مجتمعات الدنيا. ولكن لا بد من بناء حوائط، لا لصد هذه التغييرات أو منعها بل لغربلتها، ومنعها من اجتثاث الذات الوطنية من جذورها، والتحول إلى نسخ كربون ضعيفة المعالم، هزيلة التقاطيع، ومفككة المعاني. والتراث كما أفهمه يعني الهوية، والذاكرة، ونمط الحياة، ونمط الشخصية وطريقة التفكير، فهو أسلوب حياة وتفكير على أساس تراكمي مترابط العناصر، يبدأ في الماضي، ويتواصل في الحاضر، ويستمر في المستقبل من دون أن يكون مكانه المتاحف، وزمانه الماضي. ولذلك، وحتى تستمر هذه الحلقة المترابطة في حفظ وصيانة الشخصية الوطنية، لا بدّ من الالتفات إلى ما يلي:

1 - بما أن المؤسسة أصبحت هي القاسم المشترك في حياة المجتمعات الحديثة، فإن مؤسسة التراث تصبح مسألة مهمة لتحقيق الهدف الوطني المذكور أعلاه..... وقد سخرت لتحقيق ذلك إمكانات ضخمة تمثلت في تحويل عملية غرس التراث، وإحيائه في نفوس الأجيال من المواعظ والتوجيه الإنشائي، وأسلوب الإملاء الأبوي إلى آلية مؤسسية، يوجهها منهج، وتدعمها مرافق وميادين تدريب عالية المستوى، وينفذها مختصون من المهتمين بالتراث، ممن بقي من جيل السابقين، ومن يسير على دربهم من اللاحقين، بالإضافة إلى مشرفين يتم انتقاؤهم بعناية فائقة.

2 - تنشيط ذاكرة الأجيال الجديدة بربطها برموز ومفردات تراثها في خط متواز مع تشجيعها على الأخذ بأسباب الحداثة والمعاصرة، وذلك في خلطة تنقلنا من موقع التلقي إلى موقع المبادرة والإسهام في إثراء الحضارة الإنسانية وفق خصوصية ثقافية مميزة ومتفاعلة في الوقت نفسه(10).

ويذهب الباحث «سلطان بخيت العميمي» بهذا الشأن من أجل إحياء التراث والتواصل مع الجذور بقوله: (فإنني أرى أن التراث هو الجذور التي تربط الشخص بوطنه وأرضه، ومن منا لا يحب أن تكون له جذور في وطنه، لا يشعر معها أنه غريب عنه، ومن منا يحب أن يأتي عليه يوم، ليجد نفسه بلا جذور، ومن منا يحب أن يعيره الآخرون بأن لا جذور له؟ التراث إذا هو الدين، والشرف، والكرم، والجمل، والصحراء، والبحر، والشجر، والبئر، واللبس، والشعر، والبيت... إلى ما لا نهاية، إن وجود التراث المرتبط بجذور الإنسان على بقعة ما من الأرض، يعادل وجود بطاقة هوية لشخص ما في دولته، تؤكد أنه من سكان هذا البلد، يحمل اسمه، وفقدان التراث واختفاؤه يعني فقدان هذه الهوية، والعيش غريباً على حفنة تراب.

إلا أن هذه المعايشة بيننا وبين التراث، أصبحت مهددة في ظل التحولات الحضارية الكبيرة والمهولة، فقد أصبح الوضع مهيئا لتغيرات وتأثيرات كبيرة في ثقافة وعادات سكان الكرة الأرضية(11).

وحول  تطوير واستلهام هذا التراث العمراني  يقول الدكتور الباحث عبد الرحمن عبد النعيم عبد اللطيف: (لقد شكل التراث المعماري والعمراني من خلال غنى عناصره ومفرداته مصدر استلهام أساسي للباحثين والممارسين المهنيين والمهتمين بشأن العمارة والعمران والمشتغلين بتطوير أسس بناء معبّر عن الهوية الثقافية والطابع المحلي للبيئة المشيدة، ويمكن أن نضيف النتاج المعماري والعمراني بصفة عامة لهؤلاء جميعاً بشأن تحقيق ذلك الغرض تحت أحد اتجاهين رئيسين للعمل:

أولهما: الاستنساخ المباشر للمفردات المادية للتراث وذلك عن طريق قولبة العناصر التراثية وإعادة استنساخها وتوظيف مكوناتها وتفاصيل أشكالها في بناء نماذج معمارية وعمرانية حديثة ومختلفة الوظائف.

وثانيهما: الاستيحاء الرمزي والمعنوي من بنية التراث وهذا الاتجاه قائم على البحث الممنهج بوسائله المختلفة من الاستقراء والتحليل والاستدلال للظروف المحلية والمعطيات الثقافية المعاصرة لذلك الوقت والتي أنتجت آليات أدت إلى صياغة هذا التراث المحلي في تلك الأشكال والعناصر والأنساق، ومن ثم استنباط المفاهيم واستنتاج الآليات التي تتلاءم بشكل واع وانتقائي مع المعطيات والظروف المحلية الحديثة لإنتاج نمط معماري، لا يستنسخ بالضرورة العناصر التراثية كما هي، ولكن يحفظ الخصوصية الثقافية، والحضارية  للبيئة المحلية(12).

وعن التجاوزات على التراث العمراني وأسبابها تقول  الأديبة الباحثة «نادية الغزي» في حوار معها: (هناك تجاوزات على الإرث المعماري في المدينة  القديمة، مما يصيبها بالتشويه هذا التعدي المقصود، أو غير المقصود فنفقد بذلك جزءاً من ذاكرة المكان، ولعل في ذكر الأسباب إشارة إلى مكامن الوجع ثم معالجته:  

منها الجهل بأهمية العمران التراثي، وهذا يعجِّل في انقراضه التاريخي,ومنها أن هناك أبنية قديمة مادة بنائها هشَّة، وتحتاج لصيانة وتدعيم، ومنها سطوة المال وتأثيره بشكل عشوائي  ومنها الغزو السكاني الكبير للمدن القديمة، والتأثير السلبي لزيادة العدد، ومنها تغيُّر مفهوم بيت الأسرة الكبير واللجوء للاستقلالية مما دعا لإهمال البيوت الكبيرة القديمة، وكل مهمل يتداعى ويسقط، ومنها التناسي بأن المكان هو السكان، واللجوء للفردية والانعزال عن الجيران، وذلك أفقد المكان قيمة مهمة، ولابد من المصالحة مع مفاهيمنا وقيمنا الأصيلة(13).

ويطرح الكاتب «نزار طه شاهين» عدة أسئلة جوهرية في ذلك منها:

- هل بمقدور العمارة الحديثة أن تتخلى عن علم الجمال التراثي؟

- وهـــل بــإمـكـانـهـا أن تـتـنـصـل مـن المـوروث وتـنـكـفـئ عـن النفـعـيـة والـوظيـفـية، وهـل بـإمـكـانـهـا الـتـخـلـي عـن المبادئ الأساسية المتعارف عليها لخلق عمارة تتضمن مبادئ مثل التكوين والتوازن والخطوط عمودية أم شاقولية؟

- وأن تتخلى عن فقه العمارة العربية الإسلامية في بناء الفراغ الذي يحوي ذات الإنسان وخليته الاجتماعية الخاصة (الأسرة) أم أنها تبغي العمل على تحطيم وتهشيم القيم المعمارية التراثية وخلق قيم جديدة لها فورمات خاصة بها، تؤهِّل لتفكيك الحال الاجتماعية وحاجتها لهذا النمط التراثي وهيمنته ومرجعياته(14).

الخاتمة:

وهكذا وجدنا أن البيت التراثي حمل الحنين والدفء الإنساني. وهو الذي يحقق الأمان في الحياة، وعندما أرصد بقايا بيت يفنى ببطيء عبر الزمن ينتابني الحزن وتهيج الذكريات. وأترك مساحة للتأمل والذكرى عند هذه البيوت المهدمة، وكم أخذت معها من ذكريات للأجداد في هذا البيت، وهناك بيوت كثيرة في مدينة حماه وريفها تتهاوى ولا نجد من يقوم بترميمها، ويندثر بيت الغمس عبر الزمن وتظهر البيوت الطابقية مكانه، تلك البيوت  التي  هي عطر الماضي.  وقد كانت مبنية وفق تلك الحالة، وعبر توفير العناصر الموجودة، وترتبت وفق ذوق فني، يلبي الحاجة والرغبة  والظروف المناخية والخدمية التي تلاءمت مع حياة الأجداد، بما تحمل من محبة وبساطة وعفوية وهدوء نفسي، وهذا يستدعي صرخة من أجل الترميم لتكون حاضرة في حياة هذا الجيل.

 

الهوامش:

1 - مقالة الافتتاحية (لآلئ الماضي) د. لبانة مشوح- مجلة التراث الشعبي- وزارة الثقافة- دمشق  –العدد /3/  2013م-ص5.

2-www.esyria.sy/eidleb/index.php?p=stories&category...

3 - موقع ادلب.

4-http://www.esyria.sy/eidleb/index.php?p=stories&category

5 - موقع eIdleb المنزل الريفي من الداخل، ورؤية على ضوء الكاز

 الكاتب غريب الرجب.

6 - موقع eIdleb المنزل الريفي من الداخل، ورؤية على ضوء الكاز  

الكاتب غريب الرجب.

7 - مقالة- العمارة التراثية- للكاتب نزار طه شاهين- جريدة شرفات-العدد-77- الاثنين-24- أيار-2010م - وزارة الثقافة –دمشق – جريدة نصف شهرية ص57                             

8 - مقالة- العمارة التراثية- للكاتب نزار طه شاهين- جريدة شرفات-العدد-77- الاثنين-24- أيار-2010م - وزارة الثقافة –دمشق – جريدة نصف شهرية ص57   

9 - (أبولوز:1:2004)

10 -(أبولوز:1:2004)

11 -(أبولوز:1:2004)

12 - بحث (استلهام التراث العمراني من الاستنساخ إلى تأصيل واستدامة العمارة والعمران المحلي ) د. عبد الرحمن عبد النعيم عبد اللطيف

13 - حوار مع الأديبة الباحثة ( نادية الغزي)- حوار أحلام الترك  مجلة التراث الشعبي- وزارة الثقافة- دمشق- العدد 3/2013م ص168.

14 - مقالة- العمارة التراثية- للكاتب نزار طه شاهين- جريدة شرفات-العدد-77- الاثنين-24- أيار-2010م - وزارة الثقافة -دمشق - جريدة نصف شهرية ص57.

 

الصور:

الصور من كاتب المقال.

أعداد المجلة